العدد 1

العدد 1

رئيس التحرير :

د. هاشم الميلاني

مدير التحرير :

د. عمار عبد الرزاق الصغير

سكرتير التحرير :

د. فرقان الحسيني

 

فهرس المحتويات :

الإفتتاحية: لماذا الاستعمار ؟

الحوارات

حوار حول الاستعمار

د. ادريس هاني

بحوث ودراسات

علماء الحَوزة العلميّة وصناعة التاريخ

 د. محمد أمين الكوراني

الاستعمار الفرنسي لمصر في ظروفه الزمانية والمكانية

 د. غيضان السيد علي

الأوضاع السياسية والاجتماعية في سورية قبيل الاحتلال الفرنسي

د. حسام النايف

 جدل التعريب والتغريب في تونس

د. ناجي الحجلاوي

قراءات علمية

دور السَّيِّد محسن الأمين في مواجهة الاستِعمار الفرنسي

د.مرح رافع البرغش

الدبلوماسية الروحيّة والمخطّط الإبراهيميّ

د.هبة جمال الدين

ترجمات

ما الاستعمار ؟

گَايْ بارْفِيِّي

نصوص مستعادة

أهمية العراق الاستراتيجية للسياسة البريطانية

 د. صباح كريم الفتلاوي

ترجمة ملخصّات المحتوى بالإنكليزيّة

 

الافتتاحية

لماذا الاستعمار؟

رضخت مساحاتٌ واسعةٌ من العالم الإسلامي وغير الإسلامي لوطأة الاستعمار الغربيّ مّما أدّى إلى الهيمنة الغربيّة في العالم من جانب، والتخلّف الشامل للدول المُستعمَرة من جانبٍ آخر.

إنّ رصد ما أحدثه الاستعمار في مختلف الدول من آثارٍ سلبيّة: اجتماعيّة، وثقافيّة، وسياسيّة واقتصاديّة، بحاجةٍ إلى تدوين كتبٍ ودراساتٍ كثيرةٍ لا يسعفها أوراق الشجر دفاترَ، ومياه البحار مدادًا.

لقد تلوّن الاستعمار بألوانٍ مختلفة، وظهر بمظاهر متفاوتة، مازلنا نشهدها في عوالمنا، والاستعمار وإنْ انتهى بوجهٍ من وجوهه غير أنّه مستمرٌ في واقعنا المعاصر بوجوهٍ أخرى، ربما تكون أكثر بشاعةً وأنفذ سنانًا فينا؛ وذلك بفضل ما أتاحت له الثورة المعلوماتيّة والتقنيّة الحديثة والعولمة من فرصٍ كبيرةٍ لبسط هيمنته في جميع أرجاء المعمورة، فإذا كان الاستعمار القديم قد تمكّن من السيطرة على الأرض وعلى الموارد الطبيعيّة للشعوب المستعمَرة، فقد تمكّن اليوم الاستعمار الجديد من السيطرة على العقول والقلوب؛ ممّا أدّى الى مسخ الهويات الدينيّة والوطنيّة، وطمس الخصوصيّات القوميّة المختلفة، الأمر الذي لم يتمكّن الاستعمار من النفوذ إليه والاستحواذ عليه في نسخته القديمة. هذا وغيره دعانا الى إصدار مجلّة الاستعمار لتسليط الضوء على ما أحدثه الاستعمار في العالم من فوضى ودمار على جميع الأصعدة.

ولأجل بيان منهجيّة العمل لا بدّ من الإشارة إلى الأمور الآتية:

1.لا يمكن دراسة الاستعمار الغربي بمعزلٍ عن دراسة الأهداف، والأسباب التي دعته إلى بسط هيمنته على العالم؛ فمن دون ذلك تصبح قراءتنا ناقصة، وتوقعنا في مغالطاتٍ عدّة. علمًا بأنّ أهداف الاستعمار كثيرة، ولكن يمكن الإشارة إلى أهمّها:

التبشير.

العثور على الموارد الطبيعية.

العثور على الأسواق لاستهلاك البضائع المنتجة.

بسط الهيمنة وتوسيع رقعة النفوذ.

2.لا بدّ من دراسة الاستعمار وفق معطيات المنظومة الغربيّة والمنظومة الاستعماريّة بنحوٍ عام، لا وفق المفردات الجزئيّة وبعض الظواهر التي ربما تبدو في الوهلة الأولى إيجابية؛ إذ يُبتلى البعض بالنظرة التجزيئية، ويرى أن المستعمِر قد خدم البلاد المستعمَرة بما قدّم لها من خدماتٍ اجتماعيّةٍ وعسكريّةٍ وتعليميّةٍ وغيرها – وهي النظرة التي يدعمها ويروّج لها المستعمِر أيضًا – غير أنّ النظرة الشاملة المنبثقة من معرفة واقع المنظومة الغربيّة وحقيقتها، تكشف لنا زيف هذه الادّعاءات؛ إذ إنّ المستعمِر كان يخدم أهدافه ومصالحه من خلال تقديم بعض الخدمات لبسط نفوذه وهيمنته وتلميع صورته البشعة.

 إنّ المنظومة الغربيّة تعتمد على الرؤية العرقية، وعلى البراغماتية والنفعية الماديّة لتوفير القدر الأكبر من المصالح والمكاسب السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، مضافًا الى استخدام سياسة المكر والتفرّقة وضرب هذا بذاك.

3.إنّ استقلال البلدان من الاستعمار نقطةٌ إيجابيةٌ في حدّ ذاتها، غير أنّه يلزم من فحص خيوط الاستعمار حتى في موضوع الاستقلال أيضًا كي لا يلتبس علينا الأمر، ولنرى الى أين اتّجهت الأمور، فكثيرًا ما نرى أنّ المستعمِر قد ركب موجة الاستقلال وساق البلاد من استعمارٍ قديمٍ إلى استعمارٍ جديدٍ بأيادٍ محلّيةٍ عميلةٍ ساقت البلاد والعباد نحو التغريب، والدخول في لونٍ استعماريّ آخر يلهث وراء الاستهلاك والموضة ونمط الحياة الغربية.

4.إنّ إعادة قراءة ملّف الاستعمار حاجةٌ مضاعفةٌ في عصرنا الراهن، وذلك:

لأنّنا ما زلنا دولًا مستعمَرةً تحكمنا عقلية المستعمِر، ويتحكّم فينا من خلال عولمته وتقنيته وامتداداته وأياديه.

وللوقوف على مخطّطاته، وكشف تلبيساته، لا سيما أنّ كثيرًا من الوثائق قد سُمح لها بالنشر، وأمكن الاطلاع عليها، والاستفادة من معطياتها؛ للوقوف على كثيرٍ من الخفايا.

ولأنّ الجيل الجديد والذي قبله لم يشهد الاستعمار، ولم يصطدم بوجه المستعمِر البشع، بل رأى منه التقنية والتنمية والملذّات الدنيوية، مّما أدّى الى تكوين صورةٍ إيجابيةٍ عن المستعمِر في ذهنه، غافلًا عن حقيقته التي أخفاها تحت هذا البريق؛ فلا بدّ من كشف الأوراق وفتح الملفات من جديد، لقراءة الغرب وتاريخه بنظرةٍ شمولية.

ولأنّ نظريات ما بعد الاستعمار نشّطت السجال ضدّ الاستعمار، وسمحت للأقلياّت والمهمّشين بالإدلاء بآرائهم، ورفع أصواتهم للدفاع عن هويتهم المطموسة، وثقافتهم المنهوبة.

ولأنّنا نتطلّع الى انبثاقٍ حضاريٍ جديدٍ، وتغيير الموازنات العالمية حيث بدأت إرهاصات ذلك، فلا بدّ من الاستفادة من التجارب السابقة لرسم طريق المستقبل.

ولأنّ ما نشهده اليوم من إراقة دماء الأبرياء، وتهديم البنى التحتية، والإبادة الشاملة الوحشيّة من قبل العدو الغاشم لم يكن إلّا سيئةً من سيئات الاستعمار؛ مّما يدعونا الى قراءة الماضي بعينٍ بصيرةٍ، وعدم الانخداع ببريق الإعلام المزيّف الذي يسوّقه المستعمِر لتطهير صورته البشعة.

ولأنّه مصداقٌ تطبيقيّ في واقعنا المعاصر لقوله تعالى: ﴿وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ﴾(التوبة: 120). فكشف مخطّطات العدو المستعمِر وفضحه خطوةٌ إيجابيّةٌ في إغاظته والنيل منه؛ يُكتب للمؤمن به الأجر الحسن، والعمل الصالح.

 فهذه الأمور وغيرها تدعونا إلى فتح ملّف الاستعمار من جديد، وقراءته بعينٍ فاحصةٍ وبصيرة، وهو ما ترنو إليه هذه المجلة.

وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أُنيب.