الباحث : د. عبدالقادر بوحسون
اسم المجلة : الاستعمار
العدد : 2
السنة : شتاء _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث : January / 13 / 2025
عدد زيارات البحث : 85
الملخص
سعت الإدارة الاستعمارية منذ احتلال الجزائر في (5 جويلية) تموز من عام 1830م، إلى تطبيق سياسةٍ فريدةٍ من نوعها، شملت مختلف المجالات، وكان الهدف من وراء ذلك إخضاع الجزائريين وضمان ولائهم لفرنسا من أجل تحقيق حلم (الجزائر فرنسية).
فعلاوة على السيطرة العسكرية والسياسية والاستغلال الاقتصادي عمل الاستعمار جاهدًا على جعل الجزائر قطعةً لا تتجزأ من التراب الفرنسي أرضًا ولغةً وثقافةً ودينًا، وقد أدرك قادة الاستعمار أنّه لا سبيل لتحقيق ذلك إلّا بالقضاء على مقومات الشخصية الجزائرية وعلى رأسها الدين واللغة، ومن أجل ذلك اعتمدت على التعليم كركيزةٍ أساسيةٍ وفعّالةٍ لتحقيق مسعاها الخبيث، لعلّها تخلُص إلى استعمارٍ لا يمكن محو آثاره، وذلك بتحطيم بنية المجتمع الجزائري، والقضاء على الأسس المادية والروحية التي يقوم عليها، وتحييد القيم الحضارية التي يستند إليها بمحاصرة الشعور الديني ومحاربة اللغة العربية، وإثارة النعرات القبلية تمهيدًا لتوطين المستوطنين.
ونسعى من خلال هذه الدراسة إلى توضيح معالم السياسة التعليمية الفرنسية في الجزائر من خلال التطرق إلى مفهومها وأهدافها والوسائل والطرق المعتمدة في تجسيدها، بالإضافة مواقف الجزائريين وردود الفعل تجاهها.
الكلمات المفتاحية: الاستعمار الفرنسي، استعمار الجزائر، الثورة الجزائرية، التنصير، الفرنسة. مقدّمة
لقد سعت الإدارة الفرنسية الاستعمارية منذ احتلالها للجزائر عام 1830م، إلى تطبيق سياسةٍ فريدةٍ من نوعها قلّما نجد لها مثيلًا في المستعمرات الأخرى حتى في تلك المستعمرات الفرنسية، وذلك لكون الاستعمار الفرنسي بالجزائر هو استعمار استيطاني نيته توطين المستعمِرين، واستغلال البلاد استغلالًا كليًّا ومن جميع النواحي.
ولهذا نجد السياسة الاستعمارية شاملةً لمختلف المجالات: العسكرية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية...، وكان الهدف من ورائها هو إخضاع الجزائريين، وضمان ولائهم لفرنسا من أجل تحقيق حلم (الجزائر فرنسيّة).
فعلاوةً على السيطرة العسكرية والسياسية والاستغلال الاقتصادي عمل الاستعمار جاهدًا على جعل الجزائر قطعةً لا تتجزأ من التراب الفرنسي أرضًا ولغةً وثقافةً ودينًا، وقد أدرك قادة الاستعمار أنّه لا سبيل لتحقيق هذا المشروع إلّا بالقضاء على مقومات الشخصية الجزائرية وعلى رأسها الدين واللغة، ولن يتأتى ذلك إلّا عن طريق التعليم المخصص للجزائريين، والذي كان ظاهره تعليم الجزائريين وتثقيفهم، ولكن باطنه هو تحطيم بنية المجتمع الجزائري من خلال سلخه عن مقوماته الحضارية وخصوصياته الثقافية، ولذلك عملت على تطبيق سياسةٍ تعليميةٍ ممنهجةٍ ومدروسة.
1. مفهوم السياسة التعليمية:
إنّ السياسة التعليمية الفرنسية هي جزءٌ لا يتجزأ من السياسة الاستعمارية بنحوٍ عام، والتي طبّقتها فرنسا في الجزائر طيلة 132 سنة من الاحتلال، والتي كان الهدف منها هو ضمان مصالح المستعمرين بشتى الوسائل والطرق الممكنة.
ولمّا كان التعليم قضيةً مصيريةً في حياة الأمم جميعها حاضرها ومستقبلها، وأحد المعايير الرئيسة في قياس مدى رقي المجتمعات وازدهارها[2]، فقد ركزت عليه الإدارة الاستعمارية أيّما تركيز لجعله أداةً فعّالةً للاستعمار الفرنسي، ونشر الأمن والسلام للمستوطنين، وهو ما عبّر عنه أحد المسؤولين الفرنسيين آنذاك بقوله: «إنّ الأداة الأكثر نجاعةً لتحقيق السلم الكامل تتمثّل في نشر اللغة الفرنسية وتعميمها بين الأهالي»[3]، كما عبّر مسؤولٌ فرنسيّ آخر بقوله: «يجب على المدرسة الفرنسية أنْ توجّه سهامها ضد كلّ ما هو وطني وديني، وبخاصّة كلّ ما من شأنه أنْ يسهم في تكتل الأهالي»، أما الدوق دومال Duc daumal فقال: «إنّ الفتح ( الاستعمار) يجب أنْ يتم بوسيلتين: السيف والمدرسة معًا، وقال أيضًا: «لنشر السلام فإنّ فتح مدرسة بين الأهالي له من الأهمية ما يضاهي نشر كتيبةٍ عسكريةٍ في منطقةٍ ما»[4].
وعلى هذا الأساس ركزت فرنسا كثيرًا على التعليم علّها تصل إلى استعمارٍ لا يمكن محو آثاره بسهولة، وذلك بتحطيم بنية المجتمع الجزائري، والقضاء على الأسس المادية والروحية التي يقوم عليها، وتحييد القيم الحضارية التي يستند إليها وذلك بمحاصرة الشعور الديني ومحاربته بشتى الطرق والوسائل الممكنة، ومحاربة اللغة العربية، وإثارة النعرات القبلية بين أفراد الوطن الواحد، وذلك كلّه تمهيدًا لتوطين المستوطنين الأوروبيين، وتمكينهم من البلاد وخيراتها كخطوةٍ أخيرة[5].
وحتى تتمكن فرنسا من تحقيق حلمها الخبيث والمتمثل في القضاء على ثقافةٍ عمرها مئات السنين وإحلال مكانها ثقافةً أخرى غريبةً عن هذا الوطن اتبعت سياسةً مخادعةً ظاهرها تعليم الجزائريين وتمدينهم، والقضاء على الجهل والأمية، وباطنها تحطيم بنية المجتمع الجزائري، وتمزيق أواصره، وسلخ أبناء الجزائر عن ماضيهم، فشرعت في إنشاء المدارس الخاصّة بالجزائريين، والتي توخى منها منظِّرو المدرسة الاستعمارية تحقيق ثلاثة أهدافٍ رئيسة، وهي: الفرنسة، والتنصير، والإدماج.
وتجدر الإشارة هنا إلى كون التعليم في الجزائر قبل الاحتلال كان متطورًا نسبيًا، وهذا بشهادة الفرنسيين أنفسهم، حيث تذكر التقارير الفرنسية أنّه كان بجميع القبائل والأحياء مُعلّمٌ لتعليم الصبيان، مع وجود عددٍ كبيرٍ من المدارس أو على الأقل حجرات للتعليم، وفي هذا السياق صرّح الجنرال فلازي بأنّ جميع الجزائريين – غداة الاحتلال- كانوا يحسنون القراءة والكتابة، وكان القرآن هو أساس التعليم آنذاك، بالإضافة إلى تعلم اللغة العربية والفقه والحساب وغير ذلك[6].
وكان سنّ الدراسة يتراوح بين (6سنوات إلى 10) في المرحلة الأولى من التعليم الابتدائي التي كانت معروفةً بمرحلة التأديب، وغالبًا ما تكون في الكتاتيب والحجرات الملاصقة للمساجد وحتى في الخيام في بعض المناطق، وأمّا في المستوى الثاني من التعليم فيكون بالمساجد أو المدارس التابعة للأوقاف، وفي المرحلة الثالثة ينتقل الطالب إلى الدراسة في المساجد الجامعة الرسمية كالمسجد الكبير بتلمسان على سبيل الذكر لا الحصر، وبخصوص هيأة التدريس، فتتكون من معلمين، وشيوخ يأخذون رواتبهم من الأوقاف المحبوسة على المساجد والزوايا والمدارس[7].
وعمومًا تُجمع التقارير الفرنسية التي كُتبت في المرحلة الأولى أو السنوات الأولى من الاحتلال الفرنسي على أنّ التعليم في الجزائر قبل الاحتلال كان في حالةٍ جيدة، وأسهم بشكلٍ واضحٍ في تماسك المجتمع الجزائري من خلال الحفاظ على ثوابت الأمّة من دينٍ ولغةٍ وتاريخ.
2.أهداف التعليم الفرنسي بالجزائر:
لقد سعت فرنسا من خلال التعليم وسياستها التعليمية الممنهجة إلى تحقيق عدّة أهداف، ومهما اختلفت تلك الأهداف إلّا أنّها كلّها تسعى للقضاء على مقومات الشخصية من أجل تسهيل الإدماج بعد نشر الثقافة واللغة الفرنسية، وكذلك الدين المسيحي، وعمومًا يمكن حصر تلك الأهداف المتوخاة من التعليم في: الفرنسة، التنصير، والإدماج.
1.2.الفرنسـة:
إنّ المقصود بالفرنسة هو استبدال اللغة العربية باللغة الفرنسية وجعل هذه الأخيرة هي لغة التخاطب بين الجزائريين؛ حتى تنقطع جميع الروابط التي تربط الجزائر ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا بثقافتها العربية العريقة وتاريخها الإسلامي المجيد، وحتى تتمكن من تكوين جيلٍ جديدٍ صاعدٍ في ظلّ سياسة الفرنسة، ومنقطعًا تمامًا عن ماضيه وحضارته[8].
ولهذا حاول المستعمر الفرنسي أنْ ينتزع من الجزائريين لغتهم وماضيهم الحضاري ونظامهم الاجتماعي والثقافي، حيث سعى جاهدًا إلى خلق ما اصطَلَح عليه منظّرو الفكر الاستعماري بـ(إبداع العبقرية الفرنسية)، إذ عبر أحدهم عن ذلك بقوله: «نحن بصدد خلق أُمّةٍ في الجزائر، أمة لن تكون متمدنةً من دوننا ففي اليوم الذي احتللنا فيه هذا البلد تعهّدنا بمصائر هذه الشعوب»[9].
كما جاء في إحدى التعليمات الفرنسية الصادرة إلى الحاكم العام في الجزائر غداة الاحتلال: «إنّ إيالة الجزائر لن تصبح حقيقةً مملكةً فرنسيةً إلّا عندما تُصبح لغتنا هناك قوميةً، والعمل الذي يترتب علينا إنجازه هو السعي وراء نشر اللغة الفرنسية بين الأهالي إلى أنْ تقوم محل اللغة العربيّة»[10].
وإنّ هذه التوصية وحدها كافيةً لإبراز مدى اهتمام السلطات الفرنسيّة بتعليم اللغة الفرنسة من جهة، ومن جهةٍ أخرى مدى تخوّفها من محافظة الجزائريين على اللغة العربية، إذ عُدّت هذه الأخيرة عائقًا أمام التوسع الاستعماري في الجزائر وعلى الوجود الفرنسي ككل، فلن يتحقّق الاحتلال الشامل في نظرهم إلّا بالقضاء على اللغة العربية، ومن هنا يتّضح مدى خطورة السياسة التعليمية، وفي مقدمتها الفرنسة.
وتجلَّت خطّة فرنسا في القضاء على اللغة العربية بوصفها مقومًا أساسيًا للشخصية الجزائرية فقاموا بتقسيم اللغة العربية إلى:
لغةٍ دارجةٍ لا قيمة لها.
لغةٍ فصيحةٍ عدّها المحتل الفرنسي لغةً غريبةً عن الجزائريين، ولا قيمة علمية تُرجى منها، واستعمال الجزائريين لها خطأً كبيرًا[11].
كما قامت السلطات الفرنسية بفرنسة جميع أطوار التعليم فرنسةً كاملة، كما قامت بفرنسة الإدارة، لقتل اللغة العربية تدريجيًّا[12].
ومحاولة لتحقيق تلك الأهداف بادرت الإدارة الاستعمارية بإنشاء المدارس العربية الفرنسية، التي كان الهدف منها قولبة الشبّان الجزائريين في قالبٍ فرنسيّ ليكونوا نماذج لحضارة المستقبل حسب زعمها[13].
وعمومًا يمكن القول إنّ الإدارة الفرنسية عدّت استعمال الجزائريين للغة العربية خطرًا كبيرًا على وجودها واستقرارها في الجزائر، فسعت بكلّ الطرق والوسائل الممكنة من أجل التضييق على استعمالها وحصارها؛ تمهيدًا لفرنسة البلاد كلّها من خلال فرنسة أطوار التعليم، وكذا الإدارة حتى تتغلغل اللغة الفرنسية بين أوساط الجزائريين، وتصبح لغة للتخاطب فيما بينهم، وصولًا إلى إقصاء اللغة العربية وتغريبها، وقتلها وسط أهلها.
2.2.التنصير:
يعدّ الدين الإسلامي أحد أهم مقومات الشخصية الجزائرية، فمنذ دخوله إلى هذه البلاد أصبح المحرّك الأساس لنشاط الإنسان على جميع الأصعدة، وعلى هذا الأساس ركّزت عليه الإدارة الاستعمارية تركيزًا كبيرًا، فكان من أهداف السياسة التعليميّة الفرنسية كذلك القضاء على الدين الإسلامي وتشويه المؤسسات الدينية الجزائرية، ولا يتأتّى ذلك إلّا بتنشيط الحركة التنصيرية في الجزائر.
وقد صرَح النائب الفرنسي أنجران قائلا: «إنّ (المبشِّر) يعمل من أجل ازدهار الفكرة الاستعمارية للبلاد التي ينصرها، وذلك برفع المعنويات الروحية والأخلاقية للأهالي...، وإنّ النشاط التبشيري والنشاط الاستعماري هما شيئان متلازمان؛ لأنّ الهدف الأسمى للاحتلال هو التقدّم الروحي والأخلاقي للمستعمَرين»[14].
وجدير بالذكر أنّ الحركة التنصيرية لم تكن مقتصرةً على الجزائر فقط، وإنّما كان معمولًا بها في مناطق عديدة كخطوةٍ أولى تمهيديةٍ للاحتلال، حيث كان دورها كبيرًا في العملية الاستعمارية، وفي هذا السياق يذكر الحاكم العام الفرنسي بالهند الصينية[15] «إنّ المبشّرين الفرنسيين مهّدوا وفتحوا أبواب القارة الآسيوية للنفوذ الفرنسي، فقد سبق وجود المبشِّرين بالهند الصينية احتلال فرنسا لها بمائة سنة، وبمساعيهم ونشاطاتهم استطاعت فرنسا أنْ تتحكم في الهند الصينية»[16]، ومن هذا التصريح يمكننا استنتاج مدى أهمية الدين في إخضاع الشعوب وفي الحركة الاستعمارية في إفريقيا وآسيا.
وأما في الجزائر فكانت الصبغة الدينية واضحةً منذ الوهلة الأولى للاحتلال، وبقيت حتى خروجه، فقد صرّح الجنرال دوبورمون سنة 1830م للقساوسة بعد أنْ أقام صلاة شكرٍ في فناء القصبة بقوله: «إنّكم أعدتم معنا فتح باب المسيحيّة في إفريقيا، ولَنأمل أنْ تَينع قريبًا الحضارة التي انطفأت في هذه الربوع»[17]، كما صرّح الكاردينال لافيجري سنة 1869 قائلًا: «علينا نُخلّص هذا الشعب من قرآنه، وعلينا أنْ نعتني على الأقل بالأطفال لتنشئتهم على مبادئ غير التي شبّ عليها أجدادهم، فإنّ واجب فرنسا تعليمهم الإنجيل أو طردهم إلى أقاصي الصحراء بعيدين عن العالم المتحضّر»[18].
كما علّقت الصحافة الفرنسية على هذه الصبغة الدينية للاحتلال الفرنسي للجزائر، وذكرت أنّ عمل القنصل الفرنسي دوفال duval كان بوحي من الفاتيكان، وأنّ غزو الجزائر عملٌ مقدّسٌ لصالح المسيحية، وتجدر الإشارة كذلك إلى أنّه حينما عبر الجنرال الفرنسي دوبورمون قبل انطلاق الحملة في منشورٍ مطبوعٍ باللغة العربية موجّهٍ للجزائريين جاء فيه «إنّ الحملة تستهدف القضاء على الداي حسين وأنّه سيضمن احترام الجزائريين وأموالهم وكلّ أملاكهم ودينهم المقدّس». وقد عدّت الصحافة الفرنسية وبالخصوص صحيفة لوكوربي فرانسي يوم 8 جوان 1830م، هذا التصريح غريبًا، وعدّته خطوةً للوراء، وتعجّبت من تصريحٍ يعطي صفة القداسة للدين الإسلامي في وقتٍ يجتمع فيه أساقفة فرنسا رغبةً في إحياء حربٍ صليبيّةٍ ضدّ الكفّار حسب زعمها[19].
ومن هنا يتضح أنّ قادة الاحتلال قد أدركوا منذ الوهلة الأولى أهمية الدين الإسلامي لدى الجزائريين، وفهموا أنّ القضاء عليه هو قضاءٌ على الشخصية الجزائرية، حتى أنّهم عدّوا احتلال الجزائر نصرًا دينيًّا أعادهم إلى ذكريات الحروب الصليبية المقدّسة بالنسبة لهم[20].
ومن مظاهر التنصير في الجزائر أنّه كان في مدينة الجزائر وحدها ما يفوق 100 مسجدٍ عشية الاحتلال (1830)، وعندما استقلّت الجزائر في 5 جويلية 1962م، لم يكن في مدينة الجزائر أكثر من ثمانية مساجد، بمعنى اختفاء أغلب المساجد، بسبب استيلاء الفرنسيين عليها وتحويلها إلى كنائس، ففي سنة 1832م، صرّح روفيقو وهو الحاكم الفرنسي العام في الجزائر: «أنّه يلزمني أجمل مسجد في المدينة لنجعل منه كنيسةً للمسيحيين». وطلب منهم تحويل مسجد كتشاوة العريق إلى كنيسة[21].
ولما تفطّن الجزائريون إلى ذلك (نية الفرنسيين اقتحام المسجد وتحويله لكنيسة) اعتصم فيه قرابة4000 مسلم، لمنع ذلك، فحشدت السلطات الفرنسية قوةً من المدفعية والمشاة الذين أحاطوا بالمسجد واقتحموه وأطلقوا النار بوحشيةٍ كبيرةٍ على المعتصمين به، وقتلوا جميع من في المسجد، وتكرر هذا المشهد المأساوي في عدّة مساجد بمدنٍ أخرى[22].
ومن خلال ما سبق يتضح مدى اهتمام السلطات الفرنسية في سياستها التعليمية بالتنصير[23] خدمةً لأهداف الاحتلال، وتُبرز حجم الجهود المبذولة من قبل قادة الاستعمار الفرنسي في هذا المجال، من خلال سياسةٍ تعليميةٍ كانت ترمي إلى القضاء على الدين الإسلامي بالجزائر، ونشر المسيحية، والتمكين لها في أوساط الجزائريين.
وتجدر الإشارة أنّ فرنسا لم تحترم الاتفاقيات المبرمة بعد الاحتلال التي نصّت على احترام الدين الإسلامي، ومختلف دور العبادة؛ إذ قامت بالاستيلاء على المساجد، ومختلف المؤسسات الدينية، وهدمت كثيرًا منها، وتحويل أخرى لأغراضٍ غير دينية دون أدنى احترامٍ للشعور الديني لدى السكّان، وهذا ما سنتطرّق له لاحقًا.
3.2. الإدماج:
يُقصد بالإدماج جعل الجزائريين سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا فرنسيين، كما يعني كذلك جعل الجزائر إقليمًا فرنسيًّا، وإلغاء الاختلافات الإدارية كلّها بين الجزائر وفرنسا[24]، وكان الإدماج هدفًا من أهداف السياسة التعليمية الفرنسية، فمن خلال المدرسة حاولت فرنسا أنْ تُكوّن أشخاصًا مجنّسين ومغتربين ثقافيًّا وإداريًّا، ولا تربطهم أيّة صلةٍ بالمجتمع المهزوم والمسيطَر عليه[25].
فعمدت فرنسا إلى تشويه التاريخ الجزائري بوصفه هو الآخر مقوّمًا أساسيًّا من مقومات الشخصية الجزائرية، حتى أنّها منعت الجزائريين من دراسته في ذلك عدّة خطواتٍ منها:
إنكار عروبة الجزائر بالادعاء أنّ الجزائريين ذوو أصولٍ بعيدةٍ تعود إلى بلاد الغال، حتى يتقبل الجزائريون فكرة الاندماج في المجتمع الفرنسي بوصف وحدة الجنس هي القاسم المشترك حسب زعمهم وادّعاءاتهم الواهية.
تجاهل علماء الآثار والتاريخ لتاريخ الجزائر الإسلامي، والتركيز على دراسة تاريخ الجزائر في العهدين الروماني والفرنسي[26].
كان هذا إدراكًا منهم للتاريخ الحضاري الكبير للجزائر في الفترة الوسيطة، حيث أصبحت الجزائر دولةً إسلاميةً بعد الفتوحات، ونشأت بها دولٌ إسلاميةٌ تركت بصمةً رائعةً في الحضارة الإنسانية من خلال مختلف المنجزات الحضارية، لا سيما في المجال العلمي، ومجالي العمران، والفنون، واشتهار عددٍ مهم من العلماء الذين اختصّوا في ميادين علميةٍ متعددة، جعلوا من المدن التي أقاموا بها مثل بيجاية وتلمسان وغيرها حواضر علميةً كبيرةً ومقصدًا للطلبة والعلماء على حد السواء، وعلى هذا الأساس عمدت فرنسا إلى تشويه هذا التاريخ وحاولت بكلّ الطرق فصل الجزائريين عن ماضيهم وتاريخهم العربي والإسلامي العريق.
وجدير بالذكر بأنّ هذه الأهداف الثلاثة (الفرنسة، والتنصير، والإدماج) كانت من أولويات السياسة الفرنسية منذ الاحتلال وإلى غاية الاستقلال، ولم تتراجع عنها إدارة الاحتلال لإدراكها بأنّه لا سبيل لتحقيق حلم الجزائر الفرنسية إلّا باستبدال الدين المسيحي بالدين الإسلامي، واللغة الفرنسية باللغة العربية؛ تمهيدًا للاندماج، ولتحقيق هذه الأهداف اتّخذت فرنسا عدة وسائل وطرقٍ طُبقت في التعليم الحكومي، وإجراءات ضد التعليم العربي الحر.
3.الوسائل والإجراءات المعتمدة في التعليم الفرنسي بالجزائر:
1.3. التعليم العربي الحرّ:
إنّ التعليم العربي الحرّ هو ذلك التعليم الخاصّ بالجزائريين، الذي لم يكن خاضعًا للإدارة الفرنسية وإنّما هو حرٌ في موارده وتسيير شؤونه، إذ يتم تعليم الصبيان القرآن الكريم والحديث النبوي ومبادئ اللغة العربية في الكتاتيب والزوايا والمساجد، ونظرًا لأهمية هذا التعليم في صقل شخصية الطفل الجزائري وتنشئته تنشئةً إسلاميةً فقد ضيّقت عليه فرنسا إلى أقصى حدٍّ في محاولةٍ منها للقضاء على تعليم القرآن الكريم واللغة العربية.
ولما كانت الأوقاف الإسلامية هي المصدر الأساسي لتمويل التعليم العربي الحرّ فقد أصدرت إدارة الاحتلال عدة قراراتٍ وقوانين مكملةٍ ومراسيم متدرجةٍ، وفي فتراتٍ متلاحقةٍ لوضع اليد عليها والتصرّف فيها، من خلال إخضاع الوقف لقوانين المعاملات العقارية الفرنسية[27]، ممّا يعدّ ضربةً موجعةً للتعليم العربي الإسلامي، فمردود هذه الأوقاف كان يسدّ النفقات الضرورية للمشتغلين بالتعليم والقائمين على أماكن العبادة والتعليم من قضاةٍ وأئمةٍ ومدرّسين وطلبةٍ وغيرهم، بالإضافة إلى توفير دخلٍ يغطي تكاليف رعاية وإصلاح هذه المؤسّسات[28].
كما عملت الإدارة الاستعمارية ما في وسعها لإبعاد التلاميذ الجزائريين عن تلك المدارس، ولمّا فشلت في ذلك عملت على إغلاقها ومنعها من مباشرة أعمالها وهدم كثيرٍ منها، وقامت بإجراءاتٍ تعسفيةٍ ضدّ معلميها، ولم تسلم من هذه الإجراءات حتى المساجد والكتاتيب[29] التي حُول بعضها إلى كنائس، وبعضها الآخر إلى مخازن للأسلحة والذخيرة[30]، ويعدّ هذا بحقّ جريمةً في حقّ التعليم الذي تحثّ عليه مختلف الشرائع والقوانين.
وهذا ما عبّر عنه المؤرّخ الفرنسي موريس وال Maurice wal بقوله: « فقد بدأنا بالتخريب والتدمير الكامل للمدارس الابتدائية والزوايا الريفية وغيرها»[31].
ومواصلةً منها في التضييق على التعليم العربي الحرّ أصدرت فرنسا قانونًا في 8 مارس 1938 ينصّ على منع تعليم اللغة العربية سواء في المساجد أم الزوايا، إلّا بإذن من سلطات الاحتلال حتى تمنح رخصة لذلك، والغريب في الأمر أنّ هذا القانون وغيره لم يطبّق إلّا على التعليم العربي الإسلامي، أمّا المدارس التنصيرية والتعليم العبري فقد استثنيا من هذه القوانين، وأمّا من يخالف هذه التعليمات من الجزائريين فكان يتعرّض لعقوباتٍ صارمةٍ جدًا[32].
وإنّ التضييق الممنهج على هذا النوع من التعليم (التعليم العربي الحر) كان له هدفان:
الهدف الأول: هو محاربة الدين الإسلامي واللغة العربية؛ لكونهما أهمّ مقومات الشخصية الجزائرية، التي عدّها المستعمر الفرنسي عائقا أمام تحقيق النفوذ الفرنسي على كامل البلاد الجزائرية.
الهدف الثاني: صرف الجزائريين عن التعليم العربي الحرّ، ودفعهم إلى التعليم الحكومي الفرنسي.
2.3. التعليم الحكومي الفرنسي:
إنّ تطبيق الإجراءات السالفة الذكر كانت بهدف صرف الجزائريين عن تعليمهم الأصيل، وتوجيههم للتعليم الحكومي الفرنسي المخصّص لهم من قبل سلطات الاحتلال، الذي عُرّضوا فيه أيضًا إلى التضييق والتمييز إلى أقصى حدّ ممكن، ويظهر ذلك جليًا من خلال عدد الجزائريين الضئيل الذي التحق بتلك المدارس مقارنةً بعدد التلاميذ في سن الدراسة، كما أنّ هذا التعليم لم يُعمم على طبقات المجتمع الجزائري كلّها، وإنّما اقتصر على فئةٍ محدودةٍ ومخصوصةٍ؛ لتكون بمنزلة الجسر الواصل بين فرنسا وبقية الجزائريين بعد أنْ تغرس فيهم أفكارها وإيديولوجيتها، والجدول التالي يبين انقسام فئات المجتمع الجزائري بين التعليم العربي الحرّ والتعليم الحكومي خلال الفترة الممتدة من 1883م إلى 1939 [33]:
ومن خلال هذا الجدول يتضح جليا أنّ التعليم الفرنسي الحكومي لم يكن لعامة المجتمع، وإنّما اقتصر على الطبقة المرموقة في المجتمع، ونتيجة لتلك السياسة كان عدد التلاميذ ضئيلًا جدًا في هذه المدارس، ففي سنة 1954م، لم يتجاوز عددهم 6000 تلميذ، في حين بلغ عدد تلاميذ الأوربيين 30000 تلميذ، وبمعنى آخر أنّ نسبة 90% من سكّان الجزائر(الجزائريين) كان نصيبهم من التعليم فقط 20%، في حين 10% من السكان (الأوربيين) استحوذوا على 80% من التعليم[34]، وهذا بحق إجحاف كبير في حق غالبية السكان.
ويضاف إلى هذا كلّه فقد قامت إدارة الاحتلال بفرض تكاليف باهظةٍ على الجزائريين الراغبين في التعلم فاقت إمكانيات معظمهم، فكانت مصاريف الدخول إلى الثانوية تتراوح بين 40 و50 ألف فرنك فرنسي تضاف إليها تكاليف الملابس والكتب والأدوات المدرسية[35]، وهو مبلغٌ كبيرٌ بالنسبة لغالبية الجزائريين المغلوب على أمرهم آنذاك.
وبعد اندلاع الثورة التحريرية اتّخذ المستعمرون من ذلك ذريعةً لضرب الثقافة العربية الإسلامية والقضاء على اللغة العربية أكثر من أيّ وقتٍ مضى بحجة أنّ القرآن الكريم واللغة العربية هما وسيلة الدعوة للثورة على الاستعمار[36].
وقد نتج عن ذلك كلّه تدهور التعليم وانتشار الأمية في أوساط الجزائريين، وهو ما عبّر عنه أحد الموظفين الفرنسيين الكبار ويدعى أوجين فورميستر Eugene Fourmestraux بقوله: «لقد فرطنا في تعليم الأهالي حتى نزل إلى مستوى هو أدنى بكثيرٍ ممّا كان عليه قبل الاحتلال»[37].
وهذا اعترافٌ واضحٌ من قبل مسؤول فرنسي على أنّ التعليم قبل الاحتلال الفرنسي كان أحسن وأجود بكثيرٍ عمّا آل إليه بعد الاحتلال بسبب السياسة الفرنسية في مجال التعليم، وعلى إثر ذلك فقد بلغت نسبة المسجّلين بالمدارس الفرنسية في التعليم الابتدائي موسم 1954 ـ 1955 نسبة 15% فقط من نسبة المتمدرسين، أمّا التعليم الثانوي فبلغت نسبة المسجّلين به في الموسم نفسه 25,3%، وفي سنة 1960م، بلغت 3,95%، ولم تتجاوز هذه النسبة 1% في التعليم التقني، أما التعليم العالي فهو الآخر كان عدد الطلبة الجزائريين المنتسبين إليه قليلًا جدًا، وهو ما يوضّحه الجدول التالي[38]:
ومن خلال الجدول يتضح جليًا أنّ عدد الطلبة الجزائريين في الجامعة كان قليلًا جدًا مقارنةً بعدد السكاّن البالغ آنذاك 9 ملايين نسمة، وهو ما يفسِّر ارتفاع نسبة الأمية في أوساط الجزائريين، والتي بلغت 92% في جانفي 1962 [39].
وإنّ هذا الرقم المخيف وحده لدليل كافٍ على أنّ أهداف السياسة التعليمية الفرنسية بالدرجة الأولى هو تجهيل الشعب الجزائري وليس تمدينه وتعليمه كما كانت تدعي فرنسا عشية الاحتلال.
4.موقف الجزائريين من التعليم الفرنسي بالجزائر:
يمكننا القول واستنادًا إلى الأرقام والإحصائيات المقدمة سابقًا أنّ جلّ شرائح المجتمع الجزائري قد رفضت سياسة التعليم الفرنسية الممنهجة، التي هي بالأحرى سياسةٌ تجهيليّةٌ، وليست سياسةً تعليميّةً كما كانت تدعي، وتجدر الإشارة إلى أنّ الشعب الجزائري المسلم المجاهد كان رافضًا لكلّ السياسات الفرنسية بما فيها السياسة التعليمية التي كانت تهدف كما سبق وقلنا للتنصير والفرنسة تمهيدًا للإدماج، وتمسّكوا بدينهم الإسلام رغم محاولات التنصير، فكان أغلب المواطنين الجزائريين يحفظون القرآن الكريم، حتى بلغ عددهم ما يقارب 60 % من مجموع السكان، وإنّ هذا لدليلٌ قاطعٌ على رفضهم لسياسة التعليم الفرنسي، ومن صلب هؤلاء خرج من قاموا بتحرير الجزائر[40].
وفي مقدمة الرافضين والمحاربين لتلك السياسة الاستعمارية الزوايا والطرق الصوفية التي رفضت هذه السياسة، وذلك التعليم الموجّه للجزائريين جملةً وتفصيلًا، والدليل على ذلك أنّ أغلب المقاومات الشعبية انطلقت شرارتها الأولى من الزوايا، هذا من جهة ومن جهة أخرى كانت مقاصد الزوايا والطرق الصوفية هي غرس وإرساء القيم الوطنية بتنشئة الفرد تنشئةً إسلاميةً، كما أنّ تعلّم اللغة العربية والقرآن الكريم قد شكّل فضاءً روحيًا اجتمعت فيه الأهداف والمقومات التي تحمل خصوصيات المجتمع الجزائري، وهو الأمر نفسه الذي تقوم عليه الزوايا وتدافع عنه وتحرص على ترسيخه من خلال التربية الدينية التي هي نفسها رسالة الزوايا[41].
ولهذا نجد الزوايا تعمل على تفكيك سياسة الاستعمار وتثقيف الشعب الجزائري حتى لا ينسلخ من قيمه وثوابته الأصيلة، وهو ما أسهم في اكتمال النضج والوعي، وإحداث القطيعة مع تلك المدارس الفرنسية، فأسهمت مختلف الزوايا في المحافظة على التماسك العقائدي لمقاومة كلّ مسخٍ أو اغترابٍ ثقافيّ ولغويّ من شأنه أنْ يلغي وجود الجزائريين ويدفعهم للذوبان في السياسة الاستعمارية[42].
ومن جهةٍ أخرى قد أسهمت الزوايا إسهامًا كبيرًا في مجال التعليم، حيث كان يتلقى بها الطلبة مبادئ اللغة العربية وبعض العلوم الأخرى كالحساب فضلًا عن تحفيظ القرآن الكريم ومختلف المتون والشروح والمختصرات التي كانت تستعمل في التعليم بالزوايا والكتاتيب، وهو ما أسهم إسهامًا فعّالًا في حماية اللغة العربية من الاندثار من الجزائر والوقوف في وجه سياسة التعليم الفرنسة ومنعها من تحقيق أهدافها التي تحدثنا عنها سابقًا.
كما لا ننسى دور (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) التي تأسّست سنة 1931م، وكان هدفها الأول الإصلاح والتربية والتعليم، وهو ما تجلَّى في خطاب الشيخ البشير الإبراهيمي بقوله: «إنّ جمعيتكم هذه تأسّست لغايتين شريفتين هما في قلب كلّ عربي مسلمٍ بهذا الوطن، وهما إحياء مجد الدين الإسلامي، وإحياء مجد اللغة العربية»[43].
وقد قامت جمعية العلماء المسلمين منذ اليوم الأول لتأسيسها بمهمتها التاريخية في تأكيد إسلامية الجزائر وعروبتها، ورفضها الخنوع والخضوع والاندماج مع فرنسا[44]، ومن أجل ذلك بذلت الجمعية جهودًا كبيرةً في سبيل تعليم الدين الصحيح واللغة العربية للكبار والصغار ذكورًا وإناثًا على حدٍّ السواء، في المدارس والنوادي سعيًا منها لتكوين جيلٍ يحمل على عاتقه نشر رسالة الإصلاح، حاملين شعار: (الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا)[45].
وقد صدرت في هذه المرحلة بعض المؤلّفات التي تدعم ذلك التوجّه مثل كتاب أحمد توفيق المدني عن تاريخ الجزائر الذي يبرز فيه تاريخ الجزائر العريق، ويؤكد فيه على أصالة الجزائر، وجاء هذا الكتاب وغيره من الكتب والمقالات ردًّا على محاولة تشويه التاريخ الجزائر، وطمس معالم حضارته، لاسيما الإسلامية منها[46].
هذا وكان موقف جمعية العلماء المسلمين واضحًا لا لبس فيه تجاه السياسة والتعليم الفرنسي في الجزائر؛ لأنّها أدركت أنّ الصراع مع المستعمر الفرنسي هو صراعٌ ثقافيّ وحضاريّ أكثر ممّا هو سياسيّ وعسكري، وهذا ما أكده الدكتور بوصفصاف عبد الكريم حينما قال: «إنّ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين هي التي أخرجت الجزائر من عزلتها الثقافية، وأعادت ربطها بالأمة الإسلامية، كما عمدت إلى إحياء اللغة العربية والتاريخ الوطني الجزائري»[47].
وبسبب مواقفها الواضحة وسياستها الإصلاحية تعرّضت جمعية العلماء المسلمين للكيد والتضييق عليها، إذ لُوحق أعضاؤها، ، ومُنعوا من مزاولة نشاطهم الدعوي والإصلاحي، واُغتيل بعضهم؛ نظرًا لما يشكلون من خطرٍ على تطبيق السياسة التعليميّة الفرنسيّة.
وبعد اندلاع الثورة التحريرية المجيدة في الفاتح من نوفمبر 1954 كان لقادة الثورة التحريرية إستراتجيةٌ لمجابهة هذه السياسة التعليمية الرامية إلى طمس الشخصية الوطنية؛ لأنّ غالبيتهم قد درس في الكتاتيب والزوايا ومدارس جمعية العلماء المسلمين ومؤسسات أخرى عبّرت عن رفضها للسياسة التعليمة الفرنسية، وعلى هذا الأساس نلاحظ اهتمام قادة الثورة بالتعليم والثقافة الإسلامية، ويتّضح هذا جليًا في بيان أول نوفمبر 1954م، الذي تحدث عن القومية الوطنية ومحاولة فرنسا جعل الجزائر أرضًا فرنسيةً رغم التاريخ والجغرافيا واللغة والديانة والعادات، كما ورد في البيان ذكر عبارة (إخواننا العرب والمسلمين)، في إشارةٍ للانتماء العربي الإسلامي[48].
أما مؤتمر الصومام فقد تحدث فيه المؤتمرون عن مقومات الأمة من تاريخٍ ولغةٍ ودينٍ وعاداتٍ، وتحدث عن انتماء الشعب الجزائري الحضاري (العربي الإسلامي)، ورحّب المؤتمرون بانضمام المثقفين إلى الثورة، وعّدوا ذلك فشلًا لسياسة الفرنسة، كما تحدّث المؤتمرون عن تعمّد المستعمِر محاربة اللغة الوطنية التي تتكلمها الأغلبية الساحقة من المواطنين (اللغة العربية)[49].
وبعد تأسيس الحكومة المؤقتة بتاريخ 19 سبتمبر 1958م، عُيّن أحمد توفيق المدني فيها وزيرًا للشؤون الثقافية، وهو أحد رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والمتخرّج من جامع الزيتونة ومن المثقفين ثقافةً إسلامية، وهو دليلٌ على البعد الثقافي للجزائر، هذا وقد جاء في أول تصريح للحكومة ما يلي: «الجزائر جزءٌ لا يتجزأ من المغرب العربي... وهي تتقاسم مع شعوبه التراث الرائع للحضارة العربية الإسلامية»[50].
ومن جهةٍ أخرى فقد حاول قادة الثورة تطوير أساليب الكفاح، وعدم الاقتصار على الكفاح المسلّح، وذلك من أجل إسماع صوت الثورة في العالم، ولذلك رحّب قادتها بانضمام طلبة المعاهد والمدارس الحرة والزوايا، كما قاموا بتأسيس أوّل مدرسةٍ للاتصالات اللاسلكية في آب 1956م، التي تخرّجت منها دفعات من المكونين في مختلف المجالات[51].
وقد أتت سياسة جبهة التحرير الوطني بانضمام عددٍ كبيرٍ من الطلبة الجزائريين للثورة بعد الإضراب العام يوم 19 أيار 1956م، وهو الإضراب الذي أثار دهشة وإعجاب الأوساط الثقافية في العالم، وبرهن على تضامن الطالب الجزائري مع شعبه وثورته المباركة، وزيادة على الطلبة فقد اهتم قادة الثورة بالفن والأدب، وشارك كلٌّ من الفنان والأديب في الثورة كلٌّ على طريقته، فاضحت الكلمة رصاصةً، واللوحة الفنية قنبلةً تنفجر في وجه أعداء الحياة[52].
وعموما قد رفض جلّ الجزائريين سياسة التعليم الفرنسية لكونها سياسة مستعمِرٍ نهب البلاد وقتل العباد، ولم يكن من السهولة إقناع الجزائريين بمختلف السياسات الفرنسية الموجّهة لهم لإدراكهم خبث المستعمِر الفرنسي ونواياه، وعدم الثقة في سياساته، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى أنّ هذا التعليم لم يكن متاحًا لجميع الجزائريين، وإنما لفئةٍ مخصوصةٍ وميسورة، كما أنّ التكاليف كانت باهظةً مقارنةً مع الإمكانيات المحدودة لمعظم فئات الشعب الجزائري.
ولم تقتصر المعارضة لسياسة التعليم الفرنسية من قبل الجزائريين فقط، وإنّما حتى الفرنسيين أنفسهم والمستعمِرين رفضوا تلك السياسة، ولاسيما الإصلاحات التعليمية التي دعا إليها جون فيري لاسيما إجبارية التعليم لأبناء الجزائريين بحجة أنّه مشروعٌ مكلّفٌ وخطيرٌ في الوقت نفسه، إذ يشكل خطرًا على أمن فرنسا حسب زعمهم، وهناك من ذهب أبعد من هذا وزعم بأنّ العقل الجزائري ليس له القدرة على التعلّم مثل الفرنسيين[53].
وإنّ هذا الطرح الذي تبنّته كثيرٌ من الصحف الفرنسية ينمّ عن عنصريةٍ مفرطة، ويبرز عقلية الفرنسيين الاستعلائية تجاه كلّ ما هو جزائري وعربي من جهة، وتخوّفهم من تزايد الوعي لدى الجزائريين إذا دخلوا المدارس الفرنسية من جهةٍ أخرى؛ ولهذا سعوا إلى محاصرة مشروع تعليم الجزائريين، والعمل على عرقلته، أو على الأقل التحكم فيه قدر الإمكان.
الخاتمة
إنّ موضوع التعليم الفرنسي بالجزائر يعدّ من بين المواضيع التي ما زالت تحتاج إلى كثيرٍ من الدراسات المعمَّقة حتى يتسنّى لنا معرفة جوانب عديدةٍ ما تزال غامضةً وخفيةً من هذا التعليم، ففي الوقت الذي صرّح فيه المسئولون الفرنسيون أنّهم جاؤوا من أجل تمدين وتعليم الجزائريين، وأنّهم بذلوا جهودًا معتبرةً في بناء المدارس وجلب المعلّمين لتوفير ظروفٍ لائقةٍ للتعلّم نجد في الوقت نفسه نسبة الأمية بين أوساط الجزائريين عاليةً جدًّا عشية الاستقلال إذ بلغت نسبة 92% بالمائة، وهي نسبةٌ عاليةٌ جدًّا تدلّ على أنّ غالبية الشعب الجزائري لم يحظَ بفرصةٍ لدخول المدارس الفرنسية.
وعمومًا يمكننا القول: إنّ التعليم الفرنسي في الجزائر يمثّل أحد أوجه السياسات الفرنسية المتعددة التي شملت مختلف المجالات بهدف إخضاع الجزائريين وضمان ولائهم لفرنسا، ومن بين هذه الأوجه التعليم كونه أحد الركائز الأساسية في بناء المجتمعات وتكوين الأفراد؛ ولهذا ركّزت عليه فرنسا تركيزًا كبيرًا قصد التحكم في فئات المجتمع الجزائري من جهة، ومحاربة التعليم العربي الإسلامي الحر من جهة أخرى، حيث كان المستهدف الرئيس من سياسة التعليم الفرنسية لكونه يشكّل عائقًا تجاه النفوذ والتغلغل الفرنسي، ويمثّل كذلك حصنًا منيعًا ضدّ سياسة التجهيل الفرنسية.
وعلى هذا الأساس يمكننا القول إنّ التعليم الفرنسي في الجزائر لم يكن حبًّا في الجزائريين، وإنّما كان له وجهان: وجهٌ ظاهره تعليم وتثقيف الجزائريين، ووجهٌ خفيّ يسعى لتحطيم بنية المجتمع الجزائري والقضاء على مقومات الشخصية الجزائرية التي تقوم على الدين الإسلامي واللغة العربية والتاريخ المشترك للجزائريين، فحاولت فرنسا من خلال تعليمها أو سياستها التعليمية القضاء على الدين الإسلامي واللغة العربية واستبدالهما بالدين المسيحي واللغة الفرنسية، وسعت كذلك لتشويه التاريخ الجزائري المرتبط بالحضارة العربية والإسلامية حيث عملت على طمس معالمه وشواهده واهتمت بالتاريخ الروماني حتى تُبرز للجزائريين أنّ تاريخهم مرتبطٌ بالرومان قديمًا، وحاضرهم ومستقبلهم مرتبطٌ بفرنسا.
ورغم أنّ السياسة التعليمية الفرنسية استطاعت إلى حدٍّ ما خلق جيلٍ من الجزائريين المتأثّرين بالثقافة الفرنسية إلّا أنّنا يمكن الجزم أنّ التعليم الفرنسي قد فشل ولم يحقق الأهداف المرجوة منه من قبل قادة ومنظّري الفكر الاستعماري؛ وذلك بسبب مواقف الجزائريين الرافضة لذلك التعليم، وهنا يمكن الإشادة بجهود الزوايا والطرق الصوفية في مجال محاربة الجهل والأمية والسعي إلى تعليم الجزائريين لغتهم العربية والدين الإسلامي، كما لا ننسى دور جمعية العلماء المسلمين التي بذلت جهودًا معتبرةً وكبيرةً في مجال الإصلاح والتربية والتعليم ونشر الوعي بين أوساط الجزائريين، وهو الوعي الذي كانت آثاره إيجابيةً، وأسهم في اندلاع الثورة لاحقًا، وإيمان قادة الثورة بضرورة النضال من أجل الجزائر في إطار المبادئ الإسلامية.
وهذا باختصار أهمّ ملامح السياسة التعليمة الفرنسية، وبعض الوسائل التي انتهجتها الجزائريون شعبًا وأحزابًا وجمعياتٍ لمواجهتها، وذلك من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية وإسماع صوت الجزائر الثائرة في مختلف البقاع والأقطار؛ لأنّ ما حدث في الجزائر منذ 1830م، وإلى غاية 1962م، ليس مجرد استعمار عسكريّ واستغلال اقتصادي، وإنّما هو جزءٌ من صراعٍ ثقافيّ بين الشعب الجزائري بمختلف فعالياته والاستعمار الفرنسي.
المصادر
أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية 1830 – 1900، ج1، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1992.
أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج10، دار البصائر، الجزائر، 2007.
أحمد بن نعمان، حزب البعث الفرنسي، دار الأمة للطباعة والنشر، الجزائر، 1996.
أحمد مهساس، التعليم والثقافة في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية، مجلة الثقافة، العدد 85، ماي جوان، 1985.
أحمد مهساس، الحركة الوطنية الثورية في الجزائر من الحرب العالمية الأولى إلى الثورة المسلحة، ترجمة سعيد محمود، محمد عباس، منشورات الذكرى الأربعين للاستقلال، 2002.
أحمد نبيل بلاسي، الاتجاه العربي والإسلامي ودوره في تحرير الجزائر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الإسكندرية، 1990.
بن طرات جلول، خطاب الزوايا وتجلياته في فهم الهوية الوطنية بين التقليد والتجديد، المجلة المغاربية للدراسات التاريخية والاجتماعية، المجلد 04، العدد الأول، جوان 2013.
بن عكى محمد آكلي، ديموقراطية التعليم النظامي في الجزائر خلال الفترة 1962ـ1984 بين الواقع والإنجاز، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، 1987ـ1988.
بوفلجة غيات، التربية والتكوين بالجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1999.
جمال قنان، التعليم الأهلي في الجزائر في عهد الاستعمار، منشورات وزارة المجاهدين، الجزائر، 2009.
خديجة بقطاش، الحركة التبشيرية في الجزائر 1830 – 1871، منشورات دار حلب، الجزائر، (دت).
رابح تركي، التعليم القومي والشخصية الجزائرية 1931ـ1965، ط2، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1981.
سليمان مداح، (إسهامات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مجال التربية والتعليم)، مجلة روافد للدراسات والأبحاث العلمية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، المجلد السادس سنة 2022.
شارل روبير آجيرون، الجزائريون المسلمون وفرنسا 1871 – 1919، دار الرائد للكتاب، الجزائر، 2007.
الطاهر زرهوني، التعليم في الجزائر قبل وبعد الاستقلال، ط1، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 1994.
عبد الحميد زوزو، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر المعاصر 1830 – 1900، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، الجزائر، 2010.
عبد القادر حلوش، سياسة فرنسا التعليمية في الجزائر، ط1، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1999، 17. عبد المجيد رمضان، ثوار الجزائر، دار نزهة الألباب، الجزائر، 2005.
عبد المالك مرتاض، أدب المقاومة الوطنية في الجزائر 1830ـ1962، ج1، منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، الجزائر، 2003.
عبد المجيد رمضان، ثوار الجزائر، دار نزهة الألباب، الجزائر، 2005.
عمار هلال، أبحاث ودراسات في تاريخ الجزائر المعاصرة 1830ـ1962، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995.
محمد العربي الزبيري، الثورة الجزائرية في عامها الأول، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984.
محمد فاضل الجمالي، فلسفة التعليم عند الشيخ البشير الإبراهيمي، مجلة الثقافة، العدد 87، جويلية ـ أوت 1985
محمد مورو، الجزائر تعود لمحمد، المختار الإسلامي للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1992.
مصطفى الأشرف، الجزائر الأمة والمجتمع، ترجمة حنيفي بن عيسى، دار القصبة، الجزائر، 2007.
ناصر الدين سعيدوني، الجزائر منطلقات وآفاق، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2000.
Mostafa l achraf ,l’Algerie nation et société,2eme édition,s.n.e.d,alger.
Saadallah A.K, la montes du nationalisme en Algerie ,entreprise nationale du livre, alger, 1983.
--------------------------------------------
[1]. أستاذ التاريخ في جامعة الدكتور مولاي الطاهر - سعيدة الجزائر.
[2]. الجمالي، محمد فاضل، فلسفة التعليم عند الشيخ البشير الإبراهيمي، العدد 87، ص 323.
[3]. مهساس، أحمد، الحركة الوطنية الثورية في الجزائر من الحرب العالمية الأولى إلى الثورة المسلحة، ص 399.
[4]. عمار هلال، أبحاث ودراسات في تاريخ الجزائر المعاصرة 1830ـ1962، ص 121.
[5]. سعيدوني، ناصر الدين، الجزائر منطلقات وآفاق، ص 20.
[6]. مختاري الطيب، السياسة التعليمية في الجزائر خلال القرن 19، ص 4-5.
[7]. مختاري الطيب، المرجع نفسه، ص 5.
[8]. رابح تركي، التعليم القومي والشخصية الجزائرية 1931ـ1965، ص 105.
[9]. بلاسي، نبيل أحمد، الاتجاه العربي والإسلامي ودوره في تحرير الجزائر، ص 33-34.
[10]. بن نعمان، أحمد، حزب البعث الفرنسي، ص 39.
[11]. بلاسي، نبيل أحمد، الاتجاه العربي، المرجع السابق، ص 35.
[12]. المصدر السابق، ص 36.
[13]. مهساس، أحمد، التعليم والثقافة في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية، ص 60.
[14]. بقطاش، خديجة، الحركة التبشيرية في الجزائر 1830 – 1871، ص 12.
[15]. مصطلح الهند الصينية هو مصطلح سياسي تاريخي أطلق على: فيتنام، ولاوس، وكمبوديا.
[16]. بقطاش، خديجة، المرجع السابق، 13.
[17]. حلوش،عبد القادر، سياسة فرنسا التعليميّة في الجزائر، ص 66.
[18]. زرهوني، الطاهر، التعليم في الجزائر قبل وبعد الاستقلال، ص 33.
[19]. بقطاش، خديجة، الحركة التبشيرية في الجزائر 1830 – 1971، ص12-13.
[20]. بلاسي، نبيل أحمد، الاتجاه العربي والإسلامي، ص 35.
[21]. محمد مورو، الجزائر تعود لمحمد، 1992.
[22]. محمد مورو، المرجع نفسه، ص 41.
[23]. لقد اعتمد دعاة التنصير على وسائل وطرق عديدة من أجل تسهيل عملهم، واستغلوا الظروف العصيبة للمجتمع الجزائري آنذاك لجلب السكان المحليين منها: التعليم، الأعمال الخيرية كالتطبيب والعناية بالأيتام.
[24]. رابح تركي، التعليم القومي والشخصية الجزائرية 1931ـ1965، ص 113.
[25]. مهساس، أحمد، التعليم في الجزائر، ص 74.
[26]. بلاسي، نبيل أحمد، الاتجاه العربي والإسلامي، ص 37.
[27]. بن عكى محمد آكلي، ديموقراطية التعليم النظامي في الجزائر خلال الفترة 1962ـ1984 بين الواقع والإنجاز، ص 99.
[28]. ناصر الدين سعيدوني، المرجع السابق، ص 20ـ22.
[29]. على سبيل المثال لا الحصر كان بمدينة الجزائر لوحدها 166 مسجد وزاوية وكتاب غداة الاحتلال، لم يبق بعد الاحتلال سوى القليل منها لا يتجاوز العشرين، وذلك بسبب السياسة الاستعمارية.
[30]. مداح، سليمان، إسهامات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مجال التربية والتعليم، ج6، ص 44.
[31]. بوفلجة غيات، التربية والتكوين بالجزائر، ص 27.
[32]. بن عكى محمد آكلي، ديموقراطية التعليم النظامي في الجزائر خلال الفترة 1962ـ1984 بين الواقع والإنجاز، ص 100.
[33]. عبد المالك مرتاض، أدب المقاومة الوطنية في الجزائر 1830ـ1962، ج1، ص 45؛ رابح تركي، التعليم القومي والشخصية الجزائرية 1931ـ1965، ص 175.
[34]. بن عكى محمد آكلي، المرجع السابق، ص 180.
[35]. رابح تركي، المرجع السابق، ص 152 ـ 157.
[36]. رابح تركي، المرجع نفسه، ص 164.
[37]. الزبيري، محمد العربي، الثورة الجزائرية في عامها الأول، ص 44.
[38]. Mostafa l achraf, l’Algerie nation et société,2eme édition, s.n.e.d,alger,p63 .
[39]. عمار هلال، أبحاث ودراسات في تاريخ الجزائر المعاصرة 1830 ـ 1962، ص 152 ـ 154.
[40]. محمد مورو، الجزائر تعود لمحمد، ص 69.
[41]. بن طرات جلول، خطاب الزوايا وتجلياته في فهم الهوية الوطنية بين التقليد والتجديد، ص 267.
[42]. بن طرات جلول، المرجع نفسه، ص 268.
[43]. بن طرات، المرجع نفسه، ص 269.
[44]. محمد مورو، الجزائر تعود لمحمد، المرجع السابق، ص 71.
[45]. بن طرات جلول، المرجع السابق، ص 269 - 270.
[46]. محمد مورو، الجزائر تعود لمحمد، المرجع السابق، ص 71.
[47]. محمد مورو، المرجع نفسه، ص 72- 76.
[48]. -Saadallah A .K,la montes du nationalisme en Algerie ,entreprise nationale du livre , alger , p6.
[49]. أبو القاسم سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج10، ص 77 ـ78.
[50]. أبو القاسم سعد الله، المرجع نفسه، ص 83-87.
[51]. أبو القاسم سعد الله، المرجع نفسه، ص 93ـ94.
[52]. عبد المجيد رمضان، ثوار الجزائر، ص 115ـ120.
[53]. أجيرون، شارل روبير، الجزائريون المسلمون وفرنسا 1871 – 1919.