البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

دور النخب السياسيّة الجزائريّة في مقاومة الاستعمار من القرن 19 إلى ثورة التحرير 1954

الباحث :  د. حسين مجاود
اسم المجلة :  الاستعمار
العدد :  3
السنة :  ربيع _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث :  April / 13 / 2025
عدد زيارات البحث :  93
تحميل  ( 479.868 KB )
ارتكزت النخب السياسيّة الجزائريّة في مقاومتها للاستعمار الفرنسي، بدرجةٍ كبيرةٍ على الإرث التاريخي للشعب الجزائري، بالإضافة إلى التأثيرات السياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة والثقافيّة التي خلّفتها السلطة الفرنسيّة الاستعماريّة. كما كان لبروز الثقافة الفرنسيّة في الجزائر واصطدامها بالثقافة الوطنيّة خلال هذه الفترة دورٌ في إدخال تصوّراتٍ ثقافيّةٍ وإيديولوجيّةٍ متضاربةٍ داخل نسيج النخبة الوطنيّة الجزائريّة، هذا كلّه أسهم في إيجاد شرائح اجتماعيّة ذات شبكةٍ ثقافيّةٍ متميزةٍ ومختلفةٍ تعبّر عن رؤى وأفكار متباينةٍ أسهمت في تشكيل مجموعة قيمٍ اجتماعيّةٍ وسياسيّةٍ ورصيدٍ معرفيّ مكّنت هذه النخبة من مقارعة مخرجات السياسة الكولونياليّة، وهذا يتّضح من خلال انتهاج سبيل النضال السياسي خلال النصف الأول من القرن العشرين، ثم التوجّه العسكري في فترة الثورة التحرريةّ، الذي سيفضي في الأخير إلى الاستقلال التام واسترجاع السيادة الوطنيّة بعد 132 سنة من الاستعمار.

الكلمات المفتاحية:
التنشئة الاجتماعيّة، الإصلاح، التعليم، الإدماج، الثقافة السياسيّة، الاتجاهات، بعث، الطبقة المثقفة، الشخصيّة الوطنيّة.

التمهيد
يرتبط الحديث عن الاتجاهات السياسية لدى النخب الوطنيّة الجزائريّة بدرجةٍ كبيرةٍ بالإرث التاريخي، وحالة الاستيعاب الثقافي، والتشويه المنهجي للاستعمار الفرنسي. وتعدّ التركيبة الاجتماعيّة والثقافيّة من الأصول والمنطلقات التاريخيّة الأولى التي بُني عليها المجتمع الجزائري، إذ شهدت الجزائر أقدم الحضارات واحتضنتها في سواحلها (الفينيقيّة، النومديّة، الرومانيّة، البيزنطيّة)، وكانت مهدًا لها. كما اعتنق الشعب الجزائري الدين الإسلامي منذ القرن الأول الهـجري، وتأسست على أرضه عدة دول إسلاميّة (الرستميّة، الحماديّة، الموحديّة، الزيانيّة)، والتي أعطت للجزائر وجهها المتميز والحضاري وزادها تميّزًا انضمامها إلى الدولة العثمانيّة وسيطرتها على البحر المتوسط لمدة ثلاثة قرون. كما تعدّ الجزائر محور اتصالٍ بين قطبي العالم العربي الشرقي والغربي، وجسرًا طبيعيًّا للعالم الإسلامي. بالإضافة إلى ذلك الاحتلال الاستيطاني الفرنسي ومخلفاته.

يعكس هذا البناء التاريخي جزءًا كبيرًا من القيم والاتجاهات السياسيّة المكتسبة التي أسهمت في بناء الهويّة الجزائريّة، ممّا يدفعنا إلى البحث عن مكونات ثقافة الشخصيّة الجزائريّة التي تحدّد الإطار العام الذي يحوي الثقافة العامة للمجتمع من قيمٍ وعاداتٍ وتقاليد وتعابير لغويّة وفكريّة وتوجهاتٍ سياسيّةٍ متضاربةٍ ومتعارضة، إنّها الثقافة المتعدّدة: العربيّة الإسلاميّة والبربريّة والثقافة الأوروبيّة، ولكلّ هذه المكونات أصولها الاجتماعيّة وتكويناتها الفكريّة وطبيعتها الهيكليّة.
من هذا المنطلق بلورنا إشكاليّة موضوعنا على النحو التالي: ما مدى مساهمة التنشئة السياسيّة للنخب الجزائريّة في بلورة وعيهم وتوجهاتهم السياسيّة؟ وكيف أسهمت ثقافتهم السياسيّة في تأطير الحركة الوطنيّة الجزائريّة؟
وللإجابة على هذه الإشكاليّة وجب علينا الاعتماد على المنهج التاريخي الوصفي بالإضافة إلى المنهج التحليلي، الذي يمكننا من تسليط الضوء على الجذور التاريخيّة لإفرازات الثقافيّة والسياسيّة للنخبة الجزائريّة، التي مكنتها من خوض المقاومة السياسيّة، ثم بعد ذلك المقاومة العسكريّة ضد الاستعمار الفرنسي.

المحور الأول: أصول الثقافة السياسيّة لدى النخب الجزائريّة
شهدت الجزائر ثقافةً متنوعةً بعضها يُستمدّ من الشخصيّة الجزائريّة وانتمائها العربي الإسلامي، وبعضها الآخر يُستمدّ من التوجّه الاندماجي على حد تعبير مصطفى الأشرف: «الثقافة الملتزمة والثقافة الأجنبيّة»[2]، وهنا يجب رصد المضمون الثقافي للإسلام، ومدى تأثيره على منظومة القيم، ودور الثقافة العربيّة الإسلاميّة من المحدّدات الثقافيّة[3]، إلى جانب ذلك المشروع الاستعماري الغربي والمنظومة الغربيّة ومضمونها الثقافي، ومدى تأثيرها على منظومة القيم، أي السياسيّة الفرنسيّة كوسط سوسيو ثقافي وتأثيرها على الشرائح الاجتماعيّة وتغلغلها في تركيبة المجتمع لإعادة إنتاج مجتمعٍ يفكر بعقليّة المدرسة الأوروبيّة[4]، ولإعادة إنتاج التشكيلة الاجتماعيّة الجزائريّة، وبالتالي بروز أنماطٍ اجتماعيّةٍ جديدةٍ، ومعارف جديدةٍ تتعارض، والتشكيلة الاجتماعيّة الأولى، الشيء الذي يسمح بتكوين أنماطٍ ثقافيّةٍ متضاربةٍ ذات بؤرٍ ونزاعاتٍ أحدثت انقسامًا، وشرخًا خطرًا في صفوف المجتمع، أسهم في إيجاد تركيبةٍ اجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ متصارعةٍ بسبب ظهور قيم ذاتٍ وازعٍ قبلي ناجمٍ عن تقسيماتٍ سياسيّةٍ أوجدتها السياسيّة الاستعماريّة كالطائفيّة والقبليّة والجماعات الدينيّة والصراعات الثقافيّة واللغويّة[5].

أولًا: الثقافة العربيّة الإسلاميّة
يُعدّ الإسلام العنصر الموحِّد للجزائريين، وهو الغالب على الثقافة الجزائريّة من جميع جوانبها الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، كما يعدّ البعد الإسلامي للجزائر صمام أمانٍ وقلعة حصينة مانعة للاختراق الثقافي والديني في العهد الاستعماري، إذ أدّى هذا المحدّد الثقافي دورًا كبيرًا في الحفاظ على أصالة المجتمع، وفي إيجاد شرائح اجتماعيّةٍ كبيرةٍ بفضل الاعتناق الجماعي للإسلام[6].
كان الوازع الديني دائمًا هو المنجي من ذوبان الشعب الجزائري في الفضاء الفرنسي، كما أنّ هناك صلةً وثيقةً عند الجزائريين بين اللغة العربيّة كلغة والإسلام كدين؛ وذلك لكون العربيّة لغة القرآن، وروح الإسلام وقلبه النابض؛ ولهذا كانت جهود جمعيّة العلماء المسلمين تعمل لأجل الحفاظ على اللغة العربيّة والدين الإسلامي اللذين يمثلان أهمّ مقوّمٍ للهويّة الجزائريّة[7].
اعتمد الاحتلال الفرنسي محاربة الثقافة الجزائريّة، والقضاء على الشخصيّة والهوية الجزائريّة، فطمس المواسم الوطنيّة، والتاريخ، واللغة، وحوّل المساجد إلى كنائس أو مستشفيات أو متاحف، كما أنّ المثقّفين الجزائريين قد فقدوا تدريجيًّا الاتصال بماضيهم نتيجة لفقدان الكتب والمدارس بلغتهم، أمّا الفلاحون فقد تركوا للخرافات والجهل[8].
كما حاصر الاحتلال الفرنسي اللغة العربيّة وثقافتها، ومنعها من مسايرة التطوّر العلمي، ولو في أبسط صوره، ونجم عن ذلك أضرارٌ فادحةٌ في الميدان الثقافي كنتيجة لسياسة التجهيل، وإبعاد اللغة العربيّة عن منافسة اللغة الفرنسيّة، وتركها تدرّس كثقافةٍ تراثيةٍّ مقتصرةٍ على المبادئ الأساسيّة وحصر تعليمها في الكتاتيب والزوايا[9]، وبهذا أصبحت اللغة العربيّة أكثر النظم الوطنيّة الجزائريّة معاناة.

هذا العداء الاستعماري للمكوّن الثقافي للشعب الجزائري ما هو إلّا استمرارية لحالة التواصل العقلي والنفسي والسلوكي في العداء للعروبة والإسلام، إنّ فرنسا الاستعماريّة استخدمت كلّ القوى في سبيل ذلك من رموز النخبويّة الدينيّة أو الفكريّة والسياسيّة والعسكريّة، وامتدّت إلى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، الموجّهة والمدعومة بكلّ الإمكانات الماليّة وغيرها من أجل صنع كيانٍ فرنسيّ مكان الجزائري [10].
لم يكن بإمكان حاملي الثقافة العربيّة في بداية الاحتلال تجاوز مستوى المقاومة والرفض والدفاع عن الهويّة الذاتية؛ لأنّ طبيعة المجتمع من جهة، وطبيعة التوجّهات من جهةٍ أخرى لم تكن تبلغ بعد من القوة الشموليّة، ما يجعلها ترتفع بالمجتمع إلى مستوى التحديث، فتفرض نفسها بديلًا ونموذجًا ضمن النماذج الثقافيّة القائمة. خلاف ما كان عليه في الثلاثينيّات من القرن العشرين حين ظهرت نخب سياسيّة وإصلاحيّة حرّكت هذا المكون الثقافي، مثل أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذين رفعوا لواء الإصلاح وإحياء اللغة العربيّة وإعلاء الدين الإسلامي الصحيح. ممّا مكّن الشعب الجزائري من النهوض من سباته والتحرّك عن بكرة أبيه من أجل تحقيق الاستقلال والحريّة، وكان رواد الثورة حاملي رايته.

ثانيًا: الثقافة الأمازيغيّة
تعرّض الشعب الجزائري طوال الهيمنة الاستعماريّة إلى تحدياتٍ كبيرةٍ لإثبات وجوده، وترسيخ هويّته وشخصيته الجزائريّة، كانت الهجمات مباشرةً وغير مباشرة، وتعدّدت بشكلٍ مستمرٍ طوال الفترة الاستعماريّة، بالتغلغل السياسي، والاقتصادي، والثقافي والديني المقترن بالعمل العسكري، إذ عمل الاستعمار على تفكيك المكوّن الاجتماعي الجزائري الموحّد تاريخيًّا ودينيًّا وحضاريًّا (العرب –أمازيغ)، وعمل على استئصال المكوّن الأمازيغي عن باقي النسيج الاجتماعي الجزائري، واعتقدت فرنسا الاستعماريّة أنّ إسلام سكّان المنطقة سطحي، وأنّ القرآن لم يدخل بشكلٍ عميقٍ إلى تقاليدهم وعاداتهم، وأنّ هذا الدين لم يتمكّن من النفاد إلى حياتهم العائليّة والاجتماعيّة وانطلاقًا من ذلك حاول التشكيك في إسلام سكّان منطقة القبائل، كما صرّح الكاردينال لافيجري [11]أنّ: «القبائل والفرنسيين من سلالةٍ واحدةٍ هي سلالة الرومان، وعلامة مسيحيّة واحدة، خلقت كلّها بين القبائل والفرنسيين»[12].
إحدى الركائز التي اعتمدت عليها السياسة الفرنسيّة لإضفاء طابع الشرعيّة على مخطّطها التفكيكي، هو اعتبار القبائلي لا يتعامل مع ذويه باللغة العربيّة، ومن ثم فإنّ هذه اللغة تعدّ دخيلةً على لغة سكّان المنطقة؛ لذا استغل اللهجة المحليّة الأمازيغيّة لتطبيق سياسة (فرّقْ تَسدْ)، وزرع الخلاف حتى يسهل عليه فصل المنطقة من الوطن الجزائري[13].

يُعرف الأمازيغ (السكان الأصليون للجزائر)[14] منذ القدم باستماتتهم في سبيل الحريّة، وحبّهم للاستقلال، فكانوا لا يرضخون للغالب، ولا يجنحون إلى الاستكانة، ولهم ولعٌ شديدٌ في الاحتفاظ بعوائدهم وأخلاقهم ولغتهم، ومع أنهم عاشوا نحو ثلاثة آلاف سنة تحت احتلال الأمم المختلفة غير أنّهم لا يزالون محافظين على مميزاتهم الذاتيّة وأحكامهم الخاصّة[15].
لقد عرف الأمازيغ نمطًا ثقافيًّا ونظامًا اجتماعيًّا خاصًّا يقوم على أساس القرية والقبيلة المستقرة[16]، ويقوم أيضًا على أساس الارتباط الاجتماعي والإرث الثقافي المشترك، هذا النمط الذي عرفته هذه الثقافة جعل حاملها طوال الحقبة التاريخيّة على قدرٍ من التميّز، ورفض أيّ شكلٍ من أشكال الاندماج المفروض من أي قوةٍ احتكاريّةٍ (الحكم الأجنبي القرطاجي والروماني والبيزنطي)، الشيء الذي سمح لهذا الكيان بالحفاظ على شخصيّته وتواجده وبلغته التراثيّة التي أسهمت في إيجاد لبنات لأرضيّةٍ ثقافيّة، واجتماعيّة، واقتصاديّة[17].

ومع مجيء العرب الذين نشروا بينهم الإسلام، وعمّموا فيهم اللغة العربيّة، ولم يرد في أيّ مصدرٍ من مصادر التاريخ الإسلامي أنّ الفاتحين المسلمين جهروا بالعداء لثقافة أهل البلاد، أو دعوهم للتخلّي عنها، الأمر الذي شجّع البربر على قبول الإسلام دينًا، واستخدموا لغتهم المحلّية في الدعوة للإسلام ونشره. وتكيفوا مع شريعته مع الحفاظ على وسائل معيشتهم ولغتهم[18].
لكن هذا التمايز الثقافي والاجتماعي القائم على البنية القبليّة واللغويّة أصبح مصدر توترٍ وصراعٍ داخلي، حيث أسهم في توسيع وتفاقم حدّة التوترات الثقافيّة، الذي سمح بتكوين تركيبةٍ اجتماعيّةٍ ذات نزاعاتٍ قبليّة متعددةٍ ناجمةٍ عن ممارسة الهيمنة الكولونياليّة، التي فرضت على هذا النمط الثقافي العزلة الشديدة، وحينها اكتفت هذه الفئات الاجتماعيّة بالدفاع عن الهويّة الثقافيّة، وحماية المجتمع من الاختراق الداخلي بعد المقاومة المستمرة (إذ تم استكمال احتلال منطقة القبائل في سنة 1857)[19]، لكن السيطرة الاستعماريّة التي شجّعت سياسة الانقسام الجهوي من جهة، والنظام القبلي القائم هو الآخر على التمايز العرقي واللغوي من جهةٍ أخرى، سمحت ببروز ثقافةٍ مبنيّةٍ على حبّ التسلّط، وعلى الجهويّة والقبليّة والطائفيّة، وبالتالي أصبح كلّ فردٍ ينتمي إلى مجموعته الضيقة: العائلة، العشيرة، الرابطة اللغوية...الشيء الذي سبّب اختلالًا في التوازن بين بنية المجتمع القديم والمجتمع الجديد، حيث إنّ الصراع حول مسألة الهويّة الثقافيّة لا يزال قائمًا إلى يومنا هذا بين العناصر الاجتماعيّة الأمازيغيّة والعربيّة، وأصبح يهدّد مستقبل كيان المجتمع الجزائري [20].

ثالثًا: الثقافة الفرنسيّة:
لقد كان لبروز الثقافة الفرنسيّة في الجزائر واصطدامها بالثقافة الوطنيّة خلال هذه الفترة دورٌ في إدخال تصوّراتٍ ثقافيّةٍ وإيديولوجيّةٍ متضاربةٍ ومتصارعةٍ في آنٍ واحد، أسهمت كلّ واحدةٍ منها في إيجاد شرائح اجتماعيّةٍ ذات شبكةٍ ثقافيّةٍ متميزةٍ ومختلفةٍ تعبّر عن رؤى وأفكار كلا النموذجين: الأوربي والعربي الإسلامي.

لقد أنتجت الحضارة الأوروبيّة جيلًا يمثّل مصالحها الثقافيّة والاستعماريّة الاحتكاريّة خلال فترة تاريخيّةٍ حاسمةٍ حدثت نتيجة تعارض أفكارٍ تراثيّةٍ وتنويريّةٍ اشتدّ فيها الصراع بين النموذج التأصيلي (المجتمع الجزائري) والنموذج الغربي الأوروبي.
يحدث هذا التأثير نتيجة الانبهار بالأفكار الأوربيّة الجديدة - خير ما ينطق ويعبّر عن ظاهرة التفاني في الذوبان في الفكر الكولونيالي الفرنسي هو الشريف بن حبيلس رائد الاندماجيين الجزائريين الفرنكوفونيين- [21]، هذه المظاهر، وغيرها أثّرت في تركيبة المجتمع الجزائري الثقافيّة والاجتماعيّة، وسمحت بتكوين فئاتٍ وسطى جديدةٍ -هذا من خلال نضال الحركة الوطنيّة بمختلف شرائحها وتشكيلاتها- إلى جانب العلاقات المستمرة بين الحضارة الغربيّة الأوروبيّة والإسلاميّة التي تأكّدت جليًّا في أشكال النشاط الاقتصادي، والإنتاج الفكري والمعرفي في مرحلة ما قبل الموجة الاستعماريّة[22].

لقد كان لهذا التأثير الأوربي نتائج وخيمة على العلاقات بين أفراد المجتمع، وعلى مستوى الطوائف الدينيّة والعائليّة، أسهمت في إيجاد تركيبةٍ فكريّةٍ أوربيّةٍ برجوازيّةٍ علمانيّة، من حيث المستوى التعليمي والمركزي الاجتماعي والدور القيادي الثقافي السياسي، حيث ظهرت هناك نخبة[23] من إنتاج محيطٍ غربي ذات توجّهٍ وطني برجوازي تجمع بين المطالبة بالشخصيّة الوطنيّة، وتصحيح العلاقة مع السلطات الفرنسيّة، وفي مقابل هذه الثقافة برزت فئاتٌ أخرى عربيّةٌ وقوميّةٌ إسلاميّةٌ متأثرةٌ بدعوة النهضة في الشرق (الأعضاء المؤسّسون لجمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين)[24].
يرى (عمار بلحسن) أنّ هذه الفترة أنتجت أربعة أنماطٍ من المثقّفين عاشوا في إطار ثقافةٍ سياسيّةٍ معينةٍ ذات نسقٍ معيّنٍ من القيم والاتجاهات والمعتقدات السياسيّة المكتسبة، يمكن رصد سماتها الثقافيّة من خلال الجدول التالي:[25]

الجدول 1: يوضّح خصائص الأنماط الثقافيّة:
الأنماط الثقافيّة
الخصائص والسمات الثقافيّة
ثقافة المساجد والزوايا والمدارس الإسلاميّة
استمراريّة التراث –المحافظة على الهويّة الوطنيّة
ثقافة الموروث الكولونيالي
ثقافة برجوازيّة ذات آفاقٍ علمانيّةٍ واشتراكيّةٍ ذات نزعةٍ اندماجيّةٍ
الثقافة المزدوجة
ثنائيّة اللغة – ضعيفة الإحساس الوطني
الثقافة الشعبيّة الشفويّة
جماهيريّة - واسعة الاستهلاك - وطنيّة

عند تتبعنا للسيرة الذاتيّة للنخب الجزائريّة خاصّة منهم الرعيل الأول للمقاومة الجزائريّة، نجد أنّ جلهم ينتمون إلى النمط الثقافي الأول والرابع، الأول المتمثّل في القبيلة والأسرة التي وفّرت لهم الغطاء الديني من خلال المدارس القرآنيّة، والنمط الرابع المتمثّل في الثقافة الشعبيّة الشفويّة التي أسهمت في انغماس عددٍ كبيرٍ من الأفراد في مؤسّساتٍ مشتركةٍ ذات بعدٍ جماهيري وسماتٍ ثقافيّةٍ ذات بعدٍ وطني محض.

أمّا من النخب الجزائريّة الملتحقين بركب الحركة الوطنيّة الجزائريّة نجد منهم من يجمع بين النمط الأول والثالث والرابع كـ (مصالي الحاج)، ومنهم من ينتمي إلى النمط الثقافي الثاني والثالث كـ (فرحات عباس).
نلمس ذلك في مختلف مؤسّسات التنشئة السياسيّة للنخب الجزائريّة، حيث من الملاحظ أنّ دور هذه المؤسّسات في التنشئة دورٌ متداخل، بمعنى لا يمكن القول بأنّ دور الأسرة مثلًا يقف عند حدٍّ معينٍ أو مرحلةٍ معينة، لكن يمكن القول إنّ دور الأسرة أو غيرها يقلّ أو يزيد في مرحلةٍ معينةٍ من حياة الفرد. ففي المرحلة الأولى من حياة الفرد، يبدو دور الأسرة هو الرئيس والأعظم، وهكذا دواليك مع بقيّة المؤسّسات[26].
نلاحظ من خلال هذا كلّه أنّ التنشئة السياسيّة تشترك مع التنشئة الاجتماعيّة التي هي عملية يتلقاها كلّ فردٍ يعيش في محيطٍ اجتماعيّ بطريقٍ مباشرٍ أو غير مباشر، رغب في ذلك أو لم يرغب، وتبدأ مع الإنسان منذ ولادته، وبهذا تكون عملية التنشئة الاجتماعيّة عمليّةً شاملةً ومستمرةً طول فترة العمر، حيث تكون نواتها الأولى الأسرة، ثم المدرسة بمختلف أطوارها، وبعدها المؤسّسة أو مقر العمل، دون أنْ ننسى المحيط الاجتماعي ككل، وهكذا تدرّجت النخب الجزائريّة من خلال مختلف هذه المؤسّسات حتى أصبح لهم مجموعة قيمٍ اجتماعيّةٍ وسياسيّةٍ ورصيدٍ معرفي استطاعوا من خلاله انتهاج سبيل النضال السياسي، والكفاح المسلح من أجل تحقيق الهدف المنشود، وهو قيام دولةٍ جزائريّةٍ حديثة[27].

المحور الثاني: مكوّنات الثقافة السياسيّة لدى النخب الجزائريّة
إنّ الحديث عن الاتجاهات السياسيّة لدى النخب الجزائريّة مرتبطٌ بدرجةٍ كبيرةٍ بالتأثيرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة؛ لذلك فإنّ تحليل هذه الاتجاهات يقتضي معرفة المناخ العام للوسط الفئوي الجزائري من خلال الأدوار الاجتماعيّة والمهنيّة؛ لأنّ هذه العوامل هي التي تؤثّر في المواقف السياسيّة التي تصدر من قبل الطبقة أو الجماعة أو الأفراد حسب المكانة التي يحتلونها، يقول فلاديمير ماكسيمينكو: «إنّ الثقافة السياسيّة تتطلب تغييرًا أكثر صرامة، ويمكن القول إنّها تتشكّل بالدرجة الأولى تحت تأثير عوامل هامة مثل: الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ونمط حياة الفئات التي تمارس هيمنتها في مجتمعٍ ما؛ أسلوب القيادة السياسيّة والحكم؛ الوضع الثقافي في البلد»[28].

أوّلًا: المكونات الاقتصاديّة والاجتماعيّة:
عند دراسة النشاط الاقتصادي الجزائري یلحظ الطابع الزراعي والرعوي الذي تمركز أساسًا في الأریاف وأطراف المدن هذا في حین أنّ الحواضر تكاد تنفرد بالنشاط الحرفي[29].
لقد اعتمد المجتمع الجزائري في بنيته الاقتصاديّة والاجتماعيّة على: الزراعة المعاشية المخصّصة للعيش، والرعي المتنقل ضمن الترّحال المؤقّت، اقتصاد العائلي ودور القبيلة فيه[30]. وكان لتغيير هذه البنية من قبل الاستيطان الأثر الكبير على المجتمع، وعلى وضعه الديمغرافي وتشكيله الطبقي، ثم تحطيم الأسس الذاتيّة للشعب الجزائري بالدرجة الأولى[31]، من خلال السياسة الاستعماريّة قائمة على استيعاب الریف ودمج القطاع الزراعي في الحیاة الاقتصادية، الأمر الذي سمح بتكوين رأسمالٍ كولونيالي مهيمنٍ على الاقتصاد، بعد الاستيلاء على الملكيّة الخاصّة لأغلبيّة الشعب الجزائري، عن طريق إغراق الفلاحین الجزائريين بالديون الربويّة، لا سيّما أنّ الجزائري وبسبب قلة اقتصاده وقلة تحسبه للعواقب وعدم اكتراثه بالغد، یرى في الاستدانة السلامة وفي أجلها المحدود أمدًا طویلًا لا ینقضي فهو لا یتردد، والحالة هذه أدّت إلى قبول العروض المفلسة [32].
ممّا دفع بالعديد من الشرائح الاجتماعيّة للتفكير في الهجرة سواء نحو المدن - في الداخل - أم الهجرة نحو الخارج (فرنسا...) ، نظرًا للفقر والبطالة التي أصابت عددًا كبيرًا من سكّان الريف، أدّت هذه العمليّة إلى اختفاء المؤسّسات القبليّة وتفكيك البنية الاجتماعيّة التي كانت سائدةً في الأرياف، وبالتالي تقسيم المجتمع إلى مجموعات اجتماعيّة هي: عمّال الأرض خماسون، وعمال موسميّون - يتمركزون في الريف-، وعمال يدويّون، وحمّالون في الموانئ، والتجّار، والحرفيّون المتوسطون - يتمركزون في المدن الكبرى- حتى هؤلاء تم مزاحمتهم من طرف الجالية الأوروبيّة، والبرجوازيّة الصغيرة المندمجة في (النظام الاستيطاني)، والبرجوازيّة الإداريّة[33].

من خلال هذه المجموعات الاجتماعية يمكن التعرّف على التركيب الطبقي للمجتمع الجزائري في ظلّ الاستعمار، ويظهر لنا التفاوت الطبقي من خلال حجم ومستوى المعيشة بين الطبقتين: الطبقة الاجتماعيّة الجزائريّة والطبقة الرأسماليّة الأوربيّة.
هذا الوضع خلق فوارق اجتماعيّة نتج عنها مظاهر الفقر والجهل، واستمرار ظروف العيش القاسية في أوساط الجزائريين (الأهالي)، حيث عمد الاستعمار الفرنسي بعد سلب الأراضي إلى إبقاء الجزائريين في حالة تدهورٍ وفقرٍ شبه تامّ، إذ عاش الجزائريّون أزماتٍ ومصاعب حادّةً على سبيل المثال في أعوام 1867، 1893، 1897، و1920م، حين تفشّت بينهم الأمراض والأوبئة المعدية، كالكوليرا والتيفوس، وهجم عليهم الجراد، وداهمهم القحط والجفاف، ممّا دفع بالجزائريين إلى أكل الحشيش ولحم القطط والكلاب، واضطر كثيرٌ منهم إلى نبش الموتى في القبور لأكل لحومهم، إذ في مجاعة 1867-1868 لوحدها أدّت إلى وفاة أكثر من خمسة مائة ألف (500000) جزائري، أمّا المسعتمرون فكانوا بمنأى من هذا البلاء، إذ إنّ الأضرار لم تمسهم، بل كان ينعم أكثرهم بمستوى عيشٍ رفيع [34].
إنّ هذه الوضع المتمثّل في عدم الاستقرار الاقتصادي[35] في ظلّ تفاوتٍ طبقي اجتماعيّ أسهم في خلق توجّهاتٍ سياسيّةٍ متباينةٍ في المواقف والأفكار والتصوّرات؛ نظرًا للتفاوت في المستوى المعيشي والاقتصادي وفي المكانة الاجتماعيّة، والدور المركز بالنسبة النخب الجزائريّة، هذه التوجّهات السياسيّة المتفاوتة هي بدورها خلقت صراعًا سياسيًّا، سيظهر تدريجيًّا بين صفوف الفئة الاجتماعيّة، ويتطوّر فيما بعد مع تطوّر هذه التأثيرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وانعكاساتها الإيجابيّة على تبلور الوعي الوطني لدى فئة النخبة الجزائريّة، وبهذا سيكون دخول هؤلاء لساحة النضال السياسي، وسيرسم اتجاه وطبيعة تصوّر رواد الحركة الوطنيّة الجزائريّة، وكذا مواقفهم واختياراتهم من مسألة الاستعماريّة[36]، وهذا ما سيتضح من خلال خياراتهم النهائيّة والمتمثّلة في انتهاجهم الكفاح المسلّح كخيارٍ أوحد من أجل التحرّر من الاستعمار بالدرجة الأولى، والتخلّص من الأعباء الاقتصاديّة والاجتماعيّة من ناحية ثانية، وإعطاء متنفس جديد للشعب الجزائري حتى يتمكن من تحديد مصيره التنموي بيده في ظلّ الاستقلال والتمتع بالسيادة الوطنيّة.

ثانيًا: المكونات الثقافيّة
كانت الثقافة السائدة في الجزائر قبل الاحتلال هي ثقافة البلاد الإسلاميّة، إذ كانت تتمحور حول العلوم الدينيّة، من تفسيرٍ وحديثٍ وفقهٍ وعقائد. وقد جعل هذا التداخل المنصهر بين الدين والتعليم بالنسبة للمستعمر الفرنسي كلّ سياسةٍ مدرسيّةٍ غاية في الصعوبة، إذ ليس الجهاز المدرسي دينيًّا صرفًا فحسب، وإنّما العلم ذاته يقتصر على المعرفة التي نزلت مع الوحي؛ إذ لم يكن هنالك من نورٍ آخر في هذا العالم العربي التقليدي للقرن 19 إلّا القرآن وتفاسيره؛ ولهذا كان في طليعة المثقّفين الفقهاء في الدين الاسلامي، الذين كانوا يتمتعون بالقيادة الفكريّة والروحيّة، التي ظلّ يشاركهم فيها مشايخ الطرق الصوفيّة ومقدّموها في الأرياف [37].

لهذا عمد الفرنسيّون منذ الوهلة الأولى لاحتلالهم الجزائر على تجفيف منابع ومصادر الثقافة الوطنيّة للإنسان الجزائري؛ إذ هُدمت المساجد، وحوّلت أعدادٌ كبيرةٌ منها إلى كنائس، وثكنات، ومستشفيات...إلخ. كما وجّه الاستعمار ضرباتٍ قاسيةً للمثقّفين الجزائريين، اضطهادًا، وسجنًا، نفيًا وتقتيلًا، وظلّ يطاردهم قصد منعهم من أداء واجبهم في الحفاظ على الشخصيّة القوميّة للمجتمع الجزائري. كما سعت فرنسا الاستعمارية إلى استعمال النصّ التعليمي والثقافي في محاربة وجود وكيان الحضاري للإنسان الجزائري، والعبث بالقيم الدينيّة والثقافيّة الوطنيّة، قصد المسخ والتذويب، ومحو كيان الأمة للنيل من هويّتها الوطنية.

وقد أورد الأستاذ (محفوظ قداش) إحصائيّةً نقلها عن المؤرّخ الفرنسي (روبرت أجيرون)، تبيّن مستوى انهيار التعليم بين أبناء الجزائر ما بين 1830-1954. إذ أكّد ضياع التعليم القرآني والعربي لجيلٍ كامل؛ ففي قسنطينة مثلًا انخفض عدد التلاميذ من 600 إلى60 تلميذًا، وعدد المدارس من 66 إلى ثلاثين[38]. كما بلغ عدد التلاميذ الجزائريين البالغين سنّ الدراسة سنة 1896م أكثر من 535389 تلميذًا، التحق منهم بالمدارس الفرنسية:10631 تلميذًا؛ أي ما نسبته: 01.98% والرقم يدلّ على عمليّة التجهيل المعتمدة من طرف الإدارة الفرنسيّة اتجاه الجزائريين[39].
هذه المعطيات والإحصائيات تعكس جوانب من المخططات الفرنسيّة المتبعة اتجاه أطفال الجزائر؛ بهدف فرنستهم وتغريبهم، أو فرض واقع الأميّة والتجهيل على الجزائريين، وسحق التعليم العربي عبر تضييق الخناق على مؤسّساته الشعبيّة للقضاء عليها في النهاية. لتسهل بعدها السيطرة على الجزائريين وتذويب شخصيتهم الوطنيّة العربيّة الإسلاميّة، وبالتالي قتل روح المقاومة والجهاد في نفوسهم ضدّ المحتلين الفرنسيين لأرضهم، المنتهكين لحرماتهم ومقدساتهم.

عرفت الجزائر مع ﻧﻬاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ميلاد نمط ثقافي جديدٍ متمثّلٍ في فئة الطلبة الجزائريين، بحسب التقسيم الاجتماعي السائد وقتئذٍ توجد شريحتان بين صفوف الطلبة، طلبة النخبة المفرنسة التي سعفها الحظ بمزاولة الدراسة النظاميّة في المدارس الابتدائيّة والإعداديّة، أو المعاهد العليا والجامعات الأوروبيّة خاصّة منها الفرنسية. ومن نتائج السياسة التعليميّة الفرنسيّة إنتاج جيلًا مواليًا لسياستها وأقلّ ارتباطًا بالفكرة الوطنيّة الجزائريّة[40]. وقد أصبح هذا الجيل من الجزائريين يمثّل مدرسة الدمج الثقافيّة وفق إيديولوجيّةٍ استعماريّةٍ رافضةٍ لمقوّمات الشخصيّة الوطنيّة المتمثّلة في اللغة العربيّة والدين الإسلامي. أمّا الفئة الثانية فتمثّل عامة الشعب الجزائري التي كان نصيبها من التعليم بين جدران الزوايا والكتاتيب القرآنيّة والمدارس الحرّة[41].
خلق التباين التكويني الفكري والأيديولوجية لهذه الشريحتين تيارين، أولهما هو التيار الطلابي الذي تشبع بالمبادئ الغربيّة، وتعلّم اللغة الفرنسيّة، وتأثر بمبادئ الثورة الفرنسيّة [42]، وثانيهما يمثّله التيار الطلابي المحافظ الذي ﻧﻬل من العلوم الدينيّة وتشبّع بالمبادئ الإسلاميّة، وتربى على الحضارة العربيّة، ولذلك فلا غرابة من أن نجد أن الانتماء الفكري ينعكس أساسًا على التنظيمات الطلابيّة التي عرفتها الجزائر في ﻧﻬاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين مع مطلع النهضة الجزائريّة وبداية العمل السياسي المنظم.

يعدّ المكوّن الفكري والإيديولوجي للتنظيمات الطلابيّة أحد أهمّ المكونات الثقافة السياسيّة المطروحة في الحركة الوطنيّة والثورة الجزائريّة؛ إذ حملت الحركة الطلابيّة في مسيرتها حملًا ثقيلًا في إعادة إحياء البعد الحضاري للشعب الجزائري على الرغم من الاختلاف في مشارب تنظيماتها[43]، وعلى الرغم من مراهنات المدرسة الفرنسيّة وطروحاتها في تكوين جيلٍ جديدٍ فرانكفوني متشبّعٍ بالمبادئ اللائكية، يعمل على خدمة السياسية الاستعماريّة[44]، والعمل على عدم نشر الثقافة الفرنسيّة على نطاقٍ واسعٍ بين جميع الجزائريين؛ لأنّها كانت تعتقد أنّ ذلك يمثّل خطرًا عليها؛ لهذا أُجبر الجزائريين على التخلّي عن ثقافتهم الخاصّة، ومنعوا في الوقت ذاته من الالتحاق على قدم المساواة مع الأوروبيين بثقافة الدولة الاستعماريّة. على الرغم من هذا فإنّها لم تستطع اختراق التواصل القِيمي الذي كان ينقله الأجداد والإباء للأبناء والأحفاد، وكانت ثقافته الذاتيّة محصنةً في وجه كلّ ثقافةٍ مفروضة.

بدا التفاعل الطلابي مع الانفتاح السياسي النسبي خاصّة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وانتشار الأفكار التحرريّة وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، فظهرت عدة تنظيماتٍ طلابيّةٍ وسط الجامعة الفرنسيّة (في الجزائر أو فرنسا)، وكانت قريبةً نوعًا ما من تفكيرها وتوجهاﺗﻬا مع خطّ المدرسة الفرنسيّة، ومتأثرةً بالحضارة الغربيّة، ولو أنّ العديد من هؤلاء الطلبة تطوّروا تطوّرًا إيجابيًا تجاه القضية الجزائريّة بتطور الأحداث المحليّة والعالمية. وتمكّنوا من التموقع في مركز التأثير الاجتماعي، وتزايد نشاطهم في كلّ الوسائل والوسائط المتاحة (الصحافة، الأحزاب، المؤتمرات، الملتقيات، التجمعات....). وعملية تفعيل دورهم في الساحة السياسيّة، من خلال سلسلة من المؤتمرات ــ خاصّة بعد الاحتفالات الفرنسيّة بمرور مائة سنة على احتلال الجزائر ــ التي كانت تصبّ في الدفاع عن الشخصيّة العربيّة الإسلاميّة، والإسهام في تكوين وعي وطني يعيد للجزائر كيانها واستقلالها[45].

الخاتمة
مكّنتنا هذه الدراسة من استخلاص مجموعةٍ من النتائج يمكن حصرها في النقاط الآتية:
أعطت الأصول والمنطلقات التاريخيّة الأولى التي بُني عليها المجتمع الجزائري للجزائر وجهها المتميز والحضاري، وزادها تميّزًا انتماؤها للعالم العربي والإسلامي.
العداء الاستعماري الصليبي للمكوّن الثقافي للشعب الجزائري من خلال مختلف الحقب التاريخيّة، ترجمته فرنسا الاستعماريّة باستخدامها للرموز النخبويّة الدينيّة والفكريّة والسياسيّة والعسكريّة في سبيل محاربة الثقافة الجزائريّة، والقضاء على الشخصيّة والهويّة الجزائريّة من جهة، وصنع كيانٍ فرنسي مكان الجزائري من جهةٍ أخرى.
تأثير السياسيّة الاستعماريّة الفرنسيّة كوسط سوسيو ثقافي على الشرائح الاجتماعيّة الجزائريّة؛ ممّا أدّى إلى تكوين أنماطٍ ثقافيّةٍ متضاربةٍ ذات بؤرٍ ونزاعاتٍ أحدثت انقسامًا وشرخًا خطرًا في صفوف المجتمع الجزائري.

أسهم ظهور النخبة الجزائريّة مع نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين - رغم اختلاف في مشارب تنظيماتها - في ميلاد نمطٍ ثقافي جديدٍ أعاد إحياء البعد الحضاري للشعب الجزائري.
يتبين من خلال الدراسة أنّ المكون الفكري والإيديولوجي للنخب الجزائريّة يعد أحد أهمّ المكونات الثقافة السياسيّة المطروحة في الحركة الوطنيّة والثورة الجزائريّة. ورغم التفاوت والاختلاف في التوجّه الإيديولوجي بين رواد المدرسة الفرنسيّة ذات التوجه اللائيكي، والنخبة ذات التكوين الإسلامي والعربي، لم يكن هناك شرخٌ كبيرٌ بين النخبتين - رغم معيار التكوين المختلف- مرد ذلك إلى الإرث الحضاري المتأصّل وإلى الظاهرة الاستعماريّة السائدة. وهذا ما يؤكده التحاق كلّ الأطياف السياسيّة بالثورة التحريريّة.

رغم كلّ الأفعال المنافية للمبادئ القانونيّة والأخلاقيّة، الممارسة في حقّ الجزائريين ثقافيًّا، والسعي إلى إدماجه مدنيًّا وسياسيًّا... إلا أنّ تمسّك المجتمع الجزائري بكيانه المدني، اللغوي، والديني... كان يعكس بحق مدى تعلّقه بتراثه وانتمائه الثقافي العربي الإسلامي. فنشأ جيلٌ كاملٌ من الجزائريين في القرى والأرياف والمدن الجزائريّة الكبرى، تربّى في حضن قيمه الوطنيّة والحضاريّة كما تمسّك بأصالته العربيّة الإسلاميّة. فأعطى بذلك نفسًا وروحًا جديدين للتعليم العربي في الجزائر. وإحياء جذوة الإيمان والعقيدة في نفوس وقلوب الجزائريين، كما رفض الإدماج وكلّ صور التبعيّة. فالنخبة المثقّفة المعـرّبة بالأساس هي التي اضطلعت بمهمة حماية كيان وهوية المجتمع والأمة، والذود عن الكرامة والمقدسات. فهيّأت بعملها ذاك الظروف الملائمة لعمليّة التحرير الوطني عبر توفير شروط ميلاد جيل نوفمبر، الذي فجّر الثورة في وجه العدو الفرنسي.
قدرة قادة الثورة التحريريّة في التأثير على باقي النخب الجزائريّة التي تبنت فكرة الكفاح المسلّح، وآمنت بها، وعملت على الدفاع عنها، إذ كان من سهل استمالة النخبة الجزائريّة ذات التكوين الفرنسي التي لم تتلقَ تعليمًا آخر سوى التعليم الاستعماري؛ لأنّ متّكأ غالبيتهم كان صلبًا لا يلين ولا يتأثر غالبًا بغير الثقافة التي تغذّوا بها وهم في المهد؛ أي داخل الأسرة ومن البيئة الاجتماعيّة لطفولتهم الأولى. هذا ما أكّده فرحات عباس في كتابه ليل الاستعمار، - وهو واحد من هذه النخبة الجزائرية المفرنسة - حين قال: « ثقافتنا لم تفصلنا عن شعبنا، بل بقي فكرنا دائمًا عالقًا به». فقضوا بذلك على أحلام الاستعمار الفرنسي وأوهامه.

قائمة المصادر والمراجع
أكيلال، محمد أحسن، (التنصير في منطقة القبائل)، البصائر، العدد 360، ديسمبر، الجزائر، 2013.
الأشرف، مصطفى، الجزائر الأمة والمجتمع، ترجمه: حنفي بن عيسى، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984.
آيت أحمد، حسين، مذكرات مقاتل، روح الاستقلال (1942-1952)، ترجمة: سعيد جعفر، منشورات البرزخ،الجزائر، 2002.
محمد بلقاسم حسن، بهلول، القطاع التقلیدي في الزراعة الجزائرية، مكتبة الوطنیة، 1985.
بن طيب، جلول، مسألة الهويّة في أدبيات الحركة الوطنيّة الجزائرية (1919-1954) ، مذكرة ماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر، جامعة سيدي بلعباس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، معهد التاريخ، الجزائر، 2009/2010.
البوعبدلي، المهدي، (نبذة تاريخيّة عن ولاية تيزي وزو)، الملتقى السابع للتعرّف على الفكر الإسلامي، منشورات وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينيّة، مج 5، تيزي وزو، 1993.
بوعزيز، يحي، مع تاريخ الجزائر في الملتقيات الوطنيّة والدوليّة، الجزائر، 1999.
بوعزيز، يحي، سياسة التسلط الاستعماري والحركة الوطنية الجزائرية 1830-1954، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1985.
بوعزيز، يحيى، الثورة في الولاية الثالثة 1954-1962، ط2، دار الأمة، الجزائر، 2010 .
تركي رابح، عمامرة، التعليم القومي والشخصية الجزائرية (1931-1956)، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، الجزائر، 1981.
توران، ايفون، المواجهات الثقافية في الجزائر المستعمرة (المدارس والممارسات الطبية والدّين 1830-1880)، ترجمة: محمد عبد الكريم أوزغلة، مراجعة وإشراف: مصطفى ماضي، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2005
جديد، صالح، «الانتليجانسيا الشابة والزمن نحو التحرر»، جريدة رسالة الأطلس، عدد 235، الموافق ل 5إلى 11 أفريل 1999.
جغلول، عبد القادر، الاستعمار و الصراعات الثقافية في الجزائر، ترجمة: سليم قطوس، ط 1، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1984.
قنان، جمال، نصوص ووثائق في تاریخ الجزائر الحدیث (1500-1830)، دار هومة، الجزائر، ط1، 1995.
حربي، محمد، جبهة التحرير الأسطورة والواقع (1954-1962)، ترجمة: كيمل داغر، ط1، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1983.
زبير، محمد، «دور الثقافة في بناء المغرب الكبير»، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربيّة، العدد 97، بيروت، 1985.
زکریا، جودی، البيان الفرنسي الموجه للسكان الجزائرية عشية الاحتلال 1830.
سعد الله، أبو القاسم، أبحـاث و آراء فی تاریخ الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1988.
سعد الله، أبو القاسم، أفكار جامحة، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1988.
سعد الله، أبو القاسم، الحركة الوطنية 1900-1930، دار الغرب الاسلامي،بيروت لبنان، 1992.
عباس، فرحات، حـرب الجـزائر وثورتـها (ليـل الإستعمار)، ترجمة: أبو بكر رحال، الجزائر، منشورات anep، 2005.
عبد الخالق عبد الله، التبعية والتبعية السياسية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1986
عبد الرحمن، عبد الله محمد، علم الاجتماع السياسي (النشأة التطورية والاتجاهات الحديثة والمعاصرة)، دار النهضة العربية، بيروت، (بدون تاريخ).
بلحسن، عمار، «المشروعية والتوترات الثقافية حول الدول العربية والثقافة في الجزائر»، المستقبل العربي، مركز الدراسات الوحدة العربية، العدد 141، بيروت، 1990.
قنانش، محمد، المواقف السياسية بين الاصلاح والوطنية في فجر النهضة الحديثة، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1980
لومبار، موريس، الإسلام في عظمته الأولى (من القرن الثامن حتى القرن الحادي عشر ميلادي)، ترجمة: ياسين الحافظ، ط 1، دار الطليعة، بيروت، 1977.
ماكسيمينو، فلاديمير، (الانتلجانسيا المغاربية) المثقّفون أفكار ونزاعات، ترجمة: عبد العزيز جوباكيير، دار الحكمة، دار النهضة، الجزائر، 1994.
مريوش، أحمد، «القضايا الوطنية في اهتمامات الإنتالجانسيا الجزائرية ما بين 1876/1927، النخبة المزدوجة الثقافة نموذجا»، مجلة دولية المؤرخ، عدد2، اتّحاد المؤرّخين الجزائريين 2002.
مريوش، احمد، الحركة الطلابيّة الجزائرية ودورها في القضيّة الوطنيّة وثورة التحرير، دار مبدعون للاعلام و النشر ; تاريخ النشر: 2022.
الزرق، مغنية، نشوء الطبقات في الجزائر، تر: سمير كرم، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1980
إبراهيم، مهديد، انتخابات الأهالي بوهران 1919-1939،رسالة الدراسات المعمقة، قسم التاريخ، وهران، 1979.
جغلول، عبد القادر، النصوص الأساسية لثورة أول نوفمبر 1954، (2008)، نداء أول نوفمبر، مؤتمر الصومام، مؤتمر طرابلس، تصدير: عبد العزيز بوتفليقة، الجزائر، منشورات المؤسسة الوطنية للاتصال النشر والاشهار.
هلال، عمار، أبحـاث و دراسات في تاريخ الجـزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1995.
مقران، يسلي، الحركة الدينية والإصلاحية في منطقة القبائل 1920، ماجسيتير، قسم الفلسفة، جامعة الجزائر،1991 .
Rober Ageron, Charles, Histoire de l’Algérie contemporaine (1871 – 1954), Tome II, PUF,1979 .
Rober Ageron, Charles, “L’Emir Khaled fut-il le premier nationaliste algérien ?”, In politiques coloniales au Maghreb, P.U.F, (1973).
Baurnard (M), Le cardinal Lavigerie,tome 1, Paris: Librairie CH. Poussielgue, 1896 .
Chérif, Benhabyles, l›Algérie française vue par un indigène. Alger, 1914.
Bourdien, Pierre, Sociologie de l’Algérie, Paris: presse universitaire, 1980.
Talidoros, George A, Arabo Islamique et la naissance du nationalisme Algérien (1830-1962), Alger: Ed : entreprise du livre, 1985.
Lachraf Abdelkader, Mustapha, Histoire: Culture et Société, ANEP, Alger, 2004,
Sahari, Samia, Étude des pratiques et des conduites religieuses chez les convertis au christianisme en Kabylie, mémoire de magister, université mouloud Mammeri, Tizi-Ouzou, 2012.
Vant riet, Simone, Introduction à l’histoire contemporaine : le monde musulman contemporain , Centre pour l›étude des problèmes du monde musulman contemporain, Bruxelles, 1962.
Michalion, Thiery, Des États Contre Leur Société, l’Algérie des cousins, Le monde diplomatique, Paris 16 : novembre 1994.
Vatin, Jean-Claude, L’Algérie politique, histoire et société, Paris : Presses de la fondation nationale des sciences politiques, 1974.
Gauthier, Yves and Joël Kermarec, Naissance et croissance de la république Algérienne démocratique et populaire ,ed Marketing, Paris, 1978.

---------------------------------
[1]. أستاذ محاضر في التاريخ السياسي جامعة سعيدة -الجزائر.
[2]. الأشرف، الجزائر الأمة والمجتمع، 423.
[3]. Talidoros, Arabo Islamique et la naissance du nationalisme Algérien (1830 - 1962), 25.35.
[4]. Lachraf Abdelkader, Histoire: Culture et Société, 45.
[5]. Michalion, Des États Contre Leur Société, l’Algérie des cousins, P1.
[6]. Vatin, L’Algérie politique-histoire et société, 82- 110.
[7]. بن طيب، مسألة الهوية في أدبيات الحركة الوطنية الجزائرية (1919-1954)، 22.
[8]. أبو القاسم، الحركة الوطنية 1900-1930، 61.
[9]. الأشرف،الجزائر الأمة والمجتمع، 418.
[10]. أبو القاسم، الحركة الوطنيّة، 2: 61.
[11]. يعدّ الكاردينال لافيجري شخصيّةً دينيّةً من أبرز رجال الدين المسيحيين، كونها شكّلت لوحدها قطبًا رئيسًا لدفع مسار الإرساليّات التنصيريّة التي عملت على بسط نفوذ التواجد المسيحي توازيًا مع النفوذ العسكري والسياسي الفرنسي بالجزائر. ينظر:
Baurnard (M), Librairie Paussielgue Le cardinal Lavigerie, 6.7.
[12]. مقران، الحركة الدينيّة والإصلاحيّة في منطقة القبائل 1920، 119.
[13]. Sahari, étude des pratiques et des conduites religieuses chez les convertis au christianisme en Kabylie, 37.
[14]. البوعبدلي، نبذة تاريخية عن ولاية تيزي وزو، 2256-2257. وينظر كذلك: بوعزيز، الثورة في الولاية الثالثة 1954-1962، 216.
[15]. أكيلال، «التنصير في منطقة القبائل»، ص4.
[16]. Bourdien, Sociologie de l’Algérie, 62.
[17]. زبير، «دور الثقافة في بناء المغرب الكبير، المستقبل العربي»، 44.
[18]. لومبار، الإسلام في عظمته الأولى ( من القرن الثامن حتى القرن الحادي عشر ميلادي)، 52 -53.
[19]. البوعبدلي، «نبذة تاريخية عن ولاية تيزي وزو»، 262.
[20]. حربي، جبهة التحرير الأسطورة والواقع (1954-1962)، 61-62. ينظر كذلك: آيت أحمد، مذكرات مقاتل، روح الاستقلال (1942-1952)، 196-224.
[21]. Chérif Benhabyles, l›Algérie française vue par un indigène, Alger, 1914. voir aussi: Rober Ageron, Histoire de l›Algérie contemporaine (1871 – 1954), 239.
[22]. Vant riet, Introduction à l’histoire contemporaine, 19.
[23]. Rober Ageron, “L’Emir Khaled fut-il le premier nationaliste algérien?”, 265.
[24]. تركي رابح، التعليم القومي والشخصيّة الجزائريّة (1931-1956)، 232.
[25]. بلحسن، «المشروعية والتوترات الثقافية حول الدول العربية والثقافة في الجزائر»، 62-63.
[26]. يمكن تقسيم المؤسّسات الاجتماعيّة والرسميّة التي تقوم بعمليّة التنشئة الاجتماعيّة والسياسيّة إلى ثلاث مجموعات: الجماعات الأوليّة: وتشمل الأسرة والتنظيمات المحلية مثل النوادي الاجتماعيّة، وترتكز عمليّة التفاعل الاجتماعي(هنا) على أساس المواجهة الشخصيّة والمباشرة. الجماعات الثانويّة: وتشمل على الاتحادات العماليّة والتجمعات المهنيّة، حيث ينغمس عددٌ كبيرٌ من الأفراد في مؤسّساتٍ مشتركة، ولكن تفتقر العلاقات بينهم إلى العنصر الشخصي. جماعات الإحالة: وهي ليست بالضرورة جماعات بالمعنى الدقيق للكلمة. وقد تستخدم جماعات الإحالة (وهي عبارة عن طبقات اجتماعية يستخدمها الفرد لتحديد ذاتيته) لترتيب المكانة الاجتماعيّة. وقد تستند هذه الجماعات على الجنس مثل التمييز بين البيض والسود، وكذلك على العوامل العرقيّة أو الدينيّة. ينظر: عبد الرحمن، علم الاجتماع السياسي (النشأة التطوريّة والاتجاهات الحديثة والمعاصرة)، 452-458.
[27]. جغلول، النصوص الأساسيّة لثورة أول نوفمبر 54 (نداء أول نوفمبر، مؤتمر الصومام، مؤتمر طرابلس)، 11.
[28]. ماكسيمينو، (الانتلجانسيا المغاربيّة) المثقّفون أفكار ونزاعات، 97.
[29]. قنان، نصوص ووثائق في تاريخ الجزائر الحدیث (1500-1830)، 75.
[30]. Gouthier, Kexmas, Naissance et croissance de la république Algérienne démocratique et populaire, 185.
[31]. الزرق، نشوء الطبقات في الجزائر، 67.
[32]. محمد بلقاسم حسن، القطاع التقلیدي في الزراعة الجزائرية، 30.
[33]. Gouthier, Kexmas, Naissance et croissance de la république Algérienne démocratique et populaire, 187.
[34]. بوعزيز، سياسة التسلط الاستعماري والحركة الوطنيّة الجزائريّة 1830-1954، 40.
[35]. مهديد، انتخابات الأهالي بوهران 1919-1939، 29. 68.
[36]. قنانش، المواقف السياسية بين الإصلاح والوطنيّة في فجر النهضة الحديثة، 37.
[37]. توران، المواجهات الثقافية في الجزائر المستعمرة (المدارس والممارسات الطبيّة والدّين 1830-1880)، 126.
[38].سعد الله، أبحـاث و آراء فی تاریخ الجزائر، 1: 265 . ينظر: زکریا، البيان الفرنسي الموجّه للسكان الجزائريّة عشية الاحتلال 1830 ، 277-280.
[39]. هلال، أبحـاث و دراسات في تاريخ الجـزائر، 120-121.
[40]. سعد الله، أفكار جامحة، 66.
[41].جغلول، الاستعمار و الصراعات الثقافيّة في الجزائر، 6.
[42]. مريوش، «القضايا الوطنية في اهتمامات الإنتالجانسيا الجزائرية ما بين 1876/1927، النخبة المزدوجة الثقافة نموذجا»، 225؛ ينظر: مريوش، الحركة الطلابيّة الجزائرية ودورها في القضيّة الوطنيّة وثورة التحرير 1954، 25.
[43]. جديد، «الانتليجانسيا الشابة الزمن نحو التحرر»، جريدة رسالة الأطلس، عدد 235، الموافق ل 5إلى 11 أفريل 1999.
[44]. سعد الله، أفكار جامحة، 66.
[45]. بوعزيز، مع تاريخ الجزائر في الملتقيات الوطنيّة والدوليّة، 347.