البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

خصائص المقاومة الجزائريّة للاستيطان الفرنسي قراءةٌ في تجربة الأمير عبد القادر 1832 - 1847 م

الباحث :  رقيق قادة
اسم المجلة :  الاستعمار
العدد :  3
السنة :  ربيع _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث :  April / 13 / 2025
عدد زيارات البحث :  102
تحميل  ( 518.480 KB )
اتّسمت مقاومة الأمير السيّد عبد القادر الجزائري الحسني بسلسلةٍ من التحدّيات الكبرى؛ فقد حاول جمع القبائل والسكّان المتنوعين في الجزائر تحت رايةٍ واحدةٍ للقتال ضد الاحتلال الاستيطاني الفرنسي، ومع ذلك فإنّ محاولة الدمج هذه قد أعاقتها الانقسامات الداخليّة والتنافس بين القبائل عسكريًّا، كما واجهت قوّات الأمير عدوًا قويًّا ومنظّمًا؛ إذ استفادت القوات الفرنسيّة من التفوّق التكنولوجي والتنظيم العسكري المتقدّم، وهذا الأمر جعل المقاومة تواجه ظروفًا في غاية الصعوبة. بالإضافة إلى ذلك، تأثّرت المقاومة بالتدخّلات الأجنبيّة، ولا سيّما دعم بعض القبائل أو القوى الأجنبيّة للاحتلال الفرنسي، ممّا زاد الوضع تعقيدًا. وعلى الرغم من جهود الأمير عبد القادر لحشد وتنظيم المقاومة، ومجابهة القوات الفرنسيّة فإنّ مجمل المعطيات كانت تشير إلى بداية عهدٍ جديدٍ للاحتلال الفرنسي، ممّا ضاعف من التحدّيات التي أغنت التجربة الثوريّة، ودفعتها إلى الإبتكار، وإبداع المزيد من آليات المقاومة والتحرير.
وعليه فقد أثارت الحقبة التي قادها الأمير عبد القادر العديد من الأسئلة التاريخيّة التي نوردها على وجه الإجمال في ما يأتي: ما هي أبرز التحدّيات التي واجهها الأمير عبد القادر في معركته ضدّ الاحتلال الفرنسي؟ وكيف أثّرت الانقسامات الداخلية والمنافسات العشائرية في المقاومة وفرص نجاحها؟ وما هو دور التدخّلات الأجنبيّة في تطوّر المقاومة؟ وإلى أيّ مدى أثّر التفوّق العسكري للقوات الفرنسيّة على نتيجة المقاومة؟ وأخيرًا ما هي الدروس التي يمكن أنْ نتعلمها من مقاومة الأمير عبد القادر في محاربة الاستعمار وبناء الهوية الوطنيّة؟.

الكلمات المفتاحية:
الأمير عبد القادر – المقاومة – الاحتلال الفرنسي – جهاز الحكم – النفس الطويل – الحرب الخاطفة.

مقدّمة
اتّسمت مقاومة الأمير عبد القادر بسلسلةٍ من التحدّيات الكبرى؛ فقد حاول عبد القادر جمع القبائل والسكّان المتنوّعين في الجزائر تحت رايةٍ واحدةٍ للقتال ضدّ الاحتلال الفرنسي، ومع ذلك فإنّ محاولة الدمج هذه أعاقتها الانقسامات الداخليّة والتنافس بين القبائل عسكريًّا، كما واجهت قوات عبد القادر عدوًّا قويًّا ومنظمًّا من حيث التفوّق التكنولوجي، والتنظيم العسكري المتقدّم، وهذا ممّا جعل مقاومته صعبة، كما تأثّرت المقاومة بالتدخّلات الأجنبيّة، ولا سيّما بعد دعم القبائل والقوى الأجنبيّة للاحتلال ما زاد الوضع تعقيدًا، وعلى الرغم من جهود الأمير عبد القادر لحشد وتنظيم المقاومة، ومجابهة القوات الفرنسية فإنّ كلّ المؤشّرات كانت تشير إلى بداية عهدٍ جديدٍ للاحتلال الفرنسي بالجزائر رغم استمرار المقاومة .

وعليه فإنّ مقاومة الأمير تثير العديد من الأسئلة التاريخيّة: ما هي أبرز التحدّيات التي واجها الأمير في معركته ضدّ الاحتلال الفرنسي؟ وكيف أثّرت الانقسامات الداخليّة والمنافسات العشائريّة على المقاومة وفرص نجاحها؟ وما هو دور التدخّلات الأجنبيّة في تطوّر المقاومة؟ وإلى أيّ مدى أثّر التفوّق العسكري للقوات الفرنسيّة على نتيجة المقاومة؟ ماهي الدروس التي نتعلمها من مقاومة الأمير في قضية محاربة الاستعمار وبناء الهويّة الوطنية؟

التعريف بالموضوع
تُعدّ مقاومة الأمير عبد القادر(1808-1883) إحدى المحطات الأساسيّة في تاريخ الجزائر، ومن أبرز حركات المقاومة والتصدّي للمستعمر الفرنسي (1832-1847)، ولد الأمير في منطقة وادي الحمام بمعسكر ونشأ في بيئةٍ دينيّةٍ وعلميّةٍ أهّلته لصناعة الأحداث بالجزائر؛ فقاد المقاومة ووحّد القبائل، واقام التحالفات، وقاد حرب العصابات، وحقّق انتصاراتٍ سياسيّةً وعسكريةً ساعدته في إقامة دولة جزائريّة، إلّا أنّ ضغوط الجيش الفرنسي، وبمساعدة عملاء الداخل والخارج جعلته يتوقّف عن القتال، لكن تأثيره بقي مستمرًا في بعث الانتفاضات، وتشكيل الهويّة الوطنية، وإلهام حركات التحرّر العالميّة.
ولقد كانت لهذه المقاومة أبعادٌ استثنائيّةٌ في تاريخ الجزائر الحديث، أبرزها ما يأتي:
البعد التاريخي: فمقاومة الأمير عبد القادر تساعد في فهم تاريخ الجزائر خلال فترة الاستعمار، وردود المقاومة الوطنيّة، وتأثيراتها المتلاحقة عربيًّا وإسلاميًّا.

البعد الثقافي والاجتماعي: التعريف بالهويّة، وتعزيز الانتماء الوطني، وتبنّي القيم العربيّة الأصيلة كالتضحية، والشجاعة، والوحدة.
البعد السياسي والعسكري: دراسة الجانب القيادي في الأمير، وتوحيده للقبائل، وبناء مؤسسات الدولة الجزائريّة، وأساليب الحرب السياسيّة والعسكريّة التي واجهت المستعمِر كحرب العصابات.

البعد الدولي: تقديم الأمير رمزًا عالميًّا من رموز المقاومة، وتعامل الدول معه ومع مقاومته، والدعم الذي تلقاه من بعضها.
البعد الأكاديمي: إثراء الدراسات التاريخيّة المتخّصصة حول الاستعمار والمقاومة الوطنيّة، وإبراز معالم شخصيّته أكاديميًّا، وتنمية الوعي الوطني والتاريخي، من دون نسيان العصر الذي نعيش فيه، وتطبيق سيرته ومقاومته، والاستفادة من تجربته ونضاله في السياقات الحديثة المعاصرة.

ولفهم العلاقات الفرنسيّة الجزائريّة خلال مرحلة الاستعمار ومقاومته (1830-1847 (ينبغي دراستها في سياقٍ وطنيّ إقليميّ قوميّ للبلدين؛ فإنّ استهداف فرنسا للجزائر يستمدّ قوّته من أهميّة الجزائر الاستراتيجيّة والاقتصاديّة ودورها الريادي في حوض البحر المتوسط؛ وهو ما أقلق أوروبا عامّة، وإسبانيا وفرنسا خاصّة. ولم يكن الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830 سوى خاتمةٍ لسلسلة من مشاريع الغزو الأوربي، في ظلّ تقاعس عثماني تركي، فضلًا عن تهالك العصبيّات المحليّة والإقليميّة؛ ممّا جعل الأمير يقود المقاومة لمدة 15 سنة مستعملًا كلّ مؤهّلاته السياسيّة والعسكريّة، وتحرير الأرض من قبضة الاستعمار.
لقيت الجزائر اهتمامًا استعماريًّا من قبل فرنسا في القرن التاسع عشر، فأدى ذلك إلى نشوب صراعٍ طويلٍ ومعقدٍ بين الشعب الجزائري والمستعمِر الفرنسي. كانت الجزائر قبل الاحتلال تتكون من عدّة إماراتٍ وقبائل مستقلة، ممّا جعل مهمة توحيد المقاومة ضدّ الاحتلال تحدّيًا كبيرًا.

المحور الأول: الوضع في الجزائر قبل الاستعمار الفرنسي
أ. المستوى السياسي:
سيطرت على الحكم في الجزائر فئتان؛ فئة الرياس، وهي القوة السياسيّة الأولى والأكثر تأثيرًا، فأنّ أغلب البايلربايات كانت منها، وهي التي اختارت البحر المتوسّط عامّة والمدن الساحلية خاصة ميدانًا لحياتها، ومصدرًا لرزقها[2]، والفئة الثانية من حيث السطوة والقوة اليولداش، وهي قوات الجيش البري المستاءة أساسًا من فئة الرياس، المتحكّمة في دواليب السلطة[3]، التي كانت لا تشعر بالانتماء إلى الجزائر، والشيء المهم بالنسبة لها السيطرة على البلاد والتنكيل بكلّ من يقف في طريقهم، إلى أنْ استطاع الداي علي خوجة إزاحتهم عن سدّة الحكم والبلاد عام 1817[4]، وقد مرّ الحكم التركي بالجزائر بأربع مراحل: البايلر البايات (1518-1588)، والباشوات (1588-1659)، والأغوات (1659-1671)، والدايات (1671-1830)[5]، وتُعدّ فترة الدايات من أهمّ الفترات بسبب الإستقلال الكلي عن الخلافة العثمانيّة، وتسيير الشؤون الداخليّة والخارجيّة للبلاد؛ حيث كان الداي يمارس شبه سلطة مطلقة، ويطلق عليه سلطان الجزائر[6].
يوصف عصر الديات بأنّه عصر القوّة وسيطرة العسكر على مناحي الحياة، فالحاكم هو الذي يختار وزراءه ومجلس دولته بما يخدم رؤاه السياسيّة وطموحاته العسكريّة، وبما تمليه عليه مصالح السياسة التي تحرّرت كليّةً في هذا العهد من قبضة السلطان العثماني في الباب العالي، وأصبحت الطاعة اسمية فقط، وارتباطها من باب الولاء الإسلامي للحاكم، وهو ما حرص عليه حكام الدايات في الجزائر الذين استبعدوا السكّان الأصليين للجزائر في تعاملهم، وبقيت العناصر الجزائريّة الأصل على الهامش، ولم تكن لها مشاركةٌ حقيقيّةٌ في قيادة البلاد [7].

كما قسّمت الجزائر من حيث الجانب الإداري إلى أربع بايلكات: دار السلطان وتشمل العاصمة وضواحيها، وبالقرب منه بإيلك التيطري(المدية)، وبإيلك الشرق قسنطينة وضواحيها، وبإيلك الغرب وقد استقر مركزه بوهران بعد انتقاله من مازونة ثم معسكر.

ب. المستوى الإداري: جهاز الحكم
الوالي العام: وهو أعلى سلطة في البلاد، تتمّ تسميته من طرف السّلطان العثماني.

أولًا/ الديوان[8]: وهو قسمان:
1-الديوان الخاص:
ويضمّ الخز ناجي: وهو المكلّف بإدارة أموال الخزينة للأمّة.
-خوجة الخيل: يشرف على أملاك الدّولة وجمع الضّرائب من البايليكات ومستلزمات البايات والقضاة.
-الآغا: قائد الجيش الإنكشاري، والخيّالة المتطوّعين.
-وكيل الخرج: مسؤول الشؤون البحريّة والخارجيّة.
-البيت المالجي: يقوم بتسجيل العقود والمواريث وأموال الأوقاف والحبوس.

2- الديوان العام: يضمُّ كلًّا من
كبار ضبّاط الإنكشاريّة، والقاضيينِ والمفتيينِ، وحاشية الداي، والكتّاب المساعدين للبيت المالجي.

ثانيًا/ الباي: يعيّن على مستوى البايلك ويكون مسؤولًا عنها.
ثالثًا/ القائد: يشرف على وحدةٍ اداريّةٍ صغيرةٍ، ويكون مسؤولًا عن الأمن وجمع الضرائب، ويكون من الأتراك أو الكراغلة.
رابعًا: شيخ العرب: يمثّل سكان الدواوير[9]، ويتولّى شؤونهم[10].

وكانت هذه الأقاليم تعاني من حكم الإقطاع، وظلم الحكّام والجهل والتخلّف العلمي، وكانت القلاقل هي ميزة هذا العهد، حيث تحكّمت الطبقة العسكريّة في السلطة، وعمت الفتن، وكثرت الاغتيالات السياسية والعسكريّة[11]، فقلّما يموت حاكمٌ على فراشه، ومن حسن الحظ أنّ الاضطرابات كانت تقتصر على القَصْرِ، ولا تمتدّ إلى عامة البلاد[12]. ناهيك عن إثقال كاهل المواطنين بالضرائب والغرامات المختلفة؛ فقابل ذلك السكّان بحركات التمرّد في عديد من المدن كالبليدة، والحضنة، ويسر، والنمامشة، فضلًا عن مشاركة رجال الزوايا في إثارة الفوضى والاضطرابات[13].
كان لكلّ إقليمٍ إدارته أو نظامه الخاصّ، الذي هو شبيه إلى حدٍّ كبيرٍ بالسلطة المركزيّة في العاصمة، وكانت القبيلة عنصره المحوري والوحدة الإدارية الخاضعة لشيخ القبيلة، والذي بدوره يخضع لحكم سلطة حاكمٍ تركيّ أو كرغلي، والقبائل أنواع: «فهناك القبائل النائية التي لا تصلها يد السلطة، وهناك القبائل ذات الاستقلال الذاتي التي تدفع ضريبة الخضوع، وهناك قبائل الرعية، وهذه أيضًا أنواع: فمنها الخاضعة خضوعًا جزئيًّا، ومنها الخاضعة خضوعًا تامًّا (وتسمّى قبائل العازل أو العبيد). وأخيرًا هناك قبائل المخزن، وهي المتحالفة مع السلطة المركزية، وتمدّها بالمال والرجال عند قيامها بحملاتٍ عسكريةٍ، سواء داخليًّا أو خارجيًّا، وليس هناك حالةٌ قارةٌ لجميع هذه القبائل»[14].

كان عصر الدايات من أصعب العصور؛ لأنّه من جهة تم فيه التحكّم في الفوضى التي كانت تطبع المدن الداخلية، فضلًا عن الفتن التي أتت على الأخضر واليابس، وسالت فيه دماءٌ كثيرةٌ، كثورة ابن الأحرش (1805- 1806) بقسنطينة، وهي امتدادٌ لثورة عبد القادر بن الشريف الدرقاوي بالغرب الجزائري (1805)[15]، ومحاولة الدولة العثمانية التدخل رغم الاستقلال الكليّ عن عاصمة الخلافة.
ولم تكن الأوضاع الخارجية بمنأى عن الأوضاع الداخليّة، فقد كانت العلاقات الجزائريّة التونسيّة محلّ مدٍ وجزر، وهذا بحكم نظرة كلّ طرفٍ إلى الآخر؛ فالجزائر حرّرت تونس من قبضة الأسبان، وكان البايلر باي في الجزائر من له حقّ تعيين الباشوات في تونس، بينما كانت تونس ترى في نفسها منطقةً مستقلةً تابعةً للدولة العثمانيّة، بل كانت تسعى لضم قسنطينة، أمّا المغرب الأقصى فكان يرى في الجزائر خطرًا، بحكم رفضه للانضمام إلى الدولة العثمانيّة، بل كانت له أطماعٌ في الوصول إلى تلمسان، ولعلّ بايلك الغرب كان له وضعه الخاص، بحكم التنافس الشديد عليه من القوى الأوربيّة. ولذلك اتّخذت السلطة التركية به صبغةً حربيةً نظرًا لتوتر العلاقات بين الأتراك والمغاربة، وانتفاضات درقاوه وبقاء الأسبان بوهران حتى 1792 [16].
كما أقامت الجزائر علاقاتٍ ودّيةً مع عديد الدول الأوربيّة كفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والدانمارك، وإسبانيا، والبرتغال، وهذا بدافع تكسير التحالفات الأوربية ضدّها، خاصة أن أروبا كانت تتطلع إلى ربط شرق أروبا (إيطاليا) بغربها (إسبانيا والبرتغال)؛ لذلك فإنّ المركزية السياسيّة الجزائريّة التركيّة، مثّلت جبهة ردعٍ قويّة أرعبت القوى البحريّة قاطبة، وجعلتها تتداول حول مهاجمة سواحل الجزائر كلّها، فالولايات المتحدة وقتها كانت تدفع ما يساوي قيمة لويزيانا ضرائب حمايةً لسفنها عند عبورها البحر الأبيض المتوسّط، وهذا الصراع هو الذي سيتحوّل فيما بعد إلى فكر جيو استراتيجي إنجليزي أمريكي عرف بسلطة البحر كمذهب جيو سياسي Sea ) Power)[17]؛ لذلك استطاعت الجزائر أنْ تقيم مجموعةً من المعاهدات السلميّة والتجاريّة ظهرت في مجموعة من التحالفات، وتم تداول اسم الجزائر عدة مرات، كما هي الحال في مؤتمر فيينا 1815م، ومؤتمر إكس لا شابيل 1815م، وتم استهداف الجزائر عبر حملاتٍ مختلفةٍ، كحملة اللورد إكسماوث 1916 م، ومشاركة الأسطول الجزائري في معركة نفارين 1827 أثناء حرب اليونان.

ج: المستوى الإجتماعي:
تحكّم في الحياة الاجتماعيّة بالجزائر في أواخر العهد العثماني عاملان أساسيّان: الخدمات المقدَّمة، والامتيازات المحصّلة لصالح المدن على حساب جماعات الريف[18]. وتـأتي الطائفة التركيّة في مقدمة هذا التنظيم الاجتماعي، والمقدّر عددها بعشرين ألف نسمةٍ وخاصّة طائفة الانكشارية التي كانت تتمتع بامتيازاتٍ خاصّةٍ، والذين اختاروا العيش على رواتبهم العسكريّة، كما كان لبعضهم متاجر للأقمشة والمجوهرات كما امتلكوا العديد من المنازل الريفيّة في محيط الجزائر[19]، وعمومًا فإنّ النسيج الاجتماعي تمثّل بما يأتي:

سكّان الحضر (المدينة): وهم العثمانيّون، والكراغلة، والأندلسيّون، والرعايا الأجانب من اليهود والمسيحيين، الذين كانوا يمثّلون الفئة المتحكّمة في مقاليد السلطة والنفوذ، ويتمركز أغلبهم في المدن الساحليّة.

سكّان البدو (الريف): أغلبهم من السكّان الأصليين للجزائر، من العرب والأمازيغ، الذين كانوا يتوزّعون في الأرياف والمدن الداخليّة، وكانت قبائل المخزن تمثّل حلقة وصلٍ بينها وبين السلطة في البايلك[20].

د: المستوى الثقافي والتربوي:
على الصعيد التعليمي التربوي حرصت الدولة الجزائريّة على نشر التعليم عبر مناطقها كافة، بعد أنْ كان منحصرًا في الحواضر الكبرى (تلمسان، بجاية، وقسنطينة)، وعلى مجانيّته معتمدة في تمويله على مصدرين هما: الخزينة العامة، والأوقاف المحبوسة للمؤسسات التعليميّة. وتمثّلت مؤسّساته في الكُتّاب، والمسجد، والزوايا، والمدارس، والمعاهد، وقد اتّخذ التعليم اسم (المسيد) في المدينة، واسم (الشريعة) في الريف[21]، وقُسِّم التعليم وقتئذٍ إلى مرحلتين هما:

المرحلة الأولى: التي يشرف فيها كلٌّ من الكُتّاب والمسجد على تلقين القراءة، والكتابة، وحفظ القرآن، ومبادئ الحساب لمدة أربع سنوات، ليتّجه بعدها الطالب إلى تعلّم حرفةٍ وغيرها[22].
المرحلة الثانية: تستقبلهم المدرسة والزوايا (الثانوية والعالية) بتلقين العلوم الشرعيّة والعلوم الإنسانيّة من تاريخٍ، ولغةٍ، وفلسفةٍ وغيرها. فلا يوجد فاصلٌ بينها وبين المعاهد الإسلاميّة الكبرى (القرويين، الزيتونة، والأزهر)[23].

أمّا على صعيد الفنون فقد تأثّر المجتمع الجزائري بروافد حضاريّةٍ متنوّعة، ممّا أسهم في تطوّر وتنوّع ألوان وأشكال الفنون بالجزائر:
-الفن المعماري: شمل المساجد كمسجد العين البيضاء بمعسكر، والزوايا، والمساكن العامة، والثكنات، والدور، والقلاع، والجسور، والقصور، وغيرها. طغى عليها الطابع المعماري الزياني والأندلسي، التي حفلت بالتفنن في الأشكال الهندسيّة والحدائق، بالإضافة إلى القلاع والمساجد[24].

-الرسم: كان يعتمد بالأساس على الخطّ والكتابة اللذين جعلهما فنّانو الجزائر إحدى الوسائل المسموحة في التعبير الجمالي. ومن أمثلة هذا الفن نجد الأبواب، والنوافذ، وصناديق الملابس، والخزائن وغيرها[25].
-الموسيقى والغناء: اختلفت وجهات النظر حول المسألة، خاصّة ما أورده الونشريسي في معياره[26]، لذلك تم التعاطي معه بحذر وإنْ اباحه جماعة مثل: أبي مدين الغوث، وأبي الحسن الشاذلي. وقد تنوّعت الموسيقى من تركيةٍ، وأندلسيةٍ، وبدويةٍ، وتناولت موضوع التاريخ الإسلامي والمناسبات الاجتماعيّة كحفلات الزواج والمولد النبوي الشريف، كما كانت خلال تولي الباشا الجديد الحكم، وأيضًا حفلات بمناسبة الانتصار على الأعداء[27].

هـ: المستوى الاقتصادي:
تمثّلت أوجه النشاط الاقتصادي الجزائري في ما يلي:
الزراعة: التي ميّزت غالبيّة المجتمع الريفي بوصفها النشاط الأصلي للسكّان، وعُدّت الجزائر في هذه المرحلة من أهمّ الدول المتوسّطية إنتاجًا للحبوب (غريس، وهران، ومجانة، وقسنطينة) خاصّة القمح، والخضر، والفواكه، كما كانت الممول الرئيس لأوروبا في السلم والحرب[28].
الصناعة: نالت اهتمامًا من طرف الجزائريين من خلال الإمكانات المتاحة، والخبرة الموروثة التي جسّدت في الصناعات النسيجيّة، والجلديّة، والغذائيّة بدرجةٍ عالية، إضافة إلى الصناعة الحربيّة والحديديّة[29].
التجارة: شكّلت التجارة الخارجيّة أهمّ نشاطٍ اقتصاديّ لارتباطها بالأسطول البحري وظروف الدولة، وتميّزت بتعدّد العلاقات (أوروبا الغربية، وشرق المتوسط، وجنوب الصحراء)، وكانت تحتكرها الدولة وبعض الشركات، خاصّة الفرنسيّة والجالية اليهوديّة التي حصلت على امتيازاتٍ تجارية. أمّا التجارة الداخليّة، فزاولها السكّان في شكل أسواقٍ أسبوعيّةٍ، وقوافل تجاريّةٍ تجوب أعماق الصحراء[30].

المحور الثاني: بداية الاستعمار الفرنسي للجزائر
بدأ الاحتلال الفرنسي للجزائر في عام 1830م، عندما احتلت القوات الفرنسيّة مدينة الجزائر العاصمة، وبدأت بالتمدّد في بقية أنحاء البلاد. كان هذا الاحتلال جزءًا من الطموحات الفرنسيّة لتوسيع إمبراطوريتهم، وتأمين مصالحهم في البحر الأبيض المتوسّط. فرنسا أرادت تحويل الجزائر إلى مستعمرة، ونشر الثقافة الفرنسيّة واللغة في المنطقة [31] .

ظاهريّا تبدو حادثة المروحة يوم 29 أفريل 1829[32] الفيصلَ في تأزيم العلاقات بين الجزائر وفرنسا؛ لأنّ فرنسا كانت تخطط لاحتلال الجزائر والاستيلاء عليها منذ 1792 [33]. أي بعد سنة من إبعاد إسبانيا وتصفية قواعدها العسكريّة في المرسى الكبير بوهران، ولعلّ في تصريح وزير الحربيّة بتاريخ 14 أكتوبر 1827حين قال: «لعلّه مع الوقت سيكون من حظنا أنْ نمدّنهم وذلك بجعلهم مسيحيين»[34]، ما يشير إلى أهداف فرنسا البعيدة المدى، لقد وجدت قوى الكنيسة الغربيّة في المدّ الاستراتيجي للرأسماليّة المنتشرة، فرصةً سانحةً لتجديد تمدّدها وامتدادها في فضاء كانت تعدّه فضاء أجدادها، ومرتع أفكارها، و موقع انهيارها سياسيًّا ودينيًّا، فإنّ الكنيسة - وعكس المقاصد الإسلامية - أرادت أنْ تصنع حضارةً بالدين، وليس حضارة للدين[35].

الاحتلال الفرنسي لم يكن مجرد احتلال عسكري، بل شمل أيضًا محاولات لإعادة هيكلة المجتمع الجزائري، وتغيير أنماط الحياة التقليديّة. الفرنسيون سعوا إلى فرض قوانينهم ونظمهم الإداريّة على السكّان المحلّيين، وهو ما أدّى إلى اندلاع مقاومةٍ شرسةٍ من جانب الجزائريين الذين رفضوا الهيمنة الأجنبيّة والتدخّل في شؤونهم الداخليّة[36].
ولكن ماهي الأسباب الحقيقيّة التي ساعدت الاستعمار على الاحتلال؟ لقد حاولت الكتابات التي كانت تقودها المؤسّسة الرسميّة الفرنسيّة وحتى بعض البحوث التاريخيّة الجزائريّة - وإنْ كان من منظورٍ مغاير- تصوير الاحتلال على أنّه عملٌ احتلاليّ طبيعي، ومن هذا المنظور تم تغييب المقصد الجيواستراتيجي وامتداداته الصليبية[37]، ومن الأسباب الحقيقيّة التي عجّلت باحتلال الجزائر الوضع السياسي؛ فقد كانت الإمبراطوريّة العثمانيّة على وشك الانهيار، وكانت طائفة رياس البحر تابعةً لها ممّا سيسهل مهمّة الدول الأوربيّة في الاستيلاء عليها، فقد كانت خزينة الجزائر المقدرة بمائة وخمسين مليون[38] فرنك حاضرةً في أذهان السلطة الفرنسيّة بقيادة الملك شارل العاشر قائد الحملة الصليبيّة الذي كانْ يسعى إلى صرف الأنظار الفرنسية على مختلف توجهاتها عن الأزمات التي كانت تعصف بفرنسا داخليًّا، وبمباركة الإعلام الرسمي الذي كان سبّاقًا في إقناع الفرنسيين بالحملة المقدسة ضد الجزائر، وما أضفاه من أكاذيب مضللة، وصل صداها إلى الدول الأوربيّة الكبرى، وفي مقدّمتها بريطانيا التي كانت تطالب بتفسيراتٍ مقنعةٍ لعمليّةٍ الاحتلال، وانطلاقًا من معارضتها الأبديّة لأي مشروعٍ احتلاليّ لا تستشار فيه، وانطلاقًا من حرصها ألّا يتفوق نفوذ دولةٍ ما على نفوذها في الدولة العثمانيّة، معارضة بذلك تقسيم ممتلكات الدولة العثمانيّة وهي حجر الزاوية في سياسة بريطانيا الخارجيّة[39]، ومنها فترة الفراغ الذي مر به الجيش الفرنسي بعد الحروب النابليونيّة[40] ما جعل فرنسا في تعاونٍ وثيقٍ مع روسيا العدو التقليدي للعثمانيين، وتسهيل وصولها إلى البحر المتوسّط بمساعدة بروسيا في انتظار لحظة انهيارالإمبراطوريّة العثمانيّة وتقاسم ممتلكاتها، بل وإعادة تنظيم أوربا، مستغلةً التأثير البروسي، للتمركز في ميناء الجزائر عسكريًّا [41]. قام الضابط بوتان بتحضير مشروع استعماري يرمي الى إقامة محمياتٍ فرنسيّةٍ في شمال أفريقيا ، وهو المشروع الذي سيجد فيه الاحتلال ضالته[42].

وعن الأسباب الاقتصاديّة فيمكن أنْ نشير إلى الحملات التي قادها أعضاء البرلمان الفرنسي والقوانين التي أصدرها الجنرال كلوزيل القاضية بتسليم الأراضي الجزائرية الخصبة للمهاجرين من جنسيات مختلفة، وتجريد السكاّن الأصليين[43]. ويمكن أنْ نضيف هنا التواطؤ اليهودي الفرنسي وبروز شركة بكري وبوشناق واحتكارها للحبوب، وتواطؤها مع فرنسا، ومخادعة حكومة الجزائر[44].

المحور الثالث: بناء الإمبراطوريّة الفرنسيّة في الجزائر
في عام 1830م، استولت القوات الفرنسيّة على مدينة الجزائر العاصمة، وقامت بتوسيع الحدود وسيطرت على بقية البلاد. لتفكيك الهياكل القبليّة والقانونيّة التي كانت تقف بين الجزائر والمغرب. كان هذا الاحتلال جزءًا من مساعي فرنسا لتوسيع إمبراطوريّتها، وضمان مصالحها في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ولتحويل الجزائر إلى مستعمرةٍ فرنسيّة، مع نشر الثقافة واللغة الفرنسيّة في المنطقة، فقد غيّروا أسماء العديد من الأماكن [45]

كانت الرغبة في تصفية الإمبراطوريّة العثمانيّة باستغلال محمد علي[46] لاحتلال طرابلس وتونس، وحتى لا تتدخل بريطانيا، وربط مصر البلد العربي المسلم بالخطط العسكريّة الاستعماريّة الفرنسيّة، والقضاء على ثلاث دولٍ عربيّة[47]؛ لقد انهار التحالف الجيوسياسي والجيو ديني بين مركزيّة الخلافة التركيّة والقوى الطرقيّة الجزائريّة، الذي امتدّت فعّاليّته زهاء ثلاثة قرون، نتيجة عملٍ اختراقي خططت له القوى الاقتصادّية اليهوديّة والمسيحية الغربية[48] لقد كونت فرنسا إمبراطوريتها من مصادرات الأرض التي خضعت للعبة الحرب وتلاعب القانون؛ فقد خضعت فرنسا وغيرها من دول أوربا إلى الهة السوق دون أن تغضب الكنيسة، حيث تمت مصادرة أراضي موظفي السلطة التركية وأعيانها وكأنها غنيمة حرب امتدت إلى أراضي الحرمين وهي وقف جزائري وحولت الجزائر إلى مزرعة، فموجة النهب وعمليات الغصب ونهم امتلاك أموال الغير كانت مخرجا اجتماعيا وسياسيا للضغط[49] لقد ربطت السلطة الاستعمارية الجزائر بفرنسا بإصدار نص ملكي 22 جويلية 1834 الذي ينص على أن المناطق الأفريقية هي مناطق فرنسية وحتى جيش الاحتلال سمي بالجيش الإفريقي[50].

لقد كان للأمير عبد القادر الجزائري دورٌ رائدٌ في تاريخ المقاومة والتحرير، ولعلّ الجانب التاريخي الأبرز في هذا الدور هو الخصائص المميّزة التي أضفتها شخصيّته الاستثنائيّة في مواجهة الفرنسيّين. ويمكن لنا في هذا السياق أنْ نشير إلى الخصائص الآتية:
أولًا: لم يمض وقتٌ طويلٌ حتى شنّت فرنسا حملة اعتداء على الجزائر، وسادت فوضى عارمةٌ داخل البلاد بعد استسلام الداي، خاصّة في إقليم وهران الذي كان يشهد حالةً غير عاديةٍ، حيث اجتمع العلماء والأعيان وقرروا اسناد الأمر إلى والد الأمير عبد القادر الشيخ سيدي محيي الدين، الذي قاد المقاومة عام1830م، ضدّ الغزو الفرنسي للجزائر، فبايعته القبائل عام1832م على الحكم وقيادة المقاومة. فاعتذر ورشّح لهم عبد القادر الذي كان في الرابعة والعشرين من العمر، فبايعته القبائل بالإجماع في الثالث من رجب عام (1248هـ 1822م)[51] قاد الأمير عبد القادر المقاومة مدة 15 سنة، واضطرت القوات الفرنسيّة للتكيف مع حرب العصابات التي فرضها الأمير، مع تسجيل عدّة معارك فاصلة لصالح الأمير كمعركة المقطع (معسكر) جوان1835 والسكاك (تلمسان) جويلية 1837وايسلي رغم الفارق بين القوتين الفرنسية (108,000)، ما يعني ثلث الجيش الفرنسي مقابل (50,000)، ونحج الأمير في تعبئة الجماهير وكسب ولائها، بل رفعته معاهدة ديميشيل لسنة 1834إلى مقام السلطان المستقل، وأوصلت معاهدة تافنة 1837 سلطته إلى مشارف سطيف[52]، بحلول 1839 استطاع الأمير تكوين إمارة على النمط العصري بمختلف مؤسّساتها المدنيّة والعسكريّة عاصمتها معسكر، وقسم الدولة إلى ثماني (08) مقاطعات يرأسها خليفة للأمير، وهي: تلمسان (محمد البوحميدي الولهاصي)، ومعسكر (محمد بن فريحة المهاجي ثم مصطفى بن أحمد التهامي)، ومليانة (محي الدين بن علال القليعي ثم محمد بن علال)، والتيطري (مصطفى بن محي الدين ثم محمد البركاني)، ومجانة (محمد بن عبد السلام المقراني ثم محمد الخروبي) بسكرة (فرحات بن سعيد ثم الحسين بن عزوز)، وبرج حمزة (أحمد بن سالم الديسي)، والمنطقة الغربية من الصحراء (قدور بن عبد الباقي).

كما سكّ العملة، ووضع قوانين، وحدّد أهداف قيام إمارته، كنشر الأمن وتأديب الخونة العصاة، وتوحيد القبائل حول مبدأ الجهاد ومقاومة الفرنسيين بكلّ الوسائل؛ وهو ما دفع الفرنسيين إلى الاعتراف بالجزائر دولةً، وبعبد القادر أميرًا عليها[53]. لقد اعتمد الأمير عبد القادر في صياغة مشروع حضاري تجاوز الواقع الذي فرضته التحوّلات التاريخيّة والسياسيّة والعسكريّة، وما انجر عنه من انعكاساتٍ فككت بنية النسيج الاجتماعي، والأعيان القبليّة، والسيادات الطرقية، وما تبقى من مؤسّسات تركية، بل ترجع أصوله إلى رسم معالم مرجعيّته السلطانيّة، وهذا الإقرار الفعلي هو بمنزلة إعادة النظر في المنظومة السلطانيّة الإسلاميّة كلّها، وليس في الجزائر وحدها ومن هذا المنطلق فإنّ المشروع، يعيد للدولة الجزائريّة أصولها الحقيقيّة ومنابعها الفلسفيّة؛ وهو ما لم تستوعبه لا الكيانات القبليّة وأعيانها، ولا سلطان المغرب عبد الرحمن، بل يعكس شراسة القتال بينه وبين الجيوش الفرنسيّة التي عملت المستحيل من أجل تجريد الأمير من إنجازاته السياسيّة التي كانت مصدر قوّته ومسند عمله[54].

ثانيًا: الأمير عبد القادر وخصائص مقاومته للاحتلال الفرنسي
جاء في مذكرات فرنال[55] أحد الجنود الذين شاركوا في غزو الجزائر: «استمر الحصار المفروض على الجزائر لعدّة سنوات، لم يسفر عن أيّ نتائج، وكلّف وزارة الخزانة تسعة ملايين سنويًّا... كان الداي يتحدّى فرنسا وكانت الإهانة التي لحقت بالسفينة البرلمانيّة تتطلّب انتقامًا سريعًا»[56]. ثم يضيف: «إنّه ينبغي للمرء أنْ يعدّ نفسه محظوظًا لشراء السلام معهم بأيّ ثمن»[57] ويقول: «فقط في سطاوالي تدخلون أفريقيا حقًّا»، وفي موضعٍ آخر يقف متعجبًا من قوّة الجزائريين قائلًا: «بدأنا نفهم ارتباط العرب ببلدهم؛ لأنّه لا شيء في أروبا يمكن مقارنته بالإحساس المبهج الذي يختبره المرء في هذا المكان الساحر»[58]، ثم يظهر حقده وروحه الصليبيّة فيقول: «كان الفرح في الجيش، الجزائر العاصمة هذه المدينة المنيعة هذا السور الإسلامي الجزائر المدينة المقدسة بين المؤمنين المدينة الطاهرة وفي غضون ساعات قليلة سيحلّ علم فرنسا النبيل محلّ المعيار الإسلامي»[59] .
كانت هذه بعض المقتطفات من كتاب الحملة الأفريقّية، التي حاول فيها صاحب الحملة الأفريقيّة أنْ يرسل رسائل من خلال العنوان فقط، وكما أشار إليه علنًا داخل صفحات هذا الكتاب التي استشهدنا به، إذ من خلال هذه النصوص ومن مثيلاتها في كلّ ما كتبه مؤرّخو الحملة خاصّة من الفرنسيين[60] الذين حاولوا تزييف التاريخ، وفي غضون أيام تحوّلت الحملة إلى احتلال، وتحوّل تأديب الداي حسين باشا إلى تأديب شعب، ونُقلت الحرب من الجزائر العاصمة إلى مختلف أنحاء القطر شرقًا وغربًا وجنوبًا[61]. في غرب البلاد ظهر الأمير عبد القادر الذي لم يكن قد تجاوز الثانية والعشرين ربيعًا سنة 1830حيث شارك في مواجهة فرنسا تحت قيادة والده محيي الدين، وأبلى بلاءً حسنًا في المعركة [62]. وبعد مبايعته أميرًا على البلاد أجبر فرنسا على التعامل معه بإمضاء معاهدة سلامٍ (26 فيفري 1834)، والاعتراف بدولته وسط الجزائر وغربها. لكن سرعان ما نقضت فرنسا هذه المعاهدة خاصّة بعد استدعاء ديم شال (يناير 1835) إلى باريس، وعدم اعتراف فرنسا بشروطها؛ ما جعل الأمير يحتكر تصدير الحبوب، كما انهزم الأمير في واقعة السكاك (1836)؛ بسب تعاون مصطفى بن إسماعيل، بالمقابل فشلت فرنسا في احتلال قسنطينة 1836 ما أجبرها على الاعتراف بدولة الأمير مرةً أخرى، ولكن دون المدن الساحليّة بمعاهدة تافنة (20 ماي 1837)[63]. كما سقطت بعض المناطق كمعسكر ومليانة، وتلاها سقوط مدن وقلاع تباعًا، ومن أهمّها عاصمته المتنقلة الزمالة (11نوفمبر 1842). كما تمت مطاردة الأمير عبد القادر إلى المغرب الأقصى، وتم ضرب الأسطول الفرنسي في طنجة وموقادور(15 أوت 1855)؛ مما سيثقل كاهل المغرب ويضطر سلطانه إلى طرد الأمير، والوقوف موقفًا حياديًّا، كما قامت فرنسا بتهجير الجزائريين كعلي بن عيسى وأحمد بن حملاوي، وحسين بن عزوز كما استمالت فرنسا بعض الشخصيّات[64]، والقبائل والطرق الصوفيّة في حربها ضدّ الأمير بمن فيهم ممّن كانوا مع الأمير، وخدموا القضيّة الوطنيّة، وتعاملت معهم على حذر؛ خوفًا من انقلابهم عليها [65]، كما قام بوجو الذي يوصف كواحدٍ من أعظم مهندسي الإبادة الجماعيّة في الجزائر، زيادةً عن التهجير والنفي والإغراء، واحتجاز الرهائن والتجويع وإقامة المحتشدات بارتكاب القتل الجماعي والمجازر البشعة، كمجزرة أولاد رياح بغار الفراشيش بالقرب من ناحية الظهرة جنوب تنس( يونيو1845)، بقيادة بيليسسيه، حيث تمت محاصرة الغار الذي تحصنت به القبيلة بالنيران والدخان حتى فجر اليوم الثاني حيث وقع انفجار في قلب الغار، وكان ذلك إعلانًا باختناق ما يزيد عن ألف شخصٍ بالنيران وتحيطه الذئاب الجائعة[66].

ثالثًا: استراتيجية الصمود والمقاومة
استعملت فرنسا كلّ الوسائل المختلفة من أجل القضاء على الأمير عبد القادر ومشروعه الحضاري ومن ورائه المجتمع الجزائري برمته، بل كان هدف الاستعمار الفرنسي خلق مجتمعٍ غريبٍ عن هذه الأرض بكلّ أبعاده الثقافيّة والحضاريّة والتاريخيّة والسياسيّة والدينيّة، لكن الأمير استطاع مواجهة ذلك، وقلب الموازين لصالحه، وتغيير معادلة الصراع. لقد كانت الاستراتيجيّة العسكريّة للأمير عبد القادر الجزائري، التي اعتمدت على حرب العصابات، واحدةً من أعظم عوامل نجاحه في مواجهة القوة الاستعمارية الفرنسيّة، التي كانت تفوق قواته عددًا وعتادًا. فهم عبد القادر من البداية أنّ جيشه، الذي كان أقلّ عددًا وتجهيزًا من الجيش الفرنسي، لن يتمكّن من الصمود في معارك تقليديّة؛ لذا، لجأ إلى تكتيكات حرب العصابات والحرب الخاطفة، معتمدًا على المرونة والتكيّف مع ظروف المعركة، بالإضافة إلى المعرفة الجيّدة بالبيئة الطبيعيّة والجغرافيّة للجزائر.

رابعًا: الحرب الخاطفة وسرعة التحرّك
الحرب الخاطفة هي استراتيجيّة عسكريّة تهدف إلى الحفاظ على التفوّق التكتيكي من خلال المناورة المستمرة؛ لإرهاق العدو واستنزاف قدراته من دون الدخول في مواجهاتٍ مباشرةٍ طويلة الأمد. الأمير عبد القادر أدرك أنّ الجيش الفرنسي كان مدعومًا بقدراتٍ لوجستيّةٍ كبيرةٍ وقوةٍ ناريّةٍ هائلة، لكنّه أيضًا كان يفتقر إلى المعرفة الكافية بالتضاريس الجزائريّة الوعرة وصعوبة التنقل فيها؛ لذلك، قرّر الأمير نقل المعركة إلى مناطق يصعب على الفرنسيين السيطرة عليها، مثل الجبال والوديان والصحاري. وقد مكّنته هذه الاستراتيجيّة من الحفاظ على مبادرة القتال بيده، حيث كان يهاجم في الوقت والمكان الذي يختاره هو، ويختفي قبل أنْ يتمكّن العدو من رد الفعل بفعاليّة. وهو ما جعل المار يشال بيجو يصرح أمام مجلس النواب قائلًا: «هل تعلمون أين تكمن قوته؟ إنّها تكمن في استحالة العثور عليه، إنّها في المكان الرحب الواسع، وفي حرارة شمس أفريقيا، وفي عدم توفّر المياه، إنّها تكمن في حياة الترحال ــ إنْ صحّ التعبيرــ للسكّان العرب، ذلكم هو سرّ قوته[67]». وكما صرّح في موطنٍ أخر:« لقد ظلّت الحرب مستعرةً ستة أعوام، ويمكن أنْ نتساءل عمّن يستحق مزيدًا من الإعجاب، أهم جنودي المقدامون الذين لا ينال منهم التعب؟ أم الرجل الذي يقف في وجه جيش قوامه (106.000) رجل بأقلّ من (2000) فارس ( 10.000) محارب؟ فينزلق بين كتائبنا، ويضرب القبائل في مؤخراتنا، وأجنحتنا، ويفلت بين أيدينا في الوقت الذي يخيّل إلينا بالذات أنّه يكفي أنْ نمدّ أيدينا للقبض عليه، ويرهق جيوشنا، بمناوشاته التي لا تنتهي، ويلجأ على الدوام إلى خطةٍ لا تقهر تتمثّل في تشتيت صفوفنا، والنيل منها بالإرهاق والنار معًا»[68].

خامسًا: حرب العصابات
حرب العصابات هي التكتيك الذي يعتمده المقاتلون غير النظاميين في مواجهة جيوشٍ نظاميّةٍ أقوى منهم عددًا وعتادًا. قام عبد القادر بتنظيم قوّاته بطريقةٍ تختلف عن الجيوش التقليديّة؛ حيث قسّم قواته إلى وحداتٍ صغيرةٍ ومتفرقةٍ قادرةٍ على التحرّك بسرعة، وتنفيذ هجماتٍ مباغتة، ثم الانسحاب بسرعةٍ قبل أنْ يتمكّن العدو من الرد. هذه الوحدات لم تكن فقط قتالية، بل كانت أيضًا لوجستيّةً واستطلاعيّة، ممّا سمح له بالحصول على المعلومات الدقيقة عن تحرّكات الجيش الفرنسي، وبالتالي تخطيط هجماته بشكل أكثر فعاليّة. من أمثلة هذا التكتيك نجاحه في معركة المقطع الشهيرة في عام 1835، إذ تمكّنت قوّاته من إلحاق هزيمةٍ كبيرةٍ بالجيش الفرنسي، وها هو روسي ينقل لنا الحال التي وصلت إليها القوات الفرنسية: « لم يعد هناك شيءٌ يشبه فرقةً منظمةً، يبدو أنّ الضبّاط والجنود مصابون بالجنون»[69]. من خلال هجماتٍ خاطفةٍ ومنسّقةٍ على القوات الفرنسيّة المتقدّمة. استخدم عبد القادر التضاريس الصعبة لصالحه، ممّا جعل من المستحيل على الفرنسيين استخدام مدافعهم الثقيلة بشكلٍ فعّال، وبالتالي فقدوا أحد أعظم نقاط تفوّقهم.

سادسًا: التنقل والاستخبارات
أحد العوامل الحاسمة في نجاح حرب العصابات هو القدرة على التنقل السريع وجمع المعلومات. فالأمير عبد القادر كان يدرك تمامًا أنّ المعلومات هي نصف المعركة؛ ولذلك أقام شبكةً واسعةً من الجواسيس والمخبرين الذين كانوا يزودونه بمعلوماتٍ دقيقةٍ عن تحرّكات القوات الفرنسيّة، وأوضاعهم اللوجستيّة[70]، ونقاط ضعفهم. فقد استطاع البوحميدي تتبع أثار تريزيل العدوانيّة، وعسكر بوادي تليلات لعدّة شهور، كما كان رجاله بالمرصاد لتتبع أثار مونتيناك، وكفيناك، وبارال، وأرسلوا أطفالًا صغارًا لبيع طيور الدجاج، ثم السؤال إنْ كان بحوزتهم مدافع[71]، كما استخدم شبكة طرقٍ سريّةٍ، وأنفاقٍ تربط بين المناطق الجبليّة، ممّا مكّنه من التحرّك بسرعةٍ بين مختلف المناطق، ونقل قواته وإمداداته بشكلٍ فعّالٍ دون أنْ تتمكن القوات الفرنسيّة من تعقّبهم بسهولة. وبلغت قوّة وجرأة المقاومة أنْ هاجم زورق حربي، كان في شرشال سفينةً فرنسيّةً تجاريّةً، فاستولى عليها، واحتجز محتوياتها[72].

سابعًا: النفس الطويل
كانت تقوم استراتيجيّة عبد القادر على إطالة أمد الحرب؛ لأنّه أدرك أنّ الفرنسيين يعتمدون على الحملات العسكريّة القصيرة والحاسمة لإنهاء حركات التمرّد بسرعة. ولكنّه كان يعرف أنّ الجيش الفرنسي سيواجه صعوبةً في المحافظة على إمداداته وحفظ معنويّات قواته إذا استمرّت الحرب لمدّةٍ طويلة؛ لذا، تبنّى استراتيجيّة النفس الطويل، معتمدًا على تكتيكات الإغارة المتكرّرة، والهجمات المفاجئة، ثم التراجع إلى مواقع آمنةٍ في المناطق النائية التي يعرفها هو وقواته جيدًا. هذه الاستراتيجيّة كانت تهدف إلى إنهاك الجيش الفرنسي، وتقويض قدرته على تحقيق نصرٍ سريع، ممّا أدّى في نهاية المطاف إلى فرض تكاليف باهظة على الفرنسيين في الأرواح والعتاد. لقد شيّد من الغرب إلى الشرق سبدو لحماية تلمسان، وسعيدة وتاكدمت للدفاع عن معسكر، وتازة للتحكم في منطقة الجزائر العاصمة، وبوغار على الحد بين التل والصحراء وبسكرة في الجنوب[73].

إنّ الاستراتيجية التي اعتمدها الأمير عبد القادر كانت فعّالةً للغاية في بداية المقاومة، وتمكّنت من إيقاف التقدّم الفرنسي لعدّة سنوات. ومع ذلك، ومع تطوّر قدرات الجيش الفرنسي واستيعابهم لتكتيكات عبد القادر، أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا. الفرنسيون بدأوا في تنفيذ استراتيجيّاتٍ مضادّة، مثل تكثيف الحصار على المناطق التي كانت تحت سيطرته، واستخدام سياسة الأرض المحروقة، ممّا أدى في نهاية المطاف إلى تآكل قدرة الأمير عبد القادر على المقاومة.

وعلى الرغم من النهاية الصعبة لمقاومة عبد القادر، فإنّ تكتيكاته الحربيّة ظلّت مرجعًا للكثير من حركات التحرّر الوطنيّة في العالم، وأثبتت أنّ القتال غير المتكافئ يمكن أنْ يحقق النجاح إذا ما تمّ تنفيذه بذكاءٍ واستراتيجيّةٍ مدروسة.

نتائج المقاومة
تعدّ مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري ضدّ الاستعمار الفرنسي أحد أبرز الفصول في تاريخ الجزائر الحديث؛ إذ تركت تأثيراتٍ عميقةً ومتعددة الجوانب، سواء على الصعيد العسكري أم السياسي أم الاجتماعي والثقافي.

النجاحات العسكريّة والتكتيكيّة
كانت من أبرز نتائج مقاومة الأمير عبد القادر تحقيقه نجاحاتٍ عسكريّة مهمّة من خلال تكتيكاته في حرب العصابات وحرب الحركة. فبالاعتماد على المعرفة الجيّدة بالجغرافيا الجزائريّة، استطاع عبد القادر إيقاف تقدّم القوات الفرنسيّة لعدّة سنوات، ممّا أوقعها في العديد من الهزائم المدوّية، مثل معركة المقطع عام 1835، حيث تمكّن من استغلال التضاريس لصالحه، والتفوّق على القوات الفرنسيّة المتفوّقة عددًا وعتادًا. هذه النجاحات أكسبت الأمير عبد القادر شهرةً كبيرةً واحترامًا عالميًّا، حتى لدى أعدائه.

التأثيرات السياسيّة
على الصعيد السياسي، كانت مقاومة الأمير عبد القادر تعبيرًا قويًا عن رفض الشعب الجزائري للحكم الاستعماري الفرنسي. لم يكن عبد القادر مجرد قائدٍ عسكري فحسب؛ بل كان زعيمًا سياسيًّا ودينيًّا، استطاع توحيد القبائل الجزائريّة المختلفة تحت قيادته، متجاوزًا الفوارق القبليّة والجغرافيّة. من خلال مفاوضاته مع الفرنسيين، مثلما حدث في معاهدة تافنة عام 1837، إذ تمكّن عبد القادر من تحقيق اعترافٍ جزئي بالسيادة الجزائريّة على مناطق واسعة، وهو إنجازٌ سياسيّ كبيرٌ في ظلّ ظروف الاحتلال.

التحوّلات الاجتماعيّة والثقافيّة
لم تقتصر مقاومة الأمير عبد القادر على الجانب العسكري، بل امتدت لتشمل الجوانب الاجتماعيّة والثقافيّة. سعى عبد القادر إلى الحفاظ على الهويّة الإسلاميّة والوطنيّة للشعب الجزائري في مواجهة محاولات الفرنسة والتغريب من قبل الاستعمار الفرنسي. كان يدعم التعليم الديني ويؤسّس نظامًا إداريًّا يحترم التقاليد الإسلاميّة، ممّا ساعد في تقوية الروابط الاجتماعيّة بين الجزائريين وزيادة الوعي الوطني، هذه الجهود أسهمت بشكلٍ كبيرٍ في الحفاظ على الهويّة الثقافيّة الجزائريّة في مواجهة محاولات الاستيعاب الثقافي من قبل المستعمِر.

الاستنزاف الاقتصادي والعسكري للفرنسيين
كانت أحد النتائج المهمة لمقاومة الأمير عبد القادر هي الاستنزاف الاقتصادي والعسكري للفرنسيّين؛ فقد أدّت الحملات العسكريّة الفرنسيّة ضدّ عبد القادر إلى استنزاف موارد فرنسا بشكلٍ كبير، ممّا أثقل كاهلها الاقتصادي ودفع الحكومة الفرنسيّة إلى إعادة النظر في استراتيجيّاتها الاستعماريّة. الحرب الطويلة والمرهقة كلّفت فرنسا كثيرًا من الأموال والأرواح، وكانت سببًا في حدوث تغييراتٍ سياسيّةٍ داخل فرنسا نفسها، حيث بدأت بعض الأصوات تطالب بإنهاء الحرب، وفتح قنوات جديدة للحوار.

الأثر على المقاومة الوطنيّة
كانت مقاومة الأمير عبد القادر مصدر إلهامٍ كبيرٍ لحركات المقاومة الجزائريّة التي تلتها، وصولًا إلى حرب التحرير الجزائريّة في منتصف القرن العشرين. تكتيكات عبد القادر وأساليبه في القيادة تركت أثرًا عميقًا بين الجزائريين؛ إذ ظلت صورته رمزًا للمقاومة والشجاعة، ممّا أثر في الأجيال اللاحقة التي واصلت النضال من أجل الحرية والاستقلال. كما أنّ سياساته في التفاوض والدفاع عن السيادة الوطنيّة والدينيّة شكّلت الأساس للخطاب الوطني الجزائري الذي استمرّ في مواجهة الاستعمار حتى تحقيق الاستقلال.

النهاية الصعبة والنفي
على الرغم من النجاحات الأولية، واجهت مقاومة الأمير عبد القادر تحدّيات متزايدة مع تكثيف الضغط الفرنسي. بحلول عام 1847، ومع تفوق الفرنسيين في العدد والعتاد، واعتمادهم على سياسة الأرض المحروقة، اضطر الأمير عبد القادر للتوقّف بعد مقاومةٍ بطوليّة. وعلى الرغم من ذلك حافظ على كرامته وشرفه، حيث اشترط حماية أتباعه والحفاظ على حياتهم، ممّا عزّز من مكانته كقائدٍ يتمتع بالأخلاق العالية.
هذا التوقّف الذي يسمّيه الفرنسيون استسلامًا لم يكن ليحدث إلّا بعد استنفاد الأمير عبد القادر لكلّ الوسائل، وكان سببًا أدّى إلى نفيه أولًا إلى فرنسا، ثم إلى دمشق، حيث عاش بقية حياته حتى وفاته في عام 1883. وعلى الرغم من النفي، بقي عبد القادر رمزًا للمقاومة والصمود، واستمر تأثيره الروحي والسياسي في الجزائر والعالم العربي بشكل عام.
في الختام يمكن القول إنّ مقاومة الأمير عبد القادر كانت محطّةً مهمّةً في تاريخ النضال الجزائري ضدّ الاستعمار الفرنسي. وعلى الرغم التحدّيات والنهاية الصعبة، فإنّ الإرث الذي تركه عبد القادر في المجالات العسكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة لا يزال حيًّا حتى اليوم. لقد أثبت عبد القادر أنّ المقاومة ليست في ساحات القتال فقط، بل هي أيضًا في الحفاظ على الهويّة والدفاع عن القيم الوطنيّة والدينيّة مهما كانت الظروف.

المصادر والمراجع
هندي، محمد إحسان، تاريخ المؤسسات في الجزائر من العهد العثماني، الحوليات الجزائرية، الناشر العربي للإعلان والنشر والطباعة والتوزيع، دمشق، 1977.
سعيدوني، ناصر الدين، النظام المالي للجزائر في أواخر العهد العثماني (1792 -1830)، المؤسّسة الوطنيّة للكتاب، 1985، ط2، الجزائر.
سعد الله، أبو القاسم، محاضرات في تاريخ الجزائر، المؤسّسة الوطنيّة للنشر والتوزيع، ط3، الجزائر، 1982.
بوعزيز، يحي، الموجز في تاريخ الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعيّة، ط2، الجزائر، 2009.
الراشدي، احمد ابن سحنون، الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني، تح: المهدي بوعبدلي، دار المعرفة الدولية للنشر والتوزيع، ط خ،‌ الجزائر،2013.
سعيدوني، ناصرالدين، ثورة ابن الأحرش بين التمرد المحلي والانتفاضة الشعبية، مجلة الثقافة، السنة الثالثة عشرة، ع 78، محرم، صفر 1404/نوفمبر، ديسمبر 1983.
الطيبي، محمد، الجزائر عشية الغزو الاحتلالي دراسة في البنيات والذهنيات والمآلات، دار ابن النديم للنشر والتوزيع، ط1، الجزائر.
سعيدوني، ناصر الدين، الجزائر منطلقات وآفاق، الجزائر، عالم المعرفة، 2009.
سعيدوني، ناصر الدين، دراسات في العهد العثماني، المؤسسة الوطنية للكتاب،الجزائر، 1984.
شنيتي، عبد الكريم، نظام التعليم في الجزائر تحت الحكم العثماني، دار الأمة،الجزائر، 1992.
مسعودي، العيد، حركة التعليم في الجزائر خلال العهد العثماني، مجلة سيرتا، قسنطينة ع 3، 1980.
سعد الله، أبو القاسم، تاريخ الجزائر الثقافي، دار البصائر الجزائر، ط6، 2009.
الونشريسي، أحمد بن يحيى، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل أفريقية والأندلس والمغرب، تح: أحمد حجي، دارالغرب الإسلامي، 1990م.
الراسي، جورج، الدين والدولة في الجزائر، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2008.
السروجي، محمد محمود، التنافس بين بريطانيا وفرنسا في البحر المتوسط، مجلة المؤرخ العربي، العدد 4، 1977.
سعد الله، أبو القاسم، أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر، عالم المعرفة، 2016.
العقاد، صلاح، المغرب العربي الحديث والمعاصر، المطبعة الأنجلو مصرية،ط6، 1993.
العربي، إسماعيل، المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر، الجزائر، الشركة الوطنية وللنشر والتوزيع، 1982.
ولد النبيه، كريم، كاشرو ذاكرة الأمير والمنظمة الخاصة عام 1949 مقاربة تاريخيّة من خلال وثائق أرشيفيّة جديدة، الجزائر، مخبر تاريخ، المجلة المغاربية للدراسات التاريخيّة والاجتماعيّة، مكتبة الرشاد للطباعة والنشر، مارس،2012.
عبيد، أحمد، التماثل والاختلاف في حركات التحرّر المغاربيّة، ابن النديم للنشر والتوزيع، الجزائر،ط1، 2010.
سعد الله، أبو القاسم، الحركة الوطنيّة الجزائريّة، المؤسّسة الوطنيّة للكتاب، ط3، الجزائر، 1992.
صاري، جيلالي، دور البيئة الطبيعية في استراتيجيّة الأمير عبد القادر، مجلة الثقافة، 1983، رجب، شعبان/ماي، جوان، ع75.
بوعزيز، يحيى، الأمير عبد القادر الجزائري رائد الكفاح الجزائري، دار البصائر للنشر والتوزيع، الجزائر، 2009، طبعة خاصة.
الصلابي، علي محمد، كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الأمير عبد القادر الجزائري، بيروت، الناشر: دار المعرفة، ط2، 2015.
بوحوش، عمار، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962،
المدني، أحمد توفيق، محمد عثمان باشا داي الجزائر1766-1791،
أجيرون، شارل روبر، تاريخ الجزائر المعاصرة
Grammont, H.D. De, Histoire D’Algérie Sous La Domination turque, 1515-1830, Paris -25
Rozet, Claude-Antoine, Voyage dans la Régence d’Alger. T2. Arthus Bertrand. Paris.
Ageron, R, Modern Algeria: A History From 1830 to the Present. Londonc, Hurst Co.publishers.Ltd. 38 King Street.London1991.
Aboun-nasr, Jamil, A History of the Maghrib in the Islamic Period, Cambridge University Press, 1971.
Nettement, Alfred, Histoire de la Conquête d’Alger, Librairie Jacques Lecoffre, 1867
Charles - Andrée, julien, Histoire de L’Algerie contemporaine, Casbah, 2005.
Ruedy, John, Modern Algeria: The Origins and Development of a Nation, 2nd edition, Indiana University Press, 2005.
Fernel, M, Campagne d’Afrique en 1830, Paris Théophile Barrois et Benjamin Duprat. 2edition, 1831.
Paris challamel et Cie Editeurs libraire Algérienne et Coloniale. 1989. N ; Faucon. Livre D’Or de l’Algérie : Achille Fillias. Histoire de La Conquête et de La Colonisation de l’Algérie (1830-1860).Paris Arnauld De Vresse, Libraire-Editeur 1860. Louis Baudicour. Histoire de la Colonisation. Paris Challamel, Libraire-Editeur 1860.
Rousset, Camille، L’Algerie de 1830 a 1840، librairie PlonPlon-Nourrit et Cie,imprimeurs. éditeurs Rue garanciere 3édition،Paris، 1900.


----------------------------
[1]. أكاديمي وباحث في التراث وتحقيق المخطوطات- الجزائر.
[2]. هندي، تاريخ المؤسسات في الجزائر من العهد العثماني، 41- 46.
[3]. كانت كل طائفة تسعى للظفر بالحكم عبر مختلف مراحل الحكم العثماني.
[4]. بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، 64.
[5]. على خلاف معظم المؤرخين يقسم توفيق المدني مراحل الحكم إلى خمسة أدوار: أ-عصر الفتح بابا عروج وخير الدين 1512-1546 دام 34 عاما، ب-حكم الولاة البايلربايات (باي البايات):1546-1587 دام 41 عاما، ت- الباشوات الثلاثين:1587-1659 دام 72عاما، ث- حكم الأغوات 1659-1671 دام 12عاما، ج- حكم الدايات: 1671-1830 دام 160 عاما. (ينظر): المدني، محمد عثمان باشا داي الجزائر1766-1791، 23.
[6]. سعيدوني، النظام المالي للجزائر في أواخر العهد العثماني (1792 -1830)، 25.
[7]. بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، 80.
[8]. هو شبيه بالبرلمان ينظر: سعد الله، أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر، 245.
[9]. الدوار منطقة سكانيّة مبعثرة عادةً ما تتكون من قبيلةٍ أو مجموعة قبائل من السكّان الأصليين.
[10]. لمزيد من التفصيل، ينظر: سعيدوني، النظام المالي للجزائر في أواخر العهد العثماني (1792 -1830)، 27-29، بوعزيز، الموجز في تاريخ الجزائر، 2: 20.
[11]. أشار قرامون إلى أنّ ما بين 1683-1817 وقع قتال رهيب حول العرش (14) مرة ينتهي بإطلاق مدفع الإشارة، ورفع الراية الخضراء فوق القصر:
Grammont, Histoire D’Algérie Sous La Domination turque, 1515-1830, 246.
[12]. سعد الله، محاضرات في تاريخ الجزائر، 25.
[13]. بوعزيز، الموجز في تاريخ الجزائر،2: 36-49.
[14]. سعد الله، محاضرات في تاريخ الجزائر، 52.
[15]. الراشدي، الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني، 42 -48، سعيدوني، «ثورة ابن الأحرش بين التمرد المحلي والانتفاضة الشعبية».
[16]. سعيدوني، النظام المالي للجزائر في أواخر العهد العثماني (1792 -1830)، 29.
[17]. الطيبي، الجزائر عشية الغزو الاحتلالي دراسة في البنيات والذهنيات والمآلات، 176-178.
[18]. سعيدوني، الجزائر منطلقات وآفاق، 176.
[19]. Rozet, Voyage dans la Régence d’Alger, 275 - 276.
[20]. سعيدوني، دراسات في العهد العثماني، 97-98.
[21]. شنيتي، نظام التعليم في الجزائر تحت الحكم العثماني، 112.
[22]. مسعودي، حركة التعليم في الجزائر خلال العهد العثماني، 62.
[23]. أبو القاسم، تاريخ الجزائر الثقافي، 335.
[24]. م. ن، 446- 449.
[25].م. ن، 448- 449.
[26]. الونشريسي، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل أفريقية والأندلس والمغرب، 11: 29.
[27]. سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، 1: 440.
[28]. سعيدوني، النظام المالي للجزائر في أواخر العهد العثماني، 31- 40.
[29]. م. ن، 31-40.
[30]. م. ن، 31- 40.
[31]. Ageron, Modern Algeria: A History From 1830 to the Present, 145- 8.
[32]. حتى بعض المؤرخين أشاروا إلى أنّ الحملة كانت مجرد ذريعةٍ منهم: أجيرون، تاريخ الجزائر المعاصرة، 14.
[33]. تبعتها محاولات أخرى كتلك التي قام بها الجاسوس بوتان الذي أرسله نابليون الأول عام 1803 لكي يدرس دفاعات الجزائر المحروسة. يُنظر: الراسي، الدين والدولة في الجزائر، 35.
[34]. بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، 89.
[35]. الطيبي، لجزائر عشية الغزو الاحتلالي دراسة في البنيات والذهنيات والمآلات، .239
[36]. Aboun-nasr, A History of the Maghrib in the Islamic Period, 293.
[37]. الطيبي، لجزائر عشية الغزو الاحتلالي دراسة في البنيات والذهنيات والمآلات، 238، ينظر:
Nettement, Histoire de la Conquête d’Alger، 4.
[38]. julien, Histoire de L’Algerie contemporaine, 38.
[39]. السروجي، التنافس بين بريطانيا وفرنسا في البحر المتوسط، 21-42.
[40]. سعد الله، أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر، 256-265.
[41]. Julien, Histoire de L’Algerie contemporaine, 33 - 38.
[42]. بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، 92.
[43]. Julien, Histoire de L’Algerie contemporaine, 86,98,101 ,107.
[44]. بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، 94-95.
[45]. Ruedy, Modern Algeria: The Origins and Development of a Nation, 2nd edition, 1 - 11, 44 -45؛‌ Ageron, Modern Algeria: A History From 1830 to the Present. Londonc, 45.
[46]. تم اقتراح محمد علي للتدخل لحل مشكلة الجزائر لمزيد تفصيل، (ينظر): العقاد، المغرب العربي الحديث والمعاصر، 84 وما بعدها.
[47]. العربي، المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر، 14.
[48]. الطيبي، لجزائر عشية الغزو الاحتلالي دراسة في البنيات والذهنيات والمآلات، 176-177.
[49]. م. ن.
[50]. ولد النبيه، كاشرو ذاكرة الأمير والمنظمة الخاصة عام 1949 مقاربة تاريخية من خلال وثائق أرشيفية جديدة، 155-175.
[51]. بوعزيز، الموجز في تاريخ الجزائر، 9-40.
[52]. عبيد، التماثل والاختلاف في حركات التحرر المغاربية، 39.
[53]. بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر من البداية ولغاية 1962، 108.
[54]. الطيبي، لجزائر عشية الغزو الاحتلالي دراسة في البنيات والذهنيات والمآلات، 176،177.
[55]. M. Fernel, Campagne d’Afrique en 1830, Paris Théophile Barrois et Benjamin Duprat. 2edition, 1831.
[56]. Ibid, 1.
[57]. Ibid, 3.
[58]. Ibid, 70 ,71.
[59]. Ibid, 117.
[60]. هناك كتابات تحدثت ومجدت الاحتلال الفرنسي منها الكتاب الذهبي للجزائر لفوكون:
Faucon,. Livre D’Or de l’Algérie;
ويمكن أن نضيف لها مجموعة منها
Fillias, Histoire de La Conquête et de La Colonisation de l’Algérie (1830-1860);. Paris De Vresse, Libraire-Editeur; Baudicour, Histoire de la Colonisation.
[61]. سعد الله، الحركة الوطنية الجزائريّة، 256.
[62]. معركة خنق النطاح الأولى ماي 1804والثانية جوان1832.
[63]. م. ن، 238 ، 239.
[64]. أحمد بن سالم بالأغواط، فرحات بن سعيد، ومصطفى بن اسماعيل.
[65]. من أبرزهم محمد بن عبد السلام المقراني، وابن زعموم، وأحمد بن سالم: (ينظر): سعد الله، الحركة الوطنية الجزائريّة، 1: 238.
[66]. م. ن.
[67]. صاري، دور البيئة الطبيعية في استراتيجية الأمير عبد القادر، ع75، ص107.
[68]. م. ن.
[69]. Rousset, L’Algerie de 1830 a 1840، 1: 301.
[70]. تم إعدام ورياشي المسيردي بعدما اكتشفوا أنه جاسوس للأمير، وقدم قائد السواحليّة معلومات مغلوطة عن الأمير: ينظر: بوعزيز، الأمير عبد القادر رائد الكفاح الجزائري، 176- 177.
[71]. م. ن، 158.
[72]. سعد الله، الحركة الوطنية الجزائريّة، 238 ، 239.
[73]. الصلابي، كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الأمير عبد القادر الجزائري، 315.