الباحث : د. محمود شوقي عثمان
اسم المجلة : الاستعمار
العدد : 2
السنة : شتاء _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث : January / 13 / 2025
عدد زيارات البحث : 112
الملخص
تعرّضت مصر ثلاث مرّاتٍ في غضون القرن التاسع عشر لاحتلال قواتٍ بريطانيةٍ لأراضيها، كانت المرة الأولى في مطلع القرن التاسع عشر إبّان الحملة الفرنسية على مصر (1798- 1801م)، وبقي هذا الاحتلال زهاء عامين، وكان الاحتلال الثاني في عام 1807م، حين تعرّضت مصر لحملةٍ بريطانيةٍ تحت قيادة فريزر (Alexander Mackenzie Fraser)، واستمر هذا الاحتلال الثاني ستة أشهر، بينما كان الاحتلال الثالث عام 1882م، وقد استمر أربع وسبعين سنة.
وقد مرّت مصر عقب الاحتلال البريطاني الثالث لها بمرحلتين، هما:
أولًا: السنوات العشرة الأولى للاحتلال 1882- 1892م (إنهيار الحركة الوطنية).
ثانيًا: يقظة الحركة الوطنية عقب تولية عباس حلمي الثاني في 8 يناير 1892م.
وتعرّض الباحث لعدّة موضوعاتٍ مهمّة: كإرهاصات الحركة الوطنية المصرية، والسنوات العشرة الأولى للاحتلال 1882- 1892م (إنهيار الحركة الوطنية)، يقظة الحركة الوطنية عقب تولية عباس حلمي الثاني في 8 يناير 1892م، وجهود الزعيم مصطفى كامل الوطنية (1874- 1908م)، وغيرها من الأبحاث.
الكلمات المفتاحيّة: بريطانيا، أحمد عرّابي، ثورة 1919م، سعد زغلول، معاهدة 1936م- ثورة 1952م.
تمهيد
تعرّضت مصر ثلاث مرّات في غضون القرن التاسع عشر لاحتلال القوات البريطانيّة لأراضيها:
-المرة الأولى في مطلع القرن التاسع عشر إبّان الحملة الفرنسية على مصر (1798- 1801م)، حين أيقنت الحكومة البريطانية أنّ العثمانيين عاجزون بمفردهم عن إخراج الفرنسيين من مصر، وأنّ الثورات الشعبية في القاهرة والأقاليم على الرغم من تعدّدها وتلاحقها وإنهاكها الفرنسيين لم تسفر عن إجلائهم، ومن ثم استقرّ رأي الحكومة البريطانية على إرسال قواتٍ بريطانيةٍ للإسهام في إخراج الفرنسيين من مصر، وبالفعل تم إرسال قواتٍ تحت قيادة سير رالف ابركومبي (Sir Ralph Abercromby) الذي وصل الأسكندرية في أول مارس 1801م، وبالفعل أسهمت هذه القوات في تضييق الخناق على الفرنسيين حتى أكرهتهم على الخروج من مصر في 18 أكتوبر 1801م، غير أنّ الحكومة البريطانية ماطلت في الجلاء عن مصر، فلم تخرج منها إلّا في 12 مارس 1803م بعد أنْ ظلّت مرابطةً في البلاد زهاء عامين[2].
المرة الثانية للاحتلال كانت في 18 مارس 1807م حين تعرّضت مصر لحملةٍ بريطانيةٍ تحت قيادة فريزر(Alexander Mackenzie Fraser)، وكان من أغراض هذه الحملة: الضغط على الباب العالي لحمله على نبذ صداقة فرنسا، وكذا تخوّف بريطانيا من نزول حملةٍ فرنسيةٍ أخرى في مصر، وكان من أهداف هذه الحملة أيضًا تصحيح الخطأ الذي اعتقدت الحكومة البريطانية أنّها وقعت فيه بتنفيذ الجلاء عن مصر في مارس 1803م، لكن هذه الحملة البريطانية مُنيت بهزيمتين فادحتين متعاقبتين في رشيد والحماد، وكان للشعب المصري النصيب الأوفى في إيقاع الهزيمة بالحملة التي تحرج مركزها، وانتهى بها الأمر بالجلاء عن مصر في 25 سبتمبر 1807م بعد أنْ دام الاحتلال الثاني ستة أشهر[3].
المرة الثالثة من الاحتلال كان عند قيام الأسطول الإنجليزي بقصف مدينة الإسكندرية فى 11 يوليو عام 1882م، واستطاعت القوات البريطانية بعد ذلك احتلال مدينتي بورسعيد والإسماعيلية في 20 أغسطس 1882م، وفي 13 سبتمبر عام 1882م تمكّن الجيش الإنجليزي من القضاء على المقاومة المصرية وذلك بمساعدة من الخديو توفيق (1879-1892م)، وظلّ الاحتلال البريطاني لمصر حتى أصدرت بريطانيا الإعلان الأحادي الجانب باستقلال مصر عام 1922م، ثم المعاهدة المصرية الإنجليزية 1934م، وهو العام التي حصلت مصر على استقلالها الكامل – ظاهريًّا - ولكنّها ظلّت تحت الاحتلال بوجود قواتٍ من الجيش الإنجليزي فى بعض مناطق البلاد جعلتها المتحكمة فعليًّا في مصائر الأمور، وظلّت محتفظةً بسيطرتها على منطقة قناة السويس حتى عام 1956م.
هذه الدراسة تسعى إلى رصدٍ تاريخيّ لأهم الأحداث والمنعطفات التي نجمت عن الغزوات البريطانية الثلاث، والآليات التي اعتمدتها القوى الشعبية والوطنية المصرية والنتائج المترتّبة على المواجهات.
إرهاصات الحركة الوطنية المصرية
على الرغم من أنّ الاحتلال الإنجليزي لمصر كان في عام 1882م، فإنّ تغلغل النفوذ الأوروبي –إنجلترا وفرنسا - السياسي والمالي في أواخر عصر إسماعيل (1863-1879م) كان السبب المباشر في قيام الحركة الوطنية المصرية التي استندت على القوة الوطنية بجناحيها المدني والعسكري. تألّف الجناح المدني من طبقة الموظّفين الوطنيين وطائفة الملاك الزراعيين والأعيان، بينما تألّف الجناح العسكري من بعض ضباط الجيش المصري الذي بدأ تكوينه منذ أيام (محمد علي) تزعّمهم أحمد عرابي (1841- 1911م) بتأييدٍ كاملٍ من جموع المصريين على اختلاف طوائفهم.
وقد سعى عرابي في الفترة من 1879 حتى 1882م لفرض واقعٍ جديدٍ على الحياة المصرية من خلال السعي للمساواة بين الجنود المصريين والأتراك، والمطالبة بتأليف وزارة مصريةٍ خالصةٍ وتقرير مبدأ المسؤولية الوزارية أمام مجلس النواب، والعمل على تسوية الديون المصرية بطريقةٍ مناسبةٍ دون إعلان إفلاس البلاد. وظلّ عرابي ومن خلفه الحركة الوطنية المصرية في شدٍّ وجذبٍ بين القصر وممثلي حكومتي انجلترا وفرنسا أسفر في النهاية عن ضرب الأسكندرية في 11 يوليو 1882م، وسيطرة انجلترا على الأوضاع في مصر بعد هزيمة الجيش المصري في موقعة التل الكبير في 14 سبتمبر 1882م، واحتلال القاهرة في 15 سبتمبر من العام نفسه، هذا الاحتلال الذي استمر بضعًا وسبعين عامًا، شهد خلالها المجتمع المصري أقسى أنواع العنف والظلم ونهب ثروات البلاد.
وقد مرّت مصر عقب الاحتلال البريطاني لها بمرحلتين، هما:
أولًا: السنوات العشرة الأولى للاحتلال 1882- 1892م (إنهيار الحركة الوطنية):
في هذه المرحلة ظلّت مصر تتردّى في هوة الانحلال الوطني كنتيجةٍ حتميةٍ لإخفاق الثورة الوطنية (العرابيّة)، ووقوع الاحتلال الذي كان الظنّ أن يكون مؤقتًا إلى أنْ يطمئن الخديو توفيق على العرش كما صرّحت إنجلترا بذلك في أكثر من مرة، لكن السياسة التي اتبعتها انجلترا في مصر بعد إخماد الثورة العرابيّة واستقرار الخديوي توفيق على العرش دلّت على أنّ انجلترا كانت ترمي بتدخلها المسلّح إلى جعل احتلالها لمصر دائميًّا، وبسط سيطرتها الحربية والإدارية على البلاد، وذلك بوضع سياسةٍ مخططةٍ لإضعاف الروح القومية لدى المصريين، فكان أوّل ما قامت به هو تصفية الثورة العرابيّة بنفي أعضائها مدى الحياة وتجريدهم من الرتب العسكرية ومصادرة أملاكهم، وحلّ الجيش القائم وتكوين جيشٍ آخر يخضع للإشراف الانجليزي[4].
وقامت انجلترا بعد ذلك بفرض الحماية (المقنّعة) أو (النصائح الإلزامية) بناءً على توصية اللورد دفرين (Lord Dufferin) الذي أرسلته الحكومة الإنجليزية إلى مصر لمدة ستة أشهر (نوفمبر 1882م- مايو 1883م)، من أجل وضع تقريرٍ عن طبيعة الوضع في مصر والطريقة الأمثل لإدارته، وبالفعل وضع دفرين التقرير الذي ضمنه قواعد السيطرة البريطانية والحماية من خلال بقاء جيش الاحتلال في مصر، وسيطرة طائفةٍ من كبار الموظفين الانجليز على رأس المصالح العامة كمفتشين ومستشارين مع الاحتفاظ بالشكل الصوري لنظام الحكم الممثّل في الخديو ووزرائه، بوصفه الطريق الأنسب لوضع مصر الدولي بعد تسوية لندن 1840-1841م؛ خوفًا من تآمر الدول المعادية لإنجلترا[5].
وبالفعل تبنّت الحكومة الإنجليزيّة ما جاء في تقرير دفرين، وأرسلت اللورد إيرل كرومر (Earl of Cromer) ليكون قنصلًا على مصر في الفترة من سبتمبر 1883م حتى 1907م، وكان طوال هذه الفترة الحاكم المطلق، وتضاءلت بجانب سلطاته كلّ سلطةٍ وطنية، وصار له من النفوذ والسلطان أكثر ممّا كان لحكام المستعمرات البريطانية.
أمّا عن علاقة الخديو توفيق بسلطات الاحتلال فقد كانت علاقاتٍ وديّة؛ فقد كان مضطّرًا لذلك بعد أنْ أصبح مدينًا لها بمركزه ومنصبه، كما كان يعتقد أنّه إذا فقد التأييد الإنجليزي فإنّه يصبح عرضةً للثورة عليه والإطاحة بعرشه، ومن ثم أخذ بنصائح الإنجليز (الإلزامية) بإخلاء السودان، وقد استمرت هذه العلاقات الودية التي طالما أشاد بها اللورد كرومر حتى آخر أيام حياة الخديو توفيق[6].
بينما كان النزاع سمة العلاقات بين سلطات الاحتلال والحكومة المصرية، هذا النزاع الذي بلغ أوجه منذ وزارة شريف الرابعة (أغسطس 1882- يناير 1884م) وذلك بسبب مسألة إخلاء السودان على أثر هزيمة الجيش المصري أمام جيوش المهدي الذي أصبحت له السيطرة في السودان، وعندما أصرت الحكومة الإنجليزية على إخلاء السودان كما جاء في مذكرة وزير الخارجية البريطانية اللورد جرانفل (Grenfell) في 4 يناير 1884م، التي يطلب فيها ضرورة اتباع النصائح الإنجليزية، وتخلّي كلّ منحرفٍ عن هذه السياسة عن منصبه، عند ذلك قدم شريف باشا استقالته الشهيرة في 7 يناير 1884م، ولم يكن سبب الاستقالة رفضه إخلاء السودان فحسب، بل لرفضه أيضًا مبدأ ضرورة اتباع النصائح الإنجليزية[7].
وبهذه الاستقالة سجّل شريف باشا احتجاج مصر على سلخ السودان عنها، وعلى تدخّل الإنجليز في شؤون الحكومة المصرية واعتدائهم على استقلالها، وكان لهذه الاستقالة أهميةٌ عظيمةٌ في تاريخ الحركة الوطنية في مصر؛ لأنّها رسمت خطّ المقاومة الرسمية ضدّ الاحتلال الإنجليزي، وكان أثر هذه الاستقالة سيكون أكبر لو أنه لم يقبل أحد تولّي الوزارة من بعده، لاسيما بعد أنْ رفض رياض باشا تشكيل الوزارة دعمًا منه لموقف شريف باشا، لكن نوبار باشا (الأرمني الأصل) وافق على تشكيل الوزارة دعمًا منه للاحتلال الإنجليزي، واستسلم لسلطات الاحتلال وخضع لنصائحها (الإلزامية)، واشتدت وطأته على الصحافة الوطنية وحتى الصحف الأجنبية التي كانت تندد بالاحتلال[8].
وعلى الرغم من استسلام نوبار لسلطات الاحتلال فقد تخلّى الانجليز عنه بعد أنْ نالوا ما يبتغون من إخلاء السودان والتمكين لنفوذهم في شؤون الحكومة، فأقاله الخديو على أثر مناقشةٍ بينه وبين نوبار في مجلس الوزراء في بعض المسائل المعروضة على المجلس، وقد خلف رياض باشا نوبار فألّف الوزارة في 11 يونيو 1888م، وقد لقت وزارة رياض تأييدًا شعبيًا على أثر موقفه السابق الذي دعم فيه شريف باشا عند تقديم استقالته، وظنًّا من المصريين أنّ هذه الوزارة ستقوم بتخفيف وطأة السيطرة البريطانية على الحكومة، لكن الأحداث جاءت على العكس من ذلك حيث استمر تغلغل النفوذ البريطاني في الحكومة، وقد بلغ هذا التغلغل أوجه عندما تم تعيين المستر جون سكوت (John Scott)، أول مستشارٍ قضائي إنجليزي لوزارة الحقانية في 15 فبراير 1891م، بهدف السيطرة على وزارة الحقانية، وقد تسبب هذا التعيين في استقالة حسين فخري باشا وزير الحقانية (1888- 1889م)، واستقالة رياض باشا التي جائت بعد هذا القرار بثلاثة أشهر، وتحديدًا في 12 مايو 1891م والتي عللها بأسباب صحية[9].
وقد كان لوزارة رياض باشا بعض الأعمال الجليلة لعلّ من أهمها: ظهور جريدة المؤيّد في أول ديسمبر 1889م، هذه الجريدة التي كان لها الفضل في بعث الروح الوطنية من جديد، وكذا إلغاء السخرة، كما وضع قانون عدم جواز الحجز على رواتب موظفي الحكومة، كما نجح في تخفيض فوائد الدين العام، وكان من أهم أعماله إلغاء اللجان المعروفة بقومسيونات الأشقياء التي شُكّلت في عهد وزارة نوبار، والتي خُوِّلت سلطة القبض على الأشخاص والتحقيق معهم ضاربةً عرض الحائط كلّ الضمانات القانونية[10].
وعقب استقالة رياض باشا وقع اختيار كرومر على مصطفى فهمي باشا لتشكيل الوزارة التي كانت بحق (وزارة الاستسلام) المطلق لسلطات الاحتلال، فكان عهد وزارته هو أوج السلطة للاحتلال البريطاني، وقد بقي مصطفى فهمي يتولّى الوزارة حتى وفاة الخديو توفيق في يناير 1892م، ثم تولّاها في أوائل عهد الخديو عباس حلمي الثاني (1892- 1914م)، قبل أنْ تتم إقالته في بداية عام 1893م، ثم عاد للوزارة مرةً أخرى في نوفمبر 1895م وبقي في وزارته الثانية حتى نوفمبر 1908م، وهي أطول وزارةٍ في عهد الاحتلال (13 عامًا).
لقد كان لاستسلام وخضوع الخديو والحكومات المتعاقبة على حكم مصر إبّان الاحتلال الانجليزي أثره على الروح الوطنية؛ فقد خلت البلاد من روح المقاومة طيلة عشرة سنواتٍ أو تزيد، بل أخذ كبراء البلاد وموظّفوها وأعيانها ومثقّفوها وخاصتها وعامتها –تحت تأثير هزيمة الثورة وتأثير الاحتلال الأنجليزي- يتنكرون للحركة الوطنية ويوالون الاحتلال، وعمل الاحتلال من جانبه على توطيد هذه الحالة النفسية.
غير أنّه في ظلّ هذه الحالة من الاستسلام والتنكر للحركة الوطنية كان هناك وميضٌ يظهر ويختفي معلنًا بأنّ هناك عرقًا ينبض في هذا الجسد المسجى، ألا وهو الصحافة المصرية التي تعرضت للإلغاء والتعطيل نتيجة حملتها على الاحتلال والحكومة المستسلمة له، ثم حمل لواء هذه المعارضة (جريدة المؤيّد) لصاحبها الشيخ علي يوسف التي ظهرت في عهد وزارة رياض، وقامت بدورٍ محمودًٍ في بعث الحركة الوطنية، كما كان لـ (جريدة العروة الوثقى) التي كان يصدرها بباريس الإمامان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده بداية من 13 مارس 1884م دورها في مقاومة الاحتلال، حيث نجحت في تهييج الأفكار ضد السياسة البريطانية، لكن مُنعت هذه الجريدة من دخول مصر والسودان والهند بحجة أنها مهيجة للأفكار، فتوقّفت عن الصدور، ولم يتجاوز ما نشر منها ثمانية عشر عددًا، ثم تجددت المعارضة الصحفية القومية ضد الاحتلال بظهور (مجلة الأستاذ) للسيد عبد الله النديم (خطيب الثورة العرابيّة) وقد صدرت هذه الجريدة في أغسطس 1891م، ولكن لم تلبث أنْ توقّفت وأبعد النديم عن مصر لنزعته الوطنية.
ثانيًا: يقظة الحركة الوطنية عقب تولية عبّاس حلمي الثاني في 8 يناير 1892م:
وفي هذه المرحلة حدثت تغيراتٌ اجتماعيةٌ وفكريةٌ نتج عنها ظهور اتجاهٍ عامٍّ وطنيّ لمقاومة الاحتلال، حيث أخذت طبقىة المثقّفين في مصر تنمو نموًّا سريعًا ممّا أسفر عن رفض الواقع الاحتلالي، الذي حرمهم في بلادهم من الوظائف الكبرى التي اقتصرت على الأوربيين، ممّا دفعهم تلقائيًّا إلى الاشتراك في الحياة السياسية وفي الحركة الوطنية التي انتشرت مفاهيمها انتشارًا جذب طلّاب المدارس إلى الاشتغال بالسياسة.
وسوف أتعرّض في السطور التالية لأبرز الأحداث والحركات والثورات الوطنية التي أسهمت في إجلاء الاحتلال البريطاني عن مصر:
أولا: جهود الزعيم مصطفى كامل الوطنية (1874- 1908م):
كان مصطفى كامل ثمرة كفاح جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وأحمد عرابي وغيرهم، وإنْ شئت فقل ثمرة كفاح النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فقد ولد في 14 أغسطس 1974م وشهدت طفولته مجيء جمال الدين الأفغاني إلى مصر وتطوّر الوعي السياسي بها على يديه، كما شهدت فترة صباه الثورة العرابية وفشلها، وعاش فترة شبابه المبكر وشهد آثار اليأس المدمر الذي أصاب نفوس المصريين عقب الاحتلال الانجليزي عام 1882م، فأخذ يبعث الأمل في نفوس المصريين بكلماته الخالدة: «لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة».
وقد اعتمد مصطفى كامل في كفاحه لإحياء الشعور الوطني والعمل على إجلاء الاحتلال على مجالين: مجال خارجي، ومجال داخلي، أما المجال الخارجي فاعتمد فيه على إبراز القضية المصرية في المحافل الدولية والصحافة الأوربية، لاسيما الصحافة الفرنسية؛ ففرنسا كانت تحقد على الوجود الإنجليزي في مصر، وحاولت غير مرة إثارة العراقيل في وجه بريطانيا وأصرّت على مطالبتها بتحديد موعدٍ للجلاء عن مصر، وأصرّت كذلك على بقاء امتيازاتها في مصر، كما ناصرت فرنسا حركة مصطفى كامل وساعدته على نشر مقالاته على صحفها وإلقاء محاضراته في محافلها[11].
كما اعتمد أيضًا في مجال الكفاح الخارجي على مناصرة حركة الجامعة الإسلامية لصالح مصر، فكان يرى أنّ المحافظة على العلاقة مع العثمانيين فيها ردٌّ لأطماع الأوربيين وعاملٌ مساعد من الناحية القانونية؛ فمصر من الناحية القانونية كانت ما تزال حتى بداية الحرب العالمية الأولى تابعةً للدولة العثمانية وولايةً من ولاياتها، وقد حاول الانجليز شراء هذا الحقّ القانوني لتسقط هذه التبعية، لكن مصطفى كامل حاول الاستفادة من هذا الوضع؛ لأنّه كان يرى أنّ مصر بمفردها لا تستطيع إخراج الإنجليز دون معونة الدول الإسلامية وخاصة تركيا، فكان يودّ أنْ يظل محافظًا على التبعية العثمانية إلى أنْ يتمكّن المصريون من إخراج الاحتلال الإنجليزي، ثم بعد ذلك يكون السعي للاستقلال عن الدولة العثمانية[12].
ولكن بعد إعلان الاتفاق الودي بين إنجلترا وفرنسا سنة 1904م والذي بموجبه تعهدت الحكومة الفرنسية من جانبها بألّا تعرقل عمل إنجلترا في مصر لا بطلب تحديد أجل للاحتلال البريطاني، ولا بأيّ صورةٍ أخرى، مقابل التزام الحكومة البريطانية بألّا تعرقل عمل فرنسا في الجزائر والمغرب، بما يعني إقرار فرنسا للاحتلال البريطاني في مصر، هنا أدرك مصطفى كامل أنّ معارضة فرنسا للوجود البريطاني في مصر كان نوعًا من المساومة لتعويض فرنسا عما فقدته في مصر[13].
ومن ثَمّ كثّف مصطفى كامل جهوده الداخلية، فسعى لنشر الوعي الوطني في مصر لإيقاظ المصريين، كما طالب بإدخال الدين في التعليم، وأسّس نادي المدارس سنة 1906م وجمع فيه صفوة المثقّفين في مصر الذين تشربوا مبادئه، وتشبّعوا بتعاليمه من أجل خدمة الوطن، وبذلك سرت روح الوطنية بين الطبقة المثقفة من الأمة، كما أنشأ مصطفى كامل الحزب الوطني (حزب الجلاء) في سنة 1907م وسعى لجمع الأحرار تحت لواء هذا الحزب للاستفادة منهم في الضغط على الاستعمار [14].
جدير بالذكر أنّه في سنة 1906م وقعت أحداث أسهمت في بعث الشعور الوطني في مصر، كما دفعت مزيدًا من المصريين للاشتغال بالسياسة، والكفاح ضد الاحتلال، ومن ثم حق القول بأنّ عام 1906م كان ذروة الحركة الوطنية ضد الاحتلال الانجليزي. لعلّ من أبرز هذه الأحداث: إضراب طلبة الحقوق[15]، وحادثة العقبة أو طابا[16]، وحادثة دنشواي التي وقعت في 13 يونيه 1906م، وقد كان مقدرًا لهذه الحادثة أنْ تهزّ مصر كما لم يهزها حادث، كما كان مقدرًا لهذا الحادث أنْ ينزل اللورد كرومر من فوق عرشه، وأنْ يرتفع بمصطفى كامل إلى الذروة.
وتتلخص الحادثة في قيام ضباط إنجليز برحلةٍ لصيد الحمام في قرية دنشواي - من قرى المنوفية - وكان ذلك وقت حصاد محصول القمح، وعلى الرغم من تحذير أحد الفلاحيين للظباط بعدم إطلاق النار حتى لا يحترق محصول القمح، لكن الضباط لم يعبأوا بهذا التحذير وأصرّوا على إطلاق الرصاص ممّا تسبب في مقتل إمرأةٍ مصريةٍ من أهالي القرية، فهاج عليهم الأهالي ضربًا، وطاردوهم ومات أحد الجنود الانجليز بضربة شمس، لكن الإدارة البريطانية انتقمت أشد الانتقام وأحالت اثنين وخمسين من المصريين إلى المحاكمة فضلًا عن محاكمة سبعة غيابيًّا، وانتهت المحاكمة الصورية بشنق أربعة مصريين، ومعاقبة اثني عشر مصريًّا بالأشغال الشاقّة بمددٍ متفاوتةٍ، وجلد خمسة أشخاص[17].
لقد ألهبت حادثة دنشواي الحركة الوطنية وزادت السخط على بريطانيا، والتزمر من سياستها، وأظهرت الوجه الظالم والقبيح للاحتلال، وندّد الوطنيون بزعامة مصطفى كامل في الصحف الغربية بفظاعة الحكم وظلم الاحتلال، وقد وصل صوتهم إلى المحافل الدولية والبرلمانية في أوروبا، وقد وجدت هذه الاستغاثات آذانًا صاغيةً من رجال الساسة البريطانيين، وكان من أكبر الانتصارات للقضية المصرية كسب المفكرين الأحرار في بريطانيا وعلى رأسهم الكاتب الساخر برنارد شو (George Bernard Shaw) الذي حارب الاحتلال البريطاني في عقر داره، ورغم نجاح مصطفى كامل والوطنيون من خلفه في عرض الظلم البريطاني للمصريين بصورة جيدة، إلا أنّ التعاطف مع القضية المصرية كان لأسبابٍ إنسانيةٍ وليس سياسية، ممّا جعل مردود هذا التعاطف وتأثيره ضعيفًا في قضية هي بالدرجة الأولى سياسية[18].
لقد كان للحراك الوطني في أعقاب حادثة دنشواي أثره في دفع الإدارة البريطانية لتعديل سياستها في مصر - وإنْ كان هذا التعديل تدريجيًّا كعادة بريطانيا في الأمور السياسية - حيث قررت الاستغناء عن اللورد كرومر في مصر بعد أنْ قررت أنْ تضحّي بشخصه على أنْ تضحي بمصالحها، وعيّنت بدلًا منه القنصل جورست (Eldon Gorst/1907- 1911م)، كما أعيد النظر في أمر مسجوني دنشواي وأطلق سراحهم سنة 1908م، بالإضافة إلى ذلك قررت الإدارة البريطانية إسناد بعض المناصب الكبيرة للمصريين في محاولةٍ لتهدئة الخواطر الثائرة. وفي الحقيقة كان إعفاء كرومر من منصبه انتصارًا كبيرًا للحركة الوطنية، فقد ظلّ يشغل هذا المنصب مدة أربع وعشرين سنة كان في خلالها الحاكم المطلق لمصر، فلا شك في أنّ إقصائه عن هذه السلطة بعد هذه المدة الطويلة بمنزلة اعتراف بقوة الحركة الوطنية وتأثيرها[19].
وظلّ مصطفى كامل يكافح في سبيل استقلال مصر حتى وهو على سرير المرض، فأرسل قبيل وفاته بخمسة أيام احتجاجًا قويًّا ضدّ تصريحات أدلى بها السير إدوارد جراي (Edward Grey) في مجلس العموم البريطاني، اتّهم فيها المصريين بعدم الكفاية للحكم الذاتي، فرد عليه مصطفى كامل بأنّ مصر تماثل في الاستعداد للحكم الذاتي كثيرًا من الأمم الأوروبية، وأنّها ستظلّ تجاهد في سبيل حرّيتها واستقلالها، وفي 10 فبراير 1908م فاضت روح مصطفى كامل إلى بارئها، ليتولّى من بعده محمد فريد قيادة الحركة الوطنية المصرية.
ثانيًا: جهود الزعيم محمد فريد الوطنية (1868- 1919م)
بعد وفاة مصطفى كامل اجتمعت الجمعية العمومية للحزب الوطني لاختيار محمد فريد رئيسًا للحزب – كما أوصى مصطفى كامل قبل وفاته فبدأ رئاسته للحزب بتوجيه برقية إلى وزير خارجية إنجلترا احتجاجًا على الاحتلال البريطاني لمصر[20]، وقد حمل فريد أعباء الزعامة بكلّ همةٍ وصبرٍ وشجاعةٍ وإخلاصٍ وتضحية، وكان من أبرز جهود محمد فريد في سبيل رفع الظلم عن المصريين، والتنديد بالاحتلال والسعي لإجلائه عدة أمور، لعل من أبرزها:
المطالبة بإلغاء المحكمة المخصوصة التي أنشأت لمحاكمة من يُتهم من الأهالي بالتعدي على ضباط وجنود جيش الاحتلال الإنجليزي.
رفضه لمشروع مدّ امتياز قناة السويس من عام 1921 حتى 1968م وكتابة عددٍ من المقالات نشرت في جريدة اللواء تبيّن مدى الغبن الذي يصيب مصر من وراء هذا المشروع، كما وجّه عددًا من الخطابات إلى عبّاس حلمي الثاني خديوي مصر، إلى الأمير حسين كامل رئيس الجمعية العمومية، بغرض إيقاف هذا المشروع.
كما دعا محمد فريد إلى مؤتمر بروكسل عام 1910م، وقد حضر هذا المؤتمر عددٌ كبيرٌ من رجال السياسة والاقتصاد والأدب في أوروبا، وكان يهدف من هذا المؤتمر عرض الصورة الحقيقية لمعاناة المصريين تحت وطأة الاحتلال، والتأكيد على أنّ المصريين لن يتنازلوا عن حقهم في الاستقلال.
وقد اضطهد محمد فريد وسجن في سبيل مواقفه ودفاعه عن قضية بلاده؛ ممّا اضطرّه إلى الهجرة، حتى توفي في 15 نوفمبر 1919م، ببرلين ودفن بها، ولم ينقل رفاته إلى مصر إلّا في يونيه 1920م، بعد أنْ عاش حياةً مليئةً بالشدائد تحملها في ثبات منقطع النظير.
ثالثًا: ثورة 1919م قمة اليقظة الوطنية
عقب قيام الحرب العالمية الأولى 1914م، وإعلان بريطانيا الحماية السافرة على مصر، عدّت إنجلترا نفسها مصدر ولاية عرش مصر؛ ففي اليوم التالي لإعلان الحماية (19 ديسمبر 1914م) أعلنت خلع الخديو عبّاس الثاني الذي كان في زيارةٍ لتركيا، وعيّنت مكانه الأمير حسين كمال بن إسماعيل، ومنحته لقب سلطان مصر، ولما توفّي السلطان حسين في 9 أكتوبر 1917م اختارت إنجلترا أخاه الأمير أحمد فؤاد سلطانًا على مصر، وقررت أنْ يكون حكم مصر وراثيًّا في أسرته، وتبع ذلك حرمان مصر من الاتصال بالدول بغير وساطة الممثّل البريطاني، وفي 18 أكتوبر 1914م صدر مرسوم إنجليزي بتعطيل الجمعية التشريعية التي استمرت معطلة حتى صدور دستور 1923م، وفي 2 نوفمبر 1914م تم إعلان الأحكام العرفية التي استمرت هي الأخرى حتى عام 1923م.
هكذا عاشت مصر إبّان الحرب العالمية الأولى تحت الإرهاب الإنجليزي حيث كبتت الروح الوطنية بالقوة العسكرية، وكان مصير الوطنيين السجن أو النفي، هذا فضلًا عما فرضته ظروف الحرب من اتخاذ مصر قاعدةً حربيةً للحلفاء في الشرق الأوسط، وتدفّقت القوات المسلحة على البلاد من جميع أجزاء الإمبراطورية البريطانية ممّا كان له أثرٌ كبيرٌ في نشر الفوضى في البلاد لاعتدائهم المستمر على الأهالي، كما اشتركت القوات المصرية في الدفاع عن قناة السويس، واشتركت قواتٌ مصريةٌ أخرى في القتال على حدود مصر الغربية حين تعرّضت مصر لهجومٍ من ناحية ليبيا، بالإضافة إلى ذلك تم تسخير موارد البلاد الزراعية والصناعية والتجارية والبشرية لخدمة المجهود الحربي للإنجليز وحلفائهم، وقد كان لهذه التصرفات القاسية أكبر الأثر في تعبئة الشعور القومي ضد الاحتلال، هذا الشعور الذي انفجر بعد الحرب في ثورة 1919م[21].
وفي الحقيقة لم يكن شظف العيش والبؤس والمصادرة والسخرة والاستيلاء هي وحدها سبب الثورة، فهذه الأشياء يمكن أنْ يتحملها المصريون بشرط أنْ يكون الاحتمال لتحقيق غايةٍ وطنيةٍ أو فكرةٍ إنسانية، ولكن في مصر لم يكن الاحتمال إلّا لأجل أنْ تكسب إنجلترا الحرب فتكبّل مصر في أغلال العبودية الأبدية، وتسيطر إنجلترا على دولة الخلافة العظمى، وتجعل أراضيها نهبًا للطليان والروس، وترتفع رايات الإنجليز والفرنسيين في بيت المقدس وبغداد ودمشق والقسطنطينية، وتفتح أراضي فلسطين لسكنى اليهود في وطن قومي. إنّ مصر لم تغضب للمصادرة والسخرة بقدر ما غضبت لما وراء المصادرة والسخرة، غضبت لكرامتها وعزتها، غضبت لتسخيرها وهي الوطن المجيد لأغراض غير أغراض أهله، لأغراض الاستعمار[22].
لقد كان في مصر ذخيرةٌ من الوطنية جعلتها مستعدةً للثورة، فإنّ لجهاد الحزب الوطني وزعمائه وأنصاره منذ عام1890م أثرًا كبيرًا في قيام الثورة سنة 1919م، وذلك بما غرسوا في النفوس على تعاقب السنين من روح الجهاد الخالص لله والوطن، فالثورات ليست حركاتٍ ميكانيكية تظهر فجأة، بل هي حوادث اجتماعية تتمخض عنها حياة الشعوب تبعًا لدرجة استعدادها وتقدمها، ونتيجة لسريان روح الوطنية في نفوس أبنائها، فالكفاح الوطني السابق على سنة 1919م هو الذي مهّد للثورة وأشعل جذوتها[23].
مقدمات الثورة:
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في 11 نوفمبر 1918م تطلع العالم كلّه إلى بزوغ فجرٍ جديدٍ يبشّر بالحرية والاستقلال، ومن هنا رأى فريقٌ من الزعماء الوطنيين أنْ يرفع صوت مصر في مؤتمر الصلح الذي عزمت الدول على عقده في فرساي – إحدى ضواحي باريس- وتزعم حركة الجهاد سعد زغلول باشا الذي كان حينذاك وكيلًا منتخبًا للجمعية التشريعية، واتفق سعد زغلول مع زميليه علي شعراوي باشا وعبد العزيز فهمي بك على الذهاب إلى دار الحماية البريطانية ليطلبوا إلى المعتمد البريطاني الترخيص لهم بالسفر إلى لندن، لمباحثة الحكومة الإنجليزية في مطالب مصر، لكن طلبهم قوبل بالرفض، غير أنّ سعد زغلول وأصحابه عقدوا العزم على تأليف وفدٍ للذهاب إلى فرساي، ولكن كان على الوفد أنْ يثبت لنفسه حق التحدث باسم الشعب المصري، لذلك وُضعت صيغة توكيلٍ من جميع طبقات الشعب وطوائفه، وجوهر هذا التوكيل أنّ هذا الوفد ممثّلٌ للمصرين في المطالبة باستقلال مصر التام، وأنّه ليس لأحدٍ من أعضاء الوفد أنْ يخرج عن حدود هذه الوكالة[24].
وقد أقبل المصريون في شغفٍ وحميةٍ على توقيع هذه التوكيلات، كما لقيت هذه الحركة تأييدًا من رئيس الوزراء حينذاك حسين رشدي باشا الذي أراد أنْ يسام في نجاحها؛ فتقدّم باستقالته في أول مارس 1919م، حينما رفض السلطان فؤاد سفره إلى لندن[25].
إنفجار الثورة
بعد استقالة حسين رشدي من رئاسة الوزراء لم يتمكن القصر وسلطات الاحتلال من تشكيل حكومةٍ أخرى لرفض الوطنيين مساعداتهم دعمًا لموقف رشدي الوطني، عندئذٍ رأى قائد القوات البريطانية أنْ يأخذ الأمر بالعنف والشدة، فأنذر سعد زغلول وصحبه بتطبيق الأحكام العرفية عليهم، ثم ألقى القبض على سعد وثلاثة من أعضاء الوفد ونفاهم إلى جزيرة مالطة، وقد خدمت تلك التصرّفات الغاشمة الحركة الوطنية؛ لأنّها أدّت إلى إنفجار الشعور المكبوت، وكان هذا الحادث بمنزلة الشرارة التي أشعلت نيران الثورة، وسرعان ما انتشرت وعمّت أنحاء القطر المصري واشتركت فيها جميع عناصر الشعب وطوائفه، فقد بدأت الثورة في 9 مارس ولم يأت يوم 15 مارس، حتى كانت قد عمّت أنحاء القطر المصري، فاشتعلت الثورة في القاهرة، وأضرب المحامون والطلبة، وقامت مظاهراتٌ شعبيةٌ انتشرت في الأقاليم، وتم قطع السكك الحديدية وأسلاك البرق، وكانت مواكب الثوار تخترق الشوارع يوميا مرددة (تحيا مصر، تحيا الحرية، تسقط الحماية)، غير مباليةٍ برصاص الإنجليز الذي كان يترصد للثوار في كلّ مكان، بل إنّ القسوة التي استخدمها الإنجليز في قمع المظاهرات كانت من أسباب حدّة الثورة وازدياد اشتعالها[26].
وقد اضطرّت بريطانيا أمام هذه الثورة العارمة إلى الإفراج عن سعد زغلول وصحبه في السابع من أبريل 1919م، وإباحة السفر للمصريين[27]، وألّف حسين رشدي باشا وزارته الرابعة في التاسع من أبريل بعد أنْ ظلّت البلاد دون حكومة منذ استقالته[28]، كما سافر الوفد المصري إلى باريس لعرض قضية المصريين على مؤتمر الصلح، ولكن ما لبث الوفد أنْ خاب أمله في المؤتمر؛ حيث اعترف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (ويلسون) بالحماية، وفي معاهدة فرساي (مايو 1919) اعترفت ألمانيا بالحماية أيضًا، عندئذٍ أدرك المصريون أنّ مؤتمرات الدول الكبرى ماهي إلّا مؤتمرات تدبّر لاقتسام الشعوب الصغيرة، فقرروا الاعتماد على أنفسهم والاستمرار في ثورتهم وكفاحهم، وعاد اضطهاد الإنجليز أقبح ممّا كان وتعرضت القرى والمدن الثائرة لاعتداء الجنود الإنجليز من غير وازعٍ ولا ضمير، وبدأت المحاكم العسكرية التي حكمت بالإعدام على عددٍ كبيرٍ من المواطنين، وزجّت في السجون مئات من مختلف الطوائف، كما تم تشكيل حكومةٍ جديدةٍ برئاسة محمد سعيد باشا في مايو 1919م[29].
وأمام استمرار ثورة المصريين لجأت الحكومة البريطانية إلى سياسة الملاينة، فأرسلت في سبتمبر 1919م، لجنةً برئاسة اللورد ملنر (Alfred Milner) وزير المستعمرات البريطانية (وهو من رجال الاحتلال القدماء كان مستشارًا ماليًّا للحكومة المصرية عام 1894م، وألف كتاب بعنوان (إنجلترا في مصر England in Egypt)، الذي يُعدّ من المراجع المهمة في سياسة الاحتلال[30]، ولكن المصريين جميعًا قاطعوا هذه اللجنة، وقامت المظاهرات احتجاجًا على قدومها، فاضطرّت الحكومة البريطانية إلى استدعاء الوفد المصري في باريس، وبالفعل سافر الوفد إلى لندن، وبعد المباحثة توصّل المتفاوضون إلى مشروع معاهدة قرر الوفد عرضه على الشعب – تثبيتًا لمبدأ الأمة مصدر السلطات - فوجد المشروع من جميع الهيئات والطبقات والطوائف معارضةً، وتم النظر إلى المشروع على أنّه حماية مقنعة[31].
وعندما لم تنجح المباحثات مع الوفد المصري، رأت الحكومة الإنجليزية التفاوض مع الحكومة المصرية التي كان يرأسها حينذاك عدلي يكن باشا، فسافر على رأس وفدٍ رسميّ إلى لندن – بعد امتناع سعد زغلول عن السفر معه - ولكنّه لم يصل إلى نتيجةٍ يمكن قبولها، فاستقالت وزارة عدلي في ديسمبر 1921م، وعادت الثورة من جديد، وقابلتها السطات البريطانية بالشدة والعنف، فألقت القبض على سعد زغلول مع خمسة من أعضاء الوفد، ونفتهم إلى سيشل، ثم نفوا سعدًا بمفرده إلى جبل طارق، عندئذٍ اشتدت الحركة الوطنية وتألّفت الجمعيات السرية بقصد المقاومة المسلحة، وأحجم رجال السياسة عن قبول تأليف الوزارة، وعندئذٍ اضطرّت الحكومة البريطانية إلى إصدار تصريح 28 فبراير 1922م[32].
وكان من أهم بنود تصريح 28 فبراير[33]:
أنّ الحماية البريطانية على مصر قد انتهت وأصبحت مصر بذلك دولةً مستقلةً ذات سيادة.
إلغاء الأحكام العرفية التي أعلنت في 2 نوفمبر 1914م.
تحتفظ الحكومة البريطانية بتأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية في مصر، والدفاع عن مصر ضد كلّ اعتداءٍ أو تدخّلٍ أجنبي، وحماية المصالح الأجنبية في مصر وحماية الأقليات، وحرية التصرّف في كلّ ما يخصّ السودان من قبل الحكومة البريطانية.
وهكذا انتهت ثورة 1919م، بنجاحٍ جزئي؛ حيث تم إلغاء الحماية على مصر، وحازت على الاعتراف بسيادتها، كما تم إعلان الدستور، والحياة النيابية، لكنّها فشلت في تحقيق الجلاء ووحدة وادي النيل، وعلى أساس ذلك تألّفت حكومة عبد الخالق ثروت في أول مارس 1922م[34]، وتشكّلت لجنة الثلاثين من كبار رجال القانون لوضع الدستور، وأعلن الملك فؤاد الأوّل استقلال البلاد وتحويل السلطنة إلى مملكة في 15 مارس 1922م، واتّخذ لنفسه لقب ملك مصر.
وقد أحرز حزب الوفد أغلبيةً ساحقةً في انتخابات 1924م، التي أجريت حسب ما جاء في مواد دستور 1923م، وبناءً على ذلك شكّل سعد زغلول أوّل وزارةٍ برلمانيةٍ عُرفت (بوزارة الشعب) في يناير 1924م، وافتتحت جلسات أوّل برلمان مصري في 15 مارس 1924م، لكن اغتيل السير لي ستاك (Lee Stack) سردار الجيش المصري وحاكم السودان (1917- 1924م) في نوفمبر 1924م، فقدّم المندوب السامي البريطاني اللورد أللنبي (Allenby) إنذاره للحكومة المصرية في 22 نوفمبر 1924م، هذا الإنذار الذي اعترض عليه سعد زغلول، وقدّم استقالته في 23 نوفمبر 1924م، فألّف أحمد زيرو باشا –رئيس مجلس الشيوخ- وزارةً جديدةً قبلت المطالب البريطانية التي جاءت في الإنذار البريطاني، ومنها سحب الجيش المصري من السودان[35].
وتتابعت الأحداث بعد ذلك، فقد شهدت الفترة بين ثورة 1919م، وثورة 1952م، صراعًا بين قوى ثلاث: الوفد بصفته أكبر الأحزاب السياسية في مصر، والإنجليز والقصر. وقد تركزت القضية الوطنية خلال هذه الفترة حول مسألتين هما: جلاء القوات البريطانية عن مصر ووحدة وادي النيل، وكان الإسلوب الذي اتبعه القادة المصريون سواء من الوفديين أم غيرهم لتحقيق المطالب الوطنية هو أسلوب التفاوض. وقد حدثت أحداث مهمة خلال هذه الفترة كان من أهمها توقيع معاهدة 1936م.
وتعدّ معاهدة 1936م، حلقةً من حلقات القيود التي أحكمتها بريطانيا على مصر؛ فعلى الرغم من نصّ المعاهدة على إنهاء الاحتلال فإنّ القوات البريطانيا بقيت في الأسكندرية ومنطقة القناة بحجّة معاونتها في الدفاع عن مصر، وسمح بزيادة عددها في الحرب أو خطر الحرب، كما أقامت المعاهدة تحالفًا أبديًّا بين مصر وإنجلترا، ولكن الشروط العسكرية الواردة في المعاهدة كلّها جاءت لصالح إنجلترا، إذ جعلت موانئ مصر ومطاراتها وطرق المواصلات فيها تحت تصرف القوات البريطانية في حالة خطر الحرب أو خشية وقوع طوارئ دولية. وعلى الرغم من أنّ المعاهدة أقرّت عودة الجنود المصريين إلى السودان فإنّ السودان أصبحت بموجب هذه المعاهدة مستعمرةٌ إنجليزيةٌ يحرسها جنود مصريون تحت إمرة حاكمها العام البريطاني، إذ أبقت المعاهدة السلطة العسكرية والمدنية العليا في يد الحاكم العام البريطاني، أمّا ما ورد بخصوص إلغاء الامتيازات الأجنبية، فقد كان ذلك مرهونًا بالاتفاق مع الدول صاحبة الامتيازات[36].
وسرعان ما تكشفت حقائق معاهدة 1936م للأمة المصرية التي ظلّت تعمل وتناضل للتخلّص منها، وقد نجحت الأمة في تحقيق أملها عندما قامت حكومة الوفد برئاسة مصطفى النحّاس باشا بقطع المفاوضات بين الحكومتين المصرية والبريطانية بعد أنْ اتّضح عدم جدواها، وبعد أنْ استطالت نحو تسعة عشر شهرًا (مارس 1950- سبتمبر 1951م)، وتشدّدت بريطانيا خلال هذه المفاوضات أكثر من ذي قبل، حيث تمسّكت ببقاء قوات بريطانية في مصر حتى في وقت السلم، ولم تعد تعترف بصلاحية عبارتي الجلاء ووحدة وادي النيل كأساس للاتفاق، عندئذٍ أعلن النحّاس باشا في 8 أكتوبر 1951م إلغاء معاهدة 1936م، واتفاقية 1899م بشأن السودان[37]، ثم قامت ثورة 23 يوليو 1952م التي نتج عنها تحقيق الاستقلال التام وإجلاء الانجليز، حيث اضطرّت بريطانيا إلى توقيع اتفاقية الجلاء عن مصر في 19 أكتوبر 1954م وفيها اعترفت بريطانيا بإنهاء معاهدة 1936م وتعهدت بإجلاء قواتها عن مصر خلال عشرين شهرًا[38].
وبهذا يتضح أنّ الحراك الشعبي ضد الاحتلال الانجليزي كان ظاهرًا بصورٍ كبيرةٍ جدًا من خلال السعي بكلّ السبل للحصول على الحرية والتخلّص من الاحتلال، فلم يرهب المصريين قسوة التعامل من جانب المحتل، فقد مضوا في تحقيق هدفهم غير مبالين بالويلات التي لاقوها في سبيل تحقيق حريتهم، وقد حقق المصريون ما أرادو بعد جهادٍ طويلٍ استمر منذ عام 1882م، حتى عام 1956م.
المصادر والمراجع
أحمد عبد الرحيم مصطفى، تاريخ مصر السياسي من الاحتلال إلى المعاهدة، دار المعارف، القاهرة، 1967م،
السيد محمد الدقن، دراسات في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، 2004م.
عبد الله عبد الرازق إبراهيم، وشوقي الجمل، تاريخ مصر والسودان الحديث والمعاصر، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997م.
شوقي أبو خليل، أطلس التاريخ العربي الإسلامي، ط12، دار الفكر، دمشق، 2005م.
عبد الرحمن الرافعي، محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية، ط4، دار المعارف، 1984م.
عبد الرحمن الرافعي، مصر المجاهدة في العصر الحديث، جـ 5، مصدر سبق ذكره، ص 146، مؤسسة الأهرام مركز الوثائق والبحوث التاريخية لمصر المعاصرة.
مكي الطيب شبيكة، بريطانيا وثورة سنة 1919 المصرية، جامعة الدول العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية، دار نافع للطباعة، 1976م.
عبد العظيم محمد رمضان، تطور الحركة القومية في مصر من سنة 1918 إلى سنة 1936، ط2، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1983م.
عبد الرحمن الرافعي، مصر المجاهدة في العصر الحديث، جـ4، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1958م.
أسامة خفاجة، واقع مصر تحت النفوذ الانجليزي، مطبعة الجيزة، 1976م.
عبد الرحمن الرافعي، مصر المجاهدة في العصر الحديث، جـ5، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1959م.
عبد الرحمن الرافعي، مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال.
عبد الرحمن الرافعي، مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، طـ5، دار المعارف، 1984م.
عبد العزيز محمد الشناوي، في أعقاب الاحتلال البريطاني لمصر، تكتل الدول لتدويل قناة السويس نكاية في بريطانيا، مجلة كلية الآداب- جامعة القاهرة، المجلد 23، الجزء1، 1961م.
عواطف عبد الرحمن، نجوى كامل، تاريخ الصحافة المصرية دراسة تاريخية معاصرة، العربي للنشر.
فطين أحمد فريد علي، الجيش المصري بين التمصير والسيطرة البريطانية، من تصريح 28 فبراير 1922 إلى أزمة الجيش 17 يونيه 1927م، مجلد 43، المجلة التاريخية المصرية، 2005م.
محمد حسنين هيكل، عبد الناصر والعالم، المجلد 1، ط 1، دار النهار للنشر، القاهرة، 1972م.
كاظم وادي خشان، رأي الشيوعية في اتفاقية الجلاء وصفقة الأسلحة (1954- 1955)، المجلة الدولية أبحاث في العلوم التربوية والإنسانية والآداب واللغات، جامعة البصرة، مجلد 2، العدد5، يونيو 2021م.
محمد شفيق غربال، تاريخ المفاوضات المصرية البريطانية، جـ1، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1952م.
محمد عمارة، الجامعة الإسلامية والفكرة القومية نموذج مصطفى كامل، طـ1، دار الشروق، 1994م.
----------------------------------------
[1]. مدرّس مادة التاريخ بجامعة الأزهر- مصر
[2]. الشناوي، عبد العزيز محمد، في أعقاب الاحتلال البريطاني لمصر: تكتل الدول لتدويل قناة السويس نكاية في بريطانيا، المجلد 23، ج1، ص 11- 12.
[3]. المرجع نفسه، ص 12- 13.
[4]. الرافعي، عبد الرحمن، مصر المجاهدة في العصر الحديث، ج4، ص 173؛ أسامة خفاجة، واقع مصر تحت النفوذ الانجليزي، ص 210- 211.
[5]. توافق تقرير دورفين مع مشورة المستشار الألماني بسمارك، بعدم ضم مصر للإمبراطورية البريطانية، وكذلك عدم إعلان الحماية البريطانية عليها، بل إبقاء السيادة العثمانية على مصر مع العمل على تثبيت دعائم الاحتلال، وكانت وجهة نظر بسمارك في المحافظة على السيادة العثمانية على مصر هي وجوب عدم الإضرار بمركز السلطان العثماني في العالم الإسلامي، كما أنّ هذه السياسة تجعل السلطان العثماني يتردد –إنْ لم يحجم- عن الانضمام إلى فرنسا وغيرها من الدول المعادية لبريطانيا. الشناوي، عبد العزيز محمد، مرجع سبق ذكره، ص 14.
[6]. الرافعي، عبد الرحمن مصر المجاهدة في العصر الحديث، ج 4، ص 165- 166، 168.
[7]. المرجع نفسه، ص 173- 177.
[8]. المرجع نفسه، ص 177؛ الرافعي، عبد الرحمن، مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، ص91.
[9]. الرافعي، عبد الرحمن: مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، ص173.
[10]. المرجع نفسه، ص174- 75.
[11]. الرافعي، عبد الرحمن: مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، ص 59- 64.
[12]. محمد عمارة: الجامعة الإسلامية والفكرة القومية نموذج مصطفى كامل، ص 91- 91، 101- 102.
[13]. الرافعي، عبد الرحمن: مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، ص 179- 180
[14]. المرجع نفسه، ص 196- 199، 263- 270.
[15]. في فبراير 1906م قام طلاب مدرسة الحقوق الخديويّة بعمل إضراب على أثر النظام الذي وضعه دنلوب (السكرتير العام لنظارة المعارف)، الذي كان من شأنه تضييق حرية طلبة مدرسة الحقوق، ومعاملتهم معاملة المدارس الثانوية والابتدائية، وقد شهد بهذا ناظر مدرسة الحقوق إدوارد لامبير عقب استقالته في 1907م احتجاجًا على سياسة دنلوب قائلًا: «إنّ المستر دنلوب وضع لهؤلاء الطلبة الذين بلغوا سن الرجال نظامًا من النظامات الموضوعة لصغار التلاميذ الابتدائية، وأخذ يعاملهم بقسوة متناهية .... فكانت نتيجة ذلك أن انضمّ للحزب المعارض للإنجليز فئة متعلمة راقية، وأن يسود على أفئدة الشبيبة الحقد والبغض للإدارة الإنجليزية، وأن تتحول مدرسة الحقوق إلى معقل للوطنية المصرية، بحيث لا تكاد ترى من بين الأربعمائة تلميذ الموجودين الآن في المدرسة عشرة لا يؤمنون كلّ الإيمان بمبادئ مصطفى كامل باشا». والجدير بالذكر أنّ بقية المدارس العليا أضربت بدورها تضامنًا مع طلبة مدرسة الحقوق. آمال سعد زغلول: المثقفون المصريون ودورهم في ثورة 1919م في الفترة مابين (1918- 1922م)، ص98.
[16]. في مايو عام 1906، اعتزم العثمانيون مدّ سكةٍ حديديةٍ من معان إلى العقبة، ممّا أثار حفيظة الإنجليز الذين عدّوا وصول السكك الحديدية العثمانية إلى العقبة سيشكل منافسًا لقناة السويس في الشحن بين الشرق والغرب. فأرسلت بريطانيا ضابطاً كبيراً عهدوا إليه وضع نقط عسكرية على طول الخط من العريش إلى العقبة، بوصفها من أملاك مصر، ولكن الجنود الأتراك احتلوا موقع طابا على بعد ثمانية أميال غربي العقبة، قام لذلك خلاف شديد بين تركيا وإنجلترا، ظهرت فيه بمظهر الدولة الحامية لمصر، إذ طالبت إنجلترا تركيا باسم مصر أن تجلو عن طابا، وتهددت وتوعدت كما لو كانت مصر جزءًا من أملاكها، فكان هذا المظهر من علامات الحماية التي أثارت سخط مصطفى كامل، فاستنكر موقف إنجلترا من هذه الحادثة ودعا الإنجليز إلى الجلاء عن مصر بدلاً من أنْ يتظاهروا بالدفاع عن حقوقها. الرافعي، عبد الرحمن، مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، ص 203.
[17]. أبو خليل، شوقي: أطلس التاريخ العربي الإسلامي، ص 129.
[18]. الرافعي، عبد الرحمن، مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، ص 239- 243
[19]. المرجع نفسه، ص 244- 245.
[20]. الرافعي، عبد الرحمن، محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية، ص54.
[21]. السيد محمد الدقن، دراسات في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، 2004م، ص ص 204- 205؛ وعبد الله عبد الرازق إبراهيم، الجمل، وشوقي، تاريخ مصر والسودان الحديث والمعاصر، ص 285- 286.
[22]. محمد شفيق غربال، تاريخ المفاوضات المصرية البريطانية، ج1، ص 49- 50.
[23]. الرافعي، عبد الرحمن، مصر المجاهدة في العصر الحديث، ج5، ص 137.
[24]. الرافعي، عبد الرحمن، مصر المجاهدة في العصر الحديث، ج5، مصدر سبق ذكره، ص 145- 146؛ مؤسسة الأهرام مركز الوثائق والبحوث التاريخية لمصر المعاصرة: 50 عاما على ثورة 1919م، ص 161- 167؛ محمد كامل سليم: ثورة 1919 كما عشتها وعرفتها، ص 70- 75.
[25]. الرافعي، عبد الرحمن، مصر المجاهدة في العصر الحديث، ج5، مصدر سبق ذكره، ص 146؛ مؤسسة الأهرام مركز الوثائق والبحوث التاريخية لمصر المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص 168- 169؛ محمد كامل سليم، مرجع سبق ذكره، ص75؛ مكي الطيب شبيكة: بريطانيا وثورة سنة 1919 المصرية، جامعة الدول العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية، ص 60.
[26]. الرافعي، عبد الرحمن، مصر المجاهدة في العصر الحديث، ج 5، مصدر سبق ذكره، ص 146- 157؛ عبد العظيم محمد رمضان، تطور الحركة القومية في مصر من سنة 1918 إلى سنة 1936، ص 130- 143.
[27]. أعلن الجنرال أللمبي قراراه بالإفراج عن سعد وصحبه في يوم الاثنين 7 أبريل 1919م، وقد أصدر بذلك منشورًا قال فيه: «الآن وقد عاد النظام بنجاح عظيم، فبالاتفاق مع حضرة صاحب العظمة السلطان أُعْلن أنّه لم يبق حجر على السفر، وأنّ جميع المصريين الذين يريدون مبارحة البلاد تكون لهم هذه الحرية، وقد قررت علاوة على ذلك أنّ كلًّا من: سعد زغلول باشا، وإسماعيل صدقي باشا، ومحمد محمود باشا، وحمد الباسل باشا، يطلقون من الاعتقال ويكون لهم كذلك حق السفر»، وكان أللمبي قد عُيّن في 21 مارس 1919م مندوبًا ساميًا فوق العادة في مصر والسودان. الرافعي، عبد الرحمن، ثورة 1919م، وتاريخ مصر القومي 1914- 1921، ج2، ص 11؛ محمد كامل سليم، مرجع سبق ذكره، ص 118، 123.
[28]. لم تعمر هذه الوزارة طويلًا بسبب إضراب الموظفين، حيث طلب الموظّفون من الحكومة عدم الاعتراف بالحماية، وأنْ تلغى الأحكام العرفية وتسحب الجنود الإنجليز من الشوارع والبنادر والقرى. وتشبث الموظّفون بهذا، ولم يقبلوا من رشدي وعدًا، غير أنّهم عادوا للعمل تحت تهديد السلطة العسكرية بعد استقالة رشدي باشا، وألّف محمد سعيد باشا وزارته الإدارية في مايو 1919م. محمد شفيق غربال، مرجع سبق ذكره، ص 59.
[29]. الرافعي، عبد الرحمن، ثورة 1919، وتاريخ مصر القومي 1914- 1921، ج2، مصدر سبق ذكره، ص 14- 30؛ ومحمد شفيق غربال، مرجع سبق ذكره، ص 59؛ ومحمد كامل سليم، مرجع سبق ذكره، ص 1126- 137.
[30]. مؤسسة الأهرام مركز الوثائق والبحوث التاريخية لمصر المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص 428.
[31]. المرجع نفسه، ص 431- 450؛ وعبد العظيم محمد رمضان، مرجع سبق ذكره، ص 235- 263.
[32]. محمد شفيق غربال، مرجع سبق ذكره، ص 81- 101.
[33]. المرجع نفسه، ص 103- 114؛ أحمد عبد الرحيم مصطفى، تاريخ مصر السياسي من الاحتلال إلى المعاهدة، ص 133.
[34]. الوقائع المصرية، السنة 92، العدد 21 (غير اعتيادي)، الأربعاء أول مارس 1922م، ص 1- 2.
[35]. فطين أحمد فريد علي، الجيش المصري بين التمصير والسيطرة البريطانية: من تصريح 28 فبراير 1922 إلى أزمة الجيش 17 يونيه 1927م، مجلد 43، ص 130- 138.
[36]. عبد العظيم محمد رمضان، مرجع سبق ذكره، ص 770- 803؛ ويونان لبيب رزق، السودان في المفاوضات المصرية البريطانية 1930- 1936م، ص 109- 110؛ وطارق خضر حسن محجوب، الرؤية المصرية لمسألة السودان من معاهدة 1936م حتى اتفاقية الحكم الذاتي 1953م، ص 18- 25.
[37]. عواطف عبد الرحمن، نجوى كامل، تاريخ الصحافة المصرية دراسة تاريخية معاصرة، ص 236.
[38]. محمد حسنين هيكل، عبد الناصر والعالم، ج 1، ص 95؛ كاظم وادي خشان، رأي الشيوعية في اتفاقية الجلاء وصفقة الأسلحة (1954- 1955)، ج 2، العدد5، ص 121- 122، 128- 130.