الباحث : ضياء الدين سردار
اسم المجلة : الاستعمار
العدد : 3
السنة : ربيع _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث : April / 13 / 2025
عدد زيارات البحث : 92
تطوُّر دراسات المستقبل منذ الحرب العالميّة الثانية قد اتّبع نمطًا محدّدًا بوضوح؛ إذ في كلّ مرحلةٍ من مراحل تطوّرها، استخدمت دراسات المستقبل العلاقة السائدة بين الثقافات الغربيّة وغير الغربيّة لتعريف نفسها، وتحديد نطاقها ومجالات بحثها. يحاول هذا المقال، من خلال فحص المجلات الموجزة، وأدلّة الدراسة، والأعمال المعتمدة في هذا المجال، إظهار أنّ دراسات المستقبل تصبح بشكلٍ متزايدٍ أداةً لتهميش الثقافات غير الغربيّة عن المستقبل. سواء عن قصدٍ أم بدون قصد، يجري ترقية نخبة من العلماء البيض، وأغلبهم أمريكيون وذكور - ليس فقط لاستبعاد الكُتّاب والمفكّرين غير الغربيين عن المستقبل، ولكن أيضًا بإقصاء شبه تام للنساء - بوصفهم (سلطات) يقرّر عملهم ما هو مهم، وما ليس كذلك في دراسات المستقبل.
الكلمات المفتاحية:
استعمار المستقبل، التاريخ والسيطرة، القوة والإقليميّة، الدراسات المستقبليّة، العلمانيّة. تمهيد:
إنّ دراسات المستقبل ليست تخصّصًا كامل النضج بالمعنى الأكاديمي التقليدي للمصطلح؛ فهي ليست موضوعًا محدّدًا بنحوٍ جيّد، مثل الفيزياء أو الاقتصاد أو علم اللاهوت الذي تقدّمه معظم الجامعات في جميع أنحاء العالم بنحوٍ واضحٍ على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا. ومع ذلك، منذ نشأتها في ستينيّات القرن العشرين، تطورّت كنشاطٍ فكري وعلمي مستقل. على الرغم من أنّها ليست تخصّصًا معترفًا به بعد، فإنّ دراسات المستقبل تمتلك جميع السمات التي تشير إلى أنّها تخصُّص قيد التشكل، وهذه السمات هي مجموعةٌ من المنهجيّات المعترف بها والراسخة، وعددٌ من المجلات العلميّة المخصّصة لهذا المجال، ومجتمعٌ من العلماء يُطلق عليه تقنيًا (الكليّات غير المرئيّة)[2]، بالإضافة إلى مجموعة من النصوص والسلطات الراسخة، بما في ذلك الكلاسيكيات في هذا المجال. وبذلك، فإنّ دراسات المستقبل ليست مجرّد جنين، بل هي أشبه بجنينٍ متطوّرٍ ينتظر الدخول إلى عالم التخصّصات الأكاديميّة. إنّها مسألة وقتٍ فقط قبل أنْ تكتسب دراسات المستقبل كلّ ما يجعلها تخصّصًا أكاديميًّا محترمًا. عندما يحدث هذا التحوّل الحاسم، ستصبح دراسات المستقبل- مثل دراسات التنمية، وعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا)، والاستشراق- أداةً أكاديميّةً أخرى لإخضاع وتهميش الثقافات غير الغربيّة.
التاريخ والسيطرة
حدّد ماسيني[3] وجيلوالد[4] ثلاث مقارباتٍ في تطوّر دراسات المستقبل[5]؛ بين نهاية الحرب العالمية الثانية وستينيّات القرن العشرين، هيمنت على دراسات المستقبل (وجهة نظر تقنية/تحليلية) كانت في الأساس فرعًا غامضًا من تخصّصات أخرى، وتركّزت بشكلٍ كبيرٍ على الأبحاث والأهداف العسكريّة. وفي ستينيّات القرن العشرين وأوائل السبعينيّات، بدأت (وجهة النظر الشخصيّة/الفرديّة) في دراسات المستقبل تكتسب نفوذًا؛ إذ أصبح عمل كُتّاب ومفكّرين أفراد مثل توفلر[6]، ودي جوفنيل[7]، ويونك[8] ذا تأثير ٍكبير. أمّا المقاربة الثالثة، التي تُعرف بـ(المنظور التنظيمي/الاجتماعي)، فقد برزت فقط مؤخّرًا، وفي رأي ماسيني وجيلوالد، ستكون المقاربة السائدة في المستقبل؛ إذ تربط دراسات المستقبل بـ(القرارات والقيم والأهداف الخاصة بالمنظّمات التي تطلب هذه الدراسات. هذه المقاربات الثلاث المميزة تعدّ مميزةً من وجهة نظر الغرب فقط؛ فهي متّسقةٌ في الطريقة التي تتعامل بها مع الثقافات والمجتمعات غير الغربية بشكلٍ ملحوظٍ وتاريخي. في كلّ مرحلةٍ من مراحل تطوّرها، استخدمت دراسات المستقبل الثقافات والمجتمعات غير الغربيّة لتعريف نفسها، وكذلك لتطوير نفسها ونموّها.
خلال الفترة بين الحرب العالمية الثانية وستينيّات القرن العشرين، كانت الولايات المتّحدة تتكيّف مع مكانتها الجديدة كقوةٍ عظمى عالميّة. كان مصدر هذه القوة هو المجمّع الصناعي العسكري الذي دعم الاقتصاد الأمريكي وهيمنته السياسيّة والاقتصاديّة على العالم غير الغربي. في ظلّ هذه الظروف، كان من الطبيعي أنْ تكون دراسات المستقبل فرعًا من الأبحاث العسكريّة والاستخباراتيّة. وكان هدفها تحديد المناطق التي قد تكون بؤرًا للمشاكل المستقبليّة، والحركات السياسيّة والوطنيّة داخل الدول المستقلّة حديثًا في العالم الثالث التي قد تميل نحو الاشتراكيّة والكتلة الشيوعيّة، ووضع استراتيجيّات وبرامج لـتطوير العالم الثالث. وهكذا، نشأت المرحلة الأولى التقنية/التحليليّة لدراسات المستقبل من الحاجة إلى إبقاء الدول غير الغربيّة نقيّةً أيديولوجيًا ومتوافقةً تمامًا مع المصالح السياسيّة والاقتصاديّة للغرب.
ما نعرفه الآن باسم (دراسات المستقبل) تَشَكَّل فعليًّا في منتصف ستّينيّات القرن العشرين. يمكن تتبّع المنظور الشخصي/الفردي لدراسات المستقبل إلى نشر كتاب (الربيع الصامت) لريتشيل كارسون[9] في عام 1965 .كانت كارسون أوّل من عبّر عن المخاوف الشعبيّة المتعلّقة بالبيئة والمخاطر الكامنة التي تمثّلها التكنولوجيا الخارجة عن السيطرة والمتهورة على بقاء البشرية. فجأة، أصبحت قضايا مثل التلوّث، واستنزاف الموارد الطبيعيّة، وتدهور المدن، والانفجار السكاني من أكثر المشاكل الملحّة التي تواجه البشريّة. بين الأوساط ذات التوجّه التكنوقراطي في المجتمعات الغربية، أدّى الوعي البيئي إلى الاعتقاد بضرورة اكتشاف عوالم جديدة واستعمارها، ربما القمر، وربما المريخ. ومع ذلك، كانت هناك مجموعاتٌ أخرى لها وجهات نظرٍ وتوقعاتٌ مختلفةٌ بشأن المستقبل. شهدت تلك الفترة تطوّراتٍ مثل حركة الاحتجاج في بيركلي، والتحرّر الجنسي، وتعاطي المخدّرات، وظهور جيل البوب، وتأثير الحركات النسويّة، ومطالبة السود بحقوقهم. وقد أنتجت هذه التطوّرات ردود فعلٍ فردية متنوّعة على الأزمة البيئيّة. لعدّة سنوات، اندمجت هذه الحركات البديلة بشكلٍ مريحٍ مع المبادئ البيئيّة واستغلّتها.
بحلول منتصف سبعينيّات القرن العشرين، اختفى كثيرٌ من النشاط الشعبي البيئي، وبدا أنّ معظم المجموعات تميل نحو مواقف أكثر عقلانيّةً وهدوءًا تجاه الوعي الكوكبي والتجديد الذاتي العالمي. في الوقت نفسه، ظهرت بعض قصص النجاح التي حقّقتها الحركات البيئية، مثل إصدار تشريعاتٍ بيئيةٍ تهدف إلى الحد من التلوّث الحضري، وتعزيز السلامة الصناعيّة والمهنيّة، وتشجيع مصادر الطاقة البديلة. كما تضمّنت هذه الإنجازات الحملة من أجل الوقود الخالي من الرصاص، وعودة حركة السلام كقوةٍ سياسيّة رئيسة. وكان من بين الإنجازات البارزة نشر تقارير شهيرة إلى نادي روما[10] في السبعينيّات، مثل حدود النمو (1972) [11]، والبشريّة عند نقطة تحول (1974) [12]، بالإضافة إلى العديد من التقارير الأخرى. هذه التقارير أنهت التفكير الحرّ والتنبّؤات غير المدروسة التي كانت سائدة بين العديد من المجموعات البيئيّة، وأعلنت بداية دراسات المستقبل الجادّة.
كان أحد العوامل الرئيسة التي أسهمت في ظهور دراسات المستقبل الجادّة هو لحظة تأكيد الذات التي طال انتظارها والتي شهدتها الدول العربيّة في سبعينيّات القرن العشرين. صعود منظمّة أوبك، والخوف المصاحب من نقص الطاقة في الغرب، إلى جانب الموقف العدائي المناهض للغرب الذي تبنّته الثورة الإيرانيّة، لعب دورًا حاسمًا في توفير الدعم المؤسّسي والحكومي اللازم لدراسات المستقبل. في فترةٍ قصيرةٍ جدًا، أنشأت تقريبًا كلّ شركةٍ متعدّدة الجنسيات وحدة أبحاث مستقبليّة، وقامت الحكومة الأمريكيّة بإنشاء قسمٍ خاصٍّ للطاقة الوطنيّة، وهو مكتب تقييم التكنولوجيا[13] (الذي كان أيضًا نتيجة ضغط مجموعات البيئة)، كما بدأت القوى الغربيّة طقوسها السنويّة المتمثّلة في عقد قمّةٍ اقتصاديّة.
على المستوى المفاهيمي، يمكن القول إنّ أصول دراسات المستقبل تكمن في أزمةٍ نشأت بسبب الغرب ومن داخله، أزمة ترتبط بسياسات البيئة واقتصاديّات النمو. لقد تعزّزت دراسات المستقبل وتشكّلت بشكل أكبر نتيجةَ التهديد المدرَك من العالم غير الغربي، بالإضافة إلى نوعٍ من التمجيد المفرط - سأوضّح هذه النقطة أدناه - للثقافات غير الغربيّة .في ثمانينيات القرن العشرين، أصبحت دراسات المستقبل مرادفًا ــ بشكلٍ كبيرٍ على نحوٍ يزعج البيئيين الحقيقيين ــ للمصالح الغربيّة، وتطوّرت بسرعة إلى هياكل تهتمّ بشكلٍ أساسي بظهور نوعٍ جديدٍ من التكنولوجيا يُزعم أنّه يهدف إلى حلّ جميع مشاكل الهيمنة والسيطرة والعلاقات الإنسانيّة، مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتكنولوجيا الحيويّة، وأشكال جديدة من الزراعة، وما إلى ذلك. ومن هنا ظهرت منهجيّات متقدّمة للتنبّؤ التكنولوجي، وأدوات أخرى مثل النمذجة الديناميكية، وتطبيقات نظريّة الأنظمة العامة، والمحاكاة باستخدام الحاسوب، وطريقة دلفي[14]. الهدف الأساس من هذه الجهود هو تطوير رؤيةٍ مستقبليّةٍ يتمّ فيها توظيف نتائج الأبحاث في التكنولوجيا المتقدّمة لتطوير استراتيجيّات أفضل تضمن الحفاظ على الوضع القائم المتمثّل باستمرار الهيمنة والسيطرة الغربيّة على الثقافات غير الغربيّة بلا توقف. بإيجاز، فإنّ المستقبل مستعمَر بشكلٍ كاملٍ وحقيقي. هذه هي الفكرة الأساسيّة، وإنْ كانت غير معلنة، في مجلّات مثل (المستقبليّ)[15] وأعمال مثل (لقاءات مع المستقبل/ 1983) لمارفن سترون، وتوماس أوتول[16].
يمكننا أنْ نطلق على هذا البعد التكنوقراطي، الذي تُهيمِن عليه الأعمال التجاريّة ـــ بالمعنى المزدوج حيث يشكّل المستقبلُ مصدرَ قلقٍ حقيقي للشركات الكبرى، وفي الوقت نفسه يصبح المستقبل نفسه سلعةً للأعمال التجاريّة لأولئك الذين يتاجرون به؛ فكِّر في عدد المستقبليّين الأمريكيين الذين هم مجرّد رجال أعمال تقليديّين يتاجرون بسلعة تُسمّى (المستقبل) ــ تسميةَ (مصيبة كولومبوس)[17] كما أنّ كولومبوس، المدفوع بأزمة داخل أوروبا، بَحَث عن عوالم جديدةٍ لاستغلالها واستعمارها، فإنّ شريحةً كبيرةً من دراسات المستقبل تسعى إلى اكتشاف مجالاتٍ جديدةٍ وغير متخيّلة بعد لغزوها. ومع ذلك، ليس كلّ دراسات المستقبل ــ وبالتأكيد ليس كل المستقبليّين ــ يهتمّون برؤيةٍ مستقبليّةٍ غربيّةٍ وتكنولوجيّة. فمقابل كلّ هيرمان كان[18] بتفاؤله التكنولوجي المفرط، هناك إي. إف. شوماخر[19] بتقنيته البديلة. ومقابل كلّ باكمينستر فولر[20] بجيوسياته الهندسيّة، هناك فريتجوف كابرا[21] الذي يبحث عن نماذج جديدة[22]. ومقابل كلّ عقلاني صارمٍ مثل جلين تي. سيبورج[23] يُمجّد فضائل العلم، هناك متصوّفٌ لطيفٌ مثل ثيودور روززاك[24] يدعو إلى مستقبلٍ أكثر روحانيّة وصوفية .إنّ (مصيبة كولومبوس) في دراسات المستقبل يقابلها (متلازمة مور)[25].
سعى السير توماس مور[26] إلى إيجاد حلولٍ لمشاكل أوروبا من خلال الاعتماد على صورةٍ مثاليّةٍ للشعوب غير الأوروبيّة التي اكتشفها كولومبوس في أمريكا. كتابه (يوتوبيا)[27] الكلاسيكيّة الأدبية التي قدّمت أوّل تصوّرٍ مثالي للسكّان الأصليين، والثقافات غير الغربيّة، كان ممكنًا بفضل وصف فسبوتشي[28] للعالم الجديد. كُتب هذا العمل في عام 1516م، بعد 24 عامًا فقط من اكتشاف كولومبوس للعالم الجديد، ونشأ من حاجة الإنسانيّة الأوروبيّة لإنقاذ نفسها من مطهرها الأخلاقي، وإعادة تصور نفسها، مع إزاحة السكان الأصليين للجنة. بالنسبة للسير توماس مور واليوتوبويين[29] الذين جاءوا بعده، كان العالم الجديد يوتوبيا جاهزة لعصر النهضة. وقد قدّم لنا أوّل مثالٍ لنمطٍ أصبح لاحقًا جزءًا مركزيًّا من الفكر الغربي. واقع أرضٍ معروفةٍ حيث يعيش الناس وفقًا لوجهات نظرٍ مختلفةٍ، ونماذج مختلفةٍ للمعرفة والوجود، استُخدم كموقع لتطبيق أفكارٍ ذات أصولٍ واهتماماتٍ أوروبيّة بالكامل.
تستمر (متلازمة مور) في دراسات المستقبل في هذا التقليد، فكما كان الحال مع اليوتيوبيّين الكلاسيكيين، يستولي العديد من المستقبليين المعاصرين على الأفكار والبيانات والتجارب من مجتمعاتٍ وثقافاتٍ أخرى، ويعيدون تطبيقها كرؤى لمستقبلٍ غربي علماني.
النقطة هنا هي أنّ المفكّرين المستقبليّين الذين يستخدمون الفلسفات غير الغربيّة وأنماط المعرفة قاعدةً لبناء رؤى بديلةٍ للمستقبل، ويعملون لتحقيق تلك الرؤية، يعملون بشكلٍ صارمٍ ضمن التقليد الأوروبي للإنسانيّة، وهو تقليد مغمور بالكامل في الرؤية العالميّة العلمانيّة. وغالبًا ما يكون الناتج النهائي لفكرهم صورةً مشوّهةً وساخرةً للفكر والفلسفة والتقاليد غير الغربيّة. وبالتالي، حتى (الروحانيّة الجديدة)[30]، و(القيم) التي يسعى إليها المستقبليّون الذين يعانون من (متلازمة مور)، يجب أنْ تتماشى مع إملاءات العلمانيّة؛ لذلك، نجد أنّ أشكال الروحانيّة الشرقيّة العلمانيّة- مثل الزِّن البوذيّة[31]- هي التي تلقّى تعاطف هؤلاء المستقبليّين. بينما يتم تجاهل الجسم الضخم للتقاليد غير العلمانيّة وغير الغربيّة بشكلٍ شبه كامل. وهناك أيضًا مفارقة إضافيّة تتمثّل في أنّ نتاج الإنسانيّة الغربيّة يقوم باقتراض (الفكر التقليدي) من ثقافةٍ غير غربيّة، ثم يعيد تقديم هذا المنتج المعاد تغليفه إلى السكّان الأصليين. خذ على سبيل المثال إي. إف. شوماخر[32]؛ فبغض النظر عن مكانته في الغرب، فإنّ شوماخر بوصفه متصوّفًا في التقليد الشرقي يُعدّ مبتدئًا بوضوح. الدول في العالم الثالث التي تمتلك تقاليد طويلة في البوذيّة ليست بحاجةٍ إلى شوماخر ليخبرها عن الاقتصاد البوذي، أو فوائد الفكر التقليدي؛ لأنّ لديها عقولًا أعظم بكثيرٍ وتقاليد تاريخيّة طويلة يمكنها الاعتماد عليها.
إنّ السخافات التي تنتج عن محاولات مختلف المستقبليين لتشكيل (نموذج جديد) على أساس الفكر الشرقي تتجلّى بشكلٍ جيّدٍ في دراسة كلود ألفاريز[33] لأحد المستقبليّين الأكثر احترامًا ضمن قالب السير توماس، فريتجوف كابرا[34]. في كتابه نقطة التحوّل[35]، يزعم كابرا أنّ أوصاف الواقع التي تقدّمها الفيزياء النظريّة الحديثة والفلسفة الهندية تتشابه إلى حدّ كبير. ويرى أنّ الأوصاف الأكثر دّقةً لعلم الكونيّات في العالم تحت الذرّي هي تلك التي قدّمها الصوفيّان الهنديّان ناجارجونا[36] وأوروبيندو[37]. بصرف النظر عن حقيقة أنّ أفكار أوروبيندو تُعدّ مُفنّدةً ضمن تقليد الميتافيزيقيا الهنديّة، يشير ألفاريز إلى أنّ قيم النظامين لا يمكن أنْ تكون أكثر تباعدًا؛ إنّهما (كثورين غاضبين في حلبة القتال). عندما يدّعي كابرا أنّ الحدس الصوفي يشبه الواقع الرباعي الأبعاد للزمكان الأينشتيني، فهو في الواقع يقلّل من شأن الميتافيزيقيا الهنديّة إلى حدود العلم. يسأل ألفاريز، كيف يعرف كابرا أنّ تجارب الصوفيين محدودةٌ بأربعة أبعاد؟ على أيّ حال، البُعد هو أداة تحليليّة، مثل هذه البنيات الذهنيّة لا معنى لها بالنسبة للصوفيين! وماذا يحدث عندما تُغيّر العلوم تصوّرها للواقع كما هو متوقّع أنْ يحدث؟ تبدو الميتافيزيقيا الهنديّة، مع رقصة شيفا، مرة أخرى قديمةً ومثيرةً للسخرية.
يريد كابرا أنْ يتم استبدال النهج الاختزالي للعلم بمراجعةٍ شاملةٍ للنظم في الطبيعة، التي يدعي أنّها أقرب إلى النظرة العضويّة التي تتبناها معظم التقاليد الشرقيّة تجاه الطبيعة والواقع. يجد ألفاريز أنّ ادعاء كابرا ببساطة غير منطقي. النهج النظامي أو الشمولي لا يزال نهجًا ذهنيًّا، والذهن أداة غير كاملةٍ لا يمكنها أبدًا أنْ تتطابق وظيفيًّا مع قدرات الحدس، الصوفيّة، أو الطبيعة. في الثقافات غير الغربيّة، في الواقع، يُمنع الذهن بشكل فعّال وبحقّ من التظاهر بأنّه الوسيط المعرفي الأساسي؛ إنّه يُعد من الدرجة الثانية، وهذا يلائم طبيعته كأداة. ما لم يتم الاعتراف بهذا، ستحدث أخطاءٌ جوهريّة. المتصوّف يشك في العقل، ينفر من الظواهر المنفصلة، ويستاء من الفصل. الاختزالية[38] والشموليّة[39] هما بناءان للعلم. وبالتالي، عندما يدّعي أحدهم أنّ نهج الأنظمة هو نهجٌ علمي أفضل، وأنّه أيضًا مشابه جدًا للنظرة العضويّة للحياة التي يتبناها الفلاسفة الشرقيّون، فإنّه لا يزال يمارس الاختزالية، مُختزلًا التصوّف الآن إلى فهم يُعبّر عنه العقل التحليلي، في حين أنّ ما يُسمّى بالصفات الصوفيّة أو القَبَلية أو الميتافيزيقيّة في التقاليد الشرقيّة تشترك جميعها في سمةٍ واحدة: فهي غير علميّة، أو بصورةٍ أفضل، متجاوزة للعلم؛ أنّها غير علمية، أو أفضل من ذلك، عابرة للعلم[40].
عندما يقوم كابرا بإخراج الميتافيزيقا الهنديّة من سياقها وتطبيقها على العلم الحديث، بنيّةٍ حسنةٍ لتطوير فكرٍ نموذجي جديد، يقوم كابرا بالضبط بما حاول السير توماس فعله مع الأمريكيين الأصليين؛ إنّه يحاول إنقاذ الفكر الغربي من خلال نفخ ميتافيزيقا وتجارب وبيانات هنديّة إنسانيّة فيه. إنّه لا يدرك أنّه قد قام بتحطيم وتجريد الفكر الهندي من إنسانيّته في هذه العملية. يرى ألفاريز الحجج في كتاب (نقطة التحوّل)[41] محاولةً لتحسين العلم، وتمرينًا في التنقيب في تقاليد أخرى للتغلّب على الفقر الميتافيزيقي للعلوم الحديثة، ويُحذّر قائلًا: «هذا هو العلم في مرحلةٍ جديدةٍ من الاستعمار؛ كلّما وجد العلم نفسه في طريقٍ مسدود، يبحث حوله عن أرضٍ جديدة. عادةً ما يمنح العلم قوةً لمعارف أخرى من خلال دمجها».
لم أختر فريتيوف كابرا لمعاملةٍ خاصة، بل استخدمتُ أفكاره فقط لتوضيح النزعة الاستعماريّة في دراسات المستقبليّات. يمكن قول الشيء نفسه عن مستقبليين بارزين آخرين الذين يعانون من متلازمة مور: شوماخر[42]، وروزاك[43]، ورايش[44]، ويلبر[45]، ومجموعة كاملة من المستقبليين الذين يروّجون لفلسفات (العصر الجديد)[46].
وبالتالي، حتى عندما تدّعي دراسات المستقبليّات أنّها تقترض وتدمج الفكر غير الغربي في إطارها، فإنّها تظلّ متجذرةً بقوة في الأفكار الفلسفيّة الغربيّة. في الواقع، تُعمل جميع البدائل المستقبليّة ضمن هذا النظر الفلسفي الواحد السائد. الثقافات الأخرى، في أحسن الأحوال، موجودةٌ لأغراضٍ تزيينيّة، أو الأسوأ من ذلك، لتستخدم لدعم نظامٍ فكريّ وعمليّ مسؤولٍ بالفعل عن الوضع المزري الحالي للبشريّة.
القوة والإقليميّة
تظهر النزعة الاستعماريّة لدراسات المستقبل بوضوح في المرحلة الثالثة الحاليّة من نموّها. (المنظور التنظيمي/الاجتماعي)[47] لدراسات المستقبل هو أيضًا المجال الذي يتم فيه تشكيل هذا التخصّص كعلم ذي حدودٍ معترفٍ بها، وأدواتٍ محدّدةٍ - بما في ذلك سلطات راسخة، ومجالات محدّدة للبحث والتفكير، ومنظمات علميّة ومهنية، وأدوات ببليوغرافيّة وأدلّة دراسيّة. لفهم نطاق وعمق الاستعمار الجاري حاليًّا في دراسات المستقبل، من المهم معرفة كيفيّة إنشاء الفضاءات الفكريّة وإدارتها والدفاع عنها في العلم الغربي. دراسات المستقبل تتبع نمطًا راسخًا لتطوّر التخصّصات، وهو نمطٌ مصمَّمٌ لصناعة السمعة، وإنتاج نخبةٍ من المسؤولين الذين يسيطرون على هذا التخصّص، ويقرّرون من هو المهم، ومن هو غير المهم فيه، وما هو المهم، وما هو غير المهم للمجال.
في العلم الغربي المعاصر، تُبنى السمعات عبر لعبةٍ إحصائيّةٍ بسيطة: كم عدد العلماء الآخرين الذين يستشهدون بك في كتاباتهم. تعتمد تحليلات التوصيات على حقيقة أنّ بعض الوثائق الفرديّة لها تاريخٌ من الاستخدام المشترك في إعداد الوثائق الجديدة. الدليل هو أنّها مستشهَدٌ بها معًا – موصّى بها - من قِبَل من يشارك في الكتابة الجديدة. يمكن حساب عدد المرّات التي يُستشهد فيها بوثيقة، وبالتالي مؤلّفها. بالنسبة لزوجٍ من الوثائق، قد لا يعني بضع حالات من التوصية الكثير؛ ولكنّ زوجًا به العديد من التوصيات يُنظر إليه على أنّه يمتلك علاقةً موضوعيّةً قويّةً، وأنّه مهم لتطوير المجال. تشير التوصيات العالية للأعمال الكاملة - أي مجموعة الكتابات لمؤلّفين محددين - كما هو الحال بالنسبة للوثائق الفرديّة، إلى وجود علاقةٍ موضوعيّةٍ متصوّرة بينها. تحليل المؤلّفين المتواصين ببساطة هو تحليل لأزواج الأعمال الكاملة ذات التوصية العالية، بدلًا من أزواج الوثائق الفرديّة. من خلال فهارس الاستشهادات الإلكترونيّة، مثل تلك التي يوفّرها معهد المعلومات العلميّة[48]، يمكن معرفة عدد المرات التي تم فيها التوصية بأعمال المؤلفين بوساطة الكُتّاب اللاحقين بسرعة. يُقال إنّ الأعمال الكاملة ذات الترابطات الكثيفة تشير إلى مجالٍ بحثي أو علمي؛ تشير أنماط الترابطات المتفاوتة من العالي إلى المنخفض إلى التخصّصات داخل المجال.
لذا، فإنّ الاستشهادات تقوم بدورين: تُؤسّس السمعة، وتُحدّد مجالات العلم. يعمل العلماء في مجال معينٍ ضمن ما يُعرف في علم المعلومات بـ (الكليّات الخفية)[49]، حيث يستشهدون ببعضهم البعض بشكلٍ واسع، ويسيطرون على مجلةٍ علميّةٍ أو اثنتين، ويحرصون بغيرةٍ على حماية مناطقهم الفكريّة. يتم تعزيز هذه المناطق أكثر من خلال كتابة مراجعات الأدبيّات، وأدلة الأدبيّات، وإنتاج مختارات تعزّز سمعة أعضاء المجموعة، وتخبر الوافدين الجدد إلى المجال بمن يجب أنْ يُقرأ ويُستشهد بهم. أنوي أنْ أوضّح كيف يتم لعب هذه اللعبة دون قصدٍ في دراسات المستقبل من خلال فحص عددٍ من أدوات المرجعيّة وأدلّة الدراسة المهمّة.
أهم الأدوات الببليوغرافيّة في دراسات المستقبل هي (مسح المستقبل)، وتجميعها السنوي (مسح المستقبل السنوي)، وكلاهما تحت إشراف مايكل مارين[50]. هذه المنشورات محترمةٌ وجديرةٌ بالتقدير، ولكنّها تحافظ أيضًا على النزعات العرقيّة والاستعماريّة للفضاء الفكري الذي تحدّده وتخدمه. خدمات الفهرسة والتلخيص ليست مجرد مساعٍ علميّة فحسب؛ بل هي أيضًا أدوات أيديولوجيّة تمتلك قوّةً وتأثيرًا هائلين في تشكيل حدود تخصّصٍ معيّنٍ من خلال تحديد المجلات التي يجب أنْ تُفهرس، والمؤلّفين والمقالات التي يجب أنْ تُلخص، ومن يجب أنْ يتم تسليط الضوء عليهم، والقضايا التي يجب أنْ تُعطى تغطية أوسع أو أضيق. قوم دراسات (مسح المستقبل) بأداء مهمتها من خلال التركيز حصريًا على الولايات المتحدة الأمريكيّة، ثم تقديم محتوياتها كظاهرة عالميّة؛ لاحظ أنّ العنوان هو (مسح المستقبل)، وليس مسحًا للمستقبليين الأمريكيين مع إضافة بعض الأوروبيين كأمرٍ ثانوي. يعطي (مسح المستقبل السنوي 1992) المعايير التالية لاختيار المواد: «تم اختيار الأدبيّات المذكورة هنا من خلال مسح إنتاج أكثر من 150 دار نشر، وعشرين معهدٍ بحثي، وعدة عشرات من المجلات العامّة، والصحف الرائدة، وأكثر من 250 مجلة علميّة ومهنيّة. تشمل معايير الاختيار الشموليّة، والأصالة، والسلطة، والأهميّة للمصلحة العامة»[51]. التغطية محصورةٌ باللغة الإنجليزيّة، ويعترف المحرّر بأنّ معظمها (كتبه أمريكيّون، ونُشر في الولايات المتحدة، ويركز بشكلٍ كبيرٍ على مشاكل ومصالح الولايات المتّحدة). هذا كلّه، بأيّ حالٍ من الأحوال، لا يعني تفوّقًا أمريكيًّا، بل هو مجرد نتاج لحدودٍ واقعيّة.
ولكن، ما هي النتائج الفعلية لهذه (الحدود الواقعيّة)؟ ما يعنيه ذلك في الواقع هو أنّ الإسهامات غير الغربيّة في دراسات المستقبل، بالإضافة إلى القضايا والمخاوف غير الغربيّة، مغيّبةٌ تمامًا عن أهمّ أداةٍ ببليوغرافيّةٍ في الفضاء الفكري المعروف بـ (دراسات المستقبل). ولكن هذا ليس كلّ شيء؛ بل المحتويات المتحيّزة عرقيًّا لمسح المستقبل تتكرر في أماكن أخرى، ومع مرور الوقت، يُنظر إلى القضايا والمخاوف والكتّاب الذين يُلخصهم المجلة على أنّهم يمثّلون قضايا ومخاوف وكُتّاب دراسات المستقبل. بمعنى آخر، من خلال تجاهل الكم الهائل من المواد غير الغربيّة باللغة الإنجليزيّة لأسبابٍ عمليّةٍ ومالية، يقوم مسح المستقبل دون قصد برسمٍ حدودٍ عرقيّة للتخصّص.
بمجرد تحديد الأطر العرقيّة لفضاءٍ فكري، يتم الحفاظ عليها، والسيطرة عليها بشكلٍ مستمرٍ من خلال زخمٍ ذاتي. وبالتالي، تجد الطبيعة العرقية لـ (مسح المستقبل) صدًى قويًّا في (مسح المستقبل التابع لليونسكو)[52]، وهو أداةٌ مرجعيّةٌ جديدةٌ ومهمةٌ لدراسات المستقبل. العدد الأول من المسح (يونيو 1992)، يحتوي على قسمٍ ببليوغرافي موثوقٍ يقدّم أربع ببليوغرافيّات: (مستقبل العالم)، و(البيئة والمجتمع)، و(السلام، والثقافة، والديمقراطية والحكم)، و(المناطق والدول). جميع الأقسام الأربعة تحتوي فقط على مقالٍ واحدٍ بقلم كاتبٍ غير غربي عن تايلاند؛ على الرغم من أنّه في أيٍّ من مجالات السلام، والثقافة، والبيئة يوجد ما يكفي من الموادّ التي تتسم بـ(الشمول، والأصالة، والسلطة، والأهميّة للمصلحة العامة) التي تأتي من الهند وحدها لملء عدّة مجلداتٍ من المسح. القسم الثاني من المجلة يحمل عنوان (التركيز على التعليم)، ويحتوي على تحليلٍ مطولٍ للتفكير الحديث حول تعليم المستقبل في الولايات المتّحدة ونظرةٍ عامّةٍ دوليّةٍ على تعليم المستقبل، البليوغرافيا المختارة للمقال الأخير تمكّنت من الخروج بمرجعٍ واحدٍ فقط غير غربي (هندي). على عكس (مسح المستقبل)، صُمّم (مسح المستقبل التابع لليونسكو) بشكلٍ واضحٍ كأداةٍ مرجعيّةٍ عالميّة؛ يمكن أنْ يُغفر لأيّ شخصٍ من دولةٍ ناميةٍ يقرأ العدد الأول من (مسح المستقبل التابع لليونسكو) أنْ يظن أنّ دراسات المستقبل هي شأن أمريكي بحت، مع دعمٍ أوروبي هامشي، لا علاقة له بالعالَم الثالث، ولا أحد في أيّ مكانٍ من العالم الثالث قد كتب أيّ شيءٍ عن المستقبل يستحقّ الذكر في عملٍ ببليوغرافي مرجعي. عندما يُجمع هذا مع المجلدات الضخمة من الأعداد السنوية لـ (مسح المستقبل) التي تغطّي أكثر من عقدين من العمل في دراسات المستقبل، نحصل على الصورة الكاملة: العالم يبدأ وينتهي بالولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي، المستقبل هو في الواقع شأنٌ غربي، وفرصةٌ غربية. الثقافات غير الغربيّة هي مجرد عبءٍ ثقافي.
يَتَلقّى هذا الادّعاء مزيدًا من الدعم من خلال الأنطولوجيّات وأدلة الدراسة المُعَدَّة للاستخدام على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا؛ فهي أشكالٌ جنينيّة للكتب الدراسيّة. كتاب (دراسة المستقبل) لإدوارد كورنيش[53]، رئيس جمعيّة المستقبل العالميّة[54] المقرّرة في واشنطن، هو مثالٌ جيّدٌ ومبكّرٌ لهذا النوع. يصف الكتاب نفسه بأنّه (مقدمة لفنّ وعلمِ فهم وتشكيلِ عالم الغد). يميّز كورنيش نفسه بعدم إبداء أيّ وعي بوجود الثقافات غير الغربيّة، فضلًا عن الاعتراف بأنّها قد تكون لها مساهمةٌ في تشكيل المستقبل. في الفصل الأخير من الكتاب، خُصّصت ثلاث صفحات للحكمة الجماعيّة للبشريّة (التي استنادًا إلى عدد الصفحات المخصصة لـلحكمة للمستقبليين البيض الذكور، تبدو بالتأكيد غير مهمّة!). ولكن ممّا تتكوّن هذه الحكمة الجماعيّة؟ لا يخبرنا كورنيش؛ لكنّه يقترح أنّه ينبغي إنشاء شبكةٍ مستقبليّةٍ عالميّةٍ تضمّ ملايين الأشخاص حول العالم، على الأرجح لتقديم إسهاماتٍ إلى الغرب بهدف إحيائه والتغلّب على مشاكله. ومع ذلك، نُخبَر، بصورةٍ قاطعة، من هم المستقبليّون الأكثر سلطةً وأصالةً، ونحصل على ذوقٍ من أعمالهم؛ يختار كورنيش (الأساتذة) الذين يُطلب من طالب المستقبل أنْ يقرأهم ويستوعبهم. وبما أنّ جميعهم يقفزون من صفحات (مسح المستقبل)، فليس من المستغرب أنّهم جميعًا بيض، وباستثناء واحد، الذكور هم: بيرتراند دو جوفينيل[55]، وجلين ت. سيبورغ[56]، وروبرت يونك[57]، وآرثر سي. كلارك[58]، وويليس هارمان[59]، ودانيال بيل[60]، وإسحاق أسيموف[61]، وجون مكهيل[62]، وهيرمان كان[63]، وألفين توفلر[64]، والأستاذة الأنثى الوحيدة التي لا يعدّها معظمنا مستقبليّة، هي مارغريت ميد[65]. وأخيرًا، لتأكيد هذه النقطة بشكلٍ قاطع، فإنّ ببليوغرافيا مشروحة تضم 119 عنصرًا في نهاية الكتاب توضّح من يشغل الفضاء الفكري المسمّى دراسات المستقبل؛ فهناك عدد قليل من النساء كتمثيل رمزي، ولا يوجد أيّ كاتبٍ من خارج الغرب. في جميع أنحاء العالم الثالث، في جميع التخصّصات تقريبًا، يتم استخدام الكتب المدرسيّة الأمريكيّة كموارد تعليمّية قياسيّة. لا شك في أنّ دراسة المستقبل، والعديد من كتب المستقبل المماثلة ستحذو حذوها.
غياب موضوعاتٍ غير غربيّة ومفكّرين وكُتّاب من العالم الثالث بات ينعكس الآن في صياغة مناهج الدراسة الجامعيّة لدراسات المستقبل. يقدّم (استكشاف البدائل المستقبلية: دليل مؤقت للمعلّمين) لديفيد هيكس[66] و(مفاهيم المستقبل والأفكار القويّة) لريتشارد إيه. سلوتر[67] أحدث الجهود في تطوير المواد الدراسيّة لدراسات المستقبل. تم إعداد دليلٍ هيكس لمشروع المستقبل العالمي[68] في معهد التعليم[69]، جامعة لندن والذي يقدّم جولةً معلوماتيةً ومسليةً في مجال دراسات المستقبل؛ ولكن البعد العالمي محدود على الثقافة الغربيّة بشكلٍ صارم. جهود سلوتر فكريًّا أعلى بكثيرٍ ومدروسة بعنايةٍ أكبر من أيّ شيءٍ آخر تم في هذا المجال من دراسات المستقبل، وهي مقسّمة إلى جزأين. الجزء الأول يأخذنا عبر المفاهيم الأساسيّة لدراسات المستقبل. (الأفكار القوية)[70] تظهر في الجزء الثاني، وتشمل موضوعات مثل (تحرير الثقافة)[71]، و(التغيير)، و(إعادة التفاوض على المعاني)، و(حدود النمو)، وغيرها. على المستوى الظاهري، يبدو أنّ لدينا دليلًا دراسيًّا لدراسات المستقبل يتميز بوعيّ ثقافيّ عميق. ومع ذلك، تكشف القراءة المتأنّية عن أدلةٍ محدودةٍ تشير إلى وجود ثقافاتٍ غير غربيّة، حتى القسم الذي يحمل عنوان (خرائط المعرفة) لا يحتوي على أيّة تصوراتٍ غير غربيّة للمعرفة. ومع ذلك، تتسلل الثقافات غير الغربيّة في قسمٍ يحمل عنوان (نحو ثقافة الحكمة). نُخبَر أنّ ثقافة الحكمة لها الجوانب التالية:
فهم واضح للإنسانيّة المشتركة.
تجاوز القواعد المبنيّة على العرق، والجنس، وغيرها.
استخدام متوازن للعقلانيّة والحدس.
دوافع أعلى تُعيد تشكيل الحياة الاقتصاديّة.
طرق ومؤسّسات لتعزيز نمو الوعي.
التعليم كحقلٍ معرفيّ يتسم بالسمو.
التكنولوجيا كوسيلةٍ لتحقيق السمو، وليست بديلًا عنه.
الاختلافات المحليّة في إطار السياقات الكونيّة.
جميع البشر والأديان يُنظر إليهم ككيانٍ واحدٍ في الروح.
لا توجد إشارةٌ إلى أنّ هذه الأفكار مُستعارةٌ فعلًا من الثقافات غير الغربيّة؛ ولم يُعطَ لنا أيّة أمثلةٍ عن ثقافات حكمةٍ ميتةٍ أو حيّة؛ بل يُقدّم الأمر كلّه بوصفها يحتاج الغرب إلى امتلاكه لإنتاج مستقبلٍ أكثر جاذبيّة وصحّة. لا يقدّم كلٌّ من هيكس وسلوتر أيّ إشارةٍ إلى أيّ كاتبٍ غير غربي.
قد يجادل كلٌّ من هيكس وسلوتر بأنّهما استندا في أدلة الدراسة الخاصّة بهما على موادّ متاحةٍ وسهلة الوصول. ولكن هذا بالضبط هو المحور، أي توافر المادة يعتمد على مدى ظهورها، و(مسح المستقبل) والمختارات مثل تلك التي أعدّها كورنيش تحدّد ما يصبح مرئيًا، فمطوّرو المناهج يتبعون هذا النهج. بالفعل، لو كان هيكس قد نظر إلى فصلٍ دراسيّ متوسطٍ في مدرسةٍ متوسطةٍ في المملكة المتّحدة لكان قد حصل على صورةٍ مختلفةٍ تمامًا عمّا يشكّل العالَم. لو كان سلوتر قد نظر من نافذة مكتبه في جامعة ملبورن لكان قد رأى ثقافة حكمةٍ تكافح من أجل البقاء، وهم السكّان الأصليّون الأستراليون. ألا يملكون هؤلاء دورًا يؤدّونه في تطوير وعي المستقبل في الجيل القادم من الأستراليين؟! ألا يملكون دورًا في مستقبل أستراليا؟!
الأهداف اللاواعية التي تقوم على صياغة دراسات المستقبل هي لتشكيل مستقبل جميع الثقافات وفقًا لصور ورغبات الغرب. ومع ذلك، في بعض الحالات، ليست هذه الرغبة لاواعية؛ بل هي رغبةٌ صريحةٌ وواضحة. الدراسة التي أجراها جوزيف ف. كوتس، وجنيفر جارات بعنوان (ما يعتقد المستقبليون)[72]، تمثّل الفكر الاستعماري الكلاسيكي في أكثر أشكاله توسعيّة وتمجيدًا للذات، الفرق الوحيد هو أنّه يتم تنفيذه في نهاية القرن العشرين. الدراسة هي نتاج اهتمامات منظمتين: الشركات متعدّدة الجنسيات التي تُوجَّه إليها الدراسة، والجهات الراعية للكتاب، جمعيّة المستقبل العالميّة. الإشارة الوحيدة إلى العالم غير الغربي جاءت في المقدمة حيث يطرح المؤلّفان سؤالين كأمثلة على ما تهدف الدراسة إلى الإجابة عليه: «هل ستكون هونغ كونغ مختلفةً في القرن القادم؟»، و«ما هي إمكانيات التسويق الجماعي في الاتحاد السوفيتي خلال العشرين عامًا القادمة؟». لقد عدنا الآن بثباتٍ إلى أراضي كولومبوس، إذ الأهميّة الوحيدة للثقافات غير الغربيّة أنّها أسواق للغرب.
على أيّ حال، من هم المستقبليّون؟ يطرح كوتس وجارات السؤال بالمعنى العالمي: من، من بين أولئك الذين يدّعون أنّهم مستقبليون، يستحقّون حقًا أنْ يوصفوا بأنّهم مستقبليون؟ وما هي معتقداتهم؟ هكذا بدأ المؤلّفان في اكتشاف الأساتذة الحقيقيين للفضاء الفكري:
لقد قمنا بتجنيد عشرة مشتركين تجاريين للمشروع. في الاجتماع الأول مع ممثليهم، قدّمنا لهم قائمةً تضم 125 مستقبليًا للإدراج المحتمل. كان المعيار الأكثر أهميّةً للاختيار هو أنْ يكون لدى المستقبليين شيءٌ ليقولوه عن المستقبل ذو صلةٍ بالشركة. كان من المهم إلى حدٍّ ما أنْ يحظى المستقبليّون بمكانةٍ بارزةٍ واعترافٍ داخل مجتمع المستقبليين. أمّا مدى ظهورهم أمام العملاء من قطاع الأعمال فكان أقلّ أهميّة؛ نظرًا لأنّ العديد من أبرز المستقبليين لا يتمتعون بشهرةٍ واسعةٍ في العالم المؤسّسي. ومن الاعتبارات الأخرى أنْ يعكسوا تنوّعًا في وجهات النظر[73].
إنّ تنوع الاختيار يتضح من حقيقة أنّ الأساتذة العالميين تم تحديدهم كـ 17 مستقبليًا ذكرًا أبيض، هم أمريكيّون بشكل ساحق، بمتوسط عمر 58 عامًا. يتم استبعاد غير الغربيين؛ لأنّهم أقلّ شهرة من المستقبليين الأمريكيين؛ (إذا كنت أمريكيًّا أبيض ذكرًا أقلّ شهرة، يمكنك الدخول إلى النظام؛ إذا كنت ذكرًا غير أبيض غير غربيّ وأقلّ شهرة، فانسى الأمر)، ولكن ماذا عن النساء؟ يخبرنا المؤلفان أنّهما «لم يتمكنوا من تحديد أيّ منهم في الولايات المتحدة يعادل في القامة والنطاق وعرض الاهتمام لتلك المستقبليين الذين تم اختيارهم بالفعل». وبالتالي، ما تثبته الدراسة هو حقيقةٌ واضحةٌ وعالميةٌ مفادها أنّ الفضاء الفكري المسمّى بدراسات المستقبل هو مجالٌ حصريٌّ لمجموعةٍ مختارةٍ من الأمريكيين البيض الذكور.
كلّ واحد من المستقبليين المختارين (روي أمارا[74]، وروبرت آيرز[75]، ودانيال بيل[76]، وكينيث بولدينغ[77]، وآرثر سي. كلارك[78]، وبيتر دراكر[79]، وفيكتور سي. فيركيس[80]، وباري هيوز[81]، وألكسندر كينج[82]، وريتشارد دي. لام[83]، ومايكل ماريان[84]، ودينيس ميدوز[85]، وجيمس أوجيلفي[86]، وجيرارد كيه. أونيل[87]، وجون بيرس[88]، وبيتر شوارتز[89] وروبرت ثيوبالد[90]) يحصل على فصلٍ خاصٍّ به يستكشف فكره وأعماله. في نهاية كلّ فصلٍ، يوجد رسمٌ توضيحي يُظهر القوى الفكريّة التي تؤثّر في تفكير المستقبلي؛ إذ لا يعترف أيٌّ منهم بتأثّره بمصدرٍ غير غربي؛ حتى آرثر سي. كلارك، الذي اتّخذ من سريلانكا مقرًّا له - يُفترض بسبب احترامه لثقافتها - لا يعترف بتأثير مصدرٍ غير غربي! يخبرنا قسمٌ مدروسٌ بـ (ما تجاهله 17 مستقبليًا، بشكل عام): تشمل قائمة (علم اجتماع المستقبل)، النساء، والسود، والأقليات، والمهاجرين، والصراعات الثقافيّة، والأمم ومجموعات الأمم، والدين، بعبارة أخرى، أيّ شيء قد يتطلّب الاعتراف بوجود كياناتٍ غير البيض، الذكور، الأنجلو ساكسونيين!
في العديد من الجوانب، تتطوّر دراسات المستقبل كحقلٍ معرفي على النهج المألوف لدراسات التنمية التي تمّ فيها أولًا إنشاء السلطات الغربية من خلال تحليل الاستشهادات، واستطلاعات الأدبيات، وأدلة الدراسة، وتمّ تحديد حدود التخصص وفقًا لمصالح البحث لهذه السلطات. أصبحت الكتب المدرسيّة التي أنتجها هؤلاء للسلطات أدوات التعليم الأساسيّة في العالم الثالث؛ في حين ذهب أساتذة التخصّص إلى العالم الثالث كمستشارين ومؤلّفين لخطط التنمية الوطنيّة. لم يعدّ الأمر إلّا مسألة وقتٍ حتى يظهر الخبراء الذين حددهم كوتس وجارات، وكورنيش وآخرون في العالم الثالث كمستشارين لإنشاء أقسامٍ جامعيّةٍ، وخططٍ مستقبليّةٍ طويلة المدى. العلامات بالفعل مقلقة. تمامًا كما أنّ خطط التنمية الوطنية للعديد من البلدان النامية تعكس القليل من الاهتمام أو الاحترام للثقافة الأصلية، والاحتياجات المحلية، فإنّ العديد من خطط المستقبل الوطنيّة تعكس هموم واهتمامات المستقبليين الغربيين بدلًا من آمال وطموحات السكّان المحليين. تم تحديد أولويات مثل هذه الدراسات المستقبليّة كرؤية ماليزيا 2020، والصين 2000، والمكسيك 2000، ليس من قبل السكّان المحليين؛ بل من خلال تقرير الولايات المتّحدة العالمي 2000 [91].
إذًا فدراسات المستقبل تسير نحو أنْ تصبح أداةً أكاديميّةً وفكريّةً أخرى لاستعمار العالم غير الغربي. استعمر الاستشراق تاريخ الثقافات غير الغربيّة[92]، واستعمرت الأنثروبولوجيا ثقافات المجتمعات غير الغربيّة[93]. واستعمرت التنميةُ الحاضرَ في العالم الثالث؛ وبذا تصبح دراسات المستقبل الأداة لاستعمار الحدود الأخيرة من المستقبل غير الغربي[94].
المصادر والمراجع
Alvares, C., ‘New -paradigm thinking: we have been here before’, in Z. Sardar. The Revenge of Athena: Science, Exploitation and the Third World, London, Mansell, 1988.
Hicks, D., Exploring Alternative Futures: A Teacher’s interim Guide, London, University of London, Institute of Education, 1991.
Meadows, D, et al, Limits to Growth, New York, Potomac Associates, 1972.
Masini, E. B. and Cillwald, K., “On future studies and their social context with particular focus onWest Germany», Technological Forecasting and Social Change, 38, 1990.
5West Germany’, Technological Forecasting and Social Change, 38, 1990.
Schumacher, E. F., Small is Beautiful, London, Blond and Brines, 1973.
Said, E., Orientalism, London, Routledge and Kegan Paul, 1978.
Cornish, Edward, The Study of the Future, Washington, DC, World Future Society, 1977.
Capra, F., The Turning Point, London, Flamingo, 1982.
Global 2000 (Harmondsworth, Penguin, 1982).
Coates, J. F. and J. Jarratt, What Futurist Believe, Maryland, Lomond, 1989.
Cetron, M. and T. O’Toole, Encounters With the future, New York, McGraw-Hill, 1982.
Marien, M., Future Survey, Washington, DC, World Future Society, monthly.
Marien, M., Future Survey Annual 1992, Washington, DC, World Future Society, annually.
Mesarovic, Mihajlo D and Eduard Pestel, Mankind at the Turning Point, London, Hutchinson, 1974.
Slaughter, R. A., Futures Concepts and Powerful Ideas, Kew, Victoria, Futures Study Centre, 1991.
Carson, Rachel, Silent Spring, Harmondsworth, Penguin, 1965.
Sardar, Z. “Colonising the Future: The ‘Other’ Dimension of Futures Studies.” Futures 25 (3) March 1993.
Sardar, Z., Information and the Muslim World: A Strategy for the Twenty-first Century, London, Mansell, 1988.
Sardar, Z, and M. W. Davies, Distorted Imagination: Lessons from the Rushdie Affair, London, Crey Seal, 1990.
Asad, T, Anthropology and the Colonial Encounter, London, Ithaca Press, 1973.
Davies, M. W., Knowing One Another: Shaping an Islamic Anthropology, London, Mansell, 1987.
Nandy, A., The Intimate Enemy: The Loss and Recovery of the Self Under Colonialism, Delhi, Oxford University Press, 1983.
-----------------------------------------
[1]. ضياء الدين سردار (Ziauddin Sardar) هو باحثٌ بريطاني- باكستاني، وكاتبٌ حائز على جوائز، وناقدٌ ثقافي ومفكرٌ متخصّصٌ في الفكر الإسلامي، ومستقبل الإسلام، ودراسات المستقبل، والعلاقات العلمية والثقافية
Sardar, Z, “Colonising the Future: The ‹Other› Dimension of Futures Studies.” Futures 25 (3) March 1993.
ترجمة: فريق المركز.
[2]. invisible colleges
[3]. Masini
[4]. Gillwald
[5]. E. B. Masini and K. Cillwald, «On future studies and their social context with particular focus on West Germany», 187 - 199.
[6]. Toffler
[7]. de Jouvenel
[8]. Jungk
[9]. Rachel Carson, Silent Spring, Harmondsworth, Penguin, 1965.
[10]. Club of Rome.
[11]. D. Meadows et al, Limits to Growth, New York, Potomac Associates, 1972.
[12]. Mesarovic and Pestel, Mankind at the Turning Point, London, Hutchinson, 1974.
[13]. Office of Technology Assessment.
[14]. Delphi method.
[15]. The Futurist.
[16]. Cetron and O’Toole, Encounters With the future, New York, McGraw-Hill, 1982.
[17]. The Columbus affliction
[18]. Herman Kahn
[19]. E. F. Schumacher
[20]. Buckminster Fuller
[21]. Fritjof Capra
[22]. new paradigms
[23]. Glen T. Seaborg
[24]. Theodore Roszak
[25]. More syndrome
[26]. Sir Thomas More
[27]. Utopia
[28]. Vespucci
[29]. utopians
[30]. new spirituality
[31]. Zen Buddhism
[32]. Schumacher, Small is Beautiful, London, Blond and Brines, 1973.
[33]. Alvares, ‘New -paradigm thinking: we have been here before’, in Z. Sardar. The Revenge of Athena: Science, Exploitation and the Third World, London, Mansell, 1988.
[34]. Fritjof Capra
[35]. Capra, The Turning Point, London, Flamingo, 1982.
[36]. Nagarjuna
[37]. Aurobindo
[38]. reductionism
[39]. holism
[40]. Alvares, «New -paradigm thinking: we have been here before», 223.
[41]. The Turning Point
[42]. Schumacher
[43]. Roszak
[44]. Reich
[45]. Wilber
[46]. ‘new age’ philosophies
[47]. organizational/social perspective
[48]. Institute of Scientific Information
[49]. invisible colleges
[50]. Marien, Future Survey, Washington, DC, World Future Society, monthly); Marien, Future Survey Annual, Washington, DC, World Future Society, annually.
[51]. Marien, Future Survey Annual 1992, v.
[52]. UNESCO, UNESCO Future Scan (biannual), Paris.
[53]. Cornish, The Study of the Future, Washington, DC, World Future Society, 1977.
[54]. World Future Society.
[55]. Bertrand de Jouvenel
[56]. Glenn T. Seaborg
[57]. Robert Jungk
[58]. Arthur C. Clark
[59]. Willis Harman
[60]. Daniel Bell
[61]. Isaac Asimov
[62]. John McHale
[63]. Herman Kahn
[64]. Alvin Toffler
[65]. Margaret Mead
[66]. Hicks, Exploring Alternative Futures: A Teacher’s interim Guide, London, University of London, Institute of Education, 1991.
[67]. Slaughter, Futures Concepts and Powerful Ideas, Kew, Victoria, Futures Study Centre, 1991.
[68]. Global Futures Project
[69]. Institute of Education
[70]. powerful ideas
[71]. cultural editing
[72]. Coates and Jarratt, What Futurist Believe, Maryland, Lomond, 1989.
[73]. Ibid, 6.
[74]. Roy Amara
[75]. Robert Ayres
[76]. Daniel Bell,
[77]. Kenneth Boulding
[78]. Arthur C. Clark
[79]. Peter Drucker,
[80]. Victor C. Ferkiss
[81]. Barry Hughes
[82]. Alexander King
[83]. Richard D. Lamm
[84]. Michael Marien
[85]. Dennis Meadows
[86]. James Ogilvy
[87]. Gerard K. O’Neill
[88]. John Pierce
[89]. Peter Schwartz
[90]. Robert Theobald
[91]. Global 2000 (Harmondsworth, Penguin, 1982).
[92]. Said, Orientalism, London, Routledge and Kegan Paul, 1978.
[93]. Asad, Anthropology and the Colonial Encounter, London, Ithaca Press, 1973; Davies, Knowing One Another: Shaping an Islamic Anthropology, London, Mansell, 1987; Nandy, The Intimate Enemy: The Loss and Recovery of the Self Under Colonialism, Delhi, Oxford University Press, 1983.
[94]. See also: Sardar, Information and the Muslim World: A Strategy for the Twenty-first Century, London, Mansell, 1988; Sardar and Davies, Distorted Imagination: Lessons from the Rushdie Affair, London, Crey Seal, 1990.