رئيس التحرير :
د. هاشم الميلاني
مدير التحرير :
د. عمار عبد الرزاق الصغير
سكرتير التحرير :
د. فرقان الحسيني
فهرس المحتويات :
■ الافتتاحية: الاستعمار وتفكيك الهويّة
د. فرقان الحسيني
الحوارات
■ حوار مع غيُّومْ بلَنْ حول كتابه: ابتداع الاستعمار الأخضر
أُورْفيلي رِييُّونْ
بحوث ودراسات
■ دور المؤسّسة الدينيّة في العراق في محاربة الاستعمار
بتول الغدّاف
■ ما بعد الاستعمار، قراءةٌ في آلياته الجديدة
د. محمود كيشانه
■ الاستعمار الفرنسي وسياسة الإبادة الرمزيّة في الجزائر، تقويض اللغة والدين وتفكيك الهويّات الثقافيّة
د. محمد بن علي
■ الاستعمار الإنجليزي وتدمير مكونات الهويّة المصريّة، (اللغة - الدين - الثقافة)
علا عبد الله خطيب محمد
قراءات علمية
■ السيّد محمّد المجاهد (1180-1242هـ) ودوره في محاربة الاستعمار الروسيّ في إيران
السيّد إبراهيم الشريفي
■ قرءاةٌ في كتاب الاستعمار الكتاب الأسود (1600- 2000م)
أ.د. عمّار خالد رمضان
ترجمات
■ من استعمار العالَم إلى عولمة الاستعمار
فريديريك دوفْوَن
نصوص مستعادة
■ علم الاجتماع الاستعماريّ، التركيز على رهاب الإسلام المعرفيّ
رامون غروسفوغيل
ترجمة ملخصّات المحتوى بالإنكليزيّة
الافتتاحية
الاستعمار وتفكيك الهويّة
الاستعمار ظاهرةٌ تتجاوز السيطرة الجغرافيّة؛ إنّه عملية تستهدف تفكيك الهويّة، حيث تتلاعب القوى الاستعماريّة بهويات الشعوب المستعمَرة، مُحدثةً تغييراتٍ عميقةً في ثقافاتها ولغاتها وتاريخها. والسبب الأساس في تفكيك هويّات الشعوب استغلال الموارد الطبيعيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة؛ ممّا يؤدّي إلى إضعاف هذه المجتمعات، ثم تدرجيًّا محو هويّتها. إذًا، الاستعمار ليس مجرد حدثٍ عابر، بل هو مسيرةٌ طويلةٌ ومعقّدةٌ تحمل آثارًا عميقةُ تضرب في صميم المجتمعات المستعمَرة.
وتفكيك الهوية تحقق من خلال عدة طرق:
تعزيز الثقافة الغربيّة: يهدف الاستعمار إلى فرض الثقافة الغربيّة على الشعوب المستعمَرة، ممّا يؤدي إلى تجاهل الثقافة المحلّيّة واللغة الأصليّة.
إضعاف اللغة: يُعدّ فرض لغة المستعمِر جزءًا أساسيًّا من استراتيجيّة تفكيك الهويّة، فلمّا كانت اللغة هي الوعاء الحامل للثقافة والتاريخ، فإنّ إهمال اللغة الأم وفرض لغة المستعمِر يؤدّيان إلى فصل الأجيال عن تراثها الثقافي وتاريخها، ممّا يُضعف ارتباطها بهويّتها الأصليّة.
تغيير الأنظمة التعليميّة: يستهدف الاستعمار الأنظمة التعليميّة لغرس قيمه وأفكاره في الأجيال الجديدة. يتم تغيير المناهج الدراسيّة لتشويه التاريخ المحلّي، وتمجيد المستعمِر، وتصوير الثقافة المحلّية على أنّها متخلّفةٌ أو غير متحضّرة. هذا يؤدّي إلى خلق أجيالٍ مشوشة الهويّة، تشعر بالدونيّة تجاه ثقافتها وتراثها.
تشويه التاريخ والذاكرة الجمعيّة: يسعى المستعمِر إلى محو أو تشويه التاريخ المحلّي، وإحلال روايته الخاصّة به. يتم ذلك من خلال تدمير الوثائق والمخطوطات، وتغيير أسماء الأماكن، وإنشاء سردياتٍ تاريخيّةٍ تخدم مصالح المستعمِر. هذا يؤثّر على الذاكرة الجمعيّة للشعب ويجعلهم يفقدون الإحساس باستمرارية تاريخهم وتراثهم.
التلاعب بالتركيبة الديموغرافية والاجتماعيّة: يقوم المستعمِر بتغيير التركيبة الديموغرافية للمناطق المستعمَرة من خلال جلب مستوطنين أو تهجير السكان الأصليين، وهذا يؤدّي إلى اضطرابٍ اجتماعيّ وفقدان الشعور بالانتماء للأرض.
السيطرة على الاقتصاد والموارد: يؤدي الاستعمار إلى نهب الموارد الاقتصاديّة للمناطق المستعمَرة، ممّا يؤدي إلى الفقر والتبعية الاقتصاديّة. هذا يؤثر على كرامة الشعوب ويزيد من شعورها بالعجز والضمور، مما ينعكس سلبًا على هويّتها الوطنيّة.
آثار تفكيك الهويّة
تتعدّد الآثار السلبيّة لتفكيك الهويّة، وتشمل:
فقدان الثقة بالنفس: يمثّل إحدى النتائج البارزة التي يمكن أن تواجه الأفراد والمجتمعات التي تعرضت لتفكيك الهوية، حيث تجد هذه الفئات نفسها غالبًا غارقةً في شعورٍ عميقٍ بالدونية وعدم الإيمان بقدرتهم على تحقيق طموحاتهم أو استغلال إمكاناتهم الكامنة بالشكل الأمثل، هذا الإحساس يعزّز لديهم القناعة بأنّهم عاجزون عن مواكبة التقدّم أو المنافسة على المستويات المختلفة، ممّا يعيق نموهم وتطورهم سواء كان ذلك على الصعيد الشخصي أو الجماعي.
الصراع الثقافي: يتكون صراعٌ داخليّ معقّدٌ بين التقاليد الثقافيّة المحليّة التي تنبع من التراث الموروث وبين الثقافة الوافدة التي غالبًا ما تكون نتيجة للهيمنة الاستعماريّة المفروضة بالقوة أو التأثير. هذا التفاعل المتناقض بين الجانبين يؤدّي إلى ظهور حالةٍ من الاضطراب الفكريّ والاجتماعي، ويخلق تناقضاتٍ جذريةً تؤثّر على أسس الهويّة الفرديّة والجماعيّة، ممّا يجعل الأفراد والمجتمعات في حالة بحثٍ دائمٍ عن توازنٍ بين ما هو أصيل وما هو مكتسب.
التبعية الثقافيّة: عندما تقع المجتمعات تحت وطأة الاستعمار، فإنّها لا تفقد استقلالها السياسي أو الاقتصادي فقط، بل تتحول تدريجيًّا إلى حالةٍ من التبعيّة الثقافيّة للمستعمِر؛ فيؤدّي هذا الوضع إلى تآكل هويّتها الثقافيّة وإضعاف قدرتها على التعبير عن ذاتها بأسلوبٍ فريدٍ ومستقل، إذ تُستبدل قيمها التقليديّة وموروثها الإبداعي بأساليب وثقافات المستعمِر، ممّا يعوق إنتاج أيّ محتوى ثقافيّ أصيلٍ ينبع من جذورها وأرضيتها التاريخيّة.
التطرّف والانقسام: فقدان الهوية يمكن أنْ تكون له تبعاتٌ خطيرةٌ على استقرار المجتمعات وتماسكها، إذ قد يؤدّي هذا الفقد إلى نشوء حركاتٍ متطرفةٍ تتبنّى العنف وسيلةً لإعادة بناء الهويّة المفقودة أو للتمسّك بها. وفي الوقت ذاته، قد ينتج عن تآكل الهويّة المشتركة بروز خلافاتٍ وانقساماتٍ داخليّةٍ تعتمد على تقوية الانتماءات الفرعيّة الصغيرة، ممّا يزيد من تفكك النسيج الاجتماعي، ويفتح المجال لنزاعاتٍ وصراعاتٍ تعرقل التقّدم، والانسجام داخل المجتمع.
ضعف الانتماء الوطني: يؤدي التباين في فهم الشعور بالانتماء للوطن إلى حالةٍ من التشويش والغموض، وهذا بدوره يترك أثرًا سلبيًا على مدى تحقيق الوحدة الوطنية المطلوبة، ويضعف من تماسك النسيج الاجتماعي. إنّ هذه الحالة من عدم الوضوح قد تفضي إلى خللٍ في الهويّة المشتركة بين أفراد المجتمع؛ ممّا يجعل التعاضد والتعاون بين المواطنين أكثر هشاشةً وصعوبةً في وجه التحديات المستقبلية.
في هذا العدد من (مجلّة الاستعمار) مجموعةٌ من البحوث التي تتناول شؤون الاستعمار في العالم الإسلامي؛ إذ يفتتح العدد محاوره بـ(حوار حول كتاب: ابتداع الاستعمار الأخضر)، وهي مقابلةٌ حواريةٌ مع (غيُّومْ بلَنْ) الذي يتحدّث عن كتابه ابتداع الاستعمار الأخضر، يستكشف فيه الجذورَ الاستعماريّةَ لإدارة الطّبيعة في إفريقيا، وأنّ علم البيئة كان أداةً قد سُخّرتْ لخدمة الاستغلال الاستعماريّ للأراضي التي كانت خاضغةً للهيمنة الاستعماريّة، حيث يصرّح في هذا الحوار بأنّ الاستعمار دمّر الطبيعة الإفريقيّة، وبينما العكس في أوروبا.
يتضمن محور (الدراسات والبحوث) خمسة أبحاث:
أوّلها: دور المؤسّسة الدينيّة في العراق في محاربة الاستعمار: تطرّقت الباحثة في هذا البحث عن حوزة النجف الأشرف ودورها في مقارعة الاستعمار، التي استخدمت العديد من الوسائل كالخطابات، والإفتاء، والتمويل، والتسليح، ودعوة للثورة. يعزّز البحث فكرة عدم اكتمال النهضة ضدّ الاستعمار دون الدين، وأنّ الشعب العراقي بطبيعته دينيّ بسبب اهتمام الإسلام بالجانب الاجتماعي وتركيزه على أن يكون الحاكم مسلمًا عادلًا. ينتهي البحث بالإضاءة على القوّة التي تتمتع بها الحوزة المتأتية من قاعدةٍ شعبيّةٍ واستقلاليّةٍ ماديّة، وإدراكها لهذه القوة والحكمة في استخدامها في الماضي وإلى يومنا هذا.
ثانيها: ما بعد الاستعمار قراءة في آلياته الجديدة: تعرّض فيه الباحث إلى الآليات الجديدة التي استخدمها الاستعمار الجديد، وقد تمثّلت هذه الآليات بتجنيد شخصيّاتٍ من أبناء الشرق الإسلامي، لتنفيذ مخططاتهم الأمر الذي يعطى نتائج أفضل دون تقديم خسائر في القوة العسكريّة البشريّة والماديّة، وأيضًا عدّ الغزو الفكري أحد صور الاستعمار الجديد، وحاول بيان الاستشراق والعولمة وتأثيرهما في تفكيك هوية المجتمعات.
وثالثهما: الاستعمار الفرنسي وسياسة الإبادة الرمزية في الجزائر (تقويض اللغة والدين وتفكيك الهويّات الثقافيّة)، تطرّق الباحث فيه إلى الاستعمار الفرنسي، وتفكيكه للهوية الجزائرية، من خلال إقصاء اللغة، وإبعاد الدين عن المجتمع الجزائري، وهذا أدّى الى تفكيك هويّة المجتمع الجزائري، وكيف واجهه المجتمع الجزائري الاستعمار الفرنسي.
رابعهما: الاستعمار الإنجليزي وتدمير مكونات الهويّة المصريّة (اللغة – الدين – الثقافة)، وقد تعرّضت الباحثة فيه إلى سعي الاستعمار الإنجليزي إلى تفكيك هويّة العالم الإسلامي وبالخصوص المجتمع المصري، عن طريق إدخال عناصر غريبةٍ على تلك الهويّة التي تمثّلت في مكوّناتٍ أساسيّةٍ ثلاثةٍ، هي: اللغة العربيّة، والدين الإسلامي، والثقافة الإسلاميّة؛ حتى يتسنّى لهذا المستعمِر إخضاعها وتحويلها إلى مستعمرةٍ إنجليزيّةٍ أبديّةٍ تظلّ ما بقيت الدنيا تابعةً له.
وفي هذا العدد عدّة محاور وبحوثٌ أخرى، ففي محور القراءات العلميّة، مقالٌ تحت عنوان (السيّد محمّد المجاهد (1180-1242هـ) ودوره في محاربة الاستعمار الروسي في إيران، وفيه أيضًا قراءة في كتاب (الاستعمار الكتاب الأسود 1600- 2000م).
وفي محور الترجمة بحثٌ للكاتب البلجيكي فريديريك دوفْوَن (من استعمار العالم إلى عولمة الاستعمار). وفي محور نصوص مستعادة، جاء نصٌّ مستعادٌّ حول (علم الاجتماع الاستعماري التركيز على رهـاب الاسلام المـعرفي)، وبه ختام محاور هذا العدد.
نرجو أن تُسهم المجلّة في تقديم محتوى يُثري معرفة القرّاء الكرام، مُلبّيةً اهتماماتهم واحتياجاتهم في مجال تخصّصها