الباحث : د. محمود عبد الفتاح أبو طه
اسم المجلة : الاستعمار
العدد : 3
السنة : ربيع _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث : April / 13 / 2025
عدد زيارات البحث : 95
يطرح البحث عدّة إشكاليّات تتمثَّل في الاستفهامات التالية: كيف أثّر الاستعمار في المجتمع المصري؟ وهل تعايش المصريون معه؟ وما مدى الأثر الذي خلّفه على الحياة المصريّة سياسيًّا، واقتصاديًّا، وعلميًّا، واجتماعيًّا؟ تلك التساؤلات تعطينا تصوّرًا متكاملًا حول ما خلّفه الاستعمار في البيئة المصريَّة. فمع وقوع مصر تحت نير الاحتلال الفرنسي، ومن بعده البريطاني بدأت آثار هذا الاحتلال تتشكّل وتتنوّع وُفقًا للسياسات الاستعماريَّة لهذا المحتل. والتي بدت واضحةً في نزع الصبغة الإسلاميَّة والعربيّة عن مصر ومحاولة تغريبها وصبغها بالصبغة الغربيَّة. وفي هذا السياق سوف نتعرّف أيضًا على ما خلّفه الاستعمار في الجوانب السياسيّة، والاقتصاديّة، والثقافيّة، والعلميّة، وكذا الاجتماعيّة.
الكلمات المفتاحية:
مصطفى كامل، الاستعمار، المجتمع المصري، بريطانيا، فرنسا. أولًا: الجانب السياسي
ممّا لا شك فيه أنّ استلام (محمد علي) لزمام الحكم المصري يعدّ أحد نتائج الاحتلال الفرنسي على مصر بصورة، أو بأخرى. وليس أدلّ على هذا من أنّ تولية محمد علي سُدة الحكم في مصر (1805م) كانت بمراقبةٍ من الفرنسيين، وإحاطتهم؛ حتى إنّهم أوغروا صدره على المشايخ، والقادة الذين نصَّبوه واليًا على مصر، ويخوَّفونه عاقبة سلطانهم على جماهير الأمّة المصريَّة، فكانت غدرة محمد علي بقادة الأمة من مشايخ وعلماء الأزهر.
وبهذا نجح الفرنسيّون في الانفراد بأُذن محمد علي الجريء المستبد، يُوحون إليه بما يريدون، وما يُبيِّتون، ويتمون[2]. وبهذا تغيّر الوضع السياسي المصري؛ بتثبيت محمد علي لقواعد ملكه - بمعونة هؤلاء -؛ تمهيدًا لتطبيق مأرب فرنسا وأهدافها التي فشل في تحقيقها عسكريًّا. وتمكّن محمد علي بمعاونة المحتل أنْ يؤسّس لأسرةٍ حاكمةٍ من ذريّته من بعده. ومع ذلك فقد أدّت سياسة محمد علي باشا إلى حدوث تضاربٍ واضحٍ بين المصريين، وبين الأوربيين عامّة، والبريطانيين خاصّة؛ ممّا دفع بريطانيا لعواملٍ استراتيجيّةٍ وسياسيةٍ لمحاربة محمد علي واستخدام القوة ضدّه، وتمكّنت من تحجيم دوره وإجباره عسكريًّا على الانكفاء داخل حدوده المصريّة بموجب بنود معاهد لندن (1840م)، وبعد وفاته أخذت قبضة الدول الكبرى تشتدّ على مصر[3]، في أثرٍ آخر للمحتل.
ومع قيام الثورة العُرابيّة (1882م) وما اتبعها من أحداثٍ جليلةٍ؛ بسقوط مصر تحت نير الاحتلال البريطاني الذي أمسى بعد سقوط العاصمة (القاهرة) في قبضته الحاكم بأمره؛ فالمعتمد البريطاني أصبح الحاكم الفعلي للبلاد، والدستور الذي فاز به الشعب عام (1882م) صار هشيمًا تذروه الرياح الاستعماريَّة، والبرلمان المنتخب أُلغي، واضحت مصر بلا دستور، ولا برلمان، وحُطم الجيش المصري، فَجُرِّد ضبّاطه المشاركون في الثورة العرابيّة من رتبهم، وحُوكم كبار القادة بجريمة العصيان ضدّ المستعمِر المحتلّ المغتصِب[4].
ولعلّ هذا كان أبرز ما خلّفه هذا المستعمِر في أيّامه الأولى؛ فيُذكر في هذا الصدد أنّه جاء في عدد الوقائع الصادر في أوّل أكتوبر (1882م) أنّه قد «انشرحت صدور الحاضرين، وأعجب الجناب الخديو المعظم بما رآه من مهارة رؤسائهم وضبّاطهم وحسن انتظام العساكر وكمال نظامهم، وشكر الكل لهم ما قاموا به من إخماد فتنة العصاة وإطفاء ثورتهم». وفي كتاب (فصل في تاريخ الثورة العرابيّة)[5]، وكان الانتقام من زعماء الثورة أثرًا سياسيًّا فجًّا، فبدأ الخديو بإلغاء الجيش المصري جملةً؛ بحجة أنّه انضمّ إلى العصاة، وكان هذا توطئةً لمحاكمة قوّاده وضبّاطه إلّا من انحاز في أثناء الحرب إلى الخديو. وكان سلطان باشا يأمر بالقبض على من يشاء وإلقائه في السجن، وقد اعتقلَ كبار رجال الجيش وجميع زعماء الثورة من المدنيين ــ إلّا عبد الله نديم فقد اختفى زمنًا ولم يُعرف له مقرّ ــ وعددًا كبيرًا من العلماء والأعيان والموظفين والعمد ومشايخ البلاد، حتى لقد بلغ عدد المقبوض عليهم ثلاثين ألفًا.
وصدر أمرٌ من الخديو بتأليف محكمةٍ عسكريّة، تقدّم إليها لجنة ألّفت للتحقيق من ترى تقديمه من المتهمين، وكان رئيس المحكمة محمد رؤوف باشا من أنصار الخديو، وكان الأعضاء إلّا واحدًا من أصل شركسي من الناقمين على عرابي. وسجن عرابي مع زعماء الثورة في بناء الدائرة السنية، التي جعلت معتقلًا عامًّا، وكان توفيق يتطلّع إلى اليوم الذي يساق فيه عرابي وأصحابه إلى المشنقة، ولم يكن رياض باشا وزير الداخلية أقلّ تطلعًا إلى ذلك اليوم من توفيق.
وفي هذا السياق يذكر محمود الخفيف[6] أنّ أسوأ ما يذكر أنّ توفيقًا كان يرسل بعض خدمه إلى عرابي في السجن فيسبّونه ويهدّدونه. وقد وضع عرابي في حجرةٍ صغيرةٍ مرتفعة السقف، حالكة الظلمة وبخاصّة بالليل حيث لم يكن يسمح للسجناء بمصابيح، وكانت الحجرة خاليةً من الكراسي، وليس بها إلّا بساط وحشيّة وملحفة ووسادتان وبعض الآنية من الخزف والنحاس. وكان المقرّر أنْ يعدم عرابي، وأن تترك الحكومة الإنجليزيّة ذلك إلى توفيق، ولكن صديقه مستر (بلنت) أثار حملةً صحفيةً على (جلادستون) ووزارته في إنجلترا، حتى اضطر إلى السماح لعرابي بأنْ يتولّى الدفاع عنه محامٍ إنجليزيّ هو مستر برودلي قد استأجره بلنت. وكانت المحاكمة مهزلةً من المهازل، فقد وضع لورد دوفرين، وكان قد حضر إلى مصر عقب الاحتلال، الخطة الآتية: تستبعد جميع التهم عن عرابي ما عدا تهمة عصيان أمر الخديو حين دعاه إلى الحضور إلى الإسكندريّة، ويُقدّم إلى المحكمة فيعترف بالتهمة، وتصدر المحكمة حكمها عليه بالموت؛ ولكنّ مرسومًا خديويًّا بتعديل الحكم يُتلى في قاعة الجلسة، ويقضي بنفيه من مصر ومصادرة أملاكه.
ولا شك في أنّ هذا الاحتلال الإنجليزي كان من آثاره أو ما خلفه؛ هو إضعاف الروح الوطنيّة حيث خلت البلاد من روح المقاومة طيلة عشر سنواتٍ أو يزيد، فركنت الأمة إلى الاستكانة، والخضوع، ولم يبد من دلائل الحياة واليقظة سوى استقالة شريف باشا سنة (1884م) احتجاجًا على إخلاء السودان، وعلى التدخل الأجنبي في شؤون الحكومة، ثم انطوت هذه الصفحة على عَجَل، ولم يحذُ أيٌّ من كبار الحكام حذو شريف باشا، وتعاقبت على البلاد وزرات الولاء للاحتلال والخضوع لأوامره، ونواهيه، فاعتادت الأمة هذا الطراز من الحكّام، وتحت تأثير هزيمة الثورة العرابيّة، وانتصار الاحتلال أخذ كبراء البلاد، وموظفوها وأعيانها، ومثقفوها، وخاصتها، وعامتها يتنكرون للحركة الوطنيّة، ويوالون الاحتلال ويبتغون الزلفى لديه، وكما نلاحظ أنّ الاحتلال من ناحيته عمل على توطيد هذه الحالة النفسية، فلا يُرقى في الوظائف الحكومية من يُعرف عنه الميول الوطنية، بل كان يُرقى من يتنكرون لهذه الميول، ففسدت النفوس، والتوت الضمائر، وفشا الجبن، والنفاق، وتضاءلت الروح الوطنيّة في النفوس، وصار عدم الاكثار للوطنيّة شعار هذا الجيل، والجيل الذي تلاه، وأصبح سبيل النجاح سواء في مناصب الحكومة، أم في الحياة الاجتماعيّة عامة؛ هو الولاء للاحتلال الأجنبي، والزراية بالمبادئ الوطنيّة، وقلة الإخلاص للبلاد[7].
ويضيف الرافعي قائلًا عن أثر ما خلفه هذا المحتل البغيض : «وممّا ساعد على انتشار هذا الفساد المعنوي؛ إلغاء الجيش القومي؛ إذ فقد الناس به التطلّع إلى المُثل العليا، وانصرفوا إلى الصغائر، والسفاسف، وتعلّقوا بها، واطمأنوا إليها ...، وتعدّدت المظاهر المهينة المنافية للكرامة الوطنيّة، المساعدة على إضعاف روح الوطنيّة في النفوس من أمثلة ذلك: قيام بعض كبار الأعيان بتقديم هدايا للقواد البريطانيين الذين انتصروا في الثورة العرابيّة، وكذلك استعرض الخديوي الجيش الإنجليزي في ميدان عابدين على إثر إخماد الثورة، واقام مأدبةً فخمةً تكريمًا للقواد البريطانيين، وأنعم على ضباط جيش الاحتلال بالرتب والنياشين، وفي سنة (1891م) أقام الجنرال (دورمر) قائد جيش الاحتلال ليلةً راقصةً حضرها الوزراء وكبار الموظّفين المصريين، وعدّوا دعوتهم إليها تكريمًا لهم، وتعظيمًا!» [8].
ولعلّ أهم ما خلّفه الاستعمار في مصر ظهور الطبقة البورجوازيّة وهي الطبقة التي تولّت قيادة الحركة القوميّة، والتي نشأت ونمت في ظلّ هذا الوضع الاستعماري، ومعه بدأت صفحةٌ جديدةٌ من النضال البرجوازي المصري، ومن أبرز الأمثلة على هذا النضال نشأة حركة الجامعة الإسلاميّة في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وحسب قول الدكتور عبد العظيم رمضان كانت ردّ فعلٍ على الضغط الاستعماري الأوربي على الشرق الإسلامي بصفةٍ خاصّة، وثمَّة حقيقة مهمّة يجب إبرازها – في هذا السياق- وهي أنّ الاحتلال البريطاني لمصر كان هو السبب المباشر لظهور دعوة الجامعة الإسلاميّة، فقد ظهرت هذه الدعوة أوّل ما ظهرت على منبر جريدة (العروة الوثقى) التي أسّسها جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده في باريس عام (1885م)[9].
ولا نبالغ إذا قلنا إنّ الاحتلال البريطاني لمصر كان من آثاره السياسية؛ ظهور الدعوة للجامعة الإسلاميّة على صفحات جريدة العروة الوثقى كدافعٍ مباشرٍ لمقاومة هذا المغتصب؛ يشهد على هذا ما دُوّن على صفحات هذه الجريدة في عددها الأول الذي جاء فيه: « إنّ الفجيعة بمصر حركت أشجانًا كانت كامنة، وجددت أحزانًا لم تكن في الحسبان ...، إنّ الرزايا الأخيرة التي حلّت بأهمّ مواقع الشرق قد جدّدت الروابط، وقاربت بين الأقطار المتباعدة بحدودها، المتصلة بجامعة الاعتقاد بين ساكنيها ....»[10]. وفي اتساقٍ متزامنٍ لاقت تلك الدعوة نجاحًا كبيرًا في العالم الإسلامي مدعومةً من (السلطان العثماني عبد الحميد)؛ لإحياء الخلافة العثمانيّة، وجمع كلمة المسلمين حولها، وبهذا حازت الدعوة نجاحًا كبيرًا في العالم الإسلامي، واستقبلتها الشعوب المسلمة التي كانت ترزح تحت عبء الاستعمار الأوربي بالحماسة، والابتهاج، وكان مصطفى كامل مؤسّس الحزب الوطني حامل لواء هذه الدعوة في مصر[11]، وقد أكّد ذلك تشارلز آدمس بقوله :«ففي أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين تجدّد الشعور الوطني في مصر بعد أنْ كَبَته - وقتًا ما - إخفاق الحركة الوطنيّة التي قادها عُرابي، ... وكان مصطفى كامل هو الزعيم الشاب للحزب الوطني الذي انبعث من جديد؛ يتصدر الغُلاة من الوطنين وينفخ فيهم من روح التطرّف في غيرةٍ، وحماسة»[12].
فمع إعلان الاتفاق الودّي بين انجلترا وفرنسا سنة (1904م) الذي تعهّدت بموجبه الحكومة الفرنسيّة من جانبها بألّا تعرقل عمل إنجلترا في مصر، بطلب تحديد أجل للاحتلال البريطاني بأيّ صورةٍ أخرى، فحين تلتزم حكومة صاحب الجلالة ألّا تعرقل عمل فرنسا في الجزائر والمغرب، بما يعني إقرار فرنسا للاحتلال البريطاني في مصر، هنا أدرك مصطفى كامل أنّ معارضة فرنسا للوجود البريطاني في مصر كان نوعًا من المساومة لتعويض فرنسا عمّا فقدته في مصر[13]، وعليه فقد كثّف مصطفى كامل جهوده الداخليّة؛ لنشر الوعي الوطني في مصر لإيقاظ المصريين، حيث نادى بإدخال الدين في التعليم، وفي الوقت ذاته أسّس نادي المدارس سنة 1906م، وجمع فيه صفوة المثقّفين في مصر الذين تشرّبوا مبادئه وتشبّعوا بتعاليمه من أجل خدمة الوطن، وبذلك سرت روح الوطنيّة بين الطبقة المثقّفة من الأمة، إلى جانب قيامه بتأسيس الحزب الوطني (حزب الجلاء) في سنة (1907م)، ليكون مقرًّا لجمع الأحرار تحت لواء هذا الحزب للاستفادة منهم في الضغط على الاستعمار[14]، وجدير بالذكر أنّه في سنة (1906م)، وقعت أحداث أسهمت في بعث الشعور الوطني في مصر، كما دفعت مزيدًا من المصريين للاشتغال بالسياسة، والكفاح ضدّ الاحتلال، ومن ثم حق القول بأنّ عام(1906م) كان ذروة الحركة الوطنيّة ضدّ الاحتلال الإنجليزي. لعلّ من أبرز هذه الأحداث: إضراب طلبة الحقوق، وحادثة العقبة أو طابا، وحادثة دنشواي التي وقعت في 13 يونيه (1906م)، وقد كان مقدّرًا لهذه الحادثة أنْ تهزَّ مصر كما لم يهزّها حادث، كما كان مقدّرًا لهذا الحادث أنْ ينزل اللورد (كرومر) من فوق عرشه، وأنْ يرتفع بمصطفى كامل إلى الذروة.
ويشهد شهر نوفمبر من عام (1914م) أثرًا سياسيًّا آخر لهذا الاحتلال؛ وذلك بإعلان الأحكام العرفيّة في مصر، ووضعها تحت الرقابة القاسية، والتي وصفتها جريدة التايمز البريطانيّة فيما بعد في (28 إبريل 1919م) بأنّها أقلّ كفاءةٍ من رقابة أيّ بلدٍ تحت الحكم البريطاني، وأشدّها بطشَا، وأكثرها تعسّفًا، بل إنّنا نلحظ أنّ الحماية على مصر أعلنت في ديسمبر سنة 1914م، وتم خلع الخديوي عبّاس الموالي للأتراك، وعُيّن (حسين) الموالي للبريطانيين، ومُنح لقب سلطان، وأُعلن رسميًّا أنّ الحكم العرفي لن يتسلّط على الإدارة المدنيّة[15]. وقد شكلا إعلان الحماية، وخلع الخديوي علامة فارقة -إذا جاز التعبير- في الحالة السياسة المصريَّة، ولعلّ الممعن في قرار خلع الخديوي يظهر له آثار السياسية المتوالية على مصر فالنظر الفاحص في وثيقة إعلان خلع الخديوي يظهر للمرء كيف أنّ حكومة صاحب الجلالة، تسوّغ الانقلاب الذي أحدثته، فالمنطق الاستعماري يفضح نفسه، والساعي –دومًا- لتحقيق أغراض قديمة في وادي النيل منذ سنة (1882م)، بل قبلها بسنين، والعجب من ذلك حسب ما رصد الرافعي أنّ نظام الحكم في مصرــ وكما أعلنت الوثيقة ــ قاعدته هي: «التدرّج في إشراك المحكومين في الحكم بمقدار ما تسمح به حالة الأمّة في الرُقي السياسي»، وهذا بلا شك كما يؤكد الرافعي استمرارٌ للسياسية التي اتبعتها إنجلترا منذ الاحتلال، وقوامه حرمان الأمة الاستقلال، والنظام الدستوري الذي نالته قبل الاحتلال، وعلى هذا الأساس وضعت سلطات الاحتلال النُظم الصوريّة التي تعاقبت على البلاد منذ عام (1883م) كمجلس شورى القوانين، والجمعية العموميّة، ثم التشريعيّة[16]. وبهذا يمكن القول: إنّه صاحب هذا التغيير –الجبري- في وضع مصر السياسي، فقد رافق تولي حسين كامل للسلطة؛ إحداث العديد من التغييرات؛ ففضلًا عن اسم العلاقة الجديدة بين بريطانيا ومصر، تحولت دار المعتمد البريطاني لتصبح دار المندوب السامي، وأُضيف إلى صلاحيتها الإشراف على العلاقات الخارجيّة؛ فصار بذلك المندوب السامي هو القائم بمهام وزير الخارجية، وسريعًا أُطلقت أيدي المستشارين الإنجليز في البلاد، وأصبحوا الحكّام الحقيقيين؛ ولم يخفَ على أحد الأهميّة الكبرى التي حظي بها منصب المستشار المالي في ظلّ هذا الوضع الجديد، فكان هو رئيس الوزراء الفعلي بيمنا اقتصر دور رئيس الوزراء المصري –الرسمي- على بصم القرارات[17]!
ومع اشتداد وطأة الاحتلال ورفضه القاطع حقّ مصر في تقرير مصيرها، فضلًا عن حالتها خلال الحرب العالميّة الأولى (1914-1918م)، وبخاصّة مع ازدياد تغلل الاحتلال في إدارة شؤون مصر كبيرها، وصغيرها، فضلًا عن محاولته فصل السودان عن مصر؛ يئس الشعب المصري من الوصول إلى حقوقه بالطرق السلميَّة جنح للثورة ليعلن بها سخطه على الحماية والاحتلال؛ ليحقّق بها آماله في الحريَّة والاستقلال؛ فكانت ثورة (1919م) التي أضحت في تاريخ مصر الحديث أحد أبرز الآثار السياسيّة للاحتلال البريطاني على مصر[18]. هذا ويُعدُّ تكوين الأحزاب المصريّة بعد ثورة 1919م، من أهمّ الآثار السياسيّة للاحتلال البريطاني؛ وكان تراجع بريطانيا وإصدارها تصريح 28 فبراير 1922م بهدف تغيير الشكل الخارجي لنظام الحماية، وإعطاء مصر لونًا جديدًا مع الاحتفاظ بسيطرتها على أهم مقوّمات هذا الاستقلال –الشكلي- وكان الهدف من وراء هذا شغل المصريين بالقضايا الداخليّة، والمشكلات الدستوريّة، والنُظم الحربيّة، حتى تتمكن من مواصلة سيطرتها على الموقف؛ لذا كان تكوين الأحزاب بعد الثورة المصريّة أمرًا حتميًّا؛ للاختلافات التي كانت كامنةً بين السياسيين في الطبائع والأمزجة [19].
هذا ولم يكن الاستعمار يكتفي باللعب وراء الستار؛ فكان كثيرًا ما كان يتدخل تدخّلًا سافرًا في شئون الحياة النيابيّة، فمع إصرار الشعب على العودة لدستور 1923م، أشارت الحكومة البريطانيّة بأنّه لا يصلح للعودة ثانية، ومع عقد معاهد 1936م كان من آثارها التبعية الدائمة، والاحتلال الدائم؛ فالسيادة الحقيقية للمستعمِر، فعلى الرغم من نصّ المعاهدة على إنهاء الاحتلال إلا إنّ القوات البريطانيّة بقيت في الإسكندريّة ومنطقة القناة بحجّة معاونتها في الدفاع عن مصر، وسمح بزيادة عددها في الحرب أو خطر الحرب، وعلى الرغم من أنّ المعاهدة أقرّت عودة الجنود المصريين إلى السودان، فإنّ السودان أصبحت بموجب هذه المعاهدة مستعمرةً إنجليزيّةً يحرسها جنود مصريّون تحت إمرة حاكمها العام البريطاني، إذ أبقت المعاهدة السلطة العسكريّة، والمدنية العليا في يد الحاكم العام البريطاني، أمّا ما ورد بخصوص إلغاء الإمتيازات الأجنبيّة فقد كان ذلك مرهونًا بالاتفاق مع الدول صاحبة الامتيازات[20].
وسرعان ما تكشفت حقائق معاهدة (1936م) للأمّة المصريّة التي ظلّت تعمل وتناضل للتخلّص منها، وقد نجحت الأمّة في تحقيق أملها عندما قامت حكومة الوفد برئاسة مصطفى النحّاس باشا بقطع المفاوضات بين الحكومتين المصريّة والبريطانيّة بعد أن اتّضح عدم جدواها، وبعد أنْ استطالت نحو تسعة عشر شهرًا (مارس 1950- سبتمبر 1951م)، وتشدّدت بريطانيا خلال هذه المفاوضات أكثر من ذي قبل، حيث تمسّكت ببقاء قواتٍ بريطانيّةٍ في مصر حتى في وقت السِّلْم، ولم تعد تعترف بصلاحية عبارتي الجلاء ووحدة وادي النيل كأساسٍ للاتفاق، عندئذٍ أعلن النحّاس باشا في 8 أكتوبر( 1951م) إلغاء معاهدة (1936م)، واتفاقية (1899م) بشأن السودان[21]، ثم قامت ثورة 23 يوليو (1952م) التي نتج عنها تحقيق الاستقلال التام وإجلاء الانجليز، حيث اضطرّت بريطانيا إلى توقيع اتفاقية الجلاء عن مصر في 19 أكتوبر(1954م)، وفيها اعترفت بريطانيا بإنهاء معاهدة (1936م)، وتعهّدت بإجلاء قوّاتها عن مصر خلال عشرين شهرًا[22].
ثانيًا: الجانب الاقتصادي
بعد القضاء على الثورة العرابيّة واحتلال مصر، تم إخضاع الطبقة الحاكمة المصريّة للسياسيّة الماليّة البريطانيّة التي هدفها بالأساس أنْ ينتصر الرأس المال البريطاني، ويحقّق ربحًا متزايدًا تجنيه الطبقة السلطويّة من الفلاحين المصريين الكادحين، وكان هدف الاحتلال ضمان أنْ تدفع الحكومة المصرية فوائد الدين العام دفعًا منتظمًا، مع فتح مصر سوقًا لمنتجات الصناعة البريطانيّة الثقيلة، ولكن كانت العقبة أمام هذا التطبيق؛ هو صغر الانتاج السنوي للثروة في مصر، الذي يكاد أنْ يكون زراعيًّا (قمحًا، زردةً، رزًّا، وحاصلات غذائيّة أخرى) فقط، وللاستهلاك المحلي، وإنتاج القطن كان ضئيلًا كذلك. وعليه كان من آثار السياسة الماليّة البريطانيّة في مصر هو دفع عجلة إنتاج القطن للإمام؛ رغبةً منهم في تحقيق المكاسب الماليّة لنفسهم كسلطة احتلال، وهذا الذي أكّده تصريح (كرومر) الرسمي، حيث قال: «إنّ مصالح حملة السندات ومصالح الشعب المصري متماثلة». ومعنى هذا أنّ تنمية محصول القطن الذي يمكن بيعه بأسعارٍ مرتفعةٍ في الخارج، لا بد أنْ تأتي على حساب المحاصيل الغذائيّة التي يستهلكها الفلّاحون المصريّون، وعلى هذا تحوّلت مصر من بلدٍ كان يعتمد على إنتاج حاجاته الغذائيّة إلى بلدٍ يستورد هذه المواد !
كانت السياسة الرأسماليّة البريطانيّة في مصر تحتاج إلى آلةٍ حكوميّةٍ شديدة الصلاحيّة، كبيرة الحزم في الإدارة؛ فنلحظ سيطرتهم الإدارية باستخدام جيش من الموظّفين الإنجليز الذين راحو يشغلون مناصب مدنيّةً رفعية[23]. على أنّ أهمّ ما خلّفه الاستعمار كان تغيير هيكليّة الاقتصاد المصري، وتطوّر نظام الملكيّة الزراعية؛ إذ تغيّر ملكيّة الأراضي الزراعية وأنماطها، وتحوّلها إلى ملكيّةٍ فرديّة خاصّة؛ فبلغ عدد المُلّاك عام (1894م) نحو (660,000) مالكٍ، ثم صار (914,414) مالكٍ، سنة (1900م)، بينما ارتفع هذا العدد في عام (1913م)، وصار نحو (1,556,310)، وكان من آثار هذا الوضع اضمحلال طبقة الفلّاحين؛ إذ فقد معظمهم أراضيهم؛ الأمر الذي دفعهم للعمل كأُجراء[24].
في مقابل هذا كان من آثار السياسة الاستعماريّة البريطانيّة في مصر أيضًا؛ أنّها لم تخصّ الصناعة المصريّة بأيّ اهتمام؛ فمصر لم تتأثر بالاختراعات الحديثة التي تحقّقت في أوروبا نتيجة الثورة الصناعية، بل -على العكس- هبطت مكانة الصناعة مقارنةً بالزراعة في صورةٍ تدعو للدهشة. إنّ ما يلاحظ في هذا السياق قيام بريطانيا بخنق تطوّر الصناعة المصريّة، والاستثناء الوحيد لذلك كانت صناعة حلج القطن، وجزئيًّا صناعة التعدين؛ لأغراض التوفير[25]، ووُضع إمام الصناعة المصريّة الوطنيّة العراقيل في الوقت الذي كانت تشجّع فيه الصناعات الأجنبيّة، وكان إهمال الصناعة بمنزلة حجر الزاوية لنجاح السياسة الاقتصاديّة للاحتلال بُغية تحويل اقتصاد مصر إلى اقتصادٍ يختصّ – فقط - بإنتاج القطن وتصديره، ومن ثم دمجه يالاقتصاد الرأسمالي العالمي كاقتصادٍ تابع. ومن النتائج المباشرة لتلك السياسة تدهور الصناعة المصريّة، وحرمان البلاد من موارد عظيمةٍ للثروة، فلم يكن الانتاج المحلّي يفي بحاجات الاستهلاك؛ ومن ثم اعتمدت البلاد على المنتجات الأجنبيّة المستوردة وغزت الصناعات الأجنبيّة الأسواق المصريّة[26].
وحتى لا تكون المبالغة هي القائمة على ما ورد، أودّ هنا أنّ أعرض اعتراف كرومر في تقريره عن سنة (1905م) عن ضعف الصناعة الوطنيّة المصريّة بسبب السياسة البريطانيّة إذ يقول: «إنّ المنسوجات الأوروبيّة حلّت محلّ المنسوجات، وبانقراض المنسوجات المحليّة أخذت الصناعة الأهليّة تنقرض أيضًا...، من يقارن الحالة الحاضرة بالحالة التي كانت منذ عشر سنوات، أو خمس عشرة سنة يجد فرقًا شاسعًا، فالشوارع التي كانت مكتظةً بدكاكين، وأصحاب الصناعات، والحرف من غزّالين، ونسّاجين، وحاكة، وعقّادين، وصبّاغين، وخيّامين، وصانعي أحذية، وصاغة، ونحّاسين، وعطّارين، وصناعي قِرب، وغرابيل، وسروج، وأقفال، ومفاتيح، ومن شاكلهم كلّهم قلت عددًا، وقامت على أطلالها مقاهي ودكاكين مملوءة بالبضائع الأوروبيّة»[27].
ويرى الباحث أحمد رشدي صالح[28] أنّ سلطات الاحتلال كانت على معرفةٍ حقيقةٍ بأنّ كلّ صنعٍ للمنسوجات يفتح في مصر يغلق أمامه مصنعًا في بريطانيا، وأنّ للسوق المصريّة أهميةً فائقةً لها؛ لهذا انتهج الاحتلال سياسة ضريبيّة تعسّفيّة كان من شأنها القضاء على كلّ إمكانيّات الصناعة المصريّة، وليس بخفي أنّ الاحتلال حارب الصناعة القطنيّة بالذات؛ إذ أسّس معملين لغزل القطن ونسجه سنة (1899م)، وفرضت الحكومة في عام (1901م) ضريبةً على جميع المصنوعات القطنيّة قدرها 8% ، أي ما يعادل نسبة الرسوم المفروضة على الغزل والمنسوجات القطنيّة المستوردة من الخارج؛ الأمر الذي أدّى إلى إيقاف المعامل عن الإنتاج[29].
ولعلّ السنوات الأخيرة من عهد اللورد كرمر في مصر شهدت توسّعًا في المشروعات الزراعيّة فضلًا عن تأسيس شركاتٍ بريطانيّة لاستغلال ما تبقّى من مرافق مصر، فنلحظ إنشاء الشركة المصريّة لسكة حديد الدلتا في سنة (1896م)، لتشغيل الخطوط الضيقة، بينما شهد عام (1898م) إنشاء شركة الأسواق المصريّة التي مُنحت احتكار إنشاء الأسواق وإدارتها في (120) ناحية، وكانت هذه الشركة مسؤولةً عن استيراد السماد الكيمياوي الذي كان يستخدم بكميّاتٍ كبيرةٍ في الزراعة المصريّة، وغيرها من الشركات ذات الطابع الاستعماريّ الفج، ولعلّ ما يؤيّد هذا أنّ سلطات الاحتلال عمدت إلى إنشاء مؤسّسات تكون مهمتها توفير الحماية لتلك الشركات وسياستها، فكانت المحاكم الأهليّة في عام (1883م)[30].
وبهذا المنحى الاستعماري نجحت سياسة الاحتلال الزراعيّة بفتح الأبواب لاستغلال الأموال أمام البنوك، والشركات الأجنبيّة؛ لشراء الأراضي واستصلاحها ثم بيعها للفلّاحيين بعد ذلك، وانتشرت أعمال التجّار بالمحاصيل الزراعيّة كالقطن والذرة وغيرها من الأعمال؛ ونتيجة لهذا تدفّقت كثيرٌ من رؤوس الأموال الأجنبيّة في البلاد من خلال شركاتٍ وبنوكٍ وهيئاتٍ تجاريّةٍ كشركات الرهن العقاري، والشركات الماليّة التي قدّمت القروض لصغار الفلّاحين بفوائد كبرى، ولعلّ ما يثير الانتباه حول تأثّر الاقتصاد المصري بهذا المستعمِر أنّ جملة رأس المال الأجنبي في عام (1883م) كان يقدر بحوالي (6 مليون، 400 ألف جنيه)، ومع مرور سني الاحتلال وصل في عام (1897م) حوالي (30مليون و868 ألف جنيهٍ، بينما وصلت مع أوائل الحرب العالميّة الأولى (82 مليون، و390 ألف جنيه)[31].
وبهذه الصورة فإنّ الحالة الماليّة للشعب المصري ساءت في عهد الاحتلال؛ إذ انتهت إلى استعبادٍ ماليّ، وصار مع الزمن أشدة وطأةً من الاستعباد السياسي، واستمرت نتائجه حتى وقتنا الحاضر، فمنذ الساعات الأولى سيطر الإنجليز على ماليّة الدولة المصريّة؛ بتعيين مستشارٍ ماليٍّ بريطاني صار له الأمر والنهي في الشؤون الماليّة للحكومة والبلاد، وهكذا استفحل النفوذ الأجنبيّ عامة في حياة البلاد الماليّة والاقتصاديّة، إذ صار النفوذ مع الرعاية، والتأييد من الاحتلال، واجتمعت هذه الرعاية مع رعاية الامتيازات الأجنبيّة، والمحاكم المختلطة؛ فنما هذا النفوذ وازدهر في كنف هذه الرعاية الثنائيّة، وبهذه الصورة غلبوا المصريين في ميادين المال والاقتصاد، فلم يستخدموا في أعمالهم سوى بني وطنهم، فحرم المصريون من أرباح شركاتهم، وأعمالهم، فالشركات سالفة الذكر، وكذا البيوتات الماليّة كانت تعدّيًا على مصر[32]. وقد صوّر هذا المشهد مختصرًا الكونت كريساتي سنة (1912م) في كتابه (مصر اليوم) حيث أوضح أنّ دَين مصر كان يبلغ (157,987,140) جنيهًا، وأنّ معظمه للأوروبيين، وبينما يذكر في موضع آخر «أنّ هذا الدين سيظلّ في ازديادٍ لاستثمار موارد البلاد؛ لأنّه ليس لدى المصريين مالٌ موفورٌ يستخدمونه في شراء سندات الشركات، وهذا الدين سيزيد تبعيّة مصر للدول الأجنبيّة»[33].
وفي تلك الأثناء يذكر الدكتور عبد العظيم رمضان[34] أنّ من آثار هذا الاستعمار اختفاء طبقة صغار التجّار إزاء ظهور طبقةٍ كبيرةٍ من العناصر الأجنبيّة التي أخذت تسيطر على زمام النشاط التجاري، والصناعي في سائر أنحاء مصر، فهؤلاء لم يتركوا إلّا الأعمال البسيطة للأهالي، حتى إنّه لاحظ أنّ معظم الذين يعملون في التجارة المصريّة سواء أكانوا مصدِّرين، أم مستوردين، أو باعة الجملة من غير أبناء الوطن، فالبقالة كانت حكرًا على اليونانيين، والمنسوجات القطنيّة، والصوفيّة كانت حكرًا على البريطانيين، وتجارة الغِلال كانت في أيادي العديد من العناصر، ومنهم المصريّون[35].
ولعلّ ما يؤيد الأثر الذي خلّفه الاحتلال البريطاني في البنية الاقتصاديّة في مصر أنّ سنة (1910م) كان للأجانب بها ثلاثة أخماس أراضي مصر ملكًا، أو رهنًا، وهكذا تغلل الأجانب إذًا في عهد الاحتلال في صميم الحياة الماليّة، والاقتصاديّة للبلاد، بنحوٍ لم تنجُ أرضٌ من أعباء الرهون، والديون الأجنبيّة، وصار الماليّون الأجانب أفرادًا، أو جماعات هم أصحاب السيطرة على حياة المصريين الاقتصاديّة، فازدادت ديونهم وتضاعفت، وعن ذلك تقول لجنة الميزانيّة في مجلس شورى القوانين عن ميزانية (1894م): «إنّ الأمة المصريّة سائرةٌ في طريق الفقر، وعسر الحال، وهذا يزيد على توالي الأيام، وتداول الأعوام، وحسبنا في بيان ذلك أنّ الديون الخصوصيّة المسجّلة في سجلات المحاكم بلغت في أوائل عام (1891م) فوق العشرين ميلون جنيه، وبلغ قدر الأطيان المرهونة نحو ميلون وثلاثمائة فان وكسور، وهذا بخلاف الديون غير المسجّلة»[36].
ثالثًا: الجانب الثقافيّ والتعليميّ
من المعلوم أنّ واقع التعليم في مصر قبل الحملة الفرنسيّة كان منصبًا على التعليم الدينيّ؛ فالجامع الأزهر كان يشرف على هذا، ويمنح شهادات التخرّج لطلّابه، ومع تعرّض مصر للاحتلال الفرنسي بدأ الأمر في التغيّر بصورةٍ تبدو لافتةً للانتباه؛ إذ شهد نقلةً من التعليم الديني إلى التعليم العلماني الحديث على حدّ الوصف[37]، وعليه لا بد أنْ نبيّن أثر البيئة الثقافيّة لهذا الاحتلال.
إنّ الحقيقة التي لا يجب إنكارها أنّ الثقافة الفرنسيّة سادت في أرجاء الدولة العثمانيّة ومنها مصر بطبيعة الحال، فالحملة أحدثت أثرًا في ثقافة بعض النسوة؛ حتى إنّ بعض العلماء أطلق على عام (1800م) عامَ تحرير المرأة[38]، وقد نوَّه الجبرتي عن ذلك في تاريخه بقوله:« ...منها تبرّج النساء، وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء، وهو أنّه لما حضر الفرنسيس إلى مصر، ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم، وهن حاسرات الوجوه ...، ويركبن الخيول والحمير، ويسوقونها سوقًا عنيفًا مع الضحك والقهقهة...، فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء ...»[39]. وفي روايةٍ أخرى له تزيد الأمر وضوحًا للأثر السلبي الذي خلّفه هذا المستعمِر يقول فيها: « وأخذوا (أي الفرنسيس) ما استحسنوه من النساء والبنات، فصرن مأسوراتٍ عندهم، فزيّوهن بزي نسائهم، وأجروهن على طريقتهن في كامل الأحوال، فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكليّة، ولما حلّ بأهل البلاد من الذل والهوان، وسلب الأموال، واجتماع الخيرات في حور الفرنسيس، ومن والاهم، وشدة رغبتهم في النساء ...»[40].
ولقد زاد الطين بِلة أنّ (محمد علي) بعد أنْ أرسى قواعد ملكه في الديار المصريّة أخذ على عاتقه تنفيذ السياسة الفرنسيّة في تغريب المجتمع المصري، فحين رأى المسيو (جُومار 1777-1862م) نجاح القناصل الأوروبيّة في إغراء (محمد علي) بإرسال البعاث إلى أوروبا بين أعوام (1811-1819م)، أسرع من فوره في حثّ قناصل فرنسا في مصر على إغراء (محمد علي) بإرسال بعثاتٍ كبيرةٍ إلى فرنسا، ويجعلها تحت إشرافه، وقد بنى (جومار) هذا مشروعه لا على كبار السنّ من المماليك، أو مشايخ البلد، بل على شبابٍ غضٍّ يَبقون في فرنسا سنواتٍ تطول أو تقصر، يكونون أشد استجابةً لاعتياد اللغة الفرنسيّة، وتقاليدها، فإذا عادوا إلى مصر كانوا حزب فرنسا، وعلى مرّ الأيام يكبرون، ويتولون المناصب صغيرها، وكبيرها، ويكون أثرهم أشدّ تأثيرًا في بناء جماهير كثيرةٍ تبثّ الأفكار التي يتلقونها في صميم شعب دار الإسلام في مصر[41].
وعلى هذا النحو نجح (جومار) في إغراء (محمد علي) بإرسال بعثةٍ كبيرةٍ من شباب مصر إلى فرنسا سنة (1826م)، وتتابعت تلك البعثات إلى سنة (1847م)، وكلّها تحت إشراف جومار يصنعها على عينه! وحتى نقف على حقيقة الأمر هيا بنا نتعرّف على ما ذكر محمود شاكر في كتابه الماتع (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا)[42]، حيث يقول:« كانت أوّل بعثةٍ في سنة (1826م)، فيها (44) تلميذًا، أدخلهم مسيو (جومار) المدارس الفرنسيّة؛ ليتلقّوا اللغة، والعلوم، والفنون، ثم أعيدوا بعد سنواتٍ قلائل إلى بلادهم يتولون المناصب والأعمال. وهذا شيءٌ عجيبٌ جدًا! أنْ يكون هؤلاء الشبّان قد حازوا في سنواتٍ قلائل من العلوم والفنون التي شابت نواصي العلماء في سبيلها... وهكذا نجح محمد علي ومن بعده أولاده وهم في قبضة المستعمِر أنْ يشرفوا على تصدّع ثقافة دار الإسلام فصار الأزهر الذي كان في يديه تعليم الأمة أسيرًا يرسف في أصفاده، وأغلاله منتبذًا ناحيةً، ولا يدخله أبناء الفقراء والمساكين، ونازعته المدارس الجديدة التي وضعها (رفاعة الطهطاوي) في مدرسة الألسن؛ وانشطر تعليم الأمة شطرين، ونمت هذه المدارس وتكاثرت»[43].
ومع الاحتلال البريطاني تعثّرت مسيرة التعليم وتغيّرت وجهته؛ وكان ممّا خلّفه في هذا الاتجاه عدم خلق طبقةٍ مثقّفةٍ من شأنها تنوير الأذهان الشعب، ونشر الوعي الوطني في صفوفه، ممّا أسهم في بقاء الاحتلال، فالثقافة المصريّة أُهملت لصالح الإجراءات الماليّة[44]، والحالة التعليمة في مصر ربما تكون خير شاهدٍ على ما خلّفه المستعمِر بها؛ ففي عهده ألغيت مجانيّة التعليم تدريجيًّا، ووقف حركة إنشاء المدارس، وأغلق بعضها، ثم تقرّر جعل التعليم باللغة الإنجليزيّة ابتداءً من السنة الثالثة من القسم الابتدائي، وحلّ المدرسّون الإنجليز محلّ المصريين تدريجيًّا. وعن ذلك قال كرومر في تقريره عن سنة (1905م) ما يأتي: «لما احتلّ الإنجليز مصر وجدوا أنّ كلّ ما تنفقه الحكومة على المعارف العموميّة إنّما تنفقه على تعليم أولاد فئةٍ صغيرةٍ، أكثرها من أغنى أغنياء السكّان، ولا تعلمهم إلّا تعليمًا أوروبيًّا فأخذوا في تغيير تلك الحال، وبذلت الهمة منذ سنة (1884م) لأخذ الأجور من التلامذة، ولإبطال التعليم المجاني تدريجيًّا»[45].
وتعلّيقًا على هذا أورد عبد الرحمن الرافعي[46] قوله:«وبديهي أنّ ما قاله اللورد (كرومر) من أنّ التعليم كان منحصرًا في أولاد الأغنياء لا يطابق الحقّ، والواقع، فإنّ التعليم والمجانيّة كانا يشملان سائر الطبقات، وقد ارتفع صوت مجلس شورى القوانين في ديسمبر (1894م) بالشكوى من إهمال وزارة المعارف شؤون التعليم؛ إذ قال على لسان لجنة الميزانيّة: (إنّ نشر التعليم قد تقهقر تقهقرًا كليًّا عمّا كان عليه قبل ذلك ويحسن بنا أنْ نقول إنّ القابضين على زمام نظارة المعارف العموميّة وإدارتها قد سعوا بكلّ اجتهادٍ إلى طرق تقليل التعليم، وسدّ أبوابه بكلّ حيلة في وجوه الأمة) ...»[47].
هذا يدلّ على أنّ الاحتلال البريطاني عمد على إلى تقليص ميزانيّة التعليم، ولعلّ هذا يتبيّن من ميزانيّة مصر خلال الخمس والعشرين سنة الأولى من سني الاحتلال أنّ مجموع الإيرادات التي حصلتها الحكومة المصريّة بلغ (258 مليون جنيه)، أنفق منها على التعليم 2,801,000 مليون جنيه فقط، أي بمقدار 1% من مجموع الإيرادات، بل إنّنا نلحظ أنّه في عام 1873م بلغ عدد تلاميذ المدارس 90,000 ألف تلميذٍ، أي 17% من جملة سكّان القطر المصري الذي كان يبلغ (5,250,000) نسمة، وبعد ربع قرن من الاحتلال انخفضت نسبة التلاميذ إلى (16) في الألف من تعداد السكّان الذي بلغ أكثر من (11 مليون) نسمة في العقد الأول من القرن العشرين[48].
ولأنّ الشعر مرآةٌ للمجتمع فقد عبّر شاعر النيل حافظ إبراهيم عن ذلك فقال مخاطبًا (كرومر):
بناديك قد أزريت بالعلم والحجا ولم تبقِ للعلم يا (لورد) معهدًا
وإنّك أخصبت البلاد تعمّدًا وأجدبت في مصر العقول تعمّدًا
قضيت على أمّ اللغات وأنّه قضاء عليها أو سبيل إلى الردى[49].
ولا شك في أنّ فرض ثقافة بعينها على أجيالٍ ناشئةٍ يصوغهم على مثال أصحاب الثقافة ويجعلهم معرضين فيهم، والانقياد لهم، هذا ما خلّفه المستعمِر في مصر وقد بيّن (كرومر) هذا حين أفصح أنّ الجيل الجديد من المصرين يجب أنْ يجد من الإغراء، أو من الإرغام ما يجعله يمتصّ الروح الحقيقيّة للحضارة الأوروبيّة، وقد اتّخذ من ذلك تُكأةً، وأسرف في إحضار المدرّسين من أوروبا للمدارس المصريّة لرفع مستوى التعليم، ولعلّ فيما نشرته جريدة الوطن من أنّ جميع المدارس الابتدائية في أيدي المصريين ومنذ سنة تعيّن (دنلوب) الإنجليزي رئيس المفتشين في وزارة المعارف، وتعيّن ثلاثة أساتذة إنجليز في المدارس المصريّة، ويميل المصريين إلى تعليم أولادهم اللغة الإنجليزيّة، وفضّلوها على اللغة الفرنساوية، وليس من شك في أنّ أكبر الآفات التي أصابت التعليم في مصر وكانت من آثاره الفادحة؛ إسناد وظائف التدريس إلى الإنجليز دون المصريين، وهكذا عمدت فئةٌ قليلةٌ من الإنجليز تحتلّ البلاد احتلالًا عمدت هذه الفئة إلى أنْ تفرض على أمة تعدادها عدة ملايين؛ لغتها، وطريقة تفكيرها الأجنبيّة، وللأسف أتت تلك السياسة الاستعماريّة ثمارها في عقدٍ واحدٍ إذ زاد عدد تلاميذ المدارس الذين يدرسون اللغة الإنجليزيّة من (1036) تلميذًا عام (1889م)، إلى (3859) عام (1898م)، أي من 26% إلى 67% من المجموع الكليّ للتلاميذ[50].
وهكذا أقدمت سلطات الاحتلال على تثبيت تلك الآثار السلبيّة، فكان من إجراءاتها الحدّ من استعمال اللغة العربيّة في المدارس؛ ففي عام (1891م)، تقرّر تدريس مادة الجغرافيّة في المدارس باللغة الإنجليزيّة، وفي السنة التالية، تم اعتماد تدريس مادتي الجغرافية والتاريخ في المدارس الثانوية باللغة ذاتها، ولفداحة الأمر اشتدّت شكاوى المصريين من جعل اللغة الإنجليزيّة هي اللغة الرسميّة في المدارس التعليميّة؛ وحين تولّى الخديوي عباس الثاني سدة الحكم بمصر أكّد على ضرورة مراعاة هذا من جانب المحتلّ البريطاني[51].
ولعلّ ما ذكره عبد الرحمن الرافعي تأكيدٌ على ما خلّفه المستعمِر؛ إذ بيّن أنّ حكومة الاحتلال مسخت برامج التعليم، وحرصت على استبعاد التاريخ القومي الصحيح من مناهج الدراسة؛ لكي تنشأ الجيل الجاهل بتاريخ بلاده، محرومًا غذاء النفوس في الوطنيّة، لا يفرق بين الاحتلال والاستقلال، ولا يدرك ما في الاحتلال من إهدار الكرامة وحقوقه، ومرافقه، حتى صارت غاية التعليم محاربة الشعور الوطني، وإماتته في النفوس، وانحطّ التعليم في المدارس الثانويّة، وتضاءلت مناهجه، بل نلحظ أنّ الرافعي يؤكّد قوله هذا مستندًا على قول الأستاذ (إدوار لامبير) ناظر مدرسة الحقوق الخديويّة سنة (1907م)، وكان عضوًا بلجنة الشاهدة الثانوية، حيث قال: «كنت عضوًا بلجنة امتحان القسم الأدبي من البكالوريا المصري، فاقتنعت بأنّ مستوى التعليم عندكم يعادل بوجه التقريب التعليم الابتدائي الفرنسي!» [52].
وبتلك الصورة تغلل الانجليز في شؤون مصر وأضحت الحضارة الأوروبية نموذجًا للمصريين يأخذون عنه، هذا إلى جانب نزوح عددٍ من الأجانب في عهد هذا المستعمِر إلى مصر؛ ممّا دفع الثقافة العربيّة بالطابع الأوروبي إلى حدّ كبير، وقد تطلّع العاملون في شؤون التربية والصحافة وغيرهما إلى الاقتباس من المظاهر الأوروبيّة متأثرين بأنّ أوروبا كانت تمثّل الطرف الأقوى بيمنا الشرق يمثّل بإزائها الشخص الضعيف، وكان لا مفرّ إذًا من تأثّر الشرق العربي بالأدب الأجنبي، وأصبح هو السمة الغالبة في نهايات القرن التاسع عشر، وخاصّة بعد رحيل الكثير من الأدباء السوريين، واللبنانيين إلى مصر ناقلين معهم الثقافة الأوروبيّة، والأدب الغربي، وغيرها من الألوان والأذواق الأدبيّة إلى اللغة العربيّة[53].
وكان ممّا خلّفه الاستعمار بمصر الصحف العربيّة التي كان لها دور في الترجمة عن اللغات الأوروبيّة وبخاصّة الفرنسيّة والإنجليزيّة، وارتبطت ترجمة القصص عن الإنجليزيّة بالصحافة المصريّة بعد الاحتلال، ووجود الصحفيين والأدباء من السوريين واللبنانين بمصر، الذين تولّوا حركة الترجمة عن الأدب الإنجليزي في أوائل عهد الاحتلال؛ فجريدة (المقطم) ظهرت فيها الروايات الأجنبيّة المسلسلة، ولا شك في أنّ انتخابها لم يكن عبثًا؛ فمنها راوية (الشهامة والعفاف)، التي كانت مثلًا تعريبًا لروايةٍ إنجليزيّة، بينما نلحظ في السياق ذات قيام صحيفة (الاتحاد المصري)، على الدعاية لمكتبها الخاصّ بالترجمة واستعدادها لطبع اللوائح والإعلانات باللغات الأجنبيّة؛ نظرًا لأنّ العلاقات التجاريّة ممتزجةٌ ما بين الأوروبيين والوطنيين، وكان لا بدّ من حدوث نتائج متعدّدة؛ إذ إنّ أسلوب الإنشاء تطرّقت إليه تراكيب أعجميّة اقتبسها الكُتّاب من اللغات التي ينقلون عنها، أو يطالعونها وهم لا يشعرون، وعلى هذا النحو تأثّرت اللغة العربيّة بالاصطلاحات الإفرنجيّة حتى نسي الكُتّاب أنّ في لغتهم اصطلاحاتٍ فنيّة كثيرة وردت في مؤلّفاتهم القديمة[54]، كما تأثّر الشعر بالترجمة، وعن ذلك يقول جرجي زيدان: «تأثّر الأدب العربي بالمؤلّفات الأوروبيّة، ويغلب النزوح إلى الأساليب العصريّة في المطالعين على الشعر الإفرنجي والآداب الإفرنجيّة، وربما اقتبسوا شيئًا من أساليبها، ومعانيها، ولا يقلل ذلك شيئًا من شاعريّة القوم، وفي مصر اليوم طبقةٌ من الشعراء لا يشقّ لهم غبار، ولم يكن في مصر أشعر منهم في دورٍ من أدوارها. لكن الطريقة العصريّة التي نحن في صددها لم يتم نضجها بعد»[55].
وفي سياقٍ متّصلٍ «كثرة استراق الكلمات الأجنبيّة واستعمالها في المخاطبات الكتابيّة والخطابيّة، ونقل اصطلاحات العلوم إلى اللغات الأجنبيّة، ثم التدريس من اللغة العربيّة إلى أية لغة أجنبية، وليس من شك في أنّ هذا كان ذا أثرٍ في عقول الأدباء والمنشئين، ووجدانهم والثقافة الأجنبيّة بما تحوي من خبرات، وتجارب وطرق في التفكير، والتعبير ومناهج في الحياة أحدثت نوعًا من الزلزال العقلي، والوجداني نتيجة لالتقائها بالحضارة الشرقيّة فصاحب ذلك تخللٌ ثقافيّ في البلاد، أخذت عقلية الشعب تتشكل متأثرةً بما يتدفّق عليها من ثقافةٍ أوروبيةٍ بشكلٍ مطرد، وقد أثبت بعض الصحف هذا فتقول جريدة الاتّحاد المصري[56] «إننا رأينا بضاعة الروايات والقصص قد راجت في هذا العصر، وأقبل طلّاب الأدب على اجتناء ثمارها وقد وقفنا على رواياتٍ جميلة الموضوع غرامية الحدث، والحوادث أدبية النتيجة، والغاية؛ فجعلنا حب الخدمة الأدبية على استخراجها إلى اللغة العربيّة»[57].
رابعًا: الجانب الاجتماعي
لم تكن الآثار التي خلّفها الاحتلال في مصر من الناحية الاجتماعيّة أقل وطأة؛ فقد أهمل الاحتلال الاصلاح الاجتماعيّ مطلقًا، ولم ينفق من الإيرادات العامّة شيئًا على هذا الإصلاح؛ فتدهورت حالة الأمة الاجتماعيّة تدهورًا بالغًا، ولا نزاع في أنّه هو المسؤول عند عدم توجيه سياسة الحكومة نحو هذا الهدف؛ لأنّها كانت خاضعةً لسلطانه المطلق، فهو المسؤول من الوجهة الاجتماعيّة عن سوء حالة طبقات الشعب.
فالطبقة الخاصّة من الأغنياء، والكبراء، والمثقّفين اتجهت في مجموعها وجهة الولاء للاحتلال والحياة النفعيّة، فخلت الحياة الاجتماعيّة من المفاخر والعظائم؛ لأنّ الولاء للحكم الأجنبي يتولّد عنه صغارٌ في النفوس، يتافر مع كل ما هو عظيم ونبيل. واجتمع إلى ذلك الإسراف في الترف، والبذخ، واقتباس مفاسد المدنيّة الغربيّة، وتقطّعت الروابط بين الطبقات لانصراف أفرادها إلى المنافع الشخصيّة. أما الطبقة الوسطى في اليسار والعلم فهذه انصرفت أيضًا نحو الحياة النفعيّة تبتغي بلوغ مراتب الطبقة الخاصّة، ومحاكاتها في مظاهر الأبّهة، والبذخ، فلم يعد على البلاد من جهودها أيّة فائدة. أمّا عن الطبقة الفقيرة من الفلّاحين والعمّال الذين كانوا يشكّلون أغلبيّة الشعب، فقد ساءت حالتهم حيث انتشر الجهل، والأميّة طوال الأربعين سنة ونيف من عهد الاحتلال - بصورةٍ تبدو مدهشة - وذلك بسبب سياسته التعليميّة، إذ عمد إلى عدم تعليمهم، وتهذيبهم، وتثقيفهم، فحرموا نور العلم، والتربية، وبالتالي ساءت حالتهم الماديّة، وكذا المعنويّة، إلى جانب هذا أهمل الاحتلال حالتهم الماديّة والصحيّة، وانتشرت فيهم الأوجاع والأمراض[58].
ومع تسلّط الاحتلال والنفود الغربي بعد مجيء الحملة الفرنسيّة وما تبعها من تغريبٍ واضحٍ في سائر المجتمع نلحظ أنّ الملابس والأزياء تغيّرت في المجتمع. «فترك فالنساء في المدن والبنادر، اليلك، والسلطة، والحزام الكاشميري، والطاقيّة الحمراء الصوف، الموضوعة عدة مناديل عليها، والقرص بما كان يتجلّى عليه من حليّ ومجوهرات؛ بل ترك معظمهن ذات الضفائر...، وأقبلن يلبسن، في داخل منازلهن الجلابيب والفساتين المفصّلة لسيدات الطبقة العليا، على المودات الغربيّة؛ ويضعن الطُرح البسيطة على رؤوسهن؛ ويلبسن الجوربات في أرجلهن، وفوقها الشباشب، فإذا خرجن لبسن لباسًا إفرنجيًّا من فوقه السبلة، والحبرة، واليشمك؛ وأحذية غربية من ذات الكعوب العالية؛ وأقدمن — علامة محسوسة ظاهرة للتطور الحثيث السائر— على أنْ يصوّرن، تصويرًا فوتوغرافيًّا، وهن أيضًا بملابس إفرنجيّة؛ وعلى تكبير صورهن الفوتوغرافيّة، بل على التصوّر تصوّرًا زيتيًّا، بوقوفهن أمام مهرة المصوّرين من الغربيّين، بعد أنْ كُن أضنّ على غير أزواجهن برؤية وجوههن وقوامهن، من البخيل بديناره العزيز، على السائل»[59].
قال إدون دي ليون: «من أغرب الأشياء في موجودات سرايات المفتش صورة كبيرة جدًّا، موضوعة في إطار ثقيلٍ مذهّب، تمثّل ابن المفتّش وعروسه - وكانت ربيبة زوجة الخديو الثانية - في قديهما وقامتيهما، فإنّها كانت من النوع الذي ينتظر المرء وجوده في قصور الملوك، وبما أنّ كلا المتصوّرين لم يكن في لباسٍ شرقي، فإنّ المشابهة كانت أتم. أمّا هو، فكان جالسًا، مرتديًا لباسًا إفرنجيًّا ومكشوف الرأس، وأمّا هي، فكانت واقفةً في كساءٍ غربي من المخمل الأزرق الثمين، مفصّل ومطرّز على آخر اختراع الجيل، وعلى رأسها إكليل من ماسٍ يشبه تاجًا، يظنها رائيها من صميمات الفرنجيات!»[60].
وفي الحقيقة إنّنا حينما نتتبع حياة الطبقة العليا من المجتمع المصري من الأغنياء، وعلية القوم نعجب لهذا التغيير العجيب الذي صار لهم؛ فبعد «انتشار ملاهي المدنية الغربيّة وأسبابها؛ وخاصّة بعد تشييد الكوميديا، والأوپرا الخديويّة، واستقدام أكبر الممثّلين والممثّلات إليهما، وإقامة المراقص فيهما، علاوة على إدخال عادة الليالي الراقصة السنويّة إلى الحياة القوميّة المصريّة؛ بعد استيراد العربات بكثرة من أوروبا، حتى غصّت بها شوارع القاهرة والإسكندريّة، واقتناها معظم السراة فيهما؛ وبعد إقامة حفلات السباق للخيل والهجن في هاتين العاصمتين، وإنشاء حمامات حلوان، اندفع الأغنياء مع تيّار الحياة الجديدة التي أوجدتها كلّ هذه المظاهر الحضريّة، واتخذوا خلالًا غير التي كانوا عليها»[61].
ومن الجدير ذكره أنّ بعض أفراد المجتمع فُتن بالعادات الدخيلة والتي مارسها الأجانب ولا سيما بعد الاحتلال الفرنسي وكذا البريطاني فيما بعد؛ فدرجوا على ارتياد المقاهي، والخمّارات، وأصبحت هذه عادةً أصيلة من العادات التي اكتسبها بعض المصريين من وجود بينهم، إلى جانب هذا كانت السرقة، والنصب، والاحتيال من أسوء الآثار الناتجة عن سلوكيّات الأجانب في مصر، حيث شهدت مصر نزوح الكثير من البريطانيين، منهم عدد من الأفّاقين والمحتالين الذين حاولوا الكسب بشكلٍ غير مشروعٍ، مدّعين معرفتهم ببعض العلوم والمعارف التي لا قبل لهم بمعرفتها، وكان من أبرزهم (متر إبرام) خبير صناعة السكر في عهد محمد علي، أو هكذا ادّعى أنّه على درايةٍ تامةٍ بتلك الصناعة، واتّضح بعد ذلك أنّ مساعده هو الذي يقوم بهذا العمل[62].
وفي السياق ذاته نرى أنّ عبد الرحمن الرافعي يؤكّد على تلك المشاهد التي تسربت بفعل هذا المستعمِر فيقول: «واجتمعت إلى ذلك رعاية الحكومة للآفات الاجتماعيّة التي جاءت من أوروبا ورعاها الاحتلال، وحماها، فعمّت طبقات المجتمع على السواء، كبيرها ومتوسطها، وصغيرها، وأولى هذه الآفات الربا، الذي انتشر انتشارًا ذريعًا، وساعد على ذيوعه ما فُطر عليه الطبقات من قصر النظر، وعدم تقدير العواقب، وحبّ الظهور والإسراف، ووجد المرابون من هذا الضعف ومن النظم والقوانين ورعاية المحاكم المختلطة ما جعلهم يتغلغلون في مختلف الأوساط في العواصم، والبنادر، والقرى القريبة والبعيدة، فكبّلوا الأهلين بالديون، ممّا أفضى إلى ضياع ثروات الكثير منهم، وانتشار الفقر والبؤس في الطبقات الكبيرة، ثم المتوسطة، والصغيرة، وانتشرت الموبقات في الأحياء الآهلة بالعمال في المدن برعاية الحكومة وحمايتها، وفي كنف الامتيازات الأجنبيّة، ففتكت بهم فتكًا ذريعًا، وأفسدت عليهم صحتهم، ودينهم، واخلاقهم، ونقصت مقدرتهم على العمل، والإنتاج، وساعدت على ازياد حوادث الإجرام، والإخلال بالأمن العام...، لم تتقدم إذًا حالة الشعب الاجتماعيّة في عهد الاحتلال، بل ساءت وصارت وبالًا، وزادته هذه الآفات بؤسًا وانحلالًا، وفي ذلك يقول السلطان (حسين كامل) في حديثٍ له نشرته جريدة (دي اجيبشيان استاندرد) في عددها الصادر في 20 أكتوبر سنة (1908م) يصف بؤس الفلاح المصري: (إنّ الفلاح يقضي حياته مثقلًا بالدين لا يزيد إيراده على الضرائب المفروضة عليه، وفوائد الديوان المطلوبة منه، وهو لكي يسد حاجات زراعته في مواعيدها مضطر دائمًا إلى الاستدانة بالربا الفاحش؛ فلهذا العسر من جهة، والخلو من المال من جهة أخرى، ولكثرة من يعولهم من جهة ثالثة، قد بقي الفلاح غريقًا في بحار الضنك لا يعرف لنفيه مخلصًا منها)» [63].
الخاتمة
وفيها أبرز النتائج
كان للأسرة العلويّة دورٌ في استجلاب العنصر الأجنبي في مصر في نزعةٍ منهم للاستفادة من خبراتهم في تنمية البلاد، إلا إنّ هذا نتج عنه نتائج عكسيّة كارثيّة أثبتتها الأيام.
النظام السياسيّ الحاكم في مصر زمن الاحتلال كان نظامًا صوريًّا، محرومًا من السلطات، والنفوذ، فالنظام كان استبداديًّا خاضعًا للسيطرة الأجنبيّة، فاجتمع على مصر الاستبداد، والاحتلال معًا.
القطاع الاقتصادي المصري كان تابعًا ويدور في فلك المحتل الذي تسبّب بتدهور الصناعة، وحرمان مصر من مواردها العظيمة.
عمدت سلطات الاحتلال إلى حرمان الطبقات الشعبيّة من حقّها في التعليم، ونجحت في بسط سيطرتها على المفاصل الحياة التعليميّة الثقافيّة، وأنْ تسيّره وفق حاجاتها، ورغباتها الاستعماريّة.
قائمة المصادر والمراجع
الأيوبي، إلياس، تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا، مؤسسة هنداوي، 2013م.
فهمي، أميل، التعليم في مصر، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1975م.
تينور، روبرت، الحكم الاستعماري البريطاني في مصر، مجلة السياسية الدولية، القاهرة، ع (22) 1970م.
محمد سالم، لطيفة، بحوث ودراسات: ندوة مصر في الحرب العالمية الأولى بمناسبة مرور مائة عام (18 ديسمبر 2014م)، الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2016.
آدمس، تشارلز، الإسلام والتجديد في مصر، ترجمة: عباس محمود ، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2015م.
يحيى، جلال وخالد نعيم، مصر الحديثة (119-1952م)، المكتب الجامعي الحديث، 1988م.
تاجر، جاك، حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر، دار المعارف، مصر، دت.
عزيز، سامي، الصحافة المصريّة وموقفها من الاحتلال الانجليزي، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1968م.
إسماعيل علی، سعيد، الأزهر على مسرح السياسة المصرية، دار الثقافة، القاهرة، 1974م.
الشافعي، شهدي عطية، تطوّر الحركة الوطنيّة المصريّة (1882-1956م)، المكتبة التقدمية، ط1/1957م.
الجبرتي، عبد الرحمن، تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، دار الجيل، بيروت.2003م.
الرافعي، عبد الرحمن، مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، مكتبة النهضة المصرية، ط2/1948م.
الرافعي، عبد الرحمن، مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية، طـ5، دار المعارف، 1984م.
الرافعي، عبد الرحمن، ثورة 1919 تاريخ مصر القومي من سنة 1914إلى سنة 1919م، دار المعارف، القاهرة، ط4/1987م.
رمضان، عبد العظيم، تطور الحركة الوطنية في مصر (1918-1936م)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط3/1998م.
حمزة، عبد اللطيف، الصحافة والأدب في مصر، وكالة الصحافة العربية، 2021م.
عبد العزيز عمر، عمر، دراسات في تاريخ العرب الحديث، دار النهضة العربية، بيروت، 1975م.
عبد الرحمن، عواطف ونجوى كامل، تاريخ الصحافة المصرية دراسة تاريخية معاصرة، العربي للنشر. 2020م.
الهاجري، عيده مبارك، الوضع الاجتماعي للمواطن البريطاني في مصر في القرن التاسع عشر، مجلة الاستواء ع(6)، 2018.
لوتسكي، فلاديمير بوريسوفيتش، تاريخ الأقطار العربية الحديثة، ترجمة: د. عفيفة البستاني، دار الفارابي – بيروت، ط8/1985م.
خشان، كاظم وادي، رأي الشيوعية في اتفاقية الجلاء وصفقة الأسلحة «1954- 1955»، المجلة الدولية أبحاث في العلوم التربوية والإنسانية والآداب واللغات، جامعة البصرة، مجلد 2، العدد5، يونيو 2021م.
عودة، محمد، كرومر في مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1984م.
كشك، محمد جلال، ودخلت الخيل الأزهر، نشر الزهراء للإعلام العربي، الطبعة الثالثة، 1410هــ/ 1990م.
المسدي، محمد جمال الدين، دانشوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1974م.
هيكل، محمد حسنين، عبد الناصر والعالم، المجلد 1، ط 1، دار النهار للنشر، القاهرة، 1972م.
الدليمي، محمد حمزة حسين، السياسة البريطانية تجاه الحركة الوطنية في مصر (1882-1991م)، دار غيداء للنشر والتوزيع، ط1/2015م.
رشيد رضا، محمد، تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده، دار الفضيلة، القاهرة، ط2/1427ه/2006م.
الخفيف، محمود، فصل من تاريخ الثورة العرابية، مؤسسة هنداوي، 2012م.
شاكر، محمود محمد، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة، 1997م.
قاسم، نوال، تطور الصناعة المصرية من عصر محمد علي إلى عصر عبد الناصر، مكتبة مدبولي، ط1/1987م.
بيرنز، الينور، الاستعمار البريطاني في مصر، ترجمة: أحمد رشدي صالح، نشر دار القرن العشرين للنشر، القاهرة. 2020م.
لبيب رزق، يونان، السودان في المفاوضات المصرية البريطانية 1930- 1936م، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1974م.
شطا، نهى نعيم علي، أحوال مصر الزراعية في ظلّ الاحتلال البريطاني، مجلة القراءة والمعرفة، المجلد 20، الجزء الأول، العدد 221، مارس 2020، الصفحة 121-139.
------------------------------------
[1]. أستاذ التاريخ السياسي- جامعة الأزهر الشريف- مصر.
[2]. شاكر، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، 136، 137.
[3]. الدليمي،لسياسية البريطانية تجاه الحركة الوطنية في مصر، 22.
[4]. الشافعي، تطور الحركة الوطنية المصرية، 11.
[5]. الخفيف، فصل من تاريخ الثورة العرابية، 77.
[6]. م. ن، 77، 78.
[7]. الرافعي، مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، 174، 175.
[8]. م. ن، 175، 176.
[9]. رمضان، تطور الحركة الوطنيّة في مصر (1918-1936م)، 24، 29.
[10]. رشيد رضا، تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده، 1: 294، 295.
[11]. رمضان، تطور الحركة الوطنيّة في مصر (1918-1936م)، 1: 31، 32
[12]. آدمس، تشارلز، الإسلام والتجديد في مصر، 211.
[13]. الرافعي، مصطفى كامل باعث الحركة الوطنيّة، 179، 180.
[14]. م. ن، 196- 199، 263- 270.
[15]. بيرنز، الاستعمار البريطاني في مصر، 26.
[16]. الرافعي، ثورة 1919 تاريخ مصر القومي من سنة 1914 إلى سنة 1919م، 36، 38.
[17]. محمد سالم، بحوث ودراسات ندوة (مصر في الحرب العالمية الأولى «بمناسبة مرور مائة عام 18 ديسمبر 2014»، 78.
[18]. الرافعي، ثورة 1919 تاريخ مصر القومي من سنة 1914 إلى سنة 1919م، 15، وما بعدها.
[19]. يحيى ونعيم، مصر الحديثة (119-1952م)، 179 وما بعدها.
[20]. رمضان، تطور الحركة الوطنية في مصر، 770- 803؛ لبيب رزق، السودان في المفاوضات المصرية البريطانية 1930- 1936م، 109- 110.
[21]. عبد الرحمن وكامل، تاريخ الصحافة المصرية دراسة تاريخيّة معاصرة، 236.
[22]. هيكل، عبد الناصر والعالم، 1: 95؛ خشان، رأي الشيوعية في اتفاقية الجلاء وصفقة الأسلحة «1954- 1955»، 2: 121- 122، 128- 130، العدد5.
[23]. بيرنز، الاستعمار البريطاني في مصر، 15- 20.
[24]. قاسم، تطوّر الصناعة المصريّة من عصر محمد علي إلى عصر عبد الناصر، 176؛ المسدي، دانشوي، 55.
[25]. لوتسكي، تاريخ الأقطار العربية الحديثة، 284.
[26]. الدليمي، السياسة البريطانيّة تجاه الحركة الوطنية في مصر (1882-1991م)، 64، 65.
[27]. م. ن، 64.
[28]. عودة، كرومر في مصر، 34
[29]. الرافعي، مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، 183، 184.
[30]. الدليمي، السياسة البريطانيّة تجاه الحركة الوطنيّة في مصر، 58.
[31]. شطا، أحوال مصر الزراعية في ظلّ الاحتلال البريطاني، 135.
[32]. الرافعي، مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، 184، 185.
[33]. م. ن، 152.
[34]. رمضان، تطور الحركة الوطنيّة في مصر (1918-1936م)، 72.
[35]. م. ن، 73.
[36]. الرافعي، مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، 187، 188.
[37]. إسماعيل علی، الأزهر على مسرح السياسة المصرية، 97 وما بعدها.
[38]. كشك، ودخلت الخيل الأزهر، 361.
[39]. الجبرتي، تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، 2: 436.
[40]. م. ن، 436.
[41]. شاكر، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، 140، 141.
[42]. م. ن، 142، 143.
[43]. شاكر، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، 146، 147.
[44]. الدليمي، السياسة البريطانية تجاه الحركة الوطنية في مصر، 67.
[45]. الرافعي، مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، 179، 180.
[46]. م. ن، 180.
[47]. نقلًا عن مضبطة محلسة 24 ديسمبر سنة 1894م لمجلس شورى القوانين ص50.
[48]. عزيز، الصحافة المصريّة وموقفها من الاحتلال الإنجليزي، 271.
[49]. عبد العزيز عمر، دراسات في تاريخ العرب الحديث، 356.
[50]. عزيز، الصحافة المصريّة وموقفها من الاحتلال الإنجليزي، 277، 278.
[51]. فهمي، التعليم في مصر، 121؛ تينور، الحكم الاستعماري البريطاني في مصر، 182.
[52]. الرافعي، مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، 181.
[53]. عزيز، الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال الانجليزي، 282؛ حمزة، الصحافة والأدب في مصر، 34، وما بعدها.
[54]. عزيز، الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال الانجليزي، 285؛ تاجر، حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر، 153، وما بعدها
[55]. م. ن، 156.
[56]. عدد 12 يونيو 1890م.
[57]. عزيز، الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال الانجليزي، 286- 287.
[58]. الرافعي، مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، 188، 189.
[59]. الأيوبي، تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا، 255.
[60]. باشا، إسماعيل، مصر الخديوي ص١٩٦، 197.
[61]. الأيوبي، تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا، 258.
[62]. الهاجري، الوضع الاجتماعي للمواطن البريطاني في مصر في القرن التاسع عشر، 600-606.
[63]. الرافعي، مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال، 189، 190.