البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

إرهاصات الاحتلال البريطاني للعراق

الباحث :  د. ياسين شهاب شكري
اسم المجلة :  الاستعمار
العدد :  2
السنة :  شتاء _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث :  January / 13 / 2025
عدد زيارات البحث :  107
تحميل  ( 810.365 KB )
الملخص
اهتمت بريطانيا بموقع العراق والرغبة في السيطرة على إمكاناته منذ وقتٍ مبكّرٍ امتد لأكثر من قرنٍ ونصفٍ من الزمان قبل احتلالها المباشر له عام 1914م، حيث بدأ الاهتمام من حيث الاستفادة من الموقع الاستراتيجي الرابط بين الخليج من جهة والبحر المتوسط من جهة أخرى، والإمكانات الاقتصادية المتوفرة فيه من الملاحة والنقل والتجارة في أنهار العراق، وكذلك المواصلات وخطوط التلغراف، وتبني مشاريع لمد سكك الحديد التي تربط المصالح البريطانية في الهند والشرق الاقصى بأوربا.
وهذه المصالح تقاطعت مع الوجود العثماني في العراق، ومن منافسات الدول الاخرى مثل: ألمانيا، وهذا ما دفع بريطانيا إلى وضع الخطط والتمهيد لغزو العراق منذ مطلع القرن العشرين، وتكللت الظروف عند قيام الحرب العالمية الأولى ودخول العثمانيين الحرب، فتم التحرك البريطاني لاحتلال العراق عبر حملةٍ عسكريةٍ انطلقت من الهند باتجاه الخليج، ومن ثم نحو أقصى جنوب العراق، غير أنّ القوات البريطانية احتاجت إلى أربع سنواتٍ لاستكمال السيطرة على جميع مناطق العراق، بسبب المقاومة الشعبية الملبية لفتاوى الجهاد الصادرة من المرجعية الدينية.

الكلمات المفتاحية: الاحتلال البريطاني، درة التاج البريطاني، سكة حديد وادي الفرات، النفوذ الألماني، الدولة العثمانية. المبحث الأوّل: الاكتشاف البريطاني لأهمية العراق والتغلغل السلمي فيه

اهتمت بريطانيا ــ التي كان يطلق عليها إنكلترا ( حتى القرن الثامن عشر الميلادي) ــ منذ وقتٍ مبكّرٍ في الوصول إلى الشرق بحثًا عن التجارة، خاصة بعد تأسيس شركة الهند الشرقية البريطانية عام 1600م ، ولئن كان العراق قد زاره العديد من الرحالة الإنكليز وهم في طريقهم إلى الهند وبلاد فارس، ودونوا ما شاهدوه عن مدنه ومناطقه أمثال: جون نيو بري (١٥٨٣م )، وراف فتش (١٥٨٣م)، وجون إيلدرد (١٥٨٣م)، والأخوين شيرلي (١٥٨٩م)، وتوماس هربرت (1628م) ...الخ[2]، إلا أنّ اكتشاف أهمية موقع العراق جاء بمحض الصدفة لحادثةٍ حدثت في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي أثناء قيام حرب السنوات السبع ( 1756-1763م) في أوربا، إذ كان الخليج يشهد تنافسًا كبيرًا بين الفرنسيين والبريطانيين، ووصلت أخبار الحرب إلى الفرنسيين أولًا عن طريق رسائل القناصل الفرنسيين من طريق حلب – بصرة للقوافل التجارية بعد خمسة أشهر من قيامها، فقامت السفن الفرنسية بهاجمة ميناء بندر عباس حيث مقر شركة الهند الشرقية البريطانية، وتم الاستيلاء على المقرّ بعد حرق عددٍ من السفن الإنكليزية، في الوقت الذي تأخّر وصول أخبار الحرب إلى الإنكليز عن طريق رأس الرجاء الصالح بالدوران حول أفريقيا بعد سنة كاملة[3]، ومن هنا تنبه الإنكليز إلى ضرورة زيادة النفوذ التجاري والسياسي في شمال الخليج وتحديدًا في البصرة والعراق، إذ قامت الشركة بنقل مقرّها التجاري في الخليج من بندر عباس إلى البصرة عام 1763م، ومن هنا بدأ العراق يكتسب أهميةً كبيرةً لدى البريطانيين ومحاولاتهم للتغلغل الاقتصادي والسياسي فيه.

أولت بريطانيا اهتمامًا أكبر في زيادة نفوذها في العراق في أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر الميلاديين نتيجة للحملة الفرنسية على مصر(1798-1801م)، إذ توقّع الإنكليز أنّ هدف الحملة هو التوجّه بعد مصر نحو الهند، ورشحوا أنْ يكون ذاك من طرقٍ متعددةٍ أهمها وأيسرها طريق العراق عبر بادية الشام نزولًا إلى بغداد، ثم البصرة، والخليج، وإلى الهند[4]، ولغرض مواجهة هذا الاحتمال قامت بريطانيا بنقل المقيمية التابعة لها من البصرة إلى بغداد؛ لتكون قريبةً من مركز قرار الحكم، ومراقبة التطورات التي تحدث في المنطقة، واحتمالية تعاون حكومة المماليك في بغداد مع الفرنسيين، حتى زوال الخطر الفرنسي على المصالح البريطانية بعد فشل الحملة على مصر عام 1801م وخروجهم منها[5].

ازداد التمثيل السياسي البريطاني في العراق خلال القرن التاسع عشر من خلال وجود مقيميتين بريطانيتين إحداها في البصرة والأخرى في بغداد، والمقيمية البريطانية في بغداد كانت متربطةً بقسم الشؤون الخارجية في حكومة الهند من جهة، وكذلك بوزارة الخارجية البريطانية عبر السفير البريطاني في إسطنبول[6]، كما تم تأسيس وكالة قنصلية في الموصل عام 1839م تحت إشراف القنصل البريطاني العام في بغداد لحماية المصالح البريطانية الاقتصادية والدينية من خلال النشاط البريطاني في الأوساط المسيحية هناك، وأوجدت بريطانيا في كربلاء وكيلًا أو ممثلًا لها منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي بهدف رعاية مصالح رعايا من المسلمين الهنود الزائرين[7]، وقد تولّى إدارة تلك الوكالة بعض الرعايا من الهنود أو الأفغان أمثال: الميرزا محمد حسن محسن الأفغاني خلال المدة ( 1903-1914م )[8].

بدأ التوجّه البريطاني نحو العراق خلال القرن التاسع عشر يأخذ طابع المصالح الاقتصادية، بسبب أهمية العراق كموقعٍ استراتيجيّ وما فيه من إمكاناتٍ اقتصاديةٍ كبيرةٍ، حيث عملت بريطانيا على توقيع اتفاقيةٍ مع الدولة العثمانية عام 1809م، ضمنت فيها ترجيح بريطانيا على بقية الدول الأوربية من حيث الامتيازات التجارية بحيث إنّها كانت تدفع رسوم 3% فقط عن التجارة الإنكليزية في أراضي الدولة العثمانية ومنها العراق، ولعب المقيم البريطاني الدبلوماسي في بغداد كلوديوس جيمس ريج (Claudius James Rich) دورًا كبيرًا في زيادة المصالح البريطانية التجارية في العراق، خاصة وأنّه كان قد عمل قنصلًا لفترةٍ طويلةٍ من الزمن خلال المدة (1808- 1821م)[9]، ويبدو أنّ النفوذ البريطاني في العراق تعدى المصالح الاقتصادية إلى التدخل في شؤون الحكم من قبل المقيم البريطاني المذكور، وكاد الأمر أنْ يحدث مواجهة عسكرية بين حراس المقيمية البريطانية وبين والي بغداد داوود باشا( 1817-1831م)، لولا تراجع الأخير بسبب خشيته من تعاظم المشكلة مع بريطانيا[10].

كانت الدولة العثمانية تسيطر على العراق بشكلٍ غير مباشرٍ من خلال وجود حكم المماليك في بغداد طيلة المدة ( 1750-1831م)، ثم وجدت الدولة في ضرورة إنهاء هذا الحكم والسيطرة المباشرة على العراق، فتم إرسال حملةٍ عسكريةٍ بقيادة والي حلب علي رضا باشا اللازر، فيما ضغط السفير البريطاني في استانبول من أجل التريث في تحرك العثمانيين، ويبدو أنّ هدف البريطانيين كان الخشية من تعرض مصالحهم السياسية والاقتصادية في العراق إلى الخطر في حال عودة السلطة المركزية العثمانية المباشرة إلى العراق، إلا أنّ قائد الحملة كان قد تعهّد لهم بالمحافظة على مصالحهم فيها، وقد تمكّنت الحملة من السيطرة على بغداد عام 1831م[11].

وفي الثلاثينيّات من القرن التاسع عشر الميلادي ظهرت بوادر التوجّه البريطاني نحو الاستفادة من موقع العراق في أعمال النقل والتجارة عبر إيجاد طريقٍ يربط بين الشرق والغرب يمرّ إما بمصر وإمّا بالعراق، وبدأ التفكير من قبل شركة الهند الشرقية الإنكليزية بالملاحة في نهري دجلة والفرات، ولهذا الغرض تم إرسال بعثةٍ إنكليزيةٍ عام 1830م بقيادة الضابط الإنكليزي جسني (Chesney)، الذي قام بمسح المنطقة في رحلته من أعالي نهر الفرات في الشام نزولًا إلى الفلوجة وبغداد والبصرة خلال المدة 1830-1831م، جمع فيها معلوماتٍ واسعةً وخرائط مفيدةً عرضها على المسؤولين في لندن عام 1832م، ذكر فيها بأنّ هناك صعوباتٍ تمنع الملاحة فيه من احتمالية مهاجمة العشائر للسفن، وأنّه من الضروري استرضاؤها القبائل[12]، عاد جسني بعدها من جديدٍ إلى العراق عام 1834م، وبطلبٍ من الحكومة البريطانية لغرض دراسة الملاحة في نهر الفرات من جديد، وبيان مدى إمكانية الاستفادة منه في فتح طريقٍ سريعٍ إلى الهند ولتنمية التبادل التجاري، ونقل البريد بين بريطانيا والهند، إذ عمل في النهر عام 1835م، طيلة ثلاث سنواتٍ أخرى، وتوصل إلى نتيجةٍ مفادها فشل الملاحة في الفرات لوجود الموانع الطبيعية، كما جرت محاولاتٌ أخرى للبحث في الملاحة في نهر دجلة غير أنّ النهر كان أصعب من الفرات[13].

وبالرغم من تقارير بعثة جسني المخيبة للآمال فإنّ مشروع الملاحة في نهر الفرات ظلّ يراود البريطانيين، ففي عام 1861م، تم تأسيس أوّل شركةٍ تجاريةٍ بريطانيةٍ في العراق وهي شركة لنج (Lynch)، التي قامت بأبحاثٍ في الملاحة ونقل في نهر الفرات، وبدأت نشاطها التجاري فيها عام 1862م، من خلال عددٍ من السفن التجارية التي كانت تعمل في النهر لنقل السلع والبضائع من البصرة إلى بغداد، ومن هناك يتم نقلها إلى حلب برًا، غير أنّ سفن الشركة كانت تواجه صعوبات في النقل والتجارة، خاصة ما تعلق منها بهجمات العشائر الموجودة على ضفتي النهر في حالة عدم دفع الإتاوات من قبل السفن[14].
ولم يكن الاهتمام البريطاني بالعراق منصبًا فقط على الملاحة والتجارة في أنهار العراق، وإنّما القيام بمشروع فتح المكاتب البريدية في مدن العراق، حيث تولت بواخر شركة لنج بموجب الاتفاقية التي تم التوقيع عليها مع الحكومة العثمانية سنة 1279هـ/1862م على نقل البريد الذي يأتي من الهند إلى البصرة إلى بغداد ومنها إلى أوربا[15]، وقد افتتحت بريطانيا عام 1868م مكتبين بريديين، الأول في البصرة، والثاني في بغداد[16].

كما اهتمت بريطانيا بإنشاء خطوط التلغراف في العراق من أجل ربط بريطانيا بمستعمراتها في الهند، خاصة بعد قيام ثورة الهندوس ضد الاستعمار البريطاني في الهند عام 1857م، وشعور بريطانيا بأهمية إقامة خطوط اتصالاتٍ سريعةٍ مع مستعمراتها في الهند عبر آسيا الصغرى والعراق وفارس والخليج، فتمّ مدّ تلك الخطوط بعد حصول الإنكليز على موافقة الدولة العثمانية عام 1861م، وجرى افتتاح الخط البرقي الممتد بين بغداد وإسطنبول في عام 1861م، كما جرى اتفاقٌ بين الدولتين عام 1863م، تعهدت فيه بريطانيا على مد خطين للتلغراف فوق الأراضي العراقية على نفقتها الخاصة، الخطّ الأول يمتد بين بغداد وخانقين، ومنها إلى كرمنشاه وطهران، ثم إلى ميناء بوشهر على الخليج حيث ترتبط بخطوط الاتصال البرقي مع الهند، وجرى افتتاحه عام 1864م، أما الخطّ الثاني فيمتد بين البصرة إلى القرنة ليتفرع منها إلى فرعين، يمتدّ الأول من القرنة إلى بغداد عبر مدن دجلة ليرتبط بخطٍّ آخر عبر كركوك وأربيل ونصيبين وماردين وديار بكر، ثم إلى إسطنبول، والخط الآخر من القرنة إلى بغداد عبر مدن الفرات، ماراً بسوق الشيوخ والسماوة والديوانية[17].

وفي مجال مدّ خطوط السكك الحديدية، فإنّ الإنكليز حاولوا الاستفادة من موقع العراق من خلال طرح فكرة مدّ سكك الحديد عبر أراضيه للربط بين أوربا من جهة، وبين الهند والشرق الأقصى من جهةٍ أخرى عبر سلسلةٍ من الخطوط الممتدّة من مناطق شبه القارة الهندية المستعمرة البريطانية الأكبر في العالم، التي كان يطلق عليها (درة التاج البريطاني)، ومنها نحو الخليج مرورًا بالعراق وبلاد الشام وسواحل البحر المتوسط، ومن ثم النقل بحرًا إلى أوربا، وصولًا إلى بريطانيا بمسافة تصل إلى أكثر من ستة إلاف ميل، وفقًا للخريطة التالية:

(خريطة توضح المشروع البريطاني للنقل بين الهند وبريطانيا مرورًا بالعراق)[18].

وتعود بدايات التفكير في إنشاء خط سكة الحديد للنقل التجاري إلى عام 1856م، عندما طرح أحد المهندسين الإنكليز ويدعى آندرو ( Andraw ) ــ وهو من العاملين في سكة الحديد بالهند عام 1857م ــ على حكومة بلاده مشروع إنشاء سكة حديدٍ للربط عبر العراق وبلاد الشام، وتم الحصول على التأييد والدعم من الحكومة والبرلمان البريطاني، غير أنّ الشركة عجزت عن البدء بالعمل؛ بسبب عدم توفّر الأموال اللازمة للقيام بذلك، وتم تأجيل المشروع لمدة خمس عشرة سنة، ثم أعيد التفكير به خلال المدة (1871-1872م)، بعد شعور بريطانيا بتضرر مصالحها الاقتصادية نتيجة لافتتاح قناة السويس عام 1869م، فشكّلت لجنة خاصّة لدراسة المشروع، وقامت باستشارة الخبراء والمهتمين بالمشروع، وقدّمت جميع الآراء والمقترحات الداعمة للفكرة في تقريرٍ مفصّلٍ من سبعين صفحة، وتمت طباعته ونشره في لندن سنة 1872م بعنوان (سكة حديد وادي الفرات/The Euphrates Valley Railway)[19]، وفي الوقت ذاته نشر تقريرٌ آخر سنة 1873م، كان قد أعدّ منذ سنة 1858م بعنوان: (الأهمية الاستراتيجية لسكة حديد وادي الفرات/The Strategical Importance of The Euphrates Valley Railway)، رُكّز فيه على أهمية هذه الخط لمواجهة تغلغل روسيا القيصرية في الدولة العثمانية، التي ستهدد المصالح البريطانية في المنطقة[20].

تناول التقرير الأوّل (سكة حديد وادي الفرات) أهمية الطريق وضرورة الاستفادة منه لمد سكة حديدٍ تربط أوربا بالهند عبر بادية الشام والعراق، بنحوٍ تكون أكثر أهمية من قناة السويس، كما طرح التقرير الآراء المتعددة حول بداية الطريق، واستقر الرأي بأنْ تبدأ السكة من نقطة أو ميناء ما على البحر المتوسط كالإسكندرونة باتجاه حلب، ومن هناك إلى منطقة مسكنة، إلى دير الزور، وعبر وادي الفرات باتجاه عانة وحديثة، ومنها إلى بغداد، ومن ثم إمكانية تفرع الخط إلى فرعين عبر دجلة والفرات إلى البصرة، مع وجود خطوطٍ فرعيةٍ ترتبط الخطّ من الموصل ومن مندلي باتجاه الحدود الإيرانية، وبين التقرير المعوقات والتكاليف مقابل النتائج الاقتصادية الكبيرة والإيرادات المالية الهائلة في حالة إنجاز الخط وتشغيله، فضلًا عن الاستفادة من موقع العراق وخيراته[21].

أهملت الحكومة البريطانية التقرير لمدة ثلاث سنوات، لكونها كانت تفضّل الاستحواذ على طريق قناة السويس المنجز آنذاك، عبر قيامها بشراء حصة مصر من أسهم قناة السويس سنة 1875م تمهيدًا للسيطرة الكاملة على القناة بدلًا من الذهاب إلى مشروع سكة لا يزال في طور التخطيط والبحث، فظلّ مشروع سكة حديد وادي الفرات حبيس الوثائق والأدراج لدى الحكومة والبرلمان البريطاني حتى سنة 1909م، عندما أعيد طرح المشروع من قبل الحكومة من جديد كمحاولة منها لإيجاد طريقٍ منافسٍ لخط سكة ( حديد برلين– بغداد ) المزمع إنشاؤه من قبل ألمانيا بعد منحها الامتياز من قبل الدولة العثمانية عام 1902م، وقيام بريطانيا بإحياء مشروعها القديم لم يكن الهدف منه وجود رغبة حقيقية لإنشائه، وإنّما الضغط على ألمانيا والدولة العثمانية من أجل الوقوف ضد المشروع الألماني، فتحرّكت بريطانيا باتجاه إعادة طرح فكرة مشروع سكّة وادي الفرات، ومن الجدير بالذكر هنا أنّ الخط البريطاني كان يمتاز بأنّه أقصر من الخط الألماني، وتكاليف إنشائه أقل من الناحية المادية؛ لكونه يمرّ بمناطق منبسطةٍ من حلب إلى بغداد والبصرة، في الوقت الذي كان المشروع الخط الألماني يمرّ بمناطق وعرة في الأناضول حتى الوصول إلى مدينة الموصل، غير أنّ الحكومة البريطانية لم تكن جادةً في طرح المشروع، وإنّما كانت تحاول من خلاله الضغط على الدولة العثمانية وألمانيا للقبول بتسوية ودية لمشروع سكة حديد برلين- بغداد قبيل قيام الحرب العالمية الأولى[22]، وفي الوقت ذاته فإنّ دخول ألمانيا على خط مد النفوذ والمصالح الاقتصادية إلى العراق والمنطقة، دفع ببريطانيا إلى التفكير الجدي في كيفية السيطرة على العراق ولو بالقوة العسكرية.

كانت بريطانيا ترى بأنّ التغلغل السياسي والاقتصادي في العراق سيؤدي حتمًا يومًا ما إلى السيطرة عليه؛ لذا اهتم البريطانيون في إيجاد موطئ قدمٍ لهم في الواقع الاجتماعي العراقي عن طريق التبشير الديني البروتستانتي من خلال إرسال رجال الدين بروتستانت بغية خلق جماعات تعتمد عليها بريطانيا في حماية مصالحها في العراق، فكان جوزيف وولف ( Wolff: 1796-1862) أوّل مبشِّرٍ أوفدته جمعية لندن لنشر البروتستانتية بين اليهود، حيث وصل إلى سنجار والتقى بعدد من اليهود واليزيديين[23]، كما أنّ بعثة جسني المار ذكرها سابقًا كانت قد اصطحبت معها أحد المبشِّرين البريطانيين ويدعى صموئيل (Samuel)، فبدأ نشاطه في البصرة، ثم انتقل إلى بغداد، وقد وجد بعض العراقيين أنّ وجود هذا المبشِّر وحماسه الكبير في دعم البعثة الملاحية جزءٌ من خطّةٍ عامّةٍ نحو احتلال البلاد الإسلامية، وتحويل المسلمين إلى النصرانية، فأُخرج من العراق[24].

وفي عام 1838م، أقرت الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية (Royal Geographical Society)، وجمعية تعزيز المعرفة المسيحية (Society For The Promotion Of Christian Knowledge) مشروعًا مشتركًا لمدة سنتين عرف بـ (بعثة استكشاف كردستان)، والهدف المزعوم للبعثة هو اكتشاف وسط وشرق الأناضول وشمال العراق، وتقديم تقرير عن الكنائس النسطورية واليعقوبية وعن القبائل الكردية واليزيدية ولغتها ومعتقداتها وأحوالها العامة[25]، واستمر النشاط التبشيري البربطاني في العراق خلال العقود اللاحقة، خاصة في أوساط الطوائف الدينية المسيحية وتحديدًا النساطرة، حيث اختار لهم رئيس أساقفة كنتربري البريطانية عام 1886م تسميةً جديدةً هي (الآثوريين) أو (الآشوريين)، وأوفد بعثةً تبشيريةً إليهم لتغيير التسمية بهدف رفع منزلتهم التاريخية في الأوساط العالمية[26]، كما تم فتح مقر للإرسالية التبشيرية البروتستانتية في منطقة العمادية شمال العراق عام 1911م[27].

بدأت بريطانيا بجمع المعلومات والأخبار عن الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق من خلال تقارير المقيم البريطاني والقناصل المنتشرين في بعض مدن العراق، كما أنّها أرسلت الجواسيس بعناوين مختلفة للاطلاع على الأوضاع عن كثب، فمثلًا قام النقيب البريطاني ماونسل (Maunsel) بجولاتٍ في شمال العراق في عامي 1888 و 1892م، زار خلالها دهوك والعمادية والزيبار وأربيل والموصل[28]، وكذلك قام الميجر سون ( E. Soon ) بزيارة إلى شمال العراق وتحديدًا الى السليمانية متنكرًا باسم ميرزا غلام حسين الشيرازي، وكتب تقريرًا تضمن في ملحقه تفاصيل عن القبائل الكردية وفروعها ومواطن انتشارها على الحدود العراقية – الإيرانية[29].

ولعلّ من أشهر الشخصيات الإنكليزية التي زارت العراق قبل الاحتلال الرحّالة الآثارية المس جترود بيل (G. Bell) عام 1909م، التي قُدّر لها أنْ تلعب دورًا أساسيًا في تاريخ العراق بعد الاحتلال كسكرتيرة المندوب السامي البريطاني، إذ إنّها جمعت معلوماتٍ تفصيليةً عن العشائر العراقية من خلال زياراتها لمناطق حوض دجلة، كما زارت القبائل الكردية في شمال العراق والأقليّات غير المسلمة التي تسكن المنطقة الشمالية كالنصارى واليزيدية وغيرهم[30]، وقد أقامت سنةً كاملةً في خيام البدو عند قبيلتي شمر وعنزة، وأصبحت لها علاقاتٌ كبيرةٌ مع عددٍ كبيرٍ من الإقطاعيين في مناطق العراق المختلفة[31].
ومن الجواسيس البريطانيين الآخرين الكولونيل ليجمن (Leachman) الذي زار العراق عدّة مراتٍ ما بين 1911-1913م، والهدف من الزيارة تأليب زعماء العشائر ضد الحكم العثماني في العراق[32].

المبحث الثاني: دوافع وأهداف الغزو البريطاني للعراق:
تباينت رؤية المصادر التاريخية في النظر إلى الغزو البريطاني للعراق عام 1914م، من حيث بيان دوافعها الأساسية، وهل أنّها جاءت ردّة فعلٍ لدخول العثمانيين الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا ضد كلٍّ من بريطانيا وفرنسا وروسيا؟ فأرادت بريطانيا فتح جبهةٍ جديدةٍ للحرب انطلاقًا من الخليج باتجاه العراق الواقع تحت سيطرة العثمانيين، أم أنّ فكرة الغزو والتخطيط لاحتلال العراق قد سبق ذلك بفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ كجزءٍ من التوجهات الاستعمارية البريطانية للسيطرة على المناطق الحيوية في العالم.

والحقيقة أنّ دوافع الغزو البريطاني للعراق قد ارتبطت بمحاولاتها السابقة للتغلغل السلمي عبر المصالح السياسية والاقتصادية، ثم التفكير بإعداد خطةٍ عسكريةٍ للاحتلال، تم الإعداد لها قبل الحرب بسنوات، ناهيك عن المتغيرات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية، والتي دفعت بالبريطانيين ضمن عوامل وأهداف عديدة، وعلى النحو التالي:

أولًا: حماية المصالح البريطانية:
عملت بريطانيا على تثبيت نفوذها ومصالحها السياسية والاقتصادية في منطقة الخليج وما يجاورها منذ منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، ووقعت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الثنائية خلال القرن التاسع عشر مع المشيخات الخليجية ابتداءً من معاهدة 1820م، مع الساحل العماني وعرب القواسم، وحتى معاهدة الحماية البريطانية للكويت عام 1899م، والدولة القاجارية في إيران في السنوات (1872م ، 1890م)، التي منحت الأفضلية لبريطانيا في المصالح السياسية والاقتصادية على بقية الدول الأوربية بحيث أصبح الخليج في مطلع القرن العشرين كأنّه بحيرةٌ بريطانية[33]، وهذا ما أعطاها فرصةً التدخل وزيادة النفوذ في المنطقة، غير أنّ مصالحها الحيوية في أراضي الدولة العثمانية والعراق جزءٌ منها، كانت تواجهها العراقيل والسياسات المتضاربة بين الجانبين؛ فالعثمانيون كانوا يرون أنّ نفوذهم التاريخي على الجزء الغربي من ساحل الخليج يعطيهم المشروعية في حكم المناطق الممتدة من جنوب العراق والكويت والإحساء وقطر والبحرين، وهذا ما أدّى إلى توتر العلاقات العثمانية– البريطانية في الخليج طيلة الفترة الممتدة من عام 1871م، ولغاية عام 1914م، وهذا ما دفع الساسة البريطانيين إلى التعبير صراحةً بضرورة المحافظة على المصالح السياسية والتجارية، وتأمين الطريق إلى الهند عبر الأملاك العثمانية، خاصة بالنسبة للعراق[34].

لقد عبر الساسة البريطانيون منذ وقتٍ مبكّرٍ عن فكرة الذهاب إلى احتلال العراق، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر أرسل القنصل البريطاني في بغداد راولنسون (Rawlinson) بمذكرةٍ إلى وزارة الخارجية البريطانية في 3 حزيران ،1853 أشار فيها بأنّه في حالة تقسيم الإمبراطورية العثمانية فعلى بريطانيا العمل على القيام «باحتلال جنود من الهنود كامل قطاع الإقليم من الزاب الأسفل إلى البحر»[35]، وتكررت فكرة الاحتلال في العقود اللاحقة مع ازدياد أهمية العراق بالنسبة لبريطانيا، إذ أكّد حاكم الهند أو نائب الملك البريطاني اللورد كيرزن ( (Gurzon في عام 1892م بأنّ «بغداد تقع ضمن موانئ الخليج، ويجب أنْ تدخل ضمن السيادة البريطانية التي لا تنازع»، وأشار في خطابه بمجلس اللوردات البريطاني عام ١٩١١م إلى ذلك بالقول: «من الخطأ أنْ نفترض أنّ مصالحنا السياسية تنحصر في الخليج، فإنّها ليست كذلك، كما أنّها ليست منحصرةً بالمنطقة الواقعة ما بين البصرة وبغداد، وإنّما تمتد شمالًا إلى بغداد نفسها»[36]، وحدثت العديد من التوترات السياسية والعسكرية بين الدولتين في شمال الخليج، بعد أنْ وجدت بريطانيا أنّ العثمانيين يحاولون إعادة فرض نفوذهم في رأس الخليج والتضييق على النشاط التجاري البريطاني، وهو ما يمثّل تهديدًا لمصالحها الحيوية، وأنّه لا بدّ من التحرّك سياسيًّا وعسكريًّا لمنع ذلك، فجاءت الحرب العالمية الأولى فرصةً سانحةً للبريطانيين للقضاء على النفوذ العثماني في الخليج والعراق.

ثانيًا: ازدياد النفوذ الألماني:
كانت ألمانيا قد حقّقت وحدتها عام 1871م، وبدأت بالظهور على مسرح الأحداث الأوربية والعالمية كقوةٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ وعسكريةٍ كبيرة، ونشطت دعوات المفكّرين الألمان إلى ضرورة الاستفادة الألمانية من الإمكانات الاقتصادية في مناطق الدولة العثمانية وتحديدًا بالنسبة للعراق، حيث قام المفكر الألماني شبنغلر (Schpringer) برحلةٍ طويلةٍ في الدولة العثمانية، وكتب كتابًا بعنوان بابل أغنى بلدٍ في الماضي وأكثر المناطق ملائمةً للاستيطان في الحاضر، وأنّه لا توجد في العالم كلّه منطقة أكثر ملائمةً منها لاستيطان الألمان مثل العراق، وأمّا المفكر الألماني هوجو كروتة ( Hougo Kroteh ) فقد أصدر عام 1902م كتابًا بعنوان (سكة حديد بغداد والفلاحون الشفابيون فيما وراء القفقاس وفلسطين)، حمل فيها دعواتٍ إلى الاستيطان في العراق[37].
حدث آنذاك تقاربٌ كبيرٌ بين ألمانيا وبين الدولة العثمانية منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، واعتقد العثمانيون بأنّ ألمانيا ليس لها أطماعٌ استعماريةٌ في أراضي الدولة العثمانية كبريطانيا وفرنسا وروسيا، كما أعجب العثمانيون بالتقدّم الكبير الذي حدث في ألمانيا خاصّةً في المجال العسكري والاقتصادي، وعملوا على الاستفادة من تجربتها من أجل زيادة قوة الدولة العثمانية لمواجهة تدخلات الدول الكبرى، وجرى تعاونٌ كبيرٌ بين الدولتين من خلال إرسال البعثات العسكرية العثمانية إلى ألمانيا أو جلب الضباط العسكريين الألمان لتنظيم وتدريب الجيش العثماني، وكذلك العمل على زيادة النشاط الاقتصادي الألماني في أراضي الدولة العثمانية من خلال المؤسسات المالية التابعة لها.

بدأت المفاوضات بين الدولتين من أجل الوصول إلى امتياز منح إنشاء خط سكك حديد بغداد- برلين منذ سنة 1898م، وتكللت بمنح العثمانيين امتياز بناء سكّة حديد بغداد- برلين إلى شركة حديد الأناضول المدعومة من البنك الألماني في 5 آذار 1902م، وحدد بنود الاتفاق على أنْ يكون الامتياز لمدةٍ زمنيةٍ طويلةٍ (99 عامًا)، وأخرى تتعلّق باستغلال المناطق المجاورة لخط السكة اقتصاديًّا من قبل الشركة، فضلًا عن بنودٍ أخرى جرى التعديل على بعض منها بعد مرور سنة واحدة[38] إذ كانت ألمانيا ترغب في الاستفادة من هذا الخط من أجل زيادة نفوذها الاقتصادي لمناطق بعيدةٍ ذات أهميةٍ اقتصاديةٍ كبيرةٍ، ومنها العراق الذي وجدت فيه مصدرًا مهمًا للمواد الأولية والغذائية الداخلة في الصناعات والاحتياجات الألمانية، خاصّة بالنسبة للحبوب التي كانت تستوردها آنذاك من روسيا، إلى جانب إمكانية تطوير بعض المحاصيل الزراعية الضرورية للألمان في العراق كالقطن[39].

كان الامتياز ينصّ على تمديد خط سكة الحديد من قونية إلى الموصل، ومن هناك إلى بغداد، وعبر مدن الفرات الأوسط وصولًا إلى الناصرية، ثم البصرة والخليج، مع إقامة عددٍ من الخطوط الفرعية لها منها خط خانقين- بغداد من أجل ربط الحدود والدواخل الإيرانية بالمدن العراقية، وتحديدًا مدن العتبات المقدسة لنقل المسافرين من الزوار والتجار.
عارضت بريطانيا منح الامتياز، ورأت في المشروع تهديدًا لنفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة، إذ إنّ مدّ سكك الحديد إلى تلك المنطقة سيكون بمنزلة بداية لاقتحام ألمانيا للمنطقة ومنافسة للطريق البحري المار عبر قناة السويس الذي كانت تسيطر عليه بريطانيا آنذاك[40]، وقد أشارت بعض التقارير البريطانية إلى ذلك بالقول: «إن الآثار المحتملة لمد سكة حديد بغداد إلى الخليج سوف لن يكون تأثيرها على المصالح البريطانية في العراق فقط وإنما ستؤثر على مصالح كلٍّ من بريطانيا والهند في منطقة الشرق الأوسط وخاصّةً في إيران والخليج»[41].

وجرت مناقشاتٌ واسعةٌ في الأوساط السياسية والبرلمانية البريطانية حول مدى إمكانية مشاركة بريطانيا في هذا المشروع، وفي الوقت ذاته عملت بريطانيا على الاحتفاظ بمكانتها المتقدمة في نشاطها التجاري مع العراق لمنع تغلغل التجارة الألمانية إليه، حيث إنه ازدادت الصادرات البريطانية إلى العراق عام 1903م إلى (1.258.000 ) جنيه إسترليني، التي شكلت نسبة 80% من المستوردات الأجنبية الداخلة إلى العراق، كما قامت بدعم نشاطات شركة (لنج) البريطانية العاملة في النقل النهري بالعراق عبر دعم مطاليبها في زيادة عدد بواخرها العاملة في هذا المجال[42]، كما حاولت بريطانيا الضغط على ألمانيا لقبول مشاركة بريطانيا في الامتياز من خلال إعادة طرح فكرة مشروع (سكة حديد وادي الفرات) المار ذكرها سابقًا عام 1909م، غير أنّ المشروع البريطاني لم يكن سوى تهديدٍ للقبول بتسوية لمشروع سكة حديد برلين- بغداد، فتم الاتفاق بين بريطانيا والدولة العثمانية في حزيران سنة 1913م حول النفوذ البريطاني في الخليج وتحديدًا في الكويت، وكذلك تم الاتفاق بين بريطانيا وألمانيا في حزيران عام 1914م، حول القبول بوجود مساهمين بريطانيين في شركة سكة الحديد، وبأنْ يكون نهاية الخط في مدينة البصرة والتنازل عن مدّه إلى ساحل الخليج[43]، وعلى أيّة حالٍ كانت الشركة المنفذة للامتياز قد تمكنت من إنجاز معظم خط سكة حديد بغداد- برلين قبيل قيام الحرب العالمية الأولى، وتم تشييد أول قطار بين بغداد وسميكة (الدجيل) في حزيران 1914م.

ثالثا: قيام الحرب العالمية الأولى:
كانت أجواء التحالفات السرية والعلنية في أوربا قبيل قيام الحرب العالمية الأولى تنذر بنشوبها، حيث أفرزت في النهاية بروز جبهتين رئيستين هما: تحالف الوسط (ألمانيا، إمبراطورية النمسا والمجر، الدولة العثمانية، بعض الدول الصغيرة)، وجبهة الحلفاء (بريطانيا، فرنسا، روسيا، إيطاليا، وبعض الدول الأوربية الأخرى)، وجاء اغتيال ولي عهد النمسا (فرانز فرديناند) في حزيران 1914م، من قبل جماعةٍ صربيةٍ قوميةٍ متشددةٍ في مدينة سراييفو ليكون السبب المباشر لاندلاع الحرب العالمية الأولى.

كانت الدولة العثمانية التي تسيطر على العراق قد تعاطفت مع ألمانيا قبيل قيام الحرب، إذ تأثر جماعة (الاتحاد الترقّي) الحاكمة بالمؤسسة العسكرية الألمانية وإنجازاتها، فحدث تقاربٌ كبيرٌ بين الدولتين في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وأشارت المصادر التاريخية بأنّ اتفاقًا سريًّا جرى بين الدولة العثمانية وألمانيا في 2 آب 1914م، في اليوم التالي لإعلان ألمانيا الحرب على روسيا، والذي نصّ على تزويد الجيش العثماني بالأسلحة والعتاد والتنسيق العسكري المشترك بين الطرفين ضد روسيا[44].

كانت القيادة العسكرية والسياسية العثمانية منقسمةً بين مؤيّدٍ للانضمام إلى ألمانيا في الحرب، وبين معارضٍ لذلك ومطالب بالبقاء على الحياد، وتغلبت وجهة نظر المؤيّدين بالرغم من إعلان الدولة العثمانية الوقوف على الحياد في بادئ الأمر، وردت كلٌّ من بريطانيا وروسيا وفرنسا بالقبول باحترام استقلال الدولة العثمانية شريطة بقائها على الحياد المعلن، وإبعاد الخبراء من الضباط الألمان من الخدمة في جيشها، غير أنّ الأتراك رفضوا الشرط الأخير، وصادف أنْ رفضت بريطانيا تسليم طرادين بحريين كانت الدولة العثمانية قد أوصت عليهما بعد أن تم دفع ثمنهما من تبرعات الأهالي في أرجاء الدولة الأمر الذي ولد ردة فعلٍ عنيفةٍ ضد بريطانيا لدى الأوساط العامة، وبالمقابل كان هناك طرادان ألمانيان قد دخلا المضايق التركية هربًا من الأسطول البريطاني في البحر المتوسط فجرى بيعهما بشكلٍ صوري للأتراك، كما قام الأتراك بغلق المضايق أمام السفن الأجنبية وإلغاء الامتيازات الأجنبية الممنوحة سابقا للدول الأوربية، فسمح الدولة العثمانية للطرادين وتحت قيادة أحد الضباط الألمان بالدخول إلى البحر الأسود ومهاجمة السفن والموانئ الروسية في 29 تشرين الأول 1914م؛ فاحتجّ الحلفاء على ذلك وأعلنوا الحرب على الدولة العثمانية في 2 تشرين الثاني لتصبح أراضي الدولة وولاياتها، ومنها العراق ضمن جبهات الحرب آنذاك[45].

ومن الجدير بالذكر هنا أنّ احتمالية قيام الحرب العالمية الأولى وانضمام العثمانيين إليها إلى جانب ألمانيا قد تمت مناقشتها من قبل البريطانيين منذ وقتٍ مبكّر، إذ تم تأليف لجنةٍ بريطانيةٍ حكوميةٍ عام 1911م من أربعة خبراء سياسيين وعسكريين من بينهم المقيم السياسي البريطاني في الخليج السير بيرسي كوكس (Percy Cox )، فوضعت اللجنة تقريرًا في 15 كانون الثاني سنة 1912م، تضمّن توصياتها بتعزيز نفوذ بريطانيا في الخليج، وتأييد احتلال البصرة، إلا أنّ حكومة الهند عدّت الاحتلال سابقًا لأوانه، إلّا في حالة قيام الحرب مع الدولة العثمانية.

رابعًا: اضطراب الأوضاع وضعف المؤسسة العسكرية العثمانية في العراق
كانت الدوائر السياسية البريطانية في العراق تراقب الأوضاع العامة في العراق من خلال التقارير السرية التي كان يرسلها قناصلها الموجودين في بغداد والبصرة والموصل حول أوضاع الجيش العثماني وتحركاته، وإرسال الخرائط عن الأماكن والطرق في العراق[46]، وكذلك مواقف العراقيين من الحرب ومن الدولة العثمانية نفسها التي حكمتهم منذ أكثر من أربعمائة عام، ومدى تذمّرهم من سياسة الولاة المتعاقبين وممارسات السلطة، والموقف من التجنيد الإجباري العثماني، وهذه الأمور كانت تراه بريطانيا ذات أهميةٍ كبيرةٍ قبل قيامها بغزو العراق.

كانت الأوضاع في الدولة العثمانية قد تدهورت بشكلٍ كبيرٍ منذ أواخر الفرن التاسع عشر الميلادي ومطلع القرن العشرين؛ نتيجةً للسياسات الداخلية والتدخلات الخارجية، الأمر الذي أدّى إلى قيام ثورة الاتحاد والترقّي عام 1908م، ضدّ حكم السلطان عبد الحميد الثاني، وتسلّط فئة عسكريةٍ ذات توجّهاتٍ قوميةٍ على السياسات العثمانية من خلال اتباع سياسة التتريك، ومن ثم الطورانية اتجاه الشعوب والقوميات في مناطق الدولة، ولم يكن العراق بمنأى عن تلك الأحداث، إذ حدث انقسامٌ كبيرٌ داخل المجتمع العراقي بين أنصار الحرية والتقدّم من المثقفين والنخب المطالبين بتغيير الواقع المزري الذي عاشه العراقيون، والمطالبة بالحرية والتعددية والمساواة التي جاءت بها جماعة الاتحاد والترقّي من خلال نشر تلك الأفكار والمطاليب في الصحف والمجلات التي أنشأت آنذاك، لكن هؤلاء سرعان ما اصطدموا بالواقع الجديد وما قام به الحكّام الاتحاديون الجدد من ممارساتٍ سياسيةٍ متشددة، وكذلك محاولة التدخّل في نتائج الانتخابات لانتخاب ممثلي الولايات العراقية في مجلس المبعوثين العثماني.

وفي المقابل وقفت الاتجاهات المحافظة ضد الحكم الجديد وعدّت ما قام به الاتحاديون من ثورةٍ بأنّها موجّهةٌ ضد الدين الإسلامي، خاصةّ أنّ بعض الممارسات التي حدثت آنذاك أثرت على هذا الموقف من خلال قيام بعضٍ من الفئات بممارساتٍ خاطئةٍ باسم الحرية والمساوة من قبيل استخدام الحرية بشكلٍ مفرطٍ كشرب الخمور وارتكاب الموبقات وانتشار الأسلحة والملاهي في بغداد، وهي سلوكياتٌ كانت منافيةً للقيم الدينية والعادات الاجتماعية[47].

ومن جهةٍ أخرى، فإنّ الأوضاع العامة ازدادت سوءًا في العراق، فمن الناحية الإدارية لم تتغير كثيرًا من قبيل تعيين عددٍ كبيرٍ من الولاة على الولايات العراقية وقصر مدة حكمهم، وتولي عدد منهم من الولاة الفاسدين الذين لم يكن يههم سوى الحصول على الأموال والتسلط على المجتمع[48]، وانعكس ذلك على انتشار الفساد الإداري والمالي بين الموظفين الذين كان معظمهم من غير العراقيين من حيث استخدام مناصبهم ونفوذهم في زيادة الثراء على حساب السكّان المحليين من خلال الرشوة التي انتشرت بشكلٍ فاحشٍ آنذاك، فيما لم تكن الإدارة الحكومية تفسح المجال لأهل القطر أنْ يتولوا المناصب الإدارية المهمةّ[49].

أما بالنسبة للجوانب الاقتصادية، فإنّ سياسة توزيع الأراضي الأميرية وتفويضها قد أدى إلى ظهور فئات كبار الملّاكين من شيوخ العشائر وكبار المتنفّذين وأصحاب الأموال، فيما تحوّلت حياة الفلاحين إلى شبه القنانة لدى صاحب الأرض، وقد يؤدّي ظلم كبار الملّاكين للفلاحين إلى قيام انتفاضاتٍ فلاحيةٍ كبيرةٍ ضدّهم كالذي حدث في لواء المنتفق عام 1913م، وقد أدّى ذلك كلّه إلى زيادة هجرة الفلاحين للبحث عن فرص العمل في المدن، وانتشار البطالة والفقر في الأوساط الاجتماعية المتوسطة والدنيا.

كان أكثر ما يعانيه العراقيون من الحكم العثماني هو التجنيد الإجباري الذي كان يحتم على الأفراد الخدمة الإلزامية لسنواتٍ طويلةٍ وفي أماكن بعيدةٍ حتى في خارج العراق، ثم يصار إلى تسريحهم إلى مناطقهم لخدمة الاحتياط ( الرديف) لسنواتٍ أخرى؛ لذا وقف العراقيون ضد عمليات التجنيد الإلزامية التي كانت تقوم بها السلطات العثمانية منذ محاولات تطبيقها عام 1869م[50]، وكذلك ما جرى من قبل سكّان النجف وكربلاء عام 1877م عندما حاولت السلطات أخذ الأفراد للخدمة العسكرية بغية إرسالهم إلى الحرب مع روسيا[51]، والمرة الثالثة والأخيرة التي تم فيها إرسال الجنود إلى الخارج كانت إبّان قيام الحرب العالمية الأولى عندما أرسلت القوات العسكرية من بغداد إلى الجبهة الروسية في قفقاسيا[52].

كانت التقارير الاستخبارية البريطانية تشير بأنّ السكّان العراقيين متذمّرون من سياسات الحاكم العثمانيين، وأنّ الجيش العثماني المتواجد فيه في حالة ضعفٍ كبيرٍ من حيث الاستعداد للدخول في حروبٍ تقليديةٍ مع جيوش الدول الأخرى، خاصةً بالنسبة للجيش البريطاني الذي كان يعد من أقوى جيوش دول العالم آنذاك، فالجيش العثماني لم يتم تهيئته أو تدريبه للقتال والقيام بالمناورات العسكرية التي تقوم بها الجيوش لمحاكاة الحرب وظروف القتال المختلفة، فضلًا عن نقص التجهيز والتموين والافتقار إلى الأسلحة الحديثة[53]، ومن هنا تحرّك البريطانيون لإعداد الخطط العسكرية لاحتلال العراق مستفيدين من أوضاع العراق المضطربة، وضعف المؤسسة العسكرية العثمانية فيها.

المبحث الثالث: الاحتلال العسكري البريطاني للعراق
دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى في 2 تشرين الثاني 1914م، إلى جانب ألمانيا وإمبراطورية النمسا والمجر، فأعلنت كلٌّ من بريطانيا وفرنسا وروسيا الحرب على الدولة العثمانية ضمن ست جبهاتٍ عسكرية، ومنها جبهة الحرب في العراق، وتم إعداد خطةٍ عسكريةٍ بقيام قواتٍ بريطانيةٍ انطلقت من الهند باتجاه الخليج في 2 تشرين الأول 1914م بقيادة الجنرال ديلامين (Delamine)، وأعطيت تلك القوات الرمز السري (D)، حيث وصلت القوات من الهند إلى البحرين التي اتّخذتها القوات البريطانية كنقطة انطلاقٍ رئيسةٍ نحو شمال الخليج بحجة حماية المصالح النفطية البريطانية في عبادان والمحمرة، التي كانت الشركات البريطانية قد حصلت على حق التنقيب والاستخراج فيهما. وأصدرت بريطانيا عشية الغزو بيانًا على لسان الضابط السياسي المرافق للقوات البريطانية بيرسي كوكس (Percy Cox ) برر فيه قيام الحملة وتوجهها نحو جنوب العراق بالقول: «إنّ حكومته قد أجبرت على الحرب نظرًا للموقف المعادي للعثمانيين؛ لذا أرسلت بريطانيا قواتها لحماية تجارتها وأصدقائها، وإجلاء الأتراك من المنطقة، وأنّها لا أعداء لها مع العرب شريطة ألّا يحموا الجنود العثمانيين، ولا يحملوا السلاح في تجوالهم، وأكد مهددا على منع ذلك لكي يجرد السكان من وسائل الدفاع عن أنفسهم في ظروف غابت فيه السلطة المحلية الحامية ... »[54].

بدأت الحرب بين العثمانيين والبريطانيين في العراق بعد نزول القوات البريطانية المؤلّفة في بادئ الأمر من 4500 مقاتل في أقصى جنوب العراق في الفاو بتاريخ 6 تشرين الثاني 1914م، وحدثت ثلاث معارك بين الطرفين على الطريق بين الفاو والبصرة: (معركة السنية) في 8 تشرين الثاني 1914م، و(معركة سيحان) في 15 تشرين الثاني 1914م، و(معركة ساحل (كوت الزين)) في 17 تشرين الثاني 1914م، وخسرها الجيش العثماني جميعا[55]، وقاموا بالانسحاب إلى مدينة البصرة نفسها، وأدركت السلطات العثمانية في بغداد بأنّه من الضرورة بما كان الاتصال بالمرجعية الدينية الشيعية في النجف وكربلاء من أجل الحصول على الدعم والفتوى، فأرسلت السلطات العثمانية في بغداد وفدًا رفيع المستوى إلى مدينة النجف، وصادف ذلك مع وصول نداء الاستغاثة من وجهاء وأعيان البصرة في 9 تشرين الثاني جاء فيها: «ثغر البصرة الكفار محيطون به، الجميع تحت السلاح نخشى على بقايا بلاد الإسلام، ساعدونا بأمر العشائر بالدفاع»، فحدث اجتماعٌ عاجلٌ في مسجد الهندي قرب مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع) حضره العلماء وشيوخ العشائر الوفد المرسل من بغداد، وتم إعلان الجهاد ووجوب الدفاع عن البلاد الإسلامية[56]، خاصة بعد سقوط البصرة بأيدي القوات البريطانية من دون قتال في23 تشرين الثاني 1914.

انطلقت قوافل المجاهدين من النجف وكربلاء والكاظمية، ولحقت بها بقية المدن العراقية وكان العلماء في مقدمة القوافل، وممن كانوا يقودونها: السيد محمد سعيد الحبوبي، وشيخ الشريعة فتح الله الأصفهاني، والشيخ عبد الكريم الجزائري، والسيد محسن الحكيم، والسيد هبة الدين الشهرستاني، وآخرون، وشاركت العشائر وبكثافة في حركة الجهاد من خلال التحرك بجموعها نحو مناطق القتال، فيما كانت العشائر الأخرى القريبة من القوات البريطانية تهاجم قطعاته ومعسكراته منذ المعارك الأولى، وقبل تقدّم البريطانيين لاحتلال البصرة، وهذا ما لم تكن بريطانيا ترغب فيه؛ لأنّها ستواجه السكاّن المحليين والعثمانيين معًا، في الوقت الذي حاولت الظهور ومن خلال بياناتها بأنّها لا تستهدف في حملتها العراقيين[57].

كانت قوافل المجاهدين العراقيين قد انقسمت إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول: كان محور نهر الفرات، والثاني: محو نهدر دجلة، والثالث: ضمن محور الحويزة ، وكان القسم الأول هو الأكثر فاعلية بقيادة السيد محمد سعيد الحبوبي الذي وصل إلى الناصرية في منتصف كانون الثاني 1915م، وبدأ بزيارة العشائر وتحريضها على المشاركة في الجهاد، فلبّت نداءه من خلال الجموع التي حضرت للانطلاق من الناصرية إلى الشعيبة في 19 كانون الثاني، والتي بلغت حوالي ثلاثين ألفًا من المشاة وعشرة الآف من الخيالة، وأمّا محور نهر دجلة فقد تحرك العلماء باتجاه تحريض العشائر في العمارة وغيرها يتقدّمهم الشيخ مهدي الخالصي ونجله الشيخ محمد، والسيد محمد اليزدي نجل المرجع الديني السيد كاظم اليزدي في النجف وآخرون، وكذا الحال مع المحور الثالث وبمشاركة عشائر الأحواز بعد محاولة البريطانيين التقدم باتجاه المحمرة.

بعد احتلال البصرة قامت القوات البريطانية بالتقدم شمالًا نحو القرنة الموقع الاستراتيجي المهم، حيث ملتقى نهري دجلة والفرات وإمكانية استفادة البريطانيين من ذلك في التحرك بسهولة، وهناك حدثت المواجهات بينها وبين الجيش العثماني وبمساعدة العشائر العربية، غير أنّ البريطانيين تمكّنوا من الاستيلاء على القرنة في 9 كانون الأول 1914م، بعد أنْ فقد العثمانيون أكثر من ألفي جندي من قواتهم[58]، وبعد وصول المزيد من التعزيزات العسكرية للجيش البريطاني من الهند والمناطق الأخرى، بدأ التحرك من القرنة باتجاه الشمال وبمسارين محاذيين لنهري الفرات ودجلة، وعلى النحو التالي:

-1 جبهة الفرات:
كانت المعارك أشد ضراوةً في جبهة الفرات نتيجة لوجود المقاومة الشعبية ومشاركة المجاهدين والعشائر للقوات العثمانية، خاصّةً بعد وصول أعدادٍ كبيرةٍ منهم من النجف وبقية المدن الأخرى بقيادة العالم الديني السيد محمد سعيد الحبوبي إلى الناصرية في منتصف كانون الثاني 1915م، وبعدها إلى سوق الشيوخ، ثم الشعيبة التي بدأ التحضير فيها للمعركة مع البريطانيين، حيث حدثت المواجهة العسكرية هناك في معركة (الشعيبة) بتاريخ 12- 14 نيسان 1915م، حاول فيها العثمانيون طرد البريطانيين واستعادة مدينة البصرة غير أنّهم فشلوا بعد ثلاثة أيام من القتال، وذلك بسبب فارق التسليح والتخطيط بين الجيشين والأخطاء التي وقع فيها القائد سليمان العسكري، فخسر الجيش العثماني ومن معه المعركة وكانت النتيجة انتحار القائد العثماني، وتراجع الجيش إلى الناصرية[59].

استمر تقدّم القوات البريطانية على جبهة الفرات، وحدثت مواجهاتٌ أخرى مع الجيش العثماني في (هور الحَمّار) في 19 حزيران 1915م، تكبد فيها الطرفان خسائر كبيرةً بالأرواح والمعدات، وفي 25 تموز 1915م، دخلت القوات البريطانية مدينة الناصرية، وهناك تغيرت الخطط العسكرية البريطانية في عدم الاستمرار بالمسير في مدن ومناطق الفرات الأوسط؛ لأنّها أدركت بأنّ ذلك سيؤدي إلى المزيد من المواجهات مع العشائر والمجاهدين، خاصّة مع وجود مدن العتبات المقدسة في النجف وكربلاء التي تمثّل مركز النشاط الديني والجهادي ضد البريطانيين، وفضّل البريطانيون التحرّك من الناصرية باتجاه طريق الشمال الشرقي نحو مناطق الشطرة والغراف والحي للالتقاء بالمحور الآخر الذي كان قد وصل إلى الكوت على نهر دجلة، ومن الجدير بالذكر هنا أنّ مناطق الفرات الأوسط قد شهدت اختلالات أمنية كبيرة جرّاء خسارة العثمانيين لكثيرٍ من المعارك؛ فثار السكّان ضد السلطة العثمانية التي كانت تمارس آنذاك التعسّف والاستهانة ضدّ السكّان المحليين بذريعة البحث عن الفارين من الخدمة العسكرية ومن جبهات الحرب بعد الهزيمة في معركة الشعيبة، وهذا ما أدّى إلى ثورةٍ شعبيةٍ في تلك المناطق ضد الإدارة العثمانية الموجودة في بعض المدن والمناطق مثل: النجف، وكربلاء، والحلة، وطويريج، فطردت جميع الحاميات العسكرية والإدارات الحكومية العثمانية منها[60]، فاضطرت السلطات العثمانية إلى إصدار عفوٍ عامٍّ بهدف تهدئة الأوضاع شريطة عودة السلطة العثمانية وإداراتها إلى تلك المناطق وعدم تكرار ما حدث مرة أخرى[61].

2-جبهة نهر دجلة:
كان تحرّك القوات العسكرية البريطانية من القرنة باتجاه (العمارة – علي الغربي- الكوت) سريعًا، وتفاجأ العراقيون بحركة القوات البريطانية وعدم قدرة الجيش العثماني على الصمود، إذ سقطت مدينة العمارة بأيدي البريطانيين في 3 حزيران 1915م، بعد استسلام أكثر من ألفي جندي من القوات العثمانية للقوات البريطانية، وهذا ما أعطى الثقة للجيش البريطاني في التقدم شمالًا باتجاه الكوت واحتلالها من دون قتال في 29 أيلول1915م[62].

وبعد أسبوعين بدأ البريطانيون بالزحف شمالًا نحو العزيزية التي تقع في منتصف المسافة بين الكوت وبغداد الأمر الذي أحدث صدمةً للعراقيين بسبب سرعة تقدم البريطانيين بقيادة الجنرال تاونزند (Townshend)، ففقد الأهالي الثقة بالجيش العثماني، فأخذ سكّان بغداد يتهكمون على القوات العسكرية العثمانية وهزائمها المتتالية، وشعروا بالتهديد الجدي والحقيقي من قبل البريطانيين لمدينتهم بعد أنْ تجاوزوا مدينة العزيزية، ووصلوا إلى المدائن (سلمان باك) التي لا تبعد عن بغداد سوى 30 كيلو مترا، إلى الجنوب الشرقي منها، وهذا يعني إمكانية سرعة تقدم البريطانيين ووصولهم إلى بغداد خلال أيام أو أسابيع[63]، ومن هنا بدأ التحرّك من جديد للدعوة إلى الجهاد من قبل المرجعية الدينية في النجف الأشرف، وتوجيه المجاهدين من المتطوعين للقتال على هذه الجبهة للحيلولة دون تقدّم البريطانيين نحو بغداد، فبدأت الموجه الثانية من الدعوة إلى الجهاد في النجف الأشرف من خلال الحضور الجماهيري الواسع قرب مرقد الإمام علي؟ع؟ وإلقاء الكلمات الحماسية فيهم، حيث تم إخراج العلم الشريف كرايةٍ للجهاد من أعلى قبة المرقد في يوم 11 محرم/ 19 تشرين الثاني 1915م، وهذا ما ألهب الحضور وتطوعوا للدفاع عن بغداد ومنعها من السقوط بأيدي البريطانيين، وجيء بالعلم الحيدري مع جموع المتطوعين يتقدمهم عددٌ العلماء إلى بغداد حيث جرى استقبالٌ كبيرٌ ومراسيم خاصةٌ للعلم ومواكب المتطوعين فيما تحركت الجموع من بغداد باتجاه الكوت بعد وصول الأنباء بهزيمة البريطانيين وانسحابهم إلى الكوت ومحاصرتهم فيها[64].

كان الجيش العثماني قد استعد للمواجهة المصيرية في منطقة سلمان باك، وبعد وصول القوات البريطانية إلى هناك تمكّن العثمانيون من تحقيق أول نصرٍ مهمٍ عليهم خلال المعارك التي دارت هناك لأربعة أيام 10-13 تشرين الثاني 1915م، خسر فيها البريطانيون أكثر من ألفي قتيل[65]، وعدّ ذلك أول هزيمةٍ عسكريةٍ للجيش البريطاني في العراق منذ قيام الحرب، حيث انسحبت القوات البريطانية بشكلٍ غير منظّم من منطقة المدائن تاركةً خلفها كثيرًا من القتلى والأسلحة والعتاد، فشنّت القوات العثمانية وبمعية بعض العشائر والمجاهدين الهجوم المعاكس لملاحقة القوات المنسحبة ولأكثر من ثلاثين كيلو مترا، وكانت لتلك للانتصارات صدى واسع لدى الأوساط الرسمية والشعبية في العراق؛ فأقيمت الاحتفالات في بغداد، وزيّنت جميع المباني الرسمية والأسواق والمحلات[66].

3-حصار الكوت:
تمكّنت القوات العثمانية من ملاحقة القوات البريطانية المنسحبة حتى مدينة الكوت التي وصلها الجنرال تاونزند في 3 كانون الأول 1915م، من أجل اتخاذها كموقع للصمود لحين وصول المزيد من التعزيزات العسكرية البريطانية من جنوب العراق، وقد تمكّنت القوات العثمانية من فرض الحصار العسكري على البريطانيين هناك منذ يوم7 كانون الأول 1915م، وحاولت القوات البريطانية الموجودة في جنوب العراق إرسال التعزيزات العسكرية إلى مدينة العمارة ومنها إلى الكوت لغرض إنقاذ المحاصرين غير أنّ تلك المحاولات باءت بالفشل نتيجة لتصدي القوات العثمانية[67].

كان حصار القوات العثمانية للجنرال تاونزند وجنوده شديدًا، واعتمد الأخير على ما هو متوفر من مؤنٍ وأغذيةٍ داخل المدينة سواء تلك التي كانت مخزنةً لدى قواته أم ما قام به من عمليات شراء من الأهالي، ثم مصادرة جميع ما هو متوفر في الأسواق والبيوت[68]، وفي الوقت ذاته استمرت المحاولات البريطانية لإيصال النجدات والمساعدات للقوات المحاصرة من خلال العديد من المعارك التي حدثت مع الأتراك: (الفلاحية الأولى) في 21 كانون الثاني 1916م، و(الفلاحية الثانية) في 22 شباط، و(سابس) في 8 آذار، و(الفلاحية الثالثة) 5-9 نيسان، إلا أنّها جميعا لم تغيّر من الواقع شيئًا من حيث استمرار حصار القوات العثمانية للقوات البريطانية في الكوت[69].
نتيجةً لتكبّد البريطانيين الخسائر الكبيرة من المعارك، ونفاذ المواد الغذائية لديهم، والشعور باليأس من إمكانية اختراق القوات العثمانية، بدأ التفكير في استسلام القوات البريطانية، حيث بدأ الجنرال تاوزند اتصالاته لذلك الغرض بقائد الجيش العثماني خليل بك، حيث جرت عملية الاستسلام في يوم 25 نيسان[70]، وأقيمت الاحتفالات الكبيرة في مدن العراق بهذه المناسبة، وبعد أيام وصل الجنرال تاونزند وثلاثة عشر ألفًا من الجنود البريطانيين الأسرى إلى بغداد[71].

كانت عملية استسلام القوات البريطانية في الكوت بمنزلة انتصارٍ عسكريّ كبيرٍ لدى العثمانيين، وتركت صدى واسعًا لدى كبار رجالات الدولة في إسطنبول. وتعبيرًا عن الامتنان من قبل الدولة قام وزير الحربية أنور باشا بزيارة بغداد في 6 مايس 1916م، فأقيمت الاحتفالات طيلة أسبوعٍ كاملٍ من مدة مكوثه في بغداد، كما قام الوزير المذكور بزيارة العديد من الأماكن الدينية في الأعظمية والكاظمية، وقدّم الهدايا إليها وأرسل هدايا أخرى إلى العتبات المقدسة في النجف وكربلاء[72]، وفي الوقت ذاته اطّلع الوزير على الخطط العسكرية للجيش العثماني السادس لمرحلة ما بعد الانتصار في الكوت قبل أنْ يغادر بغداد عائدًا إلى العاصمة إسطنبول، ويبدو أنّ الخطة العسكرية العثمانية تركزت على مواجهة التهديد الروسي القادم من إيران الذي بدأ يقترب من الحدود العراقية عبر كرمنشاه، بدلًا من مواصلة تعقّب الجيش البريطاني المتواجد في جنوب العراق، فتحرّكت القوات العثمانية نحو الحدود لمواجهة هذا الخطر الجديد وتوغّلت في الأراضي الإيرانية حتى تمكّنت من دخول مدينتي كرمنشاه همدان بعد مواجهاتٍ عسكريةٍ كبيرةٍ مع الجيش الروسي[73].

4- احتلال بغداد:
كان حصار الكوت واستسلام القوات البريطانية للعثمانيين صدمةً كبيرةً لبريطانيا ومخططاتها في السيطرة على العراق، وهذا ما أخّر التحرّكات العسكرية البريطانية باتجاه بغداد بضعة شهور، فيما لم يستفد الأتراك من ذلك الانتصار لمواصلة القتال والزحف باتجاه العمارة والبصرة من أجل استعادتها من الجيش البريطاني، وقد جرى تغييرٌ في القيادة العسكرية البريطانية في العراق بتعيين الجنرال مود (Maude )، القادم من جبهة الدردنيل على رأس القوات العسكرية البريطانية في محور دجلة في 11 تموز 1916م، كما أصبحت الحكومة البريطانية هي المسؤولة على تنفيذ السياسات في العراق بدلًا من حكومة الهند، وأعطي الجنرال المذكور مطلق الصلاحيات في إعادة الهيبة والاعتبار لبريطانيا وجيشها بعد الانكسار التاريخي الذي أصابها، فبدأ بدراسة الخطط العسكرية الممكنة للتقدم من جديد بعد تحركه للمواقع القريبة من مدينة الكوت، وتمكن من الاستيلاء عليها من جديد بعد معارك سريعة مع القوات العثمانية الموجودة هناك، التي اضطّرت إلى الانسحاب إلى بغداد في 25 شباط 1917م، وبعد يومين وبتاريخ 27 شباط 1917م، صدرت أوامر أخرى من الوالي بسحب جميع المخازن والمؤن والأسلحة من بغداد باتجاه سامراء شمالًا بعد أنْ وصلت الأنباء بوصول الجيش البريطاني سريعًا إلى العزيزية[74].

كانت الأجواء في بغداد تنذر بوقوع الاحتلال البريطاني للمدينة، فالموظفون العثمانيون بدأوا بمغادرة المدينة والمستودعات الحكومية أفرغت من جميع ما فيها، وشعر السكّان بقرب وقوع الكارثة فقاموا بتخزين المواد الغذائية التي ارتفعت أسعارها بشكلٍ كبيرٍ فيما قام التجّار بنقل ما لديهم في محلات البيع إلى أماكن أكثر أمنًا خشية النهب أو السرقة[75].
اجتمع الوالي خليل باشا بأركان قواته وللمرة الأخيرة في بغداد مساء يوم العاشر من آذار للتباحث بشأن الصمود والقتال في بغداد أم الانسحاب منها، وكان الرأي الغالب هو الانسحاب خشية وقوع الجنود الأتراك تحت وطأة الحصار والاستسلام، وتكرار ما حدث للبريطانيين في الكوت، فتم اتخاذ القرار بالانسحاب الذي بدأ فعلًا في الليلة ذاتها، فلم يبقَ في صباح يوم 11 آذار أحدٌ من القادة والجنود، فيما تم تفجير ما تبقى من ذخائر وأعتدة، وكذلك الجسر الرابط بين ضفتي نهر دجلة ببغداد بهدف إعاقة حركة البريطانيين ومنعهم من الاستفادة منه، ومع اشتعال النيران في المدينة حدث هياجٌ كبيرٌ في بغداد وهرب السجناء من السجون، وحدث النهب في الأسواق والخانات وبعض الدور والمحلات، ولم تسلم منها أيضًا مقرات الحكومة والدوائر[76]، ودخلت القوات البريطانية بغداد صباح اليوم التالي في 11 آذار 1917م.

5- احتلال بقية مناطق العراق:
بعد احتلال الإنكليز لمدينة بغداد بدأ التحرك العسكري لاستكمال السيطرة لبقية مناطق العراق عبر ثلاثة محاور هي: (محور دجلة شمالًا باتجاه سامراء تكريت – الموصل)، (محور الفرات باتجاه الفلوجة – الرمادي – عانة)، (محور الشمال الشرقي باتجاه ديالى)، فبالنسبة لمحور دجلة كان الأتراك قد انسحبوا إلى سامراء قبل سقوط بغداد بعد أنْ تركوا بعض القطعات المعيقة لحركة الجيش البريطاني في الطريق، وحدثت معارك شديدة شمال بغداد بالقرب من المشاهدة في 24 آذار 1917م، تكبد فيها الطرفان خسائر كبيرة، ثم استأنف الجيش البريطاني الزحف بعد استكمال التعزيزات في المنطقة حتى تمكنوا من السيطرة على منطقة بلد في 8 نيسان، وسامراء في يوم 24 نيسان، بعد دخولهم في معركة ضارية مع الأتراك.

وفي محور الفرات تقدّمت القوات البريطانية وسيطرت على العديد من المناطق حتى مدينة الرمادي، حيث جرت هناك في يوم 11 تموز معركةٌ كبيرةٌ مع القوات العثمانية التي كانت قد انسحبت من منطقة الفرات الأوسط، وتعدادها حوالي ألف جندي استطاعوا الصمود بوجه القوات البريطانية التي اضطرّت إلى الانسحاب بعد خسارتها حوالي مائة وخمسين قتيلًا عدا من مات بسبب الحر الشديد آنذاك، فيما كان خسائر الأتراك مائة وخمسون فقط[77]، وفي الوقت ذاته وصلت الإمدادات العسكرية العثمانية من حلب إلى الرمادي لتقوية صمود المقاتلين فيها، فيما جهّز الجنرال مود فرقةً عسكريةً كاملةً لاحتلال الرمادي ومنع اتّخاذها قاعدةً للعمليات العسكرية العثمانية في غرب العراق بعد أنْ كان الأتراك قد صمموا على استعادة بغداد عبر هذا الطريق من خلال تشكيلهم قوات الصاعقة من الجيشين السادس في العراق والسابع في سورية وبخبرات ألمانية، فتمكّنت القوات البريطانية من محاصرة الجيش العثماني في الرمادي وإجباره على الاستسلام في 29 أيلول 1917م، واستمر التقدّم البريطاني نحو بقية المناطق الأخرى بعد خوضها لمعارك عديدة مع القوات التركية القادمة من سورية، حتى تم استكمال سيطرتها عليها بالكامل في آذار 1918م [78].

أما جبهة ديالى التي كانت تتضمن القوات التركية من الفرقة الثالثة عشرة المنسحبة من إيران، والتي كانت قد توغلت في أعقاب الانتصار في معركة الكوت، وبعد ورود أخبار سقوط بغداد عادت إلى العراق وتحديدًا إلى خانقين، غير أنّها واجهت القوات البريطانية المتقدمة من بغداد والقوات الروسية التي كانت تلاحقها من كرمنشاه، وحدثت المواجهة العسكرية بين القوات البريطانية والأتراك في 25 آذار 1917م في المنطقة الواقعة بين شهربان وقزلرباط، تكبّد فيها البريطانيون خسائر كبيرة، فيما كان الروس قد استغلوا ذلك وتمكّنوا من احتلال خانقين في الأول من نيسان، لكن الأتراك استطاعوا العودة إليها في أواخر حزيران بعد طرد القوات الروسية، وظلّوا فيها حتى نهاية شهر آب 1917م، عندما انسحبوا منها باتجاه العظيم وكركوك بعد وصول القوات البريطانية الى خانقين[79].

ولم يبقَ أمام البريطانيين سوى التقدّم نحو الموصل لاستكمال السيطرة على العراق بالكامل، حيث طلبت الحكومة البريطانية من القائد العسكري البريطاني مارشال الذي كان قد خلف الجنرال مود بعد وفاة الأخير ببغداد في 18 تشرين الثاني 1917م، بالتقدم من أجل السيطرة على الموصل، فنشبت عدة معارك في الطريق إليها خلال المدة 18-29 تشرين الثاني، تمكنت خلالها القوات البريطانية من الوصول إلى جنوب الموصل عند منطقة (القيارة)، في الوقت الذي كانت تجرى مفاوضات الاستسلام بين الأتراك والحلفاء في جزيرة مودروس حيث تم عقد الهدنة في 30 تشرين الثاني 1918م، وكان على القوات البريطانية إيقاف تقدمها إلّا أنّها واصلت زحفها في اليوم التالي لضم مدينة الموصل، وهذا ما تم فعلًا بعد دخول القوات البريطانية للمدينة بالرغم من احتجاج الأتراك على ذلك، وبذلك استكملت بريطانيا السيطرة على جميع مناطق العراق، وليبدأ فصلٌ جديدٌ من تاريخ العراق تحت الاحتلال البريطاني.

الاستنتاجات:
في ضوء ما تقدّم في هذا الفصل يمكن الإشارة إلى الاستنتاجات التالية:
إنّ بريطانيا بدأت الاهتمام الفعلي في مدّ نفوذها إلى العراق منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، وتحديدًا بعد حرب السنوات السبع في أوربا، نتيجة لاكتشاف سرعة وصول المعلومات وأهمية الطريق الواصل من خلاله بين الهند والخليج من جهة وأوربا من جهةٍ أخرى، وازدادت رغبتها في مد النفوذ بعد إحكام سيطرتها على الخليج، والذي يمثّل العراق فيه الرأس ونقطة الاتصال مع الدواخل في المشرق العربي والدولة العثمانية وإيران، خاصة مع وجود طموحات وتنافس إقليمي ودولي للسيطرة على المنطقة.
تحول الاهتمام البريطاني بالعراق خلال القرن التاسع عشر الميلادي من التركيز على الأهمية الاستراتيجية والسياسية إلى التغلغل الاقتصادي عبر الملاحة والنقل والتجارة في أنهار العراق، وكذلك المواصلات وخطوط التلغراف، وتبني مشاريع لمد سكك الحديد تستطيع من خلالها ربط مصالحها الحيوية في الهند والشرق الأقصى بأوربا من خلالها.
تقاطعت المصالح البريطانية في العراق مع الوجود العثماني في العراق، وكذلك رغبات دول أخرى في تثبيت مصالحها الحيوية في المنطقة، خاصة بالنسبة لألمانيا؛ لذا فإنّ البريطانيين منذ مطلع القرن العشرين بدأوا في التفكير ووضع الخطط للسيطرة المباشرة على العراق عبر احتلاله.

كانت الأوضاع المضطربة في العراق تساعد على توجهات البريطانيين لاحتلال العراق؛ بسبب ممارسات السلطات العثمانية، وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
امتدت العمليات العسكرية لاحتلال العراق لمدة أربع سنوات 1914-1918م، نتيجة للمقاومة الشعبية للاحتلال، الأمر الذي خالف توقعات البريطانيين في أنْ تكون الحرب قصيرة نتيجة لضعف العثمانيين.
كانت لفتاوى الجهاد الصادرة من قبل المرجعية الدينية الشيعية الأثر البارز في تحريك المجتمع العراقي لمواجهة الاحتلال البريطاني حتى احتلال بغداد.

المصادر
أولا: المصادر والمراجع:
إبراهيم خليل أحمد وجعفر عباس حميدي، تاريخ العراق المعاصر، الموصل، 1989م.
أحمد سوسة، ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق، ط2، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001م.
احمد عبد الرحيم مصطفى، في أصول التاريخ العثماني، بيروت، دار الشروق، 1982م.
ألكسندر أداموف، ولاية البصرة ماضيها وحاضرها، ترجمة هاشم صالح التكريتي، البصرة، 1989م.
المس بيل، العراق في رسائل المس بيل، ترجمة جعفر الخياط، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 2003م.
ج.ج لوريمر، دليل الخليج، ترجمة مكتب أمير دولة قطر، الدوحة: 1967م، القسم التاريخي الجزء الرابع، القسم الجغرافي الجزء الثالث.
حارث يوسف غنيمة، البروتستانت والانجيليون في العراق، بغداد، مطبعة الناشر المكتبي، 1998م.
حسين محمد القهواتي، دور البصرة التجاري في الخليج العربي 1869-1914، بغداد، مطبعة الإرشاد، 1980م.
حميد أحمد حمدان االتميمي، البصرة في عهد الاحتلال البريطاني، بغداد، مطبعة الإرشاد، 1979م.
خليل علي مراد، دوافع رحلات الإنكليز الى الموصل وأطرافها في القرن التاسع ومطلع القرن العشرين، جامعة الموصل، 1997م.
رسل برادون، حصار الكوت في الحرب بين الإنكليز والأتراك في العراق 1914-19118م، ترجمة سليم طه التكريتي وعبد المجيد ياسين التكريتي، بغداد، دار إحياء التراث العرب، 1985م.
ز. ي هرشلاغ، مدخل إلى التاريخ الاقتصادي الحديث للشرق الأوسط، نقله إلى العربية مصطفى الحسيني، بيروت، 1973م.
سير أرنولد ويلسون، تاريخ الخليج، ترجمة محمد أمين عبد الله، سلطنة عمان، 1981م.
شكري محمود نديم، حرب العراق 1914-1918، ط4، بغداد، شركة النبراس للنشر والتوزيع، 1964م.
صالح خضر محمد الدبلوماسيون البريطانيون في العراق 1831-1914م، بغداد، دار الشؤون الثقافية، 2005م.
صالح محمد العابد، موقف بريطانيا من النشاط الفرنسي في الخليج العربي 1798-1810، بغداد، مطبعة العاني، 1979م.
طونزند، مذكرات الفريق طونزند، ترجمة حامد أحمد الورد، ط2، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 1986م.
عباس العزاوي، تاريخ العراق بين احتلالين، بغداد، مطبعة بغداد، 1956م.
عبد الشهيد الياسري، البطولة في ثورة العشرين، النجف، مطبعة النعمان، 1966م.
عبد العزيز سليمان نوار، تاريخ العراق الحديث من نهاية داوود باشا إلى نهاية مدحت باشا، ط2، بغداد، وزارة الثقافة، 2013م.
عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، حكومة الهند البريطانية والإدارة في الخليج العربي، الرياض، دار المريخ، 1981م.
عبد الفتاح إبراهيم، على طريق الهند، بغداد، مطبعة الأهالي، 1935م.
عبد الله فهد النفيسي، دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث، بيروت، دار النهار، 1973م.
علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، قم، مطبعة أمير، 1371ه ش.
غانم محمد صالح وخليل فضيل محمد الكبيسي، الخليج العربي، بغداد، مطبعة جامعة بغداد، 1985م.
فخري الزبيدي، بغداد من 1900 حتى سنة 1934، ط2، بغداد: وزارة القافة والإعلام، 2013م.
فیلیب ویلارد ایرلاند، العراق دراسة في تطوره السیاسي، ترجمة جعفر الخیاط، بيروت، دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزیع، ١٩٤٩م.
لؤي يونس بحري، سكة حديد بغداد - برلين دراسة في تطور دبلوماسية قضية سكة حديد برلين بغداد حتى عام 1914، بغداد، شركة الطبع والنشر الأهلية، 1967م.
محمد أمين العمري، تاريخ حرب العراق، بغداد، مطبعة النجاح، 1935م.
مصطفى النجار وآخرون، تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر، البصرة، مطبعة جامعة البصرة، 1984م.
ن. براي، مغامرت ليجمن في العراق والجزيرة العربية 1908-1920م، ترجمة سليم طه التكريتي، بغداد، دار واسط 1990م.
ياسين شهاب شكري، المرجع في تاريخ العراق الحديث، بغداد، بيت الحكمة، 2021م.
يوسف رزق الله غنيمة، تجارة العراق قديمًا وحديثًا، بغداد، مطبعة الرابطة، 1992م.

ثانيا: الرسائل والأطاريح:
حسين كريم علاوي، مدينة بغداد في كتابات الرحالة الأجانب، (رسالة ماجستير)، جامعة الكوفة، كلية الآداب، 2024م.
محمد داخل كريم السعدي، المصالح الأجنبية في الموصل 1834-1914، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الموصل، كلية الآداب، 1999م.
ياسين شهاب شكري، ولاية بغداد: 1872-1909م (رسالة ماجستير)، جامعة الموصل، كلية الآداب،1994م.

ثالثا: المصادر الأجنبية:
Baron k Von Kohenfield, The Strategical Importance of The Euphrates Valley Railway, (London: 1873).
Mustafa Aksakal ,The Ottoman Empire and the First World War, (Cambridge, University Press, 2008 )
William Francis Ainsworth, The Euphrates Valley Railway, (London: 1872).
Stuart Acohen , British policy in Mesopotamia 1903-1914 , ( London , 1967).

رابعا: البحوث والمقالات:
ستيفن لونكريك، (عراق البريطانيين والأتراك خلال 1915-1916م)، ترجمة سليم طه التكريتي، مجلة آفاق عربية، العدد 6، شباط، بغداد، 1979.
عبد الجبار العمر، (ذيل مطالع السعود أو تاريخ الشاوي)، مجلة آفاق عربية، العدد السادس والسابع، السنة السادسة، بغداد شباط آذار 1981م.
هاشم صالح التكريتي، (التغلغل الألماني في المشرق العربي قبيل الحرب العالمية الأولى)، مجلة المؤرخ العربي، العدد 27، السنة الثانية عشرة، بغداد 1986م.
ياسين شهاب شكري، (العراق ومشروع سكة حديد وادي الفرات دراسة تاريخية في ضوء التقارير البريطانية)، مجلة كلية التربية للبنات /جامعة الكوفة، العدد 24، السنة الثالثة عشرة، 2019م.

خامسا: الجرائد:
جريدة الزوراء، العدد 12، 23 جمادي الأولى 1286هجرية، 19 أغستس 1285 شمسي.
جريدة الزوراء، العدد 2526، 16 رمضان المبارك 1333، 16 تموز 1331، السنة السابعة والأربعون.
جريدة الزوراء، العدد 2544، 24 محرم الحرام 1334، 19 تشرين الثاني 1331، السنة الثامنة والأربعون.
جريدة الزوراء، العدد 2547، 16 صفر الخير 1334، 10 كانون الأول 1331، السنة الثامن والأربعون.
جريدة الزوراء، العدد 2566، 2 رجب الفرد 1334، 21 نيسان 1332، السنة الثامنة والأربعون.
جريدة الزوراء، العدد 2567، 9 رجب الفرد 1334، 28 نيسان 1332، السنة الثامنة والأربعون.
جريدة الزوراء، العدد 2568، 23 رجب الفرد 1334، 12 مايس1332، السنة الثامنة والأربعون.


-----------------------------------
[1]. رئيس قسم التاريخ / كليّة الآداب / جامعة الكوفة.
[2]. علاوي، حسين كريم، مدينة بغداد في كتابات الرحالة الأجانب، ص 19-23.
[3]. ويلسون، سير أرنولد، تاريخ الخليج، ص96؛ عبد العزيز عبد الغني ابراهيم، حكومة الهند البريطانية والإدارة في الخليج العربي، ص87-88.
[4]. النجار، مصطفى وآخرون، تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر، ص22.
[5]. العابد، صالح محمد، موقف بريطانيا من النشاط الفرنسي في الخليج العربي 1798-1810، ص33-44.
[6]. صالح خضر محمد، الدبلوماسيون البريطانيون في العراق 1831-1914م، ص78.
[7]. ج.ج لوريمر، دليل الخليج، ج4، ص2082.
[8]. المصدر السابق، ص2338.
[9]. المصدر السابق، ص1948-1951.
[10]. المصدر السابق، ص 1952- 1957
[11]. شكري، ياسين شهاب، المرجع في تاريخ العراق الحديث، ص141-142.
[12]. عبد الفتاح إبراهيم، على طريق الهند، ص69-70.
[13]. نوار، عبد العزيز سليمان، تاريخ العراق الحديث من نهاية داوود باشا إلى نهاية مدحت باشا، ص 248-263.
[14]. القهواتي، حسين محمد، دور البصرة التجاري في الخليج العربي 1869-1914، ص93.
[15]. يوسف رزق الله غنيمة، تجارة العراق قديماً وحديثاُ، ص84؛ لوريمر، المصدر السابق، القسم التاريخي، ج1، ص377.
[16]. لوريمر، المصدر السابق، ج6، ص3532
[17]. المصدر السابق، القسم الجغرافي، ج3، ص ص1034-1035.
[18]. Baron k Von Kohenfield, The Strategical Importance of The Euphrates Valley
Railway, (London: 1873).
[19]. William Francis Ainsworth, The Euphrates Valley Railway, (London: 1872).
[20]. Baron k Von Kohَenfield, Op. cit, pp.15-22.
[21]. Ibid, p.58.
[22]. للتفاصيل ينظر: شكري، ياسين شهاب، (العراق ومشروع سكة حديد وادي الفرات دراسة تاريخية في ضوء التقارير البريطانية) ، ص 125-150
[23]. حارث يوسف غنيمة، البروتستانت والإنجيليون في العراق، ص50.
[24]. نوار، المصدر السابق، ص308.
[25]. السعدي، محمد داخل كريم، المصالح الأجنبية في الموصل 1834-1914، ص48-49.
[26]. أحمد سوسة، ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق، ص59.
[27]. السعدي، محمد داخل كريم، المصدر السابق، ص71.
[28]. نوار، المصدر السابق، ص224-225.
[29]. خليل علي مراد، دوافع رحلات الإنكليز الى الموصل وأطرافها في القرن التاسع ومطلع القرن العشرين، ص165.
[30]. المس بيل، العراق في رسائل المس بيل، ص14-16.
[31]. ستيفن لونكريك، عراق البريطانيين والأتراك خلال 1915-1916، ص51.
[32]. ن. براي، مغامرات ليجمن في العراق والجزيرة العربية 1908-1920، ص76.
[33]. غانم محمد صالح والكبيسي، خليل فضيل محمد، الخليج العربي، ص71-74.
[34]. النجار، مصطفى وآخرون، المصدر السابق، ص111.
[35]. التميمي، حميد أحمد حمدان، البصرة في عهد الاحتلال البريطاني، ص93.
[36]. فیلیب ویلارد ایرلاند، العراق دراسة في تطوره السیاسي، ص ٢٥-٢٤.
[37]. التكريتي، هاشم صالح، (التغلغل الألماني في المشرق العربي قبيل الحرب العالمية الأولى)، ص44-45
[38]. بحري، لؤي يونس، سكة حديد بغداد - برلين دراسة في تطور دبلوماسية قضية سكة حديد برلين بغداد حتى عام 1914، ص69-72.
[39]. ألكسندر أداموف، ولاية البصرة ماضيها وحاضرها، ج2، ص208، 248.
[40]. ز. ي هرشلاغ، مدخل إلى التاريخ الاقتصادي الحديث للشرق الأوسط، ص67.
[41]. شكري، ياسين شهاب، ولاية بغداد: 1872-1909م، ص149.
[42]. Stuart Acohen, British policy in Mesopotamia 1903-1914, (London, 1967), pp.35- 39.
[43]. بحري، المصدر السابق، ص167-172.
[44]. Mustafa Aksakal, The Ottoman Empire and the First World War, Cambridge, University Press, (2008), pp. 13- 111.
[45]. أحمد عبد الرحيم مصطفى، في أصول التاريخ العثماني، ص283- 287.
[46]. فيليب ويلارد آيرلند، المصدر السابق، ص24.
[47]. الوردي، علي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج3، ص161-162.
[48]. العزاوي، عباس، تاريخ العراق بين احتلالين، ج8، ص 180.
[49]. المصدر السابق، ص207.
[50]. جريدة الزوراء، العدد 12، 23.
[51]. العمر، عبد الجبار، (ذيل مطالع السعود أو تاريخ الشاوي)، مجلة آفاق عربية، العدد السادس والسابع، السنة السادسة، ص77.
[52]. الوردي، علي، المصدر السابق، ج4، ص82.
[53]. شكري، محمود نديم، حرب العراق 1914-1918، ص13-14.
[54]. إبراهيم خليل أحمد وحميدي، جعفر عباس، تاريخ العراق المعاصر، ص11.
[55]. التميمي، المصدر السابق، ص ص163-178.
[56]. الياسري، عبد الشهيد، البطولة في ثورة العشرين، ص68-69.
[57]. التميمي، المصدر السابق، ص175.
[58]. طونزند، مذكرات الفريق طونزند، ص8.
[59]. نديم، المصدر السابق، ص 29-30.
[60]. النفيسي، عبد الله فهد، دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث، ص91.
[61]. جريدة الزوراء، العدد 2526، السنة السابعة والأربعون.
[62]. الوردي، علي، المصدر السابق، ص166-167.
[63]. المصدر السابق، ص233.
[64]. جريدة الزوراء، العدد 2544، السنة الثامنة والأربعون.
[65]. المصدر السابق، العدد 2544، السنة الثامنة والأربعون.
[66]. المصدر السابق، العدد 2547، السنة الثامن والأربعون.
[67]. رسل برادون، حصار الكوت في الحرب بين الإنكليز والأتراك في العراق 1914-19118، ج1، ص218-219.
[68]. طونزند، المصدر السابق، ص 418-419، ص489-490، ص527.
[69]. نديم، المصدر السابق، ص 87 وما يليها.
[70]. المصدر السابق، ص 101.
[71]. جريدة الزوراء، العدد 2566. العدد 2567، السنة الثامنة والأربعون.
[72]. المصدر السابق، العدد 2568، السنة الثامنة والأربعون.
[73]. العمري، محمد أمين، تاريخ حرب العراق، ج3، ص230.
[74]. المصدر السابق، ج1، ص121.
[75]. الوردي، علي، المصدر السابق، ج4، ص324.
[76]. الزبيدي، فخري، بغداد من 1900 حتى سنة 1934، ص80-81.
[77]. العمري، المصدر السابق، ج3، ص48.
[78]. نديم، المصدر السابق، ص153-156، ص158-160.
[79]. الوردي، علي، المصدر السابق، ج4، ص389-390.