البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

أهمية العراق الاستراتيجية للسياسة البريطانية

الباحث :  د. صباح كريم الفتلاوي
اسم المجلة :  الاستعمار
العدد :  1
السنة :  2024م
تاريخ إضافة البحث :  November / 2 / 2024
عدد زيارات البحث :  93
تحميل  ( 571.892 KB )
الملخص
إنَّ التنافس الاستعماري من أجل الحصول على مناطق نفوذٍ جديدةٍ بدأ من القرن السابع عشر، وقد عَرَّض المنطقة العربية للسيطرة الأجنبيّة، فالتنافس الفرنسي ـ الإنكليزي أدّى إلى احتلال مصر 1882م، إلَّا أنَّ هذا التنافس قد تلاشى ظاهريًا بعد أنْ وجدت هاتان الدولتان ما يُهدد مصالحها بظهور ألمانيا دولةً قويةً منافسةً لهما، إذ توطَّد الوفاق بين الدولتين الذي ظهرت آثاره خلال الحرب الأولى في توزيعات سايكس ـ بيكو.
وبعد الحرب الأولى وفي الوقت الذي ثبّتت بريطانيا نفسها في مصر بإعلان الحماية عليها، لاسيّما قناة السويس بوصفها القاعدة البريطانيّة البحريّة في منطقة الشرق الأوسط، كانت تحاول في الوقت نفسه إيجاد مناطق أخرى للدفاع الجوي، فاتّجهت نحو العراق بوصفه موقعًا وسطًا بين مصر والهند. وهكذا تجسَّدت المواقف البريطانيّة بناءً على إستراتيجيةٍ واضحة، بدفعٍ من الرأسمال البريطاني التجاري في محاولةٍ لإيجاد أسواقٍ وموارد، كالمواد الأولية مع تصاعد أهميّة المنطقة من الناحية الدفاعيّة والإستراتيجيّة.

وتضمَّنت الدراسة مقدمةً ومبحثين، تناول المبحث الأول بإيجازٍ علاقة بريطانيا بالعراق وعوامل الاهتمام البريطاني بهِ، وتطرّق المبحث الثاني إلى أثر الأوضاع الدوليّة في علاقات بريطانيا بالعراق، وجاءت خاتمة الدراسة بأهمِّ الاستنتاجات والخلاصة في تحديد عوامل وتطوّرات علاقة بريطانيا بالعراق.
الكلمات المفتاحيّة: المسألة الشرقيّة، سايكس بيكو، احتلال العراق، درَّة التاج البريطاني، ويلسون. المبحث الأول: أثر الأوضاع الدولية في علاقات بريطانيا بالعراق وعوامل الاهتمام البريطاني بهِ

ارتبط مفهوم العلاقة بين بريطانيا والعراق منذ البدء بالمصالح والأطماع والاستعمار، وكان ذلك مع أوائل القرن السابع عشر، حين كان العراق ثلاثَ ولاياتٍ تابعة للدولة العثمانية (The Ottoman Empire) المُترامية الأطراف، ومع مرور الأيام توسَّعت وترسَّخت هذهِ العلاقة، حتَّى أخذت شكلها الاستعماري بقيام بريطانيا بغزو وادي الرافدين واحتلالهِ أثناء الحرب العالمية الأولى، ومع النتائج المعروفة التي آلت إليها تلك الحرب، أُسِّست دولة العراق المعاصر كدولةٍ واقعةٍ تحت الانتداب البريطاني، بيد أنَّ ذلك لم يكن شيئًا عابرًا، فقد ترسَّخ في العقل الجَمعي العراقي، مفهوم الاستعمار المُرتبط ببريطانيا، فهي التي احتلّت العراق في الحرب العالمية الأولى بعد حربٍ داميةٍ مُكلفة استغرقت أربعة أعوامٍ بحجَّة التحرير، وهي التي فرضت عليه الاحتلال، وهي التي أسَّست الجيش العراقي، ثمَّ قامت (بإنشاء) الدولة المعاصرة من الولايات العثمانية السابقة (بغداد، البصرة، الموصل)، وفرضت عليه الانتداب ونصَّبت عليهِ ملكًا من الحجاز، ثمَّ كبَّلته بالمُعاهدات الاستعمارية، وأنشأت فيه القواعد العسكرية[2].

لقد تركت هذهِ العلاقة المعقَّدة بصماتها الواضحة بعُمق على الدولة والمجتمع العراقي، فكان بناء العراق المعاصر، والانتقال بهِ من المجتمع المتخلّف، يحمل بصمات وطبائع وأهداف بريطانيّة، فبريطانيا كانت وراء إنشاء كلّ مؤسَّسات الدولة الجديدة، وأصبحت اللغة الإنكليزية هي اللغة الثانية في العراق، وكانت هي اللغة الأولى والسائدة في مؤسَّساتٍ كثيرةٍ كالتعليم العالي والسكك والموانئ والطيران، وهذا يعني انعكاس الأنظمة البريطانيّة على مناحٍ كثيرةٍ من الحياة في العراق ممّا يتطلَّب وجود جاليةٍ بريطانيّةٍ كبيرةٍ فيه، لا سيَّما أنَّ كثيرًا من مؤسَّساتهِ كانت تُدار بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة من الإنكليز كشركات النفط والمصافي، وأنَّ الأمر يتطلّب وجود المستشارين كما في كلِّ الوزارات والجيش والدوائر المهمة الأخرى، الأمر الذي أوجد دورًا مهمًا وخطيرًا للسفارة البريطانية في بغداد، إذ جعلها تتحكَّم في أمور الحياة كلّها[3].

ولسعة وتشعّب هذهِ العلاقة، سنقف على أهمِّ المحطَّات التي تخدم الغرض من هذهِ الدراسة وبحدود ما يسمح بهِ البحث.

العراق والسيطرة العثمانية:
بعد سلسلةِ حروبٍ متصلةٍ بين الدولتين العثمانية والصفوية، أصبح العراق جزءًا من الدولة العثمانية وذلك منذ القرن السادس عشر الميلادي، عندما احتل السلطان سليم الأول[4] مدينة بغداد في العام 1534م، ومن المعروف أنَّ الدولة العثمانية استمرت تبسط سلطانها على المنطقة العربية في قلب الشرق الأوسط ما يقرب من أربعة قرون، لحين زوال تلك السلطة نهائيًا من هذهِ المنطقة في القرن العشرين عند انتهاء الحرب العالمية الأولى، وعلى هذا فإنَّ مصير (العراق) ومستقبله كان قد تقرّر استنادًا إلى علاقات الدولة العثمانية مع الدول الأوربية، لا سيَّما أنَّ التوجهات العثمانية نحو الشرق قد اصطدمت بجدار دولة فارس الصفوية[5].

كانت ملامح الضعف والتراجع في الدولة العثمانية قد بدأت في الظهور أواخر القرن الثامن عشر، وقد شغل أذهان الساسة في أوروبا التفكير في مصير هذهِ الدولة ووراثة أملاكها، ومنذ ذلك الوقت المُبكِّر وأثناء القرن التاسع عشر، كانت بريطانيا وروسيا وفرنسا هي الدول الأكثر اهتمامًا بمصير الدولة العثمانية ومصير أملاكها، فبريطانيا رغبت في تأمين طُرق مواصلاتها إلى الشرق الأقصى والهند خصوصًا، سواء عن طريق قناة السويس والبحر الأحمر أم عن طريق الخليج العربي ونهري دجلة والفرات. أمَّا روسيا فقد أرادت أنْ تجد لها منفذًا من البحر الأسود إلى البحر المتوسط بالاستيلاء على القسطنطينية ومضايق البسفور والدردنيل، فضلًا عن أحلامها في الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي[6]، بينما أخذت فرنسا على عاتقها منذ زمنٍ مبكِّرٍ حماية مصالح رعايا الدولة (المسيحيين في شرق المتوسط). إنَّ هذهِ الدول الثلاث كما سنرى فيما بعد هي الدول التي شاركت في رسم قسمة أملاك العثمانيين، «رجل أوروبا المريض»[7] أثناء الحرب فيما عُرف باتفاقية (سايكس ـ بيكو)[8].

المسألة الشرقية[9]:
ركَّزت الدول الأوروبية عند النظر في مصير الدولة العثمانية، على ضرورة المُحافظة على توازن القوى، وعدم الإخلال بالتوازن الدولي في أوروبا. ولقد ترتَّب على محاولة الوصول إلى حلٍّ لمشكلة مصير الدولة العثمانية وأملاكها في القرن التاسع عشر، وحتَّى أوائل القرن العشرين، أنْ برز ما صار يُعرف باسم «المسألة الشرقية». وانبرى كثيرون لتعريف هذا المصطلح في ضوء المُحاولات التي هدفت للتوفيق بين مصالح الدول المُتضاربة على حساب الدولة العثمانية[10]، وكان واضحًا أنَّ أكثر اهتمام الدول الأوربية كان موجَّهًا لتقرير الكيفية التي يمكن بها ملء الفراغ الذي ينجم من تقلّص الحكم العثماني في أوروبا (البلقان)[11]، بيد أنَّ الدول الأوروبية تمكَّنت من إيجاد حلٍّ للمسألة الشرقية عن طريق مؤتمر برلين (1878م)، إذ استطاعت تصفية القسم الأكبر من هذهِ المسألة باستقلال دول البلقان[12]، وهكذا يصح القول إنَّه أمكن تسوية المسألة الشرقية قبل قيام الحرب العالمية الأولى.
من الواضح أنَّ التسوية التي تمَّ الاتفاق عليها قد تركَّزت في أملاك تركيا في البلقان؛ ولذلك لم تفقد تركيا من أملاكها العربية سوى ليبيا، إذ بقيت الدولة العثمانية محتفظةً بسلطانها الفعلي أو بحقوق سيادتها أو بنفوذها الاسميّ على المنطقة العربية في الشرق الأوسط، حتَّى قيام الحرب العالمية الأولى[13].

تجدّد البحث في مصير الدولة العثمانية وأملاكها التي بقيت لها بعد الحروب السابقة، منذ أنْ بدأت الحرب العالمية الأولى عام 1914م؛ وذلك لانضمام تركيا إلى جانب ألمانيا والنمسا ضدَّ دول الوفاق الثلاثي (بريطانيا وفرنسا وروسيا) في هذهِ الحرب. ولذا فإنَّ كسب الحرب وهزيمة الدولة العثمانية كانا أمرين ضروريين لتحقيق هدف تجريد الدولة العثمانية من أملاكها وإنهاء نفوذها في الشرق الأوسط، قبل معالجة موضوع ملء الفراغ الذي نشأ في تلك المنطقة، ويبدو أنَّه على خلاف ما حدث عند تسوية المسألة الشرقية، لم تشأ دول الوفاق أنْ يملأ الفراغ المنتظر حدوثه وحدات سياسية ذات كيانٍ مستقل، كالدول التي أُسِّست في البلقان، بل أرادت إخضاع المنطقة إمَّا لسلطانها الفعلي، وإمَّا لنفوذها غير المباشر[14].

وكانت مسألة التعجيل في هزيمة الأتراك وإخراجهم من الشرق الأوسط هي الشغل الشاغل لدول الوفاق ـ لا سيَّما بريطانيا ـ إذ رأت تلك الدول أنَّ الحلَّ يكمن في تحريض العرب في تلك المنطقة على الأتراك؛ لذلك حرّك الإنكليز بوساطة جواسيسهم ورجالهم في المنطقة ومنهم (لورانس)[15]، القبائل العربية في الحجاز لإعلان الثورة، وسعوا لاستمالة الشريف حسين بن علي شريف مكَّة[16] إلى جانبهم، ومساعدته في إعلان الثورة، بيد أنَّ مطامح الإنكليز كانت ترنو بشغفٍ ورغبةٍ كبيرين إلى منطقة وادي الرافدين[17].

أكَّد السير مكماهون[18] في رسائل عدَّة بعث بها إلى الشريف حسين، ضرورة قيام العرب بالثورة ضدَّ الأتراك، ووعد بمُساعدتهم في نيل الاستقلال، وجاء في بعضٍ من تلك الرسائل ما يلي: «أمَّا في خصوص ولايتي بغداد والبصرة، فإنَّ العرب تعترف أنَّ مركز بريطانيا العظمى الموطَّدة ومصالحها هناك تستلزم اتخاذ تدابير إدارية، لا سيَّما لوقايةِ هذه الأقاليم من الاعتداء الأجنبي، وزيادة خير سكَّانها، وحماية مصالحنا الاقتصادية المتبادلة»[19]، وأكَّد السير مكماهون للشريف حسين: «أنَّ حكومة بريطانيا العظمى ـ كما سبقت فأخبرتكم ـ مستعدّةٌ لأنْ تعطي كلَّ الضمانات والمساعدات إلى المملكة العربية، ولكن مصالحها في ولاية بغداد تتطلَّب إدارةً وديةً ثابتةً كما رسمتم، على أنَّ صيانة هذهِ المصالح كما يجب تستلزم نظرًا أدق وأتم ممّا تسمح بهِ الحالة الحاضرة والسرعة التي تجري بها هذهِ المفاوضات»[20].

بريطانيا والاهتمام بالعراق:
يرجع تفكير بريطانيا في العراق إلى عهودٍ سابقةٍ طويلةٍ سبقت الحرب العالمية الأولى، فنظرًا لموقعهِ الجغرافي، ومركزه السوقي، وعلاقته الوثيقة بجنوب إيران وخليج البصرة، فإنَّه من غير الطبيعي أنْ تغفل عنه دولةٌ استعماريةٌ وتجاريةٌ كبرى كبريطانيا العظمى[21]، ولم يكن الاهتمام بسلامة المواصلات الإمبراطورية والمحافظة على طريق الهند (درَّة التاج البريطاني) الحافز الوحيد للتفكير والاهتمام بأرض ما بين النهرين[22]، إذ كانت هناك أسبابٌ مهمةٌ أخرى لاهتمام بريطانيا بالعراق، منها:

1. إنَّ موقع العراق الإستراتيجي بين الشرق والغرب، كان عاملًا جوهريًا وأساسيًا في توجيه انتباه البريطانيين وتحديد مسارات تغلغلهم ونفوذهم فيه، وإنَّه قلب الشرق الأوسط، وخطورة موقعهِ هذا تُفسِّر جوانب من صراعهِ الطويل مع قوىً أجنبيةٍ عديدة[23].

إنَّ لكلِّ دولةٍ من عالمنا هذا موقعٌ جغرافيّ له ميزاته الخاصّة، ولكن هناك دول لَعِبَ موقعها الجغرافي أخطر دورٍ في تاريخها، ومن هذهِ الدول (العراق)، فهو معبرٌ عالميّ بين الشرق والغرب، كما أنَّه قلب العالم الإسلامي، وفي الوقت نفسهِ يقع على الطرف القصي الشرقي للوطن العربي[24]. ويقع العراق في موضعٍ يجعله طريقًا عالميًا، وفي الوقت نفسهِ مُلتقى لطرق العالم كلِّها، ولقد كانت هذهِ القطعة من الأرض تبدو بالنسبة إلى القطعان البشرية الجائعة خلال العصور، كنزًا للكثير من أولئك الذين كان يحرّكهم الشعر القائل «وطن الإنسان هو المكان الذي يجد رفاهه فيه»، فأين يمكن العثور على منطقةٍ مثل هذهِ، كبيرةً كانت أم صغيرةً، قد منحت العالم، أو أخذ منها العالم هذا الشيء الوفير»؟[25].
وفي ظلِّ اشتداد التنافس الاستعماري الذي شَهِدته المنطقة في القرن التاسع عشر، تمكَّنت بريطانيا من تحقيق الأرجحية في العراق، حتَّى غدا يشغل حيزًا كبيرًا في تفكيرها الإستراتيجي.

إنَّ ثلاثة عقودٍ من القرن التاسع عشر (1830-1860م) كانت خطيرةً جدًا في تاريخ العراق، إذ تميَّزت بتضخم مصالح بريطانيا، وتعدّد مشاريعها واستقرار نفوذها في ربوعهِ، فقد كان الهدف الإستراتيجي البريطاني في تأمين السيطرة على خطوط المواصلات الدولية المؤدية إلى الهند، يعني الدفاع عن وجود الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، والعراق عظيم الأهمية من وجهة نظر الدفاع عن هذهِ الإمبراطورية وحفظ مواصلاتها[26].

2. كان الموقف السياسي في العراق أثناء القرن الثامن عشر، يساعد على تغلغل النفوذ البريطاني، فقد كان المماليك يحكمون العراق منذ العام 1704م، وكان هؤلاء رغم تبعيتهم الاسميّة للسلطان العثماني، ينفردون بالحكم في العراق؛ ولذلك هم في حاجة إلى المُساعدة وتأييد دولةٍ كبرى ضدَّ أيَّ محاولةٍ من جانب السلطة العثمانية لإرجاع نفوذها المباشر في العراق، وفي الوقت نفسهِ ضدَّ محاولات فارس في بسط نفوذها على العراق، وقد نتج عن ذلك تقاربٌ بين ولاية بغداد والسلطات البريطانية في بومباي، فقد وافق ولاة بغداد على تطبيق قاعدة الامتيازات التي كانت تمنحها الدولة العثمانية للأوروبيين، كما أنَّ بغداد كانت في أشدِّ الحاجة إلى مساعدة بريطانيا لمواجهة الخطر الوهابي الذي ظهر في نجد، جنوب العراق[27].

3. الصراع الدولي، فقد شَهِدت منطقة الخليج العربي منذ بداية القرن السابع عشر صراعاتٍ دامية بين الدول المتنافسة، فكان الصراع البريطاني البرتغالي، ثمَّ الصِدام البريطاني الهولندي، وانتهت الأمور أخيرًا لصالح السيادة البريطانية في الخليج، ففي أواخر القرن الثامن عشر أصبحت لبريطانيا العظمى الأرجحية تجاريًا وسياسيًا[28].
لكن التطوّر الخطير في سياسة بريطانيا وموقفها ليس تجاه الخليج العربي فحسب، بل تجاه وادي الرافدين ومنطقة الشرق الأوسط حدث مع بداية القرن التاسع عشر، وعند ذلك لم يعد إحراز الأرجحية في نظر بريطانيا مجرد أمرٍ مُحبَّذٍ أو مرغوبًا فيه، بل لا بدَّ منه لصيانة مصالحها، وهيبتها في هذهِ البقعة من العالم، ولقد كان العامل الأكبر في حدوث هذا التطوّر الخطير، ظهور منافسٍ عتيدٍ على مسرح الشرق، ذلك هو نابليون بونابرت[29] بقيامهِ بغزو مصر، واتضاح خطرهِ على الهند، فكان عصر نابليون هو العصر الذي أسَّس فيه النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط بصورةٍ جدية[30].

وكان على العراق أنْ يتحمّل المزيد من عبء الصراع الدولي الذي أخذ أبعادًا أكثر تعقيدًا وخطورة، لا سيَّما مع التقارب التركي الألماني والأطماع الروسية في فارس والخليج العربي، ومعها دخلت المصالح الاستراتيجية البريطانية في العراق مرحلةً جديدة شَهِدت أوجهًا أخرى من التغلغل البريطاني، من خلال العديد من المنافذ والوسائل ومنها: خطوط السكَّك الحديد، والمواصلات التلغرافية، ومشاريع التنقيب الآثاري، ومؤسَّسات التبشير، والجاليات البريطانية، وتعدّد القنصليات، فضلًا عن زيادة عدد الشركات التجارية والمِلاحية البريطانية. وهذا يعني أنَّ أهمية العراق الاستراتيجية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لم تزد إلاَّ قوةً وتأكيدًا، بل إنَّ العراق أصبح منطقة نفوذٍ بريطانيّةٍ فعلًا، لذلك عبَّر أحد الإنكليز المهتمين بالسياسة والتاريخ، قائلًا: «لم يكن ليغيب عن بال الجميع في العراق، أنَّ مستقبل بريطانيا العظمى في العراق سائرٌ إلى الأهمية لا محالة، وربما ليصبح شيئًا أعظم»[31].

4. العامل الاقتصادي، فقد كان العراق مصدرًا مهمًّا للموارد الاقتصادية والمواد الأولية التي تغذي الصناعة البريطانية، كما يُعدّ سوقًا مهمًّا لصناعتها وبضاعتها التي تحتاج إلى أسواق لتصريفها[32].
ولقد قامت بعثات الخبراء البريطانيون وفي المقدمة منهم مهندسو الري بإرسال بعثةٍ فنيةٍ للقيام بمسح مشاريع الري القديمة في العراق، وتحديث التصاميم اللازمة لإحيائها، وإنَّ مهمة بعثة الري الفنية هذهِ التي استمرت زهاء سنتين، تمكَّنت من دراسة مختلف نواحي العراق وطبيعة أرضهِ وتضاريسهِ، وهي خطوةٌ مهمةٌ عززت فيها بريطانيا من نفوذها في العراق قبل نشوب الحرب العالمية الأولى[33].

وفضلًا عن النفوذ التجاري والاقتصادي المُتزايد فقد سعى البريطانيون في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في الكشف عن سُبُلٍ جديدة للتوغل في أرض ما بين النهرين، فأنشأوا مثلًا دوائر بريد بريطانيّة هنديّة في بغداد والبصرة، وكذلك كانت طريقًا لأسلاك البرق التي تصل الهند بإنكلترا، التي تربط الأسلاك البرية للخطّ التركي بأسلاك بحريةٍ تتصل عبرَ مدينة الفاو، كما وضعوا الخطط اللازمة لإنشاء خط سكَّة حديدية يمتد من بغداد إلى البصرة؛ لاستخدامها في المواصلات العسكرية والاقتصادية التي تخدم مصالح بريطانيا الحيوية داخل العراق وخارجهِ من خلال ربطهِ بالخليج العربي[34].

إنَّ المصالح الاقتصادية كما هي الحال عَبرَ التاريخ، تجلب معها النفوذ السياسي والتدخّل الأجنبي، فقد تحول خليج البصرة إلى بحيرةٍ بريطانيةٍ هنديةٍ، الأمر الذي دفع بـ «اللورد كرزون» نائب الملك في الهند[35] إلى القول بأنّ: «العلاقة بين بريطانيا والخليج قد انفصلت عن دفاتر التجارة إلى حقائب السَّاسة»[36].

5. الحرب العالمية الأولى، فهناك عوامل عدَّة ربطت دخول بريطانيا الحرب العالمية الأولى، بالعراق. ومن أبرز تلك العوامل ما يأتي:
أ. إنَّ العراق جزءٌ من الدولة العثمانية التي انضمّت إلى جانب ألمانيا والنمسا ضدَّ دول الوفاق (بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية)، فمن الطبيعي أنْ تهاجم بريطانيا (العراق) بوصفهِ من أملاك الدولة العثمانية، فضلًا عن ميراث الموقع والثروات والخصائص الأخرى التي يمتلكها.

ب. النفط: حصلت بريطانيا بوساطة المهندس البريطاني (وليام دارسي)[37] في سنة 1901م، من مظفَّر الدين شاه[38]على امتياز التنقيب عن النفط، واستخراجه في منطقة جنوب إيران لمدة ستين سنة، فتشكَّلت (شركة النفط الإنكليزية الفارسية)، لتتولَّى القيام باستثمار ينابيع النفط في الأراضي الإيرانية[39]، ولمَّا نشبت الحرب العالمية الأولى، تبيَّن للجميع بأنَّ لا سبيل إلى النصر إلاَّ بتأمين إمدادات النفط، إذ أصبح النفط المحرّك الرئيس لماكنة الحرب، بيد أنَّ هناك من كان يعتقد أنَّ الدفاع عن مصالح شركة النفط البريطانية في إيران، هو الباعث إلى حملة العراق، مع أنَّ الحكومة البريطانية كانت تعتقد أنَّ النفط وحده لا يدعو إلى إرسال حملةٍ كحملة العراق، فثمَّة مصالح أخرى ذات أهمية بالغة وذات جذور تاريخية دعت إلى تلك الحملة، ولكن سرعان ما ازداد الأمر أهميةً بعد أنْ أصبح النفط المُجهَّز من حقول عبَّادان، العامل الأول في تحقيق أهداف الحرب، الأمر الذي جعل الشركة تُضاعف جهودها، فقد زاد إنتاج شركة النفط الإنكليزية الفارسية من (270) ألف طن في عام 1914م، إلى (900) ألف طن في نهاية الحرب[40].
كانت بريطانيا تنظر إلى ولاية البصرة أثناء تلك الحِقبة، بوصفها جزءًا وثيق الصِلة بالقسم الجنوبي من إيران والخليج، فكثَّفت جهودها لتثبيت مركزها العسكري والسياسي والاقتصادي في البصرة وإيران والخليج، ولقد كانت البصرة وما يُحيط بها ذات أهميةٍ حيويةٍ للإنكليز، أمَّا القسم الشمالي (بغداد والموصل) فلم يكن يمثّل الأهمية الاستراتيجية للإمبراطورية البريطانية، وكان هذا التقسيم واضحًا في أذهان البريطانيين منذ العام 1898م، إذ إنَّ النصف الجنوبي من العراق يؤلِّف جزءًا من الخليج، وهو المنطقة «التي خلقت فيها الدبلوماسية البريطانية لمدة قرنين وضعًا فريدًا، تتداخل فيه المصالح الإنكليزية والمِلاحة البحرية، والطريق الإستراتيجي إلى الهند جميعًا»[41].

كتب لويد جورج[42] رئيس وزراء بريطانيا في أواخر أيلول 1914م: «أصبح واضحًا أنَّ تركيا ستنضم إلى الدول العدو على الأرجح، وهذا الأمر جعل من المهم على الفور اتخاذ خطواتٍ للمحافظة على تجهيز النفط في الخليج والتي كانت مملوكةً لشركة النفط الإنكلو ـ فارسية، كوسيلةٍ لتأمين تجهيزات الوقود النفطي للبحرية»[43].

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914م، تحرّكت قوةٌ عسكريةٌ بريطانيةٌ نحو جنوب البصرة، وفي 6/ تشرين الثاني نزلت في الفاو، ثمَّ تقدّمت إلى البصرة فاحتلتها. ويمكن الاستنتاج بأنَّ الهدف البريطاني الأساس لم يكن احتلال كل العراق، بقدر ما كان ضمان المصالح البريطانية في الخليج وجنوب إيران، ولكن فيما بعد وللسهولة التي أحرزتها القوات البريطانية الهندية في احتلال البصرة وانسحاب القوات التركية شمالًا، واستثمارًا للفوز الذي حصل، ومع الواقع السياسي الجديد والتحالفات الناشئة، فقد اندفعت القوات البريطانية شمالًا حتَّى أكملت احتلال العراق مع نهاية الحرب[44].

وكان من الواضح قبل الحرب العالمية الأولى أنَّ العراق قد أصبح من مناطق النفوذ البريطانية المهمة، فتعمَّقت مصالح بريطانيا في هذا الجزء من الدولة العثمانية وتشعَّبت، وكان منها وضع العراق الزراعي وأهميته كمجالٍ حيويّ لاستيطان عددٍ كبيرٍ من السكَّان الذين يفيضون عن قابلية الهند، وأيضًا أطماع بريطانيا الإقليمية في العراق ورغبتها في احتلال القسم الجنوبي منه على وجه الخصوص وربطهِ بالهند؛ ولذلك قامت بريطانيا بعد احتلال البصرة باتخاذ إجراءاتٍ على الأرض، لربط الجزء الجنوبي من العراق بنظام حكومة الهند البريطانية، وذلك باعتماد النُّظُم والقوانين الإدارية الهندية؛ لغرض ضمِّ جنوب العراق للهند تحقيقًا للسياسة التي أنتجتها المدرسة الهندية البريطانية من رجال الاستعمار البريطاني، التي كانت تُهيمن على دائرة نائب الملك في بومباي[45]؛ لذلك فإنَّ تلك السياسة قد تمَّ تثبيتها تمامًا مع بداية الحرب، ففي 28/تشرين ثاني/1914م كتب ويلسون (الذي أصبح وكيل الحاكم البريطاني العام في العراق)[46]: «أود أن أُعلن أنَّه من الضروري ضم ما بين النهرين إلى الهند كمُستعمرةٍ للهند والهنود، بحيث تقوم حكومة الهند بإدارتها وزراعة سهولها الواسعة بالتدريج، وتوطين أجناس البنجاب المُحاربة فيها»[47].
لقد كانت سياسة ويلسون ومشروع ربط العراق بالهند، من أخطر المشاريع الاستعمارية البريطانية التي لو حالفها النجاح لغيرت مستقبل العراق والمنطقة بالكامل، ومن المعروف والمُسلَّم بهِ أنَّ ثورة 1920م، في العراق كانت هي العامل الحاسم الذي أطاح بتلك السياسة وذلك المشروع.

المبحث الثاني: مشاريع بريطانيا في الاهتمام بولادة العراق المعاصر
اهتمت بريطانيا بتعزيز طموحاتها في بسطِ سيطرتها على بلاد وادي الرافدين، من خلال العديد من المشاريع والوسائل، منها:

مشروع سكَّة حديد بغداد:
يُعد مشروع سكَّة حديد بغداد، أحد أهم أسباب اهتمام بريطانيا بالعراق، فضلًا عن كونهِ أحد أهم الدوافع التي أدت إلى خوض غِمار الحرب العالمية الأولى.

كانت بريطانيا تنشد منذ أوائل القرن التاسع عشر طريقًا سهلًا قصيرًا إلى جوهرة إمبراطوريتها يومذاك (الهند)، وفي سنة 1837م، أنفقت مالًا كثيرًا على مسح وادي الفرات لهذهِ الغاية، وحصلت من تركيا على امتياز مدِّ خط سكَّة حديدٍ تصل الإسكندرية على البحر المتوسط بالخليج العربي وكان ذلك سنة 1851م، إلاَّ أنَّ بريطانيا نبذت مشروع المِلاحة في الفرات سنة 1876م، عندما استطاعت شراء ما قيمته (4) أربعة ملايين باون من أسهم قناة السويس، ورأت أنَّ الإفادة من القناة أفضل من الاستفادة من مشروع مِلاحة وسكَّة حديد عَبرَ الفرات وواديه[48]، وقبل الحرب العالمية الأولى أخذت ألمانيا تفكر في مشروع سكَّة حديد تمتد من برلين فاستانبول فبغداد فالبصرة، وهذا شيءٍ أقلق مضاجع الساسة البريطانيين، وهم الذين كانوا يسعون جاهدين إلى الحفاظ على حياد تركيا وإبعاد النفوذ الألماني عنها، فلقد أراد الألمان من وراء سكَّة حديد برلين البصرة، التقرب من الهند وخلق المتاعب وإثارة القلاقل في أرجاء العالم الإسلامي، لخلخلةِ كيان الإمبراطورية البريطانية من جهة، وتهديد استثمار النفط، إذ تعمل شركة النفط الإنكليزية الفارسية منذ سنة 1906م، في جنوب إيران وتمتد أنابيبها ومصافيها إلى عبَّادان على شطِّ العرب[49]، هذا فضلًا عن الامتيازات الاقتصادية المُتحققة من مدِّ خط السكَّة، عن طريق الاستثمار (ومنها النفط) على جانبي امتداد الخط في منطقة بين النهرين.

لقد كان مشروع سكَّة حديد بغداد من أشدِّ مشكلات الاستعمار التي جابهتها الدول الأوربية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تعقيدًا، ومن أقوى العوامل في سوق هذهِ الدول للانغمار في أتون الحرب الأولى، وكان أيضًا من أهمِّ الدوافع التي جعلت بريطانيا تقرر استعمار العراق، والسيطرة على المنطقة العربية لضمان سلامة أقصر طُرق المواصلات إلى الهند، وإبعاد التهديد الأوروبي عنها، فقد شكَّل هذا المشروع تنافسًا استعماريًا، وصراع قوى بين أهم الدول الفاعلة آنذاك على الساحة الأوروبية: بريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا[50].

لقد أثيرت في بريطانيا قضية إنشاء الطريق البري للوصول إلى الهند أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، بعد أن ْشرع الفرنسيون في فتح قناة السويس، فقد شعرت بريطانيا أنَّ إيجاد طريقٍ مختصرة كلِّيًا لفرنسا للوصول إلى الهند هو أمرٌ في غاية الخطورة بالنسبة لوجودها ومصالحها في تلك المنطقة من العالم، وهكذا أُثيرت في بريطانيا مسألة إنشاء الطريق البري نحو الهند، على أساس إقامتهِ كمنافس وبديل بريطاني لقناة السويس، بمدِّ سكَّة حديد من السويداء على خليج الإسكندرية حتَّى قلعة جابر في أعالي الفرات، وكان الأمر معقودًا أن تكون هذهِ السكَّة حلقة وصل بين البحر المتوسط والطُّرُق النهرية في الفرات، وفي الوقت نفسهِ إمكانية مد السكَّة المذكورة نحو بغداد ومنها إلى البصرة[51].

وضمن تقرير اللجنة التي شكَّلتها الحكومة البريطانية في مجلس العموم البريطاني برئاسة السير نورثكوت لدراسة المشروع، وردت النقاط المهمة الآتية[52]:

أولًا: إنَّ قضية موضوع بناء سكَّة حديد وادي الرافدين كما سمّتها اللجنة (TRANS MESOPOTMIAN RAIL WAY) هو أمرٌ في غاية الضرورة لبريطانيا ومصالحها الحيوية في المنطقة، وهو من الناحية الأخرى يؤمّن سرعة نقل البريد نحو الهند والخليج العربي، وله مزايا وفوائد اقتصادية مهمة لبريطانيا.
ثانيًا: إنَّ من الممكن استعمال السكَّة للأغراض الحربية الخاصّة بنقل القطعات والأسلحة والمؤن نحو الهند، ويمكن عدَّها حاجزًا لإيقاف أيّ توسّعٍ روسيّ تجاه الخليج العربي[53].

وبما أنَّ المشروع كان موضوعًا للمنافسة والصراع الاستعماري، فقد تقدّمت روسيا القيصرية بعرضٍ لمدِّ سكَّة حديد من طرابلس على البحر المتوسط إلى الكويت على الخليج العربي عَبرَ الصحراء، على أن يُربط بالعراق بوساطة طريق فرعي يمتد نحو كربلاء[54]. كما أنَّ فرنسا تبنَّت أيضًا إنشاء مشروع سكَّة حديد بغداد، الأمر الذي رأت فيه بريطانيا تهديدًا مباشرًا لمصالحها، فإنَّ ذلك إلى جانب حصَّة فرنسا الواسعة في قناة السويس يعني سيطرتها على الطريق البري نحو الهند، الأمر الذي يُشكِّل تهديدًا مباشرًا لمصالح وسياسة بريطانيا في الشرق الأوسط والهند[55]. ولأسبابٍ عدَّة لم تلقَ كلَّ تلك المشاريع موافقة السلطان العثماني[56].
وفي الجانب الألماني كان استلام القيصر وليام الثاني[57] الحكم عام 1888م قد شكَّل تغييرًا جذريًا إزاء سياسة التحفظ الألمانية حيال الإمبراطورية العثمانية، تحت تأثير حاجة الاقتصاد الألماني لإيجاد أسواق جديدة في الشرق، ودخول ألمانيا مُعترك التنافس التجاري والسياسي مع الدول الرأسمالية الكبرى، إذ كان القيصر الألماني يُحبِّذ فكرة التوسع الألماني في الدولة العثمانية، ويرى في الأمر تقويةً للمراكز الألمانية في آسيا كلِّها[58].

وفي سنة 1898م، قام القيصر وليام الثاني برحلةٍ إلى بيت المقدس في فلسطين عَبرَ إستانبول، وكان لهذهِ الرحلة تأثيرٌ عميقٌ في نفس السلطان عبد الحميد[59]، إذ كان الرأي العام الأوروبي ناقمًا عليه نقمةً شديدة من جراء مذابح الأرمن[60] التي وقعت حوادثها قُبيل هذهِ الرحلة، على أنَّ المنافع الاقتصادية كانت هي الأصل في هذهِ الرحلة كما يتبيَّن من مذكرة الفون بولو وزير الخارجية الألماني، التي نوَّه فيها بالمنافع التي عادت بها الرحلة، فقال: «... وممّا يجب أنْ ننوه بهِ هنا ذكر تصميم إيصال سكَّة حديد الأناضول ببغداد، وهو ما نأمل أنْ نُحقِّق بهِ إكمال الفتح الاقتصادي في آسيا الصغرى»[61].
ونتيجةً لهذا التقارب الألماني التركي، فاز الألمان في 27/ تشرين الثاني/ 1899م باستحصال موافقة السلطان العثماني المبدئية على منح البنك الألماني امتياز إنشاء سكَّة حديد تمتد من قونية إلى بغداد فالخليج، وبعد مرور ثلاث سنواتٍ صدرت الإرادة السلطانية بمنح الامتياز نهائيًا إلى الألمان في العام 1902م، وكانت الشركة الألمانية قد أكملت أثناء هذهِ المدة أعمال المسح ووضع الخرائط[62].

أعطي الامتياز النهائي لسكَّة حديد بغداد في 5/آذار/1902م، ونصّ الامتياز على موادّ عدَّة، يمكن إجمال أهمها في ما يأتي:
1. الحقّ لشركة سكَّة حديد الأناضول بتمديد الخط من قونية إلى بغداد والبصرة، عَبرَ أو عند أقرب نقطةٍ من قونية ونصيبين والموصل وتكريت وبغداد وكربلاء والنجف والزبير، مع إقامة فروع للخط إلى مناطق عدَّة، أهمها حلب وخانقين ونقطة على الخليج العربي يتفق بشأنها فيما بعد بين الحكومة التركية وأصحاب الامتياز. والمُلاحظ أنَّ نصّ الامتياز لم يُشر صراحةً إلى اسم الموقع الذي تمَّ الاتفاق عليه في الخليج العربي لتشييد فرع السكَّة إليه من الزبير، غير أنَّه من المعروف عمومًا أنَّ الكويت كانت هي تلك النقطة المُقترحة كي تكون نهاية سكَّة حديد بغداد.
2. حدّدت مدة الامتياز بتسعة وتسعين عامًا.
3. أعطيت الشركة الحق في استغلال كُلِّ المناجم التي يُعثر عليها لمسافة عشرين كيلو مترًا من جانبي الخط[63].
لقد كانت إحدى النتائج المهمة التي أدّت إليها زيارة القيصر الألماني إلى تركيا والأراضي المقدسة، أنْ عجَّلت بريطانيا بالسعي للقيام بعددٍ من الإجراءات الهادفة إلى حماية خطوط مواصلاتها نحو الهند، إزاء تقدم ألماني مُحتمل في منطقة وادي الرافدين عن طريق تنفيذ سكَّة حديد بغداد، وقام اللورد كرزون نائب ملك بريطانيا في الهند باستمالة الشيخ مبارك شيخ الكويت[64]، لعقد معاهدة حماية سرية بين بريطانيا والكويت في حزيران 1899م، وفرضت المعاهدة المذكورة على شيخ الكويت عدم قبول أيّ ممثّلٍ لدولةٍ أجنبية في إمارتهِ دون الحصول على موافقةٍ مُسبقة من الحكومة البريطانية، كما منعته من رهن أيّ جزءٍ من أراضيه أو بيعه أو إيجاره دون الحصول على تلك الموافقة نفسها[65].

امتازت الحِقبة التي أعقبت إعطاء امتياز سكَّة حديد بغداد عام 1902م وحتَّى إعلان الحرب العالمية الأولى بكونها حقبة المفاوضات والمناورات السياسية العنيفة بين الدول الأوروبية الكبرى لأجل التوصل إلى المُساهمة أو منع مساهمة الآخرين في مشروع السكَّة. لقد كادت تلك المفاوضات والمناورات التي كانت تسير صعودًا ونزولًا أنْ تعطي نتائج قائمةً على أساس تفاهم الأطراف المعنية لولا قيام الحرب العالمية الأولى. ولقد عدَّت المشكلات الدولية المتعلقة بسكَّة حديد بغداد من العناصر الرئيسة للخلافات الأوروبية التي سبقت قيام الحرب العالمية الأولى[66].

على أنَّ كلًّا من بريطانيا وفرنسا وروسيا التي لها أطماعها ومصالحها في تلك المناطق، لم تنظر إلى المشروع بعين الرضا والقبول عندما شرع الألمان في مدِّ السكَّة، فبريطانيا مثلًا اشترطت وفق اتفاقية 15/حزيران/1914م مع ألمانيا، على أنْ تكون البصرة نهايةً للسكَّة مهما كانت الظروف، وكذلك عدم القيام ببناء ميناء أو محطَّة للسكك الحديد على الخليج العربي، على أنَّ الدبلوماسية الألمانية لم تألُ جهدًا في محاولةِ إنهاء معارضة الدول الكبرى لمشروع السكَّة ووضع حدٍّ لتلك المعارضة، ولكنها لم تتمتع بمتَّسع من الوقت لجني ثمار جهدها الدبلوماسي وتحقيق حلمها بربط برلين ببغداد، ينقل الوجود الألماني إلى أبواب الهند والشرق، فما أنْ كادت تصل إلى الاتفاق مع أكبر منافسيها وهي بريطانيا حتَّى اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى.
وبقيام الحرب العالمية الأولى انهار مشروع سكَّة حديد بغداد الذي تمَّت المباشرة بهِ توًا، وتحولت الأنظار الأوروبية واهتمامها نحو الصراع الحربي الدائر[67].

المِلاحة النهرية في العراق:
كان القرن السادس عشر قرن الانطلاق عَبرَ المُحيطات للاستكشافات والاستعمار، وتزعمت هذهِ الحركة الكبرى كلٌّ من إسبانيا والبرتغال، فكانت الضربة التي وجَّهتها البرتغال للتجارة العربية في مياه المُحيط الهندي والخليج العربي حاسمةً ومروعة، وفشلت مجهودات مماليك مصر ثمَّ سلاطين الدولة العثمانية في إعادة السيطرة الإسلامية على المياه الجنوبية.
وكانت إنكلترا في القرن السادس عشر تسعى إلى الحصول على شيءٍ من ثروات التجارة البحرية، فقد كان الأسطول الإسباني البرتغالي حتَّى الثلث الثاني من القرن السادس عشر هو المتحكم في البحار والمُحيطات، لكن البحرية البريطانية استطاعت أنْ تكسر قوة ذلك الأسطول في عام 1588م، عندما انتصرت على الأرمادا الإسبانية (The Spanish Armada)، وبذلك أصبحت الطُّرق البحرية إلى المُحيط الهندي مفتوحةً أمام السفن البريطانية، إذ أسَّست شركة الهند الشرقية البريطانية[68] في عام 1600م، وبعد أنْ تمَّ طرد البرتغاليين من هرمز في العام 1622م، انفتح الخليج العربي أمام السفن الإنكليزية الذاهبة إلى البصرة، وبذلك أصبحت البصرة واحدةً من أهمِّ مراكز التبادل التجاري مع شركة الهند الشرقية[69].

ونظرًا لاتساع نطاق العلاقات السياسية والاقتصادية بين بريطانيا والدولة العثمانية، فقد دارت مفاوضاتٌ بين الدولتين، انتهت بعقد معاهدة 1675م التي وضعت أُسس امتيازات المصالح البريطانية في العراق وتوطيدها بصفةٍ عامة وفي نهري دجلة والفرات بصفةٍ خاصة، فقد تضمَّنت معاهدة عام 1675م امتيازاتٍ عدَّة فيما يخص المِلاحة النهرية[70].

لقد تضافرت عوامل عدَّة وراء اهتمام بريطانيا بالمِلاحة النهرية في العراق، ومن بين أهم تلك العوامل:
1. كان أمر حماية الهند وتقريب المسافة بينها وبين لندن، من أهمِّ الدوافع في اهتمام إنكلترا بوادي الرافدين؛ فقد قام الإنكليز بمحاولاتٍ كثيرة لتمهيد طرق المِلاحة في الفرات ومدِّ السكك الحديد بين البحر المتوسط وسواحل الخليج.
2. قيام نابليون بونابرت بغزو مصر.
3. الخوف من نشوء دولةٍ قويةٍ في مصر تقف في وجه الأطماع البريطانية، ولذلك فقد قاومت بريطانيا مُحمَّد علي باشا[71] لمَّا أراد أنْ يوحِّد سورية ومصر ويؤسِّس دولةً حديثةً قد تمتَّد إلى العراق وتوحّد منطقة الشرق العربي.
4. المباشرة بإنشاء قناة السويس تحت رعايةٍ فرنسية.
5. مقاومة توسّع النفوذ الروسي في الدولة العثمانية وأطماعها في الخليج، فإذا قبضت روسيا على الفرات سهل اجتياح سوريا والساحل الشرقي للبحر المتوسط وآسيا الصغرى[72].

لقد تداخلت أهمية المِلاحة في وادي الفرات مع سكَّة الحديد، إذ إنَّه مهما يكن لقناة السويس من الأهمية لأوروبا، فإنَّه يمكن غلقها بسهولة، وإنَّها بمنزلةٍ ثانويةٍ لسكَّة حديد وادي الفرات التي يمكن أنْ توفّر الميزات الآتية:

1. تهيئة السبيل لمنع روسيا من التقدّم في آسيا الصغرى.
2. ربط البحر المتوسط بالخليج، ولذلك أهميّةٌ كبرى من الوجهتين السياسية والتجارية.
3. تقصير المسافة بين الهند وإنكلترا ألف ميل، وتقليل المدَّة اللازمة لقطعها من عشرين يومًا إلى عشرة أيام.
4. مضاعفة قوة إنكلترا الحربية، وجعل آسيا الصغرى وسوريا والعراق وإيران مناطق نفوذ لها، كما أنَّ سيطرة إنكلترا عليه أمرٌ متيسّرٌ إذ يسيطر أسطولها على طرفيه في البحر المتوسط والخليج[73].

وابتداءً من سنة 1728م أصبح للإنكليز قوارب في نهر دجلة تُبحر بين بغداد والبصرة، وتطور النشاط البريطاني خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، فقد بدأ الإنكليز باستخدام قوتهم البحرية ضدَّ هجمات العشائر، وضدَّ حكَّام العراق إذا ما اتخذوا موقفًا معاديًا للأطماع البريطانية، وضدَّ إيران إذا تعرّضت المصالح البريطانية في البصرة للخطر[74]، وفي أعقاب نزول الحملة الفرنسية إلى السواحل المصرية في العام 1798م، تمَّ إرسال سفينةٍ حربيةٍ بريطانيةٍ لحماية المُقيمية البريطانية في بغداد، واستمرّت هذهِ السفينة مع جنودها مُرابطةً في بغداد رغم فشل الحملة الفرنسية وانسحابها من مصر، وقد كانت المدة التي حكم فيها علي رضا[75] قائدًا للجيش العثماني الذي بعثه السلطان محمود الثاني[76]، ليضع نهايةً لحكم المماليك في العراق والتي امتدّت من (1831-1841م)، هي الحقبة التي وضع فيها الإنكليز أُسس حقوقهم في المياه العراقية، بعد أنْ قام خبراؤهم وابتداءً من سنة 1830م بدراسة نهري دجلة والفرات ومسحهما[77].
لقد تكلَّلت أعمال المسح النهري بتأسيس شركة مِلاحة غالبًا ما تُعرف بشركة «بيت لنج»[78] وتُعرف رسميًا بـ «شركة المِلاحة البخارية في دجلة والفرات» التي أُسِّست في سنة 1860م، والتي كانت تُسيِّر باخرتين تجاريتين في دجلة، لقد اتَّسع نطاق أعمال الشركة وتعاظمت أهميتها أثناء الربع الأخير من القرن التاسع عشر؛ نظرًا لزيادة النفوذ البريطاني، إذ إنَّ الشركة اعتمدت أثناء الحِقبة التي سبقت الحرب العالمية الأولى على حماية الحكومة البريطانية.

حظيت أعمال شركة لنج بأعلى اهتمام من قبل الحكومة البريطانية؛ لأنَّ المصالح السياسية تتطلَّب توطيد المصالح التجارية، فهذا لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني يكتب في 18/كانون أول/1906م، قائلًا: «إنَّ من الحكمة، جراء كون نهر دجلة هو أحد خطوط المواصلات المهمة إلى الخليج الفارسي والهند، أن نحذر لئلّا يخرج النهر من قبضتنا، ثمَّ إنَّ مركزنا الممتاز في النهر يغدو الآن أكثر قيمةً جراء اقتراب سكَّة حديد بغداد، وجراء احتمال أنْ تكون المِلاحة هي وسيلة النقل الوحيدة ورأس السكَّة في بغداد والبصرة[79]، وقد منحت الحكومة التركية، تحت الضغط البريطاني المُستمر، الإذن المطلوب لشركة لنج في العام 1907م لتشغيل باخرة ثالثة في دجلة[80].

ولادة العراق المعاصر
رأينا من خلال ما سبق أنَّ السياسة البريطانية في الشرق الأوسط، قد اهتدت تقليديًا بالضرورة السياسية والنزعة النفعية، وكانت كُلٌّ من فرنسا وروسيا القيصرية وألمانيا تُحيط بالمصالح البريطانية، لاسيَّما منذ مغامرة نابليون في مصر. لقد حثَّ الوهن السياسي والاجتماعي والاقتصادي للرجل المريض (الدولة العثمانية) على التنافس بين القوى العظمى، كما مهَّد ذهاب تركيا إلى المعسكر الألماني، والحاجة إلى الإبقاء على روسيا حليفةً لبريطانيا في أي حربٍ أوروبية، مهَّد إلى ابتعاد السياسة البريطانية عن نهجها المُعلن في الحفاظ على إعلان وحدة تركيا، فقد ألزمت الحرب بريطانيا باتباع سياسة تفكيك النظام السياسي العثماني، وكان هذا التوجه قد حظي بترحاب أنصار «الإمبريالية الجديدة» (New Imperialism) التي بلغت ذروتها في حكومة لويد جورج (David Lloyd George) (1863-1945م)[81].

لقد ظهرت المرحلة الأولى في نيل أهداف إمبريالية عزيزة على «الإمبرياليين الجُدد» عندما نزلت قوات الاستطلاع الهندي في الفاو على الخليج العربي في 6/تشرين الثاني/ 1914م، فقبل ذلك لم تكن بريطانيا قادرةً على الانتفاع من كونها أقوى دولة في المنطقة، كما كان يتوجَّب على رجال السياسة البريطانيين والإستراتيجيين تعزيز الحلقات الواهنة في سلسلةِ الدفاع عن الهند، ولقد أطلق احتلال القوات البريطانية للبصرة البوابة الاستراتيجية للعراق، الطموحات الأسيرة لدُعاة الضم في الهند ودار الحكومة البريطانية، فلقد أبرق السير برسي كوكس بعد احتلال البصرة بأنَّه من الصعوبة بمكان «تغاضي أخذ بغداد»[82].
أثارت النجاحات المُبكِّرة في احتلال البصرة جدلًا سياسيًا عسكريًا بريطانيًا بشأن القضية الكبرى في ماهيَّة المصالح الأساسية البريطانية في العراق، وكيف يمكن بلوغها والذود عنها، فحاجج «الإمبرياليون الجُدد» بأنَّ على بريطانيا أنْ تبسط مجال نفوذها على العراق كافَّة، وإلاَّ فإنَّ القوى المنافسة الأخرى ستتحرك، فالعراق لا يمكن الدفاع عنه بالاحتفاظ بالمنطقة الجنوبية وحسب، لذا لا بدَّ من بلوغ الحدِّ الأقصى من الحدود الطبيعية[83]، وقد كانت (وزارة الهند) من أولى الدوائر التي حاولت وضع سياسة خاصة بالعراق، فكتب السير آرثر هرتزل السكرتير السياسي في الوزارة المذكورة مذكرةً مفصّلةً بتاريخ 14/آذار/1915م عن مستقبل بلاد ما بين النهرين، فاستنادًا إلى نظرية الري في نشوء الدول ووحدتها، كتب يقول: «إنَّ الدولة التي تعتزم أنْ تطور ولاية البصرة يجب أنْ تكون هي الدولة التي تطور ولاية بغداد، وأنْ تكون كذلك هي الدولة التي تُسيطر على المجاري العليا للأنهار حتَّى الموصل والرقَّة». وهو يطمح من ذلك إلى أنَّ مشاريع الري ستُتيح فرصةً طيبة لهجرة الهنود إلى العراق لحاجتهِ إلى العمَّال من جهة، وكذلك لأسبابٍ أخرى أيضًا، منها إنشاء مستوطنة هندية في العراق[84].

وفي خضمِّ هذا الجدل تقرّر التقدّم نحو بغداد واحتلالها؛ لأنَّ ذلك سيؤمن أهداف بريطانيا في العراق، بضمِّ البصرة وبغداد والجزء الأكبر من الموصل، وإنَّ احتلال بغداد سيرفع السُّمعة البريطانية في الشرق الأوسط، وسيقطع خطوط المواصلات الألمانية مع إيران، ويؤمِّن الدفاع عن حقول النفط، وأخيرًا وليس آخرًا فإنَّ بغداد «كوكب جذّاب» واسمٌ رومانسي قد يُثير مخيلة البريطانيين، إذ كانت بغداد هي الجائزة المتلألئة التي تتجه إليها جميع الأنظار[85]. وهكذا ففي 11/آذار/1917م، احتلت القوات البريطانية بغداد، ثمَّ جرى احتلال مدينة الموصل بتاريخ 8/تشرين الثاني/1918م وذلك بعد ثمانية أيام فقط من عقد الهدنة مع تركيا، وبذلك انتهت الحرب العالمية الأولى والولايات الثلاث جميعها، البصرة وبغداد والموصل تحت السيطرة البريطانية.

اتفاقية سايكس بيكو
لمَّا دخلت تركيا الحرب، بدأت الرغبات الاستعمارية الحبيسة تتحسَّس طريقها نحو التجسد، فأرادت روسيا أخذ القسطنطينية والمضايق، وطالبت فرنسا بسوريا، وبدأت إنكلترا تحس بحاجتها إلى طريق برية إلى الشرق، وتودّ أيّ شيءٍ آخر ضروري يمكن أنْ يشل أثر المطامح الفرنسية والروسية، كما أنَّ حكومة الهند كانت تصوب أطماعها بقوة نحو العراق، فافتتح باب المفاوضات في أوائل العام 1915م وأُبرمت بين تلك الدول سلسلةً من المُعاهدات السرية لاستقطاع أراضي الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب، فيما كانت بريطانيا في الوقت نفسهِ تعقد عهودًا جديدة تُناقض عهودها التي أعطتها للعرب بواسطة السير «مكماهون» في سنة 1916م، وكانت أولى تلك المعاهدات هي اتفاقية سايكس بيكو (The Sykes ـ Picot Agreement)، وقد عقدت بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية في ربيع 1916م، فلم يكد السير مكماهون يُنجز صفقته مع الشريف حسين، حتَّى بدأت وزارة الخارجية البريطانية مباحثاتٍ في لندن مع الحكومة الفرنسية، هدفها الوصول إلى تدبيرٍ ما، بحيث يمكن التوفيق بين ما تدَّعيه فرنسا من حقٍّ في بلاد الشام وما تعهدت بهِ بريطانيا للعرب. ولأسبابٍ مختلفة آثرت وزارة الخارجية البريطانية أنْ تُخفي عن فرنسا شروط الاتفاق الذي عقدته مع الشريف حسين[86]. وكان المندوب الفرنسي هو المسيو جورج بيكو (François Marie Denis Georges-Picot) (1870-1951م)، أمَّا زميله الإنكليزي فهو السير مارك سايكس (Sir Tatton Benvenuto Mark Sykes) (1879-1919م)، ورسم المندوبان مشروعًا لاحتياز تلك الأجزاء التي ترغب كل من بريطانيا وفرنسا أخذها من الإمبراطورية العثمانية، ثمَّ توجها بعد ذلك إلى بطرسبرغ لبحث مقترحاتهما مع الحكومة الروسية، وابتدأت المفاوضات في آذار 1916م ونتج عنها تفاهمٌ ثلاثيّ، تبلورت عنه مسودات التفاهم رسميًا في نيسان وأيار من تلك السنة[87].

وفيما يخص دراستنا فقد احتفظت فرنسا لنفسها بالقسم الأعظم من سوريا، وبحصَّةٍ غير صغيرة من جنوب الأناضول ومنطقة الموصل، أمَّا حصَّة بريطانيا فكانت تتألَّف من شريطٍ يمتد من أقصى جنوب سوريا عِبرَ العراق ليشمل بغداد والبصرة وكلَّ المنطقة الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة المُخصَّصة لفرنسا، وأيضًا مينائي حيفا وعكَّا في فلسطين مع قطعةٍ صغيرة من المنطقة الداخلية، وهناك مناطق أخرى تضمّ منطقةً من فلسطين لتكون تحت حُكمٍ دولي خاص[88]. إلاَّ أنَّ انتصار الثورة البلشفية في روسيا نهاية العام 1917م، وقيام السلطة الجديدة فيها بنشر بعض الوثائق السرية الموضوعة في محفوظات وزارة الخارجية القيصرية ومن بينها نصوص اتفاقية سنة 1916م، أدى إلى فضح اتفاقية سايكس بيكو وانسحاب روسيا منها[89].
وفي كانون الأول 1918م حاول كليمنصو[90] رئيس وزراء فرنسا أنْ يُقنع لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا الاعتراف باتفاقية سايكس بيكو من جديد، ولكن لويد جورج طالب بتعديل الاتفاقية فيما يخص ولاية الموصل وفلسطين، ومن ثمَّ وافق كليمنصو على نقل ولاية الموصل إلى منطقة النفوذ البريطاني على شروط، منها أنْ تنال فرنسا حصَّةً من نفط الموصل[91]. بيد أنَّ الحلفاء اتفقوا في أثناء مؤتمر الصُّلح في باريس، على توزيع الانتدابات، وقد أعطيت بريطانيا الانتداب على العراق وفلسطين، وأعلنت هذهِ القرارات في 26/شباط/1920م، إذ كان المفروض أنَّ الانتداب قد وجد كحلِّ وسطٍ بين سياسة الاستعمار القديمة ووعود الحلفاء في أثناء الحرب، وذلك وفقًا للمادة الثانية والعشرين من ميثاق عُصبة الأمم[92].

لقد كانت الحرب العالمية الأولى نهاية قصَّة طال أمدها وتشعَّبت فصولها، وبداية مرحلة جديدة في تاريخ البلاد التي أصبحت تُعرف بالمملكة العراقية، ثمَّ استمرت العلاقات البريطانية العراقية تجري بواسطة أجهزة وأساليب جديدة وفي ظروفٍ تختلف جوهريًا عن كلِّ ما سبق، غير أنَّ الاستراتيجية بقيت على حالها من حيث الباعث والهدف وغموض المصير، وفي ظلِّ آمالٍ ووعودٍ وشكوك غدا العراق تحت الانتداب البريطاني، وبقيام ثورة العشرين انقلبت كلَّ الخطط وعصفت بها الثورة إلى حيث لا رجعة، فقد انتهت وإلى الأبد مشاريع ربط العراق بالهند وتقسيمه، فكان تشكيل أول حكومة عراقية برئاسة عبد الرحمن النقيب[93] (25/ تشرين أول/ 1920م)، وتتويج فيصل ملكًا على العراق (23/ آب/ 1921م)[94]، واستعاضت بريطانيا عن صكِّ الانتداب بمعاهدة تحالفٍ مع العراق (1922م)[95].

وبرز في تلك المرحلة دور النفط في سياسة السيطرة البريطانية على العراق واستخدمه في دائرة مساوماتها السياسية معه، وهو دور لا يقلّ عن الاعتبارات الاستراتيجية التي كانت تشغل أذهان المسؤولين البريطانيين تجاه العراق، وكان خبراء النفط البريطانيون قد درسوا إمكانيات العراق النفطية منذ السنوات الأولى من القرن العشرين، وبعد الحرب أتم أولئك الخبراء وضع تقارير شاملة لأغلب مناطق النفط في العراق[96]. وغَدَت قضية النفط وامتيازاته في الحِقب اللاحقة، أحد أبرز صور الوجود البريطاني في العراق ونفوذه واستغلاله.

الخاتمة
لقد كان الجانب المادي الاقتصادي السبب الكبير والواضح من وجهة النظر الاستعمارية في احتلال بريطانيا المناطق المختلفة من العالم، خاصةً المنطقة العربية ومنها العراق، وفق إستراتيجيةٍ بُنيت على أساس الأسواق الجديدة والمواد الأولية المعدنية منها، والزراعية إضافةً إلى أهمية الموقع الإستراتيجي والدفاعي الذي يدخل ضمن الحفاظ على هذهِ المصالح.
إنَّ اهتمام بريطانيا بالعراق قد سبق تدخلها العسكري المباشر فيه، ولكن بعد الحرب وبعد نزول القوات البريطانية في ولاية البصرة في شهر تشرين الثاني 1914م، وجدت السلطات البريطانية، وخصوصًا وزارتي الخارجية والهند واللجنة الوزارية للشؤون الشرقية، أنَّه لا بدَّ من التفكير في مستقبل الولايات العثمانية الثلاث: البصرة، بغداد، الموصل. وقد ازدادت الحاجة لبلورة سياسة مُحدَّدة على هذا الصعيد مع التطور في المعارك الحربية وتوسيع القوات البريطانية في احتلال أراضي ما بين النهرين (Mesopotamia)، وقد كانت هناك أسبابٌ مهمةٌ أخرى لاهتمام بريطانيا بالعراق، ومنها:

أولًا: إنَّ موقع العراق الإستراتيجي بين الشرق والغرب، كان عاملًا جوهريًا وأساسيًا في توجيه انتباه البريطانيين وتحديد مسارات تغلغلهم ونفوذهم فيه، أنَّه قلب الشرق الأوسط، وخطورة موقعهِ هذا تُفسِّر جوانب من صراعهِ الطويل مع قوىً أجنبية عديدة.
ثانيًا: كان الموقف السياسي في العراق أثناء القرن الثامن عشر يساعد على تغلغل النفوذ البريطاني، فقد كان المماليك يحكمون العراق منذ العام 1704م، وكان هؤلاء رغم تبعيتهم الاسمية للسلطان العثماني ينفردون بالحكم في العراق؛ ولذلك هم بحاجة إلى المساعدة وتأييد دولة كبرى ضدَّ أيَّة محاولةٍ من جانب السلطة العثمانية لإرجاع نفوذها المباشر في العراق، وفي الوقت نفسهِ ضدَّ محاولات فارس في بسط نفوذها على العراق. وقد نَتَج عن ذلك تقارب بين ولاية بغداد والسلطات البريطانية في بومباي، فقد وافق ولاة بغداد على تطبيق قاعدة الامتيازات التي كانت تمنحها الدولة العثمانية للأوروبيين، كما أنَّ بغداد كانت في أشدِّ الحاجة إلى مساعدة بريطانيا لمواجهة الخطر الوهابي الذي ظهر في نجد، جنوب العراق.
ثالثًا: الصراع الدولي: شَهِدت منطقة الخليج العربي منذ بداية القرن السابع عشر صراعاتٍ داميةً بين الدول المتنافسة، فكان الصراع البريطاني البرتغالي ثمَّ الصِّدام البريطاني الهولندي، وانتهت الأمور أخيرًا لصالح السيادة البريطانية في الخليج، ففي أواخر القرن الثامن عشر أصبحت لبريطانيا العظمى الأرجحية تجاريًا وسياسيًا.
رابعًا: العامل الاقتصادي: كان العراق مصدرًا مهمًا للموارد الاقتصادية والمواد الأولية التي تغذي الصناعة البريطانية، كما يُعد سوقًا مهمًا لصناعتها وبضاعتها التي تحتاج إلى أسواق لتصريفها.
خامسًا: الحرب العالمية الأولى: هناك عوامل عدَّة ربطت دخول بريطانيا الحرب العالمية الأولى، بالعراق. ومن أبرز تلك العوامل ما يأتي:
1. إنَّ العراق جزءٌ من الدولة العثمانية التي انضمت إلى جانب ألمانيا والنمسا ضدَّ دول الوفاق (بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية)، فمن الطبيعي أنْ تُهاجم بريطانيا (العراق) بوصفهِ من أملاك الدولة العثمانية، فضلًا عن ميراث الموقع والثروات والخصائص الأخرى التي يمتلكها.
2. النفط: حصلت بريطانيا في سنة 1901م من مظفَّر الدين شاه على امتياز التنقيب عن النفط واستخراجهِ في منطقة جنوب إيران لمدَّة ستين سنة، فتشكَّلت شركة النفط الإنكليزية الفارسية، لتتولَّى القيام باستثمار ينابيع النفط في الأراضي الإيرانية، ولمَّا نشبت الحرب العالمية الأولى، تبيَّن للجميع بأنَّ لا سبيل إلى النصر إلاَّ بتأمين إمدادات النفط، إذ أصبح النفط المحرك الرئيس لماكنة الحرب.
سادسًا: كان من الواضح قبل الحرب العالمية الأولى أنَّ العراق قد أصبح من مناطق النفوذ البريطانية المهمة، فتعمَّقت مصالح بريطانيا في هذا الجزء من الدولة العثمانية وتشعَّبت، وكان منها وضع العراق الزراعي وأهميته كمجالٍ حيوي لاستيطان عددٍ كبير من السكَّان الذين يفيضون عن قابلية الهند، وأيضًا أطماع بريطانيا الإقليمية في العراق ورغبتها في احتلال القسم الجنوبي منه على وجه الخصوص وربطهِ بالهند.

لائحة المصادر والمراجع
إبراهيم، عبد الفتاح، على طريق الهند، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 2004م.
أنيس، محمد والسيد رجب حراز، الشرق العربي في التاريخ الحديث والمعاصر، القاهرة، دار النهضة العربية، د.ت.
آيرلاند، فيليب، العراق.. دراسة في تطورهِ السياسي، ترجمة: جعفر الخياط، بيروت، دار الكشَّاف للطباعة، 1949م.
بحري، لؤي، سكَّة حديد بغداد، بغداد، شركة الطبع والنشر الأهلية، 1967م.
البزّاز، عبد الرحمن، العراق من الاحتلال حتَّى الاستقلال، ط3، بغداد، مطبعة العاني، 1967م.
بولارد، ريد، بريطانيا والشرق الأوسط، ترجمة: حسن أحمد السلمان، بغداد، مطبعة الرابطة، 1956م.
حافظ، طالب حسين، النفط والسياسة في العراق، بغداد، دار الكتب العلمية، 2017م.
حسين، علي ناصر، تاريخ السكك الحديدية في العراق (1914-1945م)، بغداد، 1986م.
حميدي، جعفر عباس، تاريخ العراق المعاصر (1914-1968م)، بغداد، دار عدنان للطباعة والنشر، 2015م.
صالح، زكي، بريطانيا والعراق حتَّى عام 1914م، بغداد، مطبعة العاني، 1968م.
العطية، غسان، العراق.. نشأة الدولة (1908-1921م)، ترجمة: عبد الوهاب الأمين، لندن، دار اللام، 1988م.
غازي، علي عفيفي علي، الصراع الأجنبي على العراق والجزيرة العربية في القرن التاسع عشر، بيروت، دار الرافدين، 2015م.
فوستر، هنري، نشأة العراق الحديث، ترجمة: سليم طه التكريتي، بغداد، المكتبة العالمية، 1989م.
لونكريك، ستيفنسن هيمسلي، أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ترجمة: جعفر الخياط، ط6، بغداد، مكتبة اليقظة العربية، 1985م.
مجموعة من الأساتذة العراقيين، العراق في التاريخ، بغداد، مطبعة الثورة، 1983م.
نظمي، وميض جمال عمر، الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية (الاستقلالية) في العراق، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1984م.
نوار، عبد العزيز سلمان، المصالح البريطانية في أنهار العراق، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1968م.
ويلسون، آرنولد تي.، بلاد مابين النهرين بين ولائين، ترجمة: فؤاد جميل، ط2، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1991م.
Graves, The life of sir Persy Cox, London: 1941.
The New Britannic Encyclopedia, London: 1973, vol.33 Mohammed A. Tarbush, The Role of the military in politics,.. a case study of Iraq to 1941, Isted, London: 1983,.
Zaki saleh, Mesopotamia (Iraq) (1900- 1914), Baghdad: 1957.
S. H. Longrrigg, Oil in the Middle East, London: Groom Hel, Mltd. 1968,.
(40) Stephan H. Longrigg, Iraq 1900 to 1950: Apolitical, Social and Economic History, London: Oxford University Press, 1953,
E. M. Earle, Turkey The Greet Power and The Baghdad Railway, A study in Imperialism, New York: 1966,.
Encyclopedia Americana, New York: 1968, Vol.28, p.779; Paul Kennedy Randon, The Rise and Fall of the Great Powers, U.S.A: 1987,.
J. Hurewit, Diplomacy in the Near and Middle East, London: 1958,
-Sir A. T. Wilson, Loyalties, Mesopotamia (1914- 1917), London: 1930,.

---------------------------------------
[1]. متخصص في قسم التاريخ – جامعة الكوفة / العراق.
[2]. العطية، غسان، العراق.. نشأة الدولة (1908-1921م)، ترجمة: عبد الوهاب الأمين، (لندن، دار اللام، 1988م)، ص130.
[3]. م. ن، ص ص133-134.
[4]. السلطان سليم الأول: سليم الأول بن بايزيد الثاني، تاسع سلاطين الدولة العثمانية. ولد في مدينة أماسية بالأناضول في 1470م، اتّصف بالشجاعة والإقدام، وتولَّى مناصب عدَّة في عهد والدهِ، وبعد وفاة والده في مايس 1512م تولَّى عرش السلطنة. هزم الجيش الصفوي بقيادة الشاه إسماعيل في معركة جالديران 1514م وأنهى احتلالهم للعراق، دخل في حروبٍ مع المماليك والبرتغاليين. توفِّي في 22/أيلول/1520م، للمزيد، يُنظر: المحامي، محمد فريد بك، تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، (القاهرة، دار النفائس، 2006م)، ص186.
[5]. م. ن، ص144.
[6]. أوصى بطرس الأكبر Peter the Great (1682-1725م) قيصر روسيا القياصرة الذين جاءوا من بعدهِ بالوصول إلى مياه المُحيط الهندي الدافئة، بعد أن استطاع بموجب معاهدة 1723م، مع الدولة العثمانية، السيطرة على الأقاليم الفارسية المُجاورة لبحر قزوين. ينظر: نورس، علاء موسى كاظم، العراق في العهد العثماني.. دراسة في العلاقات السياسية (1700-1800م)، (بغداد، دار الرشيد للنشر، 1979م)، ص96؛ ويذكر كرزن أنَّ إنشاء ميناء روسي على الخليج العربي هو حلم الوطنيين المتحمسين من أهل الفولكا (نهر مشهور يمر في موسكو)، لكن هذا الحلم سيكون عنصر اضطراب في الخليج العربي حتَّى في وقت السلم، وسيضر بتوازن القوى الذي فرضته بريطانيا بعد مجهودٍ شاق. للمزيد عن الموضوع، يُنظر: Gurson. G. N., Persia and the Persian, London: question, 1892, Vol.2, p.49.
[7]. الرجل المريض: أسم أطلقه قيصر روسيا نيقولاي الأول Nicholas I (1825-1855م) على الدولة العثمانية سنة 1853م بسبب ضعفها، ودعا بريطانيا إلى أنْ تشترك معه في اقتسام أملاك الدولة، ثمَّ شاع هذا الاسم بعد ذلك واستعملته الدول الأوربية الأخرى. للمزيد، يُنظر: الصلابي، محمد علي، الدولة العثمانية.. عوامل النهوض وأسباب السقوط، (القاهرة، 1979م)، ص ص22-24.
[8]. اتفاقية سايكس ـ بيكو((sykes-Picot Agreement): هي الاتفاقية التي وقعت في 16/أيار/1916م، بين بريطانيا وفرنسا وانضمت إليها روسيا، وبموجبها حصلت بريطانيا على العراق وفلسطين وحصلت فرنسا على سوريا، أمَّا روسيا فحصلت على ولايات أرضروم وطرابزون وبتليس وجزء كبير من شمالي كردستان يمتد إلى الحدود الفارسية. للمزيد، يُنظر: مصطفى، أحمد عبد الرحيم، في أصول التاريخ العثماني، (بيروت، 1983م)، ص ص190-192.
[9]. المسألة الشرقية: المقصود بها النزاع بين الدول الأوربية الكبرى في المدّة من أواخر القرن الثامن عشر حتَّى انتهاء الدولة العثمانية في 1923م، وتمحور هذا النزاع حول الدولة العثمانية بشأن البلاد الواقعة تحت سلطانها، وبعبارةٍ أخرى هي مسألة وجود الدولة العثمانية نفسها في أوربا، وقد استخدم مصطلح المسألة الشرقية لأول مرة في مؤتمر فيرونا الذي عقده المحفل الأوربي سنة 1822م. للمزيد، يُنظر: التكريتي، هاشم صالح، المسألة الشرقية.. المرحلة الأولى (1774-1856م)، (بغداد، بيت الحكمة، 1990م)، ص21؛ حسين، فاضل وآخرون، التاريخ الأوربي الحديث (1815-1839م)، (بغداد، 1982م)، ص ص52-58.
[10]. أنيس، محمد والسيد رجب حراز، الشرق العربي في التاريخ الحديث والمعاصر، (القاهرة، دار النهضة العربية، د.ت.)، ص199.
[11]. حرب البلقان: في تشرين الأول من عام 1912م اشتعلت الحرب بين دول البلقان المتحالفة (بلغاريا والصرب واليونان) والدولة العثمانية، تمكَّنت خلالها دول البلقان من تحقيق انتصاراتٍ سريعة على الدولة العثمانية، واستطاعت الدول الكبرى من خلال مؤتمر لندن أنْ تضع حدًا لهذهِ الحرب في أيار من عام 1913م، وتحقيق السلام الذي اضطرت الدولة العثمانية بموجبهِ إلى التخلي عن جزيرة (غاليبولي) التي كانت تحت سيطرتها منذ النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي. للتفاصيل، يُنظر: هـ. أ. ل. فِشر، تاريخ أوربا في العصر الحديث (1789-1950م)، تعريب: أحمد نجيب هاشم وديع الضبع، ط8، (القاهرة، 1984م)، ص ص453-454.
[12].م. ن، ص200.
[13]. مجموعة من الأساتذة العراقيين، العراق في التاريخ، (بغداد، مطبعة الثورة، 1983م)، ص633.
[14]. م. ن، ص634.
[15]. توماس إدوارد لورنس Thomas Edward Laurence (1888-1935م): مغامر سياسي بريطاني، عَمِل في المخابرات التابعة للجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الأولى في مصر، ثمَّ انضم سنة 1916م إلى القوات العربية المُحاربة ضدَّ الدولة العثمانية بقيادة فيصل الأول، ألَّف كتبًا كثيرة، أهمها: أعمدة الحكمة السبعة. يُنظر: الكيالي، عبد الوهاب وكامل زهيري، الموسوعة السياسية، (بيروت، المؤسَّسة العربية للدراسات والنشر، 1974م)، ص463.
[16]. الشريف حسين بن علي (شريف مكَّة): هو الحسين بن علي بن مُحمَّد بن عبد المعين من آل عون، ولد في إستانبول عام 1853م، ثمَّ انتقل مع أسرتهِ إلى مكَّة عام 1855م عند إسناد منصب الشرافة لجدِّهِ، وفي عام 1893م عيِّن عضوًا في مجلس شورى الدولة، وفي تشرين الثاني 1908م عيِّن أميرًا لمكَّة وبقي على شرافتها إلى أنْ أُجبر على التنازل عن الملكية لابنه الكبير الشريف علي في أيلول 1924م، ونُفي إلى جزيرة قبرص في حزيران 1925م. توفي في 4/حزيران/1931م. للمزيد، يُنظر: جار شلي، إسماعيل حقي أوزون، أمراء مكَّة المكرمة في العهد العثماني، ترجمة: خليل علي مراد، (البصرة، مطبعة جامعة البصرة، 1985م)، ص ص182-185.
[17]. P. Graves, The life of sir Persy Cox, London: 1941, p.182.
[18]. سير هنري مكماهون Sir Henry McMahon: ولد في 28/نوفمبر/1862م في الهند. الممثل الأعلى لملك بريطانيا في الهند. عَمِل مديرًا في الهند، اشتهر بمراسلاتهِ مع شريف مكَّة الحسين بن علي بين عامي (1915-1916م) خلال الحرب العالمية الأولى. توفي في كانون الثاني من عام 1949م في لندن. للمزيد، يُنظر:
The New Britannic Encyclopedia, London: 1973, vol.3, p.993.
[19]. مذكرة السير مكماهون الثانية إلى الشريف حسين بن علي، القاهرة، 24/تشرين أول/1915م: مقتبس من: العطية، م. ن، ص182.
[20]. مذكرة السير مكماهون الثالثة إلى الشريف حسين بن علي، القاهرة، 13/كانون أول/1915. مقتبس من: العطية، م. ن، ص191.
[21]. البزّاز، عبد الرحمن، العراق من الاحتلال حتَّى الاستقلال، ط3، (بغداد، مطبعة العاني، 1967م)، ص42.
[22]. م. ن، ص43.
[23]. ويلسون، آرنولد تي.، بلاد ما بين النهرين بين ولائين، ترجمة: فؤاد جميل، ط2، (بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1991م)، (المقدمة)، ج1، ص(أ).
[24]. نوار، عبد العزيز سلمان، المصالح البريطانية في أنهار العراق، (القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1968م)، ص3.
[25]. فوستر، هنري، نشأة العراق الحديث، ترجمة: سليم طه التكريتي، (بغداد، المكتبة العالمية، 1989م)، ج1، ص7.
[26]. م. ن، ص7.
[27]. أنيس، م. ن، ص ص100-103.
[28]. غازي، علي عفيفي علي، الصراع الأجنبي على العراق والجزيرة العربية في القرن التاسع عشر، (بيروت، دار الرافدين، 2015م)، ص ص11-16.
[29]. نابليون الأول Napoleon Bonaparte: هو قائد عسكري وحاكم فرنسا وملك إيطاليا وإمبراطور الفرنسيين (1769-1821م)، خاض معارك عديدة احتل بها نصف أوربا، وفي النهاية خرج مهزومًا على أيدي بريطانيا وحلفائها، للمزيد، يُنظر: سليمان، علي حيدر، تاريخ الحضارة الأوربية الحديثة، (بغداد، دار واسط للدراسات والنشر والتوزيع، 1990م)، ص ص199-216.
[30]. صالح، زكي، بريطانيا والعراق حتَّى عام 1914م، (بغداد، مطبعة العاني، 1968م)، ص57.
[31]. لونكريك، ستيفنسن هيمسلي، أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ترجمة: جعفر الخياط، ط6، (بغداد، مكتبة اليقظة العربية، 1985م)، ص336.
[32]. Mohammed A. Tarbush, The Role of the military in politics,.. a case study of Iraq to 1941, Isted, London: 1983, p.31.
[33]. نظمي، وميض جمال عمر، الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية (الاستقلالية) في العراق، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1984م)، ص ص400-401؛ البزاز، م. ن، ص59.
[34]. إبراهيم، عبد الفتاح، على طريق الهند، (بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 2004م)، ص72؛
Zaki saleh, Mesopotamia (Iraq) (1900- 1914), Baghdad: 1957, Pp.153- 154.
[35]. اللورد كيرزن Lord George Curzon (1859-1925م): سياسي بريطاني معروف، تولَّى مناصب إدارية وسياسية عديدة في حكومة الهند البريطانية حتَّى أصبح نائبًا للملك في الهند بين (1899-1905م)، ثمَّ أصبح عضوًا في مجلس اللوردات عام 1908م، وظلَّ في هذا المنصب حتَّى وفاته. للتفاصيل، يُنظر:
The New Encyclopedia Britannic، vol.3, London: 1973, p.807.
[36]. آيرلاند، فيليب، العراق.. دراسة في تطورهِ السياسي، ترجمة: جعفر الخياط، (بيروت، دار الكشَّاف للطباعة، 1949م)، ص37.
[37]. وليم نوكس دارسي William N. Darcy (1849-1917م): مهندس بريطاني هاجر إلى أستراليا، وعَمِل في مناجم الذهب فجمع ثروةً كبيرة، ثمَّ عاد إلى بريطانيا، وفي عام 1901م حصل على امتياز النفط على سواحل الخليج العربي في إيران، وبعد سنتين على منح الامتياز قام دارسي بتأسيس شركةٍ لاستثمار النفط برأسمالٍ مقداره (600) ألف جنيه إسترليني، وحصل دارسي على أرباح كبيرة خلال أعماله في حقول النفط الإيرانية، وقدَّم بعدها طلبًا إلى الحكومة العثمانية للحصول على امتياز النفط العراقي. للتفاصيل، يُنظر: ميكائيل بروكس، النفط والسياسة الخارجية، ترجمة: غضبان السعد، (بغداد، 1951م)، ص42؛
S. H. Longrrigg, Oil in the Middle East, London: Groom Hel, Mltd., 1968, Pp.17- 36.
[38]. مظفَّر الدين شاه (1853-1907م): خامس ملوك أسرة آل قاجار، اختاره والده ناصر الدين شاه وليًا للعهد وهو في سنِّ الخامسة من عمرهِ، اتصف بالثقافة والتحدث بأكثر من لغة، كان ضعيف الشخصية ممّا أدّى إلى سيطرة حاشيته على مقاليد الحكم. للتفاصيل، يُنظر: المالكي، لازم لفته ذياب، إيران في عهد مظفَّر الدين شاه (1896-1907م)، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة البصرة، كلية الآداب، 1979م، ص ص39-43.
[39]. إبراهيم، م. ن، ص174.
[40]. بولارد، ريد، بريطانيا والشرق الأوسط، ترجمة: حسن أحمد السلمان، (بغداد، مطبعة الرابطة، 1956م)، ص97.
[41]. (40) Stephan H. Longrigg, Iraq 1900 to 1950: Apolitical, Social and Economic History, London: Oxford University Press, 1953, p.3
[42]. ديفيد لويد جورج David Lioyd-George (17/كانون الثاني/1863-26/آذار/1945م): سياسي بريطاني، عضو في مجلس العموم للمدة من (1890-1945م)، تولَّى لأول مرة منصب وزير التجارة سنة 1905م، ثمَّ وزيرًا للخزانة للمدة (1908-1915م)، عُيِّن وزيرًا للحربية لبضعة أشهر سنة 1916م، حتَّى أصبح رئيسًا للوزارة، استقال من رئاسة الوزارة سنة 1922م للاختلاف حول الميزانية. للمزيد، يُنظر:
The New Encyclopedia Britannica, op. ct.,Vol, V1., p.28.
[43]. نظمي، وميض جمال عمر، م. ن، ص401.
[44]. حميدي، جعفر عباس، تاريخ العراق المعاصر (1914-1968م)، (بغداد، دار عدنان للطباعة والنشر، 2015م)، ص ص16-21.
[45]. Gurson, Op., cit., p.49.
[46]. آرنولد ويلسونArnold Talbot Wilson (1884-1940م): عسكري بريطاني، خدم في الهند ثمَّ في الأحواز، وقَدِمَ مع الحملة البريطانية على العراق عام 1914م، وعُيِّن وكيل الحاكم المدني في العراق منذ عام (1918-1920م)، غادر العراق نهائيًا على إثر قيام انتفاضة 1920م والنتائج التي ترتبت عليها. قُتل في معركةٍ جوية خلال الحرب العالمية الثانية في الأول من حزيران عام 1940م. للمزيد، يُنظر:
Encyclopedia Britannica, Vol.15, p.312.
[47]. نظمي، م. ن، ص399.
[48]. حافظ، طالب حسين، النفط والسياسة في العراق، (بغداد، دار الكتب العلمية، 2017م)، ص47.
[49]. ويلسون، م. ن، ص11.
[50]. حافظ، م. ن، ص47.
[51]. بحري، لؤي، سكَّة حديد بغداد، (بغداد، شركة الطبع والنشر الأهلية، 1967م)، ص ص10-12.
[52]. حسين، علي ناصر، تاريخ السكك الحديدية في العراق (1914-1945م)، (بغداد، 1986م)، ص21؛
E. M. Earle, Turkey The Greet Power and The Baghdad Railway, A study in Imperialism, New York: 1966, p.135.
[53]. Zaki Saleh, Op. cit., p.154.
[54]. حسين، م. ن، ص22؛ Earle, Ibid., p.135.
[55]. حسين، م. ن، ص22.
[56]-حري، م. ن، ص21.
[57]. ويليام الثاني William II (1859-1941م): ملك بروسيا وإمبراطور ألمانيا، والدته ابنة الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا، سعى إلى تبنِّي سياسة النهج الجديد التي أكَّدت حق ألمانيا في زعامة العالم، تلك السياسة التي أثارت البريطانيين ضده، كان يُعاني من عقدة الشعور بالنقص بسبب عوق في يدهِ اليُسرى، وفي تشرين الثاني من عام 1918م تنازل عن العرش بعد أنْ انهزمت ألمانيا في الحرب، ونُفي خارج ألمانيا، وعاش في المنفى حتَّى وفاتهِ في عام 1941م. آلان بالمر، موسوعة التاريخ الحديث (1789-1945م)، (بغداد، دار المأمون للطباعة والترجمة والنشر، 1992م)، ج2، ص ص391-392؛
Encyclopedia Americana, New York: 1968, Vol.28, p.779; Paul Kennedy Randon, The Rise and Fall of the Great Powers, U.S.A: 1987, p.25.
[58]. بحري، م. ن، ص22.
[59]. السلطان عبد الحميد الثاني (1842-1918م): سلطان عثماني، حكم من (1876-1909م)، كان عهده طافحًا بالحروب، حكم البلاد حكمًا استبداديًا قاسيًا، أُكره على منح دستور للبلاد عام 1908م، وفي عام 1909م أجبرته حركة تركيا الفتاة على التنحي عن الحكم. وتوفي عام 1918م. يُنظر: علي، أورخان محمد، السلطان عبد الحميد الثاني وأحداث عصرهِ، (بغداد، مطبعة الخلود، 1987م)، ص ص1-37؛ والدي، عائشة عثمان أوغلي، السلطان عبد الحميد، ترجمة: صالح سعداوي صالح، (عمَّان، 1991م)، ص ص11-48.
[60]. مرت القضية الأرمنية بثلاث مراحل تاريخية: حقبة السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909م)، والاتحاديين الطورانيين (1909-1919م)، وحقبة تركيا الكمالية (1919-1923م). للمزيد عن القضية الأرمنية، يُنظر: اليافي، نعيم وخليل موسى، نضال العرب والأرمن ضدَّ الاستعمار العثماني، (اللاذقية، دار الحوار، 1995م)، ص21.
[61]. إبراهيم، م. ن، ص102.
[62]. م. ن، ص ص113-115.
[63]. البحري، م. ن، ص ص69-71.
[64]. مبارك الصباح: الشيخ مبارك بن صباح الصباح، حاكم الكويت السابع والمؤسِّس الحقيقي لها، ولد عام 1837م في الكويت، تولَّى الحكم في 17/مايس/1896م بعد أن قتل أخويه محمد وجراح، لُقِّب بمبارك الكبير، ازدهرت الكويت في عهدهِ تجاريًا، وشيَّد فيها أول المدارس النظامية والمستشفيات. توفي في 28/نوفمبر/1915م. للمزيد، يُنظر: براي، ن.، مغامرات لجمن في العراق والجزيرة العربية، ترجمة وتعليق: سليم طه التكريتي، (بغداد، دار واسط للدراسات والنشر والتوزيع، 1990م)، ص42.
[65]. البحري، م. ن، ص ص51-52.
[66]. م. ن، ص52.
[67]. فوستر، هنري، م. ن، ج1، ص ص59-65.
[68]. شركة الهند الشرقية الإنكليزيةThe English East India Company: شركة تجارية أُسِّست للمتاجرة مع الشرق في 31/كانون الأول/1600م، وكان هدفها استيراد البضائع الشرقية مقابل تصدير البضائع الإنكليزية. للاستزادة عن شركة الهند الشرقية، يُنظر: محمد أمين، عبد الأمير، «التنافس بين الشركات التجارية الإنكليزية في منطقة الخليج العربي والأقطار المجاورة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر»، مجلَّة كلية الآداب، (مجلَّة)، بغداد، ع48، 1963م؛
Bennett, Thomas Jewell, «the past and Present Connection of England with the PERSIAN Gulf», Journal of the Society of Arts, London: June, 13, 1902, Pp.634- 652.
[69]. نوار، م. ن، صص23-24.
[70]. تضمَّنت المعاهدة ما يلي: حق مجيء الإنكليز إلى أراضي السلطان العثماني للتجارة بسفنهم الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، وأنْ يقوموا بالشراء والبيع. أنْ تُعامل إنكلترا معاملة الدولة الأكثر رعاية. للمزيد، يُنظر:
J. Hurewit, Diplomacy in the Near and Middle East, London: 1958, Vol.I. Pp.25- 32.
[71]. محمد علي باشا (1769-1849م): ضابط عثماني ألباني الأصل، ولد في مدينة قولة الألبانية، جاء مع الفرقة الألبانية التي أرسلتها الحكومة العثمانية بهدف إخراج الغزاة الفرنسيين الذين سيطروا على مصر عام 1798م، وبسبب ذكاء هذا الضابط وبمساعدة الظروف له استطاع أنْ يكون واليًا على مصر وأنْ يُثبِّت مركزه، وكان الشخصية الأكثر شهرةً في تاريخ مصر، إلَّا أنَّ الدول الأوربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا أوقفت طموحاته في معاهدة لندن عام 1840م. توفِّي عام 1849. للمزيد، يُنظر: شبارو، عصام محمد، المقاومة الشعبية المصرية للاحتلال الفرنسي والغزو البريطاني، (بيروت، دار التضامن للطباعة والنشر والتوزيع، 1992م)، ص ص100-102.
[72]. حافظ، م. ن، ص53.
[73]-Sir A. T. Wilson, Loyalties, Mesopotamia (1914- 1917), London: 1930, p.102.
[74]. صالح، م. ن، ص28.
[75]. علي رضا اللاظ: ولد في طرابزون الواقعة على البحر الأسود عام 1779م، اتصف بالشدة ضدَّ المماليك حيث ذبح منهم نحو مائتي مملوك ومن بينهم ابن داوود باشا، إلاَّ أنَّه أحسن معاملة داوود باشا، إذ حافظ على حياتهِ وجعله يرحل إلى أسطنبول بسلام. كما اتصف بميلهِ إلى الطرق الصوفية، ومنها البكتاشية. توفِّي في إسطنبول عام 1846م. للمزيد، يُنظر: العزاوي، عباس، تاريخ العراق بين احتلالين، (بغداد، 1955م)، ج7، ص19؛ همسلي، م. ن، ص322.
[76]. محمود الثاني (1784-1893م): سلطان عثماني من (1808-1839م)، أُجلس على العرش بعد خلع أخيه مصطفى، تابع ما بدأه السلطان سليم الثالث من إصلاحات، استمرت في عهدهِ الحرب البروسية ـ العثمانية (1806-1812م) والتي فقدت فيها السلطنة بساربيا، وعوضتها باسترجاع صربيا سنة 1813م، قضى على ثورة اليونان بمساعدة مُحمَّد علي باشا، وقد غزا في عهدهِ محمد علي فلسطين وسوريا والأناضول (1833-1839م). للمزيد، يُنظر: غربال، محمد شفيق، الموسوعة العربية الميسرة، (بيروت، دار الفكر، 1974م)، ص1633.
[77]. م. ن، ص33.
[78]. تحولت مؤسَّسة (لينش) إلى شركةٍ للمِلاحة البخارية في أنهار العراق عام 1861م، تحت مُسمَّى (شركة السادة لينش للمِلاحة البخارية في نهري دجلة والفرات)Messrs Lynch of the Euphrates and Tigris steam Navigation Company »، وظلَّت قائمةً حتَّى تمَّت تصفيتها عام 1951م. للمزيد، يُنظر: نوار، م. ن، ص398.
[79]. العطية، العراق.. نشأة الدولة، ص105.
[80]. م. ن، ص105.
[81]. نعمة، كاظم، الملك فيصل الأول، (بيروت، الدار العربية للموسوعات، 1988م)، ص10.
[82]. P. Graves, The Life of sir Persy Cox, London: 1941, p.182.
[83]. نعمة، م. ن، ص12.
[84]. العطية، م. ن، ص ص174-175.
[85]. م. ن، ص200.
[86]. أنطونيوس، جورج، يقظة العرب.. تاريخ حركة العرب القومية، ترجمة: ناصر الدين الأسد وإحسان عباس، ط6، (بيروت، دار العلم للملايين، 1980م)، ص ص348-349. إنَّ من أهم الأسباب التي دعت وزارة الخارجية البريطانية إلى إخفاء شروط الاتفاق الذي عقدته مع الشريف حسين، يعود لخشيتها من تعارض الاتفاق مع ما تريده فرنسا، فضلًا عن عدم رغبتها في الإيفاء بتعهداتها للشريف حسين وخوفها من تحالف الأخير مع فرنسا فيما لو كشفت الأخيرة سر ما تُضمره بريطانيا، ناهيك عن إحساس بريطانيا بحاجتها إلى طريق برية إلى الشرق ورغبتها في عمل أي شيء ضروري يمكن أنْ يشل أثر المكاسب الفرنسية والروسية من اتفاقية سايكس ـ بيكو، إضافةً إلى أنَّ حكومة بريطانيا وعدت الشريف حسين بتنصيب ولده فيصل ملكًا على سوريا دون أن تُعلم حليفتها فرنسا بذلك، وكانت مخاوف حكومة بريطانيا في محلها، إذ أخرج الفرنسيون فيصلًا من سوريا بعد احتلالهم لها في معركة ميسلون آذار 1920م.
[87]. وقعت الاتفاقية بين مندوب الحكومة البريطانية مارك سايكس Mark Sykes ومندوب الحكومة الفرنسية شارل فرانسو بيكو Charles Franceis Picot، سنة 1916م، لذا عُرفت بهذا الاسم ووضعت ولايتي البصرة وبغداد تحت الوصاية البريطانية، أمَّا ولاية الموصل فقد وضعت تحت الولاية الفرنسية. يُنظر: البراوي، راشد، البترول في الشرق الأوسط، (القاهرة، مطبعة دار العرب، 1955م)، ج4، ص ص121-122.
[88]. أنطونيوس، يقظة العرب، ص ص348-349.
[89]. م. ن، ص438.
[90]. جورج كليمنصو George Clemencea (1841-1929م): من أبرز السياسيين الفرنسيين، رأس الوزارة مرتين (1906-1909م) و (1917-1919م)، انتُخب عضوًا في مجلس النواب عام (1876-1893م)، وفي مجلس الشيوخ عام 1902م، وفي عام 1906م أصبح رئيسًا للوزارة ووزيرًا للداخلية، وفي تشرين الثاني 1917م أصبح رئيسًا للوزراء مرةً ثانية، وأقام حكومةً ائتلافية (حكومة الاتحاد المقدس)، واصلت الحرب حتَّى إحراز النصر، عدّ كليمنصو معاهدة فرساي غير كافية لضمان سلامة فرنسا. للمزيد، يُنظر: بالمر، آلان، م. ن، ج1، ص190.
[91]. حافظ، م. ن، ص60.
[92]. عُصبة الأمم League of Nations: هي إحدى المنظَّمات الدولية السابقة التي تأسَّست عَقِب مؤتمر باريس للسلام عام 1919م، والذي أنهى الحرب العالمية الأولى التي دمرت أنحاء كثيرة من العالم وأوربا خصوصًا، وهي أول منظَّمة دولية هدفت إلى الحفاظ على السلام العالمي. للمزيد، يُنظر:
The New Encyclopedia Britannica, New York: Vol.VI, p.244.
[93]. عبد الرحمن النقيب (1854-1927م): من رجال السياسة والحكم في العراق، ولد في بغداد وتعلَّم فيها، وتولَّى نقابة الأشراف فيها، تولَّى أول وزارة عراقية بعد ثورة العشرين، ثمَّ بعد تولِّي فيصل الأول عرش العراق تولَّى رئاسة الوزارة مرتين، عُقدت في عهدهِ المعاهدة العراقية . البريطانية عام 1922م. توفي في بغداد عام 1927م ودفن فيها. للمزيد، يُنظر: كحالة، عمر رضا، معجم المؤلِّفين، (بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1967م)، ج5، ص156.
[94]. الملك فيصل الأول (1883-1933م) (1921-1933م): ولد في مدينة الطائف في العشرين من أيار عام 1883م. ودرس في أسطنبول، شارك في الثورة العربية الكبرى التي اندلعت في العاشر من حزيران عام 1916م، إلَّا أنَّ الفرنسيين أزاحوا فيصلًا عن عرش سوريا بعد موقعة ميسلون في الرابع والعشرين من تموز عام 1920م، وفي آذار 1921م رشَّحت بريطانيا فيصلًا ملكًا على العراق في مؤتمر القاهرة، وفي الثالث والعشرين من آب 1921م اعتلى عرش العراق. توفي في ليلة السابع على الثامن من أيلول عام 1933م. للتفاصيل، يُنظر: التكريتي، عبد المجيد كامل عبد اللطيف، فيصل الأول.. ودوره في تأسيس الدولة العراقية الحديثة (1921-1933م)، (بغداد، 1991م)، ص ص10-15.
[95]. حافظ، م. ن، ص61.
[96]. م. ن، ص61.