الباحث : د. غيضان السيد علي
اسم المجلة : الاستعمار
العدد : 1
السنة : 2024م
تاريخ إضافة البحث : November / 2 / 2024
عدد زيارات البحث : 122
الملخص
يدور هذا البحث حول الاستعمار الفرنسي لمصر 1798-1801 م، في ظروفه الزمانيَّة والمكانيَّة؛ محاولًا الوقوف على الخلفيات التاريخيَّة والأهداف الاستراتيجيَّة وراء قدوم الحملة الفرنسيَّة إلى مصر، ومحاولًا الإحاطة بظروف مصر السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والعلميَّة وقت مجيء الحملة ومقارنتها بالظروف والأحوال نفسها في فرنسا، باحثًا عن الأسباب الحقيقيَّة وراء مجيء تلك الحملة لاحتلال مصر. ثم يحاول هذا البحث أنْ يرصد لأهم الآثار والنتائج التي ترتبت على وجود الحملة في مصر بوجهٍ عام، مؤكدًا على أنّ حقيقة الاستعمار تنعكس من خلال الوقوف على أغراضه وأطماعه وأهدافه الخبيثة التي تمثّلت في نهب ثروات مصر وخيراتها، واستغلال موقعها الجغرافي الممتاز لتحقيق أطماع فرنسا الاستعماريّة، هذا فضلًا عن رغبة الغرب المحمومة في وأد اليقظة الإسلامية التي كانت على وشك الظهور في مصر وبلاد الشام، وسرقة النفائس العلميَّة التي تعدّ أكبر مكاسب الحملة الفعلية؛ إذ كانت مصر حينذاك أغنى بلاد العالم بالكتب. والسعي لنشر البدع والمنكرات والخلاعة والمجون بين أبناء الأُمّة لتغييب هويتها الإسلامية حتى يسهل السيطرة عليها وإسلاس قيادتها.
الكلمات المفتاحية: الحملة الفرنسيّة، الصراع الاستعماري، سرقة النفائس العلميَّة، دواوين الحكم، الأطماع الاستعمارية.
المقدّمة
شهدت نهاية القرن الثامن عشر الميلادي استئنافًا جديدًا للحملات الصليبية على الشرق الإسلامي بعد توقّفٍ دام ما يزيد على خمسة قرون؛ إذ امتدت الحملات الصليبية من أواخر القرن الحادي عشر حتى العقد الأخير من القرن الثالث عشر الميلادي (1096- 1291م). وقد تمثّل هذا الاستئناف في حملةٍ فرنسيَّةٍ على مصر بقصد الاستيلاء على خيراتها، ونهب ثرواتها، ثم احتلالها وجعلها نواةً لإمبراطوريّةٍ فرنسيّةٍ في الشرق تكون قاعدتها مصر. هذا فضلًا عن تحقيق جملةٍ من المآرب الاقتصاديّة والسياسيَّة والاستراتيجيّة فرضتها الظروف والأحوال في ذلك العصر.
لم تكن فكرة احتلال مصر وليدة اللحظة التي جاءت فيها الحملة إلى مصر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، بل هي حلمٌ فرنسيٌّ قديمٌ يعود إلى القرن السابع عشر أيام حكم الملك لويس الرابع عشر (1662-1714م)؛ حيث قدَّمَ له الفيلسوف الألماني ليبنتز مخطّطًا متكاملًا لغزو مصر تحت عنوان Aegyptiacum Consiluam، بهدف ضرب التجارة الهولندية في الهند التي تمر عن طريق مصر، لكن الملك رفض الخطة؛ لأنَّ الظروف السياسيَّة لم تكن مواتيةً لمثل هذا الغزو خاصّةً أنّ فشل الحملات الصليبيّة وهزائمها المنكرة لم تكن قد مُحيت تمامًا من ذاكرة الغربيين، وتحسبًا لعداوة الدولة العثمانيَّة التي كانت لا تزال مرهوبة الجانب، وخوفًا من أنْ يصطدم الجيش الفرنسي بالأسطول الإنجليزي وهو في طريقه إلى مصر فتفقد فرنسا جيشًا من خيرة جيوشها. ثم تكررت الدعوة مرةً أخرى لاحتلال مصر في عهد لويس الخامس عشر (1715-1774م)، ثم لحقتها دعوةٌ مماثلةٌ في عهد الملك لويس السادس عشر (1774-1789م)، لكن كان مصير كلا الدعوتين كمصير أولاهما هو الرفض، بيد أنّ الأمر قد تغيّر تمامًا بعد الثورة الفرنسيَّة التي قامت في 14 يوليو 1789م، باقتحام سجن الباستيل والقضاء على الحكم الملكي الإقطاعي وإعلان الجمهورية. وقد تزامن هذا مع بداية عصر انهيار الدولة العثمانيَّة المترامية الأطراف التي أدركتها الشيخوخة والهرم، وتفشت الثورات في أرجائها؛ فثار عليها على بك الكبير في مصر، وأحمد باشا الجزار في الشام، والوهابيّون في شبه الجزيرة العربية، وعلي باشا في ألبانيا، والشعوب المسيحيّة في البلقان حتى أصبحت السيادة العثمانيَّة سيادة اسمية فقط، وازدادت أطماع الدول الأوروبيَّة في ولاياتها، وما كانت الحملة الفرنسيَّة على مصر سوى فصلٍ من فصول أطماع الدول الأوربية في ولاياتها، وحلقةٍ من حلقات الصراع الأوروبي (الإنجليزي- الفرنسي).
فما هي الخلفيّات التاريخيَّة وراء قدوم الحملة الفرنسيَّة إلى مصر؟ وما هي أهدافها الاستراتيجيَّة؟ وكيف كانت ظروف مصر وقت مجيء الحملة؟ وكيف جرّت وقائعها الميدانيّة الرئيسة؟ وما هي أهمّ الآثار والنتائج التي ترتبت على مجيء هذه الحملة؟ وإلى أيّ مدى يصدق رأي المنبهرين بالغرب بأنّ الحملة الفرنسيَّة حدثٌ فريدٌ واستثنائي، وأنّها قد أيقظت مصر والعرب والمسلمين من سباتهم العميق؟ تلك هي أهم الأسئلة التي سيحاول هذا البحث الإجابة عنها.
وهنا تكمن أهميّة هذا البحث إذ يلقي الضوء على تاريخ الاستعمار الفرنسي لمصر في ظروفه الزمانيَّة والمكانيَّة (الخلفيات، الأهداف الاستراتيجية، الظروف المحيطة، الأسباب، الوقائع الميدانية، النتائج والآثار) من خلال وجهة نظرٍ موضوعيَّةٍ بعيدًا عن تلك الرؤى المنبهرة بالغرب في كلّ شيءٍ حتى في احتلاله لنا! كما يقف على حقيقة الاستعمار الفرنسي وأغراضه الحقيقيَّة الخبيثة التي تمثّلت في نهب خيرات وثروات مصر، واستغلال موقعها الجغرافي لإقامة امبراطوريّةٍ فرنسيّةٍ في الشرق، هذا فضلًا عن الرغبة المحمومة في وأد اليقظة الإسلاميّة التي بدأت تتبلور في المجتمع الإسلامي في مصر والشام والحجاز، وسرقة النفائس العلميَّة، والسعي لنشر البدع والمنكرات بين أبناء الأمة، ونشر السفور والخلاعة والمجون والمنكرات لتغييب هويّة المجتمع الإسلاميَّة.
وقد استخدم الباحث في انجاز بحثه مجموعةً من المناهج البحثية، لعلّ أهمها المنهج التاريخي الذي يتمّ من خلاله سرد الوقائع والأحداث مرتبةً زمنيًا. والمنهج التحليلي الذي يعمل على تحليل النصوص وعرض الأفكار ومناقشاتها، وكذلك المنهج الوصفي؛ إذ إنّه الأنسب في وصف مجريات الحملة الفرنسيَّة على مصر.
قسَّم الباحث بحثه إلى مقدمةٍ وخاتمةٍ وأربعة محاور أساسيّة؛ إذ تناولت المقدّمة أهميّة الموضوع وتساؤلاته ومناهجه. وتناول المحور الأول الخلفيّات التاريخيَّة للحملة الفرنسيَّة على مصر. واختصّ المحور الثاني بدراسة أسباب الحملة الفرنسيَّة على مصر، أمّا المحور الثالث فقد سلّط الضوء على الوقائع الميدانية للحملة الفرنسيَّة. ورصد المحور الرابع أهمّ الآثار والنتائج التي ترتبت على مجيء الحملة إلى مصر. ثم عرضت الخاتمة أهم نتائج البحث.
أولًا- الخلفيّات التاريخيَّة للحملة الفرنسيَّة على مصر
يمكننا الحديث عن الخلفيات التاريخيَّة للحملة الفرنسيَّة على صعيدين اثنين، الصعيد الأوّل يدور حول أحوال فرنسا في العقد الأخير من القرن الثامن عشر، والصعيد الثاني يدور حول أحوال المجتمع المصري قبيل مجيء الحملة الفرنسيَّة. وهو ما سنعرض له فيما يأتي:
الأحوال في فرنسا: كانت الثورة الفرنسيَّة التي قامت في 14 يوليه 1789م، من أهم الأحداث التي شهدها تاريخ فرنسا الحديث؛ إذ قامت بتغييراتٍ راديكاليّةٍ داخل المجتمع الفرنسي، وجاءت بمفاهيم جديدة للعصر الحديث؛ أثَّرت في المبادئ والنظم السياسيَّة والاقتصاديَّة، وأجرت تحولاتٍ سياسيَّة واجتماعيَّة كبرى في التاريخ السياسي والثقافي لفرنسا بوجهٍ خاصّ، وأوروبا بوجهٍ عامّ. وقد قامت هذه الثورة بقيادة الطبقة الجديدة (البرجوازية – الوسطى) من أصحاب المصالح التجارية والصناعية الجديدة بالتحالف مع طبقة العامّة. كما عملت حكومات الثورة الفرنسيَّة على إلغاء الملكية المطلقة، والامتيازات الإقطاعية للطبقة الارستقراطية، ونفوذ رجال الدين. ودخلت فرنسا بعد الثورة في تجارب مختلفةٍ من أشكال السلطة التنفيذية والتشريعية؛ فقامت الجمعية التشريعية، ثم المؤتمر الوطني، ثم حكومة الإدارة التي جاءت في عهدها الحملة الفرنسيَّة على مصر [2]. وقد شهدت تلك الأحوال الجديدة في فرنسا بعد الثورة تغيراتٍ خارجيةً أيضًا لا تقلّ أهميّةً عن تلك التغيرات الداخلية. وسوف نعرض بإيجازٍ لأهم الظروف الداخلية والخارجية لأحوال فرنسا قبل مجيء الجملة الفرنسيَّة إلى مصر مع مراعاة التركيز على تلك الأحوال والظروف التي كانت من الأسباب المباشرة أو غير المباشرة لمجيء الحملة إلى مصر.
الصراع الفرنسي الإنجليزي: شهد النصف الثاني من القرن الثامن عشر ذروة الصراع بين انجلترا وفرنسا؛ إذ استطاعت إنجلترا تأسيس شركة الهند الشرقية، فتمكنت في زمنٍ قياسيّ من السيطرة على مقاليد التجارة العالمية، وهو الأمر الذي هدّد اقتصاد فرنسا بنسبةٍ كبيرة. في حين أنّ قيام الثورة في فرنسا والقضاء على الحكم الملكي وإعلان الجمهورية قد أصاب ملوك أوروبا بالرعب والخوف على عروشهم، ومن ثم بدأوا سياسة التحالف فيما بينهم للقضاء على الثورة في فرنسا وإعادة الملكيَّة، أو على أقلّ تقديرٍ منع تسرب مبادئها خارج حدود فرنسا [3]؛ ولذلك لم يكن غريبًا أنْ تشن إنجلترا مع حلفائها أكثر من حربٍ ضد فرنسا، غير أنّ قوات الثورة بقيادة نابليون بونابرت أحرزت انتصاراتٍ كثيرة (خلال الفترة من 1795-1797م) على القوات المعادية لها، انتهت إجمالًا بتوسيع حدود فرنسا حتى بلجيكا ونهر الراين وربوع إيطاليا حتى البحر الأدرياتي والجزر الغربيَّة من مجموعة جزر أيونيا، حتى أصبحت فرنسا إحدى القوى العظمى في أوروبا. ومع كلّ انتصارات فرنسا على أعدائها إلّا أنّ الانتصار المباشر على غريمتها التقليدية (إنجلترا) ظلّ أمرًا صعب المنال؛ نظرًا لموقعها الجغرافي المنعزل عن القارة الأوروبيَّة فقد كان من المتعذّر على الأسطول الفرنسي نقل الجيش عبر المانش أو بحر الشمال إلى إنجلترا بسبب وجود الأسطول البريطاني القوي في المانش [4]. ومن هنا استوجب الصراع ضرب المصالح الإنجليزية خارج إنجلترا، ومن ثم كانت فكرة غزو مصر.
شكاوى التجار الفرنسيين من سوء معاملة المماليك: لا شكّ في أنَّ رموز الثورة الفرنسيَّة وقادتها كانوا من الطبقة البرجوازية من أصحاب المصالح التجارية الجديدة، وكانت تجارتهم تعبّر البحر المتوسّط إلى مصر، وكانت شؤون مصر الداخلية تقع تحت حكم المماليك. وقد توالت شكاوى التجّار الفرنسيين في مصر من سوء معاملة المماليك لهم، حتى استجابت الحكومة لشكاواهم، وعينت قنصلًا عامًّا لفرنسا في مصر هو المسيو (مجالونMagallon) عام 1793م الذي كان من كبار التجار وعلى درايةٍ واسعةٍ بشؤون مصر؛ لذلك كان من أهمّ دعاة احتلال فرنسا لمصر؛ فلم يلبث أنْ حثّ حكومته على ذلك مبينًا المزايا السياسيَّة والاقتصادية التي ستعود عليها من استثمار مواردها ومدّ سلطانها إلى البحر الأحمر وتهديد مصالح إنجلترا في الهند. وبيّن القنصل لحكومة بلاده سهولة احتلال مصر، واستطاع إقناع (تالليرانTalleyrand) [5] وزير الخارجية آنذاك برأيه، حيث التقى في هذه الفكرة مع بونابرت [6].
أحلام نابليون بتكوين إمبراطوريّةٍ فرنسيّةٍ في الشرق: مثَّلت انتصارات نابليون المتتالية في أوروبا إغراءً حقيقيًا لصاحبها، إذ بدأ يحلم بتكوين إمبراطوريّةٍ فرنسيّةٍ في الشرق تكون قاعدتها مصر. واكتمل الحلم في رأس نابليون بعد انتصاراته في إيطاليا وسكنه فيها، واحتلاله موطن يوليوس قيصر، وبالقرب من مقدونيا موطن الإسكندر الأكبر، وهو الأمر الذي أوحى إلى نابليون بتقليدهما في فتوحاته الكبيرة، فاختار مصر منجذبًا بعظمتها القديمة، وبات يحلم بتشييد إمبراطوريّةٍ على ضفاف النيل تحقّق ما كان يجيش بصدره من آمالٍ كبار، فيستطيع منها ضرب إنجلترا، وأنْ يجعل البحر المتوسّط (بحيرة فرنسية)، ومن هنا اختمرت الفكرة في ذهنه وهو مازال بإيطاليا، فجعل يفكر في مبررات ووسائل تحقيقها ليعرضها على حكومة الإدارة التي وافقت على طلبه [7]. كما أنّ الوضع السياسي المضطرب في باريس جعله يفضل البقاء بعيدًا عن بلاده، لفترةٍ طويلة، على أنْ يعود إليها كزعيمٍ منقذٍ حين يحين الوقت فيقلب الحكم ويستلم السلطة. وقد أدرك وزير الخارجية (تالليران) بذكائه النفاذ ووصوليته المتناهية أنّ الزمن يعمل لصالح بونابرت، فربط مصيره به، وتبنّى قضيته أمام حكومة الإدارة، وأقنع رجالها بآرائه، وجعلهم يوافقون على تجهيز الحملة على مصر [8].
تعدّد المزايا التي تعود على فرنسا من غزو مصر: كانت فرنسا تدرك حجم المزايا التي ستعود عليها من الاستيلاء على مصر، فقد كان ملك فرنسا لويس الخامس عشر يطمع في أنْ تتنازل له الدولة العثمانيَّة عن مصر، وتكرّرت الفكرة أيام لويس السادس عشر، وكان ذلك لتسهيل اتّصال تجارة فرنسا في شرق آسيا عن طريق مصر بدلًا من الدوران حول إفريقيا. ولكن طلبهما قوبل بالرفض التام من السلطان العثماني. وتجدّد الحلم خاصّةً بعد الضعف النسبي الذي أصاب الدولة العثمانيَّة، وأصبح احتلال مصر لا يحتاج أكثر من بضعة أشهر بقوةٍ لا تزيد عن ثلاثين ألف جندي. وإنّ هذه التكلفة بسيطة جدًا في مقابل المزايا الكثيرة التي ستجنيها فرنسا، والتي يأتي على رأسها موقع مصر الجغرافي الممتاز بوصفها ملتقى التجارة بين القارات الثلاث، وأنّه بإنشاء قناة تصل بين البحرين الأحمر والمتوسط يمكن للسفن الفرنسيَّة أنْ تصل البحر الأحمر وتهاجم أملاك إنجلترا في الهند، فضلًا عن بسط سيادة فرنسا على البحر المتوسط. وقد أشاد بونابرت بعظمة مصر القديمة وذكر في مبرراته أنّها من أخصب بلاد العالم، وأنّ في الإمكان ترقية زراعتها وإعادة منزلتها القديمة، إذا وجدت بها حكومةٌ حديثةٌ وإدارةٌ صالحة [9]. ومن ثم كان غزو مصر على رأس مشاريع حكومة الثورة في فرنسا.
أحوال المجتمع المصري قبيل الحملة الفرنسيَّة
كانت الأحوال في مصر على النقيض تمامًا منها في فرنسا، حيث كانت فرنسا تتجه نحو التقدم والريادة وامتلاك أسباب القوة، أما أحوال مصر فقد كانت من سيء إلى أسوأ؛ لذلك كان من الضروري الوقوف على تلك الأحوال في مصر لكي نفهم تطوّر الحوادث، وأسباب الهزيمة، والفرق بين أوضاع المجتمع الفرنسي الأوروبي وأوضاع المجتمع المصري والعربي والإسلامي، ويمكن إيجاز الأحوال في مصر فيما يأتي:
انهيار الأوضاع الاقتصادية: اعتمدت دولة المماليك في بناء اقتصادها بنحوٍ رئيسٍ على عوائد سيطرتها على طرق التجارة العالمية بين الشرق والغرب. فكان اكتشاف البرتغاليين لطريق رأس الرجاء الصالح نهاية القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر بمنزلة ضربةٍ قاصمةٍ للاقتصاد المصري المملوكي. وقد حاولت مصر – رغم المفاجأة - أنْ تدفع هذا الهجوم، وأنْ ترسل السفن إلى البحر الأحمر، والقوات العسكرية إلى اليمن لكي تمنع استيلاء البرتغاليين على عدن أو دخولهم البحر الأحمر وتهديدهم لمواني الحجاز، وقد بذل السلطان المملوكي قنصوه الغوري كلّ ما في وسعه، إلّا أنَّه لم يحقق نتائج حاسمة [10]. فتقلّصت صلات مصر التجارية وتأثرت إلى حدٍّ كبير، هذا إلى جانب عوامل أخرى لا تقل أهمية أثَّرت بشكلٍ كبيرٍ في تدهور الاقتصاد المصري، كان من أهمَّها: الضريبة الباهظة المفروضة على مصر للسلطان العثماني، وعدم استقرار الأمن الداخلي، والنزاع بين الفرق العسكرية، والنزاع المملوكي العثماني، والإغارات المتلاحقة لبدو الصحراء، فضلًا عن عدم ثبات العملة المتبادلة واختلاف المكاييل والموازين من مكانٍ إلى آخر. ولقد ساعدت هذه الأحوال على انهيار الوضع الاقتصادي.
تدهور الزراعة: كانت الأرض الزراعية ملكًا للحاكم يوزعها على أتباعه أو يوزعها على الفلاحين يزرعونها نظير دفعهم ضرائب فيما عرف بحقّ الانتفاع، أي أنّ الفلاحين لا يمتلكون الأرض ملكيةً قانونيَّةً، وإنّما يزرعونها مقابل تسديد الضرائب عنها، وكان يتولّى جمع هذه الضرائب مجموعةٌ من الملتزمين يحصل الواحد منهم على التزام (امتياز) جمع الضرائب الخاصّة بناحيةٍ معينةٍ من خلال مزادٍ عامٍّ تعرض فيه حصّة الالتزام، ويعطى الالتزام لمن يرسو عليه المزاد، وكان غالبًا ما يدفع الملتزم حصّة الالتزام مُقدمًا للخزينة[11]، ثم يتولّى هو جمعها أضعافًا مضاعفة من الفلاحين، إذ يحصل الملتزم على (الفائض)، أو فائض الالتزام[12]؛ وهو الفرق بين ما يدفعه للخزانة وبين حصيلة ما يجبيه فعلًا من فلاحي القرية أو القرى الأخرى الواقعة في دائرة الالتزام. هذا فضلًا عن تخصيص قطعة أرضٍ كبيرةٍ من أجود الأرض الزراعية تسمّى «الوسِيَّة» (عُشر مساحة دائرة الالتزام) للملتزم معفاة من الضرائب تخصّصها الخزينة نظير جمعه للضرائب من الفلاحين الذين عانوا أشدّ أنواع المعاناة من استغلال وطمع وجشع الملتزمين وقسوتهم في التعامل مع الفلاحين؛ إذ يقول الجبرتي في كتابه (عجائب الآثار في التراجم والأخبار): «وكان إذا تأخّر الفلاح في دفع الضريبة جرّوه من شنبه وبطحوه وضربوه بالنبابيت رجال الملتزم، هذا عدا ما كان يراه من عسف الصراف النصراني من مماطلة في استخراج ورقة الخلاص، وكذلك الشاهد والشاويش اللذين كانا يسومونه أنواع العذاب»[13]؛ فقلت نتيجة لذلك المحاصيل، وارتفعت الأسعار، واجتاحت البلاد مجاعات عديدة[14]. وقد كان الملتزمون من شرائح اجتماعيةٍ مختلفة؛ فمنهم المماليك، ورجال العسكر، ومشايخ العرب، والعلماء والتجار، بل النساء فيما بعد. وأصبح الملتزم مع الزمن يورث هذا الحقّ لأبنائه، ومع تدهور الأحوال أصبحت الدولة لا تهتم إلّا ببيع الالتزام لمن يتعهّد بدفع مبلغٍ معين للخزانة[15]. ونتيجة لذلك عانى الفلاحون من سطوة الملتزم وتدهورت أوضاع الزراعة، وزحفت الرمال على الأرض الخضراء، وهجر الفلاحون قراهم [16].
تأخّر الصناعة وانحطاطها: وصلت الصناعة في القرن الثامن عشر في مصر إلى مرحلةٍ يُرثى لها من الانحطاط [17]. حيث كانت في معظمها صناعاتٍ يدويةً بسيطةً لم تصل مرحلة الصناعة الآلية كما كان الحال في ذلك الوقت في أوروبا؛ حيث لم تهتم الدولة بالصناعة ولا بشؤون الصنّاع وتدريبهم. حيث كانت الدولة ممثّلةً في الوالي العثماني الذي كان يعيش حياةً منعزلةً تمامًا عن الواقع الحياتي المصري، بينما انشغل المماليك بصراعاتهم التي لا تنتهي، وكلّ ما كان يوجد هو طوائف حرفية، تسكن كلّ طائفةٍ مكانًا منعزلًا عن بقية المجتمع كان يُطلق عليه مسمّى (حارة)، فنشأت حارة الصناديق، والمغربلين، والصاغة والنحاسين...إلخ [18]. وكان يرأس كلّ طائفةٍ شيخٌ منتخبٌ ينظّم العلاقة بين أبنائها وبين المجتمع. كما يتولّى مهمّة الفصل في المنازعات وإنهاء المشاكل التي قد تحدث بين أفراد الطائفة [19]. لكن هذه الطوائف تضرّرت بشكلٍ كبيرٍ جرّاء إهمال الدولة لشؤونهم، هذا فضلًا عن قسوة الضرائب الباهظة التي كانت تُفرض عليها بمناسبةٍ ومن دون مناسبةٍ، حتى هجر كثيرٌ من الصنّاع والحرفيين المصانع، وتدهورت الصناعة بشكلٍ واضح.
الأحوال الاجتماعية وقسوة الانقسامات الطبقية: بلغ عدد سكان مصر في ذلك الحين ثلاثة ملايين، ينقسمون إلى حكّامٍ ومحكومين، وقد عانى المجتمع المصري تحت حكم المماليك والعثمانيين من الطبقيّة المقيتة؛ حيث انقسم المجتمع المصري إلى طبقتين متمايزتين أشدّ ما يكون التمايز، وهما طبقة الحكّام، وطبقة عامّة الشعب أو المحكومين. شملت الطبقة الأولى الأتراك والبكوات من المماليك اللذين كان لهما السلطة والنفوذ. وقد استبدّ المماليك بحكم البلاد، وكان عدد المقاتلة يتراوح بين تسعة وعشرة آلاف مملوك، ما بين مقدّمين وأمراء وكشّاف وضبّاط وجاقات وأجناد وأتباع. وكان عددهم لا يزيد بالتناسل؛ لأنّهم كانوا قليلي النسل، فكانوا يتممون نقصهم ويحفظون عددهم وعصبيّتهم بالأرقّاء؛ يشترونهم فتيانًا وفتياتٍ من الشركس الذين كانوا يباعون في سوق الرقيق بالآستانة، فيعتنون بتربيتهم، وكثيرًا ما يعتقونهم فيصبحون أحرارًا، ولكنهم يحفظون عهد أسيادهم، ويكونون من حزبهم وعصبيّتهم. فمن هؤلاء المماليك أحرارًا وأرقّاءً كان يتكون جيش مصر [20]. أما طبقة المحكومين فكانت تتألّف من شريحتين؛ أوّلهما تشمل المشايخ والعلماء وكبار المُلّاك والتجار والأفندية، وهؤلاء يمكن عدّهم شريحةً وسطى. وثانيهما يتكون منها الشطر الأكبر من الأمة، وتشمل الفلاحين وصغار الحرفيين وعامّة الناس، وهؤلاء يمثّلون الشريحة الدنيا من الطبقة الثانية. وكانوا في حالةٍ يرُثى لها من الجهل والفاقة [21].
الصراعات السياسيَّة: تحوّلت مصر بعد هزيمة المماليك بقيادة السلطان طومان باي في 1517م إلى ولايةٍ عثمانية، ولم يختلف الحكم العثماني في جوهره عن حكم المماليك السابق عليه إلّا في استحداث أساليب وأدوات التبعيَّة للسلطان العثماني. وقامت في مصر العثمانيَّة ثلاث إداراتٍ تحكم مصر، كلّ منها تراقب الأخرى، وهي: الوالي، وهو نائب السلطان ويُلقّب بالباشا ومقرّه القلعة. والديوان وسلطته مراقبة الوالي، بل عزله. والبكوات المماليك ومهمتهم إدارة شؤون البلاد. وقد حمل هذا النظام في طياته عوامل ضعفه بسبب قصر مدّة حكم الوالي التي كانت في الغالب سنةً واحدةً ما لم يتم التجديد له، وكان أقصاها ثلاث سنوات. كما أنّ زيادة سلطة الديوان والحامية العسكرية تسبب في صراعاتٍ كان منشاؤها أهواء رؤساء الجند والولاة. وانتهز المماليك فرصة استمرار النزاع والحروب بين الفريقين فأخذوا يعملون على الانفراد بالحكم. فنظام الحكم السياسي في مصر قد تطوّر مع الزمن، وانتهى التنافس بين السلطات الثلاث إلى تغليب سلطة البكوات المماليك فأصبح لزعيمهم الملّقب بـ(شيخ البلد)، نفوذًا لا يعارض وكلمة لا تُردّ، وصارت مشيخة البلد بمنزلة إمارة مصر. ممّا أدى إلى عبث المماليك بالولاة، وأخذوا يعزلون من لا يرضون عنه، كما عبثوا بالجزية فكانوا لا يدفعون منها إلّا ما يروق لهم دفعه، ويقتطعون منها ما يشاؤون بحجة الإنفاق على مصالح البلد [22]. يضاف إلى ما سبق الأزمة الناتجة عن احتدام الصراع السياسي العسكري بين الأميرين المملوكين المسيطرين، إبراهيم بك ومراد بك، وتناحر أتباع كلٍّ منهما ممّا طوّق البلاد بأزماتٍ متواليةٍ زاد من حدّتها فوضى الضرائب والإتاوات وانتشار أعمال العنف التي تعاقبت بنحوٍ مريعٍ خلال العقد الأخير من القرن الثامن عشر [23].
نخلص ممّا تقدم أنّ أحوال المجتمع المصري كانت على النقيض تمامًا من أحوال المجتمع الفرنسي؛ إذ كان الأخير في تقدّمٍ مستمرٍ بالعمل والإنتاج، ووصل إلى مرحلةٍ من التنوير الديني والثقافي والسياسي من حيث الثورة على تسلّط رجال الدين المسيحي، ورفض الحكم الإلهي المطلق وإقامة الجمهورية وإعلان مبادئ الحرية والإخاء والمساواة للمواطنين كافة؛ فانطلق الفكر البشري من عقاله ليرتاد أفاقًا فسيحةً في جميع المجالات؛ فطوّر فنون الحرب والقتال وأدواته، وانطلق ليكتشف العوالم الجديدة في مجاهل البحار والمحيطات، وانفتحت شهيته للغزو والاستعمار وتكوين الإمبراطوريات. أمَّا المجتمع المصري فكان يعاني من تدهور على المستويات كافة؛ فالأوضاع الاقتصادية راكدة منهارة، والصناعة يدوية بسيطة تعاني من عدم وجود المواد الخام، وفرض ضرائب باهظة، والزراعة متدهورة لغياب الاهتمام التام بشؤونها من الدولة، والفلاحون مقهورون، والصراع السياسي محموم بين الولاة والمماليك، والمماليك وبعضهم...إلخ. وبالمقارنة بين المجتمعين نلاحظ أنَّ ميزان القوة المادية والتفوق الحضاري والعسكري كان في صالح المستعمِر الفرنسي.
ثانيًا- أسباب الحملة الفرنسيَّة على مصر
تنوّعت الأسباب الفرنسيَّة وراء غزو مصر بين أسبابٍ سياسيةٍ وأخرى اقتصاديةٍ وثالثةٍ استراتيجيّة. وبالطبع كانت هناك أسبابٌ معلنةٌ غير حقيقية، وأخرى غير معلنةٍ حقيقية، وسوف نقف عليها هنا بما يتناسب مع نطاق بحثنا.
1- أسباب معلنة: أعلن الفرنسيون مجموعةً من الأسباب ادّعوا أنَّها الأسباب الحقيقية لمجيء الحملة الفرنسيَّة إلى مصر، وكان أهم هذه الأسباب:
أ- تأديب المماليك: زعم الفرنسيون أنَّهم ما أتوا إلى مصر إلّا لتأديب المماليك وتحرير المصريين من ظلمهم واستبدادهم؛ إذ جاء في رسالة نابيلون إلى المصريين تذكيرٌ بأنّهم ينتمون إلى إقليم هو أحسن بلد في العالم، وأنّهم أمةٌ لم تبدأ من فراغ، بل بدأت من مجدٍ عريض، وأنّها طاولت الزمان وجودًا، وصنعت الحضارات صنعًا [24]. وقال: «إنّ من زمانٍ مديدٍ الصناجق الذين يتسلّطون في البلاد المصريَّة يتعاملون بالذل والاحتقار في حقّ الملّة الفرنساوية، يظلمون تجارها بأنواع الإيذاء والتعدّي؛ فحضر الآن ساعة عقوبتهم، وأخّرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من بلاد الأبازة (القوقاز) والجراكسة يفسدون في الإقليم الحسن الأحسن الذي لا يوجد في كرة الأرض كلّها، فأمّا ربّ العالمين القادر على كلّ شيء فإنَّه قد حكم على انقضاء دولتهم» [25].
ب- مساعدة المصريين في إدارة شؤون بلادهم: زعم نابليون أنَّه ما جاء لاحتلال البلاد، وإنَّما جاء من أجل الخير للشعب المصري، إذ إنَّ حكم الفرنسيين سيهيّئ للمصريين من أمرهم رشدًا، وسوف يتيح لهم حكم بلادهم بأنفسهم. إذ قال في منشوره إلى المصريين: “إنّ جميع الناس متساوون عند الله، وإنّ الشيء الذي يفرّقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط، وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب.. فماذا يميّزهم عن غيرهم حتى يستوجبوا أنْ يتملكوا مصر وحدهم، ويختصّوا بكلّ شيءٍ أحسن فيها من الجواري الحسان والخيل العتاق والمساكن المفرحة، فإنْ كانت الأرض المصريَّة التزامًا للمماليك فليرونا الحجة التي كتبها الله لهم، ولكن ربّ العالمين رءوف وعادل وحليم.. ولكن بعونه تعالى من الآن فصاعدًا ألا ييأس أحدٌ من أهالي مصر عن الدخول في المناصب السامية، وعن اكتساب المراتب العالية، فالعلماء والفضلاء والعقلاء بينهم سيدبّرون الأمور، وبذلك يصلح حال الأمة كلها”[26].
ج- الدفاع عن الإسلام والمسلمين: زعم نابليون في منشوره إلى المصريين أنَّ الفرنسيين مسلمون مخلصون، حاربوا حاكم رومية الذي كان يحثّ النصارى على محاربة الإسلام والمسلمين. إذ قال في منشوره: “إنَّ الفرنساوية هم أيضًا مسلمون مخلصون؛ وإثبات ذلك أنّهم قد نزلوا في رومية الكبرى وخرّبوا فيها كرسي الحاكم الذي كان دائمًا يحثّ النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطة وطردوا منها الكواللرية (فرسان القديس يوحنا) الذين كانوا يزعمون أنّ الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين. ومع ذلك الفرنساوية في كلّ وقتٍ من الأوقات صاروا محبّين مخلصين لحضرة السلطان العثماني، وأعداء أعدائه أدام الله ملكه”[27].
د- أنْ يُعيدوا للمصريين حضارتهم القديمة: زعم نابليون أنَّه جاء إلى مصر من أجل أنْ يعيد للمصريين حضارتهم القديمة، تلك الحضارة التي تميّزت على الحضارات كلّها في العصور كافة. فعمد إلى تذكير المصريين بأنّهم ينتمون إلى إقليم هو أحسن بلد في العالم، وأنّهم أمة لم تبدأ من فراغ، بل من مجدٍ عريض، وأنّ أمتهم طاولت الزمان وجودًا وصنعت الحضارات صنعًا. وأنّ المماليك هم الذين عصفوا بهذه الحضارة، وأنّهم السبب في فقر المصريين وشقائهم، وفي هذا القول إثارة لشعور الشعب على المماليك [28]. ولا شك في أنّ نابليون كان مؤمنًا بعظمة مصر إيمانًا كبيرًا. وهذا يبدو بصورةٍ لا تقبل الشكّ حينما قال لضبّاطه وجنوده قبل الوصول إلى مصر: “إنَّ أول المدن التي سوف نجتازها شيّدها الإسكندر، سيكون لنا في كلّ خطوةٍ ذكريات عظيمة، خليقة بإثارة فخر الفرنسيين”[29].
2- أسباب حقيقية: بالطبع كانت هناك أسبابٌ حقيقيةٌ غير تلك الأسباب التي أعلنها نابليون - والتي لا تنطلي على عقول الأطفال- كانت وراء مجيء الحملة الفرنسيَّة إلى مصر، نقف على هذه الأسباب فيما يأتي:
أ-تكوين إمبراطوريّةٍ فرنسيّةٍ في الشرق تكون قاعدتها مصر: إنّ انتصارات نابليون في إيطاليا قد مكّنت له في الأرض، وطيّرت ذكره في الخافقين، وجعلته يطمح في انتصاراتٍ أعظم، وفتوحاتٍ أكبر؛ فاتّجهت آماله إلى الشرق موطن الفتوحات العظيمة، ولعلّ مقامه في إيطاليا موطن يوليوس قيصر، وعلى مقربة من مقدونيا موطن الإسكندر قد أوحى إليه أنْ يقلّد قيصر الروماني والإسكندر المقدوني في فتوحاتهما الواسعة؛ فاختار مصر ليجعلها ميدانًا لانتصاراتٍ جديدة، واجتذبته عظمة مصر القديمة. فخيَّل له أنْ يشيد على ضفاف النيل دولةً شرقيةً عظيمةً تحقّق ما كان يجيش في صدره من الآمال الكبار. وأنْ يجعل من مصر قاعدةً لإمبراطوريّةٍ فرنسيّةٍ مترامية الأطراف، فيجعل من البحر المتوسط (بحيرة فرنسية)، كما قال في مذكراته [30].
ب- قطع الطريق بين إنجلترا ومستعمراتها في الشرق: استطاعت فرنسا من تحقيق النصر على الحلفاء في القارة الأوروبيَّة، لكن إنجلترا التي كانت أقوى الحلفاء شكيمةً، وأشدّهم مراسًا بقيت بحكم موقعها الجغرافي وقوة أسطولها البحري بمأمنٍ من ضربات نابليون وانتصاراته؛ ففكّر الفرنسيون في ميدان حربٍ آخر يقهرون فيه إنجلترا، فوجدوا أنّ مصر هي أنسب ميدان؛ إذ إنّ احتلالها سيقطع الطريق بين إنجلترا ومستعمراتها في الشرق، ويمكّن الفرنسيين من الوصول إلى الأملاك الإنجليزية في الهند؛ وفي هذا أرسل نابليون إلى حكومة الإدارة خطابًا يقول فيه: “يمكننا أنْ نحرم إنجلترا من مزايا سيادتها في الأوقيانوس الأعظم، فإذا كانت تنازعتنا طريق رأس الرجاء الصالح في مفاوضات (ليل)، فلنتجاوز عنه ولنحتلّ مصر فسيكون لنا فيها الطريق المفضي إلى الهند، ويسهل علينا أنْ ننشئ بها مستعمرةً من أجمل مستعمرات العالم، وإذا أردنا أنْ نهاجم إنجلترا فلنهاجمها في مصر”[31].
ج- شقّ قناةٍ بحريّةٍ تصل البحرين الأبيض والأحمر: رأى نابليون أنّ طبيعة موقع مصر الجغرافي جعلها مركز الاتصال بين الشرق والغرب، وملتقى المتاجر التي تتبادلها القارات الثلاث أوروبا وآسيا وإفريقيا، وأنّه بإنشاء قناةٍ تصل مياه البحر الأحمر بالبحر الأبيض يمكن السفن الفرنسيَّة أنْ تصل إلى البحر الأحمر وتهاجم أملاك الإنجليز في الهند. وكان هذا مشروعًا قد بدأه السان سيمونيون الذين رأوا فيه “ضرورة دينيّة للربط بين القارات” [32]. وعلى كلّ حال تستطيع فرنسا أنْ تنشئ في مصر مستعمرةً ترسل إليها متاجرها ومصنوعاتها، وتتحول إليها تجارة الهند والشرق، وتكون طريقًا لها إلى أوروبا بدلًا من طريق رأس الرجاء الصالح، فتصبح مصر مستودعًا لمتاجر العالم وتعوض فرنسا عمّا فقدته من المستعمرات، وتكون في الوقت نفسه قاعدةً لضرب إنجلترا في الهند، وبسط سيادة فرنسا في البحر المتوسط [33].
د- الاتّجاه نحو السياسة الاستعمارية: ويعدّ هذا السبب من أهمّ الأسباب التي جاءت من أجلها الحملة إلى مصر؛ إذ إنّ كثيرًا من الساسة والمفكّرين الفرنسيين رأوا أنْ تتجه فرنسا إلى السياسة الاستعمارية، ولا تترك المجال مفتوحًا على مصراعيه أمام السياسة الاستعمارية الإنجليزية لتجتاح العالم وتسيطر على خيراته وحدها. وكان المسيو (تالليران)، وزير الخارجية الفرنسي آنذاك والمسيو (مجالون)، القنصل العام من أبرز هؤلاء المشجّعين على المضي في هذا الاتجاه؛ فقد كانا يعتقدان أنّ علاج العنف الموجود في المجتمع الفرنسي لا يكون إلّا بفتح ميادين أخرى؛ لكي يصرف فيها الشباب الفرنسي حماسهم ونشاطهم الذي بعثته الثورة في نفوسهم ولم يجدوا سبيلًا لتنفيسه؛ فإنّ ممارسة السياسة الاستعمارية إلى جانب أنّه سيعود بالخيرات السياسيَّة والاقتصادية على فرنسا سيخفّف من حوادث العنف التي كانت تعاني منها فرنسا [34]. كما رأى كلٌّ منهما أنّ احتلال مصر سيعوّض فرنسا عن مستعمراتها قبل الثورة في (الهند وكندا)، وأنّ وادي النيل سيكون خير تعويضٍ عمّا فقدته فرنسا خاصّة؛ لحاصلاته الاقتصادية المتنوّعة، وموقعه التجاري والاستراتيجي الهام [35].
هـ- القضاء على اليقظة الإسلامية في الشرق: عمل المستشرقون الفرنسيون وعلى رأسهم (المسيو مجالون)، الذي أقام في مصر نيفًا وثلاثين سنة، وعينته حكومة الإدارة قنصلًا عامًّا لفرنسا في مصر سنة1793[36]، على لفت نظر (المسيحية الشمالية) إلى خطر (اليقظة الإسلامية) في مصر، محدّدًا إيّاها محذّرًا من سوء عواقبها، تلك اليقظة التي تمثّلت في يقظة اللغة على يد الشيخين الكبيرين البغدادي والزبيدي وتلامذتهما، ويقظة (علوم الحضارة) على يد الشيخ الجبرتي وتلاميذه [37]. مدركًا أنّها (يقظة) تنطلق من أقدم بيتين من بيوت العلم والعبادة على ظهر الأرض المصريَّة، هما الجامع العتيق بالفسطاط والجامع الأزهر بالقاهرة. فاليقظة التي تأتي من قِبلهما سوف تؤدي إلى يقظة دار الإسلام كلّها، بما فيها اليقظة المتفجّرة المتحرّكة الجديدة في جزيرة العرب وبلاد الشام: فإذا تمّ اندماج اليقظتين فلا يعلم أحدٌ إلّا الله كيف يكون المصير؟ [38]. ومن ثم كان من أهمّ أهداف الحملة القضاء على تلك اليقظة التي إذا استمرت ستمثّل خطرًا كبيرًا على العالم الغربي، وهو الأمر الذي تحرص عليه كافة القوى الكبرى في العالم إلى يومنا هذا.
و- سرقة ثروات مصر الاقتصادية: نظر الفرنسيون إلى مصر بوصفها البقرة الحلوب التي لا يتوقّف درها، فكان من أهمّ أهداف الحملة استنزاف خيراتها بكلّ الوسائل، وإثقال كاهل شعبها بالضرائب الباهظة التي فرضوها عليه، بما لم يكن معهودًا من المماليك الذين ادّعى نابليون أنّه جاء ليخلص المصريين من استغلالهم [39]. وهو الأمر الذي أكّده عبد الرحمن الرافعي في حديثه عن أحوال مصر الاقتصادية والمالية في عهد الحملة الفرنسيَّة فيقول: «أما الحالة المالية والاقتصادية فقد ساءت عمّا كانت عليه قبل الحملة الفرنسيَّة. فإنّ توالي الضرائب والغرامات والمصادرات والنهب والتخريب والإحراق والتدمير قد أتلف الزراعة والتجارة والصناعة، وأفقر البلاد وزادها ضنكًا على ضنك» [40]. ويخبرنا الجبرتي بحال مصر بعد مجيء الحملة الفرنسيَّة فيقول: «إنّه بداية اختلاف الأحوال، وفساد التدبير، وحصول التدمير وعموم الخراب»[41].
ز- السطو على كنوز مصر ونفائسها العلميَّة: يحدّثنا الجبرتي حديثًا متناثرًا عن نيّة الفرنسيين المبيَّتة لسرقة نفائسنا العلميَّة، وأخذ ما وجدوه إلى بلادهم حيث أتوا بمترجمين لترجمة النفائس العلميَّة، وكان من أشهر هؤلاء المترجمين من رجال الحملة: المستشرق (فانتور)، و(براسرفيتش)، و(لوماكا)، و(حناروكه)، و(كليمان)، و(بوديف)، و(جوبير)، الذي ترجم كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، وعلّق عليه ونشره في جزأين، وكذلك المستشرق (جوزيف مارسيل)، و(مارتين)، و(وي ريبو)، وغيرهم من المستشرقين والمترجمين الذي جاؤوا من أجل السيطرة والاستيلاء على النفائس العلميَّة في مصر التي كانت تضمها مكتبات المساجد التي كانت تحتوي على آلاف الكتب المخطوطة التي كانت تنتظر في صبرٍ نافدٍ من يفتحها ليقرأها ويفيد البشرية من مضمونها، عن طريق الترجمة أو النشر، وكانت الحملة الفرنسيَّة قد أحضرت معها عِدة هذا النشر وآلته وهي (المطبعة العربية)، أو (مطبعة جيش الشرق)، أو (مطبعة الجيش البحري)، كما كانت تسمّى وهي في طريقها إلى مصر[42].
بل لقد كان ولع الفرنسيين بجمع المخطوطات وإدراكهم لأهميّتها أقوى ممّا نتخيل جميعًا؛ إذ إنّ جان جوزيف مارسيل مسؤول مطبعة الحملة قد قام (بحركةٍ بطوليةٍ) في نظر جان ماري كاريه الذي أورد ذلك في كتابه (رحالة وأدباء فرنسيين في مصر): “إنّه أثناء ثورة القاهرة، في أكتوبر 1798، وبينما كانت مدافع (دومارتان) تدكّ الجامع الأزهر، مركز التمرد الشعبي، ألقى جان جوزيف مارسيل بنفسه وسط النيران لينتزع منها مخطوطاتٍ قرآنيةً نادرة”. ولا شكّ في أنّه لم ينقذها حبًّا في الإسلام؛ وإنّما لتنضم إلى بقية المخطوطات بالمكتبة الملكية الفرنسية ومكتباتها الأخرى [43].
فقد سرق الفرنسيون كلّ نفيسٍ من الكتب والمخطوطات العلميَّة، وكانت القاهرة يومئذٍ من أغنى بلاد العالم بالكتب؛ إذ يقول الجبرتي متألمًا على ضياع تلك النفائس العلميَّة القيمة التي ضاعت هنا وهناك: “ثم ذهبت بقايا البقايا في الفتن والحروب، وأخذ الفرنسيس ما وجدوه إلى بلادهم”[44]. وقد علّق محقّق كتاب الجبرتي على ذلك بقوله: “نقل الفرنسيون كثيرًا من المخطوطات التي وجدوها محفوظة في المساجد والمدارس وبيوت الأعيان من إمراء المماليك وكبار التجار والعلماء، ومنها عددٌ كبيرٌ ما يزال محفوظًا في المكتبة الأهلية بباريس”[45].
ويمثّل هذا- في الواقع- دليل السرقة القائم بين أعيننا إلى هذا اليوم، يصيح شاهدًا على نفسه بالسطو على ذخائرنا التي يمنون علينا بعد ذلك، في حياتنا هذه: أنّهم حفظوها لنا، ونشروا لنا نفائسها. إنّ دليل السرقة قائمٌ في جميع مكتبات أوروبا، صغيرها وكبيرها، في فرنسا وإنجلترا وهولندا وروسيا وغيرها من البلدان، وفي الأديرة والكنائس، وفي جميع أرجاء العالم المتحضر! وكان همّهم الأكبر يومئذٍ هو السطو على كتب علوم (الحضارة) أولًا، ثم على كتب (التاريخ)، ثم على كتب (الآداب) كلّها بلا تمييز [46]. بل إنّ الفرنسيين عدّوا سطوهم على هذه النفائس العلميّة الفوز الأكبر الذي حقّقته الحملة على مصر؛ لدرجة أنّه حينما تفاوض الفرنسيون مع الإنجليز للجلاء عن مصر، اشترط الإنجليز على الفرنسيين في 31 أغسطس 1801م، أنْ يسلّموا السفن التي معهم، وأنْ يرحل الجنود الفرنسيون بعشرة مدافع فقط بعد تسليمهم مدافعهم وذخائرهم، وأنْ يسلّم أعضاء المجمع العلمي جميع الآثار والخرائط والمخطوطات التي في حوزتهم. وبدأ الفرنسيون بالفعل في إجراءات التسليم في بداية سبتمبر 1801م، غير أنّ جماعة العلماء امتنعوا عن تسليم مقتنياتهم من كنوز علمية للقائد الإنجليزي وهدّدوا بإحراقها وتحميله تبعة حرمان العلم منها، فاضطر القائد أنْ يتنازل عن تنفيذ هذا الشرط مكرهًا، وإنْ أصرّ على أنْ يسلّموا ما معهم من آثار وأهمها حجر رشيد بحجّة أنّها ملك مصر، واستولى عليها لينقلها بعد ذلك إلى إنجلترا! [47]. فلك أنْ تتخيل قيمة هذه المخطوطات والكتب والنفائس العلميَّة التي أبوا أنْ يتنازلوا عنها رغم تنازلهم عن سفنهم وأسلحتهم وذخائرهم!
هذا فضلًا عن تخريبهم الأزهر، ودخوله بخيولهم، والتنكيل بعلماء الأمة، والاستيلاء على كلّ ما وجدوه بالأزهر حينذاك من كتب ونفائس علمية، وقتل أبناء الشعب بوحشيةٍ لا مثيل لها. كما عمل الفرنسيون على تربية جيلٍ من بني جلدتنا يقوم بدور الفرنسيين في بلاد الإسلام، وتفتيت الوحدة الوطنية، والقضاء على المظاهر العمرانية الجميلة في القاهرة، والسعي لنشر البدع والمنكرات، ونشر السفور والخلاعة والمجون في المجتمع المصري لضمان عدم نهضته وقيامه من كبوته [48].
ثالثًا- الوقائع الميدانية للحملة الفرنسيَّة
استطاع نابليون بونابرت أنْ يقنع حكومة الإدارة بغزو مصر، ومن ثم قررت الحكومة في 5 مارس 1798م، إنفاذ الحملة، وعندما تمت الاستعدادات أصدرت قرارها في 12 أبريل 1798م، بتسمية الجيش الذي سيتولّى التنفيذ بـ(جيش الشرق)، وأسندت قيادته إلى الجنرال بونابرت [49] الذي توجّه في 14 مايو سنة 1798م، ناحية مصر في سِرّيةٍ تامةٍ حتى لا يتسرّب خبره إلى الحكومة الإنجليزية، حتى أنّ الجنود الذين ركبوا من ميناء طولون لم يكونوا يعرفون الجهة التي يقصدونها [50]. وفي هذا الصدد يقول أحد ضباط الحملة: «وسرعان ما اتخذ قبطان كلّ سفينةٍ موضعه وأبحر. وقد خيبت الطرق التي سلكناها كافة تكهنات بحارتنا، وغيّبت عنهم الغاية التي نستهدفها. فإذا سرنا بمحاذاة الشاطئ قالوا إنّها جنوة، وإذا نأينا عنه فالذهاب إلى سردينيا. هكذا راحت المزاعم تختلف في كلّ لحظة»[51]. وقد ظلّ الأمر مجهولًا لدى الجنود حتى ألقى نابليون بيانه الثاني من على متن السفينة (أوريون) في 2 يوليو 1798م[52]. أي قبل وصولهم الإسكندرية بساعاتٍ قليلة، وسوف نرصد فيما يأتي أهم الوقائع الميدانية التي تعرّضت لها الحملة الفرنسيَّة في مصر:
سقوط الإسكندرية والقاهرة
تمكّنت الحملة من إنزال جنودها على شواطئ الإسكندرية ودخول المدينة في 3 يوليو؛ حيث فوجئ الحكّام المماليك الذين لم يأبهوا بتحذيرات الإنجليز قبل ذلك بأيامٍ، وظنّوا أنّها مكيدةٌ وجاوبوهم بكلامٍ خشن [53]. وقد حاولت بعض القوى المملوكية التصدّي للقوات الغازية لكنّهم باءوا بالهزيمة؛ إذ كانت قوتهم قد اُستهلكت في النزاعات الداخلية فيما بينهم، ولم يوجهوا اهتماماتهم إلى تحصين البلاد وحفظ ثغورها لمواجهة أيّة أخطارٍ محتملة. وهنا قام أهالي الإسكندرية بزعامة السيد محمد كريم حاكم المدينة بمواجهة قوات الغزو، لكنّهم فشلوا في الدفاع عن مدينتهم، فسيطر الفرنسيون على الإسكندرية، واعتقلوا حاكمها الذين أعدموه رميًا بالرصاص فيما بعد.
ثم واصل الفرنسيون زحفهم نحو رشيد، كما يقول الجبرتي: «وخرج معظم أهل تلك البلاد على وجوههم فذهبوا إلى فوه ونواحيها، والبعض طلب الأمان وأقام ببلده، وهم العقلاء، وقد كانت الفرنسيس حين حلولهم بالإسكندرية كتبوا مرسومًا وأرسلوا منه نسخًا إلى البلاد التي يقدمون عليها تطمينًا لهم» [54]. ومع ذلك قاتل المصريون في دمنهور قتالا شديدًا تحت قيادة القائد المملوكي مراد بك عند شبراخيت والرحمانية في 13 يوليو سنة 1798م. غير أنّ بونابرت استطاع هزيمته ممّا جعله يتقهقر بجنوده إلى القاهرة استعدادًا لمعركة فاصلة، فالتقى الجيشان عند (إمبابة)، وهناك على مقربةٍ من (الأهرام)، هُزِمَ جيش مراد بك في معركةٍ فاصلة، كان فيها القضاء على قوة البلاد الحربية وهي المعركة المعروفة عند المصريين بواقعة (إمبابة)، وعند الفرنسيين بواقعة الأهرام [55].
أما القائد المملوكي الآخر إبراهيم بك، والذي كان مرابطًا بالبر الشرقي للنيل، فإنّه فور سماعه بالهزيمة التي حلّت بمراد، غادر القاهرة ومعه مماليكه وأتباعه، وأعداد من المصريين، مصطحبين معهم الوالي العثماني (أبو بكر باشا) متجهين صوب بلبيس في اتجاه الصحراء الشرقية، ممّا جعل القاهرة خاليةً من أيّة قوة دفاعٍ أمام الغزاة [56]. فدخل الغزاة القاهرة في 24 يوليو 1798م، وأرسل بونابرت الجنرال (ديزيه) لمطاردة مراد بك في الصعيد، كما أرسل الجنرال (رينيه)، لمطاردة إبراهيم بك في الشرقية.
المقاومة في الصعيد
على الرغم من الوعود التي بذلها نابليون للمصريين في بداية دخوله القاهرة وتطمينه لهم بأنّه ما جاء لقتالهم وإنّما جاء لتحريرهم من المماليك، وإشراكهم في حكم بلادهم، وبناءً على ذلك أظهر احترامًا مبالغًا فيه لعلماء الأزهر وحاول استمالتهم بكلّ الطرق، فعلى الرغم من ذلك كلّه فإنّه لم ينطلِ عليهم ذلك، وارتابوا في احترامه لدينهم وصداقته للسلطان.
وبعد أنْ سيطر نابليون على القاهرة والوجه البحري اعتزم على إخضاع الوجه القبلي؛ إذ رأى أنّ بقاء قوةٍ معاديةٍ في الصعيد يهدد سلطة الحكومة المركزية، ويكون مثابةً للمقاومة الأهلية، ويعطّل الملاحة في النيل، ويحبس الغلال عن الوجه البحري، فيعرّض سكان القاهرة والدلتا وجنود الحملة للمجاعة. ومن ثم قرّر نابليون احتلال الصعيد بعدما فشلت مفاوضاته مع مراد بك على أنْ يترك له مديرية جرجا وما يليها إلى الشلال، ويكون تابعًا للحكومة الفرنسيَّة فيؤدي الخراج الذي كان يخرج من هذه الجهات [57].
وهذه المفاوضات في حدّ ذاتها أبلغ دليلٍ على كذب نابليون في أنّه جاء ليخلّص المصريين من ظلم المماليك. وأنّ كلّ ما كان يهمه هو إخضاع مصر، وجعلها مستعمرةً فرنسية. ومن ثم تفجّرت المقاومة في الصعيد بصورةٍ أقوى من الوجه البحري؛ لوجود اتصالاتٍ بين أهالي الصعيد وبين البقية الباقية من جيش المماليك. كما زاد من قوة المقاومة في الصعيد توافد مجموعاتٍ جاءت للمساعدة من شبه الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر وانضمت للمقاومة. كما كان طول الوادي جنوبًا وبُعد الصعيد عن مركز الحكم من أهمّ الأسباب التي أرهقت الفرنسيين في السيطرة على المقاومة في الصعيد.
ثورة القاهرة الأولى (أكتوبر 1798)
على الرغم من أنّ منشور نابليون إلى المصريين قد حوى من الوعود والعبارات الجميلة؛ فإنّه حوى أيضًا التهديد والوعيد وإنذار المصريين في مادته الثانية «كلّ قريةٍ تقوم على العسكر الفرنساوي تحرق بالنار» [58]. وعندها أدرك المصريون أنّه من الحماقة الاطمئنان لوعود نابليون.
وخلال معارك القوات الفرنسيَّة لإخضاع الصعيد اندلعت ثورةٌ في القاهرة ضد الحكم الفرنسي، كان أهمّ أسبابها: فرض ضرائب باهظة على التجار خلافًا لما وعد به نابليون بأنّه جاء لإنصاف المصريين من ظلم المماليك، وتفتيش البيوت واقتحام الدكاكين بحثًا عن الأموال، وهدم أبواب الحارات حتى يسهل مطاردة عناصر المقاومة، وهدم كثيرٍ من المساجد والمباني والآثار بحجّة تحصين القاهرة، ممّا أظهر وجه المحتل الفرنسي على حقيقته [59]. وقاد الأزهر الثورة، ونظم قبول المتطوّعين بأسلحتهم، وكانت المقاومة شديدةً حتى لقد قُتل حاكم مدينة القاهرة الفرنسي القومندان (ديبوي Dupuy) ومعه نحو مائتين، وقُتل من المصريين نحو ألفين. وقد أخمدت الثورة بالقمع والإرهاب الشديد إذ دخلت القوات الفرنسيَّة الجامع الأزهر بالخيول؛ حيث تحصّن به حوالي 15 ألفًا من أشدّ الثوار حماسة، فهاجم الفرنسيين المسجد وحطّموا أبوابه وقتلوا معظم الثوار بنار البنادق والمدافع [60]، ودنّسوا المسجد، وطرحوا المصاحف على الأرض، وداسوها بأرجلهم ونعالهم، وكسروا أوانيه ودمروا زينته، ومزّقوا المخطوطات ونهبوا الكتب [61]. فأهاج هذا التصرّف الشعور الديني لدى المصريين، وامتدت ثورة القاهرة إلى الأقاليم المجاورة، حيث اشترك أهاليها بالرجال والعتاد عندما وصلتهم رسائل من قيادة الثورة. ممّا عرضهم للقهر والتنكيل والذبح وقطع الرؤوس، وكانت جثث القتلى توضع في ركائب وتلقى في النيل. وقد أسرف الفرنسيون في القتل، حتى أنّهم فقدوا الرحمة بالنساء فقتلوا كثيرًا منهن، وهذا أفظع ما سُمع في التنكيل وسفك الدماء [62]. حتى تم إخماد الثورة، لكنّها بقيت مشتعلةً في قلوب وضمائر المصريين.
موقعة أبي قير البحرية (أول أغسطس 1798)
بعد إنزال الجنود الفرنسيين قرب الإسكندرية أصرَّ نابليون على أنْ يبقى الأسطول الفرنسي في الشواطئ المصرية، فاضطر قائد الأسطول الجنرال برويس Brueys إلى أن يبحر بأسطوله إلى خليج أبي قير اعتقادًا منه أنّ الخليج سيكفل لسفنه مكانًا آمنًا أكثر من ميناء الإسكندرية. وهنا عاد نلسون قائد الأسطول الإنجليزي إلى الإسكندرية وحاصر الأسطول الفرنسي في خليج أبي قير ونجح في القضاء عليه فلم يترك منه سوى أربع سفن [63]. وترتّب على هذا فرض الحصار البحري على الحملة في مصر؛ فانقطع الاتصال بين الحملة في مصر وبين فرنسا ممّا اضطر الفرنسيين إلى أنْ يعتمدوا بشكلٍ كلّي على الموارد المصرية فازدادت الضرائب على المصريين، كما أحدثت هذه الموقعة تقاربًا بين السلطان العثماني والإنجليز، وقد كان هذا التقارب سببًا مهمًا من الأسباب التي أدّت إلى الضغط على الحملة الفرنسيَّة للخروج من مصر كما سنرى فيما بعد.
ثورة القاهرة الثانية (20 مارس- 21 أبريل 1800)
لم يستسلم المصريون ولم تهن عزائمهم بعد السيطرة على الثورة الأولى؛ بل استغلوا الظروف الخارجية للثورة مرةً أخرى؛ حيث عقدت الدولة العثمانيَّة معاهدةً مع إنجلترا وروسيا للاشتراك معًا في إخراج الفرنسيين من مصر بالقوة العسكرية بوساطة حملتين، واحدة من جهة الشام والأخرى من جهة الإسكندرية؛ لذلك أرسل نابليون قواته إلى الشام ليستولي على عكا لكنّه فشل لقوّة تحصينها، ولاستبسال قائدها في الدفاع عنها خاصّة بعد الفظائع التي ارتكبها الفرنسيون في يافا التي يشيب من هولها الولدان؛ لعلّ أفظعها قتل نابليون لثلاثة آلاف مقاتلٍ من حامية يافا آثروا التسليم مقابل حفظ أرواحهم، لكن نابليون تنكّر لوعده بحجة أنَّه كان عاجزًا عن إطعامهم وحراستهم في بلادٍ نائيةٍ لم يستتب له فيها الأمر، وهي حجةٌ واهيةٌ تنطوي على نقض العهود وتنكرها المبادئ الإنسانية وقواعد الحروب [64].
كما بلغت بونابرت تلك المتاعب التي تواجهها حكومة الإدارة في فرنسا مع النمسا وحلفائها، فقرّر العودة سرًا إلى فرنسا وترك قيادة الحملة لنائبه كليبر في 18/8/ 1799م. وفي تلك الأثناء أرسلت الدولة العثمانيَّة حملةً أخرى إلى العريش ودمياط، وعاد المماليك للمقاومة مرةً أخرى، وتجدّدت الثورة في الشرقية وامتدت إلى وسط الدلتا وغربها. وعندئذٍ أدرك كليبر أنّ من مصلحة الحملة مغادرة مصر على أنْ يخرج بجنوده إلى فرنسا على نفقة الدولة العثمانيَّة، وقد اتّفق على ذلك فعلًا في معاهدة عُرفت بمعاهدة العريش يناير 1800م. لكن إنجلترا اعترضت وطلبت أنْ يسلم الفرنسيون أسلحتهم، ويسلموا أنفسهم كأسرى حرب، وألّا يُسمح لهم بالذهاب إلى فرنسا [65]. هنا رفض كليبر، ونقض اتّفاق العريش؛ فتأججت الثورة واندلعت نيرانها في 20 مارس 1800م، في نفوس المصريين وهاجموا معسكر الفرنسيين بكلّ قوةٍ وبسالةٍ، لكن كان كليبر دمويًا أكثر من سابقه فضرب القاهرة، فاحترقت أحياء برمتها، وتهدّمت بيوتٌ عامرة، ودفنت تحت أنقاضها عائلات بأكملها [66]. وقتل خيرة شباب مصر ورجالها ولم يرحم كليبر وجنوده كبيرًا ولا صغيرًا حتى أُخمدت الثورة. ووقع على المصريين غرامات فادحة واعتقال واضطهاد لم يسبق له مثيل، حتى تم اغتيال كليبر على يد شابٍّ سوريّ كان يُدرس في الأزهر يُدعى سليمان الحلبي في 14 يونيو 1800م[67]، وقد عُذِّب أثناء إعدامه تعذيبًا شديدًا برفقة أربعة من أصدقائه، وتم إغلاق الجامع الأزهر.
جلاء الحملة عن مصر
لم تهدأ الأوضاع في مصر داخليًا أو خارجيًا، ولكن كانت أشبه بالنار تحت الرماد؛ إذ لم تتوقف إنجلترا عن فكرة إخراج الفرنسيين من مصر، فأرسلت أسطولًا جديدًا إلى أبي قير (فبراير 1801م) اشتبك مع الجيش الفرنسي واستطاع هزيمته في معركة كانوب (21 مارس سنة 1801م) [68]، ثم هزمه مرةً أخرى في معركة الرحمانية (9 مايو 1801) [69]، متحالفًا مع الجيش العثماني. ثم استطاع الجيش العثماني القادم من سوريا بقيادة الصدر الأعظم (يوسف باشا ضيا) أنْ يُلحق الهزيمة لأوّل مرةٍ بالجيش الفرنسي الذي كان يقوده الجنرال بليار في معركة الزوامل (16 مايو 1801) [70].
كما كان انتشار الطاعون بين جنود الحملة من أهمّ الأسباب التي أضعفت موقف الحملة الفرنسيَّة في مصر، والذي تسبب في موت أهم حلفاء الفرنسيين القائد المملوكي مراد بك، الذي رأى الجبرتي أنَّه كان من أعظم الأسباب في خراب الإقليم المصري بما تجدّد منه ومن مماليكه وأتباعه من الجور والتهور، فلعلّ الهمّ يزول بزواله [71]. وقال عنه عبد الرحمن الرافعي: «كانت وفاته ضربةً كبيرةً أصابت آمال الفرنسيين؛ لأنّهم فقدوا بموته حليفًا قويًا كان يمكن أنْ يمدهم بما لديه من حولٍ وقوة، وحزنوا عليه حزنًا شديدًا»[72]. كذلك كان انضمام أهل القاهرة إلى المقاومة وتحفّزهم للانقضاض على الجيش الفرنسي في أيّ مكانٍ وفي أيّ وقتٍ من أهم الأسباب التي ساعدت في اقتناع الفرنسيين بأنّ مصر لم تعد صالحةً للبقاء فيها.
وبينما كان الجيش الإنجليزي العثماني يتأهّب للهجوم على مواقع الفرنسيين في القاهرة هجومًا عامًا، جاء مندوبٌ من قبل الجنرال بليار إلى المعسكر الإنجليزي في يوم 22 يونيو 1801م، يطلب وقف القتال وفتح باب المفاوضة على قاعدة الجلاء فقبل الجنرال الإنجليزي هتشنسون والصدر الأعظم هذا الطلب بارتياح [73].
وبعد مفاوضاتٍ استمرت لأربعة أيامٍ انتهت باتفاق جلاء الجيش الفرنسي عن مصر، ووقع المندوبون على هذا الاتفاق، وتقتضي شروطه أنْ تجلو القوات الفرنسيَّة عن مصر جلاءً تامًا على أنْ يكون جلاء الجنود بأسلحتهم وأمتعتهم ومدافعهم وذخائرهم على نفقة الحلفاء [74]. وهو الاتفاق الذي رفضه الإنجليز من قبل في معاهدة العريش، وقبلوه هو كما هو بعد أنْ سُفكت الدماء وخربت البلاد وعمَّ البلاء؛ لأنّ المستعمر لا يهمّه إلّا مصلحته هو فقط، ولا يهتم أدنى اهتمامٍ بمصير الشعوب المستعمَرة.
أمَّا الجدير بالذكر في حادث الجلاء أنَّه لما بدأ الفرنسيون يوم 2 سبتمبر 1801م، يسلمون قلاع مدينة الإسكندرية واستحكاماتها ومدافعها والسفن الحربية التي كانت لهم في الثغر، جاء دور تسليم مقتنيات أعضاء المجلس العلمي، فاحتجّ أعضاء لجنة العلوم والفنون على حرمانهم من ثمرة أبحاثهم وجهودهم واكتشافاتهم، وأوفدوا ثلاثةً منهم لإقناع الجنرال هتشنسون بعدوله عن هذا الشرط، ولكن الجنرال الإنجليزي رفض طلبهم في البداية فأجمعوا رأيهم على الامتناع عن تسليم تلك الكنوز العلميَّة، وأنذروا القائد الإنجليزي بإحراقها بدلًا من التفريط فيها أو تسليمها، وأبلغوه أنّهم يلقون على عاتقه تبعة حرمان العلم من هذه النفائس في حالة إصراره على طلبه، فبُهت القائد الإنجليزي أمام هذا التهديد، وقبِلَ مكرَهًا أنْ يتنازل عن نفاذ هذا الشرط، وترك لهم مقتنياتهم، بيد أنّه منعهم من أخذ الآثار النفيسة والمقتنيات الفرعونية التي أرادوا تهريبها معهم، وحجزها بحجة أنّها ملك مصر، لكن مصر حُرمت منها وسرقها الإنجليز إلى بلادهم وزانوا بها متاحفهم، ومن هذه الآثار (حجر رشيد) المشهور الموجود إلى اليوم في المتحف البريطاني بلندن[75]. وهذا هو دأب المستعمر دائمًا السرقة والنهب والكذب والمراوغة والاستيلاء على خيرات وثروات الشعوب المستعمَرة. وغادر الفرنسيون مصر وعمّ البلاد فرحٌ عارمٌ بجلائهم، وكان آخر من أبحر منهم الجنرال (مينو) خليفة كليبر، وكان ذلك في يوم 18 أكتوبر سنة 1801م [76].
وأبلغ ما يمكننا الوقوف عليه من دراسة الوقائع الميدانية هو ذلك الموقف البطولي للمقاومة المصرية؛ إذ أبدى أبناء مصر في القاهرة والوجهين القبلي والبحري ضروبًا من البسالة في مقاومة المحتل الغازي وعدم الانخداع بوعوده البراقة الزائفة، وبذل النفوس رخيصةً من أجل تحرير الأرض والوطن، فأظهروا صورًا من البطولة والتضحية أبهرت المحتلين أنفسهم، وذلك بصورٍ وأشكالٍ يصعب حصرها.
رابعًا- النتائج والآثار المترتّبة على الحملة الفرنسيَّة
بقي الفرنسيون في مصر ثلاث سنواتٍ وثلاثة أشهرٍ تقريبًا (من يوليو 1798 حتى سبتمبر 1801م)، تولى أمرهم خلالها نابليون وكليبر ثم مينو، ولم يتهيّأ لهم في أثناء إقامتهم القصيرة بالبلاد الاستقرار اللازم لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية، وإنّما قضوها في حالة حربٍ ومعارك مستمرة [77]. ومع ذلك لا يمكننا أنْ نتجاهل الآثار العميقة التي تركتها الحملة في مصر؛ إذ إنّ هذه الآثار شملت الجوانب السياسيَّة، والاجتماعية والمجالات الاقتصادية كالزراعة والصناعة والتجارة، فضلًا عن تلك الآثار الفكريَّة والعلميَّة. وسوف نعرض لهذه الآثار فيما يأتي فيما يتناسب مع نطاق بحثنا.
الآثار السياسيَّة- دواوين الحكم: كان من أهم الآثار السياسيَّة التي أحدثها الفرنسيون فكرة دواوين الحكم لتنظيم أمور الإدارة والحكم في مصر على نمط ما حدث في فرنسا بعد الثورة من حيث نقل السلطة إلى الطبقة الوسطى وهم الأعيان في مصر، ولكنّه كان نقلًا شكليًّا بحتًا من دون أنْ تكون هناك فرصةٌ حقيقيّةٌ للممارسة الفعلية؛ إذ كان غرض بونابرت في النهاية التعرّف على ما يدور في أذهان صفوة المصريين؛ فأنشأ ديوان القاهرة للتداول في أحوال العاصمة، ودواوين الأقاليم للنظر في المصالح والشكاوي وجباية الأموال والضرائب المقررة على الأهالي. والديوان العام الذي يفترض فيه أنْ يمثّل السلطة التشريعية في البلاد وهو يتشكّل من ديوان القاهرة والمديريات بغرض تدريب النخب المصريَّة على نظام مجالس الشورى.
لكن من يتتبع نشاط ودور هذه الدواوين يدرك أنّ القصد من تشكيلها لم يكن تدريب المصريين على الحكم الذاتي – كما تدّعي بعض الكتابات - ذلك أنّ السلطة الفعلية كانت في أيدي الفرنسيين إلى أقصى حد، بنحو اتّضح أنّ إنشاء هذه الدواوين كان بهدف الاستعانة بأعضائها من علماء ومشايخ الأزهر اعتمادًا على مكانتهم في إخضاع البلاد وتهدئتها، والاستماع إلى مشوراتهم دون الالتزام بها، وتوفير وسيلةٍ محليّةٍ للربط بين الحكّام والمحكومين. وعلى الرغم من أنّ الهدف الأساسي من تشكيل هذه الدواوين هو خدمة مصالح المستعمرين، فإنّها أطلعت المصريين حقيقةً على نماذج جديدةٍ للهيئات السياسيَّة والمجالس الشورية وإنْ لم تكن لها سلطةٌ حقيقية [78].
الآثار الاجتماعية: كثيرًا ما يُخيّل للباحث في تاريخ الحملة الفرنسيَّة على مصر أنّها خلت من الآثار الاجتماعية، رغم أنّ آثارها الاجتماعية كانت خطيرةً للغاية؛ إذ نقلت الحملة الفرنسيَّة إلى مصر أنواعًا وصنوفًا شتّى من أنواع وأصناف الفساد الاجتماعي، إذ أتت إليها بالخمّارات، وألعاب القمار، والبيوت المشبوهة، وفتيات الليل، وإباحة بيع الخمر. فعملت- بصورةٍ مباشرة- على تغيير العادات والقيم الاجتماعية [79]. فقد انتشرت مظاهر الانحلال الأخلاقي بما يشمله من إباحيةٍ وفوضى أخلاقيةٍ لا تنسجم مع التقاليد الإسلامية فيما حرص عليه الضبّاط الفرنسيّون منذ دخولهم القاهرة؛ إذ اصطحبوا عشيقاتهم إلى مصر. كما شجّعت القيادة العامّة للجيش الفرنسي السيّدات الأوروبيّات في القاهرة على حضور الحفلات الساهرة التي كان الفرنسيون يقيمونها في دورهم أولًا، ثم في نادي تيفولي ثانيًا، كما لجأت قيادة الجيش إلى الاتفاق مع المغنّيات والراقصات المصريات المحترفات (العوالم) كي يشتركن في إحياء الحفلات التي كانت تقام في هذا النادي، وكانت تُمارس في هذه الحفلات على نطاقٍ واسعٍ أمورٌ تتنافي مع الآداب العامة. وانتشرت المراقص في شتّى أنحاء القاهرة، وفُتحت محالّ الدعارة بكثرة، وأقبل الجنود الفرنسيون عليها إقبالًا شديدًا [80]. وفي ذلك يقول (نقولا الترك) المؤرّخ اللبناني الذي عاصر الحملة هو الآخر وحضر إلى مصر لمتابعتها وسجّل ما شاهد، فقد قال: «وخرجت النساء خروجًا شنيعًا مع الفرنساوية، وبقيت مدينة مصر (يعني القاهرة) مثل باريس، وفي شرب الخمر والمسكرات، والأشياء التي لا ترضي رب السماوات»[81].
الآثار في مجال الزراعة: قام علماء الحملة بدراسة مجرى نهر النيل وفحص القنوات والجسور، وتم تخصيص جزءٍ من الأراضي الزراعية العامّة لإنتاج الغلّات التي تحتاجها فرنسا، وكان من أهمّ المحاصيل التي حرصت فرنسا على استزراعها في مصر ومن أجلها قامت بتعديلاتٍ جوهريةٍ في نظام الري: القمح، والحبوب، والأرز، وقصب السكر، والكتان، والنيلة، ومختلف الفواكه التي كانت تشتهر بها مصر، كما جلبوا أنواعًا من الفواكه التي لم تكن موجودةً في مصر من فرنسا مثل: الخوخ، والمشمش، والكمثرى، والتفاح. وكان الغرض الأوّل من هذه الإصلاحات هو مصلحة الفرنسيين وإمدادهم بكلّ ما يحتاجونه من الحبوب، والفواكه، والمواد اللازمة للصناعة. ومن ثم كان على الفرنسيين أنْ يعملوا على تنمية الزراعة بكلّ الطرق فقضوا على نظام الالتزام، وأدخلوا نظمًا جديدةً للري، وزراعات جديدة [82].
الآثار في مجال الصناعة: عمل الفرنسيون على الاستفادة من الصناعات البسيطة كافة، كما عملوا على الاستفادة من الحرفيين المصريين المهرة والذين تميّزت بهم مصر دون إفادتهم بأسرار الصناعة الفرنسيَّة. فأصلحوا دار الصناعة (الترسانة) لتصنع المدافع والسفن والآلات الحربية التي كان مراد بك قد أنشأها بالجيزة. وأنشأ مينو مصنعًا للنسيج، وحرص على ألّا يضم هذا المصنع عمالًا مصريين حتى لا تتسرّب أسرار الصناعة إليهم. وكانت القاعدة أنْ يستقدم عمالًا من فرنسا، وقد حدث ذلك بالنسبة للنسيج والحدادة وصناعة الساعات والدباغة وصناعة حروف الطباعة والجوخ والبيرة[83]. فعن أيّ فائدةٍ يتحدّث المستعمر غير استفادته هو؟! إذ كان هم المستعمر الأول هو تعويض المصنوعات الأوروبيَّة التي فقدوا وسائل الاتصال بها.
الآثار في مجال التجارة: اهتمّ الفرنسيون بإحياء التجارة التي ركدت بسبب حصار الإنجليز للشواطئ المصريَّة ووجود الجيش العثماني في بلاد الشام، ومن ثمَّ عمل الفرنسيون على افتتاح أسواقٍ جديدةٍ لمصر في بلاد البحر الأحمر؛ فسارت المراكب بما نهبه الفرنسيون من خيرات مصر بين جده وينبع والسويس محملةً بالأنسجة القطنية والشيلان الصوفية والحرائر وكلّ ما يمكن بيعه أو شراؤه. وكان نابليون أوّل من بدأ سياسة التفاهم مع شريف مكة. وكان ضمن برنامج (مينو) إجراء علاقاتٍ مع سنار ودارفور في السودان، وبلاد الحبشة، وبلدان شمال إفريقيا [84].
الآثار الفكريَّة والعلميَّة: وهي أبرز مؤثرات الحملة الفرنسيَّة؛ إذ كان مع الحملة طائفةٌ من علماء فرنسا النابغين في مختلف فروع علوم العصر، وطائفةٌ من رجال الفنون من المصوّرين والرسّامين والموسيقيين والمثَّالين، بلغوا جميعًا نحو 146 عالمًا، فأسّس نابليون بوساطة هؤلاء النخبة (المجمع العلمي المصري) الذي لم تكن مهمته يومًا تعليم وتثقيف المصريين، بل كانت مهمته الأولى هي الكشف عن إمكانيات مصر الطبيعيَّة والصناعيَّة وكيفية استغلالها بما يخدم أهداف الحملة في تأسيس مستعمرةٍ فرنسيةٍ على أساس علمي [85].
وهكذا عكست آثار الحملة الفرنسيَّة الأهداف الاستعمارية بصفةٍ عامة، فالمستعمِر- في الغالب- كما يسعى إلى الغزو العسكري يسعى إلى الغزو الفكري والحضاري، أي أنّه كما يسلب خيرات البلد يسعى إلى طمس هويتها؛ لكي يسهل اقتيادها وتظلّ تابعةً له. فلا يمكن لحكومة مهما كانت سذاجتها أو عدم خبرتها السياسية أنْ تجازف بإرسال جيشٍ قوامه ستة وأربعون ألفًا بزعم تحرير شعب ليس على حدودها ولا من دينها أو ملتها، أو حتى بزعم تنويره أو تحديثه!! فما بالنا والحكومة المعنية هنا حكومة فرنسية محنكة تجيد رسم الخطط وتوارث المخططات وتمارس الاستعمار بالفعل من قبل تاريخ الحملة بعدة قرون [86].
خاتمة:
انتهى بحث موضوع (الاستعمار الفرنسي لمصر في ظروفه الزمانيَّة والمكانيَّة) إلى مجموعةٍ من النتائج، لعلّ أهمها ما يأتي:
أوّلًا- رغم أنّ الحملة الفرنسيَّة على مصر قد أخفقت عسكريًا، ولم تحقّق الأهداف التي جاءت من أجلها، إلّا أنّها نجحت في لفت أنظار القوى الاستعمارية إلى أهمية مركز مصر وموقعها الاستراتيجي بين قارات العالم القديم، حتى أصبحت مصر ميدانًا فسيحًا للتنافس الاستعماري الأوروبي للسيطرة عليها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. وهذا ما يفسّر قدوم الحملة الإنجليزية التي جاءت بعد جلاء الحملة الفرنسيَّة عن مصر بستة أعوامٍ فقط. فتعد الحملة الفرنسيَّة بذلك هي المسؤولة عن ظهور اصطلاح (المسألة المصريَّة) في عُرف السياسة الدولية بصورةٍ مبكرةٍ أو في بدايات القرن التاسع عشر والتي سيكون لها صدى كبيرٌ في النصف الثاني من القرن التاسع من خلال الصراع الاستعماري بين فرنسا وإنجلترا، ووقوع مصر تحت سيطرة الاحتلال الإنجليزي.
ثانيًا- ظهر الوجه الحقيقي للمحتلّ الفرنسي منذ منشور نابليون إلى المصريين، الذي بالرغم ممّا حواه من الوعود والعبارات الجميلة؛ حوى مبدأ التهديد والوعيد وإنذار المصريين في مادته الثانية (كلّ قريةٍ تقوم على العسكر الفرنساوي تحرق بالنار). وهو أمرٌ لا يتّفق أبدًا والقواعد الإنسانية في معاملة الشعوب؛ خاصّة أنّهم قاموا بممارسة أبشع أساليب القتل والتنكيل والتعذيب والبربرية في كافة ربوع مصر في الوجه البحري والقاهرة والصعيد. كما أننا لم نرَ في منشورات نابليون للإيطاليين أثناء حروب إيطاليا تهديدًا من هذا النوع، وبالفعل قد أحرق الفرنسيون كثيرًا من القرى المصريَّة، وهذا يعني أنّ نابليون كان ينظر إلى الأمة المصريَّة بعين غير العين التي كان ينظر بها إلى الأمم الأوروبيَّة.
ثالثًا- تبيّن من خلال هذا البحث كذب مزاعم المستعمر الفرنسي في أنّه جاء حاملًا مشاعل التنوير لشعب همجي بلا تنوير؛ فما كانت الإصلاحات السياسيَّة التي تمثّلت في دواوين الحكم إلّا وسيلة خبيثة لمعرفة ما يدور في أذهان صفوة المصريين من العلماء والأعيان. كما كانت الإصلاحات الاجتماعية تهدف في المقام الأول إلى تغريب المجتمع المصري والقضاء على هويته الإسلامية، عن طريق إذاعة الفجور والتحلل الأخلاقي وإخراج المرأة المسلمة من تقاليدها الإسلامية؛ لأنّهم أدركوا، من خلال جهود المستشرقين، أنّ الدين الإسلامي هو العقبة الكؤود لاستقرار السلطات الفرنسيَّة في مصر. كما كانت الإصلاحات الاقتصادية المتمثلة في الزراعة والصناعة والتجارة من أجل الاستفادة الفرنسيَّة القصوى من ثروات مصر، كذلك كانت الإصلاحات العلميَّة والفكريَّة كلّها تصبّ في مصلحة الجيش ومساعدته ووضع العلم في خدمة الحرب والحكومة الاستعمارية. وأنّ الهدف من البعثة العلميَّة المرافقة للحملة لم يكن هدفًا علميًّا، بل هدفًا صليبيًّا مغلّفًا بالعلم شأنه شأن الرحلات الاستكشافية التي قام بها الصليبيون ابتداءً من القرن السادس عشر الميلادي.
رابعًا- أظهرت الحملة الفرنسيَّة على مصر مدى ضعف الدولة العثمانيَّة وعدم قدرتها على حماية ولاياتها، فأصبح حلم الولاة والحكام الاستقلال بمصر عن الدولة العثمانيَّة. كما أظهرت بأنّ مصر للمصريين وليست لبكوات المماليك الذين حينما سمحت لهم الظروف التحالف مع المستعمر عاونوه ووقفوا ضد الشعب المصري كما فعل مراد بك الذي كان صاحب فكرة حريق القاهرة.
خامسًا- رسخت الحملة الفرنسيَّة في وجدان المصريين وعقولهم أنّ المستعمِر لا يبحث إلّا عن نهب ثرواتهم وكنوزهم ونفائسهم العلميَّة والحضارية. وأنّه ما جاء إلّا لوأد اليقظة الإسلامية التي بزغ نورها في الشرق، وسرقة النفائس العلميَّة التي استمات الفرنسيون في الخروج بها أو حرقها، واستنزاف خيرات البلاد، والسعي لنشر البدع والمنكرات بين أبناء الأمة، ونشر السفور والخلاعة والمجون والمنكرات لتغييب هوية المجتمع الإسلامية، وإفقاده دينه وحسّه الوطني وانتماءه بوصفها من ضلالات الماضي.
لائحة المصادر والمراجع
أحمد زكريا الشلق، الغزو الفرنسي لمصر وآثاره (1798-1801)، فصل بكتاب: المرجع في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، تقديم ومراجعة يونان لبيب رزق، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، 2009.
جاد طه، معالم تاريخ مصر الحديث والمعاصر، القاهرة، دار الفكر العربي، د.ت.
جمال الدين الشيال، تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسيَّة، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الأولى، 2000.
جوزيف ماري مواريه، مذكرات ضابط في الحملة الفرنسيَّة على مصر، ترجمة كاميليا صبحي، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2000.
روبير سولية، مصر ولع فرنسي، ترجمة لطيف فرج، القاهرة، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، 1999.
زينب عبد العزيز، مائتا عام على حملة المنافقين الفرنسيين، القاهرة، مكتبة وهبة، 2005.
عبد العزيز سليمان نوار، عبد المجيد نعنعي، التاريخ المعاصر: أوروبا من الثورة الفرنسيَّة إلى الحرب العالمية الثانية، بيروت، دار النهضة العربية، د.ت.
عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج3 تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، القاهرة، مطبعة دار الكتب المصريَّة، 1998.
عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج4، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، القاهرة، مطبعة دار الكتب المصريَّة، 1998.
عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2021.
عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج2، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2021.
عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، الريف المصري في القرن الثامن عشر، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1986.
عبد السلام عبد الحليم عامر، طوائف الحرف في مصر، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1993.
عبد العزيز سليمان نوار، محمود محمد جمال الدين، التاريخ الأوروبي الحديث من عصر النهضة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، القاهرة، دار الفكر العربي، 1999.
عبد العزيز محمد الشناوي، الأزهر جامعة وجامعة، ج2، القاهرة، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، 2013.
عبد الله عبد الرازق إبراهيم، شوقي الجمل، تاريخ مصر والسودان الحديث المعاصر، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1997.
عز الدين نجيب وآخرون، موسوعة الحرف التقليدية في مصر، ج1، القاهرة، جمعية أصالة لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة، يناير 2004.
عطية القوصي وآخرون، الحضارة الإسلامية وتاريخ العرب الحديث، القاهرة، طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم، 2011-2012.
عمر عبد العزيز عمر، تاريخ مصر الحديث والمعاصر 1517-1919، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1993.
فرج محمد الوصيف، مصر بين حملتي لويس ونابليون، المنصورة، دار الكلمة للنشر والتوزيع، ط1، 1998.
محمد حبيدة، أوروبا في القرن التاسع عشر (بونابرته)- دروس ومحاضرات 2020-2021، الرباط، ط1، 2021.
محمد جلال كشك، ودخلت الخيول الأزهر، القاهرة، الزهراء للإعلام العربي،1990.
محمد عبد الكريم الوافي، يوسف باشا القرمانلي والحملة الفرنسيَّة على مصر، طرابلس- ليبيا، المنشأة العامة للنشر والتوزيع،1984.
------------------------------------------------------
[1]. متخصّص في الفكر الإسلامي - أُستاذ في جامعة بني سويف / مصر.
[2]. عطية القوصي وآخرون، الحضارة الإسلامية وتاريخ العرب الحديث، القاهرة، طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم، 2011-2012، ص 75.
[3]. م. ن، ص 76.
[4]. عبد العزيز سليمان نوار، محمود محمد جمال الدين، التاريخ الأوروبي الحديث من عصر النهضة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، القاهرة، دار الفكر العربي، 1999، ص 297.
[5]. تالليران Talleyrand سياسيّ فرنسيّ كان أوّل أمره من رجال الإكليروس، التحق بالثورة عند قيامها، وخلع ثوبه الديني، ثم صار نائبًا في البرلمان، ثم وزيرًا للخارجية في عهد حكومة الإدارة.
[6]. أحمد زكريا الشلق، الغزو الفرنسي لمصر وآثاره (1798-1801)، فصل بكتاب: المرجع في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، تقديم ومراجعة يونان لبيب رزق، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، 2009، ص67-68.
[7]. م. ن، ص68.
[8]. عبد العزيز سليمان نوار، عبد المجيد نعنعي، التاريخ المعاصر: أوروبا من الثورة الفرنسيَّة إلى الحرب العالمية الثانية، بيروت، دار النهضة العربية، د.ت، ص80.
[9]. أحمد زكريا الشلق، الغزو الفرنسي لمصر وآثاره (1798-1801)، م. ن، ص68.
[10]. جاد طه، معالم تاريخ مصر الحديث والمعاصر، القاهرة، دار الفكر العربي، د.ت، ص13
[11]. عطية القوصي وآخرون، الحضارة الإسلامية وتاريخ العرب الحديث، ص 78.
[12]. عمر عبد العزيز عمر، تاريخ مصر الحديث والمعاصر 1517-1919، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1993، ص178
[13]. عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج4، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، القاهرة، مطبعة دار الكتب المصريَّة، 1998، ص 326.
[14]. جاد طه، معالم تاريخ مصر الحديث والمعاصر، م. ن، ص15
[15]. م. ن، ص15
[16]. عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، الريف المصري في القرن الثامن عشر، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1986، ص 92-93.
[17]. جاد طه، معالم تاريخ مصر الحديث والمعاصر، م. ن، ص15
[18]. عبد السلام عبد الحليم عامر، طوائف الحرف في مصر، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 1993، ص14.
[19]. عز الدين نجيب وآخرون، موسوعة الحرف التقليدية في مصر، ج1، القاهرة، جمعية أصالة لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة، يناير 2004، ص18.
[20]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2021، ص 59.
[21]. م. ن، ص 62.
[22]. م. ن، ص 35.
[23]. أحمد زكريا الشلق، الغزو الفرنسي لمصر وآثاره (1798-1801)، م. ن، ص66.
[24]. عبد العزيز محمد الشناوي، الأزهر جامعة وجامعة، ج2، القاهرة، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، 2013، ص14.
[25]. النص رقم 1، رسالة نابليون إلى المصريين، ضمن كتاب: محمد حبيدة، أوروبا في القرن التاسع عشر (بونابرته). دروس ومحاضرات 2020-2021، الرباط، ط1، 2021، ص 107-108. (نلاحظ ركاكة اللغة في هذا النص، لكننا فضلنا نقله كما ورد دون تدخل من الكاتب).
[26]. النص رقم 1، رسالة نابليون إلى المصريين، م. ن، ص 108.
[27]. م. ن، ص 109.
[28]. عبد العزيز محمد الشناوي، الأزهر جامعة وجامعة، ج2، م. ن، ص16.
[29]. جوزيف ماري مواريه، مذكرات ضابط في الحملة الفرنسيَّة على مصر، ترجمة كاميليا صبحي، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2000، ص27.
[30]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، م. ن، ص 73.
[31]. م. ن.
[32]. زينب عبد العزيز، مائتا عام على حملة المنافقين الفرنسيين، القاهرة، مكتبة وهبة، 2005، ص14.
[33]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، م. ن، ص 80.
[34]. عبد الله عبد الرازق إبراهيم، شوقي الجمل، تاريخ مصر والسودان الحديث المعاصر، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1997، ص 73.
[35]. م. ن، ص 73.
[36]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، م. ن، ص 79.
[37]. فرج محمد الوصيف، مصر بين حملتي لويس ونابليون، المنصورة، دار الكلمة للنشر والتوزيع، ط1، 1998، ص43. 44.
[38]. م. ن، ص 44.
[39]. م. ن، ص 63.
[40]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج2، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2021، ص 119.
[41]عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج3 تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، القاهرة، مطبعة دار الكتب المصريَّة، 1998، ص 1.
[42]. جمال الدين الشيال، تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسيَّة، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الأولى، 2000، ص33.
[43]. زينب عبد العزيز، مائتا عام على حملة المنافقين الفرنسيين، ص 21.
[44]عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج1، تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، القاهرة، مطبعة دار الكتب المصريَّة، 1998، ص 11.
[45]. م. ن، الهامش، ص 11.
[46]. فرج محمد الوصيف، مصر بين حملتي لويس ونابليون، م. ن، ص 48-49.
[47]. أحمد زكريا الشلق، الغزو الفرنسي لمصر وآثاره (1798-1801)، م. ن، ص111.
[48]. انظر: فرج محمد الوصيف، مصر بين حملتي لويس ونابليون، م. ن، ص 43-84.
[49]. أحمد زكريا الشلق، الغزو الفرنسي لمصر وآثاره (1798-1801)، م. ن، ص68.
[50]. روبير سولية، مصر ولع فرنسي، ترجمة لطيف فرج، القاهرة، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، 1999، ص33.
[51]. جوزيف ماري مواريه، مذكرات ضابط في الحملة الفرنسيَّة على مصر، م. ن، ص22.
[52]. م. ن، ص26.
[53]عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج3، مصدر سبق ذكره، ص 1.
[54]. م. ن، ص 4.
[55]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، م. ن، ص 86.
[56]. أحمد زكريا الشلق، الغزو الفرنسي لمصر وآثاره (1798-1801)، م. ن، ص74.
[57]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، م. ن، ص 337
[58]. النص رقم 1، رسالة نابليون إلى المصريين، مصدر سبق ذكره، ص 110.
[59]. انظر: عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، م. ن، ص 260-269.
[60]. م. ن، ص 275.
[61]. محمد جلال كشك، ودخلت الخيول الأزهر، القاهرة، الزهراء للإعلام العربي،1990، ص 15
[62]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، ص 284.
[63]. عبد الله عبد الرازق إبراهيم، شوقي الجمل، تاريخ مصر والسودان المعاصر، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1997، ص84.
[64]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج2، ص 38.
[65]. م. ن، ص 143.
[66]. م. ن، ص 173.
[67]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج1، ص 185.
[68]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج2، ص 229.
[69]. م. ن، ص 236.
[70]. م. ن، ص 239.
[71]عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج3، ص 273.
[72]. عبد الرحمن الرافعي، تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر، ج2، ص 240.
[73]. م. ن، ص 245.
[74]. م. ن، ص 246.
[75]. م. ن، ص 254-255.
[76]. م. ن، ص 255.
[77]. أحمد زكريا الشلق، الغزو الفرنسي لمصر وآثاره (1798-1801)، م. ن، ص112.
[78]. م. ن، ص115.
[79]. زينب عبد العزيز، مائتا عامٍ على حملة المنافقين الفرنسيين، م. ن، ص22.
[80]. عبد العزيز محمد الشناوي، الأزهر جامعة وجامعة، ج2، م. ن، ص60-61.
[81]. محمد عبد الكريم الوافي، يوسف باشا القرمانلي والحملة الفرنسيَّة على مصر، طرابلس. ليبيا، المنشأة العامة للنشر والتوزيع، 1984، ص 219.
[82]. عبد الله عبد الرازق إبراهيم، شوقي الجمل، تاريخ مصر والسودان المعاصر، م. ن، ص89.
[83]. أحمد زكريا الشلق، الغزو الفرنسي لمصر وآثاره (1798-1801)، م. ن، ص88.
[84]. عطية القوصي وآخرون، الحضارة الإسلامية وتاريخ العرب الحديث، م. ن، ص 86.
[85]. أحمد زكريا الشلق، الغزو الفرنسي لمصر وآثاره (1798-1801)، م. ن، ص116.
[86]. زينب عبد العزيز، مائتا عام على حملة المنافقين الفرنسيين، م. ن، ص13.