الباحث : د. ادريس هاني
اسم المجلة : الاستعمار
العدد : 1
السنة : 2024م
تاريخ إضافة البحث : November / 2 / 2024
عدد زيارات البحث : 83
الدكتور إدريس هاني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يرحّب المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية التابع للعتبة العبّاسيّة المقدّسة بكم أفضل ترحيبٍ، ويتمنى لكم وافر السلامة. نتطلّع في هذا اللقاء أنْ نحقّق ثمرةً علميةً في تكوين إجاباتٍ نافعةٍ حول أبرز الأسئلة التي تتعلّق بشأن الاستعمار، ونبتدأ على بركة الله في الآتي:
س (1): هل ثمّة ضرورةٌ في رأيكم لفتح ملف الاستعمار من جديدٍ في وقتنا الراهن؟
ج: يتعين اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، فتح ملف الاستعمار، بوصفه جوهر النزّاع اليوم بين الأمم. وإن كان هذا الاستعمار الراهن طوّر من أساليبه وأهدافه وأنماطه، إلاّ أنّ روح الهيمنة حاضرةٌ بقوة. ويُضاف إلى ذلك، أنّ المنطقة تشهد أخطر وآخر أنماط الاحتلال المركّب، الذي ما يزال من ناحية، وفيّا للنمط الكلاسيكي للاحتلال، ومن ناحيةٍ أخرى، هو منفتحٌ على الأنماط النيوكولونيالية التي تشكّل سندًا له بوسائل متطوّرة. لا يزال الاستعمار يهدد الأمم وأمّتنا وأقطارنا بأساليب شتّى؛ إذ ما من مشكلةٍ شاغلةٍ اليوم، في مجال الأمن والاستقرار السياسي، والتنمية، والسيادة، ونحو ذلك إلّا وهي موصولة بالاستعمار وأساليبه في تقويض تقدّم الأمم.
س (2): إذًا لدينا ثلاثة مصطلحات: الاستعمار، والاستعمار الجديد، وما بعد الاستعمار، فحبذا تتفضلون بتفسيرها.
ج: الاستعمار هو باختصار ممارسةٌ هيمنيّةٌ تهدف إلى السيطرة الجماعية على الجغرافيا السياسية لأمّةٍ من الأمم، وعلى مواردها الطبيعية والبشرية، وبموجب الاستعمار تفقد الأمم المستَعْمَرَة سيادتها. وبموازاة ذلك أُسّست منظمة الأمم المتّحدة عام 1945م، ونظام الوصاية الدولي المنبثق عن ميثاق الأمم المتّحدة القاضي بتحميل الدول المهيمنة مسؤولية إدارة من يقع عليهم الاستعمار وضمان حقوقهم في أفق مبدأ تقرير المصير. هذا من النّاحية القانونية، أمّا من النّاحية التّاريخية والسياسية، فلقد جاء هذا الموقف نتيجة الحرب العالمية الثانية التي انتهت بإقرار نظامٍ عالميّ جديد، بحساباتٍ وشروط مختلفة.
لكن هذا كلّه لم يوقف مسار الهيمنة؛ فلقد استمرّ الاستعمار في ثوبٍ جديد، واستمرت الهيمنة بأنماطٍ جديدةٍ تمنح الدّول العظمى فرصًا جديدةً للهيمنة على ثروات البلدان حتى من دون احتلالها جغرافيّا، فعزّزت من تقويض سيادتها وزاد من سياسة التّدخّل في شؤونها. فظهور الأمم المتّحدة رافقه أيضًا نظام بروتن وودز الذي أسس لمرحلةٍ جديدٍ، رهنت دول عالم الجنوب لضربٍ آخر من السيطرة، وهو ما أسفر عن نمطٍ جديدٍ للاستعمار، وهو الاستعمار الجديد الذي يقوم على الهيمنة الناعمة، من دون كلفة الاستيطان، فاستعمار يقوم على الهيمنة الثقافية والاقتصادية والسياسية.
وجاءت نظرية ما بعد الاستعمار (post colonial theory)، لتلقي الضوء على أشكال النفوذ الثقافي، وصورة الأهالي في ذهنية المُستعمِر، وهي نظرية نشأت في ثمانينيات القرن الماضي، وجاءت أيضًا في سياق بروز تيار ما بعد الحداثة. فهو شعبة برزت في أمريكا، ثم بعد ذلك في أوروبا. وقد ظهرت أعمالٌ مهمّةٌ تعدّ رائدةً، بل مؤسسة لنظرية ما بعد الاستعمار في طبيعة مقاربتها وأدوات تحليلها لآثار الاستعمار، أذكر من ذلك فرانز فانون (معذبو الأرض)، بل يمكن عدّ أشيل مبيمبي من خلال كتابه (ما بعد الاستعمار) من أهم الكتب التأسيسية على الرغم من أنّه ظهر بعد كتاب (معذبو الأرض) بأربعين سنة، كما يمكن عدّ كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد من الكتب المؤسّسة لما بعد الاستعمار، بل يعود له الفضل في جعل الاستشراق مبحثًا من مباحث ما بعد الاستعمار.
س (3): بات ضروريًا أنْ نعيّن أوجه الاشتراك والافتراق بين الاستعمار القديم والاستعمار الجديد، وما هي الطرق الجديدة للاستعمار؟
ج: الجوهر واحد، هو الهيمنة، لكن الأساليب تعدّدت؛ إذ اقتضى عصر النفوذ تراجع نمط الاستعمار القديم، فبعد الحرب العالمية الثانية لم يعد بالإمكان مواصلة الاستعمار المباشر بالقوة، إذ القوى الاستعمارية التقليدية كفرنسا وبريطانيا ستواجه نفوذًا جديدًا تمثّله أمريكا؛ ولذا خضعت دولٌ كثيرةٌ للاستفتاء والتفاوض على مرحلة ما بعد الاستعمار المباشر، مُكرهةً لا مُخيّرة؛ ولذا أصبح الاستعمار بصورته القديمة مكلفًا، ولا يتوفّر على غطاءٍ مقنعٍ من القانون الدولي بعد أنْ مُنح الحق في تقرير المصير والحقّ في مقاومة الاستعمار. لقد أصبح الاستعمار الجديد استعمارًا مناورًا، يقوم على تأويلٍ فاسدٍ للقانون الدولي، واعتماد لعبة الأمم.
ويمكن عدّ أطروحة (صِدام الحضارات) لصامويل هنتنغتون دعوةً للكفّ عن الهيمنة المباشرة، وعجز الدول العظمى عن تحقيق حلمها بالاستعمار الجديد، والذي يعدّه تحضيرًا ودمقرطةً للأمم غير الغربية. هذا الفشل الذي سينتهي بضرباتٍ ارتداديةٍ تهدّد الغرب وقيمه وثقافته؛ لذا دعا إلى الانسحاب والكفّ عن التدخل والاهتمام بالداخل الغربي ضمن حدوده الطبيعية، من منطلق قناعته باستحالة فرض القيم الغربية على لها من امتياز عنها.
والواضح هو أنّ الاستعمار يطوّر في أساليبه، كما أنّ مقاومته تتطوّر هي الأخرى في أساليبها، وهذا جدلٌ مستمر بين الاستعمار وضحاياه، وهي معركةٌ طويلةٌ ومريرةٌ، لكنها مكلفةٌ أيضًا للاستعمار الجديد.
س (4): مازلنا نضيّق دائرة السؤال لتحديد أبرز أنواع الاستعمار في الحاضر؟
ج: إذا أخذنا بعين الاعتبار مفهوم الاستعمار الجديد وما بعد الاستعمار، فإنّ عالم ما يسمّى الجنوب كلّها تحت طائلة الاستعمار الجديد. إنّ تقويض السيادة هو أكثر أشكال الاستعمار الجديد حضورًا. وحتى الأمم المتّحدة ما زالت عاجزةً عن ضمان السيادة الكاملة للدول؛ وذلك لسبب بسيط، وهو أنّ الهيمنة توجد داخل الأمم المتحدة نفسها من خلال احتكار حقّ النقض، ورهن الأمم لسياسة التّدخّل والعقوبات.
وما زال الاحتلال الصهيوني هو الشكل الأكثر تركيبًا للاستعمار، إذ هو احتلالٌ استيطانيّ، وهو نفسه أداةٌ لاحتلالٍ آخر؛ لأنّه يقدّم نفسه جبهةً متقدّمةً للدفاع عن مصالح الغرب تحت مسمّى الدفاع عن الحضارة الغربية.
س (5): لكلّ مشروعٍ دوافع يسعى لتحقيقها وأسبابٌ أساسية، والاستعمار هو أحد المشاريع السياسية للقوى العالمية، فكيف تقرأ دوافعه وأسباب السيطرة على الشعوب وأهداف ذلك؟ وهل يتخطّى المشروع الاستعماري الهدف الاقتصادي والسياسي؟
ج: دوافع الإمبريالية الأساسية هي الرغبة في الهيمنة الاقتصادية، وهي لهذا السبب تدرك أنّ الطريق إلى ذلك هو الهيمنة السياسية، وتحقيق الهيمنة السياسية يتحقّق بالغلبة العسكرية. ويتم توظيف عناصر الجذب الثقافي اليوم لتحقيق هذه الهيمنة السياسية عبر الحرب الثقافية، وهي حربٌ ناعمة. وفي طيّات هذا التحدّي يتمّ استنفار كلّ عناصر التعبئة الرمزية الأخرى، وتتساوى المستعمرات كلّها في أساليب الهيمنة، ولكن في هذا الإطار تبرز حساسياتٌ ونزعاتٌ عنصريةٌ ونزعاتٌ داروينيةٌ تمنح الشرعية للاستعمار في إكمال مشروع الهيمنة بوصفه حقّا طبيعيًّا وأخلاقيًّا، وبوصفه رسالةً تحضّر، وهنا تكمن مفارقة العالم المعاصر!
س (6): بات ضروريًا قراءة تعامل الاستعمار الجديد مع ثقافات الشعوب ومؤسّساته الإعلامية والعلمية مثل التربية والتعليم ودور التراث العلمي؟ ولعلّ الباعث لهذه الضرورة فهم خطورة الآثار الناتجة عن ذلك، لوضع الكيفيّات الكفيلة للتخلّص من آثاره أو تقليله؟
ج: بالفعل، حاول المستعمر تغيير الثقافة والمزاج المحلّي قصد تحقيقَ نوعٍ من الإدماج القسريّ للأصلي ابن المستعمرات، ولكنها محاولةٌ تفرض شكلًا من القهر انتهى بجعل الأصلي يدخل مرحلة التقليد للمستعمر. وكان المستعمر قد سعى إلى تغيير أنظمة التربية والتعليم في المستعمرات؛ لمزيدٍ من الهيمنة على المجتمعات الخاضعة للاستعمار، في محاولةٍ لإحداث قطيعةٍ بين تلك المجتمعات وتراثها وقيمها، تحت طائلة التّحديث، غير أنّ الغاية كانت هي الضّمّ الثقافي وانتزاع الأمم من تاريخها الخاصّ. وما زالت آثار ذلك ماثلةً في عديد من الأيديولوجيات الهجينة، التي تدعو للإلحاق وإحداث القطيعة التّامة مع الميراث الثقافي للأمم المُسْتَعْمَرَة وهوياتها. وهذا ما يتطلّب خوض معركة وعيّ حقيقية، لتحقيق المطلب التاريخي لتلك الأمم في التّطوّر التّاريخي دون أنْ تفقد هويّتها وسيادتها، هذه معركة وعيٍّ مفتوحة.
س (7): للمؤسّسات العسكرية والحقوقية والقضائية ثوابت في أنظمتها، ويعتقد الكثيرون بأنّ للاستعمار الجديد والهيمنة الإمبريالية يدًا في تحديد أعمال بعض أنظمتها وشكلها من خلال بعض المعاهدات، فهل لهذا واقعٌ في المنطقة العربية؟
ج: نعم، هذا واقعٌ لا غبار عليه، ليس فقط في البلاد العربية، بل هو حكاية علاقة السيطرة بين الشمال والجنوب، لا بل حتى في أوربا يشعرون بتأثير القانون والقضاء الأمريكي على أوربا.
إنّ الاستعمار الجديد يفرض من خلال ما يسميه بالقيم الكونية، كثيرًا من القوانين على المستعمرات القديمة، وذلك عبر الضغط المستمر والابتزاز للمصادقة على بعض المواثيق الدولية بالجملة ومن دون اشتراطٍ أو استثناء، وربط ذلك بالمساعدات والحماية وما شابه. بل إنْ شئت ففي البلاد العربية أعراف إنْ لم نقل معاهدات تقوّض سيادتها. وهنا لا أتحدّث عن المعاهدات الظاهرة والموثّقة، بل أتحدّث عن الاتفاقيات الخفيّة والتوافقات الموضوعية، إذ يمكن الوقوف عند تلك الظواهر من خلال نتائجها وغاياتها، فمعظم تلك الدول مرتهنةً لتوافقاتٍ واتفاقياتٍ مع الاستعمار الجديد، أقول معظمها. وكثير من الدول تكمل مشروع الاستعمار بطريقةٍ فيها من المخاتلة السياسية ما فيها!
س (8): لقد كانت الثروات والصناعات الوطنية، الزراعية والتجارية، محلّ أطماع المستعمرين، وكذلك حرمان الشعوب من ثرواتها قديمًا وحديثًا، وهذا يوفّر للمستعمر الاطمئنان ببقاء الدول تحت هيمنته وقراره. فهل يمكن بيان بعض صوره، وهل من سبيل للتخلص من ذلك؟
ج: التحرّر من الاستعمار الجديد له كلفةٌ تفوق التحرّر من الاستعمار القديم، وكُلفته باهضة؛ لأنّها تجعلك في محور الشّر في النظام الدّولي، وتجعلك في مواجهة تأويل الغالب للقانون الدّولي. إنّ أساليب الاستعمار الجديد وأدواته في السيطرة والبروباغاندا، تجعل عملية التحرّر تحدّيًا للنظام الدّولي الخاضع بدوره للقوى الإمبريالية. ولا سبيل للتخلّص من ذلك إلاّ بالكفاح والمناورة، هذا هو قدر الأمم المستضعفة. إنّ ثروات الأمم المستعمرة قديمًا أو المستعمرة حديثًا عبر الاستعمار الجديد، لا تملك سيادتها على ثرواتها، بل إنّ أعظم أشكال ثروات الأمم تُضخّ سرّا أو علنًا في جعبة الاستعمار الجديد.
س (9): عمل الاستعمار على تغريب أنظمة السلوك والأعراف والثقافات والعادات العامة بشتىّ الطرق والآليات. هل يمكن توصيف ذلك بالشواهد وتحديد أوجه المقاومة القيمية والتربوية؟
ج: إنّ أخطر أشكال التغريب، هي التفكير بأهداف المستعمرين نفسها، والاستلاب والتقليد لمشروعهم حدّ التماهي والاندماج، والخلط الفاحش بين سلوك المستعمرين ومطلب التحديث، والخلط بين القيم الغربية والقيم الكونية.
وكوننا حافظنا على قدرٍ من القيم الأصلية، فهذا ناتج عن مقاومة طويلة الأمد. إنّ مقاومة الاستعمار الجديد وهيمنته الثقافية والسياسية والاقتصادية هي في جوهرها مقاومةٌ تربويّة.
س (10): يُعدّ مشروع التقسيم والفتن الطائفية والعنصرية والعرقية أداةً فاعلةً للهيمنة على الشعوب، وهو ممّا عمل عليه الاستعمار، فبأيّ وجهٍ يمكن مقاومته؟
ج: لقد سعى الاستعمار إلى إذكاء الفتن الطائفية والعنصرية في العالم الإسلامي، ونبش في تراثه وقام بتفجيره وتحيين مقاتله، وكان ذلك مقصودًا جدًّا. ومع أنّ المستعمرين لهم طوائف وقوميات مختلفة استطاعوا احتوائها إلى حدّ ما، إلاّ أنّهم فجّروا الهويات والطوائف الأخرى وجعلوها بالفعل هوياتٍ قاتلةً كما عنون أمين معلوف إحدى أعماله.
كان الاستعمار واعيّا بأنّ أفضل طريقٍ لبسط الهيمنة هو إذكاء الفتنة الطائفية في العالم الإسلامي. إنّ خريطة برنار لويس التقسيمية موصولةٌ بخريطة المذاهب والقوميات الصغرى في العالم الإسلامي، إنّهم يراهنون على الحروب الطائفية من أجل قيام شرق أوسط جديد تكون فيه هذه الحساسيّات محمية للاحتلال. إنّ الفتن الطائفية هي نتاجٌ للاستعمار الجديد؛ لأنّ الاختلاف موجودٌ في كلّ بلاد العالم، لكنّ تفجيره في مناطق أطماعه هو مخططٌ استعماري بامتياز.
وقد شهد العالم الإسلام والعربي تحديدًا انفجارًا طائفيًّا خطيرًا، وازداد خلال العشرية الأخيرة، وتحوّل إلى مشروعٍ استقتاليّ انتهى بتخريب الكيانات وإضعافها، وسهّل ذلك كلّه المأمورية على الاستعمار الجديد. إنّ الطائفية تحوّلت إلى حالة انتحار للعالم العربي والإسلامي، وتحوّلت إلى أداةٍ وظيفيةٍّ في يد الإمبريالية.
س (11): حبّذا بيان بعض أوجه مناهضة الاستعمار في الأدب والفنون والثورات التي من شأنها تعزيز الوعي؟
ج: إنّ الوعي بمخاطر الاستعمار الجديد وبآليات سيطرته على الأمم والشعوب له تجلّياتٌ في شتّى حقول المعرفة والجمال، وطبيعيّ أنّ الفنّ هو أكثر تأثيرًا حتى من السياسات؛ ومن هنا قام الاستعمار الجديد والحرب الناعمة على عنصر الجذب، وتسخير الفنّ في معركة الإخضاع. ولقد أنتجت النخب التحررية في العالم العربي والإسلامي وكذا آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية العديد من الأعمال الأدبية والفنية في التشكيل والدراما مهمّة جدّا. ويبقى المطلوب هو توحيد مضمون وغايات هذه الأعمال؛ لأنّ الوعي بأخطار الاستعمار الجديد تقتضي توحيد الموقف السياسي، والذوق الفنّي الحامل لرسالة التحرر.
س (12): قاومت المؤسّسة الدينيّة الاستعمار بشتّى الوسائل وعملت على تكوين خطوط صدٍّ مانعةٍ من تحقيق مشروعٍ في المنطقة على أزمنةٍ متفرّقةٍ مع قلّة الوسائل والأدوات، ونجحت في مشاريعها، هل يمكن بيان سرّ النجاح في ذلك؟
ج: بطبيعة الحال، أدّت هذه المؤسّسة على امتداد العالمين العربي والإسلامي دورًا كبيرًا في مقاومة الاستعمار، ولا تزال تمانع بأشكالٍ مختلفةٍ ضدّ أساليبه الجديدة، فالمؤسسة الدينية بدءًا من جامعة القرويين بالمغرب مرورًا بجمعية العلماء المسلمين بالجزائر وجامعة الزيتونة بتونس والأزهر الشريف بالقاهرة والنجف الأشرف بالعراق، وهكذا سائر العالم العربي والإسلامي، كان لها دورٌ يضارع لاهوت التحرير بأمريكا اللاتينية. إنّ المؤسّسة الدينية رفدت الحركة الوطنية بزخمٍ روحيّ استطاع أنْ يعوّض النقص الحاصل في المعدّات ووسائل الكفاح، وعملت على تعبئة المجتمع ضدّ الاستعمار. فالمؤسسة الدينية بهذا المعنى كانت بمنزلة القوّة الرمزية، وكذا المادية من حيث إنّها أسهمت من خلال الموارد الشرعية في تمويل مشاريع التحرر الوطني.
س (13): أهمية مكافحة الاستعمار في العالم الإسلامي
ج: مبدئيًا، الكفاح ضرورة، فلا وجود لبلدٍ تحرّر من الاستعمار القديم أو الجديد إلاّ بضربٍ من الكفاح مشهود. وهو من الناحية المبدئية موقفٌ إيجابيّ ومشروع. ومن الطبيعي وجود إخفاقاتٍ في شروطٍ معينةٍ ومؤقّتة، ولكن إخفاقات الاستعمار هي حتمية مهما بلغ ذروته. وفي حالة الاستعمار، وجب القول كما يقول البعض: لستَ مهزومًا ما دمت تقاوم. فالاستعمار يتطوّر في أساليبه وكذلك المقاومة من المفروض أنْ تتطوّر في أساليبها. إنّها معادلة الصراع الأزلي بين السادة والعبيد، بين المستكبرين في الأرض والمستضعفين، أنْ تكون مُسْتَعْمَرًا هذا يمنحك الشرعية لتقاوم، والباقي تفاصيل يغضّها سياق الكفاح الوطني وشروطه.
في الختام يتقدّم المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية بالشكر وخالص التقدير لشخصكم الكريم على ما تفضلّتم به من إجاباتٍ، ونأمل أنْ نلتقي في حوارٍ آخر.