الباحث : أ. علي رعد
اسم المجلة : الاستعمار
العدد : 3
السنة : ربيع _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث : April / 13 / 2025
عدد زيارات البحث : 91
في الجزء الثاني من سلسلة (نحن وأزمنة الاستعمار)، يتطرّق الباحثون إلى قضيتَي الاستعمار الجديد والاستعمار المعرفي. تُبيّن القراءة الموجزة بأنّ هناك ارتباطًا وثيقًا بين الاستعمار من جهة، وبين النظام العالميّ الجديد من جهة أخرى، إذ يُعدّ الثاني امتدادًا للأول، ولكن بعناصرٍ جديدة. لقد دخل الاستعمار الجديد والاستعمارالمعرفي على شعوب دول المنطقة بمسميّاتٍ انشائيّةٍ جذّابةٍ بهدف فرض هيمنته على هويّتها وتاريخها وثقافتها واقتصادها. في الماضي كان الاستعمار يعتمد كثيرًا على القوّة الصلدة، أمّا اليوم فقد لجـأ إلى أدوات ضغطٍ جديدةٍ مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وغيرهما من الأدوات التي يمكن أنْ تضع دولًا بأكملها على شفير الانهيار.
لا يقتصر دور الاستعمار اليوم على السيطرة على ثروات الشعوب المُستضعفة وحسب، وإنّما يمتدّ ذلك إلى التدخّل في تشكيل الوعي الإدراكي للشعوب المُستعمرة، وذلك عبر تعزيز سرديّة بناء العالم بفلسفته الماديّة والمعنويّة. لم يترك الاستعمار فرصةً إلاّ وانتهزها بحجة نشر مبادئه وقيمه، فقد وضع تصنيفاتٍ وأحكامًا على أنظمة تسمح له بالتدخّل مثلًا في شؤون الدول الأخرى بحجة نشر الديمقراطيّة والحريّة وحقوق الإنسان.
لم يعد الغرب الاستعماري اليوم بحاجةٍ إلى استخدام كامل قوته العسكريّة، فقد أصبح قادرًا على التأثير في العقول والمعتقدات في العديد من المجتمعات. في الوقت الراهن، ومع توافر أدوات ووسائل أكثر من أيّ وقتٍ مضى، أصبح بإمكان الاستعمار تغيير هويّة المجتمع ومبادئه بشكلٍ أعمق. فمجرد إلقاء نظرةٍ على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أنْ نستنتج مدى تغلغل وتأثير القيم الغربيّة في مجتمعات المنطقة. ومن الأهميّة بمكان ألّا نُغفل عن الدور الكبير الذي لعبه الاستعمار في تعزيز الإمبرياليّة الأكاديميّة، التي تهدف إلى إنشاء نظامٍ تعليميّ ينتج نخبًا من المستعمرات التابعة له سابقًا، بحيث تتماشى مع رؤيته الفكريّة وتوجهاته الثقافيّة.
الكلمات المفتاحية:
الحريّة، الثورة، الاستعمار، الإمبرياليّة، الغرب، الشرق، الكولونياليّة، التاريخ، الهويّة، التعليم، الثقافة، ما بعد الكولونياليّة. عنوان السلسلة: نحن وأزمنة الاستعمار/ نقد المباني المعرفيّة للكولونياليّة وما بعد الكولونياليّة، 4 أجزاء، الطبعة الأولى، بيروت، 2018.
تحرير وتقديم: د. محمود حيدر
عدد الصفحات: 424
الجزء الرابع
الفصل الثالث:الاستعمار الجديد
- الاستعماريّة والاستعماريّة الجديدة: قراءةٌ معاصرةٌ لأطروحات سارتر بشأن الاستعمار
يستعرض كوفي أنكوما[2] من خلال مقاله كتاب جان بول سارتر الذي يحمل عنوان (الاستعماريّة والاستعماريّة الجديدة). بالنسبة إلى سارتر، الحريّة ضرورة، ويبرر العنف بوصفه وسيلةً للحصول عليها والقضاء على الظلم الاجتماعيّ، وانطلاقًا من هذه الفكرة، أيّد سارتر الجزائريين في نضالهم من أجل الحريّة.
- آليات الاستعماريّة الجديدة: النفوذ الفرنسي والبريطاني الحالي في الكاميرون وغانا
تثير ديانا حاج[3] في بحثها موضوع النفوذ الفرنسي والبريطاني في الكاميرون وغانا، إذ تهدف من خلال عملها إلى مناقشة مفهوم الاستعماريّة الجديدة لتقدير وجوده في بلد ما. ويخلص البحث إلى أنّ هناك نوعًا جديدًا من الاستعمار تمارسه فرنسا تجاه الكاميرون على مختلف الأصعدة، بينما تواصل بريطانيا الحفاظ على نفوذها الاقتصادي، بالإضافة إلى سيطرتها المالية المحدودة على غانا. يعكس هذا الاتجاه تنوع العلاقات وخصخصتها، ويعدّ إطارًا مفاهيميًّا معتدلًا.
- الهويّة الوطنيّة للأمة بين التأصيل والهيمنة: مقاربةٌ في استراتيجيّات المواجهة والبناء
إنّ ما يخلص إليه الكاتب السوري نبيل علي صالح[4] في مقاله عن (الهوية الوطنية للأمة بين التأصيل والهيمنة)، «أنّ الهوية المنفتحة على الحياة والعصر، هي هويّة الحضور والإنتاج الرمزي، بينما الهوية الثابتة هي هوية الانغلاق والانقطاع والموت الحضاري. من هنا، لا يمكن أنْ تكون الهويّة حاضرةً وبارزةً وقادرةً على الثبات والمواجهة وممارسة دورٍ نوعيّ، طالما هي باقية في كهوف الماضي».
- طبخة الاستعمار الحديث: من النظام العالمي الجديد إلى العولمة فالحداثة
في هذا المقال، يرى الباحث والكاتب اللبناني محمود بري أنّ هناك علاقةً وثيقةً بين الاستعمار، الذي يُنظر إليه كمفهومٍ قديمٍ من جهة، وبين النظام العالمي الجديد والعولمة والحداثة من جهةٍ أخرى. فقد استجدّ على الاستعمار القديم عناصر جديدة، فأصبح مهيّأً أكثر فأكثر إلى أنْ يتسلل إلى البلد المقصود.
وبالنسبة إلى بري، إنّ العولمة تعني في حقيقتها توحيد العالم داخل قفص مصلحة الدول الأقوى والأغنى. وبما أنّ الدعوة إلى العولمة أتت من الولايات المتّحدة الأميركيّة، فمن البديهي أنْ يكون المقصود هو إرساء النموذج الأميركي. ونتيجة لتداخل العولمة والحداثة، أصبح جزءٌ من العالم الذي يتّجه نحو النموذج الأميركي سوقًا موحّدةً للسلع والخدمات ورؤوس الأموال الأميركيّة. وقد تُرجم ذلك من خلال إزالة الحواجز الجمركيّة وغير الجمركيّة التي تعيق حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال عبر الحدود الوطنيّة، بالإضافة إلى تأسيس منظماتٍ اقتصاديّةٍ دوليّةٍ مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالميّة. وعلى هذا النحو تمّ استغلال العولمة والحداثة لتحقيق أهدافٍ معينة، مع وجود تهديدٍ دائمٍ باستخدام القوّة والترهيب.
ويذكر بري مسألةً ظريفةً حدثت مع أحد قبائل شيوخ الجزائر، عندما أتت الجيوش الفرنسيّة لاحتلال الجزائر. وقد كان آنذاك حكّامٌ ونُخبٌ يتعاملون مع الفرنسيّين ويأتمرون بأمرهم، ويسوقون لفكرة أنّ الفرنسيّين قادمون لإخراج البلاد من الظلمة إلى النور، فردّ عليهم الشيخ: «إذا كان الأمر كما تقولون، فلماذا أحضروا إلى كلّ هذا البارود».
- ظاهرة الاستعمار الجديد: المراوحة بين زمنين
يشير زبير عباس[5] في مقاله (ظاهرة الاستعمار الجديد) بأنّ هدف الاستعمار منذ نشأته هو إزالة الحدود الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والتكنولوجيّة والجغرافيّة لتحريك رأس المال بحريّةٍ ودون قيود. ولتحقيق هذا الهدف، تمّ إنشاء أنظمةٍ تهدف إلى تثبيت الاستعمار الجديد، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والنظام العالمي الجديد والعولمة وغيرها، ويصبّ ذلك كلّه في استغلال واستنزاف الشعوب.
يخلص الكاتب إلى أنّ هدف الاستعمار الأساسي هو تعزيز العالم بالقوة الماديّة والمعنويّة عبر التبادل الفكريّ والتناقل الشعوريّ بين الأفراد والأسر والعائلات والمواطنين والدول؛ وذلك لاستنزاف ثروات الدول الضعيفة وإخضاعها إخضاعًا طويل الأمد. ويشدّد الكاتب على ضرورة إعطاء السرديّات الصحيحة حول الاستعمار بشكلٍ ممنهج، بما يتناسب مع تعليمات الدين الإسلامي.
- دور الحرب الناعمة في مخطّطات الغرب: في استعمار العالم الإسلامي
يستعرض جاسم يونس الحريري[6] في بحثه مخطّطات الغرب في استعمار العالم الإسلاميّ تحت ستار التمدّن ونشر الديمقراطيّة، بيد أنّ الهدف الحقيقي وراء هذه الأفعال هو فرض الهيمنة على هذه الدول. ومن بين هذه الأساليب، تأتي (الحرب الناعمة) التي تُشنّ على الدول الإسلاميّة بهدف تفكيك الهويّة الإسلاميّة، وزعزعة الوحدة الداخليّة، وتعزيز التبعيّة للدول الغربيّة. ويتم ذلك من خلال تفكيك قناعات الجمهور وزرع أفكارٍ وثقافاتٍ جديدة تسعى لجعل شعوب هذه الدول تدور في فلك الدول الغربيّة من دون الحاجة لاستخدام القوة العسكريّة. ويستنتج الحريري، بأنّ الحرب الناعمة التي يشنّها الغرب مستمرةٌ ضدّ العالم الاسلامي والعربي، ويستخدم عدة وسائل أهمّها وسائل التواصل الاجتماعي التي غزت عقول الشباب والشابات وسيطرت عليها إلى حدّ أثّرت على القيم والهويّة العربيّة والإسلاميّة. لذلك يؤكّد الحريري، على تحصين المجتمعات من هذه الهجمات.
- الاستشراق والتبشير: آليات الاستعمار للهيمنة والاستيلاء
يخلص عبد العالي احمامو[7] في مقاله (الاستشراق والتبشير) إلى أنّ الاستعمار استند إلى الاستشراق لدراسة الدول المستهدفة بالاحتلال، حيث قام بجمع المعلومات المتعلّقة بها وتحليل جغرافيّتها، وطبيعة سكّانها وعاداتهم، وأديانهم، بالإضافة إلى تحديد نقاط قوّتهم وضعفهم. ومن خلال ذلك، تمكّن من تشكيل تصوّرٍ شاملٍ عن الدول التي ينوي احتلالها.
الفصل الرابع: الاستعمار المعرفيّ
- المثقَّف المستعمَر وما بعد المستعمَر: في رؤية فرانز فانون وعلي شريعتي وإدوارد سعيد
يستنتج المؤرخ الفرنسي يوسف جيرار[8] في بحثه أنّ التحدّيات الأيديولوجيّة والثقافيّة الملحّة تجعلنا نلجأ إلى أولئك الذين رفضوا الخضوع لأنصار الأيديولوجيا السائدة، إذ تُعدّ أفكارهم فرصةً للتفكّر في المواقف السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، وذلك للانتقال من موقع المراقب الفاعل إلى موقع الشريك. ويؤكد جيرار أنّه يجب أنْ نصنع التاريخ لا أنْ نكون خاضعين له.
- الإمبرياليّة الأكاديميّة: مقترحاتٌ معرفيّةٌ لإنهائها
يستعرض الباحث والمفكّر الأكاديمي ج. ك. راجو[9] موضوع الهيمنة الأكاديميّة في سياق الاستعمار، إذ عمد الاستعمار إلى تغيير نظام التعليم، وعدّه وسيلةً لاحتواء التمرّد وضمان استقرار الحكم المحلّي التابع للغرب. ويشير راجو من خلال بحثه إلى أنّ القوة الصلبة استبدلت بالقوة الناعمة التي أضحت العمود الفقري للإمبرياليّة الغربيّة. وفي السياق نفسه، يَخْلص الكاتب إلى أنّ العلم اليوم يعني الاعتماد على سلطة الغرب؛ لأنّ الحقائق العلميّة تحتاج إلى شهادة هذه السلطة، التي تعدّ المرجع النهائي للاعتراف بها. واللافت أنّ الهدف ليس ضمان الجودة، وإنّما السيطرة على العقول.
- الاستظهار الثقافيّ للاستعمار الاستيطانيّ: دراسة في المسرح الإسرائيليّ
يتطرّق أمين دراوشة[10] من خلال عمله إلى الأدب الإسرائيليّ الذي يقدّم الشخصيّة العربيّة نقيضًا للشخصيّة الإسرائيليّة، وعدوةً للمشروع الصهيوني. وقد سعى كتّاب الأدب الصهيونيّ منذ بداياته إلى تجريد الشخصيّة العربيّة الفلسطينيّة من صفاتها الإنسانيّة، بعدما أدركوا أنّ الفلسطينيّ لن يتخلّى عن أرضه، وسيظلّ عقبةً أمام المشروع الصهيونيّ في محاولته المستمرة للهيمنة على الإنسان والأرض الفلسطينيّة. ويعاني الإسرائيليّ من هاجس الفلسطيني؛ إذ لا يمكنه تعريف هويّته إلّا من خلال المقارنة مع العربي الفلسطينيّ الذي يعيش على أرضه يظلّ هذا الهاجس مؤثّرًا في تشكيل الهويّة الإسرائيليّة، إذ يتغلغل في عقول جميع الإسرائيليّين، ليصبح كابوسًا وجوديًّا حقيقيًّا. ويشير دراوشة إلى أنّ المسرح الإسرائيلي يعاني من تأثير هذا الفلسطيني الذي تعرّض للقتل والسجن والتعذيب، ولم يهرب، بل لا يزال قادرًا على حمل السلاح والدفاع عن أرضه، مذكّرًا إيّاهم بأنّهم لن ينعموا بالأمان ما لم يتم استعادة حقوقه.
- علم الاجتماع الاستعماريّ: التركيز على رهاب الاسلام المعرفيّ
يتناول رامون ڠروسفوڠيل[11] في هذا المقال كيفيّة تشكيل العنصريّة المعرفيّة في النقاشات المعاصرة حول رُهاب الاسلام. وينقسم البحث إلى ثلاثة محاورٍ رئيسةٍ: يستعرض المحور الأول العنصريّة المعرفيّة في السياق العالمي، بينما يركز المحور الثاني على دراسة سياسات الهويّة المتأثّرة بالنزعة الذكوريّة الغربيّة، وردود الفعل الأصوليّة عليها. أمّا المحور الثالث فيتطرّق إلى الإسلاموفوبيا المعرفيّة وعلاقتها بالدراسات الاجتماعيّة ذات الطابع الاستعماريّ.
- إمبرياليّة الفن السابع: مجتمعنا في مرمى هوليوود
يُسلّط الباحث حيدر محمّد الكعبي[12] الضوء على إمبرياليّة هوليوود، وتأثيرها على تشكيل الوعي الجماهيري بما لا يتماشى مع ثقافة وهويّات الشعوب الأخرى، إنّ المعضلة كما يراها الباحث تتمثّل في قوة الإنتاج السينمائي في هوليوود، التي تجعل المحتوى السيّىء مقبولًا لدى الجمهور، وهذا هو جوهر المشكلة؛ إذ لا يقتصر الأمر على الأفلام فقط، بل يعكس سمة الإعلام المعاصر بشكلٍ عام. ويجب أنْ نأخذ في الاعتبار أيضًا انتشار مشاهد الجنس والعنف، التي أصبحت سمةً بارزةً في السينما الأميركيّة. ويخلص الكعبي إلى أنّ هذا التأثير العالمي للسينما الأميركيّة لم يأتِ من فراغ، ولكنّه جاء نتيجةً لاهتمامٍ حقيقيّ بهذه الآلة الإعلاميّة الضخمة، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المنظومة السياسيّة الأساسيّة للكيان الأميركي العام.
ويؤكد الكعبي أنّ أنجح وسيلةٍ لمواجهة هذا الإنتاج الخطير هي استخدام الأسلوب نفسه، أي عرض الحقائق من خلال الأفلام السينمائيّة، بأسلوبٍ جذّابٍ يلفت انتباه مختلف فئات المجتمع. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أهميّة البرامج التلفزيونيّة والندوات والمؤتمرات والمنشورات في توضيح مخاطر أفلام هوليوود، وبيان تأثيرها على الجوانب العَقَديّة والاجتماعيّة.
- في مواجهة التغريب الفكري: مطالعة في أعمال المفكر المصري أنور الجندي
يستعرض عماد عبد الرازّق[13] أعمال المفكّر الاسلامي أنور الجندي الذي كرّس حياته الفكريّة للدفاع عن الاسلام والمسلمين، فقد لعب دورًا مهمًّا في كتاباته في التصدّي للغزو الفكري والاستشراق والتبشير والتغريب. فبدأ يحذّر من الكتب التي امتلأت بالسموم والزيف، فقام بتأليف كتاب أطلق عليه اسم (سموم الاستشراق والمستشرقين في العلوم الإسلامية). يستنتج عبد الرزاق أنّ الجندي قام بتحليلٍ فلسفيٍّ عميقٍ لتحالفات قوى الشر، التي تتجلّى في التغريب والتنصير والاستشراق، التي تلعب دورًا في محاربة الإسلام وتقويضه.
- الاستعمار التطبيعي: آثار الحضارة والثقافة الغربيَّتيْن على أفريقيا
يشير داري آرووُلو[14] في بحثه إلى أنّ الاستعمار وتجارة العبيد والحركة التبشيريّة تمثّل دعائم الحضارة والثقافة الغربيّة في أفريقيا، ووسائل لنشر الإمبرياليّة الثقافية في القارة. وبالنسبة إلى آرووُلو، إنّ الاستعمار هو فرض السيطرة الأجنبيّة على المشهد السياسي المحلّي التقليدي، ممّا يؤدّي إلى إخضاع الشعوب الأفريقيّة للهيمنة الخارجيّة في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك الحضاريّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة والدينيّة.
- التعليم وترسيخ الاحتلال الإنجليزيّ لمصر: 1952-1882
يشير عماد الدين عشماوي[15] في مقاله إلى أنّ ذروة الاستعمار الغربي تجسّدت بإنجلترا وفرنسا، وذلك بعد تلاشي سيطرة الهولنديين والإسبان والبرتغاليين. وقد بدأ الاحتلال الغربي لمجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة نتيجةً لسنواتٍ طويلةٍ من الدراسة والتأمّل التي قام بها المستشرقون والتجّار ورجال الدين المبشّرون. وقد أسفرت هذه الجهود عن تكوين قاعدة معلوماتٍ مهمةٍ لدى أوروبا، التي كانت تتصاعد قوّتها في القرن التاسع عشر، ممّا أتاح لها فرصة الانقضاض على الإمبراطوريّة العثمانيّة التي كانت في طريقها إلى الانهيار، وخاصّة في قلبها مصر. ويخلص عمشاويّ إلى أنّ فهم الظاهرة الاستعماريّة من الجوانب النظريّة والتطبيقيّة، والتركيز على التعليم بوصفه ساحة المعركة الحقيقيّة التي يجب النضال فيها لتحقيق استقلالٍ حقيقيّ لأمتنا، يُعدّان من الأسس الضروريّة لتمكين مجتمعاتنا العربيّة المسلّمة لبناء نظامٍ اجتماعيّ وحكمٍ قويّ، يمنع تكرار الظروف التي أدّت إلى الاحتلال البريطاني؛ لذلك، إنّ هزيمة الإمبريالية الجديدة تبدأ من سلاح التعليم.
- التعليم في عهد الاستعمار وأثره في صناعة النخب: المغرب أنموذجًا
يستخلص طارق الفاطمي[16] من خلال بحثه أنّ الدول المستعمِرة، وعلى رأسها فرنسا، ما تزال تدافع عن فوائد الاستعمار وأهميّته والخدمات التي قدّمها للدول العربيّة المستعمَرة. وما يزال الإرث الفكريّ الفرنسيّ يسيطر على المجتمعات في بلدان المغرب العربيّ، ممّا يمنعها من التفكير خارج هذا الإطار. ومن أبرز نتائج الانغماس في هذا النسق، الذي لم يثبت فعّاليته، هو الارتباك الذي تعاني منه الأنظمة التعليميّة، حيث لم تتمكن من التحرّر من ارتباطها بالنموذج الفرنسي. وما يزال النجاح في الحياة المهنيّة والاجتماعيّة مرتبطًا باللغة الفرنسيّة، ويمكن أنْ نلاحظ ذلك من خلال ما شهده المغرب مؤخّرًا في إصلاح نظامه التعليمي من خلال الرؤية الاستراتيجيّة 2015 - 2030، بالإضافة إلى التدابير ذات الأولويّة التي تضمّنت العودة إلى تدريس الموادّ العلميّة باللغة الفرنسيّة، وهو ما أكّده أيضًا مشروع القانون الإطار حول التربية والتعليم؛ لذلك إنّ الامة بحاجةٍ إلى تعليمٍ يستجيب للجودة العالميّة من جهة، ومتحرّرٍ من الإرث الاستعماري والتبعيّة من جهةٍ أخرى.
- الإمبرياليّة السياحيّة: إخفاقات الحداثة الغربيّة في البلاد العربيّة
في هذا البحث يرى عادل الوشّاني[17] أنّ الغرب الرأسمالي يفرض سيطرته على الدول النامية، بما في ذلك الدول العربيّة، حينما يخضع بنيتها السياحيّة وفقا لمتطلّباته، فإنّه بذلك يضعها تحت سيطرة مصالحه الاقتصاديّة وأولويّاته الربحيّة. لذلك إنّ الربط بين اقتصادات هذه الدول والغرب يؤدّي إلى فرض تبعيّةٍ اقتصاديّةٍ عليها، ممّا يسبب تخلّفًا هيكليًّا في اقتصاداتها، يُشبه التخلّف الذي نتج عن الاقتصاد الثنائي الذي أوجدته الاستعمار في تلك الدول[18]. كما يستنتج الوشاني، أنّ الغرب يسعى إلى إخضاع هذه الدول لمنطق تلبية الحاجات النفسيّة لمواطنيه ورغباتهم، والاستجابة لمختلف توقّعاتهم العاطفيّة.
الجزء الثالث من سلسلة (نحن وأزمنة الاستعمار)
يتناول الجزء الثالث من سلسلة (نحن وأزمنة الاستعمار) موضوع التجارب الاستعماريّة، إذ يناقش الفصل الخامس من هذا الجزء إشكاليّة هذه التجارب من خلال مجموعة من الباحثين المتخصّصين في هذا المجال.
عدد الصفحات: 440
الفصل الخامس: تجارب استعمارية
- علماء الحوزة العلميّة وصناعة التاريخ: فتاوى الجهاد تُسقط التآمر على العباد والبلاد
يعالج محمد أمين الكوراني[19] في بحثه أهميّة دور علماء الحوزة العلميّة في صناعة التاريخ، أمثال الشيخ الطوسي الذي كان مرجعًا للشيعة في بغداد بعد وفاة أستاذه الشريف المرتضى. وقد اضطر الطوسي في ما بعد إلى الهجرة قسريًّا إلى النجف الأشرف، بعد ملاحقة السلاجقة للشيعة والتنكيل بهم. يشير الكوراني في مقاله إلى أنّ التاريخ السياسي للعراق يُبرز بشكلٍ واضحٍ دور المؤسّسة الدينيّة الشيعيّة، بقيادة المرجعيّة، التي تمثّل الركيزة الأساسيّة في تحريك الأجواء السياسيّة والاجتماعيّة، بما يسهم في تحقيق الاعتدال والإصلاح في المجتمع. ويتجلّى ذلك من خلال متابعة الدور البارز لهذه المؤسّسة منذ نهاية الحكم العثماني وبداية الاحتلال الأجنبي، وصولًا إلى مساهمتها في أحداث ثورة العشرين الكبرى، التي كانت حلقةً متصلةً بسلسلةٍ من الأحداث اللاحقة. ولا يزال هذا الدور مستمرًا حتى اليوم، حيث أصدرت فتوى تاريخية جريئة لمواجهة الفكر التكفيري وقوات الظلام التي هاجمت مدينة الموصل، وما تلاها من انتهاكات ضد المدنيين الآمنين في مختلف أنحاء العراق.
ويخلص الكوراني إلى أنّ النجف الأشرف كانت حاضرةً بقوّةٍ من خلال جامعتها العلميّة وحوزتها الدينيّة، حيث أسهمت بكلّ إمكاناتها الفكريّة في مواجهة المحن التي تعرّضت لها شعوبنا العربيّة الإسلاميّة. وقد سجّلت موقفًا مشرّفًا في كلّ قضيّةٍ مصيريّةٍ مرّت بها الأمة على مدار العقود الماضية، استجابةً للواجب الأخوي والغيرة العربيّة. بدءًا من القضيّة الفلسطينيّة، مرورًا بقضايا الجزائر وتونس والمغرب وسوريا ومصر، وصولًا إلى القضية الكويتيّة. وقد تمّ توثيق ذلك كلّه بفخرٍ واعتزازٍ في صفحات تاريخ هذا البلد العربي العراق، جهادًا وفكرًا.
- أدباء الحوزة العلمیّة في النجف الأشرف: ومقارعة الاستعمار - شعر الشيخ محمد رضا الشبيبي أنموذجًا
في هذه الدراسة يناقش حسین الساعدي[20] دور أدباء الحوزة العلميّة في مواجهة الاستعمار، مستعرضًا نماذج مثل شعر الشيخ محمّد رضا الشبيبي. وتسعى هذه الدراسة إلى استكشاف مفاهيم المقاومة في شعر الشبيبي، ومن أبرزها رفض ظلم الاستعمار، وانتقاد سياساته، والتنديد بالحرب. كما تسلّط الضوء على دعوة الشاعر إلى وحدة الشعب، وقيام الثورة ضدّ الطغيان والاستبداد من أجل تحقيق حريّة الوطن.
- موقف علماء الحوزة العلميّة من القضايا العربيّة والاسلاميّة: الاحتلال الإيطالي لليبيا - أنموذجًا
يستعرض حيدر عبد الهادي علي العذاري[21] في هذا البحث موقف علماء الحوزة العلميّة من الاحتلال لليبيا. ويقسّم العذاري البحث إلى ثلاثة مباحث. المبحث الأول فيه ثلاثة مطالب، يقدّم المطلّب الأول تعريفًا موجزًا بالحوزة العلميّة وعلمائها، والمطلب الثاني يتطرّق إلى ليبيا قبل الاحتلال وبعده، وأمّا المطلب الثالث يناقش موقف علماء الحوزة العلميّة من الاحتلال. في المبحث الثاني، تُثار مسألة القراءة التحليليّة لنصوص الفتاوى، وأمّا المبحث الثالث والأخير يناقش في المواقف المشابهة للحوزة العلميّة في مواجهة المعتدين في زماننا المعاصر. وقد أظهر الباحث من خلال البحث مدى تفاعل الجمهور مع فتوى المرجعيّة من خلال المظاهرات التي شهدتها المدن المقدّسة وغيرها من المدن، بالإضافة إلى حملة التبرعات لدعم الليبيين في طرابلس.
- أهميّة العراق الإستراتيجيّة للسياسة البريطانيّة: قراءة في دوافع وتطوّرات العلاقات البريطانيّة - العراقيّة حتَّى عهد الانتداب 1922 م
يعالج صباح كريم رياح الفتلاوي[22] في هذه الدراسة أهميّة العراق الاستراتيجيّة للسياسة البريطانيّة من خلال مبحثين. المبحث الأول يتناول أثر الأوضاع الدوليّة في علاقات بريطانيا بالعراق وعوامل الاهتمام البريطاني بهِ، وأمّا المبحث الثاني يتطرّق إلى مشاريع بريطانيا في الاهتمام بولادة العراق المعاصر. ويستخلص الفتلاوي أنّ الدافع الرئيس للاستعمار البريطاني في احتلال المناطق العربيّة مثل العراق، كان اقتصاديًّا، إذ تمحورت الاستراتيجيّة حول البحث عن أسواقٍ جديدةٍ والموارد الأوليّة، مع التركيز على الأهميّة الاستراتيجيّة والدفاعيّة لحماية هذه المصالح.
- الاستعمار البريطاني للعراق: دور بريطانيا وتأثيرها على تشكيل الحكم الملكي في العراق - دراسة تاريخيّة
في هذا البحث يثير صلاح خلف مشَّاي[23] موضوع دور بريطانيا وتأثيرها في تشكيل الحكم الملكي في العراق. يقسّم مشّاي بحثه إلى مبحثين. في المبحث الأول يحلل أهميّة العراق الاستراتيجيّة في السياسة البريطانيّة. أمّا في المبحث الثاني يستعرض دور بريطانيا وتأثيرها في الحكم الملكي في العراق.
ويستنتج مشّاي أنّ بريطانيا خدعت الشعب العراقي عند إعلانها تحريره من الاستعمار العثماني، إذ عملت على تفكيك وحدته باستبعاد الشيعة من الحكم. وكان الحكم الملكي في العراق تابعًا للسياسة البريطانيّة. في نهاية المطاف، استمرّ الشعب العراقي في معارضة السياسة البريطانيّة، ممّا ظهر في رفض المرجعيّات الشيعيّة التعامل مع البريطانيين وثورات العشائر في مختلف المناطق.
- الإدارة الاستعماريّة البريطانيّة في العراق (1914 - 1920 م): الموقف حيال القوميّات والأقليّات الدينيَّة
يعالج في هذه الدراسة سيف عدنان ارحيّم القيسي[24] الإدارة الاستعماريّة البريطانية في العراق في سياق القوميّات والأقلّيات الدينيّة. يهدف القيسي من خلال بحثه إلى تحليل دور الإدارة العسكريّة البريطانيّة في العراق من عام 1914 حتى 1920، مع التركيز على تعاملها مع القوميّات والأقلّيات الدينيّة. وتوضّح الدراسة كيف استخدمت الإدارة البريطانيّة الأزمات الداخليّة، خاصّة المتعلقة بالأقليّات، وسيلةً لتعزيز نفوذها والبقاء في العراق. ويستنتج القيسي بأنّ الإدارة البريطانية العسكريّة عمدت إلى استمالة الأقليّات إلى جانبها، وتوظيفها في المناصب الحكوميّة إلى جانبها كي تكون ملتصقةً بها، كونها صاحبة الفضل في تبوئها تلك المناصب. وتظهر السياسة البريطانيّة تجاه العراق اعتمادها على الأقليّات القوميّة والدينيّة لتحقيق أهدافها، حيث تستغل هذه الأقليات تحت ذريعة الدفاع عن حقوقها للضغط على الحكومة العراقيّة. هذا الأمر أدّى إلى انقسامٍ داخل المجتمع العراقي، وما تزال تداعيات هذه السياسة مستمرةً حتى اليوم.
- الهيمنة الأميركيّة في العراق: مقاربة في الاستعمار الجديد
يتناول عامر عبد زيد الوائلي[25] الاستراتيجيّة الإميركيّة من خلال تأصيل الرؤيّة والمنهج، حيث يسلّط الضوء على دور الشركات ومراكز الأبحاث في استمرار الصراعات ومشاريع التسلّح في المنطقة. كما يستعرض عودة الولايات المتّحدة بشكلٍ مختلفٍ من خلال مشروعها الجديد في العراق. ويستنتج الوائلي أهميّة وجود رؤيةٍ نقديةٍ لتحليل الادّعاءات التي تقدّمها مراكز البحوث الأميركيّة، والتي تسعى لتبرير هيمنة الولايات المتّحدة وتحقيق مصالحها.
- آثار الاستعمار على الأديان: تجربة جنوب غربيّ نيجيريا
يهدف أحمد فاوسي أوغونبادو[26] من خلال عمله دراسة تأثير الاستعمار على الأديان في جنوب غرب نيجيريا. في بحثه، يتناول الديانتين اللتين كانتا سائدتين في تلك المنطقة قبل حقبة الاستعمار، وهما الدين التقليدي والإسلام. كما يستعرض الجوانب الإيجابيّة والسلبيّة لهذه الظاهرة، ويبرز حركات المقاومة الشعبيّة التي نشأت في مواجهتها، بالإضافة إلى كيفيّة تصدّي الحكومة البريطانيّة لها. يستنتج أوغونبادو بأنّ تأثيرات الاستعمار لم تقتصر على الدين فحسب، بل شملت أيضًا الثقافة.
- تاريخ الاستعمار في البلاد الإسلاميّة: تجربة الشعب الصومالي مع الاستعمار
يستعرض عبد الله الفاتح[27] من خلال بحثه واقع العالم الإسلامي، إذ يتألّف بحثه من مقدمةٍ وتمهيدٍ وأربعة محاورٍ رئيسة، بالإضافة إلى خاتمة تتضمن النتائج والتوصيات. يبدأ المدخل التمهيديّ بتوضيح مفهوم العالم الإسلامي والأمّة الإسلاميّة لإزالة أيّ لبس، ثم يسلّط الضوء على الأهميّة الجيوبولتيكيّة لهذا الواقع، ممّا يساعد في تشكيل تصوّرٍ شاملٍ عن الجوانب السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة للعالم الإسلامي، بالإضافة إلى التحدّيات والمشكلات التي تواجه الأمّة.
- مناهضة الاستعمار الإنجليزيّ في السودان: قراءة في تجربة السيّد إسماعيل الأزهري (1953-1930 م)
يسلّط الباحثان أحمد عبد الله محمد[28]، وحاتم الصديق محمد[29] الضوء على تجربة مناهضة الاستعمار الإنجليزيّ في السودان من خلال تجربة الزعيم إسماعيل الأزهريّ في نشوء الحركة الوطنيّة، مع التركيز على جهوده في مقاومة الاستعمار الإنجليزيّ بين عامي 1930 و1953. يقسّم الباحثان الدراسة إلى ستّة محاور. يتطرّق المحور الأوّل إلى عودة الزعيم الأزهريّ من بيروت، ويناقش الثاني نشاط الأزهري الثقافي في كليّة غردون، والثالث يحلل موقف الأزهري من اتفاقية 1936م. وأمّا الرابع فيتناول قيام مؤتمر الخرّيجين 1938. والخامس يثير موضوع تقرير المصير 942 م، والأخير يستعرض موقف الزعيم الأزهري من المؤسّسات.
- أشكال الجهاد والمقاومة إبَّان الاستعمار الفرنسي للمغرب: منطقة دكالة أنموذجًا
يحلل أنس صنهاجي[30] من خلال دراسته أشكال الجهاد والمقاومة خلال فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب. ويشير صنهاجي إلى أنّ منطقة دكالة شهدت منذ القرن الخامس عشر حتى القرن العشرين تجربتين استعماريتين متباينتين من حيث الزمن والشكل والأهداف، وهما الاستعمار البرتغالي والاستعمار الفرنسي. ونتج من خلال هذين التجربتين مقاومةٌ محليّةٌ تجسّدت فيما بعد بالحركة الوطنيّة. ويَخْلص الباحث إلى أنّ منطقة دكالة قد أسّست لذاكرة المقاومة المحليّة، حيث تمظهرت فيها القيم المشتركة بين المناطق المغربيّة في مواجهة الأجنبي وروح الجهاد المستمرة؛ لذا، يجب أنْ يأخذ أيّ تقييمٍ لحركة الجهاد والمقاومة في دكالة بعين الاعتبار البيئة الطبيعيّة والظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتركيبة السكانيّة للمنطقة.
- المجتمع المغربي في النصّ الرَحْلِي الجاسوسي الفرنسي خلال القرن التاسع عشر: المنطلقات والأهداف
يتناول محمد بوعزة[31] في هذه الدراسة دور الرحّالة في التغلغل في المجتمع المغربي واستعماره. ويبرز بوعزة في تحليله أنّ الرحالة كانوا من أبرز الأفراد الذين أسهموا في تسهيل الاستعمار من خلال جمع المعلومات عن البلاد وسكّانها. ونتيجة لذلك، تشكّلت صورة المجتمع المغربي في الكتابات الفرنسيّة بناءً على ما جمعه الرحّالة من معلوماتٍ وما كتبوه ونشروه. وقد ظهرت تناقضات بين ما يراه الرحّالة وما يتمنونه، ممّا أدّى إلى انتشار أحكامٍ عامةٍ واستعلائيةٍ في كتاباتهم. هذا الأمر أسهم في تبرير صورة التخلّف والبدائيّة والموت والتفكّك والعدائيّة المتوحشة. ومع ذلك، يستنتج بوعزة في النهاية أنّ أدب الرحّالة يعدّ ذا أهميّةٍ كبيرةٍ لفهم التاريخ، رغم وجود كتاباتٍ مغرضةٍ في النصوص الفرنسيّة الجاسوسيّة؛ لذا يؤكّد على ضرورة الانفتاح على هذه الكتابات للاطلاع على أخبار المغرب في القرن التاسع عشر.
- الاستيطان الأوروبي في المغرب: آثاره الاجتماعيّة والسياسيّة
يثير جلال زين العابدين[32] موضوع الاستعمار الفرنسي في المغرب من منظار آثاره الاجتماعيّة والسياسيّة الذي أحدث تحوّلاتٍ جذريّة في المناطق الريفيّة، حيث تمّ تحويل الأراضي الخصبة إلى مزارع كولونياليّة. وقد قامت إدارة الحماية بتدمير المؤسّسات والمبادئ التي كانت تشكّل أساس المجتمع المغربي، ممّا أزال العوائق أمام احتلال الأراضي المغربيّة. ويستنتج زين العابدين بأنّ الأوروبيين استغلّوا الأراضي التي استولوا عليها من خلال تطبيق أساليب الرأسماليّة، إذ عُدّت الأرض رأس مالٍ يحقق عائدًا. وركّزوا على زراعة المحاصيل التسويقيّة لتلبية احتياجات الجاليات الأوروبيّة، مع تصدير جزءٍ منها إلى الخارج.
وفي مقابل ذلك، أدّى تراجع الزراعة المحليّة في المغرب إلى فقدان العديد من السكان لأراضيهم، ممّا دفعهم إلى العمل كعمالٍ أو الهجرة إلى المدن، ليصبحوا جزءًا من الطبقة العاملة.
- مقاومة الكوفة للاستعمار البريطاني في ثورة العشرين (مؤتمر الكوفة نموذجًا).
يوضّح محمد عبد الرحمن عريف[33] من خلال دراسته أهميّة مؤتمر الكوفة في مقاومة الاستعمار البريطاني، ودور ثوّار الكوفة في دعم ثورة العشرين. وبالنسبة إلى عريف، كانت بريطانيا لديها طموحاتٌ وأطماعٌ واسعةٌ في العراق، خصوصًا عندما وضعت استراتيجيّات عسكريّة لاحتلال جنوب البلاد عبر الخليج العربي. لكنّ العراقيين كانوا يواجهون بمختلف فئاتهم الغزو البريطاني، وذلك بقيادة رجال الدين في النجف الأشرف. ويخلص عريف إلى أنّ الثورة العراقيّة قد أخفقت عسكريًّا، بيد أنّها أسهمت في تعزيز الوعي السياسي والثوري بين السكّان. كما أظهرت نضوجًا سياسيًّا في منطقة الفرات الأوسط، حيث قام بعض كبار علماء الدين وشيوخ العشائر بتحريك الشارع لرفض السلطة المفروضة من الخارج، وكانت لديهم مطالب سياسيّة تتعلّق بالاستقلال وتقرير المصير وإقامة حكمٍ وطنيّ في العراق بدلًا من الحكم البريطاني المباشر.
- الإيديولوجيّة الصهيونّية والغرب: رحلة التوظيف من الاستشراق إلى الإسلاموفوبيا
يبيّن أشرف بدر[34] من خلال دراسته بأنّ هناك علاقةً وثيقةً بين الصهيونيّة والاستشراق. ويستند بدر في تعريفه للصهيونيّة إلى الموسوعة السياسيّة: «دعوة وحركة عنصريّة دينيّة استيطانيّة إجلائيّة، مرتبطة نشأةً وواقعًا ومصيرًا بالإمبرياليّة العالمية، تطالب بإعادة توطين اليهود وتجميعهم وإقامة دولةٍ خاصّةٍ بهم في فلسطين بواسطة الهجرة والغزو والعنف كحلٍّ للمسألة اليهوديّة»، بيد أنّ بدر يتحفّظ على تعريف الصهيونية كحركة دينيّة، فوفقًا له، إنّ الصهيونية استخدمت الدين وسيلةً، على الرغم من أنّ مؤسّسيها كانوا علمانيين.
وتشير الدراسة إلى أنّ هناك تداخلًا بين الاستشراق الغربي والاستشراق اليهوديّ والصهيونيّ والإسرائيليّ. فقد بدأ الاستشراق اليهوديّ في دراسة الإسلام والمجتمعات الإسلاميّة منذ القرن الثامن عشر، ثم ارتبط بالمشروع الصهيونيّ الذي بدأ في عام 1881 لدعم الوجود اليهوديّ في فلسطين. وبعد إعلان قيام إسرائيل في عام 1948، تطوّر الاستشراق الإسرائيليّ ليعنى بدراسة قضايا الصراع العربي الإسرائيليّ بهدف دعم القيادة الإسرائيليّة في إدارة هذا الصراع.
ويستخلص بدر في النهاية إلى أنّ الاستشراق تحوّل في ما بعد إلى (إسلاموفوبيا)، ويؤكد بأنّ أعمال المستشرقين سعت لتكريس فكرة الحقّ التاريخيّ للصهاينة بفلسطين، وهذا سيؤدّي في نهاية المطاف إلى تصوير الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ تنافسًا بين قوميتين لهما حقوقٌ متساوية، وبالتالي، إنّ مقاومة المشروع الصهيوني سوف تُعدّ (إرهابًا). والهدف من ذلك هو إخفاء الحقيقة حول المشروع الصهيوني الاستعماري، حيث إنّ الصراع في جوهره هو بين المستعمِر المغتصِب من جهة، والسكّان الأصليين من جهةٍ أخرى.
الجزء الرابع من سلسلة (نحن وأزمنة الاستعمار)
يعالج الفصل السادس من الجزء الرابع موضوع (ما بعد الاستعماريّة) من خلال دراساتٍ معمّقةٍ لمجموعةٍ من المفكّرين والباحثين وعلماء الاجتماع من أوروبا وأمريكا والعالَمينِ العربيّ والإسلاميّ.
عدد الصفحات: 344
الفصل السادس: ما بعد الاستعمار
- نظريّة ما بعد الاستعمار: مساهمةٌ في التأسيس لعلم الاستغراب
يستعرض جميل حمداوي[35] من خلال بحثه نظريّة (ما بعد الكولونياليّة) التي تعدّ من أهم النظريّات الأدبيّة والنقديّة، إذ تهدف إلى «تحليل كلّ ما أنتجته الثقافة الغربيّة باعتبارها خطابًا مقصديًّا، يحمل في طيّاته توجهاتٍ استعماريّة إزاء الشعوب التي تقع خارج المنظومة الغربيّة». وتسعى هذه النظريّة إلى استكشاف الفروق بين الشرق والغرب، وتحديد أنماط التفكير والرؤى التي يتبناها كتّاب ومبدعون من مرحلة ما بعد البنيوية، بالإضافة إلى المثقّفين الذين عاشوا بعد فترة الاحتلال الغربي، وغالبًا ما ينتمون إلى الشعوب المستعمَرة، وخاصّة شعوب أفريقيا وآسيا.
يستنتج حمدواي في الختام بأنّ نظريّة (ما بعد الاستعمار) أضحت أداةً مهمّةً للكتّاب من العالم الثالث، خاصّةً في آسيا وأفريقيا، بعد الحرب العالميّة الثانية، حيث تسعى إلى مواجهة الهيمنة الغربيّة وتفكيك الأفكار السائدة في أوروبا وأمريكا، من خلال استراتيجيّات متنوعة تطال الثقافة والسياسة والتاريخ والمقارنة. ولم تطغَ هذه النظرة على كُتّاب العالم الثالث فقط؛ بل طالت كُتّابا غربيين انتقدوا أيضًا الثقافة البيضاء. ويَعدّ هؤلاء الكتّاب أنّ هذه الثقافة مبنيةٌ على أسسٍ خياليّة، حيث ترتكز على خطاب الإخضاع والهيمنة والاستعمار، بالإضافة إلى التمييز القائم على اللون والعرق والجنس والدين والطبقة.
- تعريف حقبة ما بعد الاستعمار: الصراع على الهويّة في الشرق الأوسط
يتناول صامويل هلفونت[36] في مقاله موضوع فترة (ما بعد الكولونياليّة) في إطار الصراع على الهويّة في منطقة الشرق الأوسط. يسعى هلفونت إلى تقديم إجاباتٍ على الاشكاليّة المطروحة من خلال التطرّق إلى نواتج الحقبة الاستعماريّة في المنطقة، بالإضافة إلى دراسة حالات كلٍّ من مصر والعراق وإيران.
- فلسفة ما بعد الاستعمار: بين التفكيك وإعادة إنتاج السيطرة
يبيّن حازم محفوظ[37] في دراسته أنّ نظريّة ما بعد الاستعمار تشي بوجود نوعٍ جديدٍ من الاستعمار، وذلك عن طريق استخدام الأساليب غير التقليديّة للسيطرة والهيمنة. وتُعدّ نظريّة الاستعمار تطوّرًا طبيعيًّا لفلسفات ما بعد الحداثة والتفكيك، حيث تركّزت على تفكيك خطاب المركزيّة الغربيّة وأبعادها السلطويّة، خاصّة في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. ويخلص محفوظ إلى أنّ الفهم السليم للعولمة في الوقت الراهن يُظهر أنّها إحدى الوسائل السياسيّة التي تتيح للمركز فرض هيمنته على الآخرين. فالعولمة تمثّل وسيلةً لفرض السيطرة من خلال استغلال التفوق في المجالات التقنيّة والاقتصاديّة والتجاريّة، بالإضافة إلى ترويج نموذجٍ ثقافيّ يُعدّ الأفضل.
- طبائع الإمبرياليّة: عندما يدوم الاستعمار طويلًا
يهدف اغلالو ياسين[38] من خلال هذه الدراسة إلى تحليل الأبعاد الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة للإمبرياليّة التي تهدّد البلدان العربيّة. بالنسبة إلى ياسين، هناك أهميّة لدراسة الاستعمار وآلياته الحديثة، خاصّةً في ظلّ فشل الخطط التنمويّة في الدول العربيّة وتزايد التدخّلات الخارجيّة التي تمارسها القوى الكبرى في المنطقة.
ويستنتج الباحث بأنّ الامبرياليّة العالمية تبني أشكالًا جديدة من الهيمنة؛ لذا يجب فهم الخطاب الأجنبي وكشف طموحاته الاستعماريّة، وممّا لا ريب فيه أنّ هذا الأمر يساعد في تطوير أساليب جديدةٍ تتناسب مع التحدّيات الحاليّة.
- الاستغراب القسري: في جدل التثاقف بين المركز والهوامش
تتناول نجلاء مكاوي[39] في دراستها كيفيّة تشكيل الثقافة الأوروبيّة للخطاب الذي يبرر هيمنتها على الثقافات الأخرى لكونها غير غربيّة، ولا تمتاز بأيّ قيمةٍ مضافة؛ لذا يجب الاندماج والتفاعل مع القيم الأوروبيّة. ويعتمد هذا التصوّر على نظرة ثنائيّة البرابرة والمتحضّرين، ممّا يضع الغرب مصدرًا وحيدًا للقيم الإنسانيّة ومعايير التقدّم، ويحدّد مسار انتقال الثقافات غير الغربيّة من البربريّة إلى المدنية. وتستخلص مكاوي بأنّه ينبغي تجاوز الثنائيّات مثل (تراث- حداثة، خصوصية- كونية، المستعمِر- المستعمَر)، لأنّها تعزز من تطوير العناصر المشتركة بين الثقافات في الجوانب المعرفيّة والاجتماعيّة، وهذا سيسهم في مواجهة الهيمنة الاقتصاديّة والسياسيّة.
- ثنائيّة الوعي بالآخر في ضوء نظريّة ما بعد الاستعمار: قراءة تفكيكيّة
في هذه الدراسة، يعالج غيضان السيّد علي[40] نظريّة ما بعد الكولونياليّة من خلال ثنائيّة الوعي بالآخر. وتهدف هذه النظريّة إلى تمكين الشرقيين من اتّخاذ موقفٍ نقديّ تجاه الغرب، وذلك لمواجهة انبهارهم به. ويُعدّ الوصول إلى هذه الرؤية النقديّة خطوةً أساسيّةً نحو التحرّر من التبعيّة الغربيّة والهيمنة الاستعماريّة، بالإضافة إلى التصدّي للتحيّزات الموجودة في الوعي تجاه النموذج المعرفيّ الغربيّ. ويخلص غيضان إلى أنّ نظريّة ما بعد الاستعمار كشفت عن العقل الغربيّ المتعصّب والإمبرياليّ، الذي قدّم صورةً مشوّهةً للآخر؛ إذ صوّره على أنّه غير حداثيّ وغير ديمقراطيّ وبربريّ، وذلك بهدف تبرير الاستعمار.
- الإنتلجنسيا القلقة: حالة المثقّف العربي في مرحلة ما بعد الكولونياليّة
يشير محمد عبد الله[41] في مقاله إلى أنّ الإنتلجنسيا هي قيمةٌ مفهوميّةٌ ذات مدلولٍ تاريخيّ اجتماعيّ للمتعلّمين تعليمًا عاليًا وحديثًا[42]، بمعنى أنّ الذين ينتسبون إليها هم طبقةٌ اجتماعيّةٌ تشارك في عملٍ ذهنيّ معقدٍ يهدف إلى التوجيه والنقد والتقويم، أو أداء دورٍ قياديّ في تشكيل ثقافة المجتمع وسياسته[43]. توضّح الدراسات التاريخيّة إلى أنّ الإنتلجنسيا العربيّة تأثرت بشكلٍ كبيرٍ بالكولونياليّة، سواء في صورتها التقليديّة أم الحديثة. فالاستعمار اليوم هو غزوٌ فكريٌّ وثقافيٌّ يهدف إلى تشكيل نظامٍ محليّ يجذب العقول ويعزّز المعرفة، حيث تسوّق النخبة المثقّفة ثقافة الهيمنة الاستعماريّة، بذرائع مثل تعزيز الديمقراطيّة وحقوق الإنسان، ممّا يصعب مواجهتها. إنّها طريقةٌ جديدةٌ لاستمرار الاستعمار الماكر الذي يفرض السيطرة على جميع الأصعدة الثقافيّة والإعلاميّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة، بيد أنّ الإنتلجنسيا العربيّة تستطيع بما لديها من أدواتٍ أنْ تبني استراتيجيّةً ثقافيّةً فعّالةً من شأنها أنْ تؤسّسس لحركةٍ ثقافيّةٍ يمكن أنْ تؤدّي دورًا في مواجهة دور الشبح الخفي الذي يقود مرحلة ما بعد الكولونياليّة في المنطقة العربيّة والإسلاميّة.
- ما بعد الكولونياليّة وما بعد الحداثة: تجربة الجزائر نموذجًا
يسعى أحمد عبد الحليم عطيّة[44] في مقاله إلى يبان أهميّة ثورة الجزائر ودور الكتّاب الفلاسفة في تشكيل أفكارهم الفلسفيّة. يؤكّد الباحث الجزائري محمد حصحاص في دراسته أنّ نظريّة ما بعد الاستعماريّة أسّست لفكرة ما بعد الحداثة، حيث تطرح أسئلة فلسفيّة كبرى وتفكك الأيديولوجيّات السائدة. وتقدّم هذه النظريّة رؤيةً لمجتمع ما بعد حداثي يختلف عن المجتمع الحداثي الغربي الحالي. كما يعتمد خطاب ما بعد الكولونياليّة على تحليل النصوص التي تحدّد مفهوم (الآخر) لتسهيل السيطرة عليه. ويبرز في هذا السياق عمل إدوارد سعيد في كتابه (الاستشراق)، حيث يستعرض المؤلّفات الغربية عن الشرق منذ القرن الثامن عشر، مشيرًا إلى أنّها أسّست الإطار النظريّ للاستعمار.
- بين مركزيّة الأنا الغربيّة وميلاد الأصوليّات: نقد غارودي للذاتيّة الغربيّة
يشرح نصر الدين بن سراي[45] في هذه الورقة الجوانب الفكريّة التي أسهمت في تشكيل أفكار الغرب، بدءًا من تركيزه على ذاته وانحيازه للثقافة الغربيّة، وصولًا إلى تأثير الأصوليّات التي لا تزال قائمةً حتى اليوم.
يُعدّ روجيه جارودي واحدًا من أبرز الفلاسفة الفرنسيين، بل في العالم الغربي، حيث وجّه انتقاداتٍ حادّة للحضارة الغربيّة، التي تتضمن جوانب غير إنسانيّة رغم ادعائها التمسّك بالقيم الإنسانيّة. ومن خلال نقده لأفكار وتصوّرات العالم الغربي، يستنتج جارودي بأنّ جميع الأصوليّات الحاليّة هي ردّ فعلٍ على الأصوليّة الغربيّة. ويخلص سراي في الختام إلى أنّ الحضارة الغربيّة انطلقت من أفكارٍ أساسيّة أسهمت في تشكيلها، وحدّدت رؤيتها للعالم، وأبرزها فكرة التمركز حول الذات. هذه الفكرة كانت مصدرًا لجميع أنواع الإيديولوجيّات المختلفة، التي بدورها عزّزت مفهوم الصراع على الساحة العالميّة. كما أنّها وضعت الإطار الذي يحدّد موقف الغرب تجاه الآخر، بحيث يُنظر إليه ككيان يجب أنْ يكون تابعًا للنظام الذي تمّ رسمه مسبقًا.
- نقد الكولونياليّة والكولونياليّة الحديثة: قراءة في منظور إدوارد سعيد
في هذا المقال البحثيّ، يستعرض مجدي عزالدين حسن[46] أفكار المفكّر والناقد إدوارد سعيد بشأن ما بعد الكولونياليّة. يحاول سعيد تفكيك فكرة المركزيّة الأوروبيّة التي تعدّ الثقافة الأوروبيّة مركز التاريخ البشري. ويشير سعيد إلى أنّ الغرب يفترض أنّ الشعوب غير الأوروبيّة تحتاج إلى تبنّي قيم الحضارة الغربيّة لتحقيق نهضتها، معتبرًا أنّ العودة إلى مثاليّة هذه الحضارة هي السبيل الوحيد للخروج من وضعها الحالي. ويؤكّد سعيد أنّ فرض هذا التمركز، ساعد الغرب في فرض هيمنته على مناطق بعيدةٍ مثل أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. وعلى هذا النحو، أخذ الغرب على عاتقه نشر الحضارة الغربية بما فيها من قيم وحقوق انسان واليوم أصبح يتمثل فيما يدعى الحرب على الإرهاب والنضال من أجل الديقراطية. ويقارن سعيد بين نشأة دراسات الاستشراق من جهة، وبداية الاستعمار الأوروبي للعالم من جهةٍ أخرى. ويؤكّد على الأهميّة الكبيرة للدور الذي لعبه الباحثون الغربيّون في مجال الاستشراق، حيث أسهموا في تعزيز واستدامة مصالح الغرب الاستعماري. يستنتج حسن بأنّ تحليل سعيد للخطاب الاستشراقي أظهر زيف الادّعاءات الغربيّة التي كانت تدّعي أنّ هدفها هو فهم الشرق فقط، فالحقائق التاريخيّة تثبت عكس ذلك، إذ أدّى الباحثون دورًا مهمًّا في دعم الاستعمار وتمكينه من فرض سيطرته وهيمنته على شعوب الشرق.
- في نقد أطروحة التمركز الغربي: تصوّر «أمارتيا صن» نموذجًا
يسلّط سعيد السلماني[47] الضوء على أفكار أمارتيا صن، في محاولة لنقد أطروحة المركزيّة الغربيّة. يقسّم السلماني بحثه إلى ثلاثة محاور رئيسة، في المحور الأول، يستعرض النقد الموجّه لنظريّة الصدام الحضاري. وفي الثاني، يتعرّض لفكرة التمركز حول القيم الغربيّة. وأمّا الأخير، فإنّه يثير معضلة الديمقراطيّة الغربيّة.
يشير السلماني في دراسته إلى أنّ الاستعمار نشأ في نهاية القرن الخامس عشر، وبلغ ذروته في القرن التالي. ويعزو الباحثون هذا التطوّر إلى التقدّم الذي شهدته العلوم والاكتشافات والاختراعات، بالإضافة إلى النمو الاقتصاديّ العام في أوروبا خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر. ومع ذلك، فإنّ هذه الظاهرة ليست سوى نتيجةٍ تراكميّةٍ لتطوّر الجهاز الحربي. كان الأخير الوسيلة التي يجب تحسينها باستمرارٍ لنهب الثروات وإخضاع الشعوب في المناطق المستعمَرة. وقد تمّ توظيف جميع العلوم والاكتشافات في هذا السياق، فلم يكن الهدف من البحث العلميّ هو تطوير العلوم بحد ذاتها، بل كان يهدف إلى تعزيز الجهاز الاستعماري. وكذلك الأمر بالنسبة للاكتشافات الجغرافيّة، التي لم تكن تهدف فقط إلى توسيع المعرفة الجغرافيّة، بل كانت موجّهةً بشكلٍ خاصٍّ نحو تحسين وسائل التوسّع الاستعماريّ لخدمة النهب العنيف.
- الثقافة والإمبرياليّة لإدوارد سعيد: نقد العقل المهيمن لحداثة الغرب
يستعرض محمد بن عمارة[48] أهمّ الأفكار التي تناولها إدوارد سعيد في كتابه (الثقافة والإمبرياليّة). ويشير عمارة في مقاله إلى أنّ السبب الرئيس لاهتمامه بقضيّة (الثقافة والإمبريالية) هي القضيّة الفلسطينيّة، التي شكّلت محور تفكيره».فيرى «بأنّ الأفكار المتعلّقة بفتوحات ما وراء البحار يوضّحها أتم التوضيح تاريخ الصهيونيّة، مع وجود فارقٍ واحدٍ بين الصهيونيّة والإمبرياليّة الغربيّة التقليديّة، فالثانية غدت ممارسةً تاريخيةً للقوة المستهجنة، أمّا الأولى فما تزال قائمةً إلى الآن مدعومةً بقوة الصداقة الغربيّة». استند إدوارد سعيد على مفهوم التجربة التاريخيّة بوصفها أداةً تحليليّةً رئيسة، مستخدمًا مصطلحات جذّابة تتعلّق بالهويّة. يرى أنّ المنتجات الثقافيّة العظيمة تعكس وجهات نظرٍ سياسيّة عميقة، مثل تجريد غير الأوروبيين من إنسانيتهم وتصويرهم بطرقٍ مشوّهة. يُظهر ذلك في رواية كيم لكيلنغ التي يعدّها سعيد عملًا أدبيًّا عميقًا حيث ينكر كيلنغ على الهنود القدرة على التفكير والتطوّر السياسي. ويستخلص عمارة إلى أنّ ما ساعد سعيد على فهم الامبرياليّة التي تمارسها الإمبرطوريات هو ترعرعه في هذه البلدان.
- تهافت ما بعد الاستعماريّة نحو مبادئ أخلاقيّة للتعامل مع المرأة والبيئة
يهدف بهاء درويش[49] من خلال دراسته إلى تحديد مجموعةٍ من المبادئ الأخلاقيّة التي ينبغي أنْ تنظم التعامل مع المرأة والبيئة، وذلك في مواجهة الرؤية الغربيّة للنسويّة البيئية. يحاول درويش أنْ يدحض الفكرة الأساسيّة التي بنيت عليها النزعة النسويّة التي تقول بأنّ القهر شمل كلًّا من النساء والبيئة. يشير درويش إلى أنّ الاختلاف لا يبرر استعباد أو هيمنة أو سوء استغلال أيّ كائنٍ على آخر. بل إنّ هذا الاختلاف يمكن أنْ يوضّح المبادئ التي ينبغي أنْ تحكم العلاقة بين الرجل والمرأة من جهة، وبين الرجل والبيئة من جهةٍ أخرى.
ويخلص درويش إلى أنّ مفهوم الاختلاف الذي يسود الكون يظهر بوضوحٍ هنا، ويؤكد أنّ النساء والطبيعة ليستا كائناتٍ أدنى من الرجل، بل هنّ كائنات تختلف عن بعضها البعض. فالاختلاف هو الإطار الذي ينظم العلاقات بينها، ويعدّ الإنسان مركز الكون بفضل تميزه عن سائر الكائنات بالخصائص العقلانيّة وحريّة الإرادة، ممّا يجعله مسؤولًا وقادرًا على الاختيار.
- ما بعد الكولونياليّة: من الانتماء التاريخيّ إلى الطرح الجيوسياسي
يسعى ميلود عامر حاج[50] إلى البحث في حدود ما بعد الكولونياليّة، إذ يشير في دراسته إلى أنّ العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر وما نتج عنها من علاقاتٍ متناقضةٍ أو متوافقة في مجالات البحث والمصالح والغايات والأهداف، ستؤدي إلى تنوع السياسات واختلافها من دولة لأخرى.
يصل حاج في الختام إلى أنّه من الضروري استكشاف مسارات ما بعد الكولونياليّة بعد فهم الكولونياليّة نفسها؛ لذا يجب التوقّف عند الأخطاء التاريخيّة والتعقيدات الحاليّة والتحدّيات المستقبليّة لفهم الماضي بنحوٍ أعمق.
------------------------------------
[1]. طالب دكتوراه في العلاقات الدولية - لبنان
[2]. كاتب أفريقي.
[3]. حصلت المؤلّفة ديانا حاج على درجة البكالوريوس في الترجمة، وأكملت مؤخرًا دراستها للماجستير في العلاقات الدولية في معهد برشلونة للدراسات الدولية (IBEI )، وتعتمد هذه الورقة على أطروحتها للماجستير، الذي أشرف عليها أفائيل جراسا أستاذ العلاقات الدوليّة في جامعة أوتونوما في برشلونة ،the Universitat Autònoma de Barcelona، سافرت إلى أفريقيا، وأمضت عامًا في العمل على مشاريع التنمية في جنوب أفريقيا، وهي تتطلع الآن إلى توسيع خبرتها في مشاريع أميركا اللاتينيّة.
[4]. كاتب وباحث سوري.
[5]. أستاذ اللغويّات واللسانيّات وعلم النصّ والدلالة – باكستان
[6]. بروفسور العلوم السياسيّة والعلاقات الدولية والاستراتيجيّة- العراق.
[7]. دكتوراه في الآداب – اللسانيّات الاجتماعيّة- المغرب.
[8]. مؤرّخ فرنسيّ من عائلةٍ يساريةٍ أسلم في سن الثامنة عشرة، مختص في حركة «التحرير الوطني الجزائرية».
العنوان الأصلي: L’INTELLECTUEL COLONISÉ ET POST-COLONISÉ SELON FRANTZ FANON ، ALI SHARIATI ET EDWARD SAÏD. ترجمة: صلا ح عبد الله.
[9]. باحثٌ ومفكّرٌ أكاديميّ في مركز الدراسات الحضريّة، نيودلهي- الهند.
[10]. باحث – الأردن.
[11]. أستاذٌ مساعد في قسم الدراسات الإثنيّة في جامعة كاليفورنيا وباحثٌ أقدم في بيت العلوم الإنسانيّة في باريس، وقد نشر الكثير من المقالات والكتب حول الاقتصاد السياسي في النظام العالمي وحول الهجرة الكاريبيّة إلى غرب أوروبا والولايات المتّحدة.
Epistemic Islamophobia and Colonial Social Sciences، Ramón Grosfoguel
• University of California، Berkeley Maison des Sciences de l’Homme، Paris، grosfogu@berkeley.edu
- ترجمة: علي صبّاح.
[12]. باحث إعلامي من العراق- النجف الأشرف.
[13]. باحث وأستاذ جامعي - جمهورية مصر العربية.
[14]. أستاذ محاضر في كلية العلوم السياسية والإدارة العامة في جامعة Adekunle Ajasin في نيجيريا.
[15]. باحثٌ في الشؤون الدينيّة والسياسيّة - مدير مؤسسة بذور الثقافيّة - جمهوريّة مصر العربيّة.
[16]. باحث – المغرب.
[17]. أستاذٌ جامعيٌّ وباحثٌ في انثروبولوجيا السياحة – تونس.
[18]. باقادر، «سوسيولوجيا السياحة»، 137.
[19]. أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإسلامي – لبنان.
[20]. باحث فی علوم اللغة العربیّة – العراق.
[21]. أستاذٌ في الفلسفة - العراق
المؤتمر الدولي حول التجديد في صناعة التاريخ وكتابته 1439 هـ - 2018م.
[22]. أستاذٌ مساعدٌ ودكتور في جامعة الكوفة - مركز دراسات الكوفة – العراق.
Dr. Sabah Kareem Reah Al-Fatlawi- Kufa Studies Center- University of Kufa. Iraq’s strategic importance to British Policy Reading the motives and developments of the British - Iraqi relations until the mandate of 1922.
[23]. أستاذٌ مساعدٌ ودكتور في جامعة بابل - كليّة التربية للعلوم الإنسانيّة – العراق.
[24]. أستاذٌ جامعي – العراق.
[25]. أستاذٌ ودكتورٌ في كليّة الآداب، قسم الفلسفة - العراق.
[26]. دكتور في الفلسفة - قسم الإنسانيّات والعلوم الاجتماعيّة، جامعة البخاري الدوليّة، ألور ستار، قدح، ماليزيا.
- Impacts of Colonialism on Religions: An Experience of Southwestern Nigeria. Ahamad Faosiy Ogunbado, Ph.D. School of Humanities & Social Sciences, Albukhary International University, Alor Setar, Kedah, Malaysia).
IOSR Journal of Humanities and Social Science (JHSS)
ISSN: 2279- 0837, ISBN: 2279- 0845. Volume 5, Issue 6 (Nov. - Dec. 2012), PP 51- 57
www.Iosrjournals.Org
[27]. بكالوريوس إعلام - دبلوم ترجمة - ماجستير في الصحافة الإلكترونيّة - جيبوتي.
[28]. أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك - جامعة الجزيرة - السودان.
[29]. أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المشارك - جامعة الزعيم الأزهري - السودان.
[30]. أستاذ التاريخ المعاصر- المغرب
[31]. باحث وأستاذ التاريخ المعاصر في كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة. جامعة سايس - فاس - المملكة المغربيّة.
[32]. أستاذ التاريخ المعاصر - كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بنمسيك الدار البيضاء - المغرب.
[33]. أستاذٌ في جامعة عين شمس - جمهوريّة مصر العربيّة.
[34]. باحث وأكاديمي من فلسطين.
[35]. باحثٌ وأكاديميّ من المغرب.
[36]. باحثٌ في العلاقات الدوليّة - جامعة فيلادلفيا - أميركا.
العنوان الأصلي للمقالة:
Post-colonial states and the struggle for identity in the Middle East since World War Two
- المصدر:
Forgeign Policy Research Institute- Footnotes – October 201
ترجمة: رامي طوقان - مراجعة: جاد مقدسي
[37]. خبيرٌ بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - مصر.
[38]. باحثٌ من المغرب.
[39]. أستاذةٌ جامعيّةٌ وباحثةٌ في الفكر السياسي الحديث، جمهوريّة مصر العربيّة.
[40]. مدرس الفلسفة الحديثة بكليّة الآداب جامعة بني سويف جمهوريّة مصر العربيّة.
[41]. باحثٌ وأكاديميّ - جامعة المنيا - جمهوريّة مصر العربيّة.
[42]. بن خدة، المثقّف والسلطة عند إدوارد سعيد مفهوم المثقّف، 18.
[43]. (2)-Intelligentsia» in Merriam-Webste Online-
نسخة محفوظة 07 يناير 2008 على موقع Wayback Mac
[44]. دكتورٌ وباحثٌ في كليّة الآداب بالقاهرة - مصر.
[45]. باحثٌ وأكاديميّ - الجزائر.
[46]. أستاذٌ ودكتورٌ مشاركٌ بقسم الفلسفة كليّة الآداب جامعة النيلين/ الخرطوم - السودان.
[47]. أستاذ الفلسفة والفكر- المغرب.
[48]. باحث - تونس.
[49]. أستاذ الفلسفة - جامعة المنيا - جمهورية مصر العربيّة.
[50]. باحثٌ وأكاديميٌّ في العلاقات الدوليّة- الجزائر.