الباحث : د. ناجي الحجلاوي
اسم المجلة : الاستعمار
العدد : 1
السنة : 2024م
تاريخ إضافة البحث : November / 2 / 2024
عدد زيارات البحث : 116
الملخص
لعلّ في إدراك الجذور التاريخيّة الكامنة وراء الأزمة اللّغويّة الّتي سبّبها الاستعمار الفرنسي لتونس، ما يساعد على المعالجة الدقيقة لتعقيدات قضيةٍ بهذه الأهميّة. لقد بدا من البيِّن أنّ التعليم الزّيتوني زمن الاستعمار- على سبيل التخصيص - كان يُعاني المنافسة الشديدة حين راحت اللّغة الفرنسية تغزو كلّ المقررات الدراسيّة. وعندما أراد الاستعمار وضع يده على التّعليم الزّيتوني تصدّت له الحركة الشعبيّة بقوّة، وبخاصّة الحركة الطلابيّة. ومع الاستقلال واصل الزيتونيّون نضالهم من أجل دعم اللغة العربيّة وتعميق ربط التعليم بالهويّة العربيّة الإسلامية. ومع أنّ المسار الإجمالي للحقل الأكاديمي قد تمّ توحيده على يد الدولة الوطنيّة، فقد ظلّ التعليم الزيتوني- وهو التّعليم الّذي كان قائمًا على اعتماد اللّغة العربيّة - يُعاني التهميش والضعف وغياب الدافعيّة. وهذا يعود في الواقع إلى عامليْنِ: ذاتيّ سببُه التقليد والمحافظة، وموضوعيّ يتمثّل في الاضطهاد الاستعماري والتّهميش، وعمليات التّغريب اللّغوي والثقافي.
تقوم فرضيّة هذا البحث على الكشف عن أوضاع اللّغة العربيّة بالبلاد التونسيّة قبل الاستعمار وبعده، وذلك من خلال استقراء مكوّنات المسألة التّربويّة المعتمدة، وبيان مخططات الاستعمار الهادفة إلى طمس معالم اللّسان العربي ومن ورائه الحضارة برمّتها. في موازاة ذلك، سوف نلقي الضوء على الدور الذي تبوَّأه جامع الزيتونة الّذي تحوّل فيما بعد إلى جامعةٍ تحمل اسمه وترفع لواء القيم العربيّة الاستقلاليّة والثقافة الإسلاميّة الأصيلة. وإلى ذلك سيجنح هذا البحث نحو اعتماد المنهج الاستقرائي والنّقدي لتحقيق الفرضية المُشار إليها.
الكلمات المفتاحيّة: التعريب، التغريب، جامعة الزيتونة، الاستعمار اللّغوي، الاستعمار الفرنسي. 1-أوضاع اللّغة العربية بالبلاد التونسية قبل الاستعمار
يعدّ أحمد باشا باي وهو الباي العاشر في الدولة الحُسيْنية الّذي حكم البلاد (1837-1855)، هو أوّل من تفطّن إلى ضرورة رسم السياسة الثّقافية الخاصّة بالبلاد التونسية، فأنشأ المدرسة الحربية بباردو، وجلب إليها أساتذةً من خريجي الزّيتونة ومن خارج الزّيتونة، وأدرج فيها علومًا غير مألوفةٍ في الفضاء الزّيتوني، ثمّ أصدر مرسومًا للنّهوض بالتّعليم الزيتوني سنة 1842م، ما يدلّ على حرص هذا الباي على وضع استراتيجيةٍ ثقافيةٍ للبلاد التونسية[2]. ومن بعده أسّس وزيره الأكبر خير الدّين التّونسي المدرسة الصادقية سنة 1875م، وكانت كلتا المدرستيْن خير سندٍ للتّعليم الزّيتوني قصد تعصيره وتطويره. وفي هذا الفضاء ظهرت حركةٌ طُلابيةٌ زيتونيةٌ أطلقت على نفسها اسم (صوت الطالب الزّيتوني)، وهي حركةٌ ذات أبعادٍ ثقافيةٍ ونقابية، وقد حملت لواء التّصدّي للمشاريع الثّقافية التّغريبيّة، وندّدت بقوّة بالاستشراق المغلّف بالمنزع العلمي ولاسيّما في شكله الأوّلي المتمثّل في البعثات التبشيريّة والرّحلات العلمية.
لقد كانت البلاد التونسية، قبل حلول الحقبة الاستعمارية، قِبلة المتعلّمين، ثمّ ساء حال الثّقافة، تدريجيًا، تحت وطأة المستعمرين الإيطاليين والفرنسيين الّذين تواصلت هجرتهم إلى البلاد التّونسية مدّةً غير قصيرة قبل الدخول الفعلي للجيوش الاستعمارية. وقد كان المشهد الثّقافي والفكري رائجًا ومُنتجًا في اختصاصاتٍ كثيرةٍ على يد ثلّةٍ من العلماء، ففي المجال العلمي نجد ابن الجزّار (ت 369هـ)، وفي مجال النّقد الأدبي ابن شرف (ت 460هـ)، وابن رشيق (ت 456هـ)، وفي الميدان التّاريخي عبد الرحمن بن خلدون (ت 808هـ)، وفي اختصاص الفقه نجد ابن عرفة (ت 803هـ).
وفي الفضاء اللّغوي نعثر على معجم اللّغة العربية لصاحبه ابن منظور القفصي (ت 711هـ)، وقد تميّز الأدب التّونسي بجزالة لغته ورقّة معانيه[3]، إنّ هذه المظاهر الثّقافية كلّها جعلت من البلاد التّونسية محطّة إشعاعٍ حضاريّ ما بين القرنيْن الثامن والسادس عشر للميلاد، وقد عمّ هذا الإشعاع كامل أقطار الشمال الإفريقي، والجنوب الأوروبي، فراج فنّ الخطّ العربي وتفنن المهندسون في المعمار وتخطيط المدن، وتطوّرت الفنون المختلفة.
إنّ اللاّفت للنّظر، في الحقبة الّتي سبقت الاستعمار بمدّةٍ وجيزةٍ أنّ الثّقافة والفكر كانا على أحسن صورةٍ لهما، وقد تأسّست المدرسة الحربية بباردو، المشار إليها آنفًا، وهي ذات اختصاص يُعرف بالبوليتكنيك. وقد أعيدت هيْكلة الجامعة الزيتونيّة على أسسٍ علمية، فتمّ توسيع مكتبتها بشكلٍ لافت، ففي سنة 1842 م. صدر قانونٌ يسيّر نظام الدّروس ويُحفّز رجال التّعليم بترفيع رواتبهم، ويحصّن جودة التّدريس عبر ضبط جداول العمل وساعات التّدريس على يد مجلس الجامعة صاحب السلطة البيداغوجية والإدارية، وهو مكلّف بالمراقبة والمراجعة والتّقييم. وفي سنة 1870م، ضاعفت الحكومة مرتبات الإطارات التّعليمية لإثارة الحماسة في الإطارات التّربوية، وتحسين مردودهم، وتقوية فاعليتهم عبر العناية بهم والتّحسين من ظروفهم. وقد تمّ تعيين الأستاذ الأكبر للجامعة الزيتونية لكي يُشرف على سير الدّروس وتجويد أساليبها ورفعة أدائها[4].
لقد كان في تونس قُبيْل الاستعمار اثنتا عشرة كلية وعشرون ومائة مدرسة ابتدائية تعلّم المواد كلّها باللّغة العربية، وثلاثون أستاذًا جامعيًا، وستون أستاذًا مساعدًا، وأكثر من ثمانمائة طالب، وفي المعاهد الثّانوية المنتشرة على مختلف ربوع البلاد كان هناك اثنا عشر ألف تلميذٍ، وقد أثبت المؤرّخ ابن أبي الضياف في كتابه (إتحاف أهل الزمان) ما يُميّز هذه المرحلة بقوله: «إنّ أيّة قرية لم تخلُ من مدرسةٍ ابتدائية»[5]. والمهمّ أنّ التّعليم قد كان مجانيًا في كلّ مرحلةٍ من مراحله بدعم من الأوقاف وأصحاب المشاريع الخيْرية بالإضافة إلى مساهمة الدولة، وقد كان بالعاصمة التّونسية بمفردها اثنان وعشرون بيْتًا تحتوي على خمسمائة غرفةٍ مخصّصةٍ لإيواء الطلّاب المعوزين والقادمين من المناطق البعيدة عن العاصمة.
لقد اضطلع الوزير خير الدّين باشا ــ الّذي دامت مدّة حكمه بين عامي (1873-1877) ــ بمهامٍّ تعليميةٍ وتربويةٍ تدعّم منزلة اللّغة العربية في البرامج التّربوية، فهو الّذي وسّع إطارات جامعة الزيتونة سنة 1875م، وزاد من عدد أساتذة الكليات بالأقاليم والجهات، وأنشأ مكتبة ًعامّة، وفي السّنة نفسها أنشأ مدرسةً مهمّةً تعضد التّعليم الزيتوني وهي مدرسة الصادقية، وهي تحتوي على ثلاثة شعب: الأدب، وعلوم الفقه، والعلوم الصحيحة كالرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والجغرافيا، والقانون.
إنّ الهدف الموحّد في هذا التّعليم بالبلاد التّونسية هو تقوية الهوّية العربية الإسلامية في النشء عبر التضلّع في اللّسان العربي، وما أنتجه عبر العصور الإسلامية من ثقافةٍ وفكرٍ في مختلف المجالات والمعارف والعلوم، وقد عبّر ديتو رنيل كونستان عن هذا المعنى بقوله: «لقد كان يجيء السُّواح المسلمون من أماكن قصيّة كي يستمعوا في جوامع البلاد التونسية إلى تدريسٍ خالٍ من التّعصب»[6].
2-دخول الاستعمار وفرض التّغريب اللّغوي
منذ حدود سنة 1574م، كانت الإيالة التّونسية تحت سلطة الدّولة العثمانية، وفي حدود سنة 1881م، تحوّلت بمفعول الضعف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي إلى مجالٍ استحوذت عليه الإمبراطورية الفرنسية كثمرةٍ طبيعيةٍ للاستدانة الكبرى لأوروبا، بالإضافة إلى كثرة الأوبئة وارتفاع الضرائب وانتشار القلاقل والثورات مثل ثورة 1864م. ومن ثمّ أصبح للأجنبي حقّ امتلاك الأرض والبنايات، إذ مارس القناصل الأوروبيون الضغوطات الكثيرة على الباي محمد الصادق الّذي حكم فيما بين (1859-1882)، وذلك لانتزاع الامتيازات التّفضيلية لفائدة المعمّرين[7].
واللاّفت للانتباه، أنّ ألمانيا وبريطانيا قد شجعا فرنسا على الاستيلاء على البلاد التونسية في مؤتمر برلين 1878، وذلك لمحاصرة إيطاليا الّتي يُخشى أنْ تُسيطر على البحر الأبيض المتوسط، ومن ثمّ تبسط نفوذها على قناة السويس، والمضيق الفاصل بين صقلية وتونس. وألمانيا بدورها رغبت في تعويض فرنسا على هزيمتها في الألزاس، وقد قال بسمارك خلال المؤتمر المذكور للفرنسيين: «إنّ الإجاصة التونسية قد نضجت وحان وقت قطافها»[8].
إنّ الاستعمار الفرنسي للبلاد التونسية قد بدأ توسّعًا اقتصاديًا وسياسيًا، انتهى إلى استعمارٍ ثقافيّ ساعة فتح عيْنيْه على سلطة اللّغة العربية وهيمنتها على العقول لارتباطها بالقرآن الكريم وما يتّصل به من رصيدٍ ثقافيّ وحضاري.
صراع العربية مع الفرنسية
دخل الاستعمار الفرنسي البلاد التّونسية 1881م، فانشدّ إلى النّشاط الثّقافي البادي في عنصريْه البارزيْن: اللّغة والدّين، فسارع برسم مخطّطاتٍ للقضاء عليهما، ففي معاهدة المرسى المنعقدة سنة 1883م، وقع إرساء بذور تحطيم النهضة الثّقافية بشكلٍ مفضوح، فقد نصّت المادّة الأولى منها على حقّ الاستعمار الفرنسي وللمالية الفرنسية حقّ التّوجيه المعنوي للشعب التّونسي، والقصد من ذلك أنّ الرؤوس المدبّرة للفترة الاستعمارية، قد وجدت نفسها أمام مشكلةٍ ثقافيةٍ حادّةٍ تتمثّل في كيفية التّصدي للنظام التّعليمي الزيتوني الّذي كان محكم التّرابط والتّكامل، فهل يُترك الحبل على الغارب لصالح اللّغة العربية، والمواد الدّينية أم ستعمل على فرض اللّغة الفرنسية ودمجها في المنظومة الثّقافية؟
لقد شعر الاستعمار بخطر الدور الّذي تضطلع به اللّغة العربية، وهو خطرٌ يتمثّل في القدرة على بناء الشخصية المتفرّدة صاحبة الوعي النابذ للظلم والعبودية، فعمد الاستعمار إلى التّفكير في إلغائها، ولكن لمّا صعب عليه ذلك إلى حدّ الاستحالة تحت وطأة المقاومة لتجاهل العربية، فراغ الاستعمار إلى قطع الموارد الدّاعمة لتعليم اللّغة العربية، فالتجأ الشعب إلى الدّعم الذّاتي من الجمعيات الخيْرية، وعليه ساءت أحوال المدرس للّغة الوطنية حيث كان مدرس العربية يتقاضى ساعتئذٍ مائتيْ فرنك، ويتقاضى الأستاذ بالأقاليم للمادّة ذاتها تسعة فرنكاتٍ فقط.
وبعد مقاومةٍ عنيفةٍ من الحركة الطلابية الزيتونية المدعومة شعبيًا، لفرض اللّغة العربية وتحسين ظروف معلمها مادّيًا ومعنويًا، سمحت الحكومة سنة 1896 بتأسيس مدرسةٍ ابتدائيةٍ عربيةٍ فرنسيةٍ تُعرف بالمدرسة الخلدونية بتمويلٍ شعبيّ خاصّ، والغاية منها تطوير التّعليم الزيتوني وإغناء الثّقافة العربية بالمعارف الحديثة، ولم تقوَ هذه المدرسة على الاستمرار أمام الضغط الحكومي وضعف الموارد الدّاعمة. وتحت الضغط الطلاّبي وكثرة المطالبات باحترام اللّغة العربية جنحت الحكومة إلى إدخال مادّة العربية بالمدارس الفرنسية، ولكن في صورة المادّة الاختيارية.
لقد سجّلت سنة 1911م أحداثًا عنيفةً خاضها التّونسيون ضد التّمييز الحكومي بيْن العربية والفرنسية، وقد أُعلن الإضراب العامّ حتّى إعلان الإصلاح الضروري للأوضاع التّعليمية، ودام الإضراب شهرًا. ورغم التّنكيل بالطّلاب والمواطنين فإنّ حبّ اللّغة العربية كان يزداد يومًا بعد يوم ورغم الفقر والخصاصة فقد هبّ الشعب إلى دعم الدّروس الخصوصية المهتمّة بالعربية[9].
وتحت وطأة التّغريب المفروض، بدأ تعليم العربية يتدحرج ويتقهقر حيث انتقل من أساتذة تونسيين إلى فرنسيين، وتقلصّ عددهم، فقد نقص العدد من سبعة إلى ثلاثة فقط بالمدرسة الصادقية، فساءت أحوال اللّغة العربية بشكلٍ ملحوظ، ولا يجد التّونسيون سبيلًا أمامهم إلاّ التّظاهر والإضراب والمطالبة بإعادة الاعتبار إلى الثّقافة الوطنية، وقد عبّر [10]Victor Piquetعن غطرسة الاستعمار ومحاولة فرضه للغة الفرنسية بقوله: «يبدو أنّ فرنسة السكان التونسيين هي على أسرع ممّا ينبغي»[11].
لقد مرّت مدّةٌ من الزمن الاستعماري على البلاد التونسية أطبقت اللّغة الفرنسية قبضتها على التّعليم عامّة، ولم يجد التونسيون سوى شيخٍ مؤدّبٍ أعمى يُناهز الثمانين من عمره يعلّم البنات الصغيرات القرآن رمزًا للمحافظة على تعليم اللّغة العربية[12]. ولكن الشعب التّونسي كان واعيًا تمام الوعي برغبة الاستعمار الفرنسي في القضاء على اللّغة العربية رمز الذّاتية والهوّية. فقد عمد هذا الاستعمار إلى تدنيس إنسانية الفرد التّونسي وإفساد شخصيته من خلال ممارسته الدّالة على عُقدة التّفوق العنصري والتّعصب الأعمى، والميل إلى الانتفاع والربح وتحقيق المصالح الشخصية لإماتة الضمير وروح العدالة في الشعب التّونسي، وكلّ ما يمت إلى الأخوة الإنسانية، ويقضي على مظاهر الاعتزاز بالفكر واللّسان، وهو ما دعّم روح الدفاع عن الذّات والحرّية والعدالة والهوّية والكرامة[13] ، وإذا كانت الحالة التّربوية زمن الاستعمار على هذه الحالة فهل تغيّرت أوضاعها بعد الاستقلال؟
3-الوضعية التّربوية في التّعليم الزّيتوني بعد الاستقلال
مثّل موضوع إصلاح الأوضاع التّعليمية مشغلًا جوهريًا عند ثلّةٍ من المثقّفين والعلماء إثر استقلال البلاد التّونسية، ومن أبرزهم محمّد الطاهر ابن عاشور (ت1973م) وابنه محمّد الفاضل (ت 1970م)، فقد ألّف الأب كتابًا مهمًّا بعنوان: (أليس الصبح بقريب؟)، ضمنّه مشروعه الإصلاحي المتعلّق بتطوير الجامعة الزّيتونيّة من حيث مضامين الدّراسة ومناهجها، وألّف الابن كتابًا بعنوان: (لحركة الأدبية والفكرية في تونس)، رسم فيه ملامح الثّقافة التونسية قديمًا وحديثًا مُركزًا على دور العلماء في التّصدّي لمحاولات الاستعمار الرامية إلى طمس الهويّة اللّغوية والدّينية[14]، علمًا بأنّ محمّد الطاهر ابن عاشور قد تحوّل من عضوٍ في نظارة الجامع - الجامعة إلى عميد كليّة الشريعة وأصول الدّين في ثوْبها المدني الجديد في مطلع الاستقلال بإحدى ضواحي العاصمة، وفي كتابه المذكور، نوّه بأصالة اللّغة العربية وبقيمة العلم ودوره في تقدّم البلدان والأمم، وما يوفّر للإنسان من سعادة الدنيا والآخرة فضلًا عن صلاح الذّات ونيْل الكمالات، والعلم نبض الحياة لا يخلو زمنٌ منه على اختلاف درجاته، فبدا هذا الشيخ صاحب تجربةٍ عمليةٍ ميْدانيةٍ وذا معرفةٍ نظريةٍ بالمسألة التّربوية، وعليه ازداد عدد الطلاب في عهده، وظهرت الصرامة في مستوى التّدريس والتقييم، كما بدت الجودة في النظام التّربوي الّذي عمل على إرسائه.
إنّ الجهود الإصلاحية في بداية الاستقلال التونسي مثّلت استمرارًا طبيعيًا لمحاولاتٍ قديمةٍ بذلتها حركة (صوت الطالب الزّيتوني) في عدّها أنّ الشعب الجاهل هو الّذي يسهل استلاب عقله، وأنّ الجاهل بلغته لا هوية له، «فعندما يكون التّدريس إبداعيًا، يمكننا أنْ نتوقع حدوث أنماطٍ عديدةٍ من التّعلّم مثل تعلّم الحقائق، والنظريات والأساليب»[15]، لذلك حرصت نخبةٌ من الوطنيين على تأسيس مدارس قرآنيةٍ حديثةٍ تُعنى بالقرآن ولغته، كما رغبت في نشرها على كامل التراب التونسي لمنافسة التّعليم الّذي خلفه الفرنسيون[16]، فتخرّجت دفعاتٌ تتقن اللّغة العربية، وقد تزايدت هذه المعاهد بنمو الحركة التّعليمية والثّقافية بحيث شملت البنين والبنات، وتوسّعت رقعة هذه الفروع فشملت كلّ تراب القطر التّونسي وتجاوزته إلى الجزائر الشقيقة حتّى بلغت في جملتها خمسةً وعشرين فرعًا، وتزايد عدد الطلاب إلى حدود عشرين ألفًا، وكان التّعليم محدّدًا بسن الخامسة عشرة، وكان المرور من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية مميّزًا بالصرامة.
وقد ازداد التّعليم نجاعةً إثر المراجعة الإصلاحية المشار إليها زمن محمّد الطاهر ابن عاشور، فبالإضافة إلى مجانية التّعليم والإقامة كان الطالب يتمتّع بمنحةٍ محترمة، وكانت مداخيل الزّيتونة ترد من الهبات والأوقاف، وتدريجيًا تحوّلت فروع الزّيتونة إلى معاهد حكومية، ومدارس إعدادية، وأُدرجت بها اللّغات الأجنبية. وبذلك توحدّ التّعليم بالبلاد التونسية ابتدائيًّا وثانويًّا، يُختم بالحصول على شهادة الباكالوريا ثمّ التّعليم العالي، ومع ذلك بقي نظام التّعليم الزّيتوني يدرّس بالمرحلة الابتدائية، ويلتحق أبناؤه بالمعهد الصادقي، فيدرسون الفلسفة واللّغات الحيّة والرياضيات، فتوسّعت معارفهم، وسجل بذلك أبناء الزّيتونة انفتاحًا لافتًا على العلوم الحديثة.
لقد كانت الزّيتونة توفد من أبنائها فِرقًا إلى مصر والعراق ودمشق لدراسة العلوم العصرية، وكان عددهم يزداد من سنةٍ إلى أخرى على عهد الوزير محمود المسعدي الرّاغب في التّحديث والتّعصير[17]. وقد تمّ تغذية التّعليم الزّيتوني في المرحلة العالية بالمواد القانونية، وارتفع عدد المسجلين من الطلبة الزّيتونيين في شهادة الدكتوراه في الدول المتقدّمة كالولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبلغاريا. وقد أورد محمّد الشّاذلي النّيفر (ت1997م)، أنّ الجامعة الزّيتونية: «قد تمّ إحداثها فيما بعد الاستقلال وتحديدًا في 28 أفريل 1956م، ترأس إدارتها العميد الشّيخ العلاّمة محمّد الطّاهر ابن عاشور، واقتُصر على أنْ تكون جامعةً مُختصةً بالتّعليم العالي، وسُمّيت الجامعة الزّيتونيّة، وبه صارت ذات خمس كليّات: كليّة الشّريعة، وكليّة أصول الدّين، وكليّة الآداب، وكليّة اللّغة العربيّة، والمعهد العالي للقراءات»[18]. والملاحظ أنّ هذا النّظام التّعليمي لم يُعمر إلاّ سنة واحدةً؛ إذ أُغلقت هذه المعاهد وسائر المؤسسات الخاصّة بالتّعليم الدّيني واللّغة العربية بمفعول الإصلاحات الجديدة سنة 1958م.
إنّ الأمور لمّا آلت إلى الرئيس الحبيب بورقيبة بعد خروج الاستعمار سنة 1956م، صرّح في خطابه المؤرّخ في 16 سبتمبر من سنة 1958م، ببعث نظامٍ تعليميّ جديد، وإلحاق طلبة التّعليم الزّيتوني بشعبتي التّكوين الصّناعي والفلاحي والصحّي عادًّا ذلك العلامة الدّالة على الخروج من التّخلف. وهكذا عاش التّعليم الزّيتوني ومن ورائه اللّغة العربية العطالة والإقصاء والتّهميش. وقد رغبت الدولة الوطنية في تدعيم الاتّجاه الحداثي والتخلّص من الانشداد إلى الماضي الممثّل في التّعليم الدّيني وطرقه التّقليدية ولغته الكلاسيكية، يُورد علي الزيدي في هذا الإطار ما يلي: «وأهلّ مشروع إصلاح التّعليم المذكور مبشّرًا بتحقيق آمال التّونسيين في توحيد التّعليم وتعريبه، ولو على مراحل مع شعبة (أ)، الّتي نعتت بأنّها قارّة، مقارنة بالشعبتيْن الانتقاليتيْن (ب)، و(ج). لكن عندما شكّل الحزب الحاكم في عام 1967 (لجنة قومية للتّعليم)، ضمن لجنة الدّراسات الاشتراكية، وعهد إليها بتقويم مشروع الإصلاح برمّته، تبيّن أنّه لم يكن يراد للشعبة القارّة منذ البداية إلاّ أن تكون انتقالية، وأنّ مشروع الإصلاح الّذي رفع شعاري التّوحيد والتّعريب لم يحقّق أيًّا منهما، بل كان يُخفي وراءه مشروعًا مناقضًا يدعو للإبقاء على ازدواجية لغة التّعليم بتونس، وتكريس أفضلية اللّغة الفرنسية في تدريس العلوم والتقنية، وتقزيم الجامعة الزّيتونية بجعلها كليةً للشريعة ضمن جامعةٍ تونسيّةٍ تابعةٍ بشكلٍ أو بآخر لجامعة باريس»[19].
يجد الدّارس أثر السياسة الفرنسية في توجّهات الرئيس بورقيبة الّذي رأى أنّ المدخل الاقتصادي ضروريٌ للانتفاع، وأنّ الاستثمار في العقل الكوْني أفضل من الاستثمار في التّراث، وأنّ الاقتداء بالغرب اقتصاديًا ولغويًا وفكريًا أفضل لتونس من الاقتداء بالعرب[20].
4-إرهاصات المواجهة واتجاهاتها
لم يقف الحراك الزّيتوني صاغرًا أمام المدّ التّغريبي، فقد عبرّ عن روحٍ نضاليةٍ إذ كان يُعلّق النهضة على اللّغة العربية ورمزيتها، وعلى الثّقافة الإسلامية وثرائها، ويُنادي بإرجاع الكلمة الأخيرة للشعب التّونسي، ويعمل على إرساء قواعد الإصلاح الضامنة لتحقيق الدّافعية في المجال التّعليمي ليكون رغبةً ذاتيةً، وهكذا أبدى الوسط الزّيتوني وعيًا جديدًا يتجاوز مقولتي الحلال والحرام إلى الحديث عن التّقدّم الماثل في المحافظة على الأصالة والتّمسك بالثّوابت الدّينية المُعبّرة عنها بلسانٍ عربي مبين، بوصفهما عماد الحضارة العربية الإسلامية، ولكنّ الطالب الزّيتوني هُمّش، وأُضعف التّكوين التّقليدي، وتمّ القضاء التّدريجي على الفروع الزّيتونية، وتحوّلت إلى معاهد حكوميةٍ، وغزتها البرامج على النّمط الفرنسي حيث تُهيمن اللّغة الفرنسية. وهكذا تحوّل النّظام التّعليمي تحوّلًا جذريًا، يقول بورقيبة مُعلنًا انتهاء التّعليم الزًيتوني واللّسان المُعبّر عنه: «وقد أردتُ فقْءَ هذا الدمل، وجعل حدٍّ للدعايات المغرضة الّتي تعتمد التّضليل باسم الإسلام ، والعروبة والدستور والدّين»[21].
إنّ الجدير بالملاحظة في هذا المجال، هو الإشارة بموضوعية إلى غلبة المنزع التّقليدي على النّضال الزّيتوني الدّائر حوْل الأبعاد التّعبدية، والتّركيز على المسألة التّعليمية الضيقة؛ إذ سجّلت البرامج التّربوية ضعفًا في الدّافعية، وتقلّصًا في المقبولية رغم نُبل الأهداف العلمية والتّحرّرية، فاكتسحها تيار الحداثة مع الحزب الجديد القادم بقوّةٍ باسم العمل والتّقدّم والإنجاز، فاستشعرت الأوساط الزّيتونية، مرّةً أخرى، قيمة المسألة التّربوية، ودور التّعليم ومركزية اللّغة العربية، إذ هالتها أزمة البرامج والكتب والتّجهيزات والإطار المدرسي، فالمناهج التّعليمية، حينئذٍ، كانت هزيلةً تغلب عليها العلوم النّقلية بالإضافة إلى خلوها من العلوم الكوْنية كعلم النّفس، والاجتماع، والفلسفة، واللّغات الأخرى بما فيها القريبة من العربية، وقد طغت النّزعة المذهبية على المواد المدروسة ما يدلّ على انخرام عقلية واضعيها[22].
وفي خصوص الكتب المعتمدة في التّدريس تجدر الإشارة إلى أنّها كانت متونًا مجترّةً ومكرّرةً لا علاقة لها بالواقع، مثل قطر النّدى، وابن عقيل، والأشموني، وقد تواصل التّدريس الزّيتوني بُعيْد الاستقلال على الأساليب نفسها المتمثّلة في الإكراه والتّلقين والحفظ ومنع الأسئلة والاستغراق في المسائل الخلافية[23]. وعليه غابت الملكات الفكرية والنّقدية. وأمّا المدّرسون فقد كان عددهم قليلًا، وعلومهم محدودةً وتقليديةً تسميهم الحركة الطلابية بمدرّسي الكتب المطروقة، وامتحاناتهم مضطربة، واللّجان غير منسجمة المعايير، وكانت مراحل التّعليم الزّيتوني غير مترابطةٍ ولا تخصّص فيها.
إنّ هذه الوضعية المتهاوية في التّعليم الزّيتوني جعلته ثانويًا وهامشيًا، بل محلّ سخريةٍ من الحداثيين، بعد أنْ كانت الجامعة الزّيتونيّة مطلبًا وطنيًا بُعيْد خروج الاستعمار الفرنسي، وكلّ ذلك بالرغم من المحاولات الإصلاحية الّتي بذلها محمّد الطاهر ابن عاشور بربط الفروع بالجامع الأعظم، وتأسيس فروعٍ جديدة، وتوسيع نطاق التّعليم الرياضي، وإدخال مبدأ التّخصّص فيها، وجلب الأساتذة الأكفاء المختصين، وترقية برامج الامتحانات وضبط شبكة التّقييم، ومراجعة البرامج من حين إلى آخر[24]، ما أدّى إلى ارتفاع مؤشر الدّافعية في مستوى المناهج المعتمدة في الفضاء الزّيتوني. واضح أنّ هذه الجهود الإصلاحية قد حاولت تقليص دوائر الغربة الّتي يُعانيها التّعليم الزّيتوني المرتبط أساسًا بالنّماذج التّراثية التّقليدية ما قلّل من ألقه ونجاعته، وهو أمرٌ وفّر مادّةً مساعدةً للمُصلحين للنّقد والتّحذير من السقوط الحضاري.
لقد قرّرت الدّولة الوطنية التّونسية الحديثة النّهوض بالأوضاع التّربوية بطريقتها الخاصّة، معتبرة أنّها سبب المناعة الحضارية، وأدركت أنّ المعركة الحالية هي معركة دائرة بالأساس حوْل اكتساب العلم، ولذلك انكبت على التّخطيط والتّنفيذ لبرامج مستحدثة. وعليه أصدرت كتابة الدولة للتّربية كتابًا بعنوان: (الانبعاث التّربوي)، وتكوّنت لجانٌ مختصّةٌ لتنفيذ الإصلاح ومتابعة الإشراف عليه في ضوء الاستفادة من تجارب فرنسا في المجال التّربوي. ولا غرابة، حينئذٍ، أنْ يُعدّ التّعليم الدّيني السّائد بالزّيتونة تعليمًا مأزومًا من حيث المحتويات ومن حيث المناهج والطرق البيداغوجية خاليًا من كلّ نوعٍ من أنواع الدّافعية.
وعليه أعلنت الدّولة الوطنية كلمة الحقّ حوْل أزمة المسألة التّعليمية، وقد أُريد بهذه الكلمة غير ذلك، فرغبت في تطوير التّعليم فانتهجت سبيل الإصلاح القسري، فكان لا بُدّ من الانفعال بهذه الحالة بنحوٍ أربك النّمو الطّبيعي للنهضة الثّقافية والفكرية في الأوساط الزّيتونية، إذ فُرضت عليها معركة الأصيل والدخيل أو الأصالة والمعاصرة وهي ثنائية ستظلّ تفعل فعلها في الفضاء الزّيتوني بصفةٍ خاصّة، وفي الثّقافة التونسية بصفةٍ عامّة، وهي قضيةٌ تجد جذورها في صراع المنبهرين بالثّقافة الفرنسية مقابل المتمسكين باللّغة العربية وتُراثها، وإذا تمّ القبول بهذه المعركة زمن الخروج من الاستعمار فإنّه لا مبرّر لاستمرار هذا الوعي بعد عقودٍ من الاستقلال، إذ كشّرَ الغرب عن أنيابه الاستعمارية ونواياه التّخريبية.
ورغم المحاولات الإصلاحية المُتكرّرة للنّهوض بأوضاع المسألة التّربوية وعلى رأسها قضايا اللّغة العربية، فإنّ الغلبة ظلّت للعلوم النّقلية كالحديث، والتّفسير، والفقه، وعلوم القرآن الموروثة الّتي لا تُقدّم بوصفها مجرّد مداخل منهجية أبدعها العقل المسلم، بل على أنّها علوم ثابتة ونهائية ضمن مؤسساتٍ تحتاج إلى مزيدٍ من الهيكلة والتّنظيم، فتحت وطأة التّغريب لا يوجد في الجامعة الزّيتونية، على سبيل المثال، قسمٌ للّغة العربية وآدابها على غرار الجامعات الدّينية الأخرى في العالم الإسلامي، كما لا يوجدٌ فيها أقسامٌ للتّاريخ أو اللّغات أو الفلسفة، أو علم الاجتماع، أو علم النّفس، وإنّما هي مجرّد موادّ تُدرّس في نطاق المعهد الواحد بالتّوازي مع المواد الدّينية الصرفة.
لقد استمرت الأوضاع على هذه الحالة ومازالت إلى حدّ الآن، وقد قرّرت الحكومة التّونسية في ثمانينات القرن الماضي إدخال إصلاحاتٍ جذريةٍ لتأهيل بعض البرامج المستحدثة، وفتح خطط إلحاق أساتذة من خريجي كلية الآداب للتّدريس بالجامعة الزّيتونية ومزاولة التّدريس في نطاق الفلسفة والعلوم الإنسانية واللّغات الأجنبية. ففي سنة 1987م، وبمقتضى قانون 83 تحوّلت كلية الشريعة وأصول الدّين إلى جامعة مستقلة تُسمّى (بجامعة الزّيتونة)، بمعاهدها الثّلاثة: معهد الشريعة إلى سنة 1995م، ثمّ أصبح تابعًا لوزارة الشؤون الدّينية تونس، ومعهديْن عالييْن هما: المعهد العالي للحضارة الإسلامية، والمعهد العالي لأصول الدّين مع مركزٍ بحثيّ وهو مركز الدّراسات الإسلامية بالقيروان، وفي سنة 2014 م، أُضيف معهد الخطابة والإرشاد الّذي أصبح في سنة 2019 م، يُسمّى (بالمعهد العالي للعلوم الإسلامية) بالقيروان.
لقد هدفت هذه الإصلاحات إلى تطوير الوضعية التّعليمية بالجامعة الزّيتونية وإدماجها ضمن المسار الحضاري العالمي، لكنّ النّزعة الّتي ظلّت غالبةً هي النّزعة المحافظة والتّشبث أكثر بالتّراث كردّة فعلٍ على عدّ هذه المحاولات الإصلاحية في جوهرها اختراقًا لخصوصية المؤسسة وفرضًا للنّزعة التّغريبية، فتعمّق الخلاف مرةً أخرى بين مناهج تحمل اسم الحداثة وأخرى ترفع لواء الأصالة، والضحية الأساسية هو الجانب العلمي والتّكوين الطّالبي، فالجامعة الزّيتونية تُقدّم مضامين علميةً متعلّقةً بثالوث معروف بالعقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والطريقة الجُنيْدية، دون طرح أيّ سؤالٍ عن راهنية هذه العلوم أو نقدها أو محاولة تطويرها، وهي بذلك تُسهم من دون أن تشعر، في الجمود الفكري والخمول الثّقافي.
إنّ الجدير بالذكر هو أنّ الجامعة الزّيتونية لو عرف علماؤها كيف يتطورون ذاتيًا ويتأقلمون مع المتغيّرات الاجتماعية والثّقافية لكانت جامعتهم قاطرة المجتمع الأولى تقوده إلى برّ التّقدّم، ولاسيّما في المجال الثّقافي وتجديد الفكر، لكنّهم انحازوا إلى اجترار المناهج القديمة وتكرار المحتويات التّربوية المطروقة. وقد تضافر هذا العامل الدّاخلي مع معرقلٍ خارجيّ هو إرادة الدولة الوطنية المتمثّلة في إزاحة التّعليم الدّيني من طريق الحداثة والتّطوّر والتّغريب.
إنّ الزيّتونة الّتي تصدّت إلى المحاولات الاستعمارية الهادفة إلى المحو الثّقافي والمسخ اللّغوي لم توفّق في الصراع ضدّ الدولة الوطنية، ولم تكسب الكثير؛ لأنّ شيوخها تحصّنوا بمقولات التّراث من دون تمحيصٍ أو نقدٍ أو تطوير، وأكثر من ذلك كرّسوا جهودهم للتّصدّي لكلّ محاولةٍ تجديديةٍ ناعتين إيّاها بالمُروق والفسق، ومع ذلك يفتح الشاب الزّيتوني عينه على الثّورات الاتصالية والإعلامية الّتي تدفعه ليبذل جهودًا ذاتية للاستفادة أكثر فأكثر من ثورة المناهج الحديثة من أجل المساهمة وإنْ جزئيًا في إنتاج المعرفة وترويجها.
إنّ اسم الزيتونة يكتسب سُمعته من تاريخها المجيد في مقاومة الاستعمار والانتصار إلى المحافظة على اللّغة العربية، وإلى قيمة العلم في مقاومة الجهل، وأمّا ما يتعلّق بالمحتوى العلمي ومناهج التّدريس فهي جوانب تشكو نقصًا كبيرًا، وتُعاني من أزماتٍ معرفيةٍ ومنهجيةٍ عويصة، وكم من معهدٍ في العالم، على قِصر مدّته، يتسنّى له الاستقلال بمناهج ورؤى خاصّة به، وأمّا حالة التّعليم بالجامعة الزّيتونية فهي على خلاف ذلك، ففي الوقت الّذي يُروّج أنّ هذا المَعْلم أقدم جامعة إسلامية لا تُرى له حصيلة علمية دالة على ذلك، ولعلّ ذلك ما دعا الغابري عبد الباسط إلى عدّ الزّيتونة تعيش حالة إغماءٍ وذهول[25].
إنّ الجامعة الزّيتونيّة «تمرّ في الحالة الرّاهنة بصراعٍ محتدمٍ بين تياراتٍ متجاذبةٍ، تُريد إرضاخها لوسائل الغزو المتنوّعة وأساليب الابتلاع لهذه الطوائف المتشاكسة بسبب تباين الثّقافات فيها، وتباعد العقليات بين طبقاتها، وتضارب التّقاليد الموروثة والطارئة في مجتمعها، واختلاف وجهة أبنائها وحيْرتهم المضطربة بين جموع الشرق والغرب»[26]. ويبدو أنّ هذه الحيرة قد طالت كثيرًا، وتأخّرت الإجابة عنها؛ لأنّ جامعةً تعجز عن إبداع بدائل نظريةٍ خاصّةٍ تطبع توجّهاتها العلمية وتحقّق الجودة في سلم المعايير الأكاديمية العالمية، لا تُعدّ جامعةً بأتمّ معنى الكلمة. ولا غرابة في ذلك فنزعة المحافظة غَلّقت الأبواب أمام القبول بالاختلاف في التّفكير فضلًا عن القبول بإلحاق المختلف في المذهب والدّيانة كي يتمكن من التّرسيم والدّراسة.
5-صراع الهُويّات وثنائية الأصيل والدخيل
لقد ذهب بعض الزعماء الأفارقة والكُتاب من أمثال الكاتب ياسين إلى أنّ التّغريب والفرنكفونيّة غنيمة حربٍ، وذهب بعضهم الآخر إلى أنّها طعامٌ مسمومٌ مثل إميل سيزار، وفرانس فانون ومهدي المنجرة، وعثمان سعدي، ومحمود الذّوادي، علمًا بأنّ الفرنكفونيّة نمطٌ في التّفكير بأبعاده الثّقافية، والسياسية، والتّاريخية، والجغرافية، وهي تتوزّع بالأساس على المستعمرات الفرنسية خدمةً للغة الاستعمار، وهي امتدادٌ إمبراطوريٌّ يستهدف السّيطرة في كلّ تشكّلاته لتحقيق التّفوّق على اللّغات الأخرى والأديان المغايرة[27]، ولهذه المسألة الثّقافية بُعدٌ حضاريّ حيث يُرسم الحوار بين الثّقافات المتنوّعة ضمن الحضارة الإنسانيّة، وما يشوب هذا الحوار من مغالبةٍ وصراع، وهيمنةٍ لانعدام التّوازن في القُوى والعلاقات.
إنّ التّغريب اللّغوي قد قدّم نفسه في بداية أمره على أنّه علامة تقدّمٍ وتحضر، ولكنه سرعان ما تكّشف عن فكرةٍ منظّمةٍ ومرتّبةٍ تُمهّد لاستعمار مباشر في البلاد التونسية، حيث ارتكاب الفظائع الأخلاقيّة، ثمّ تغريب ثقافي مفضوح يعمل على سلب الوعي الوطني وربط أصحابه بالدوائر الاستعمارية، وضمن هذه المرحلة الثّانية تندرج جهود الحبيب بورقيبة في اقتراحه على شارل ديغول بتأسيس الجبهة المغاربيّة الفرنكفونيّة لتمتين الرّابطة الثّقافيّة بشرط الحصول على الاستقلال. والطّريف في هذا المجال، أنّ التّاريخ السنوي لاحتفال المنظمة الفرنكفونيّة بتأسيسها هو 20 مارس الموافق لذكرى استقلال البلاد التونسية.
لقد بدت محاولات الاستعمار الفرنسي جلّيةً في فرض اللّسان الفرنسي منذ وقتٍ مبكر، وقد رَبط بين الاقتصاد والسّياسة والثّقافة من أجل إلحاق البلاد التونسية بالإمبراطورية الفرنسية عبر الاندماج الثّقافي. وقد بدا الصّراع الثّقافي على أوجه بعد الحرب العالمية الثانية على أنّه واجهة الهيمنة بين الأنجلوسكسونيّة والفرنكفونيّة. فقد حرص الرئيس بورقيبة على الفرنكفونيّة نكايةً في جماهيريّة عبد النّاصر الزّاحفة من مصر والرّافعة لشعار العروبة والعربية، وهذه الظّاهرة تعبّر عن انتقالٍ من استعمارٍ مباشرٍ غاشمٍ إلى استعمارٍ ناعم. فالمكاسب لا تكاد تُذكر، فكما دخلت فرنسا باسم الحماية تواصل حضورها باسم التّحضّر والتّقدّم، فهي شكلٌ ثقافيّ يغلّف الاستعمار، وقد تمّ استغلال توهّج اللّغة الفرنسيّة ساعة الثّورة الفرنسيّة بقيمها الّتي تبدو تنويرية وإنسانية كالحرية والعدالة والأخوّة. وهكذا تحوّل الغُنم إلى غُرمٍ مسمومٍ بالمركزيّة والتّفوّق والرّغبة في النّهب والسّيطرة. ولا أدلّ على ذلك من فرض اللّغة الفرنسية في البرامج التّعليميّة في ضوء علاقة السّيطرة والتّسلّط. وإزاء هذه الظاهرة تباينت المواقف بين القبول كغسّان التّويني، والرّفض مثل محمود الذّوادي الّذي يعدّها علامة تخلّفٍ ثقافيّ وقيميّ من شأنها غرس مركّب نقص[28].
لقد جسّد التّغريب اللّغوي الحالة الشّوفينيّة المعادية للّثقافة العربية الإسلامية في البلاد التونسية من خلال محاولة تغلغله في الأذهان بطريقةٍ ناعمةٍ ما يُحيل على غزوٍ لغوي، يُخفي العداوة للّغة والدّين المغايريْن، وقد بدا ذلك من خلال المخطط الاستعماري المُتجسّد في تغذية النعرات بين الأعراق والأقليّات، والتّرويج للفرنسيّة باسم الحريّة والاستقلال.
لقد عمل الاستعمار الفرنسي على تغذية الصراع بين الفرنسية الدخيلة والعربية الأصيلة من خلال تهميش التّعليم الدّيني القائم على اللّغة العربيّة مقابل تدعيم اللّغة الفرنسيّة، ما جعل التّعليم أداةً في خدمة المشروع الاستعماري. وذلك كلّه يكشف عن زيف ادّعاء التّعاون الثّقافي بدليل إصدار قانونٍ يعاقب تمجيد الاستعمار 2005م، وبالإضافة إلى أنّ فرنسا تندّد بالنّازية والمحرقة وتمجّد استعمارها الغاشم الماحي للهويّة والشّخصية، والغريب أنّ فرنسا حسب المهدي المنجرة، على سبيل المثال، ليست معترفةً بجرائمها، بل مصرّة على طغيانها وجرائمها الماثلة في غرس القابليّة للاستعمار[29].
إنّ التّغريب اللّغوي كالاستشراق تمامًا، فهو صناعةٌ أوروبيّة، وهو جهازٌ ثقافيّ عدوانيّ يُخفي ما لا يُظهر، وهو يحاول إحكام قبضته على المستعمرات من خلال استخدام الضّغط المالي عبر بنك فرنسا وعبر الاقتصاد المهيمن المنّادي ظاهريًا، بالتّعاون، والخطر في هذه السّياسة الاستعماريّة التّعويل على صناعة العقول والذّهنيات انطلاقًا من التّعويل على البرامج الدّراسيّة تحت غطاء التّعاون والشراكة في هذا المستوى، وقد تخصّصت لتنفيذ هذا الأمر منظمّات وإدارات ووكالات للتّدريب والتّكوين، وقد رُصد لذلك قدرٌ كبيرٌ من الأموال، ولا غرابة أنْ تكون النّتائج كلّها لصالح الأوساط الاستعمارية حيث نجد التّفقير المادّي والمعنوي للشّعب التونسي، والغنى بأنواعه للشعب الفرنسي.
إنّ التّغريب اللّغوي، سياسة تتجلّى في مستوياتٍ عديدةٍ منها الدّيبلوماسي والثّقافي والتّعليمي والاقتصادي والمالي والاستثماري، وتهدف كلّها إلى ضمان المصلحة الفرنسيّة المادّيّة والمعنويّة. لقد خاضت العربية معارك حاسمةً ضد لغة الاستعمار، وعرفت فترات من القوّة استمدتها من رغبة في التّعريب بدت كإرادةٍ سياسيةٍ مُحتشمةٍ عند بعض المثقّفين التونسيين الّذين وصلوا إلى أجهزة السلطة، علمًا بأنّ اللّغة العربية هي بمنزلة جهاز المناعة المدافع الأوّل على الحضارة العربية في وجه التّغريب الّذي يعدّه محمود الذوادي داءً، ويُسّميه بضعف المناعة اللّغوية[30].
لقد مثّل الفضاء التونسي، قُبيْل الاستعمار وبعده، مسرحًا للعبة المخاتلة والتّآمر والمخادعة بين السلطان من جهة، ورجل الثّقافة من جهةٍ أخرى، إذ تمّ التّراجع عن تدريس الشعبة (أ) المعتمدة على العربية في الابتدائي والثّانوي فترة وزير التّعليم محمود المسعدي، لصالح الشعبة (ب) القائمة على الثنائية اللّغوية، والنّتيجة الحاصلة من ذلك تمثّلت في إيجاد جيلٍ معوّقٍ في مستوى الثّقافة واللّغة والفكر، وما من شكّ في أنّ اللّغة لا تتطوّر ولا تتجدّد إلاّ إذا تفاعلت إيجابيًا مع الثّقافات السّائدة بعيدًا عن الغصص اللّغوية ومركبات النّقص على حدّ عبارة محمود الذوادي، علما بأنّ التّحرير الحقيقي يمرّ حتما بالتّحرّر اللّساني[31].
الخاتمة
لقد حاول هذا البحث الحفر في المسألة التّربوية الّتي اضطلعت بها المؤسسة التّربوية الزّيتونية، سواء زمن الاحتلال الفرنسي أم زمن الاستقلال، بوصفها مجالًا حيّويًا يعكس الحالة اللّغوية الّتي كانت عليها العربية من رغبة في التّطوّر من جهة، والتّصدّي لمحاولات التّغريب الثّقافي من جهةٍ أخرى. وإذ لوحظت ملامح الصراع الّذي كان على أشدّه بين أنصار اللّغة العربية وأنصار الفرنسية زمن الاستعمار وبعده، فإنّ الاستعانة باستقراء تاريخ المسألة التّعليمية والتّربوية بات عملًا ضروريًا. ففي الحال الّذي كانت الأوضاع التّعليمية والتّربوية تُعاني في ظلّ مخطط الاستعمار من تهميشٍ وتفريغٍ من المحتويات الجادّة والمفيدة إنْ في مستوى المحتويات، وإنْ في مستوى طرائق الأداء، ظهرت حركةٌ طلابيةٌ تفضح هذه الممارسات وتُنادي بإصلاح التّعليم الزّيتوني، وبالفعل انفتحت أبواب المؤسسة أمام أبناء الجهات النائية والآفاق، وتعدّدت الفروع الزّيتونية في أغلب الجهات، وتمت مراجعة بعض المواد وتحسين تدريسها.
وقد لقيَ الإصلاح التّربوي هونًا في عقول بعض رجال السياسة والعلم قبل الاحتلال الفرنسي وبعده، إذ تواصلت هذه الجهود الإصلاحية بعد الاستقلال إلاّ أنّ غلبة المشاريع التّحديثية والتّغريبية بقرارٍ من دولة الاستقلال اقتضت القضاء على استقلالية المؤسسة، إذ أُلغي نظام الأوقاف والأحْباس، وأُلحقت الزّيتونة بالنّظام التّعليمي الجامعي الرسمي، ومع ذلك كانت النّزعة المحافظة هي الغالبة حيث كان الانتصار إلى العلوم النّقلية هو الطاغي على العملية التّربوية إلى أنْ تدخلت الحكومة التّونسية في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وأدخلت في المناهج التّعليمية العلوم الكوْنية والإنسانية، وأَلحقت بالجامعة الزّيتونية أساتذة من تكوينٍ مغايرٍ، وهم خريجو كلية الآداب، فتمّ التّلاقح، وأُدرجت موادّ لم تكن معهودةً من قبل، وبدأت المناهج الحديثة والمقاربات المستجدة تجد طريقها نحو تعميم الإفادة للحصول على مردودية جديدة.
إنّ الوضع الّذي عاناه التّعليم الزّيتوني هو جزءٌ من وضع المجتمع بأسره، الذي كان تحت استعمارٍ غاشمٍ معادٍّ للّغة العربية وللثّقافة الإسلامية، ودولةٍ متغربةٍ تُراهن على اللّحاق بركب الحضارة، وكأنّ الحضارة واقفة بانتظار المجتمعات الضعيفة. وهذا الهجوم المزدوج على اللّغة العربية من جهة وعلى المضامين التّربوية المحافظة من جهةٍ أخرى، هو المفسّر لردّة الفعل من قبل الزّيتونيين خوفًا على الهويّة، واللّغة، والدّين.
إنّ الجدير بالملاحظة، أنّ الثّقافة لا تتطوّر إلاّ بالإبداع والإنتاج، والّذي لابدّ من الإشارة إليه، في التّجربة التونسية، أنّ توحيد التّعليم ليس بالضرورة أمرًا ناجعًا، فهو عاملٌ يقضي على التّنوع والاختلاف، ويبدو أنّه إجراءٌ فوّت على البلاد التّونسية حيازة قطبٍ علميّ يُغري الكثيرين من مختلف القارات للإقبال على الدّراسة فيه.
لائحة المصادر والمراجع
أ) المراجع باللغة العربية
ابن نبي مالك، ميلاد مجتمع (شبكة العلاقات الاجتماعيّة)، تعريب عبد الصبور شاهين، إصدار ندوة مالك بن نبي، دار الفكر، دمشق، ط 2، 1974م.
ابن عاشور محمّد الطاهر، أليس الصبح بقريب؟ دار السلام، مصر- دار سحنون للنشر، تونس، ط1، 1427هـ، 2006م.
ابن عاشور محمد الفاضل، الحركة الأدبية والفكرية في تونس، الدار التونسية للنشر، تونس، ط 1، 1972.
ابن أبي الضّياف أحمد، إتحاف أهل الزّمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، الدار العربية للكتاب، تونس، ليبيا، 1999م.
البدوي محمّد، أمور يضحك السفهاء منها، ع 5 بتاريخ 19/01/1951م.
بلقزيز عبد الإله، الفرنكوفونية: إيديولوجيا، سياسات، تحدٍّ ثقافي- لغوي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط 1، 2011.
البلهوان علي، تونس الثائرة، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط 1، 2018م.
بيار بورديو، العنف الرمزي، تعريب نظير جاهل، المركز الثّقافي العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1994م.
الثعالبي عبد العزيز، تونس الشهيدة، تعريب سامي الجندي، دار القدس، بيروت، لبنان، ط 1، 1975م.
تونس العميقة، تقديم محمّد ضيف الله، الدار التونسية للكتاب، تونس، ط 1، 2014م.
حجّي لطفي، بورقيبة والإسلام الزعامة والإمامة، دار الجنوب للنشر، تونس، ط1، 2004.
الذوادي محمود، ضعف المناعة اللغوية والهوية المرتعشة في المجتمعات المغاربية، دار النديم للنشر والتوزيع، الجزائر، ط 1، 2018م.
الزيدي علي، دراسات في تاريخ التّعليم بالبلاد التّونسية في الفترة المعاصرة، منشورات منتدى الفارابي للدّراسات والبدائل، صفاقس، تونس، ط1، 2014م.
السّاكري كمال، الفرنكفونيّة فرس رهان أم حصان طروادة، منشورات الأفق، تونس، ط 1، 2022م.
الشريفي نصر بن علي، النّظم التّربوية في عصر الحماية، بحث لنيل شهادة دكتوراه الحلقة الثالثة، إشراف رشاد الإمام، جامعة الزيتونة، تونس، السنة الجامعية 1989-1990م.
عبد الوهاب حسن حسني، ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية التّونسية، مكتبة المنار، تونس، ط1، 1972م.
العبيدي أروى، 12 ماي 1881 م، يوم صارت تونس ملكًا لفرنسا، مقال إلكتروني تحت الرّابط التالي: Inku.be ، تاريخ النشر 12 ماي 2022م، تاريخ الدخول 3 سبتمبر 2024م.
الغابري عبد الباسط: صوت الطالب الزيتوني: حركة ثقافية سياسية، مركز النشر الجامعي، منونة، تونس، ط1، 2011م.
المنجرة المهدي، الإهانة في عهد الميغا إمبريالية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 2004م.
النّيفر محمّد الشّاذلي، مُختصر تاريخ الزّيتونة: الجامع والجامعة، ذكرى مرور ثلاثة عشر قرْنًا على تأسيس الزّيتونة، ضبط نصّه وعلّق عليه علي بن أحمد العلايمي، دار العلم للنشر والتّوزيع، تونس، ط1، 1443هـ، 2022م.
وناس المنصف، الدولة والمسألة الثّقافية في المغرب العربي، الدار التونسية للنشر، تونس، ط1، 1995.
الهذلي عبد الرحمان، جمعية الشبان المسلمين بتونس والحركة الوطنية 1936-1959م، مركز الدّراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، تونس، ط1، 2022م.
ب) المراجع باللغة الأجنبية
-Abd elmoula Mahmoud, L’université Zaytounienne et la société Tunisienne , thèse de doctorat de 3ème cycle C.N.R.S , Tunis, 1971.
-Piquet Victor, La Colonisation Française Dans l’Afrique Du Nord:Algérie, Tunisie Maroc, Forgotten Books, Paris, 2018.
-Taylor A.J.P, Bismark : The Man and the Statesman, Penguin Books, London, 1966.
-------------------------------------------
[1]. أستاذٌ محاضرٌ بالمعهد العالي للحضارة الإسلاميّة-جامعة الزيتونة- تونس
[2]. ينظر عبد الباسط الغابري، صوت الطالب الزيتوني: حركة ثقافية سياسية، مركز النشر الجامعي، منونة، تونس، ط1، 2011، ص 340.
[3]. يُنظر عبد العزيز الثعالبي، تونس الشهيدة، تعريب سامي الجندي، دار القدس، بيروت، لبنان، ط 1، 1975، ص 54.
[4]. يُنظر عبد العزيز الثعالبي، تونس الشهيدة، م ن، ص 54 وما بعدها.
[5]. أحمد بن أبي الضّياف، إتّحاف أهل الزّمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، ج8، الدار العربية للكتاب، تونس، ليبيا، 1999م، ص92.
[6]. نقلًا عن عبد العزيز الثعالبي، تونس الشهيدة، م ن، ص 58.
[7]. يُنظر أروى العبيدي، 12 ماي 1881 يوم صارت تونس ملكًا لفرنسا، مقال إلكتروني تحت الرّابط التالي: Inku.be ، تاريخ النشر 12 ماي 2022، تاريخ الدخول 3 سبتمبر 2024.
[8]. A.J.P Taylor, Bismark: The Man and the Statesman, Penguin Books, London, 1966, P189..
[9]. يُنظر عبد العزيز الثعالبي، تونس الشهيدة، م ن، ص 61.
[10]. هو كاتب فرنسي ولد سنة 1876م، وتوفي سنة 1965م، نذكر من مؤلفاته: الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا: تونس، الجزائز، المغرب، أُعيد طبعه سنة 2018 م، من منشورات Forgotten Books.
[11]. Victor Piquet, La Colonisation Française Dans l’Afrique Du Nord:Algérie, Tunisie Maroc, Forgotten Books, Paris, 2018, P152.
[12]. يُنظر عبد العزيز الثعالبي، تونس الشهيدة، م ن، ص 65.
[13]. يُنظر علي البلهوان، تونس الثائرة، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط 1، 2018م، ص 8.
[14]. يُنظر محمد الفاضل ابن عاشور، الحركة الأدبية والفكرية في تونس، الدار التونسية للنشر، تونس، ط 1، 1972، ص 41 وما بعدها.
[15]. لومان جوزيف، إتقان أساليب التّدريس، تعريب حسين عبد الفتاح، مركز الكتب الأردني، الأردن، ط1، 1989، ص 15.
[16]. V. Abd elmoula Mahmoud, L’université Zaytounienne et la société Tunisienne , thèse de doctorat de 3ème cycle C.N.R.S , Tunis, 1971, P118.
[17]. V. Abd elmoula Mahmoud, Ibid, P109.
[18]. محمّد الشّاذلي النّيفر، مُختصر تاريخ الزّيتونة: الجامع والجامعة، ذكرى مرور ثلاثة عشر قرْنًا على تأسيس الزّيتونة، ضبط نصّه وعلّق عليه علي بن أحمد العلايمي، دار العلم للنشر والتّوزيع، تونس، ط1، 1443هـ، 2022م، ص 8.
[19]. علي الزيدي، دراسات في تاريخ التّعليم بالبلاد التّونسية في الفترة المعاصرة، منشورات منتدى الفارابي للدّراسات والبدائل، صفاقس، تونس، ط1، 2014، ص230.
[20]. يُنظر لطفي حجّي، بورقيبة والإسلام الزعامة والإمامة، دار الجنوب للنشر، تونس، ط1، 2004، ص 78.
[21]. المنصف وناس، الدولة والمسألة الثّقافية في المغرب العربي، الدار التونسية للنشر، تونس، ط1، 1995، ص 63.
[22]. يُنظر محمّد البدوي، أمور يضحك السفهاء منها، ع 5 بتاريخ 19/01/1951، ص 1.
[23]. ينظر نصر بن علي الشريفي، النّظم التّربوية في عصر الحماية، بحث لنيل شهادة دكتوراه الحلقة الثالثة، إشراف رشاد الإمام، جامعة الزيتونة، تونس، السنة الجامعية 1989-1990، ص 192.
[24]. ينظر محمّد الطاهر ابن عاشور، أليس الصبح بقريب؟، دار السلام، مصر. دار سحنون للنشر، تونس، ط1، 1427ه، 2006م، ص 118 وما بعدها.
[25]. عبد الباسط الغابري، تونس العميقة، تقديم محمّد ضيف الله، الدار التونسية للكتاب، تونس، ط 1، 2014 ، ص 89.
[26]. عبد الباسط الغابري، م ن، ص 171.
[27]. يُنظر عبد الإله بلقزيز، الفرنكوفونية: إيديولوجيا، سياسات، تحدٍّ ثقافي. لغوي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، ط 1، 2011م، ص 8.
[28]. يُنظر محمود الذوادي، ضعف المناعة اللغوية والهوية المرتعشة في المجتمعات المغاربية، دار النديم للنشر والتوزيع، الجزائر، ط 1، 2018م، ص 30 وما بعدها.
[29]. يُنظر المهدي المنجرة، الإهانة في عهد الميغا إمبريالية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 2004م، ص 69. ويُنظر كذلك مالك بن نبي، ميلاد مجتمع (شبكة العلاقات الاجتماعيّة) تعريب عبد الصبور شاهين، إصدار ندوة مالك بن نبي، دار الفكر، دمشق، ط 2، 1974م، ص 38.
[30]2. يُنظر محمود الذوادي، ضعف المناعة اللغوية والهوية المرتعشة في المجتمعات المغاربية، م ن، ص60.
[31]. يُنظر كمال السّاكري، الفرنكفونيّة فرس رهان أم حصان طروادة، منشورات الأفق، تونس، ط 1، 2022، ص 275 وما بعدها.