البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

علمُ الإنسانِ و(الهَيْمَنةُ العقلانيّةُ)

الباحث :  بِينْوَا دُو ليتْوَال
اسم المجلة :  الاستعمار
العدد :  2
السنة :  شتاء _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث :  January / 13 / 2025
عدد زيارات البحث :  61
تحميل  ( 747.162 KB )
الملخص
يتحدّث هذه المقال عن مفهوم «الهيمنة العقلانيّة» (domination rationnelle) الفِيبريَّ نسبةً إلى ماكس فيبر، وتطوّر العقلانيّة العلميّة (rationalité scientifique)، ويوضح أنّ مفهوم العقلانية عبارة عن أداةٍ لتحليل الروابط والعلاقات بين الدول الاستعمارية والسكّان الأصليّين (populations indigènes)، وأنّ موضوعَ العقلانية العلمية السكّانُ الأصليّين، أمّا الإمداد بالأدوات(instrumentation) والشرعنة (légitimation) فهما عنصران أساسيّان في ظهور المعارف حول المجتمعات والثقافات للسكّان الأصلين. ويجري الباحث التحليل الذي استوحاه مِنْ برونيسلاف مالينوفسكي (Bronislaw Malinowsky)، حينما صاغ برنامجًا لـ (عقْلنة الأنتروبولوجيا والإدارة) على نحوين: الأول: نظري، والثاني: تجريبي. إنّ أدوات التحليل النظري من وجهة نظر ماكس فيبر، التي تقول بأنّ الهيمنة التي هي الصفة والميزة الخاصّة بالحداثة تتميّز بالمعرفة والعقلانية، وأنّ الهيمنةَ الدّيوانيّةَ (البيروقراطيّة) تمثّل درجة الكمال بالنسبة للهيمنة، وهي الشكل الحديث للهيمنة المحضة (spécifiquement moderne)، وأيضًا واحدة من أهم مميزات الدولة الحديثة هي ادّعائها العقلانية، وأنّ أدوات التحليل التجريبي هي التي حاول من خلالها تحليل العلاقات التي تتعلّق بتطوّر المعارف عن السكان البلديّين الأصليّين، والدولة المستعمرة لأفريقيا فرنسا من عام 1920 إلى إلى العقد السّادس من القرن العشرين (الخمسينيّات).

وتطرّق الباحث إلى عدّة مباحث مهمّة: أولها: الهيمنةُ الدِّيوانيّةُ (البيروقراطيّةُ)، والعقْلنةُ. وثانيها: دراسةُ هويّةِ الأعراق وفهمُ السّكان البلديّين الأصليّين، وثالثها: أزمةُ الهيمنة والتّفوُّقُ العِلميُّ، ورابعها: رهاناتُ العقْلنة، وخامسها: تقسيمُ العملِ والتّسميةُ الذّاتيّةُ.

الكلمات المفتاحية: العقلانيّة، الهيمنة، ماكس فيبر، الأعراق، السكان الأصليين.

1/ مقدّمة
إنّ الإدارةَ البيروقراطيّةَ تعني، جوهريًّا، الهيمنةَ بتوسّل المعرفةِ.
هذا هو الـمُميِّزُ الذي يجعلها، تخصيصًا، عقلانيّةً.
ماكس فيبر (Max WEBER)
«العِلمُ، لـمّا يكون في خدمة الاستعمار، ينتهي دائـمًا بالإنسان،
أيْ بالسّكّان، أيْ بفضاء السّكّان الأهليّين الأصليّين. إنّ علمَ الاستعمارِ
الكبيرَ، هو أيضًا في نهاية الأمر علمُ الإنسانِ.
الحاكـمُ العامُّ: جول بريفْيِي (Jules BRÉVIÉ)

يستكشف هذا المقالُ مفهومَ «الهيمنة العقلانيّة» (domination rationnelle) الفِيبريَّ (نسبة إلى ماكس فيبر Max WEBER) بوصفه أداةً لتحليل الرّوابط بين مجهودات الدّولة الاستعماريّة لسياسة السّكان البلديّين الأصليّين (populations indigènes) [في الـمستعمَرات]، وتطوُّرِ شكلٍ خاصٍّ من العقلانيّة العلميّة (rationalité scientifique)، التي اتّخذت هؤلاء السّكّان البلديّين الأصليّين موضوعًا لها: إنّها المعارف الأنتروبولوجيّة (savoirs anthropologiques).
بالاعتماد على حالة المستعمَرات الفرنسيّة في إفريقيا، سوف نحاول جاهدين بيان كيف أنّ بُعْدَي «الإمداد بالأدوات» (instrumentation) (مع تطوير أدواتٍ للفحص وللفهم) و «الشّرْعنة» (légitimation) أساسيّان في ظهور معارف حول المجتمعات والثّقافات البلديّة الأصليّة (indigènes)، أوّلًا في نطاق الجهاز الإداريّ، لكنْ أيْضًا في المؤسَّسات العلميّة الموجودة في المركز الاستعماريّ [فرنسا]. لقد تمّ تقديمُ الدّعم لتطوير (علم الإنسان) ضمن مجال مشاريعَ، لـ «عَقْلنة» (rationalisation) الاستعمار، تُقرِّب بين علماء ورجال تعديلٍ (رجال إصلاحٍ (reformateurs / مرتبطين بالمدرسة الاستعماريّة، يريدون إعادة تعريف مهنة المسؤول الإداريّ الاستعماريّ ((administrateur colonial بوصفه «خبيرًا مختصًّا في السّكّان البلديّين الأصليّين» (spécialiste des indigènes).
تنطلق الأعمالُ البحثيّةُ، المتعلّقةُ بالرّوابط بين العلومِ الاجتماعيّةِ والدّولةِ، مِن مُسَلَّمةٍ تُصرِّح بوجودِ تناقضٍ جوهريٍّ بين هذيْنِ الفضاءَيْنِ، وهو تناقضٌ قد يُقنَّع مؤقّتًا بتحالفاتٍ قسْريّةٍ (مخالفةٍ للطبيعة)، لكن ينتهي الأمرُ بأنْ يطفوَ التّناقضُ من جديدٍ إلى السّطح، نظرًا إلى أنّ التقدُّمَ العِلميَّ متوقّفٌ، في جوهره، على تطوّر استقلاليّته في علاقته بكلّ سلطةٍ. وفي حالة المعارف الأنتروبولوجيّة بالخصوص، تبدو العلاقةُ بين العلوم الاجتماعيّة والدّولة غيْرَ قابلةٍ للدّرْس إلّا بناءً على النّمط السّلبيٍّ للإدانة (dénonciation).

سوف نسلك مسارًا آخَر، استوحيناه مِنْ برونيسلاف مالينوفسكي (Bronislaw Malinowsky)، حينما صاغ برنامجًا لـ (عقْلنة الأنتروبولوجيا والإدارة)[2]، مشيرًا بذلك إلى إمكانيّة حصول تقاربٍ جزئيٍّ في الحدّ الأدنى، بين العقلانيّة الإداريّة والعقلانيّة العلميّة. لأجل استكشاف هذه الفرضيّة، سوف نبادر إلى إجراء تحليلٍ على صعيدَيْن:

أوّلًا، نظريًّا: سوف نحاول أنْ نُوضِّحَ أدواتِ تحليلٍ، انطلاقًا من الفكرة الفيبريّة، التي تقول بأنّ شكلَ الهيمنة، الّذي هو أحد المميِّزات الخّاصّة للحداثة، يتميّز بالمعرفة وبالعقلانيّة.
ثانيًا، تجريبيًّا: سوف نسعى إلى استعمال هذه الأدوات لتحليل العلاقات بين تطوُّرِ المعارف، التي موضوعُها السّكّان البلديّون الأصليّون، والدّولةِ الاستعماريّة [فرنسا]، انطلاقًا من حالة المناطق الإفريقيّة التي كانت خاضعةً للسّيطرة الاستعماريّة الفرنسيّة من سنة 1920 إلى العقد السّادس من القرن العشرين (الخمسينيّات)[3].
من أجل تصوُّر هذا التّقارُب، يجب علينا، قبل أيِّ خطوةٍ، أنْ نستخرجَ المُخطّطاتِ (schèmes) المتعلّقةَ بالتّخصُّص وبتقسيم العمل بين الفروع العلميّة، وأنْ نقومَ بوصْل النّصوص التي تُدْرج، غالبًا في عصرنا هذا، في أصنافٍ مختلفةٍ، بعضها يندرج تحت (تاريخ الإتنولوجيا)[4]، وبعضها الآخَرُ تحت (تاريخ الاستعمار). بإمكاننا أنْ نرجع مثلًا، إلى هذا النّصّ المنشور سنة 1925:
«لـمّا تضمّ مستعمرَةٌ ما سكّانًا من حضارةٍ أدْنى من حضارتنا أو مختلفةٍ جدًّا عنها، فإنّ ضرورةَ توفُّر إتنولوجويّين (ذوي نزْعةٍ إتنولوجيّةٍ / (ethnologistes جيّدين فيها تُضاهي ضرورةَ وجود مهندسين جيّدين، وغابِيّين (forestiers) جيّدين أو أطبّاءَ جيّدين. [...] كُلُّنا نُقِرُّ بأنّه، من أجل تنمية مستعمراتنا، بشكلٍ تامٍّ واقتصاديٍّ أيضًا، بأقصى حدٍّ ممكنٍ، لا تكفي الرّساميلُ الماليّةُ. يَلزمنا أيضًا علماءُ، وتقنيّون، يقومون بإحصاء الثّروات الطّبيعيّة لتلك المستعمرات (المناجم، والغابات، والثّقافات، إلخ.) ويَدُلّوننا على طرق استغلالها المثلى. وأُولى تلك الثّروات الطّبيعيّة، التي لا يمكن، من دونها، أنْ يكون لغيرها أيُّ قيمةٍ، خاصّةً في المناطق الاستوائيّة والمداريّة، أليْست هي السّكّانَ البلديّين الأصليّين؟ ألا توجد، إذنْ، مصلحةٌ أساسيّةٌ في دراسة هذه الثّروة البشريّة، أيْضًا، بشكلٍ علميٍّ منهجيٍّ، واكتساب معرفةٍ صحيحة معمَّقةٍ حول لُغاتها، وحول أديانها، وحول بِناها الاجتماعيّة التي من الحماقة تحطيمُها بخفّةٍ؟»

يُرتّب هذا النّصُّ الإتنولوجوِيّين (ذوي النزعة الإتنولوجويّة / (ethnologistes (هكذا هو يسمّيهم، بدل أن يسمّيَهم: إتنولوجيّين (علماء الإتنيّات، أو الأعراق / (ethnologues )، يُرتِّبُهم ضمن العلماء والتّقنيّين الذين يسهمون، من خلال نَظْم (mise en ordre) العالَم الاستعماريّ، في تحقيق استغلالٍ عقلانيٍّ للطبيعة الاستوائية والمداريّة. وهكذا نرى أنّ السّكّان البلديّين الأصليّين، لـمّا يُصنَّفون في خانة (الثّروات الطّبيعيّة)، ولـمّا يُعدّون العنصرَ الأساسَ الذي يتوقّف عليه استغلالُ الثروات الأخرى، يصبحُ من الضّروريّ وجودُ خبراءَ مختصّين لدراستهم. بحِذاءِ المهندسين والغابِيِّين، المُكلَّفين بإخضاع الطّبيعة وتسخيرها، يجب على الأطبّاء و»الإتنولوجوِيِّين» (ethnologistes) أن يعتنوا بالسّكّان البلديّين الأصليّين، أولئك يعالجون الأبدانَ، وهؤلاء ينكبّون على فَهْم (الحضارات). إنّ إعلانًا صريحًا كهذا يُمكن أنْ يُقرَأَ اليومَ بوصفه انتهاكًا شنيعًا لِقيَم استقلاليّة العِلم. إنّ ما يجعل مثل هذه القراءة إشكاليّةً (محلَّ إشكالٍ)، هو مَوقعُ كاتبِه، الذي هو واحدٌ من المواقع الأكثر مرموقيّةً في الوسط الجامعي الفرنسي في ذلك الزّمن. إنّه لوسيان ليفي-بروهْلْ (Lucien LÉVY-BRUHL)، أستاذُ الفلسفة في جامعة السوربون، ومديرُ المجلة المعتبرَة وذات التّأثير «المجلة الفلسفيّة» (Revue philosophique)، والقريبُ من المجموعة الدّوركايميّة (groupe durkheimien)، والعالِمُ المعروفُ دُوَليًّا لأعماله حول «العقليّة البدائيّة» (mentalité primitive).
تلك الفقرةُ التي أوردناها، آنفًا، مُستلَّةٌ من نصٍّ يَعرضُ معهدَ الإتنولوجيا في جامعة باريس، الـمُؤَسَّسَ حديثًا[5]. بدتْ حُججُ ليفي-برُوهْل، الأمينِ العامِّ للمعهد، مُقْنعِةً بما يكفي للحُكّام الاستعماريّين لكيْ يُخصِّصوا للمشروع مبالغَ ماليّةً مهمّةً. سنة 1929، مثلًا، تلقّى المعهدُ دعمًا من المستعمرات بقيمة 000 166 فرنكًا فرنسيًّا، مقابل 160 10 فرنكًا كإيراداتٍ خاصّةٍ، أيْ بنسبة 16 إلی1 [6]. لقد كان معهدُ الإتنولوجيا متوقّفًا في وجودِه نفسِه على دعم المستعمرات.

يمكننا مقاربةُ هذا النصِّ لمُرافعٍ (plaidoyer) آخَرَ مناصِرٍ للاستعمار العلميّ، سابقٍ زمنيًّا للنصِّ الأوّل ببضع بسنواتٍ:
«اليومَ، [...] بدأ الاستعمارث مرحلتَه العلميّةَ [...]. هنا أيْضًا، يجب أنْ نعرفَ لكي نفعلَ ونستشرفَ [...]. تتطلّب تنميةُ إفريقيا السّوداء، فِلاحيًّا (زراعيًّا)، دراساتٍ فِلاحيّةً مفصّلةً، وتجاربَ تُتابَع باستمرارٍ وبموضوعيّةٍ ونزاهةٍ، بلْ إنّ هذه التّنميةَ تتطلّبُ، أيْضًا، وبالدرجة نفسِها، معرفةَ البيئة الاجتماعية للسكّان البلديّين الأصليّين، ومعرفةَ الفلّاح الأسود، وعقليّتَه، وأساليبَه، ومؤهّلاتِه»[7].
إنّ هذا التّأكيد على دورِ علمٍ موضوعيٍّ نزيهٍ من أجْل تنمية المستعمَرات لم يكنْ مجرّدَ خطابٍ بلاغيٍّ: فمُؤلِّفُه، جُول برِيفْيِي (1880-1964/Jules BRÉVIÉ)، الحاكمُ العامُّ لإفريقيا الغربيّة الفرنسية (Afrique-Occidentale Française (AOF)) ، من سنة 1931 إلى سنة 1937، سوف يقوم بدورٍ مهمٍّ في إنشاء مؤَسَّساتٍ بحثيّةٍ في العالَـم الاستعماريّ [الفرنسيّ]؛ فقد أسّس سنة 1937 المعهدَ الفرنسيَّ لإفريقيا السّوداء (IFAN)، ثمّ في سنة 1942 ديوانَ البحوث العلميّة الاستعماريّة، الذي أصبح في ما بعد معهدَ البحوث العلميّة والتّقنيّة لـِ ماوراء-البحار (OSTROM)[8].

كيف يُفسَّر هذا التّشّابُهُ الغريبُ بين نصّيْن، كاتباهُما يَشغلان مَوْقعيْن متباعدَيْن جدًّا مبدئيًّا، من الصّفوة (النّخبة) الجامعيّة إلى الإدارة الاستعماريّة العليا؟ يوجد جوابٌ جاهزٌ فوريٌّ لهذا السّؤال، يُذْكَر غالبًا في حلقات الجدل حول موضوع (الأنتروبولوجيا والاستعمار): لقد تمّ وضع الإتنولوجيّين (ethnologues) في خدمة الاستعمار، الذي قدّموا له أدواتٍ للتّلاعب (manipulation) بالمستعمَرين. وهكذا، سوف يصير هذا التّشابهُ في الخطاب الـمُؤشِّرَ على تواطُؤٍ موضوعيٍّ. بينما تَرى قراءةٌ أخرى معارِضةٌ لها، أنّ ذلك التقاربَ كان تعبويًّا (تكتيكيًّا/ tactique) خالصًا: إنّ تصريحاتٍ كتلك التي أعلنها ليفي-بروهل (أو مالينوفسكي) لم تكن سوى محْضِ «خطاباتِ تملُّقٍ بلاغيّةٍ» (courbettes rhétoriques) للسّلطات الاستعماريّة، فرضتها الضّرورةُ لكيْ يتمكّن الباحثون من متابعة أغراضهم (الحقيقيّة)، العلميّة الخالصة[9].
إذا ما أعرضْنا عن التّفاسير التّبسيطيّة المتناظرة، سواء المتّسمة منها بالإدانة (dénonciation) أم بالإنكار (dénégation)، يجب علينا أنْ نفهمَ ما الذي يعنيه ذلك التّقاربُ الذي حصل بين علماءَ معروفين ورجالٍ استعمارٍ حول المطالبة باستعمارٍ عقْلانيٍّ، قائمٍ على الدّراسة العلميّة للسّكاّن البلديّين الأصليّين. لأجل استكشاف هذا الالتقاء، الجزئيِّ، لا أقلَّ، بين العقلانيّة الإداريّة والعقلانيّة العلميّة، أعتقد أنّ مفهوم «الهيمنة العقلانيّة» (domination rationnelle) يقدّم لنا مسارًا للتّحليل والفهم.

2/ «الهيمنةُ الدِّيوانيّةُ (البيروقراطيّةُ)» و»العقْلنةُ»
في الواقع، من الممكن أنْ نجد لدى ماكس فيبر بعضًا من أدوات التحليل لظاهرة وجود تقاربٍ بين العقلانيّة الإداريّة والعقلانيّة العلميّة، وبشكلٍ خاصٍّ في تحليله لـلهيمنة العقلانيّة، التي تجسّدها الدّيوانيّة البيروقراطيّة (bureaucratie)[10]. إنّ ما يمنح الغِنى للتّحليل الذي يُقدّمه فيبر للهيمنة، وفي الوقت نفسِه يلفّه بالغموض، هو طابعُه المزدوج:
فمن جهةٍ، نجد أن تصنيفيّته (typologie) مبنيّةٌ، صراحةً، لا انطلاقًا من مميِّزاتٍ فعليّةٍ (حقيقيّةٍ) للهيمنة، بل انطلاقًا من مبدإٍ (أساسٍ) للشرعيّة (légitimité) مطلوبٍ لأجل هذه الهيمنة؛

ومن جهةٍ أخرى، نجد أنّ فيبر يقدّم، في الحقيقة، في تحليله توصيفًا لـ المميِّزات الشكليّة (traits formels) لمختلف أنماط الهيمنة، وهي مميِّزاتٌ لا يبدو، بالضّرورة، أنّ مبدأَ الشرعيّة المهيْمِنَ هو الذي يُحدّدها.
بإمكاننا، إذنْ، أنْ نحلّلَ مفهومَ (الهيمنة العقلانيّة) مع الأخذ بعين الاعتبار هذيْن الجانبيْن.
يرى فيبر أنَ الهيمنةَ الدّيوانيّةَ (البيروقراطيّة)، هي شكلُ الهيمنة الحديث المحْض (spécifiquement moderne)، الـمُميَّز، تحديدًا، بطابعِه العقلانيِّ، القابلِ للحساب والإحصاء. إنّها تُمثّل درجةَ الكمال، من وجهة نظر الهيمنة، لسيرورة العقلنة التي هي، باعتقاد فيبر، خاصّةٌ بالغرب[11]. وِفق هذا المنظور، نرى أنّ مفهومَ (الهيمنة العقلانيّة) يأخذ، جوهريًّا، معنًى شكليًّا (formel)، نظرًا إلى أنّ الدّيوانيّةَ (البيروقراطيّةَ) تدعم إجراء «عقْلنةٍ» (rationalisation) لطرائق الهيمنة. إنّ ما يجعل من الهيمنة الدّيوانيّة (البيروقراطيّة) شكلًا للهيمنة «عقلانيًّا مَحْضًا» (spécifiquement rationnelle)، هو أنّها، بالتّحديد، هيمنةٌ قائمةٌ على المعرفة[12].
وهكذا يتبيّن، إذنْ، أنّ الحاجةَ للمعرفة تنخرط ضمن مقتضَيات الإدارة الدّيوانيّة/البيروقراطيّة، وأنّ إنتاجَ نوعٍ خاصٍّ من المعرفة يبدو بمنزلة أحد مميِّزات هذا الشّكل من الهيمنة. لقد شجّع تطوُّر الهيمنة الدّيوانيّة (البيرقراطيّة) نوعًا من التّكوين الاختصاصيّ (formation spécialisée)، من خلال تركيزه على ضرورة تحسين الكفاءة التّقنيّة للموظّفين. وبهذا يتبيّن لنا أنّ للهيمنة الدّيوانيّة/البيروقراطيّة، لدى فيبر، ارتباطًا وثيقًا بظاهرتيْن أُخريَيْن:

من جهةٍ، بمسارِ عقلنةٍ.
ومن جهةٍ أخرى، بأهمّيّةِ المعرفة والخِبرة، سواء في الممارسات الإداريّة، أم في تكوين الوكلاء[13].
وهكذا يتبيّن أنّ عقلنةَ الأدواتِ المعرفيّةِ، في ميدان العمل، المدعومةَ من النّشاط الدّيواني (البيروقراطيّ)، وجدت نفسها تلتقي من قريبٍ مع عقلنة منظومات إنتاج المعرفة التي يقوم بها النّشاط العلميّ[14].

عند هذا المستوى الأوّل من القراءة، يُتصوَّر الطّابعُ العقلانيُّ كمُميِّزٍ إيجابيٍّ، يميِّز هذا الشّكلَ من الهيمنة مقابل الأشكال غير العقلانيّة للهيمنة القُدْسيّة القائمة على الهيبة الشخصيّة (الكاريزميّة / (charismatique والهيمنة التّراثيّة (التّقليديّة / (tradionnelle. ومع ذلك، يكمننا، أيضًا، تحليل الهيمنة ذات الـنّمط «العقلانيّ-الشرعيّ» (rationnel-légal) بإعطاء دورٍ محوريٍّ لمفهومَيْن مُترابطيْن هما الشّرْعنةُ (legitimation) والاعتقادُ (croyance). في الواقع، يؤدّي الاعتقادُ دورًا محوريًّا في تحليل فيبر للهيمنة. تقوم الشرعيّةُ «التّراثيّة/التّقليديّةُ» على الاعتقاد في طابعٍ مقدَّسٍ للتّراث/التّقليد، كما أنّ الشرعيّة القُدْسيّة/الكاريزميّة قائمةٌ على الاعتقاد في وجود هبةٍ فَوْطبيعيّة (فوق- طبيعيّةٍ / (surnaturel في القائد المقدَّس/الكاريزميّ. وعلى هذا المنوال، يرى فيبر أنّ الهيمنةَ الشرعيّةَ تقوم على الاعتقاد في طابعها (المتطابق مع الشرعيّة) والعقلانيّ. إذا ما جاز لنا أن نُعرِّفَ شكلَ الهيمنةِ الخاصَّ بالحداثة باعتباره (هيمنةً عقلانيّةً)، فإنّ ذلك بمعنى كون الشرعيّة تقوم على الاعتقاد، بما أنّها في الحقيقة قائمةٌ في العقل[15]. ولذلك فإنّ الرِّهان، وفق هذا المنظور، ليس هو تقويمَ الطابعِ الأكثرِ (أو الأقلّ) عقلانيّةً، فعليًّا، للهيمنة الدّيوانيّة (البيروقراطيّة) الحديثة (كما أنّ الطابع التراثيّ/التقليديّ، حقًّا، للهيمنة التّراثيّة/التّقليديّة» لم يكن هو الشُّغلَ الشّاغلَ لـ فيبر)، بلْ كان الرّهانُ تحليلَ المعنى المقصودِ من كون الهيمنة الديوانيّة (البيروقراطيّة) تفرض نفسَها باسم العقل. وهكذا يستدعينا فيبر إلى التّعامل بجِدِّيّةٍ مع خطاب تبرير الهيمنة (عوضًا عن وصْمه، باديَ الرأي، بأنّه خطابٌ إيديولوجيٌّ)، وذلك لأنّ له آثارًا على (اعتقادات) الأطراف المشمولة بعلاقة الهيمنة، وعلى المسار العمليّ لهذه الهيمنة.

من وجهة النّظر هذه، يمكننا القول، متابعةً لتحليل فيبر، أنّ ما يميِّز الدّولةَ الحديثةَ، هو بالتأكيد ادّعاءُ العقلانيّة. لقد أصحبت «مطابقةُ العقل» مبدأً (أساسًا) للشرعيّة، بمعنى أنّها أصبحت، في آنٍ، حُجَّةً للتّبرير، وواحدةً من المعايير الأساسيّة في تقويم الطّابع الشّرْعي للهيمنة: وهذا ما بإمكاننا أنْ نطلق عليه اسم «النموذج الإرشادي للأنوار» (paradigme des Lumières)، الذي يقوم على تحالفٍ بين الخبراءٍ إخصّائِيِّي العقل (spécialistes de la raison) ومُحَدْثِنِي (modernisateurs) الدّولة الملِكيّة (monarchique)[16]. لقد صار العلمُ، الذي يُنظَر إليه بوصفه أعلى سلطةٍ للعَقْلنة والتّقدّم، عاملًا أساسيًّا من عوامل الشّرعنة خدمةً لسلطة الدّولة، معوِّضًا في ذلك الدّينَ بشكل تدريجيٍّ تصاعديٍّ يومًا بعد آخَرَ. يُفصِح الدّعمُ الذي تُقدّمه الدّولةُ للعلم عن حقيقة أنّ الدّولةَ مُنحازةٌ تمامًا للعقلانيّة، وبذلك يصحّ القولُ: (الدّولةُ تحتكر العقلَ)، تمامًا كما هو شائعٌ القوْلُ: (الدّولةُ تحتكر القانونَ).

ومع ذلك، من المهمّ أنّ نؤكّدَ أنّ هذه الصّياغةَ الملائمةَ في عبارتَيْ (الدّولة)، و(العلم) لا تُحيل إلى تضادٍّ دائمٍ مستحْكِمٍ بين عالَـمَيْن مُغْلَقيْن بينهما علاقةٌ خارجانيّةٌ (علاقةٌ من خارجٍ/relation d’extériorité) يُصرّ فيبر، بالخصوص، على ضرورة أنْ يُؤْخَذ بعيْن الاعتبار دورُ وكلاء الدّولة، الذين لهم مصلحةٌ خاصّةٌ في العقْلنة الشكليّة (formelle)، نظرًا إلى أنّها تحميهم من تعسّف السّلطة السّياسيّة. يبدو من المفيد أكثرَ أنْ ننتقلَ في نظرتنا إلى الدّولة من كونها فضاءً من الكُتل المتراصّة المتصارعة إلى كونها فضاءً للتّنافس بين مجموعاتٍ متواقِفةٍ (متوقِّفٌ بعضُها على بعضٍ interdépendantes)، حيثُ يتدخّل «أخصّائِيّو المعرفة» (الذين قد يكونون وكلاء للدّولة وقد لا يكونون)، في آنٍ، كـرُوّادَ للعمل (protagonistes) وكـحلفاء كامِنين (حلفاء بالقوّة/potentiels[17]). وبالمثل، فإنّ مفهومَ (العلم) لا يُحيل إلى تعريفٍ ثابتٍ جامدٍ (immutable) للعلم، بل إلى مجموعة التّطبيقات التي توصَف بأنّها (علميّةٌ) في فترةٍ ما، والتي تُمثّل الحدودُ بينها رهانًا أساسيًّا.

يجيزُ مفهومُ (الهيمنة العقلانيّة)، كما يستعمله فيبر، إذنْ، قراءةً مزدوجةً:
من جهةٍ، هو يُميِّز أشكالَ عقلنةٍ لطرائق الهيمنة؛
ومن الجهةٍ الأخرى، هو يُحيل إلى مبدإ الشّرْعنة الـمُتذرَّع به (invoqué)، أيْ إنّه يُحيل إلى ادّعاء وجودِ هيمنةٍ تَعرض نفسها بتأكيدٍ، بوصفها عقْلانيّةً.
إذا ما حلّلنا الطّريقةَ التي يُمكن للهيمنة العقلانيّة أنْ تُجنِّد بها العلمَ، لنا أنْ نُقابلَ بين بُعْدَيْن:
من ناحيةٍ، يُزوِّد العلمُ الدّولةَ ووكلاءَها بالموارد الضّروريّة لعقْلنة أدوات التّوجيه والمراقبة والتّحكّم (contrôle)، أيْ إنّه يقوم بـ الإمداد بالأدوات (instrumetation)؛

من الناحيةٍ الأخرى، يُمكن تجنيدُ العلم في استراتيجيَات الشّرْعنة[18]:
عندما نراجع مختلفَ التّحاليل للعقلانيّة العلميّة، وتحديدًا بالشّكل الذي تأخذه في العلوم الاجتماعيّة، في علاقتها بالأشكال الحديثة للهيمنة، نلاحظ أنّها قد انقسمت في ما بينها، في تفضيل أحد هذَيْن البُعْديْن أو في تفضيل نظِيره، فقسمٌ منها يُصرُّ على بُعْد الشّرْعنة، بينما يُصرُّ القسمُ الثّاني على بُعْد الإمداد بالأدوات، المرتبط بظهور التِّقانات السّياسيّة» (technologies politiques). أظنّ أنّه من الأجدى متابعة التّحليل مع الحفاظ على المعنى المزدوج التي يتّخذه مفهومُ (الهيمنة العقلانيّة) لدى فيبر. أحدُ منافع الرّجوع إلى مفهوم الشّرْعنة هو أنّه يسمح بالإفلات من تحليلٍ يُفْرطٍ في حصر الأمر في بُعْد التّسخير (instrumentalisation)[19]. كما يمكّننا مفهومُ الشرْعنة من تجاوز التّعارض السّاذج (البسيط جدًّا)، والمثقَل جدًّا بالأحكام القيميّة، بين معرفةٍ نفعيّةٍ (utilitaire)، مُنْتَجةٍ مباشرةً لغاياتٍ أداتيّة، ومعرفةٍ «غيرِ نافعةٍ» (inutile)، مفروضٍ أنّها نزيهةٌ مترفِّعةٌ عن الغايات الرِّبحيّة (désintéressé)، وبالتّالي فهي أكثرُ نُبْلًا وسُمُوًّا (plus noble)؛ وفق منظور شرْعنة الهيمنة، قد يتبيّن أن معرفةً «مجّانيّةً» (gratuit)، غيرَ رِبحيّةٍ (non intéressé)، هي أكثرُ فعّاليّةً من معرفةٍ موجَّهةٍ، بشكلٍ سافرٍ، نحو الأغراض العمليّة.

يمثّل هذان البُعْدان نموذجَيْن مثاليَّيْن: يجب عدمُ تصوُّرِهما بوصفهما احتماليْن نقيضَيْن ممنوعَيِ الجمع، يتناوبان الانحصار، بل بالأحرى، يجب التّعامل معهما بوصفهما قُطبيْن متضادّيْن، توجد بينهما الممارساتُ الاستعماريّةُ المتنوّعةُ. وهكذا يتيسّر تحليل ادّعاء عقلنة معرفة السّكّان البلديّين الأصليّين في السّياق الاستعماريّ، لا فقط من وجهة نظر تطوير ترسانةٍ من الأدوات الضّروريّة لفكّ رموز العالَـم المستعمَر، بل أيضًا من وجهة نظر خطاباتِ شرْعنة الهيمنة.

3/ دراسةُ هويّةِ الأعراق وفهمُ السّكان البلديّين الأصليّين
لقد جرى تحليل عمليّة المعرفة العلميّة للأقاليم المستعمَرة وللسّكّان الخاضعين للاستعمار، بشكلٍ أساسيٍّ، استنادًا إلى البُعْد الأداتيّ (الإمداد بالأدوات): وهكذا، فإنّ المجهودَ المعرفيَّ الضّخمَ، الذي أنجزه، منذ ما قبل عمليّات الغزو وخلالها، أنجزه المستكشفون، ثمَّ العسكريّون، قد أمكن تحليلُه وفق منهج العمل الاستعلاميّ (جمع المعلومات/renseignement) الذي يمثّل جزءًا من ترسانة تِقانات الغزو، ثمّ السّيطرة وإدارة السّكّان البلديّين الأصليّين، الـمُطوَّعين (pacifiés)[20]. بشكلٍ أعمَّ، تتضمّن سياسةُ الأقاليم الـمَغْزُوّة فعلَ عقلنةٍ، بمعنى نَظْمٍ للعالَم المستعمَر. توفّر خطاباتُ علماءِ الأنتروبولوجيا، في نُسَخها المختلفة، مجموعةً من الأدواتِ إلى هذه المهمّة التوجيهيّة وإلى هذا النّظم: تقترح هذه الخطاباتُ معاييرَ لدرْسِ هُويّة السكّان البلديّين الأصليّين وقوالبَ منهجيّةً للتّأويل توفّر فهمًا مُجلِّيًا للسّلوكات التّي تُعدّ غريبةً مُربِكةً.

لقد ادُّعيَ هذا الغرضُ، في أغلب الحالات؛ في الواقع، قد كانت الإدراةُ الاستعماريّةُ تنطلق أوّلًا من منطق الجدوى العمليّة لتبريرِ ضرورة إنتاج المعارف المتعلّقة بالمناطق والسكّان التّي تنوي السّيطرةَ عليها وإدارتَها. توصي الهرميّةُ الإداريّةُ [الاستعماريّة]، بانتظامٍ، بإنتاج أعمال حوْصلةٍ (travaux de synthèse) تصوِّر، في شكل دراساتٍ أُحاديّةٍ (monographies) وافيةٍ، الحالةَ المعرفيّةَ حول مختلف الدّوائر[21]. وهكذا، نرى أنّ المفوَّضَ [الاستعماريَّ] المعتمدَ في جمهوريّة الكاميرون يُصرّ، سنة 1920 على إلحاحيّة (استعجاليّة / (urgence) معرفة هذا الإقليم، الذي سُحِبَ من ألمانيا [المهزومة] ومُنح لفرنسا تحت وصاية عصبة الأمم إثرَ الحرب العالميّة الأولى. لقد طَلب، إذنْ، تحريرَ دراساتٍ أُحاديّةٍ، تضمُّ فصلًا حول الإتنوغرافيا، التّي يقترح لها المخطَّطَ التّاليَ:

«الإتنوغرافيا. التّاريخ - اللّغات – العادات والأعراف - القانون العُرفيّ - الدّين - تجمّع السكّان والزّعامة البلديّة الأصليّة (indigène) - مميّزات العِرق - السكّان [البلديّون الأصلييّن] - الكثافة - السّكن - أشكال الحياة العائليّة - الملابس»[22].
تمثّل دراسةُ مجموعات السكّان البلديّين الأصليّين المتباينة، التّي تُسمّى عُمومًا «أعراقًا» (races) وضرورةُ ملاءَمةِ السّياسة التّي يجب اتّباعها مع كلٍّ منها وِفق مواصفاتها الخاصّة، تمثّل موضوعًا متكرّرًا في الخطابات الاستعماريّة، كما في المراسلات الإداريّة في ما بين الحربين [العالميّتين الأولى والثّانية]. توفّر الشّبكة العِرقيّة (grille ethnique) لغةً تمكِّن من فكّ رموز السكّان البلديّين الأصليّين. بذلت الإدارةُ جهودًا مهمّةً لتمييز «المجموعات العرقيّة» (groupes ethniques) وتحديد مواقع تمركزها الجغرافي (عوّض هذا المصطلحُ (المجموعات العِرقيّة) العلميُّ، شيئًا فشيئًا، مصطلحَ الأعراق (races))، بوصف ذلك هو الأساس لفهْم الاختلافات الاجتماعية، وهو الفهْمُ الذي ترتكز عليه، في آنٍ، الممارساتُ الإداريّةُ والخطاباتُ العلميّةُ[23]. في الواقع، لقد كان إنتاجُ أدواتٍ لدراسةِ هُويّةِ السّكّان البلديّين الأصليّين وتصنيفِهم أحدَ المجالات التي تجلّى فيها، كأفضل ما يكون، الالتقاءُ وتضافرُ الجهود بين أشكال الوضْعنة (objectivation) الإداريّة والوضْعنة العلميّة، الذي بلغ أوْجَهُ في إنتاج نسخةٍ من الإتنولوجيا، بحَصْر المعنى (تتعهّد بمهمّة إعادة تشكيل أصول الأعراق وهِـجْراتها). لقد كان الغرضُ، من المجهودات المتكرّرة للإدارة الاستعماريّة، هو إنتاجَ جداول إحصاءٍ عِرْقيّةٍ (inventaires ethniques)، توفّر تقويمًا (تقديرًا) بالأرقام للمجموعات المختلفة، وخرائطَ، ترمي إلى تحديد مواضع وجودهم جغرافيًّا[24]. تكمن إحدى مُميِّزات تلك الأعمال في قدرتها على التّنقّل في فضاءاتٍ متنوّعةٍ. هي تريد، عمومًا، أنْ تحصر اهتمامَها في التّوجّه نحو الممارسة على أرض الواقع، مع الاستجابة لمتطلّبات المبادئ العلميّة: هذه الأعمالُ، بوصفها ثمراتٍ لعقلانيّةٍ إداريّةٍ، بإمكانها، أيْضًا، أنْ تُنْشَرَ في المجلّات العلميّة، أو كذلك، أنْ تُستعمَل لأغراضٍ دعائيّةٍ.

وهكذا نجد أنّ مكتب الشّؤون السّياسيّة يكتب تقريرًا، في 30 أكتوبر/تشرين الأوّل سنة 1933، يرصد فيه (حالةَ مختلف المجموعات اللُّغويّة في الكاميرون)، يسجّل فيه حوْلَها تقديراتٍ رقميّةً، ويقوّم الاتّجاهاتِ الهيمنيّةَ لدى بعض المجموعات اللّغويّة، وعلى وجه الخصوص، لُغتَيْ: الفانگْ (FANG) والدُّوالا (DOUALA)[25]. إنّ دراسةً كهذه تجد لها مُرْتَكَزًا منطقيًّا في هواجس الإدارة الاستعماريّة لإنقاص عدد اللُّغات الإفريقيّة، التي تبدو كعقبةٍ أمام عمليّة التّواصل، ولأجل تعيين اللّغات التي يجب على الموظَّفين الإداريّين تعلُّمها. نُشِر هذا التّقريرُ، نفسُه، بعد بضعة شهورٍ، في جريدة جمعيّة الأفريقانيّين (Jounal de la Société des Africanistes)، لسان حال الجمعيّة العلميّة الّتي تحمل الاسمَ نفسَه، نُشِر تحت عنوان «جدول الإحصاءِ العِرقيّ واللُغَويّ لِـ الكاميرون تحت الوصاية الفرنسيّة»[26]. في السّنة نفسِها، قرّر المُفوَّضُ تخصيصَ مكافآتٍ للمسؤولين الإداريّين الذين يتمكّنون من تعلُّمِ اللُّغات المحليّة، من أجل تشجيعهم على اختراق عقليّة المستعمَرين الذين يخضعون لإدارتهم»[27].

في الكاميرون دائمًا، كان من بين المشاكل السياسيّة، التي شخّصتْها الإدارةُ الاستعماريّةُ، وجودُ سكّانٍ بلديّين أصليّين وثنيّين في الشَّمال، يُسمَّوْن الكِيرديّين (KIRDIS)، خاضعين لهيمنة مجموعاتٍ من السّكّان البلديّين الأصليّين المسلمين، هم الفُولبيّون (FOULBÉS). قرّرتِ الإدارةُ الاستعماريّة الفرنسيّةُ، بين سنتَيْ 1923 و 1924، إنشاء مقاطعاتٍ (cantons) خاصّةٍ للكيرديّين، متجانسةٍ عِرْقِيًّا، مستقلّةٍ عن الفولبِيّين، وحثّت المسؤولين الإداريّين على دراسةِ (عاداتهم وأعرافهم)[28]. بعد عشر سنواتٍ، حرّر مديرُ مكتب الشّؤون السّياسيّة، شالور (CHALEUR)، مُذكِّرَةً طويلةً خصّصها لـ «منطقة الشّمال» [في الكاميرون]، وذلك في سياق التّحضير للجولة التي كان مُفوّضُ الجمهوريّة [في الكاميرون] قد قرّر القيام بها في المنطقة. أكّد الكاتبُ، في مُذكِّرتِه، أنّه «إذا ما كان تركيزٌ خاصٌّ قد انصبّ على قبائل شمال الكاميرون، فذلك لأنّ المسألةَ السّياسيّةَ متوقّفةٌ، بشكلٍ أساسيٍّ، على التّحركات، وعلى العلاقات وعلى ردود الأفعال التي تقوم بها الأعراقُ المتنوّعةُ التي تسكن تلك المنطقةَ».
لقد خصّص شالور، كاتبُ المُذكِّرةِ، ستًّا وعشرين صفحةً للأعراق (races)، التي يُقدّم لها «تقسيمًا عرقِيًّا» (repartition ethnique)[29]، مُعزَّزًا بالأرقام والخرائط. كما حرّر شالور، هذا نفسُه، بين سنتَيْ 1935 و 1937، انطلاقًا من الوثائق المحفوظة الخاصة بدائرته في العمل، ومن أعمال الأنتروبولوجيا الماديّة (anthropologie physique) التي قام بها الدّكتور ليونْ بُوتْرَنْ (Léon POUTRIN)، ومن أعمالٍ ألمانيّةٍ، حرّر ما سمّاه (دراسةً عامّةً تتعلّق بسكان الكاميرون)، كانت تهدف، بشكلٍ خاصٍّ، إلى إثبات أصولِ مختلَفِ المجموعات العِرْقيّة، وهجراتها وأخْلاطها؛ نُشِرتْ هذه الدّراسةُ بعد ذلك، سنة 1943، في نشرة جمعيّة الدّراسات الكاميرونيّة (Bulletin de la Société d’études camerounaises)، تحت اسم (مّخطَّطٌ عِرْقِيٌّ إجماليٌّ للمساعدة في دراسة القبائل الرئيسيّة الموجودة في الأراضي الكاميرونية الخاضعة للوصاية الفرنسيّة)[30].

تعطي حالاتُ مرورِ التّقارير الإداريّة، هذه، من مكاتب الإدارة [الاستعماريّة] إلى نشرها في الدّوريّات العلميّة في شكل دراساتٍ علميّةٍ، تعطي مثلًا على الانتقال من أشكالٍ من المعرفة الإداريّة إلى خطابٍ علميٍّ. إنّ استعادةَ مؤسّسات البحث، التي بدأت شيئًا فشيْئًا بالتمركز في الأراضي المستعمَرة، للمهمامِّ التّصنيفيّة لَأمْرٌ ذو دلالةٍ هامّةٍ. إنّ تحويل لجنة الدّراسات التّاريخيّة والعلمية الخاّصة بإفريقيا الغربيّة الفرنسيّة (AOF)، وهي جمعيّةٌ علميّةٌ كانت تضمّ، تحت مسؤوليّة الحاكمِ العامِّ، المستعمِرين المـَعْنيّين، إنّ تحويلها إلى «المعهد الفرنسيّ لإفريقيا السّوداء» (Institut Français de l’Afrique Noire / IFAN)، تحت إدارة باحثين مُنْتدَبِين (détachés) من المركز الاستعماريّ، يمكن قراءتُها على أنّها عمليّةُ منحٍ تدريجيٍّ تصاعديٍّ للاستقلاليّة لجهاز إنتاج المعارف عن الجهاز الإداريّ، وإعادة ربْطٍ له مع المراكز العلميّة المركزيّة (métropolitains/المستقرّة في المركز الاستعماريّ). وعلى الرّغم من ذلك فإنّ المعهد (IFAN) استمرّ في إعداد جداولَ إحصاءٍ للسّكّان الأصليّين ودارسة هوّياتهم، من خلال إعداد (ملفّاتٍ تقنيّةٍ)، في مراكزه المتعدّدة، يغذّيها بمعطياتٍ يجمعها مسؤولون إداريّون وباحثون. في الكاميرون، استُعيد عملُ شالور، استنادًا إلى المعلومات المستقاة من محفوظات وثائق (archives) مكتب الشّؤون الخارجيّة، مُطعَّمةً بتقارير الجولات الميدانيّة، وبالإحصائيّات وبمساهمات رؤساء الدّوائر وأعضاء القسم الصحّيّ، وأدّى، سنة 1949، إلى نشر (جدول الإحصاء العِرْقيّ لجنوب الكاميرون)[31]. وحصيلةُ هذه المعرفةِ، الـمُراكَمة بشكلٍ جماعيٍّ، قامتْ بإعدادها إيديلاتْ دُوگَاسْتْ (Idelette DUGAST)، التي تُجسّد مسيرتُها المهنيّةُ عمليّةَ الانتقال من المعرفة الإداريّة إلى علم الأعراق (الإتنولوجيا / (ethnologie الجامعيّ[32].

ويَصْدُق هذا التّحليلُ نفسُه بالنّسبة للخرائط العِرْقيّة، الأداة الفعّالة لدراسة الهُويّات العرقيّة، في آنٍ، على المشرب العلميّ وعلى المشرب الإداري[33]. سنة 1939، نشرتْ مجلّةُ جمعيّة الأفريقانيّين (خريطةً موجَزةً مُبسَّطةً للسّكّان البلديّين الأصليّين في الكاميرون)، أنجزها إتنوغرافيٌّ (إتنيٌّ وصْفيٌّ/ethnographe) شابٌّ، عضوٌ في بعثة گرِييُولْ (GRIAULE) الرّابعة، المعروفة باسم «الصّحراء-الكاميرون» (والرّائدة مستقبلًا في البحث الحَضريّ)، اسمهُ بول- هنري شُومْبارتْ دو لُووْ (Paul-Henry CHOMBART DE LAUWE)، أنجزها بمشاركة المسؤولِ الإداريٍّ- القائد للمستعمَرات، ج. دِيبُودُو (J. DEBOUDAUD)[34]. أشار الكاتبانُ إلى أنّ الغرض الأساس من إنشاء هذه (الأداة المؤقّتة) كان هو التّحقيقَ الهُوَويَّ، كما أشارا إلى آثارها على المنهجيّة المختارة:

«ليست المصلحةُ الحاليّةُ، من إنجاز خريطةٍ لتصنيف السّكّان البلديّين الأصليِّين، تصويرَ تصنيفٍ تعسُّفيٍّ اعتباطيٍّ (arbitaire) تقريبًا، بل كانت المصلحةُ هي في ملاحظة الفوارق الأساسيّة المفيدة للإدارة.
«إضافةً إلى ذلك، إنّ كلَّ السِّمات والخصائص نافعةٌ لأجل تعريف مجموعةٍ عِرْقِيّةٍ وتحديدها. وتنفع في ذلك، بشكل أساسيّ، الأعرافُ والعاداتُ المادّيّةُ، والسّياسيّةُ والدّينيّةُ، بالإضافة إلى المعطيات الجغرافيّة واللُّغويّة التي تَكلّمنا عنها آنفًا»[35].

وهكذا نرى كيف أنّ الخرائطَ الإتنوغرافيّة (العِرقية الوصفيّة / ethnographiques) قد تمّ اعتمادُها كأدواتٍ للتّدبير الإداريّ (gestion administrative)، تمامًا بقدر اعتمادها كأدواتٍ للتّعميم العلميّ. لقد تمّ تفويض مجهودِ إعداد تلك الخرائط، الذي كانت تُنْجَز من قبلُ في نطاق الإدارة، تدريجيًّا تصاعديًّا، إلى مجموعةٍ من الباحثين المحترفين، والمختصّين في الجغرافيا (géographes) والإتنولوجيّين (علماء الأعراق/ ethnologues)، الذين سيتمّمون عمل الإداريّين ويمنهجونه، ليصبح، منذ سنة 1945، في عهدة معهد (IFAN)[36].
في ما وراء مقصد درس الهويّات هذا، كان التصوّرُ الحاكِـمُ على الممارسة الإتنوغرافيّة (عمل الوصف العِرْقيّ) هي أنّها مجهودٌ لفهم السّكّان البلديّين الأصليّين «البدائيّين» (primitives) و»المتخلّفين» (attardées) . ما هو جديرٌ بالملاحظة، هنا، هو أنّ معرفةً ذاتَ أصولٍ إداريّةٍ غالبةٍ يمكن استثمارُها في سياقٍ علميٍّ، أيْ أنّها تحظى بإقرارٍ بكونها وثيقةً صالحةً للأغراض العلميّةٍ. نلاحظ، واقعًا أنّ مِن بين المميِّزات الجوهريّة لتلك المعرفة الاستعماريّة هو غيابُ التّماسك بين مجالَيْن يُعتَبران، عند جامِعيِّي نهاية القرن العشرين، من حيثُ المبدأُ منفصليْن تمامًا. بلْ، لقد وجدنا، تفاعلًا ثابتًا بين المعرفة الإداريّة والمعرفة الإتنوغرافيّة. تمثّل المُذكّرةُ الإداريّةُ التي حرّرها المسؤولُ الإداريُّ فيليكْسْ إيبُووِي (Félix ÉBOUÉ) مثالًا ذا دلالةٍ خاصّةٍ في ما يتعلّق بوجود ذلك الوصْل والاستمراريّة (continuité) بين المعرفة «الاستعماريّة» والمعرفة «العلميّة»[37]، وذلك نظرًا إلى أنّ تلك المذكّرةَ كانتْ، في آنٍ، تُقدَّم في ذلك الزّمان كمثالٍ «يُحتذى»، وكذلك بسبب السّيرة المهنيّة المُميَّزة لكاتبها[38]. لقد كانت المُذكّرةُ موضوعَ إطّلاعٍ وتباحثٍ وعرْضٍ، في قسم الإتنوغرافيا في مؤتمر علم الأعراق (الأنتروبولوجيا / (Anthropologie وعلم الآثار (Archéologie) المتعلّق بمرحلة ما قبل التّاريخ، خلال المعرض الاستعماريّ الذي أُقيم سنة 1931، ونُشرتْ، في ما بعد، في العديد من المجلّات، الاستعماريّة والعلميّة[39]. وأخيرًا، طُبعتْ في كُتيّبٍ منفصلٍ برعاية الحكومة العامّة.

طلب الحاكمُ العامُّ رافايال أَنْتُونِتّي (Raphaël ANTONETTI)، ممثّلُ أعلى سلطة في التراتبيّة الاستعماريّة، طلب من مرؤوسيه إنجازَ مثل هذا العمل المعرفي كلٌّ في دائرته[40]. كما عُمِّم منشورٌ، ذو طابعٍ رسميٍّ جدًّا، بما أنّه قد أُرسِل إلى جميع المسؤولين الإداريّين، ونُشِر في الجريدة الرسمّة لإفريقيا الإستوائيّة الفرنسيّة، يدعو إلى الاقتداء بمُذكّرة إيبُووِي، التي أُرسلت منها نُسخةٌ إلى كل مركزٍ.

«ألفتُ نظرَكم إلى أنّ العملَ الرّائعَ، الذي نشره السّيّد إيبُووِي، ينبّه إلى أمرٍ ذِي صبغةٍ أعمَّ يهمّ كلَّ مَن هم مدعُوّون للقيادة في الرّيف. لن أكفَّ عن التّذكير بأنّ القيادة الإداريّة الجيّدة يجب أنّ تكون قائمةً على معرفةٍ كاملةٍ بسّكّاننا البلديّين الأصليّين (nos indigènes). لا شيءَ آخَرَ يمكنه أنْ يعوِّضَ هذه المعرفةَ، ولأجل ذلك أودّ أن أرى المسؤولين الإداريين ينكبّون، في حدود الإمكان، على القيام بتحقيقاتٍ شبيهةٍ بالتّحقيق الذي قام به السّيّد إيبُووِي، بمنهج السّعي، من خلال تحصيل فهْمٍ أكثرَ عُمْقًا لسُكّانهم البلديّين الأصليّين، لا بروح ممارسة الفضول أو التّسلية الفكريّة (التّرف الفكريّ)، بل لأجل الظّفر بالوسيلة التي تقي من الوقوع في الأخطاء، وفي الوقت نفسه يمكنهم أنْ يستعملوا تلك الأعراف والعادات نفسها لكيْ يُفهِموا مرؤوسيهم، بطريقةٍ ما، ومن خلال لغتهم هم، ما نريد منهم أنْ يفعلوا[41].»
يمثّل الفعلُ الإتنوغرافيُّ، إذن، أحدَ أشكالِ التميُّز، يُقدَّم كمثالٍ للاقتداء إلى جميع المسؤولين الإداريّين[42]. كان هذا الأمرُ يعني التمكُّنَ من «اللّغة» (تُسمّى اليومَ «الرّمْز» ((code) للمجتمعات المـُدارةِ. هنا، تبدو المعرفةُ المنهجيّةُ وجهدُ فهم السّكان البلديّين الأصليّين كأداتَيْن للتّواصل وللقيادة يجب أنْ يتمكّن منهما المسؤول الإداريُّ ليُتقن أداء وظيفته.

في الوقت نفسه، أرسل رافايال أَنْتُونِتّي الـمُذكِّرةَ إلى ممثلي مؤسسة الإتنولوجيا في المركز الإستعماريّ، وعلى وجه الخصوص، إلى هنْري لابوري (Henri LABOURET)، الذي كان وقتها يُدرِّس الإتنوغرافيا في المدرسة الاستعماريّة وفي معهد الإتنولوجيا، وكذلك إلى لوسيانْ ليفي-برُوهْلْ. وجّه هذا الأخيرُ رسالةً، لافتةً للنّظر، إلى الحاكم العامّ، مُعربًا له فيها عن امتنانه لدعمه لمعهد الإتنولوجيا:
لقد قرأْتُ، بأقصى درجات الاهتمام، تلك الملاحظاتِ المتعلّقةَ بشعوب أُوبانغِي-شارِي، الّتي دوّنها رجلٌ يُتقن المشاهدةَ، ويبدو ممّا كتب أنّه يمتلك تجربةً طويلةً وخبرةً عميقةً حول أولئك السّكّان البلديّين الأصليّين. لم يَسبق لعمليّات الإضاءة التي تستطيع الإتنولوجيا أنْ توفّرها، حول عقليّة السّكّان البلديّين الأصليّين، أنْ ارتقت إلى هذه الدّرجة من القيمة. إنّه لممّا يجلب السّعادة أنْ نرى أنّ مسؤولينا الإداريّين تزداد قناعتُهم أكثرَ فأكثرَ بجدوى، بل يمكننا القول بضرورة هذه الدّراسات، وأنْ يحرصوا، هم أنفسُم، على توفير الشروط اللّازمة لتحقيقها بقدر ما يستطيعون[43].»

بشكلٍ أعمَّ، يبدو أنّ التّشجيعَ والدّعمَ، الذي كانت تقدّمة السّلطاتُ الإداريّةُ الاستعماريّةُ العليا للاهتمام بالدّراسات المتعلقة بسكّانـها البلديّين الأصليّين، يبدو أنّه قد أصبح أوضحَ في العقد الرّابع (ثلاثينات القرن العشرين)، في بعض الأقاليم المستعمَرةِ، في الحدّ الأدنى. هذا الإلحاحُ في التّأكيد على الفهْم يتوافق أيضًا مع قلقٍ: بعد الانتفاضة التي حصلتْ في يانْ-بايْ (Yen-Bay) في الهند الصّينيّة، والّتي عُزِيَتْ إلى النقص في التّواصل بيْن الإدارة الإستعماريّة والسّكّان البلديّين الأصليّين، أَصْدرتْ وزارةُ المستعمَراتِ منشورًا، سنة 1930، أمرتْ فيه المسؤولين الإداريّين لكلِّ المناطق بالبقاء على تواصلٍ واحتكاكٍ، بشكلٍ أقربَ، مع السّكّان الخاضعين لإدارتهم، وبمضاعفة جولاتهم الميدانيّة وبإيلاء اهتمامٍ أكبرَ بالسّكّان البلديّين الأصليّين[44]. وهكذا، فقد لاحظنا وجود خطواتٍ تشجيعيّةٍ جدِّيّةٍ جدًّا لإنجاز أعمالٍ إتنوغرافيّةٍ[45].
وهكذا تبيّن لنا كيف أنّ بُعْدَ «التِّقانة السّياسيّة» (technologie politique)، بقصد السيطرة على المجتمعات البلديّة الأصليّة وتغييرها، أمرٌ أساسيٌّ لفهْم سرّ انغماس البعض من وكلاء الدّولة الاستعماريّة في مجال المعرفة الإتنوغرافيّة. هذه المعرفةُ تمنح، في آنٍ، أدواتٍ لدراسة الهويّات وآلاتٍ تأويليّةً، وتساهم بالتّالي في إنتاج وسائلَ عقلانيّةٍ رسميّةٍ لـ»نَظْم» العالَم المستعمَر، توجِد شعورًا مُطمْئِنًا بالتّحكُّم بواقعٍ معقَّدٍ. وعلى الرّغم من ذلك، نرى أنّ من الواجب علينا توضيحَ أنّ تلك الإرادةَ، المتعلقةَ باكتساب المعرفة بالسّكّان البلديّين الأصليّين، ومنْ ثَمَّ «نظْم» أمورهم، يجب أن تأخذ بعيْن الاعتبار استراتيجيَاتِ المستعمَرين، وأنّها، مع ذلك، قد لا تؤدّي سوى إلى نظْم ظاهريٍّ شكليٍّ[46]. وبالتّالي، إنْ كان هناك وجودٌ فعليٌّ لنوعٍ من الوصْل والاستمراريّة (continuité) بين أشكالٍ من العقلانيّة الإداريّة وأشكالٍ من العقلانيّة العلميّة، فإنّ البُعْدَ «الأداتيّ» (dimension instrumentale)، لا يُلغي، على الرّغم من ذلك، الاستعمالَ الاستعماريَّ للمعرفة الأنتروبولوجيّة.

4/ أزمةُ الهيمنة و«التّفوُّقُ العِلميُّ»
إنّ التّأكيدَ المتجدّدَ، على ضرورة بذل الجهود اللّازمة لمعرفة السّكّان البلديّين الأصليّين وفهمهم، يجب أنْ يُرْبطَ أيضًا بتغيُّرٍ أعمَّ لشروط الهيمنة الاستعماريّة، وبشكلٍ أخصَّ، لشروط الحاجات الجديدة لشرْعنتها على السّاحة الدُّوَليّة. من المُؤكَّد أنّ حضورَ بُعْدِ شرْعنةٍ في الممارسات العلميّة ليس أمرًا جديدًا: في ما مضى، كان هذا البُعْدُ يعطي الإتنوغرافيا معنًى يتجاوز هيولى المقصد الأداتي. في الواقع، لقد أصبحت المعرفةُ الأنتروبولوجيّةُ، منذ القرن التّاسع عشر، تؤدّي دوْرًا أساسيًّا في صياغة «رسالة الحَضْرنة» (mission civilisatrice) وفي تبريرها، نظرًا لما تمثّله من ضمانةٍ علميّةٍ لمجال التأويل التطوّري (interprétation évolutionniste)[47]. وهكذا ظهرت الإتنوغرافيا، من بين التّطبيقات العلميّة الاستعماريّة، كـعاملٍ مُتمِّمٍ لوقائع الغزو الاستعماريّ: تمثّل الإتنوغرافيا، التي تُقْرَن غالبًا بعلم الآثار (الأركيولوجيا)، باعتبارٍ ما «نقطةَ الصّفر»، أيْ مرحلةَ «ما قبل التّاريخ»، التي تُوثِّق وضْعَ الشّعوب البلديّة الأصليّة قبل «دخولها في التّاريخِ»، الذي يبدأ مع الغزو نفسِه، الذي يمثّل باكورة الأفعال في سيرورةِ حضْرنةٍ مدفوعةٍ من الخارج. لقد كان هذا المُخطَّطُ التّطوُّريُّ وراء أغلب العروض الإتنوغرافيّة التي أُقيمتْ في المعارض الكبرى، الكونيّة والاستعماريّة[48].
لقد كان السّياقُ العامُّ، لتطوّر الاهتمامٍ بالمعرفة الأنتروبولوجيّة في فترة ما بين الحربيْن العالميّتيْن، هو سياقَ الحاجة لشرْعنةٍ جديدةٍ للهيمنة الاستعماريّة. خلال المؤتمر الذي عقدتْه جمعيّةُ السّكّان البلديّين الأصليّين ضمن فعّاليّات المعرض الاستعماريِّ الذي أُقيم سنة 1931، لمْ يتردّدْ أَلْبارْ صارُّو (Albert Sarraut)، وزيرُ المستعمَرات السّابقُ، والـمُنظِّرُ للاستعمار، لمْ يتردّدْ في الكلام حول «الأزمة الأخلاقيّة، وأزمة الهيمنة، وأزمة السّلطة» التي كان يعيشها الاستعمار آنذاك. لقد دخل الاستعمارُ مرحلة التّشكيك في شرْعيّته، وعلى وجه الخصوص بسبب تنامي الحركات الوطنيّة في آسيا (في الهند البريطانيّة، وفي الهند الهولنديّة، بلْ وفي الهند الصّينيّة الفرنسيّة كذلك)، وفي المغرب الكبير (شمال إفريقيا)، وتصاعد مطالب الصّفْوات (النُّخب / élites) الحَضَريّة الجديدة في السّنغال وفي الدّاهومي (البنين حاليًّا)، وتطوّر الدّعاية المعادية للاستعمار التي أطلقتها العالميّةُ الشّيوعيّةُ، وكذلك بسبب ارتفاع أصوات النّقد التي كانت تصدر من الولايات المتّحدة الأمريكيّة وألمانيا وإيطاليا، وهي القوى التي كانت قد أُقصيت من اللِّعبة الاستعماريّة.

لقد صرّح صارُّو، سنة 1932، وكان آنذلك وزيرًا للمستعمَرات، في خطابه الذي ألقاه بمناسبة العودة الدّراسيّة، أمام طلبة المدرسة الاستعماريّة، صرّح بما يلي:
«لقد ولّت الأزمنةُ حيثُ كانت القوّةُ وحدها هي التي تستطيع أنْ تسودَ [...] يجب علينا ألّا نضطهد مستعمَرينا، بلْ يجب أنْ نُقنعَهم. بِمَ نُقنعهم؟ نُقنعُهم بأنّ مصلحتَهم العليا تكمن في وصايتنا عليهم، ونُقنعهم بـتفوّقنا العلميّ والأخلاقيّ، وبتجسّد الإنسانيّة العميقة في مشاريعنا.»[49]

يحاكي خطابٌ كهذا تحليلَ ماكس فيبر للهيمنة: فهذه الهيمنةُ لا تتوقّف، حصْرًا، على موازين القوى، إنّها متجذِّرةٌ أيْضًا في الاعتقاد بأنّ لها طابعًا شرْعيًّا. بشكلٍ أدقَّ، إنّ ما يصرّح به هذا النّمطُ من الخطاب هو الحاجةُ إلى شرْعنةٍ قائمةٍ على الاستدلال، في مواجهة «الرأي العامّ» الفرنسيٍّ، لكنْ، أيضًا وبشكلٍ أكثر إلحاحًا وحسّاسيّةً، في مواجهة «الرّأي العامّ الدُّوَليّ». لقد لخّص صارُّو الصّياغةَ الجيّدةَ للمنافسة الدُّوَليّة، سنة 1931 خلال مؤتمر مجموعة السّكّان البلديّين الأصليّين، بقوله: «توجدُ الآن رقابةٌ دُوَليّة جديدةٌ تركّز نظرَها الثّاقبَ على الحدث الاستعماريّ بشكلٍ أدقَّ ممّا كان يحصل في ما مضى». لقد كانت تلك الضّغوطُ الدّوَليّةُ أقوى بشكلٍ خاصٍّ في حالة الأراضي الخاضعة للوصاية التي يتوجبّ على القوى الوصيّة عليها أنْ تُقدِّم جردةَ حسابٍ حولها إلى منظمة عصبة الأمم. تُمكِّن الإتنوغرافيا، بما هي علمٌ موضوعُه المفضَّلُ هو الشّعوب الأكثر «بدائيّةً» (primitives)، من تفسير صعوبات التّغييرات التي يروم المستعمِرون تحقيقها، كما تُمكّن من تبرير جوانب «التّأخّر» (retard) و»الفوارق» (écarts) بينها وبين النموذج المعلَن.

لكنّ عمليّة الشّرْعنة بتوسُّل العلم تتوجّه بالخطاب نحو المستعمَرين أيْضًا. يرى الجغرافيُّ إدواردْ دو مارتُونّْ (Édouard de MARTONNE)، وهو مؤلّفُ كتابٍ يعرض فيه العالِـم الاستعماريّ (le savant colonial)، يرى أنّ العلم يقيم أيْضًا حاجزًا أمام مطالبات أهل الصّفْوة (النّخبة / élites )الجديدة، المتعلِّمين من أبناء الشّعوب البلديّة الأصليّة، يقول:
في هذا الزّمن حيثُ ترتفع مطالبُ الصّفوةِ (النّخبة)، من السُكّان البلديّين الأصليّين، الـمُنْتشيةِ بما اكتسبته من معرفةٍ حديثةٍ، كَثَـمِلٍ بخمرةٍ جديدةٍ، أرى أنّ من الحكمة تخفيفُ هذا التوقّعِ المتسرِّعِ جدًّا من خلال الاستدلال على تفُّوقِنا العلميِّ، الوحيدِ المؤهَّلِ، ربّما، لضبْط العقول من دون الضّغط عليها وخنقها: يجب إقناع تلاميذ الحضارة، هؤلاء، بأنّ درجةَ التّحرّر تنمو بشكلٍ طبيعيٍّ بالتّناسب مع ارتفاع درجة الثّقافة، وأنْ لا شيْءَ بإمكانه تعويضُ النُّضج الذي يحقّقه العلمُ [...][50]».

في هذا السّياق، نستخلص أنّ الممارسة الوحيدةَ لنشاطٍ علميٍّ، أيّا كان موضوعُه، تستمدّ معنًى تبريريًّا لها من وضعٍ مُهيـْمِنٍ/هَيْمنيٍّ[51]. وبالتّالي، فإنّ ما يهمّ في المقام الأوّل، وفق هذا المنظور، ليس هو الجدوى المباشرةَ للممارسة العلميّة في ذاتها، بل إنّ ما يهمُّ هو أنْ تبدوَ هذه الممارسةُ بمثابة استدلالٍ على تفوُّق المستعمِرين، وبالتّالي على أنّ هيمنتَهم شرْعيّةٌ، لأنّ العقل يدعمها ويحالفها[52].

وفي السّياق نفسِه المتعلّق بالسّؤال عن شرعيّة الهيمنة الاستعماريّة، يطالب عددٌ من رجال التّعديل (الإصلاح / reformateurs) بأنْ يزيد الاهتمامُ بالمجتعات البلديّة الأصليّة، وبأن يَنهج المركزُ الاستعماريُّ سياسةً أكثرَ استباقيّةً. وهكذا نرى أنّه، ومنذ سنة 1921، اقترح موريس ديلافوسّْ (Maurice Delafosse)، الذي أصبح، بعد حياةٍ مهنيّةٍ استعماريّةٍ مديدةٍ في إفريقيا الغربيّة، أستاذًا للإتنوغرافيا وللّغات الإفريقيّة في المدرسة الاستعماريّة، اقترح خطّةً/برنامجًا يهدف إلى اعتماد «توجُّهٍ جديدٍ في سياسة السّكّان البلديّين الأصليّين في إفريقيا السّوداء»[53]، يُفْتتَح بـ«امتحانٍ للوعي»: «في الواقع، إنّنا نشعر بضرورة أنْ نعتذر عنْ، أوْ في الحدّ الأدنى أنْ نُبرِّرَ بعضَ أفعالنا التي، حتّى أكونَ واضحًا في كلامي، أدّت إلى تجريد الشّعوب [المستعمَرة] من استقلالها لصالح بلدنا».
انطلق دِيلافوسْ من رفض الأولويّة المعقودة للأغراض الاقتصاديّة ليصوغَ جرْدةَ حسابٍ نقديّةً للإنجازات الاستعماريّة، وحدّد، كمعيارٍ أساسيٍّ لشرْعيّة الفعل الاستعماريّ الفرنسيّ، آثارَه بالنّسبة للسّكّان البلديّين الأصليّين الخاضعين لـ «الوصاية» الفرنسيّة: «من الضّروريّ، حتمًا، أنْ يكون تدخُّلنا بالنّسبة لهم سببًا للتّقدّم وللسّعادة، وإلّا فإنّ كلَّ محاولةٍ استعماريّةٍ محكومةٌ بالإدانة.» مثّلت هذه المسألةُ، بالنّسبة له، الحجرَ الأساسَ، لتقويم السّياسة الاستعماريّة:

«الواجب علينا أن نسأل أنفسنا عمّا إذا كانت السّياسيةُ الّتي نهجناها، إلى يومنا هذا، مع السّكّان البلديّين الأصليّين هي فعلًا السياسةَ الّتي تساهم في التّطوُّر العقلانيّ (évolution rationnelle) للمجتمعات السّوداء نحو الأفضل أو أنّها، على العكس من ذلك، سياسةٌ تتسبّ في تفتيت تلك المجتمعات وتسوقها نحو الإفلاس.»

نجد هنا بُعدًا أساسيًّا آخَرَ لشرْعنة الدّولة الحديثة: هو التّصريح بكونها تمارس هيمنتَها بقصد تحقيق رغد العيش والتّقدّم للشعوب الخاضعة لسيطرتها[54]. إنّ أوَّلَ أمْرٍ يتمّ به تبريرُ أفعال الدّولة الاستعماريّة هو ادّعاء كونها تجلب التقدّم للأراضي وللشّعوب التي تخضع لسيطرتها (ومن هنا يبدأ الكلام عن «التّنمية» ((développement). إلى جانب الموضوع الغالب، وهو «التّنمية» (mise en valeur) الاقتصاديّة للمستعمَرات، الذي يبرّر الوجود الأوروبّيّ فيها بالضّرورة الاقتصاديّة لأخذ حصّةٍ من «الثّروات الطّبيعيّة، المنجميّة والفلاحيّة (الزّراعيّة)، التي يعجز السّكانُ البلديّون الأصليّون عن استغلالها، إلى جانب ذلك، يظهر أيضًا، أكثرَ فأكثرَ، عاملٌ آخرُ لشرْعنة الفعل الاستعماريّ، ألا وهو الاهتام بالسّكّان البلديّين الأصليّين[55].
يندرج الاستثمارُ في «علوم الإنسان»، والتي مشروعُها هو المعرفةُ العقلانيّةُ للسّلوكات البشريّة، يندرج، تحديدًا، في حيّز التّقاطع بين هذين النّمطيْن من الانشغال (عقْلنة الهيمنة وسعادة الشّعوب). في النّطاق الاستعماريّ، تظهر الدّراسةُ العلميّةُ للسّكّان البلديّين الأصليّين كوسيلةٍ مفضَّلةٍ، إلى جانب الأعمال المنجَزة في مجالَيِ الصحّة والتّعليم، كوسيلةٍ لإثبات، في آنٍ، «الإنسانيّة العميقة» (الاهتمام بالسّكّان الأصليّين وبأخلاقهم) و»التّفوُّق العلميّ» للقوّة الاستعماريّة الوصيّةٍ (puissance tutélaire).

الأمرُ الجديدُ هنا، ليس، إذنْ، هو الفكرةَ، الموجودةَ منذ القرن التّاسع عشر، القائلةَ بأنّ التّوسُّعَ الاستعماريَّ يجب أن يرتكزَ على النّشاط العلميّ. بلْ كان التركيزُ مُنصبًّا بشكلٍ أساسيٍّ، حينذاك، على توظيف (تعبئة / mobilisation) العلوم التي تساهم في إحصاء ثروات الطّبيعة الاستوائية والمداريّة، وهي العلوم الطّبييعيّة، وعلم النّبات (botanique)، والجغرافيا، وعلم طبقات الأرض (الجيولوجيا / géologie)[56]. في بداية القرن العشرين تطوّر كثيرًا الطبُّ المداريُّ، الذي ركّز على الرّعاية الطّبّيّة للسّكّان البلديّين الأصليّين، وتطوّرت معه الأنتروبولوجيا الماديّةُ، التي مارسها العديدُ من الأطبّاء. يتوافق الاهتمامُ النّاشئُ بالإتنولوجيا (علم الأعراق)، إضافةً إلى ذلك، مع برزو تأكيدٍ على معرفة السّكّان البلديّين الأصليّين ودراسة أعرافهم وعاداتهم. يرى ديلافوس أنّ «سياسة السّكّان البلديّين الأصليّين» يجب أنْ يحكمها روحُ الاحترام لمؤسّساتهم وأعرافهم وعاداتهم. لكنْ، يغلب نسيانُ حقيقةِ كَوْن ديلافوس، الذي طالما دافع عن الاعتراف بـ»الحضارات الإفريقيّة[57]»، هو أحد مؤسِّسِي «معهد الإتنولوجيا» (Institut de l’ethnologie)، مع مارْسالْ مُوسْ (Marcel MAUSS)، و لوسيانْ ليفي-برُوهْلْ، و بولْ ريفي (Paul RIVET).

وهكذا يتبيّن أن الدّعم الذي تقدّمه الدّولُ للمؤسّسات المهتمّة بالمعرفة العلميّة للشّعوب الأصليّة يمكن فهمه أيضًا في سياق المتطلّبات الجديدة لشرْعنة الهيمنة الاستعماريّة لـفرنسا.

5/ رهاناتُ العقْلنة
هذا البُعْدُ المزدوجُ في ما يتعلّق بـ«الهيمنة العقلانيّة» - البحث عن أدواتٍ أكثرَ فعّاليّةً، والشّرْعنة بتوسّل «الاستدلال على التفوّق العلميّ» - هو ما يمكننا أنْ نقرأه في العديد من مشاريع العقْلنة الاستعماريّة التي ازدهرت وقتها. لقد دافع العديدُ من رجال التّعديل (الإصلاح) على الفكرة القائلة بأنّه، وأمام التّحدّيات المستجِدّة، قد ولّى عصرُ «العمل الإرتجاليّ»، وأنّ السّياسةَ الاستعماريّةَ يجب أنْ تكون «علميّةً». وهكذا أصبح بريفْيِي (BRÉVIÉ) يطالب بعقلنةٍ لمناهج الاستعمار، لا يمكن أنْ تتمّ إلّا بتحالفٍ مع العلم:

«تَطرح مسألةُ تنميةِ المستعمَرات مشاكلَ عامّةً وتقنيّةً، هي ضخمةٌ بحيثُ إنّ التّعاطيَ معها ومعالجتها يوجبان عدمَ الرّكون إلى الحلول المستوحاة من الظروف الآنيّة، وعدمَ اللّجوء إلى الأفعال الارتجاليّة، وإلى المبادرات المتحرّرة كثيرًا من الصبغة التّجربيّة. يجب أنْ يصبح الاستعمارُ عمليّةً مسلَّحةً بالمنهج، وبالحساب، وبالاستشراف، وبكلامٍ جامعٍ: (يجب أنْ يصبح الاستعمارُ مُسلّحًا بالعِلم). يبقى الاستعمارُ [...] فنًّا سياسيًّا ونفسانيًّا (بسيكولوجيًّا)، لكنْ، يجب أنْ يكون مَقُودًا، ومستنيرًا، بالمعطيات العلميّة الصّحيحة» [58].
في هذا التّركيب المثاليّ المكوَّن من الخصال السّياسيّة والنّفسانيّة (البسيكولوجيّة) للقائد ومن العقلانيّة العلميّة، نرى أنّ بريفْيِي يمنح مكانةً مُميَّزةً لـ(علم الإنسان)، أيْ للمعرفة المنهجيّة لمميِّزات الشّعوب البلديّة الأصليّة.

يَبرز هذ الموضوعُ أيضًا في افتتاحيّة العدد الأوّل من مجلة ماوراء- البحار (Outre-mer)، التي كتبها الحاكمُ العامُّ المتقاعدُ إرنسْتْ رُومْ (Ernest ROUME)، الذي صرّح بضرورة الإسراع بدراسةِ السّكّان البلديّين الأصليّين، في مواجهة حملات التّشكيك بالهيمنة[59]، قال: «تكوّنت تيّاراتٌ جديدةٌ من الأفكار، والمشاعر، والرّغبات، وأصابت السّكّانَ البلديّين الأصليّين، الذين كانوا لا يزالون إلى ذلك الزّمن جامدين، لقد أصابتْ حتّى أولئك المتخلّفين جدًّا. وتبيّن أنّ العلاقاتِ، التي تنشأ من عمليّات الاحتكاك بين الحضارات المختلفة جدًّا، هي معقّدةٌ بشكلٍ غريبٍ. وينتج عن هذ الأمر، وبشكلٍ أكثرَ إلحاحيّةً واستعجاليّةً منْ أيِّ وقت مضى، حاجةُ ممثِّلِي العِرق، الذي بلغ الدرّجة العليا من الحضارة، أن يُركّزوا جهودَهم على الدّراسة الواعية الدّقيقة لمميّزات الأعراق الأقلّ تطوّرا، وأنْ يتأكّدوا، بأعلى درجةٍ من الواقعيّة من ردود الأفعال، التي غالبًا ما تكون غيرَ متوقَّعةٍ، التي تُسبّبها الإجراءاتُ المطبَّقةُ عليهم: بعبارةٍ موجَزةٍ: يجب أنْ نفْهم، وبالمعنى الأعمِّ للكلمة، يجب أنْ نفهمَ روحَ السّكّان البلديّين الأصليّين (âme indigène)».

تمثّل إرادةُ فهْم (روح السّكّان الأصليّين)، في الوقت نفسه أيْضا، إعادةَ تأكيدٍ على كلّ البوْن، بلغة التّطوّر [الدّاروينيّة]، الموجود بين الذّات [الدّارسة/العالِـمة] والموضوع [المدروس/المعلوم] في الإتنوغرافيا.
إنّ القاسمَ المشترَكَ الذي يقرّب بين أولئك الرّجال ــ لكنْ أيضًا بالخصوص بين ديلافُوس ولابوري (LABOURET)، الذي ورثه في مطالبته بسياسةٍ جديدةٍ للسّكّان الأصليّين[60]ــ هو ارتباطُهم بالمدرسة الاستعماريّة[61]. في الواقع، لقد كانت هذه المدرسةُ تلعب دورًا محوريًّا، في آنٍ، في نموّ اهتمامٍ لدراسة السّكّان البلديّين الأصليّين، كما في إرساء مشاريعَ للتّعديل (للإصلاح) الاستعماريّ. تجلّى هذا التّوجّهُ المزدوجُ من خلال تأسيس مديرها، جورج هارْدِي (Georges HARDY/1884-1972) لـ(مجلّةٍ عامّةٍ للاستعمار)، باسم، (ماوراء- البحار)، التي اتّخذتْ كخطّةِ عملٍ لها أنْ تنفخ في الاستعمار «روحًا علميًّا ذا عيارٍ سليمٍ» (esprit scientifique de bon aloi).

يمكننا هنا أنْ نستعيدَ تحليلَ فيبر حول الفوائد النّاتجة عن عقْلنة وكلاء الدّيوانيّة (البروقراطيّة). لقد سجّل أنّ «المعرفة التّخصّصية للخبير أصبحت، أكثرَ فأكثرَ، الأساسَ لمقام السّلطة لمن يشغل موقعَ مسؤوليّةٍ [إداريّةٍ]»[62]. يمثّل امتلاكُ معرفة خاصّةٍ وسيلةً في حوزة رجال الإدارة، تمكّنهم من الدّفاع عن استقلاليّتهم ضدّ الملك أو الوزير: معرفة الملفّات ترسّخ جدارتَهم وتُشرْعن موقعهم. إنّ تأهيلَ الوكيل الدّيوانيّ/البيروقراطيّ، المصدَّق بتكوين خاصٍّ هو، إذنْ، في آنٍ، أداة مراقبةٍ تنفع في التّدقيق في طلبات الالتحاق بالوظائف الإداريّة (ضدّ محاباة الأمير)، وهو كذلك ضمانةٌ ضدّ تجاوزات السّلطة السّياسيّة.

يسلّط تحليلٌ كهذا الضّوءَ على الدّور المحوريّ للمدرسة الاستعماريّة في تطوير المعرفة العلميّة بالسّكّان البلديّين الأصليّين. ترافق هذا المعرفةُ، في الواقع، عملًا آخَرَ يتمثّل في إعادة تعريف وضع الوكلاء الأساسيّين للدّولة الاستعمارية: إنّهم المسؤولون الإداريّون للمستعمرات. قرّر بعضُ الرّجال المرتبطين بالمدرسة الاستعماريّة إطلاقَ حملةٍ لمقاومة الفكرة المشهورة، قليلةِ اللّطف، حول رجال الاستعمار (الذين كانوا يشتكون من النظرة السائدة عنهم بأنّهم «مغامرون»)، فتبنّوْا خطّةً سَوْقيّةً (استراتيجيا / stratégie) لـ «حرْفنَة» (إضفاء الحِرَفيّة / professionnalisation) الاختصاص وشرْعنته، وتنمية (الحرفة)، و(الموهبة) عند المسؤول الإداريّ [الاستعماريّ]. وهكذا، تمكّنت المدرسةُ الاستعماريّةُ، ومن خلال إيلائِها الأولويّةَ لضرورة القيام بتكوينٍ تخصّصيٍّ للمسؤولين الإداريّين، تمكّنتْ، تدريجيًّا تصاعديًّا، من الحصول على احتكار الوصول إلى منظومة (جسم) المسؤولين الإداريّين في المستعمَرات[63].

سعى ذلك الفريقُ إلى التشكّل وفق نموذجٍ سمّاه فيبر «الفريق النّظامي» (groupe statutaire)، الذي يتميّز بـ «روح الجسم» القويّ (التّلاحم بين الأعضاء / الفريق المتوحّد المتكامل) وباستبطان الأعضاء للقيم «البّطوليّة» (héroïques). تمّ تطوير هذا الموضوع في النّصوص المختلفة التي سعت إلى تعريف - ومن خلال ذلك بالذّات، إلى تكوين - ذلك «الرّوح الجماعيّ» (ethos) المتعلّق بالمسؤولين الإداريّين الاستعماريّين، وكذلك إلى إيجاد نوعٍ من «كاريزما الوظيفة» (charisme de fonction)، بدأ ذلك يتحقّق منذ المداخلات في المؤتمر المهنيّ الأوّل للمسؤولين الإداريّين الاستعماريّين، الذي انعقد سنة 1931، وصولًا إلى كتاب روبار دُولافينْياتْ (Robert DELAVIGNETTE، «قادةُ الامبراطوريّة الحقيقيّون. نشيدٌ على شرف المسؤولين الإداريّين»: في قسمٍ من الكتاب، بعنوان «النّظْم البطوليّ للعالَم» (Organisation héroïque du monde)، سعى دُولافينْياتْ (1897-1976)، مديرُ المدرسة الاستعماريّة بين 1937 و1947، سعى إلى تعريفِ ما يمثّل الأساسَ للتّفوُّق البطوليّ للمسؤول الإداريّ. إنّ ما يميّز المسؤولَ الإداريَّ الاستعماريَّ عن المستعمَرين وعن المستعمِرين، في آنٍ، هو شخصيّته كـقائدٍ، وطبعُه، الذي اكتسبه من اشتغاله الدّؤوب على بناء ذاته، ولكنْ، ما يميّزه عن البقيّة، أيضًا، هو امتلاكُه لمعرفةٍ علميّةٍ خاصّةٍ: «الاستعماريُّ هو رجلٌ يعرف أشياءَ أكثر ممّا يعرف السّكّانُ البلديّونُ الأصليّون للبلد المستعمَر، وهو الذي يعرف، أيْضًا، أثمانَ تلك الأشياء أفضل ممّا يعرف السّكّانُ البلديّون الأصليّون الآخَرون، أيْ أصليّو البلد المستعمِر»[64].

يدّعي المسؤولون الإداريّون الاستعماريّون امتلاكَهم مجالَ كفاءةٍ خاصًّا: إنّهم يعرضون أنفسَهم بوصفهم قبل كلِّ شيءٍ مختصِّين في السّكّان البلديّين الأصليِّين. خلال مؤتمر جمعيّة (رابطة المسؤولين الإداريّين الاستعماريّين)، الذي انعقد سنة 1931 على هامش (المعرض الاستعماريّ)، نرى أنّ هوبارْ دوشانْ (Hubert DECHAMPS/1900-1979)، وكان وقتها مسؤولًا إداريًّا شابًّا[65]، يُشير إلى الأهميّة الجديدة للأقسام التّقنيّة التي يجب أنْ يُنسِّقَ أعمالَها المسؤولُ الإداريُّ، ويؤكّد أنّ «تطويرَ التّقنيات المتعدّدة يُبقي لنا، مع ذلك، تقنيةً واحدةً هي تتبعنا وتخصّنا، وهي التي تتحكّم بالبقيّة: الإداريُّ الاستعماريُّ هو الخبيرُ المختصُّ في سياسة السّكّان البلديّين الأصليّين». ثُمّ يضيف، في مقطعٍ آخَر من كلامه: «من أجل إتقان المهنة، يجب أنْ نُحبَّها، ومهنتُتنا، نحن، هي [سياسة] السّكّان البلديّين الأصليّين»[66].

بينما كانت كفاءةُ المسؤولين الإداريّين للمستعمرات، إلى حدّ ذلك الزّمن، قائمةً على التمهّر في معرفةٍ إداريّةٍ صرْفٍ، متصوَّرةٍ بوصفها معرفةً كونيّةً (universel)، هي المعرفة بالقانون، أدّى تعريفُ المسؤول الإداريّ، كـخبيرٍ مختصٍّ في السّكّان البلديّين الأصليّين، إلى تغيير التكوين المهنيّ الذي يتلقّاه مسؤولو المستقبل في الإدارة الاستعماريّة، بعد أنْ كان، في ما سبق، قانونيًّا بحْتًا[67]. لقد شدّد هاردي على أهميّة المعارف الخاصّة التي تتعلّق بـ»البيئات البلديّة الأصليّة» (milieux indigènes): لقد عزّز الاستعانةَ بالجغرافيا البشريّة، والاتنولوجيا، واللّغات البلديّة، والقانون العُرفي البلديّ الأصليّ، كما أنشأ مادّةً دراسيّةً هي «علم النّفس الـمُطبَّق على الاستعمار» (psychologie appliquée à la colonisation)». كما حصل تحت إدارته تقارُبٌ بين (معهد الإتنولوجيا)، و (المدرسة الاستعمارّية).

إنّ الـمُرافِعَ (plaidoyer) عن سياسة عقْلنة الفعل الاستعماريّ هو، أيْضًا، مُرافِعٌ عن قضيّته الشخصيّة، بالنسبة لأولئك الذين يُصرّحون بأنّهم هم الوكلاءُ المميَّزون للعقْلنة. إنّ تعريفَ المسؤول الاستعماريّ بأنّه (خبيرٌ مختصٌّ في السّكّان البلديّين الأصليّين)، بلْ بأنّه هو الـمُدافعُ عنهم، هو أيضًا، مطالبٌ بمنح جسم المسؤولين الإداريّين للمستعمَرات صلاحيّةً أكبرَ في ما يخصّ تحديد أغراض السّياسة الاستعماريّة ووسائلها، مقابلَ كلّ أولئك الذين يهدّدون استقلاليّتَهم، وهم: السّلطة السياسيّة في المركز الاستعماريّ (البرلمانيّون، بالخصوص)، ووزير المستعمَرات (وهو منصبٌ يُسنَدُ دائمًا إلى رجلِ سياسةٍ لا إلى استعماريٍّ[68]، لكنْ أيْضًا الخبراء المختصّون في القانون الاستعماريّ، الذين لا يَعدّون المسؤولين الإداريين للمستعمرات سوى منفِّذين، المطلوبُ منهم هو تطبيق القواعد الصّالحة كونيًّا (universellement)، وأخيرًا، ممثِّلو المصالح الاقتصاديّة الكبرى، والمستوطنون (المستعمِرون /(colons ، من دون أن ننسى أهل الصّفوة (النّخب) من المستعمَرين.

وكما صرّح هارْدِ، سنة 1931، في اختتام مؤتمر الجمعيّة البلديّة الأصليّة (société indigène): «يجب [...] أنْ نفرضَ على العمليّة الاستعماريّة صبغةً علميّةً، أيْ فعلًا مَشيدًا على العقل، كانت، إلى حدّ الآن، فاقدةً له، وكانت مدفوعةً إلى الاستخفاف به»[69]. تؤكّد هذه الصّياغةُ الطابعَ المناضلَ، بل الجدَليَّ، لحركة المطالبة بالعقْلانيّة: لا تبرز العقْلنةُ هنا باعتبارها سيرورةً غيرَ شخصيّةٍ، بل هي تندرج، على العكس، في خضمّ صراعات التّنافس الدّاخليّ في نطاق المشروع الاستعماريّ. لقد عمل المسؤولون الإداريّون، الذين كانوا في وضْع ضعفٍ نسبيٍّ في معادلة القوى تلك، إلى تعبئة العلم وتسخيره كحليفٍ لهم في هذا الصّراع من أجل العقْلنة.

6/ تقسيمُ العملِ والتّسميةُ الذّاتيّةُ
مثّل هذا التّحوُّل المزدوجُ، الذي مسّ، في آنٍ، شروطَ الهيمنة الاستعماريّة ومهنة المسؤول الإداري، مثّل الخلفيّةَ التي انعقد فيها في ما بين الحربين العلميّتيْن، حول مصلحةٍ عامّةٍ للعقْلنة، تحالُفٌ بين بعض الممثِّلين للعالَم العلميّ وأنصار التعديل (الإصلاح) «العقلانيّ» (reforme rationnelle) للممارسات الاستعماريّة. لقد نظّر برِيفْيِي لهذا التّحالف الضّروريّ بين خبراء مختصّين في العلم وبين إدارةٍ استعماريّة عقْلانيّةٍ. بالنّسبة له، تستتبع العقْلنةُ تخصُّصًا وتقسيمًا للعمل بين الباحثين ورجال العمل الميدانيّ.
«وهكذا، أصبحت العمليّةُ الاستعماريّةُ تحتاج أكثرَ فأكثرَ، إلى علماءَ، وإلى باحثين حياديّين/موضوعيّين (نزيهين (impartiaux /، غير نفعيّين (ليس لهم غاياتٌ ربحيّةٌ / (désintéressés، ينظرون إلى الأمور من بعيدٍ، أيْ من خارجِ نطاق الإلحاحيّة والاستعجاليّة، وبعيدًا عن حُـمّى العملِ الميدانيّ. يلزمها مختبراتٌ جيدةُ التجهيز، ومعاهدُ للبحث العلميّ؛ يجب عليها أن تعزِّز فعلَها الميدانيَّ بثقافةٍ علميةٍ استعماريّةٍ حقيقيّةٍ، وأن تستلهم من المنهج التّجربيّ، وأنْ تأخذ التّوجيهاتِ من علمٍ دقيقٍ وعمليٍّ»[70].

نلاحظ أنّ برِفْيِي يَذكر بالتّحديد صِفتَيْ الحياديّة (الموضوعيّة، النّزاهة)، وعدم النفعيّة اللتين يدّعي الباحثون امتلاكهما. يتقاطع هذه المخطَّطُ مع شروط الانتساب إلى العالَـم العلميّ، وبشكلٍ خاصٍّ إلى عالَـم بولْ رِيفي (Paul RIVET)، الملتزمِ بمشروعٍ يهدف إلى عقْلنة (علم الإنسان) ومَنْهجته[71]. إذا ما كانت الإتنوغرافيا موجودةً بوصفها ممارسةً معرفيّةً استعماريّةً، فإنّ الإتنولوجيا، باعتبارها تخصّصًا علميًّا جامعيًّا ليْستْ إذنْ سوى علمًا افتراضيًّا (virtuelle)، وتتوقّف في تطوُّرها على دعم الدّولة الاستعماريّة. سوف يسمح مثلُ هذا التّحالف نجاحَ بعض المبادرات التأسيسيّة، التي تُذكَر عمومًا بوصفها عناوينَ لانتصاراتٍ في تاريخ مأْسَسة الإتنولوجيا في فرنسا: إضافةً إلى إنشاء معهد الإتنولوجيا، يمكننا أنْ نذكرَ إنشاءَ جمعيّة الأفريقانيّين (سنة 1930)، والدعمَ الماليَّ لبعثة (داكار-جيبوتي)، التي قادها مارْسالْ گرِييُولْ (Marcel GRIAULE/في سنتَيْ 1931 و1932) - يندرج الاثنان في نطاق التّحضير للمعرض الاستعماريّ -، وأخيرًا، نذكر إنشاءَ متحف الإنسان (سنة 1937) الذي أُريد له أنْ يكون، عند تأسيسه، متحفًا استعماريًّا كبيرًا، كما سوف يذكّر رِيفِي بذلك عندما طلب حضورَ جماعاتٍ استعماريّةٍ عند افتتاحه.

لقد كانت ضرورةُ إظهار الدّولة لاهتمامها العلميّ بالشعوب الاستعماريّة [المستعمَرة] تُذكر بشكل دائمٍ لتبرير التّمويل العامّ للمبادرات التأسيسيّة في مجال الإتنولوجيا. وهكذا، نرى أنّ وزير المستعمرات يكتب، سنة 1930، رسالةً إلى حاكم إفريقيا الإستوائيّة الفرنسيّة، يطلب فيها منه دعْمَ بعثة (داكار-جيبوتي):
«في هذه الساعة حيثُ يُوجِّه المعرضُ الاستعماريّ [الفرنسيّ]، لسنة 1931، انتباهَ الجمهور العريض والعلماء الأجانب إلى نشاط فرنسا الاستعماريّ، لا بدَّ منْ أنْ نُظهر للعناصر الـمُنبَّهةِ بهذه المسائل أنّ السّلطاتِ العامّةَ [الفرنسيّة] لا تُهمِل أيَّ أمرٍ يسهم في المعرفة في هذا المجال وأنّها تستعمل، لأجل هذا الغرض، المناهجَ الحديثةَ التي تُغني عن المناهج التي تستعملها معاهد الأمم الأخرى».

تكشف مثلُ هذه الجملة أحدَ مفاتيح الدّعم الضّخم الذي كان يحظى به برنامجُ الإتنولوجيا العلميّة كما كان يجسّده ريفي: يدفع سياقُ المنافسة الدّوليّة في إثبات الاهتمام العلميّ بالشّعوب المستعمَرة إلى تشجيع الاستثمار في المؤسّسات التي تبدو، كما في حالة (معهد الإتنولوجيا)، أو (متحف تروكاديرو “Trocadéro” للإتنوغرافيا)، وبمقتضى قدرتها العالية على تعبئة رأسمالٍ علميٍّ، تبدو الأفضلَ أهليّةً للدّفاع عن راية العِلم الفرنسيّ في ساحة المنافسة العلميّة الدُّوليّة. هنا بالذّات تظهر، إذنْ، الحاجةُ إلى شرْعنةٍ على مستوى السّاحة الدّوَليّة، تمثّل المحرِّكَ الأساسيَّ لتفويض العمل المعرفيّ المتعلّق بالسّكّان البلديّين الأصليّين إلى خبراءَ مختصّين محترفين، يملكون استقلاليّةً مُؤسَّسيّةً (autonomie institutionnelle) إزاءَ الإدارة الاستعماريّة، بدلًا منْ تفويضه إلى المسؤولين الإداريّين الـمُنتدَبين المؤقَّتين للقيام بأعمالٍ بحثيّةٍ. تجلّت حمُـّى المنافسة الدُّولية بوضوحٍ خلال مؤتمر العلوم الاستعماريّة المنعقد سنة 1937، حيثُ صرّح موريس لِينْهاراتْ (Maurice LEENHARDT)، في ما يتعلّق بضرورة تنظيم عمليّات البحث داخل الممتلَكات [المستعمَرات] الفرنسيّة في قارة أوقيانوسيا:

«إنّ كل البيبلوغرافيا (مجموعة المراجع البحثيّة) المتعلقة بالأراضي التّابعة لفرنسا (domaines français) مكتوبةٌ باللغة الأنگليزيّة أو باللّغة الألمانيّة: المثالُ الأبرزُ على هذه الحقيقة يتعلق بأرخبيل هيبريدس الجديدة (Nouvelles-Hébrides): حيث إنّه مقابل أعمال ريفرس (RIVERS) باللّغة الأنگليزيّة، وأعمال ديكانْ (DEACAN)، إلخ.، أو أعمال سبَيْزَرْ (SPEISER) باللّغة الألمانيّة، لا يملك مجالُ النشر - لا أقول مجال العِلم - لا يملك مجالُ النّشر الفرنسيّ شيئًا ما عدا رواية «إيرومانْغو» (EROMANGO) لـ ب. بينْوَا (P. BENOÎT). لا يكفي في إقناع الأنگليز، الذين يُنازعوننا النّفوذَ والتأثيرَ في هذا الأرخبيل، أنْ نقول أنّنا نعرف جزرَ هذا الأرخبيل أكثر منهم»[72].

وهكذا، تظهر المعرفةُ العلميةُ بوصفها وثيقةً للملكيّة. وبالتّالي، فإنَّ إنجازَ أيِّ عملٍ يتعلّق بالمعرفة العلميّة بخصوص أرضٍ ما، يُصبح هو أيضًا امتلاكًا لحقٍّ أخلاقيٍّ في الهيمنة عليها، يُحتجُّ به في صراع المنافسة الاستعماريّة مع الأمم الأخرى.
يتمّ تبريرُ الدّعم الذي تُقدّمه الحكوماتُ الاستعماريّةُ للمؤسّسات العلميّة الموجودة في المراكز الاستعماريّة وفق منظور مزدوجٍ: المطلوبُ هو، في آنٍ، تكوينُ رجالِ الاستعمارِ المستقبليّين، وكذلك أداء دوْر نظْم البحث العلميّ وتنشيطه في المستعمرات. في الواقع، يبدأ الأمرُ مع علماء المؤسّسات المركزيّة [المستقرّة في المركز الاستعماريّ] بمنح أنفسهم، دورًا يتعلّق، أساسًا، بمرْكزة (centralisation) إنتاج المعطيات وعقْلنتها؛ إلى جانب البعثات العلميّة، يبقى دورُ الوكلاء الاستعماريّين، في جمع المعلومات على الأرض، أساسيًّا[73].

ومع ذلك، نلحظ أنّه، ومنذ سنة 1945، قد برز، تصاعديًّا تدريجيًّا، تقسيمٌ جديدٌ للعمل، يسعى إلى «إرساء تخصّصٍ مهنيٍّ» (spécialisation fonctionnelle)، مع تمييزٍ متنامٍ لدى وكلاء الدّولة بين وظيفة الباحث العلميّ ووظيفة المسؤول الإداريّ[74]. تُحدِث هذه الحركةُ، التي تؤدّي إلى إنشاء جسمٍ خاصٍّ بأصحاب مهنة المعرفة الإتنولوجيّة المدفوع لهم من الدّولة، تُحدِث عددًا من التّحوُّلات، التي يُخفي قِناعُ «الـمَهْنَنَة» (professionnalisation)، وقِناعُ «الـمَأْسَسَةُ» (institutionnalisation) الكثيرَ من تعقيداتها. لقد تمّ التّصريحُ بهذا التّقسيم الجديد للعمل بين الدّراسة والإدارة، تخصُّصًا وتكامُلًا، في آنٍ، تمّ التصريحُ به في واحدٍ من أوّل المقرَّرات الجامعيّة الخاصّة بالإتنولوجيا، ومُنِح اسمًا كاشفًا عن جوهره «إتنولوجيا الاتّحاد الفرنسيّ» (Ethnologie de l’Union Française). نَشر هذا الكتابَ، سنة 1953، مؤسّسةُ (منشورات فرنسا الجامعيّة)، بتوقيعٍ ثنائيٍّ، من أَنْدرِي لُورْوَا-گُورْهانْ (André LEROI-GOURHAN)، الذي كان وقتها أستاذًا محاضرًا في الإتنولوجيا في ليون، و جانْ بوَارْيِي (Jean POIRIER)، الأستاذ المدرِّس في المدرسة الوطنيّة لفرنسا ما وراء البحار (الاسم الجديد للمدرسة الوطنيّة)[75].
نعثر في هذا المؤلَّف الجامعيّ على الموضوع المزدوج الجامع للسّياسة البلديّة الأصليّة [سياسة المستعمَرات] وللشّرْعنة. هكذا تمّ التّقديم للقسم الرابع من الكتاب، (الاتّحاد الفرنسيّ والإتنولوجيا)، بنصٍّ قصيرٍ، ذي عنوانٍ كاشفٍ، (المصلحة الوطنيّة والواجب الدُّوليّ):

«إنّ الإتنولوجيا، وحدها، هي التي تستطيع أنْ تبنيَ سياسةً بشكلٍ فعّالٍ. من العبث أنْ نسعى إلى أنْ نكون مستشارين أو مديرين لمجتمعٍ بلديٍّ أصليٍّ من دون أنْ نعمل على دراسة أخلاقه وعقليّته؛ إنّ الشروط الحقيقيّة للعمل في هذا المجال هي: معرفة الأعراق، ومعرفة الثّقافة المادّيّة وأنماط الحياة، ومعرفة اللّغات، والبني العائليّة، والبني السّياسيّة، ومعرفة المعتقدات الدينيّة، وكذلك الدّراسة المنهجيّة لبسيوكولوجيا تلك الشّعوب»[76].
تُلحظ هنا، وبشكلٍ صارخٍ، الاستمراريّةُ والوصْلُ مع احتجاج (argumentation) المسؤولين الإداريّين الذين كانوا يشجّعون الإتنوغرافيا ويمارسونها على الأرض بوصفها وسيلةً لفكّ رموز الشعوب البلديّة الأصليّة[77]. وهنا تبدو الحجّةُ الثانية جليّةً أيضًا:

«لكنْ، إذا تكشّف أنّ معرفة المعطيات الإتنولوجيّة ضروريّةٌ لا غِنى عنها لأجل إنجاح كلّ فعلٍ في ماوراء- البحار، يجب علينا ألّا نَغْفل عن أنّ هذه المعرفةَ تستجيب أيْضًا، مستقبلًا، لالتزاماتٍ ذات طابعٍ دوليّ. في الواقع، لقد التزمتْ فرنسا باتخاذ جميع التّدابير اللّازمة لتنمية الثّقافات البلديّة الأصليّة؛ لقد التزمت باحترام أصالة مجتمعات ماوراء- البحار؛ وكلُّ هذا يستتبع القيامَ بجهودٍ نحو معرفةٍ أفضلَ، بشكل دائمٍ، عن المجتمعات التي تحمّلت مسؤولية رعايتها. في ما يخصّ تفويضات الوصاية القديمة الممنوحة من منظمة عصبة الأمم، تكتسي الالتزاماتُ الموقَّعة دقّةً أكبرَ، ويجب على الحكومات المعنيّة المسؤولة تقديمُ تقاريرَ دوريّةٍ حول أعمالها. بشكلٍ عامٍّ، يمكننا القولُ أنّ السّلطات الفرنسيّة، ومنذ تاريخ تحمّل مسؤوليّة رعاية شعبٍ من شعوب ماوراء- البحار، تبدأ مسؤوليتُها لا فقط على مستوى التّنمية الماديّة للبلد، بل وأيضًا على مستوى تنمية النّاس: دراسة العادات والأعراف، والاستكشاف الآثاريّ (الأركيولوجي) والتّاريخيّ، وتحليل الفنّ والأدب والفكر الفلسفيّ. هذا البحثُ الإتنولوجيُّ هو جزءٌ من واجبات سلطات الوصاية [الاستعماريّة] »[78].

هذا التّبريرُ المزدوجُ لأهميّة البحث الإتنولوجيّ، من خلال المصلحة الوطنيّة والواجب الدّولي، هو هنا أيضًا أشدُّ ارتباطًا، في آنٍ، بأغراض التّعديل (الإصلاح / (réforme الاستعماريّ وبتغيير موازين القوى في الهيمنة الاستعماريّة، مع الاتّحاد الفرنسيّ (Union Française)، الذي ينوي إقامة شكلٍ جديدٍ من العلاقات أكثرَ عدالةً بين المركز الاستعماريّ وأراضي ماوراء- البحار [المستعمَرات][79]، وكذلك مع ظهورضغوطٍ دُوَليةٍ أقوى في فترة ما بين الحربيْن العالميّتيْن. إنّ السّياق المذكور هنا يتعلّق بإلزام الدّولة الاستعماريّة الفرنسيّة بتقديم تقرير عن عملها على المستوى الدُّولي، وبشكلٍ خاصٍّ بالنسبة للبلدَيْن الأقدمَيْن في الخضوع للوصاية الاستعمارية الفرنسيّة، الطوغُو والكاميرون، اللَّذَيْن أصبحا من الأراضي غير المرتبطة الخاضعة لوصاية الأمم المتحدة. إنّ ما له الأهميّة في المقام الأوّل، هنا أيْضًا، هو الحاجة إلى شرْعنة الفعل الاستعماريّ: هنا تبدو الإتنولوجيا بمنزلة الضمانة لحسن النيّة التي تمنح التّصديقَ لاحترام دولة فرنسا للثقافات البلدية الأصليّة. وهكذا وجد مفهومُ «تنمية النّاس» (mise en valeur des hommes)، الـمُقدَّمُ بوصفه مفهومًا مقابِلًا لمفهوم «التّنمية المادّيّة» (mise en valeur matérielle)، وجد صداه في حجّة لِيفِي-برُوهْلْ التي قدّمها لتبرير إنشاء معهد الإتنولوجيا، وفوق ذلك، وجد صداه في تثمين المسؤولين الإداريّين التعديليّين (الإصلاحيّين / (réformistes للبُعْد الإنسانيّ للعمليّة الاستعماريّة.

إنّ العلاقةَ بين الإدارة الاستعماريّة والإتنولوجيا، كما يقترحها لُورْوَا-گرُوهانْ وبوَارْيِي، هي علاقةُ تكامُلٍ ودعْمٍ متبادَلٍ: يجب أنْ يعتمد الفعلُ الاستعماريُّ على الإتنولوجيّين (علماء الأعراق / ethnologues)؛ هؤلاء يؤدّون دورَ «الدّائرة الخارجيّة» (service extérieur) للدّولة، التي تقوم، نوْعًا ما، بمنح تفويضٍ في مجال العمل المعرفيّ إلى الباحثين المحترفين[80]. إنّ هذا النّموذجَ لمعرفةٍ في خدمة الفعل الاستعماريّ، والتي كانت ثمرةَ عصْفِ أفكارٍ في حواراتٍ تمّت بين مسؤولين إداريّين وباحثين، وجد نفسه في تناقضٍ متنامٍ مع مقتضَياتٍ أخرى. لمّا عرّف الإتنولوجيّون أنفسَهم بأنّهم خبراءُ مختصّون في المجتمعات والعقليّات البلديّة الأصليّة، دخلوا بذلك في منافسةٍ مباشرة مع المسؤولين الإداريّين الاستعماريّين الموجودين في الميدان، الّذي كان هؤلاءُ الأخيرون يسعوْن إلى السّيْطرة عليه. بأمكاننا أن نشخّص علاقاتهم على أنّها تتلاءم مع نموذجٍ للتّواقف التنافسيّ (modèle d’interdépendance concurrentielle) ، المتّسم بصراعات المصالح والحدود.

ومع ذلك، تسبّبتْ مساعي تعزيزِ المؤسّسات العلميّة المركزيّة[81]، ومجهوداتُ الإتنولوجيّين للتّعريف بأنفسهم في الوسط العلمي- وبشكل أعمَّ، في الوسط الفكريّ المركزيّ، تسبّبتْ، أكثرَ فأكثرَ، في خلق الشّروط لتنافرٍ متنامٍ في ما يتعلّق بمواضيع المعرفة وأشكالها: يتنامى التّباينُ بين الخصائص المطلوبة للاعتراف بكون إنتاجٍ معرفيٍّ ما هو إتنولوجيًّا، وبين مقتضَيات المعرفة الإداريّة، التي أصبحت تتّجه أكثرَ فأكثرَ نحو مسائلَ جديدةٍ، اقتصاديّةٍ على وجه الخصوص[82]. وهكذا شهدنا تحوُّلًا في المنافسة الأساسيّة: لقد ظهرت المنافسةُ في نطاق الفضاء العلميّ النّاشئ، بين أفرادٍ راسخين في مؤسّسات البحث الاستعماريّة (Ifan أو Ostrom) وآخرين، لكونهم مرتبطين بمؤسسات البحث المركزيّةٍ، يجب عليهم إثبات وضعهم في الوسط العلميّ المركزيّ. لقد تمّت تعبئة ادّعاء «النّقاء العلميّ» (Pureté Scientifique)، واستُعمِل كوسيلةٍ للاحتجاج في الصّراعات العلميّة؛ لقد أدّى هذا، بشكل خاصٍّ، إلى وصْمِ البحوث الـمرفوضة بأنّها تطبيقيّةً، مقابل العلم النّقيّ، والمترفّع عن الغايات الرّبحيّة (science pure et désintéressée)[83].

لقد سهّل مفهومُ (الهيمنة العقلانيّة) بتجاوز هذه الـمُسلَّمة- العقبة التي تفيد بوجود تناقضٍ مستحكِمٍ وثابتٍ بين دواعي المصلحة العلميّة (raison savante) ودواعي المصلحة العليا (raison d’État). يوفّر لنا هذا المفهومٌ وسيلةً لتحليل القرابة بين أشكال العقلانيّة الإداريّة وأشكال العقلانيّة العلميّة، بشرط أنْ نعقل هذا المفهومَ لا فقط بمعنى العقلنة الشّكليّة (formelle) لتقنيات الهيمنة، بلْ أيضًا بمعنى اللّجوء إلى نمطٍ خاصٍّ من الشّرْعنة، متميِّزٍ بإعطاء الأولويّة للطّابع القائم على دواعي مصلحة الهيمنة (raison de la domination). تأخذ مسألةُ «الهيمنة بتوسُّل المعرفة» (domination par le savoir) كما طرحه فيبر، دَلالةً مزدوجةً: تستفيد الدّيوانيّةُ (البروقراطيّة)، من جهةٍ، من عقْلنة أدوات المعرفة، ومن جهةٍ أخرى من ضمان الشّرْعيّة الذي يمنحه إيّاها العلمُ. وبين هذَيْن القطبيْن، بالذّات، تندرج العلاقاتُ المعقّدةُ (complexes)، والمفاِرقةُ (paradoxales)، أحيانًا، أيْ بيْن المعرفةِ العالِمة بالسّكّان [البلديّين الأصليّين] وإدارتِهم. هذان البُعْدان للهيمنة العقلانيّة ليسا مستقلَّيْن أحدهما عن الآخر: يسهم استعمالُ أدواتٍ عقلانيّةٍ علميّةٍ في توليد قناعةٍ في إمكانيّة التّحكّم في واقعٍ معقَّدٍ، وهذا الأمرُ يُشرْعن الهيمنةَ في نظر الذين يمارسونها.

يُمكّن مفهومُ (الهيمنة العقلانيّة)، أيضًا، من إظهار أنّ العلاقةَ بين الإتنولوجيا، بوصفها تخصُّصًا جامعيًّا، والإدارةِ الاستعماريّةِ بوصفها مؤسَّسةً، معتبَرةً عمومًا نقطةَ الانطلاق للتّفكير في هذا المسائل، ومُسْقَطةً سلفًا، يُمكِّن من إظهار أنّ هذه العلاقةَ يجب عدّها حالةً خاصّةً، أيْ صياغةً تاريخيّةً فريدةً في الرّوابط بين عمليّةِ إنتاجٍ لمعرفةٍ متعلقةٍ بالسّكاّن البلديّين الأصليّين، وممارساتٍ ميدانيّةٍ متعلقةٍ بسياسة السّكّان البلديّين الأصليّين[84]. تكمن فرادةُ هذه الصّياغةِ، الجديدةِ نسبيًّا، في كون هاتيْن المجموعتيْن من الممارسات تقوم بها مؤسّساتٌ، ومن خلال وكلاء، متغايرين منفصلين.

إذا ما كانت الدّولةُ الاستعماريّةُ قد أسهمت في تطوير مقاربةٍ علميّةٍ للسّكّان البلديّين الأصليّين، فإنّ ذلك لم يتمَّ بمقتضى سيرورة عقلنةٍ قاسيةٍ متصلّبةٍ (inéxorable)؛ بل يبدو هذا المشروعُ «رسالةً/بلاغًا» (porté) بالمعنى الذي تكلّم به فيبر عن المبلغين (porteurs) الحاملين لرسالةٍ دينيّةٍ)، وذلك من خلال التقاء مجموعاتٍ مختلفةٍ مرتبطةٍ بالدّولة وتشترك، في آنٍ، في مصلحةٍ في العقْلنة ومصلحةٍ في معرفة السّكّان البلديّين الأصليّين. يبدو الانشغالُ، الذي تجسّده الإتنولوجيا، بإنتاج معرفةٍ علميّةٍ حول السّكاّن البلديّين الأصليّين، يبدو، في آنٍ، بمنزلة عنصرٍ مفتاحيٍّ ورمزٍ لتقنيةٍ سياسيّةٍ جديدةٍ، مَشيدةٍ على قاعدة أخذ الاختلاف بين الحضارات بعين الاعتبار. وبهذه الصّياغة المتّميِّزة، في آنٍ، بنوعٍ من التّشكيك في الهيمنة الاستعماريّة وبضغوطٍ دُوليّةٍ قويّةٍ، تبرز الإتنولوجيا كطرفٍ باستطاعته أنْ يجمع ثلاثةَ عواملَ خاصّةٍ بالعقلنة: ممارسة نشاطٍ علميٍّ، وإثبات وجود مصلحةٍ ترجع للسّكّان البلديّين الأصليّين، واحترام عاداتهم وأعرافهم الأصيلة.

لقد أسهم الاشتراكُ في هذه المصالح، في فترة ما بين الحربيْن العالميّتيْن، في إرساء تحالفٍ بين مُطلِقِـي مشاريع عقلنة الهيمنة الاستعماريّة - الذين استصحبوا تعريف المسؤول الإداريّ بوصفه خبيرًا مختصًّا في السّكّان البلديّين الأصليّين - وبين علماءَ يتوقف نشاطُهم على دعم الدّولة الاستعماريّة في أساس وجود مؤسّساتهم، وفي معيشة وكلائهم، من أجل جمع المعطيات. وهكذا يُمكننا أنْ نحلّلَ العلاقةَ بين الإدارة الاستعماريّة والإتنولوجيا، كما ظهرت خلال سيرورة المأسسة، باعتبارها شكلًا من أشكال التّرابط التّنافسي بين مجموعاتٍ كثيرةٍ مرتبطةٍ بالدّولة، وهو ترابطٌ تتغيّر شروطه مع مرور الزّمن.
بفضل هذا الحلف، القائم على قاعدة تقسيم العمل على أساس التخصّص المهنيّ (يوفّر الخبراءُ المختصّون في المعرفة المعلوماتِ، كما يوفّرون خبراءَ في التّأويل والتّحليل أيضًا، إلى الخبراء المختصّين في الممارسة العمليّة في سياسة السّكّان البلديّين الأصليّين)، بفضل هذا الحِلف أصبح من الممكن تأسيس عددٍ من المؤسّسات، التي أرست، هي نفسُها، الشروطَ اللازمةَ لتطوير جسمٍ جديدٍ من الخبراء المختصّين في السّكّان البلديّين الأصليّين، وهم علماء الأعراق (الإتنولوجيّون / (ethnologues، وساهمت في الاعتراف بهذا الجسم في الوسط الجامعي والفكريّ. من ناحية أخرى ننبّه إلى أنّ تطوير قاعدةٍ مؤسَّسيّةٍ مستقلةٍ نسبيًّا عن الدّولة - وهو ما يفسّر بقاء هذا التخصّص موجودًا في السّاحة العلميّة - يدفع نحو إعادة تعريف هذا التخصّص، عبر صراعاتٍ داخليّةٍ تهدّد التّكاملَ المأمولَ حدوثُه، سلفًا، بين الانشغالات الاستعماريّة والانشغالات العلميّة. ويُضاف إلى ذلك التّشكيكُ المتصاعدُ في الهيمنة الاستعماريّة في الأوساط الفكريّة المركزيّة، الذي سيعسّر، التّصريحَ بالمكانة المحوريّة للإتنولوجيا في عمليّة التّنمية الااستعماريّة، التي أكّدها ليفي-برُوهْلْ في فترة ما بين الحربيْن العالميّتيْن. وهكذا فإنّ العلاقةَ التأسيسيّةَ بإدارة السّكّان البلديّين الأصليّين أصبحت خفيّةً في ما يقع التصّريح به في هذا العِلم الجديد المتعلّق بالإنسان، الذي يَدّعي وراثةَ الأنوار (Lumières).

لائحة المصادر
آسْمالْ (جانْ-لُو) و مْ’بُوكُولُو (إليكيا)، 1999، في قلب العِرْق. العِرقُ والقَبَليّةُ والدّولة فيلإفريقيا، ط1، 1985، سلسلة هنا باريس، لا ديكوفارْتْ (لا ديكوفارْتْ كتب الجيب، 68، العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة).
AMSELLE (Jean-Loup) et M’BOKOLO (Elikia), dir., 1999, Au coeur de l’ethnie. Ethnie, tribalisme et ةtat en Afrique, 1re éd. 1985, ici Paris, La Découverte (La Découverte Poches, 68. Sciences sociales et humaines).
بالانْدْيِي (جورج) وبوفْرِي (جانْ-كلود)، 1952، القرى الغابونيّة. الجوانب الديموغرافيّة، والاقتصاديّة، والسوسيولوجيّة، مشاريع حدْثنة، مونْبليِي، مطبعة لا شاريتِي (مُذكّرات معهد دراسات إفريقيا الوسطى).
BALANDIER (Georges) et PAUVERT (Jean-Claude), 1952, Les Villages gabonais. Aspects démographiques, économiques, sociologiques. Projets de modernisation, Montpellier, Impr. de la Charité (Mémoires de l’Institut d’études centrafricaines).
بازِنْ (جانْ)، «لِكُـلٍّ بامْبارَاه»، في آسْمالْ و مْ’بُوكُولُو، 1998.
BAZIN (Jean), 1998, «ہ chacun son Bambara», in AMSELLE et M’BOKOLO, 1999.
بُونُّويْ (كرِيسْتوفْ)، 1991، علماء من أجل الامبراطوريّة، باريس، أوستروم.
BONNEUIL (Christophe), 1991, Des savants pour l’Empire, Paris, ORSTOM.
بُونُّويْ (كرِيسْتوفْ)، 1999، «المتحف الوطنيّ للتّاريخ الطّبيعيّ والتّوسّع الاستعماريّ للجمهوريّة الثّالثة (1870-1914)»، مجلّة تاريخ فرنسا ماوراء- البحار.
BONNEUIL (C.), 1999, «Le Muséum national d’histoire naturelle et l’expansion colonial de la IIIe République (1870-1914)», Revue d’histoire de la France d’outre-mer, t. LXXXVI, 322-323.
برِيفْيِي(جول)، 1936، ثلاثُ دراساتٍ للسّيّد الحاكم العامّ بريفْيِي، داكار مطبعة الحكومة العامّة لإفريقيا الغربيّة الفرنسيّة.
BRةVIة (Jules), 1936, Trois études de Monsieur le gouverneur général Brévié, Dakar, Imprimerie du gouvernement général de l’AOF.
برِييَانْ (إيريكْ)، 1994، قياس الدّولة، المسؤولون الإداريّون وعلماء الهندسة في القرن الثّامن عشر، باريس، ألْبَنْ ميشال (تطوُّر الإنسانيّة).
BRIAN (ةric), 1994, La Mesure de l’ةtat. Administrateurs et géomètres au XVIII e siècle, Paris, Albin Michel (L’ةvolution de l’humanité).
شالور، 1943، «مخطّطٌ إتنولوجيٌّ إجماليٌّ من أجل دراسة القبائل الأساسيّة في الأراضي الكاميرونيّة تحت الوصاية الفرنسيّة»، نشرة جمعيّة الدّراسات الكاميرونيّة.
CHAULEUR, 1943, «Esquisse ethnologique pour servir à l’étude des principales tribus des territoires du Cameroun sous mandat français», Bulletin de la Société d’études camerounaises.
شُومْبارْتْ دو لُووْ (بول-هنْرِي)، ودِيبُودُو (ج.)، 1939، «خريطةٌ موجزةٌ لشعوب الكاميرون»، جريدة جمعيّة الأفريقانيّين.
CHOMBART DE LAUWE (Paul-Henry) et DEBOUDAUD (J.), 1939, «Carte schématique des populations du Cameroun», Journal de la Société des africanistes.
كوهِين (ويليامْ ب.)، 1973، أباطرةٌ بلا طيف، تاريخُ المسؤولين الإدارّيين لفرنسا ماوراء- البحار وللمدرسة الاستعماريّة، ترجمة من الأنگليزيّة لـ»سلطات الإمبراطوريّة. الدّائرة الفرنسية الاستعماريّة في إفريقيا»، ستانْفورد، 1971»، هنا باريس، سُويْ.
COHEN (William B.), 1973, Empereurs sans sceptre. Histoire des administrateurs de la France d’outre-mer et de l’ةcole coloniale, trad. de Rulers of Empire. The French colonial service in Africa, Stanford, 1971, ici Paris, Seuil.
كُوهْنْ (برْنارْد)، 1987، «إحصاء السّكّان، البنية الاجتماعية والوضْعنة في جنوب آسيا» في أنثروبولوجيّ بين مؤرِّخين، أوكسفورد، منشورات جامعة أكفورد.
COHN (Bernard), 1987, «The census, social structure and objectification in South Asia», in An anthropologist among the historians, Oxford, Oxford University Press.
كونْكْلِنْ (آليسْ ل.)، 1997، رسالةُ حضْرنة: الفكرة الجمهوريّة للإمبراطوريّة في فرنسا وغرب لإفريقيا، 1895-1930، ستانْفوردس. أيْ. منشورات جامعة ستانفورد.
CONKLIN (Alice L.), 1997, A mission to civilize. The republican idea of empire in France and West-Africa, 1895-1930, Stanford, CA, Stanford University Press.
كُوبر (فريديريك)، 1997، «تمدين الديوانيّين/البيروقراطيّين، الأفارقة القدامى ومفهوم التّنمية»، في فريديريك كوبرْ ورنْدالْ باكارْدْ، إدارة، التّنمية الدّوليّة والعلوم الاجتماعيّة، باركلي، منشورات جامعة كاليفورنيا.
COOPER (Frederick), 1997, «Modernizing bureaucrats, backward Africans and the Development concept», in Frederick COOPER et Randall PACKARD, dir., International development and the social sciences, Berkeley, University of California Press.
دِيلافُوسْ (مُورِيسْ)، 1921، «حول التّوجُّه الجديد للسّياسة البلدية/الأصلية في إفريقيا السّوداء»، استعلاماتٌ استعماريّةٌ ووثائقُ نشرتها لجنةُ إفريقيا الفرنسيّة.
DELAFOSSE (Maurice), 1921, «Sur l’orientation nouvelle de la politique indigène dans l’Afrique noire», Renseignements coloniaux et documents publiés par le Comité de l’Afrique française.
دِيلافُوسْ (مُورِيسْ)، 1925، الحضاراتُ الإفريقية الزنجيّة، باريس، لاروز.
DELAFOSSE (M.), 1925, Les Civilisations négro-africaines, Paris, Larose.
دِيلافِينْياتْ (رُوبارْ)، 1946، الدّائرةُ الإفريقيّة (الطّبعة الكاملة لـ»القادة الحقيقيون للإمبراطوريّة»، الممنوع من النّشر سنة 1940)، باريس، گالِّيمارْ.
DELAVIGNETTE (Robert), 1946, Service africain (éd. compl. de Les Vrais Chefs de l’Empire, censuré en 1940), Paris, Gallimard.
دِيشَنْ (هُوبارْ)، 1931، «النّزعةُ الاستعماريّةُ ووظيفة المسؤول الإداريّ» استعلامات استعماريّة.
DESCHAMPS (Hubert), 1931, «La vocation coloniale et le métier d’administrateur», Renseignements coloniaux.
ديميِي (فيرونيك)، 1999، الخطابُ الاستعماريُّ العلميُّ: الخطاب والرّهانُ. حول الإدارة الاستعماريّة المقارَنة، حواليْ 1930-حواليْ 1950، أطروحة دكتوراه، گرونوبْلْ، جامعة گرونوبْلْ.
DIMIER (Véronique), 1999, Construction et enjeu d’un discours colonial scientifique sur l’administration coloniale comparée, vers 1930-vers 1950, thèse de doctorat, Grenoble, Université de Grenoble.
دوگاسْتْ (إيديلاتْ)، ،1948 «مقالةٌ حول سكّان الكاميرون»، نشرة جمعيّة الدّراسات الكاميرونيّة، المجلدان الحادي عشر والثّاني عشر.
DUGAST (Idelette), 1948, «Essai sur le peuplement du Cameroun», Bulletin de la Société d’études camerounaises, vol. XXI-XXII.
دُوگاسْتْ (إيديلاتْ)، 1949، جرْدةُ حسابٍ عِرْقِيّةٌ لجنوب الكاميرون، كاهورْ، مطبعة أ. كوسْلَنْ (مُذكّرات المعهد الفرنسيّ لإفريقيا السّوداء. مركز الكاميرون).
DUGAST (I.), 1949, Inventaire ethnique du Sud-Cameroun, Cahors, Impr. De A. Coueslant (Mémoires de l’Institut français d’Afrique noire. Centre du Cameroun).
دُوگاسْتْ (إيديلاتْ)، 1954، «بابانْ، وبافْيا، وبالُومْ» في «شعوب وسط الكاميرون»، لندن، المعهد الإفريقي الدّوليّ (نظرة إتنوغرافيّة عامةٌ لِـ إفريقيا).
DUGAST (I.), 1954, «Banen, Bafia and Balom», in Peoples of the Central Cameroons, Londres, International African Institute (Ethnographic Survey of Africa).
دُوگاسْتْ (إيديلاتْ)، 1955-1959، دراسةٌ أُحاديّةٌ لقبيلة النديكيّين (منطقة بانان الكاميرون)، باريس، معهد الإتنولوجيا.
DUGAST (I.), 1955-1959, Monographie de la tribu des Ndiki (Banen du Cameroun), Paris, Institut d’ethnologie, 2 vol.
إِيبْوِي (فيليكْسْ)، 1931، «شعوب أُوبانْغي-شاري. دراسةٌ في الإتنوغرافيا، وفي اللّسانيّات، وفي الاقتصاد الاجتماعيّ»، نشرة إفريقيا الفرنسيّة. استعلاماتٌ استعماريّةٌ ووثائقُ، مستعادٌ في نشرة جمعية البحوث الكونْگُوليّة، مطبعة الحكومة العامّة لِـ لإفريقيا الاستوائيّة الفرنسيّة، 17، 1932.
ةBOUة (Félix), 1931, «Les peuples de l’Oubangui-Chari. Essai d’ethnographie, de linguistique et d’économie sociale», Bulletin de l’Afrique française. Renseignements coloniaux et documents, repr. Bulletin de la Société des recherches congolaises, Imprimerie du gouvernement général de l’AEF, 17, 1932.
فوكو (ميشال)، 1996، «الحوكمة»، أقوالٌ وكتاباتٌ.
FOUCAULT (Michel), 1996, «La gouvernementalité», Dits et écrits.
گايّارْ (جيرالْدْ)، 1989، «الإتنولوجيا قبل إنشاء المركز الوطني للبحث العلميّ»، كـرّاساتٌ من أجل تاريخٍ للمركز الوطني للبحث العلميّ.
GAILLARD (Gerald), 1989, «L’ethnologie avant le CNRS», Cahiers pour une histoire du CNRS.
گُودي (جاكْ)، 1995، مرحلة التوسّع، الأنثروبولوجيا في بريطانيا وإفريقيا، 1918-1970، كامْبْرِيدْجْ، منشورات جامعة كامْبْرِيدْجْ.
GOODY (Jack), 1995, The Expansive Moment. Anthropology in Britain and Africa, 1918-1970, Cambridge, Cambridge University Press.
گرِينْهالْفْ (بول)، 1988، المشاهدُ المؤقَّتة (الصُّوَرُ الزائلةُ). المعارض الكونيّة، معارضُ عالميّةٌ عظيمةٌ، 1851-1939، مانشستر، منشورات جامعة مانشستر.
GREENHALGH (Paul), 1988, Ephemeral vistas. The Expositions universelles, great exhibitions and world’s fairs, 1851-1939, Manchester, Manchester University Press.
هارْدِي (جورج)، 1932، المؤتمر الدّولي والبَيْن-استعماريّ للجمعيّة البلدية الأصليّة، معرض باريس الاستعماريّ الدّولي، 5-10 أكتوبر/تشرين الأوّل 1931، باريس.
HARDY (Georges), 1932, Congrès international et intercolonial de la Société indigène, Exposition coloniale internationale de Paris, 5-10 oct. 1931, Paris.
«جردةُ حسابٍ عِرقيّةٌ (إتنيّةٌ) ولسانيّةٌ للكاميرون تحت الوصاية الفرنسيّة. وثائقُ مُحَيَّنةٌ يوم 31/12/1933، ومُرْسَلةٌ من السّيد مُفوَّض الجمهوريّة»، 1934، جريدة جمعيّة الأفريقانيّين، الـمَلزمة الثّانية.
«Inventaire ethnique et linguistique du Cameroun sous mandat français. Documents mis à jour au 31/12/1933 et communiqués par M. le commissaire de la République», 1934, Journal de la Société des africanistes, fasc. II.
لابُورِي (هنْرِي)، 1931، بحثًا عن سياسةٍ بلدية/أصليّةٍ جديدةٍ لغرب إفريقيا، باريس، طبعةلجنة إفريقيا الفرنسيّة.
LABOURET (Henri), 1931, ہ la recherche d’une nouvelle politique indigène dans l’Ouest africain, Paris, ةd. du Comité de l’Afrique française.
لِينْهارْتْ (موريسْ)، 1938، «نظْمُ البحث العلميّ في أوقيانوسيا الفرنسيّة»، في مؤتمر البحث العلميّ في أراضي ماوراء-البحار. معرض باريس الدُّولي، 1937، باريس، مؤسّسة الاستعمار-العلوم (علوم الاستعمار).
LEENHARDT (Maurice), 1938, «L’organisation de la recherche scientifique en Océanie française», in Congrès de la recherche scientifique dans les territoires d’outre-mer. Exposition internationale de Paris, 1937, Paris, Association Colonie-Sciences.
لوروا-گُورْهانْ (أنْدرِي) وبوارْيِي (جانْ)، 1953، إتنولوجيا الاتّحاد الفرنسيّ، باريس، منشورات فرنسا الجامعيّة.
LEROI-GOURHAN (André) et POIRIER (Jean), 1953, L’Ethnologie de l’Union française, Paris, Presses universitaires de France.
ليتْوالْ (بينْوَا دو)، 1994، الأنتروبولوجيا أمام العالم الحديث. مالينوفْسْكِي وعقْلنة الأتنروبولوجيا والإدارة»، جينازْ.
L’ESTOILE (Benoît de), 1994, «L’anthropologue face au monde moderne. Malinowski et la rationalisation de l’anthropologie et de l’administration», Genèses.
ليتْوالْ (بينْوَا دو)، 1997أ، «الأفريقانيّة. محاولةُ مقارنةٍ بين التجربتين الفرنسية والبريطانية»، في آنّْ بِيرْيُو وإيمّانُووَالّْ سِيبُو، إدارة، جدلٌ حول الأفريقانيّة، مدرسة الدّراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة، مركز الدّراسات الإفريقيّة (ملفّات إفريقيّة).
L’ESTOILE (B. de), 1997a, «Africanisme et Africanism. Esquisse de comparaison franco-britannique», in Anne PIRIOU et Emmanuelle SIBEUD, dir., L’Africanisme en questions, Paris, ةcole des hautes études en sciences sociales, Centre d’études africaines (Dossiers africains).
ليتْوالْ (بينْوَا دو)، 1997ب، «باسم «الأفارقة الجُدُد». الصّفْوة (النّخبة) المتعلِّمة في إفريقيا المستعمَرة في مواجهة الأنتروبولوجيا (1930-1950).
L’ESTOILE (B. de), 1997b, «Au nom des “vrais Africains”. Les élites scolarisées de l’Afrique coloniale face à l’anthropologie (1930-1950)», Terrain.
ليتْوالْ (بينْوَا دو)، 1997ت، «حَكْرُ الأنثروبولوجيّين الطّبيعيُّ». الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة، والتّخطيط العلميّ والتّنمية». نشرة العلوم الاجتماعية.
L’ESTOILE (B. de), 1997c, «The “natural preserve of anthropologists”. Social anthropology, scientific planning and development», Social Sciences Information.
ليتْوالْ (بينْوَا دو)، 1999، «جيشٌ صغيرٌ من العمّال المساعدين. تقسيمُ العمل ورهاناتُه في الإتنولوجيا الفرنسيّة في العقد الرّابع من القرن العشرين»، بحثٌ مقدَّمٌ في مؤتمر مركز البحوث التّاريخيّة حول البحوث الجماعيّة في العلوم الاجتماعيّة، باريس، نوفمبر/تشرين الثّاني 1999.
L’ESTOILE (B. de), 1999, «Une petite armée de travailleurs auxiliaires. La division du travail et ses enjeux dans l’ethnologie française des années 1930», communication au colloque du Centre de recherches historiques sur les recherches collectives dans les sciences sociales, Paris, nov. 1999.
ليتْوالْ (بينْوَا دو)، 2000، «أعراقٌ ليست دُنْيا، بلْ مختلفةٌ. حول المعرض الاستعماريّ لمتحف الإنسان»، في كلودْ بلانْكارْتْ، إدارة، سياساتُ الأنتروبولوجيا، خطابٌ وممارساتٌ في فرنسا (1860-1940)، باريس، لَارْماتّانْ، تحت الطّبع.
L’ESTOILE (B. de), 2000, «Des races non pas inférieures, mais différentes. De l’Exposition coloniale au musée de l’Homme», in Claude BLANCKAERT, dir., Pمolitiques de l’anthropologie. Discours et pratiques en France (1860-1940), Paris, L’Harmattan, sous presse.
لِيفِي-برُوهْلْ (لوسْيانْ)، 1925، «معهد الإتنولوجيا التّابع لجامعة باريس»، مجلة الإتنوغرافيا والأعراف والعادات الشّعبيّة.
LةVY-BRUHL (Lucien), 1925, «L’Institut d’ethnologie de l’université de Paris», Revue d’ethnographie et de traditions populaires.
لِيفِي-برُوهْلْ (لوسْيانْ)، 1929، «تقرير نشاط معهد الإتنولوجيا لسنة 1929»، حوليّات جامعة باريس.
LةVY-BRUHL (L.), 1929, «Rapport d’activité de l’Institut d’ethnologie pour 1929», Annales de l’université de Paris.
مالِينُوفْسْكي (برونِيسْلافْ)، 1930، «عقلنةُ الأنثروبولوجيا والإدارة، آفْرِيكا.
MALINOWSKI (Bronislaw), 1930, «The rationalization of anthropology and administration», Africa.
مارْتُونّْ (إدوارد دو)، 1930، العالِمُ الاستعماريُّ، باريس، لارُوزْ (حَيَوَاتٌ استعماريّةٌ).
MARTONNE (ةdouard de), 1930, Le Savant colonial, Paris, Larose (Vies coloniales).
مُوبوَالْ (برنارْد)، 1939، «دراسةُ الأعراف القانونيّة لـ إفريقيا الغربيّة الفرنسيّة AOF (دراسةٌ إداريّةٌ)»، في مجموعة الأعراف القانونيّة في إفريقيا الغربيّة الفرنسيّة. في ت. إ.: السنغال، باريس، لاروز (منشورات لجنة الدّراسات التّاريخيّة والعلميّة لـ إفريقيا الغربيّة الاستوائيّة AOF).
MAUPOIL (Bernard), 1939, «L’étude des coutumes juridiques de l’AOF (étude administrative)», in Coutumiers juridiques de l’Afrique occidentale française. T. I: Sénégal, Paris, Larose (Publications du Comité d’études historiques et scientifiques de l’AOF).
مَرْسْيِي (بُولْ)، 1951، مهامُّ علم الاجتماع (السوسيولوجيا)، داكار، المعهد الفرنسيّ لإفريقيا السّوداء.
MERCIER (Paul), 1951, Les Tâches de la sociologie, Dakar, Institut français d’Afrique noire.
نُورْمانْ (دانيالْ) ورِيزونْ (جان-بيارْ)، 1980، علوم الإنسان والغزو الاستعماريّ: تأسيس العلوم الإنسانيّة واستعمالها في إفريقيا (في القرنين التّسع وعشر والعشرين)، باريس، منشورات دار المعلّمين العليا.
NORDMAN (Daniel) et RAISON (Jean-Pierre), 1980, Sciences de l’homme et conquête coloniale. Constitution et usage des sciences humaines en Afrique (XIXe-XXe siècles), Paris, Presses de l’ةcole normale supérieure.
بالْسْ (بيترْ)، 1996، «بَدْجنةُ سياساتِ لُودْگُورو. الإتنوغرافيا الإداريّة ومفارقاتُ الحكم غير المباشر»، الإتنولوجيّ الأمريكيّ.
PELS (Peter), 1996, «The pidginization of Ludguru politics. Administrative ethnography and the paradoxes of Indirect Rule», American Ethnologist.
بِيرْيُو (آنّْ)، 1997، البلَدويّةُ الأصلويّةُ والعلومُ الاستعماريّةُ والتغييرُ الاجتماعيُّ. حالة مجلة ماوراء-البحار». في آنّْ بِيرْيُو وإيمّانووَالّْ سِيبُو، إدارة، جدلٌ حول الأفريقانيّة، مدرسة الدّراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة، مركز الدّراسات الإفريقيّة (ملفّاتٌ إفريقيّةٌ).
PIRIOU (Anne), 1997, «Indigénisme, sciences coloniales et changement social. Le cas de la revue Outre-mer», in Anne PIRIOU et Emmanuelle SIBEUD, dir., L’Africanisme en questions, Paris, ةcole des hautes études en sciences sociales, Centre d’études africaines (Dossiers africains.
بوَارْيِي (جانْ)، إدارة، 1968، الإتنولوجيا. المجلد الأوّل: الإتنولوجيا العامّة، باريس، گالِّيمارْ (موسوعة بلِييَادْ، 24).
POIRIER (Jean), dir., 1968, Ethnologie. Vol. I: Ethnologie générale, Paris, Gallimard (Encyclopédie de la Pléiade, 24).
التّقريرُ السّنويّ للحكومة الفرنسيّة حول الإدارة المفوَّضة في أراضي الكاميرون لسنة 1924، 1925، باريس، لاروزْ.
Rapport annuel du gouvernement français sur l’administration sous mandat des territoires du Cameroun pour 1924, 1925, Paris, Larose.
رُومْ (أرْنَسْتْ)، 1929، «الافتتاحيّة»، مجلة ماوراء-البحار، العدد الأول، مارس/آذار.
ROUME (Ernest), 1929, «Avant-propos», Outre-mer, 1, mars, p. 3-5.
سُوزَا لِيما (أنْطُونْيُو دو)، 1995، حصارٌ عظيم للسّلام. قوّة الوصاية، الهنود وتشكّل الدّولة في البرازيل، بَتْرُوبُولِيسْ، فُوزسْ.

SOUZA LIMA (Antonio Carlos de), 1995, Um grande cerco de paz. Poder tutelar, indianidade e formaçaکo do Estado no Brasil, Petropolis, Vozes.
فيبر (ماكس)، 1968، الاقتصاد والمجتمع، موجزٌ في علم الاجتماع التّحليليّ، نشره گُونْتَرْ رُوثْ وكلاوْسْ وِيتِّيشْ، باركلي، منشورات جامعة كاليفورنيا.
WEBER (Max), 1968, Economy and society. An outline of interpretative sociology, éd. par Guenther ROTH et Claus WITTICH, Berkeley, University of California Press, 2 vol.
فيبر (ماكس)، 1971، الاقتصاد والمجتمع، منشور بإدارة جاك شايْفِي وإرِيكْ دُو دامْبيار، المجلد الأول، باريس، بلونْ (بحوثٌ في العلوم الانسانيّة).
WEBER (M.), 1971, ةconomie et société, publ. sous la dir. de Jacques CHAVY et d’ةric DE DAMPIERRE, t. I, Paris, Plon (Recherches en sciences humaines).
فيبر (ماكس)، 1996، علم اجتماع الأديان، نشر وترجمة من اللغة الألمانيّة: جانْ-بيارْ گرُوسَّيْنْ، باريس، گَالِّيمارْ (مكتبة العلوم الإنسانيّة).
WEBER (M.), 1996, Sociologie des religions, éd. et trad. de l’allemand Jean-Pierre GROSSEIN, introd. Jean-Claude PASSERON, Paris, Gallimard (Bibliothèque des sciences humaines).


----------------------------------------
[1]. بِينْوَا دُو ليتْوَالْ ( Benoît de L›étoile).
عنوان المقال باللسان الفرنسيّ
Science de l’homme et “domination rationnelle” savoir ethnologique et politique indigène en Afrique coloniale française
المصدر: نُشر المقال في مجلة الحصيلة (Revue de synthèse): الفصل الرّابع. العددان الثّالث والرّابع، جويلية/تمّوز-ديسمبر/كانون الثّاني 2000، صص. 291-323.
تعريب: جمال عمّار
[2]. من أجل المزيد من التّفاصيل حول المراجع المذكورة في الهوامش، تفضلوا بمراجعة القائمة النّهائيّة الموجودة في آخر المقال. هنا، مالِينُوفْسْكي، برونِيسْلافْ، عقلنةُ الأنثروبولوجيا والإدارة. هذا النّصُّ (الترجمة الفرنسيّة موجودة في ليتْوالْ (بينْوَا دو)، الأنتروبولوجيا أمام العالم الحديث. مالينوفْسْكِي وعقْلنة الأتنروبولوجيا والإدارة) يعرض، في آنٍ، برنامجًا لتعديل (لإصلاح / (reforme الإدارة الاستعماريّة ولثورةٍ علميّةٍ في الأنتروبولوجيا، يدور كلاهما حول قاسمٍ مشتركٍ هو «المصلحة في العقْلنة»).
[3]. تطوّرت الإتنولوجيا المستمرِكة الفرنسيّة في سياق (استعمارٍ داخليٍّ) قامت به دُولٌ وطنيّةٌ أخرى. من أجل القيام بتحليلٍ للسّياق البرازيليّ، الذي ينخرط فيه كلود ليفي-ستروس (Claude LÉVI-STRAUSS) وروجي باستيد (Roger BASTIDE)، انظر سُوزَا لِيما (أنْطُونْيُو دو)، حصارٌ عظيم للسّلام. قوّة الوصاية، ص 87-127.ومقال لويز فيرناندو دِياس دُويَاْرتي (Luiz Fernando DIAS DUARTE) في هذا العدد (من مجلّة الحصيلة)، لاحقًا، ص 325-344.
ملاحظة: المستمرِك (américaniste): هو العالِـم بلغات السّكّان البلديّين الأصليّين لأمريكا (المعروفين باسم الهنود الحُمْر) وأعرافهم وعاداتهم.
[4]. يتوافق مصطلحُ «إتنولوجيا» (علم الأعراق / (ethnologie مع التّسمية التي فرضت نفسها، بشكلٍ تصاعديٍّ تدريجيٍّ، في فرنسا خلال هذه الفترة، لِتعنيَ مجموعةَ علم الإنسان، التي تتّخذ موضوعًا مُفضَّلًا لها السّكّانَ «البدائيّين» (primitives) و»البلديّين الأصليّين» (indigènes)، ويندرج تحتها: علمُ الألسنيّة (linguistique)، والإتنوغرافيا (الإتنيّة/العِرْقِيّة الوصفيّة / (ethnographie، والأنتروبولوجيا الماديّة (علم الإناسة/علم الإنسان المادّيّ / (anthropologie physique و [علم] ماقبل التّاريخ (préhistoire). من أجل التّبسيط، سوف لنْ أدخل هنا في التّفاصيل حول التّسميات المختلفة والتّعريفات المتضاربة للمعارف المتعلّقة بهذه العلوم. سوف أستعمل مصطلح «المعرفة الأنتروبولوجيّة» (savoir anthropologique) للإشارة إلى مجال المعرفة هذا الذي تعدّدت الأسماءُ المشيرةُ إليه، وقتها: الإتنولوجيا، الأنتروبولوجيا، الإتنوغرافيا، الفولكلور، إلخ.، والتي كانت الحدودُ بينها، وتحديدًا بينها وبين الجغرفيا، أحيانًا غيرَ مُحدّدةٍ بدقّةٍ.
[5]. لِيفِيبرُوهْلْ، لوسْيانْ، مجلة الإتنوغرافيا والأعراف والعادات الشّعبيّة، ج 33-34، 421.
[6]. المصدر السابق، ص. 421.
[7]. «العلم والاستعمار»، نصٌّ مُستلٌّ من مجلة العلم والصّناعة، مُستعادٌ في بريفْيِي.
[8]. أصبح اسمه مؤخّرًا معهد البحوث من أجل التّنمية. انظر: بُونُّويْ، كرِيسْتوفْ، علماء من أجل الامبراطوريّة، 1991.
[9]. انظر، مثلًا، گُودي، جاكْ، مرحلة التوسّع، الأنثروبولوجيا في بريطانيا وإفريقيا، ص 42-43: راجع التّحليل الذي قدّمه في مقدّمة هذا العدد (من مجلّة الحصيلة)، سابقًا، ص 233-263.
[10]. على وجه الخصوص في فيبر، (أنماط الهيمنة الشّرعية)، ص 217-226، فيبر ماكس، علم اجتماع الأديان، ج2، الفصل 11، (البيروقراطيّة)، ص 956-1005، انظر أيضًا فيبر، ماكس، علم اجتماع الأديان، ص. 369-375. لا تنشغل قراءتُنا لـ ماكس فيبر بالهمّ التّفسيريّ، بل هي تهدف إلى استخراج أدواتٍ للتحليل، لا أكثرَ.
[11]. فيبر، 1971، ص. 223: النّمطُ الديوانيُّ (البيروقراطيُّ) المحضُ هو «من وجهة نظرٍ تقنيّةٍ محضٍ، قادرٌ على إدارك الدّرجة العليا من الفّعّاليّة وهو، بهذا المعنى، قطعًا، الأكثرُ عقلانيّةً من بين الوسائل المعروفة لممارسة الهيمنة على الكائنات البشريّة».
[12]. فيبر، ماكس، الاقتصاد والمجتمع، ص 225.
[13]. فيبر، ماكس، الاقتصاد والمجتمع، موجزٌ في علم الاجتماع التّحليليّ، المجلد الثّاني، ص 998: «تدعمُ دَيْوَنةُ (بَرَقْرطةُ / (bureaucratisation أيِّ هيمنةٍ بشدّةٍ تنميةَ الموضوعيّةِ العقلانيّةِ ونمطَ شخصيّةِ الخبيرِ المحترفِ».
[14]. فيبر، ماكس، علم اجتماع الأديان، ص 492.
[15]. فيبر، ماكس، الاقتصاد والمجتمع، موجزٌ في علم الاجتماع التّحليليّ، المجلد الثّاني، ص 919: «النقطة الحاسمةُ الوحيدةُ، بالنسبة لنا، هي أنّه، من حيث المبدأُ، توجد خلف كل فعلٍ إداريٍّ ديوانيٍّ (بيروقراطيٍّ) منظومةُ أسبابٍ قابلةٍ للنقاش بشكلٍ عقلانيٍّ، سواءً بإرجاعها إلى المعايير أو من خلال تقويم الوسائل والغايات.»
[16]. برِييَانْ، إيريكْ، قياس الدّولة، المسؤولون الإداريّون وعلماء الهندسة في القرن الثّامن عشر.
[17]. ترتكز هذه الرؤيةُ على تحليلٍ قام به فيبر، ماكس، علم اجتماع الأديان، ص 241-328، وهو تحليلٌ للعلاقة بين الهيمنة القَدَاسويّة (hiérocratique) والهيمنة السّياسيّة.
[18]. من أجْل صياغةٍ أُولى، انظر ليتْوَالْ، بينْوَا دو، حَكْرُ الأنثروبولوجيّين الطّبيعيُّ، ص 348.
[19]. أعرضْنا عن استعمال مصطلح «التّسخير» (instrumentalisation)، الذي يُستعمَلُ غالبًا بِقصدٍ إدانيٍّ، وسوف نستعمل هنا مصطلَحَ «الإمداد بالأدوات» (instrumentation)، الأقوى دلالةً على المعنى المقصود.
[20]. نورمان وريزونْ، علوم الإنسان والغزو الاستعماريّ: تأسيس العلوم الإنسانيّة واستعمالها في إفريقيا (في القرنين التّسع وعشر والعشرين)، 1980.
[21]. ومع ذلك، فإنّ تكرارَ هذه الطّلبات، نفسَه، يشي بأنّها لم تكن تُتبع دائمًا بإجراءاتٍ عمليةٍ.
[22]. محفوظات وثائق (أرشيف) وكالة الكاميرون الاقتصاديّة (AEC)، أكس-إن-بروفانْس، مركز محفوظات وثائق ماوراء-البحار (CAOM)، مفوَّض الجمهوريّة في الكاميرون، المنشور عدد 43.
[23]. انظر، حول هذا الموضوع، التَحاليلَ المجموعةَ في آسْمالّْ ومْ‘بُوكولو، في قلب العِرْق. العِرقُ والقَبَليّةُ والدّولة فيلإفريقيا، 1999، وبشكلٍ خاصٍّ. جون بازِنْ، لِكُـلٍّ بامْبارَاه ص 87-127، الذي يبيّن كيف تؤدّي الممارساتُ التّصنيفيّةُ العلميةّ والإداريّةُ إلى إزالة الغموض عن الفئات السّيالة للمجتمع ما قبل الاستعماريّ وإلى إعادة بنائها.
[24]. من أجل إجراء مقارنةٍ مع حالة الهند، انظر كوهْنْ، برْنارْد، إحصاء السّكّان، البنية الاجتماعية والوضْعنة في جنوب آسيا، 1987.
[25]. AEC، CAOM، 353/168 مكرّر، «السّكّان [البلديّون الأصليّون]، الإحصاء»، تقرير مكتب الشّؤون السّياسيّة، 30 أكتوبر/تشرين الثاني 1933.
[26]. «جدولُ الإحصاءِ العِرقيُّ واللُغَويُّ للكاميرون تحت الوصاية الفرنسيّة»، 1934.
[27]. قرار 21 أفريل/نيسان 1933، المجلة الرسميّة للمستعمَرات، ص 244.
[28]. AEC، CAOM، 928/2903، (المُذكِّرات)، ملفّ «تطويع شمال الكاميرون» (Pacification Nord Cameroun)، انظر أيضًا التقرير السّنوي لسنة 1924 للحكومة الفرنسية حول الإدارة المفوَّضة في أراضي الكاميرون، ص 24.
[29]. AEC، CAOM، C888، (الـمُذكِّرات)، المنطقة الشَّماليّة، بالآلة الرّاقنة، ص145.
[30]. دُوگَاسْتْ، إيديلاتْ، مقالةٌ حول سكّان الكاميرون ص VI.
[31]. دشّن هذا العملُ سلسلة «مّذكِّرات المعهد الفرنسيّ لإفريقيا السّوداء» (مركز الكاميرون) المخصَّصة لـ»السّكان البلديّين الأصليّين»، انظر دُوگَاسْتْ، إيديلاتْ، جرْدةُ حسابٍ عِرْقِيّةٌ لجنوب الكاميرون، المقدّمة.
[32]. في العقد الرّابع من القرن العشرين (الثّلاثينات)، كانت إيديلاتْ دُوگَاسْتْ تلميذةً في معهد علم الأعراق، الذي أرسلها في بعثة إلى الكاميرون، وهناك تزوّجها روني دُوگَاسْتْ، القائدُ الإداريُّ للمستعمَرات؛ سنة 1943، صارت السكريتيرةَ المُوثِّقةَ (secrétaire-archiviste) في مجتمع الدّراسات الكاميرونيّة، الذي تحوّل في السنة التّالية إلى مركزٍ محليٍّ لمعهد (IFAN).
قد ساهمت أيضًا في الحملة الواسعة لتكوين حصيلة منهجيّةٍ، التي نسّقها المعهدُ الإفريقيُّ الدُّوَليُّ، ضمن مشروع المسح العِرْقيّ لإفريقيا (Ethnographic Survey of Africa)، انظر دُوگَاسْتْ، بابانْ، وبافْيا، وبالُومْ» في «شعوب وسط الكاميرون»، 1954؛ وهي، أخيرًا، مُؤلِّفةُ «مُذكِّرة حول قبيلة النّديكيِّين (بانان الكاميرون)» (Monographie de la tribu des Ndikis (Banen du CAMEROUN))، انظر دُوگَاسْتْ، دراسةٌ أُحاديّةٌ لقبيلة النديكيّين 1955-1959.
[33]. كانت مجلةُ الطُّوغُو-الكاميرون (Togo-Cameroun)، المخَصَّصةُ لـ»الدّعاية» (propaganda) للأراضي الخاضعة للوصاية (الاستعمار) الفرنسيّة، كانت تنشر بانتظامٍ «خرائطَ عِرْقيّةً» للإقليم (الكاميرون)، والتي كانت تحضر أيْضًا في «التقارير السّنويّة للحكومة الفرنسية حول الإدارة المفوَّضة في أراضي الكاميرون»
(Rapports annuels du gouvernement français sur l’administration sous mandat des territoires du Cameroun).
[34]. شُومْبارتْ، دو لُووْ، خريطةٌ موجزةٌ لشعوب الكاميرون، ص 197-203.
[35]. شُومْبارتْ، دو لُووْ، خريطةٌ موجزةٌ لشعوب الكاميرون. ص 197.
[36]. انظر، بالخصوص، سلسلةَ الخرائطِ العرقيّة البشريّة/الإتنو-ديموغرافيّة (ethno-démographiques) لإفريقيا الغربيّة، بمقياس 000 100/1، التي نشرها معهدُ (IFAN)، مركز داكار (السينغال).
[37]. إيبُووِي، كرِيسْتوفْ، علماء من أجل الامبراطوريّة، 1991.
[38]. فيليكْسْ إيبُووِي (1884-1944)، أصله من غوايانا، أسودُ، مُجازٌ من المدرسة الاستعماريّة سنة 1908، ظلّ سنواتٍ عديدةً يشتغل مسؤولًا إداريًّا في مستعمرةٍ تُصنَّف في أسفل درجةٍ في التّراتبيّة الاستعماريّة، وهي منطقة أوبانغي-شاري (Oubangui-Chari/جمهوريّة إفريقيا الوسطى الحاليّة)؛ ثّمّ أصبح بعد ذلك الحاكمَ العامَّ لـ التّشاد، ثمّ الحاكمَ العامَّ لـ إفريقيا الإستوائيّة الفرنسيّة (AEF)، حيثُ أرسى سياسةً جديدةً في التعامل مع السّكان البلديّين الأصليّين، قائمةً على احترام المؤسّسات السّياسيّة والأعراف والعادات التّراثيّة المحليّة. وهو «الاستعماريُّ» الوحيد الذي دخل إلى «البانتيون» (Panthéon).
[39]. وهكذا فقد ظهرت المذكّرةُ، في آنٍ، في ملحق «نشرة إفريقيا الفرنسيّة. معلوماتٌ استعماريّةٌ ووثائقُ»، وفي مجلة جمعيّةٍ علميّةٍ محليّةٍِ، هي «نشرة جمعيّة البحوث الكونغُوليّة»، التي كانت تنشرها الحكومة العامّة لإفريقيا الإستوائيّة الفرنسيّة، وكذلك في مجلةٍ علميّةٍ موجودةٍ في المركز الاستعماريّ، هي مجلة «الإتنوغرافيا».
[40]. رافايال أَنْتونِتّي (1872-1938)، هو الحاكم العامُّ لـ إفريقيا الإستوائيّة الفرنسيّة بين سنتَيْ 1924 و1934.
[41]. محفوظات وثائق (أرشيف) الحكومة العامّة لإفريقيا الإستوائيّة الفرنسيّة (GGAEF)، CAOM، 5D103، منشور الحاكم العامّ أَنْتُونِتّي، 16 أكتوبر/تشرين الأول 1933.
[42]. طلب إيبُووِي من رؤسائه الاعترافَ به كإتنوغرافيٍّ، يقوم بوظيفته، كمسؤول إداريٍّ، بشكلٍ من أشكال التّميّز (فهْم السّكّان البلديّين الأصليّين).
[43]. GGAEF، CAOM، 5D103، رسالةٌ مُوجّهَةٌ من لوسيان ليفي-بروهْلْ إلى الحاكم العامِّ لإفريقيا الإستوائيّة الفرنسيّة (AEF)، 24 أكتوبر/تشرين الأوّل 1933.
[44]. المنشور المؤرّخ في 10 جوان/حزيران 1930، الجريدة الرّسميّة للمستعمرات، ذكرها كوهين، ص 191.
[45]. GGAEF، CAOM، مكتب الشّؤون السّياسيّة، في مواضع متفرّقة (passim). تتّسم بعضُ الشّهادات الأخرى بفقدان الفهْم في ما يتعلّق بالأعمال الإتنوغرافيّة، انظر كوهين، ويليامْ، أباطرةٌ بلا طيف، تاريخُ المسؤولين الإدارّيين لفرنسا، ص 184-185.
[46]. حول تقلُّب تلك البناءات، انظر: بالْزْ، بيترْ، بَدْجنةُ سياساتِ لُودْگُورو. الإتنوغرافيا الإداريّة ومفارقاتُ الحكم غير المباشر، الإتنولوجيّ الأمريكيّ، ج 33، ص 738-761.
[47]. في سنة 1930 أيْضًا، صرّح الحاكمُ العامُّ جُولْ كارْدْ (Jules CARDE)، أمام المجلس العام لحكومة إفريقيا الغربيّة الفرنسيّة (AOF): «إذا ما سلّمنا بحقيقة وجود شعوبٍ متطوّرةٍ وبوجود أعراقٍ متخلّفةٍ، وأنّ هناك مصلحةً عامّةً بأنْ ترتقيَ هذه الأخيرةُ إلى مستوى تلك، فإنّ الاستعمار يجد ضمنّيًا تبريرًا لأساس وجوده». هذا القولُ مذكور في مجلة إفريقيا الفرنسيّة (L’Afrique française)، ص 14.
[48]. گرِينْهالْفْ، بول، حول المعرض الاستعماريّ الذي أُقيم سنة 1931، حيثُ طغت على المشهد عمليّاتُ إخراجٍ مسرحيٍّ (mise en scène) أخرى، انظر ليتْوالْ، بينْوَا دو، أعراقٌ ليست دُنْيا، بلْ مختلفةٌ. حول المعرض الاستعماريّ لمتحف الإنسان 2000.
[49]. ذُكر هذا في مجلة ماوراء-البحار، ج3، ص 3-5.
[50]. انظر: مارْتُونّْ، إدوارد دو، العالِمُ الاستعماريُّ.
[51]. في كتابٍ منشورٍ سنة 1916 مُوجَّهٍ للمدارس في إفريقيا الغربية الفرنسية (AOF)، بإمكاننا أنْ نقرأَ أنّ الفرنسيين «الأكثر تقدّمًا في الحضارة» يساعدون الأفارقةَ من خلال تقاسمهم معهم ثمارَ العلم، «الذي هو صنيعةُ الغرب»، لكنّ السّود يستطيعون الدّراسة للاستفاد منه. هذا مذكورٌ في كُونْكلِينْ، رسالةُ حضْرنة: الفكرة الجمهوريّة للإمبراطوريّة في فرنسا وغرب لإفريقيا، ص 136.
[52]. هذا الادّعاءُ (revendication) كان، في بعض الحالات، موضوعًا لاعتراضاتٍ عنيفةٍ، انظر: ليتْوَالْ، بينْوَا دو، باسم «الأفارقة الجُدُد». الصّفْوة (النّخبة) المتعلِّمة في إفريقيا المستعمَرة في مواجهة الأنتروبولوجيا، ص 87-102.
[53]. دِيلافوسْ، ُمورِيسْ، حول التّوجُّه الجديد للسّياسة البلدية/الأصلية في إفريقيا السّوداء، ص 145-152.
[54]. فوكو، ميشال، الحوكمة»، أقوالٌ وكتاباتٌ، ج3، ص 635-657.
[55]. كُونْكلِنْ، آليسْ ل، رسالةُ حضْرنة: الفكرة الجمهوريّة للإمبراطوريّة في فرنسا وغرب لإفريقيا.
[56]. بُونُّويْ، كرِيسْتوفْ، المتحف الوطنيّ للتّاريخ الطّبيعيّ والتّوسّع الاستعماريّ للجمهوريّة الثّالثة (1870-1914)، ج86، ص 143-169.
[57]. دِيلافُوسْ، مُورِيسْ، الحضاراتُ الإفريقية الزنجيّة، 1925.
[58]. (العلم والاستعمار)، نصٌّ مُستعادٌ في بريفْيِي، 1936.
[59]. رُومْ، أرْنَسْتْ، الافتتاحيّة»، مجلة ماوراء-البحار، العدد الأول، ص 3-5.
[60]. لابُورِي، هنْرِي، بحثًا عن سياسةٍ بلدية/أصليّةٍ جديدةٍ لغرب إفريقيا 1931.
[61]. جُولْ برِيفْيِي هو، مثل فيليكْسْ إِيبْوِي، تلميذٌ سابقٌ في المدرسة الاستعماريّة، كما كان أرْنَسْتْ رُومْ رئيسًا لمجلس إدارتها. حول المدرسة الاستعماريّة انظر: كوهين، ويليامْ، أباطرةٌ بلا طيف، تاريخُ المسؤولين الإدارّيين لفرنسا ماوراء- البحار وللمدرسة الاستعماريّة 1973، ودِيمْيِي، الخطابُ الاستعماريُّ العلميُّ: الخطاب والرّهانُ. حول الإدارة الاستعماريّة المقارَنة، حواليْ 1930-حواليْ 1999.
[62]. فيبر ماكس، الاقتصاد والمجتمع، موجزٌ في علم الاجتماع التّحليليّ، ج2، ص 994.
[63]. يتمّ أحيانًا استعمال مصطلح «مسؤول إداريّ» (administrateur) ومصطلحَ «وكيل إدارة» (agent de l’administration) على نحوٍ تعاوُضيٍّ (interchangeables). في الواقع، لقد تمّ تخصيص لقب (مسؤول إداريّ) فقط لأعضاء المنظومة الإداريّة (الجسم الإداريّ)، الذين أصبح يُشترط فيهم لقبولهم، منذ سنة 1912، أن يكونوا مُجازين من المدرسة الاستعماريّة، التي كانت، في ما مضى، تُكوِّن علميًّا ربعَ عدد المسؤولين الإداريّين. أمّا مساعدو الأقسام المدنيّة، الذين يُنتَدبون على عين المكان، فقد أصبحوا مُجبَرين على الخضوع لدورةٍ تكوينيّةٍ تخصّصيةٍ مدّتها سنة واحدة في المدرسة الاستعماريّة، قبل الدّخول في الجسم.
[64]. دُولافينْياتْ، الدّائرةُ الإفريقيّة الطّبعة الكاملة لـ»القادة الحقيقيون للإمبراطوريّة، ص 53.
[65]. لقد كان دوشانْ الأوّلَ في دفعته عند تخرّجه من المدرسة الاستعماريّة سنة 1924. يمثّل هذا الرّجلُ أحدَ المصاديق للرّجل ذي السيرة المهنيّة المزدوجة، لقد بدأها استعماريًّا، ثمّ صار جامعيًّا: سوف يصبح، إلى غاية سنة 1970، مديرَ مركز الدّراسات الإفريقيّة في جامعة السّوربون.
[66]. دُوشانْ، هُوبار، النّزعةُ الاستعماريّةُ ووظيفة المسؤول الإداريّ» استعلامات استعماريّة، ص 497-500.
[67]. كوهين، ويليامْ، أباطرةٌ بلا طيف، تاريخُ المسؤولين الإدارّيين لفرنسا ماوراء- البحار وللمدرسة الاستعماريّة 1973.
[68]. أيْ إنّه لا يتمّ اختيارُه من داخل الجسم. كان الاستثاءُ الوحيدُ لهذا العُرف هو تعيينَ برِيفْيِي وزيرًا للمستعمَرات من أفريل/نيسان 1942 إلى مارس/آذار 1943.
[69]. هارْدي، جورج، المؤتمر الدّولي والبَيْن-استعماريّ للجمعيّة البلدية الأصليّة، معرض باريس الاستعماريّ الدّولي، 5-10 أكتوبر
[70]. برِيفْيِي، جول، ثلاثُ دراساتٍ للسّيّد الحاكم العامّ بريفْيِ 1936.
[71]. لقد راكم بولْ رِيفِي العديدَ من الوظائف العلميّة، فقد كان أستاذًا في المتحف الوطنيّ للتّاريخ الطّبيعيّ، وشغل منصبَ الأمين العامّ لمعهد الإتنولوجيا، كما كان مديرَ متحف الإتنوغرافيا. كان مشروعُه يهدف إلى توحيد مختلف فروع (علم الإنسان) تحت راية الإتنولوجيا. انظر لِيتْوَالْ، بينْوَا دو، الأفريقانيّة محاولةُ مقارنةٍ بين التجربتين الفرنسية والبريطانية، ص 19-42.
[72]. لِينْهارْتْ، موريسْ، نظْمُ البحث العلميّ في أوقيانوسيا الفرنسيّة»، في مؤتمر البحث العلميّ في أراضي ماوراء-البحار. معرض باريس الدُّولي، ص 528.
[73]. وهكذا، فقد استخدم متحفُ الإتنوغرافيا ومعهدُ الإتنولوجيا الإدارةَ الاستعماريّة في جمع المعطيات المتنوّعة، سواء أكانت ذات طابع لغويٍّ، أم إتنوغرافيٍّ، أم كانت مواضيعَ بلديّةً أصليّةً (objets indigènes). انظر لِيتْوَالْ، بينْوَا دو، جيشٌ صغيرٌ من العمّال المساعدين. تقسيمُ العمل ورهاناتُه في الإتنولوجيا الفرنسيّة في العقد الرّابع من القرن العشرين 1999.
[74]. تمثّل ظاهرةُ (التّخصُّص المهنيّ)، مع تعريف «الحقول الخاصّة للكفاءة» (sphères de compétence spécifiques) تمثّل بُعْدًا آخَر من أبعاد سيرورة التّقسيم العقلانيّ للعمل الّتي تميّز الهيمنة الدّيوانيّة (البيروقراطيّة9. وتوسيعًا لتحليل فيبر، بإمكاننا أنْ نعدّ أنّ التّسمية الذاتيّةَ لجهاز إنتاجٍ للمعارف يسهم في دفع منطق التّقسيم المهني هذا إلى حدّه الأقصى.
[75]. ستصبح هاتان الشّخصيّتان، مستقبلًا، من الأسماء الكبرى في مجال الإتنولوجيا: لقد سيطر الأوّل على مجال «ماقبل- التّاريخ» (préhistoire) وعلى دراسات «التّكنولوجيا» في فرنسا؛ أمّا الثّاني فقد أدار فريقَ العمل الذي أعدّ المجلدَ المخصّصَ للإتنولوجيا في «موسوعة بلِييَادْ» (Encyclopédie de la Pléiade)، انظر بوَارْيِي، جانْ، إدارة، ج1: الإتنولوجيا العامّة.
[76]. لُورْوَا، گُورْهانْ وبوَارْيِي، إتنولوجيا الاتّحاد الفرنسيّ، ج2، ص 897-898.
[77]. نلاحظ مشابهةَ هذا الأمر للصّياغات البلدويّة الأصلويّة (formulations indigénistes) التي درسها كلٌّ مِنْ كلاوْديُو لُومْنِيتْزْ وأنْطُونْيُو كارْلوسْ دو سُوزا، كما سيأتي لاحقًا في هذا العدد من المجلة (مجلة الحصيلة / synthèse)، على التّوالي، ص 345-380 و381-410.
[78]. لُورْوَا، گُورْهانْ وبوَارْيِي، إتنولوجيا الاتّحاد الفرنسيّ، ج2، ص. 897-898.
[79]. أعطى دستورُ 1946 اسم (الاتّحاد الفرنسيّ) للكتلة المكوَّنة من فرنسا المركزية وبلدان ماوراء- البحار (مستعمَراتها)، ما يعني منح الجنسيّة الفرنسيّة (مع اختلاف الوضع ونوعيّة الجنسيّة) إلى جميع رعايا الاتّحاد.
[80]. تمثّل خطّةُ «علم اجتماع الشّعوب التّابعة» (sociologie des peuples dépendants) ، الذي أرساه، في المعهدُ الفرنسيُّ لإفريقيا السّوداء في نهاية العقد الخامس من القرن العشرين (الأربعينات)، مجموعةٌ من الباحثين الشبّان مثل جورج بالاندْيِي و بول مَرْسْيِي، الذي استشرف صياغةَ تعريفٍ للأغراض البحثيّة بالتّعاون بين مسؤولين إداريّين وباحثين، تمثّل هذه الخطةُ الصّياغةَ النّظريّةَ لهذه الوضعيّة من التّواقف البنيويّ بين فريقَيْن من الموظّفين، كانا يُعتبران متمايزَيْن، انظر مَرْسْيِي، بُولْ، مهامُّ علم الاجتماع (السوسيولوجيا)، 1951؛ بالانْدْيِي وبُوفْرِي، القرى الغابونيّة. الجوانب الديموغرافيّة، والاقتصاديّة، والسوسيولوجيّة، مشاريع حدْثنة، مونْبليِ، 1952.
[81]. سنة 1944، تمّ تأسيس قسم (الإتنولوجيا وماقبل-التّاريخ) في المعهد الوطنيّ للبحث العلميّ، وسنة 1947 تمّ تأسيس الوحدة السّادسة في المدرسة العمليّة (التّطبيقيّة) للدّراسات العليا، وسنة 1958، تمّ تأسيس كرسيٍّ للأنتروبولوجيا الاجتماعيّة والثّقافيّة في معهد فرنسا (Collège de France)، انظر گَايَّارْ، جيرالْدْ، الإتنولوجيا قبل إنشاء المركز الوطني للبحث العلميّ، ص 85-129.
[82]. كُوبِرْ، فريديريك، تمدين الديوانيّين/البيروقراطيّين، الأفارقة القدامى ومفهوم التّنمية، ص 64-92.
[83]. يخلق هذا الوضعُ شروطَ صراعٍ على القيم (conflit de valeurs)، بالنّسبة لعلماء الأعراق (الإتنولوجيّين / (ethnologues ذوي الطّموحات العلميّة الأعلى، وهو ما يظهر في أعمال بالانْديِي ومَرْسْيِي الأولى. يدافع الباحثون المحترفون عن استقلاليّتهم إزاء الإدارة، أيْ إنّهم يدافعون عن احتكار تعريف المناهج والمواضيع المناسبة.
[84]. يمكّن مجموعُ المساهمات في هذاِ العدد من المجلة من فَهْم تنوّع هذه الصّياغات.