الباحث : السيد عباس الرضوي
اسم المجلة : الاستعمار
العدد : 2
السنة : شتاء _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث : January / 13 / 2025
عدد زيارات البحث : 55
الملخص
المشروطة في كلّ بلدٍ تعني أنّ إرادة السلطنة والدوائر الحكومية محدودةٌ ومشروطةٌ بعدم تجاوز الحدود والقوانين الموضوعة. والطرف المقابل، وهو استبداد الدولة، يعني أنّ السلطنة متحرّرةٌ ومتعسّفة، تفعل ما تشاء، وتحكم ما تريد، وقاهرةٌ على الرقاب، وغير مسؤولةٍ عمّا ترتكب.
وسبب قيام المشروطة في إيران عدة أمور: أولها: التدخّلات الظاهرة والخفيّة للأجانب في السياسية والاقتصاد في إيران، وثانيها: وثورة التنباك، وثالثها: الاستخفاف بالشعائر الدينية. وللمشروطة أهداف واضحة، أولها: العدالة والقانون والحرية، وثانيها: الاستقلال السياسي والاقتصادي، وثالثها: إحياء الشعائر الإسلامية.
وإنجلترا لم تستطع تحمل هذه الأهداف الروحية فبدأت أياديها الخبيثة تمتدّ لها، وكان هدفهم إخراج علماء الدين من الساحة، وروّجت إشاعاتٍ باطلةً بإنّ إنجلترا لها دورٌ في نجاح المشروطة، وسعت إنجلترا وروسيا لتقوية أسس نفوذهما، وذلك من خلال استغلال الضعف الاقتصادي للدولة، ونتيجة هذا شعر العلماء اليقظون بالخطر عن قرب؛ فدعوا الشعب إلى مواجهة هذا الهجوم.
وتعرّض الباحث إلى عدّة أبحاثٍ مهمةٍ كالمواجهة بين إنجلترا والعلماء في قضية استقلال إيران، ومشروعية النهضة، وحِيَل بريطانيا في مكافحة العلماء، وترهيب الشخصيات، واتّهام الارتباط بالأجانب، وغيرها من الأبحاث المهمة.
الكلمات المفتاحية: المشروطة، إنجلترا، الشيخ فضل الله النوري، السيّد حسن المدرس، الآخوند الخراساني، التنباك. إنّ استبداد القاجاريين، وعدم اهتمامهم بالشعائر الإسلامية، وتدخّلات الأجانب الظاهرة والخفية في الأمور السياسية والاقتصادية وغيرها في إيران، ونهضة التبغ، وفرت أرضية نهضة المشروطة.
كان العلماء الدينيون منذ البداية مع نهضة المشروطة، وقدّموا أيضًا أول شهيد[2]، للأسف، قبل أن تُحدث هذه الحركة المثيرة تغييرًا جذريًا في عمق المجتمع، بدأت الأيادي الخبيثة للاستعمار البريطاني عملها، وسيطرت على هذه الحركة المجيدة ووجّهتها نحو أهدافها المرغوبة.
دخل خدّام الاستعمار وأقلامه المأجورة إلى الميدان منذ بزوغ النصر لإخراج رجال الدين من الساحة السياسية والاجتماعية، ولطمس ذكريات العلماء المجاهدين المشرّفة قاموا بتحريف شخصياتهم وكتابة التاريخ بشكل مشوّه.
روّجت مجموعةٌ هذه الفكرة بأنّ دور إنجلترا في المشروطة كان دورًا خيّرًا، وأنّ مرافقة تلك الدولة الشاملة للعلماء المجاهدين أدّت إلى انتصار حركة المشروطة. وتجاوزت مجموعةٌ أخرى ذلك، وكتبت: إنّ جميع خيوط المشروطة كانت في يد بريطانيا، ولم يكن العلماء الدينيون سوى لاعبين. بعبارةٍ أخرى، كانت إنجلترا هي التي وفرت أرضية ثورة المشروطة من خلال الدعاية المضللة أو بإعطاء الرشاوى لعددٍ من رؤساء رجال الدين في إيران[3].
إنّ الفهم الصحيح لموقف إنجلترا تجاه العلماء في هذه الحادثة التاريخية يقتضي أنْ نذكر أولًا أهداف العلماء وجهودهم في مسار الحركة، ومن ثم نعرض للتحليل تعامل إنجلترا مع رجال الدين في العقدين الأولين من الحركة، التي كانت قمة قوة المشروطة. هذا سيجيب على كثيرٍ من الأسئلة، وسيكشف الوجه الحقيقي للحقيقة من وراء غبار الجهل والاتهام.
في البداية، كان معظم العلماء الدينيين مرافقين لنهضة المشروطة. وفي مرحلة تدوين القانون، امتنع بعضهم عن مرافقة المشروطة، وانقسم العلماء إلى مجموعةٍ مؤيّدةٍ وأخرى معارضةٍ للمشروطة[4]. وكانت أهداف العلماء تتصدرها ثلاثة أمور:
العدالة والقانون والحرية.
الاستقلال السياسي والاقتصادي.
إحياء الشعائر الإسلامية.
كان الهدف الأول لرجال الدين في النهضة هو العدالة والقانون، بحيث تصبح الأحكام منظمةً بالقانون، وتُعرّف وتُحدد في مجال العلاقات والمعاملات، علاقة الدولة بالشعب، وعلاقة الشعب ببعضهم البعض. تدريجيًا، أخذ هذا المطلب شكل الرغبة في المجلس، وأدى إلى إنشاء مجلس الشورى. يقول الآخوند الخراساني، المفتي والقائد الروحي للمشروطة، في تعريفها:
«… المشروطة في كلّ بلدٍ تعني أنّ إرادة السلطنة والدوائر الحكومية محدودةٌ ومشروطةٌ بعدم تجاوز الحدود والقوانين الموضوعة وفقًا للمذهب الرسمي لذلك البلد. والطرف المقابل، وهو استبداد الدولة، يعني أنّ السلطنة متحرّرةٌ ومتعسّفة، تفعل ما تشاء، وتحكم ما تريد، وقاهرة على الرقاب، وغير مسؤولة عن أيّ ارتكاب»[5].
كان العلماء يطالبون بنظامٍ يكون فيه القوي والضعيف سواسيةً أمام القانون، وتنمو قدرات الشعب الخفيّة في ظلّ العدالة والحرية.
أمام هذا المطلب الذي كان له تعريفٌ واضح، عارضت إنجلترا التي كان لها نفوذٌ منذ زمنٍ طويلٍ على حكام القاجار، بوضوح في البداية. أعلن السفير البريطاني أنّ حكومة إنجلترا لا يمكن أنْ تدعم حركةً ضدّ جلالة الملك. اعتبرت السفارة البريطانية الحركة الحرّة للشعب مؤامرة ضدّ الأمن والسلطنة[6]، وقال مستر جرانت في ردّه على طلب اللجوء إلى السفارة:
«في حالة القيام بهذا العمل، سنضطّر إلى منعه بالقوة»[7]
وفيما بعد، كلّما رجحت كفة النضال بين الحرية والاستبداد نحو محمد علي شاه، كانت بريطانيا تقف إلى جانبه. كان السبب واضحًا؛ إنجلترا كانت لها مصالح لا تُعد ولا تُحصى في إيران، وكانت تسيطر على الأمور السياسية في إيران لدرجة أنّه حتى تعيين وعزل مسؤولي الدولة لم يكن يتم دون رضاها[8].
كانت الحرية تؤدي إلى وعي الشعب، والوعي يؤدي إلى العودة إلى الذات ونفي هيمنة الأجانب، ولم تستطع إنجلترا أنْ تواصل نفوذها إلّا في ظلّ الجهل وعدم الوعي الناشئ عن استبداد الحكّام الفاسدين.
وكانت حرية إيران تؤثّر أيضًا على الهنود؛ فبريطانيا التي كانت الحاكم المطلق للهند، وكانت تتعامل معهم كالعبيد[9]، لم تستطع بسهولة التخلّي عن هذه الميزة. كان من الطبيعي أنْ تحارب أيّ عاملٍ يساعد على وعي وحرية تلك الديار. وفي هذا السياق، قال دادابهاي ناوروجي، رئيس المؤتمر الوطني الهندي، في خطابه أمام مؤتمر 1906:
«إذا استيقظ الصينيون في الشرق الأقصى، والإيرانيون في غرب آسيا، واليابانيون استيقظوا مسبقًا، والفلاحون الروس قاموا أيضًا من أجل الحرية، فلماذا يجب على شعب الهند أنْ يبقى تحت نير الاستبداد وما زالوا في قيود الاستبداد؟»[10].
ولكن مع توسّع حركة المطالبين بالحرية، واجهت بريطانيا نهضةً قائمةً، وسياساتها اقتضت أنْ تتابع أهدافها الشيطانية تحت قناع من النفاق، وأنْ تمضي أعمالها بشكلٍ مستترٍ ومرن. مرونة أكثر إجرامًا من الحرب. سعى ساسة لندن إلى تحويل مطالب الشعب من شعارات العدالة الإسلامية والحرية الدينية إلى نهجٍ يفضّلونه هم. وأسباب هذه المرونة المنافقة هي:
كان العلماء والمثقفون وجماهير الشعب الإيراني يطالبون بالحرية، وكانت معارضة هذه الموجة القوية، التي كانت تحظى بدعم المراجع الكبرى في النجف، خلافًا للاحتياط والحكمة السياسية.
الروس كانوا يدعمون حكومة القاجار علنًا، فقررت بريطانيا أنّ تثبت موطئ قدمٍ لها في الحكومة الجديدة التي كانت تتوقع صعودها، لتحصل على موقعٍ قويّ في مواجهة منافسها القوي. بالإضافة إلى ذلك، في تلك الأيام فاز الليبراليون في استفتاء البرلمان البريطاني[11]، وكان نواب هذا الحزب يتظاهرون بالحرية لكسب الرأي العام، وإلّا فإنّ إنجلترا لم تكن تفكّر إلّا في مصالحها، وكانت حرية الشعوب شعارًا لاصطيادهم من أيدي المنافسين. انتقادات بعض النواب البريطانيين مثل (رايس) الوزير المفوض لبلادهم من حكومتهم[12] كانت مستلهمةً من ثقافته ومعرفته الشخصية، وبحسب تعبير نهرو، فإنّ مثل هذه الآراء الشخصية لم تكن مرتبطةً بالخطوط الرئيسة للسياسة الإمبريالية والاستعمارية لبريطانية[13].
تلك العوامل المذكورة جعلت إنجلترا، مع تصاعد النهضة، ترافق الشعب مؤقتًا وتتبع سياسة الصبر والانتظار، فاستفاد القادة الدينيون من هذه الفرصة، وبينما كانوا بعيدين عن الوقوع في شراك سياسة إنجلترا المتشابكة، طلبوا من سفير تلك البلاد إيصال صرخات احتجاج الشعب إلى الملك، وتوجهوا بأنفسهم إلى العتبات للمقاومة. وباستثناء عددٍ من الطلاب، لم يذهب أيٌّ من العلماء البارزين للاعتصام في السفارة البريطانية[14].
المواجهة بين إنجلترا والعلماء حول استقلال إيران
كان الحصول على الاستقلال السياسي والاقتصادي لإيران من الأهداف الأخرى للعلماء الدينيين في نهضة المشروطة. كان القاجاريون مكروهين في نظر العلماء الدينيين؛ لأنّهم أضاعوا عزة إيران ومجدها، وسلّموا هذه الأرض المقدسة إلى الأجانب.
هؤلاء، من خلال إبرام العقود الاستعمارية والامتيازات المتتالية، جعلوا إيران صيدًا مناسبًا للأجانب، وخاصّة بريطانيا، وتزايدت هذه العملية المهينة في عهد مظفر الدين شاه وابنه.
في رسالة علماء النجف نقرأ:
« منذ بداية حكم القاجاريين حتى الآن، ما أشد المصائب التي حلت بالمسلمين، وكم من بلاد الشيعة سقطت في أيدي الكفار بسبب حسن كفاءتهم! قفقاسيا وشروان وبلاد التركمان بحر الخزر وهرات وأفغانستان وبلوشستان والبحرين ومسقط ومعظم جزر الخليج الفارسي والعراق العربي وتركستان كلها انفصلت عن إيران… وذهب ثلثا إيران بالكامل، وهذا الثلث الباقي أيضًا سلموا زمامه بطرق مختلفة إلى الأجانب. أحيانًا أخذوا مبالغ هائلة من القروض وأنفقوها في بلاد الكفر، ورهنوا دولة الشيعة للكفار. وأحيانًا، بإعطاء الامتيازات المشؤومة، سلموا ثروة الشيعة إلى المشركين»[15].
كان العلماء يطالبون بحكومةٍ قويةٍ، عزيزة، مجيدة، تقف صريحةً وحازمةً على قدميها، وتتحرّر من مظلّة النفوذ السياسي والاقتصادي والثقافي للدول الاستعمارية الغربية.
لا شك في أنّ إنجلترا لم تستطع تحمّل هذه الأهداف الروحية. صحيح أنّ بريطانيا كانت تمتلك قانونًا وبرلمانًا، لكنّها كانت تدعم الحرية لتلبية احتياجاتها الخاصة فقط، وذلك في نطاق بلدها ولجماعةٍ من البرجوازيين والنبلاء.
كان حكّام لندن يقدّمون مصالحهم غير المشروعة في كلّ مكان، وفي هذا السبيل كانوا يدوسون على جميع القوانين والأعراف المكتوبة وغير المكتوبة الإنسانية والأخلاقية، أو يفسّرونها كما يشاؤون.
كانت لندن، للحصول على ثروات الشعوب الخام وإنشاء أسواق استهلاكية، ترسل الجيوش إلى الأراضي الأخرى، وتخضع تلك الأراضي لسيطرتها. في ذلك الوقت، كانت أجزاء مهمّة من إفريقيا وآسيا، بما في ذلك البلاد الشاسعة للهند، تحت احتلال تلك الدولة.
في حين كان شعب الأراضي المحتلة يعيشون في أسوأ الأوضاع، كانت ثرواتهم الهائلة تتدفق كالنهر العريض إلى بحر الجشع لدى الرأسماليين الإنجليز، وكان أيّ تحرّكٍ ضدّ هذا الطمع الفاضح يقمع بشدة على أيدي العسكريين.
وكانت إيران أيضًا فريسةً مناسبةً وفي المتناول. كان الموقع الاستراتيجي لإيران للدفاع عن أهمّ مستعمرةٍ خارجيةٍ لإنجلترا، ومواردها المعدنية الغنية، والسوق الاستهلاكية الكبيرة، والامتيازات المفيدة[16]، يجعل إنجلترا تستمرّ في حضورها في إيران لعقودٍ طويلة الأمد.
في بداية استقرار المشروطة، سعت إنجلترا وروسيا إلى استغلال الضعف الاقتصادي للدولة، وتقوية أسس نفوذهما من خلال تقديم المساعدات المالية؛ لذلك، نشروا عبر أتباعهم في المجلس والحكومة أنّه نظرًا لاضطراب أوضاع الحكومة وحاجتها إلى أربعة كرور من المال، وفي حالة عدم وصول مليوني كرور فورًا، ستتوقف جميع الإدارات الحكومية عن العمل، فقد قبلت الدولتان، إنجلترا وروسيا، أنْ تقدما قرضًا للحكومة الإيرانية، ولكن بشرط أنْ تُنفق الأموال تحت إشرافهما، وأنْ تكون جمارك الشمال والجنوب ومكاتب البريد والتلغراف كضمان لدى هاتين الدولتين[17].
هذا الاقتراح، الذي كان مقدمةً للتبعية للأجانب، ويُعدّ تعديًا على اقتصاد إيران، واجه معارضةً شديدةً من العلماء، إذ كلّف علماء العراق مجتهد همدان بأنْ يعلن لجميع السفارات أنّ الدول الأجنبية ليس لها حقّ إقراض الشاه، وستكون مسؤولية هذا العمل على عاتقهم أنفسهم[18]. واقترح علماء إيران أنْ يتم استمداد الشعب لتلبية احتياجات الحكومة، وتأسيس بنك وطني. يتم تشجيع الناس على تسليم رؤوس أموالهم إلى البنك والحصول على أسهم. كانت رسالة آقا نور الله الأصفهاني القيمة حول استكشاف جذور التضخم وحلّ الأزمات الاقتصادية وكيفية مساعدة الشعب في توعية الجماهير مؤثرة[19]. تصدر العلماء والطلاب هذه الحركة الوطنية إلى حد أنّ: «الطلاب باعوا كتبهم لمواجهة الاستقراض الخارجي»[20].
قامت إنجلترا، في خضم نضال الشعب الإيراني في المشروطة، بعقد اتفاقية 1907 مع روسيا، وقسمت إيران إلى منطقتين تحت نفوذها ونفوذ روسيا[21].
عُدّت هذه الاتفاقية، في نظر الواعين سياسيًا، تفكيكًا للبلاد وسقوطها. ووفقًا لتعبير سير دينس رايت:
«الإيرانيون الذين كانوا يعتقدون أنّ إنجلترا هي حاميتهم ضدّ الروس وتتمتع بأفكارٍ ليبرالية، صُدموا بهذه المعاهدة... عُدّت معاهدة روسيا وإنجلترا من وجهة نظر الإيرانيين الخطوة الأولى في تفكيك البلاد، وحتى الآن لم ينسوها ولم يغفروها، إذ عدّوها خيانةً عظيمةً لإيران»[22].
كان العلماء أهمّ عاملٍ مانع لهذه الاتفاقية المشينة؛ لقد أدركوا الخطر ببصيرة، ودعوا الشعب بشجاعة إلى المواجهة. في أصفهان حذّر آقا نجفي الشعب من مخاطرها بكلماتٍ توعوية، وبدأ نضالًا سلبيًّا ضدّ بريطانيا.
أوصى الشعب بعدم شراء البضائع الإنجليزية، واستخدام المنتجات المحلية بدلًا منها. وهو طريق تمّ تجربته بنجاحٍ في زمن ميرزا الشيرازي في النضال ضد شركة (رجي). جاء في تقرير السفير البريطاني:
«في أحد الأيام، قدّم آقا نجفي في المسجد شرحًا مفصلًا عن فوائد ترك الأقمشة الأوروبية، وكان يقول: هو وسائر العلماء سيبذلون جهدهم من الآن فصاعدًا لترك المنسوجات الأجنبية.[23]»
كان (انجمن إسلامية)، الذي تأسّس قبل المشروطة، قد وضع إنتاج البضائع المحلية للتخلّص من استهلاك البضائع الأجنبية على رأس برامجه[24].
وطلب علماء أصفهان، مع آقا نجفي، من الشعب أنْ يستخدموا الأوراق الإيرانية، وأنّهم لن يوقعوا على العقود المكتوبة على أوراقٍ أجنبية.[25] وأعلن علماء شيراز أيضًا، اعتراضًا على هذا الأمر، أنّ شراء وبيع البضائع الأوروبية حرام[26].
كان جنوب إيران منذ القدم تحت سيطرة بريطانيا. أدّى عدم التركيز السياسي والعسكري في إيران، وبُعد المسافة بين الجنوب والمركز، وغياب طرق الاتصال، إلى فصل مركز البلاد، وأتاح لعملاء بريطانيا أنْ يوسعوا سلطتهم يوميًا دون الحاجة إلى تدخلاٍت سياسيةٍ صاخبة. كان النفوذ السياسي لبريطانيا في الجنوب بحيث تحوّلت ممثليتها السياسية في ميناء بوشهر إلى مركزٍ لحلّ جميع أمور الخليج الفارسي، وكان القنصل البريطاني في بوشهر يُعدّ حاكم المناطق المحيطة بالخليج الفارسي. في الواقع، تم احتلال تلك المناطق بصمت من قبل بريطانيا. بعد اتفاقية 1907، أصبح الجنوب رسميًا من المناطق تحت نفوذ إنجلترا. عقب وجود اضطراباتٍ ضد الهيمنة الأجنبية في عام 1333هـ.ق، احتلّ الإنجليز بوشهر. ثم وضعوا شيراز تحت نفوذهم، وتوجهوا نحو لارستان. في عام 1335هـ.ق، وبحجة حماية التجارة، قام الإنجليز رسميًا بتشكيل شرطة الجنوب، وقدّروا نفقاتها من ميزانية حكومة إيران، ووسعوا نفوذهم على الموانئ[27].
أمام هذه التدخّلات الصريحة من الحكومة الإنجليزية، لم يبقَ العلماء محايدين، وبدأوا نضالًا شاملًا ضد الإنجليز. قام علماء النجف ببث صرخات احتجاج الشعب إلى العالم، ودعوا علماء الجنوب إلى المواجهة بإرسال الرسائل. قام علماء شيراز، بقيادة ميرزا إبراهيم محلاتي، بشنّ نضالٍ سلبيّ ضدّ الإنجليز. كتب ميرزا إبراهيم في جواب استفتاء مجموعة من الناس في هذا الشأن: «الحكم الشرعي لسلوك المسلمين تجاه جيش الإنجليز في الحالة الحاضرة هو :أولًا، إيذاؤهم وإهانتهم هم وجيشهم باليد واللسان، حسب الشرع المقدس، حرام بالعرض...
ثانيًا، إعانتهم بأيّ وجهٍ من الوجوه المذكورة وغير المذكورة في السؤال أعلاه من أعظم المحرمات الشرعية، وإذا قام أحد، والعياذ بالله تعالى، بإعانتهم، وقام في الحالة الحاضرة بانتهاك حرمة الإسلام، فيجب على جميع المسلمين أنْ يتبرؤوا منه فورًا تمامًا، وألّا يدعوه في مجالسهم، حتى لو كان ابنًا بالنسبة إلى أبيه»[28].
وقد عدّ الميرزا إبراهيم التعامل التجاري مع الإنجليز بمنزلة العداء للإمام المهدي(ع)، ورأى أنّ المخالفين يستحقون التعزير الشرعي[29]. وأيّد باقي علماء شيراز أيضًا حكم الميرزا إبراهيم. كتب القنصل البريطاني في تقريره إلى رؤسائه أنّ المجتهدين يمنعون التجار بشدّةٍ من البيع للجيش الإنجليزي، ويمنعون البنّائين وسائر العمال الإيرانيين من قبول الأعمال المطلوبة من الجيش[30].
تضرّرت شركة (زيغلر) الإنجليزية في شيراز كثيرًا في هذه الأحداث. أصدر المرحوم عبد الحسين لاري فتوى بالجهاد ضد الهيمنة البريطانية في الجنوب، ودخل في معارك مع الجنود الإنجليز. مع تصاعد جهود شرطة الجنوب، شدّد علماء الدين صفوفهم، وانتقلوا من مرحلة النضال السلبي إلى القتال المسلح. دعا مراجع النجف، بإرسال رسائل إلى رؤساء العشائر، إلى مواجهة المحتلين الأجانب[31].
دخل علماء بوشهر، مثل السيد عبد الله بلادي، ميرزا علي كازروني، والسيد مرتضى تنغستاني، في معارك مع أتباعهم بأمر من مراجع النجف. استولى السيد مرتضى أهرمي، أحد تلامذة الآخوند الخراساني، على بوشهر[32]، وسيطر أهل بندر عباس، بأمرٍ من العلماء، على زمام الأمور واحتلّوا دار الجمارك[33]. في برازجان، قام الشيخ علي دشتي بإعداد الناس للحرب ضد الإنجليز[34].
جميع هذه النضالات والجهود، مع قلّة العتاد، جعلت جنوب إيران غير آمنٍ للقوات الإنجليزية، ومنعت إنجلترا من تحقيق أهدافها الرئيسة في الجنوب وفي أماكن أخرى من إيران[35].
كما فشل العقد المعروف بـ(وثوق الدولة)، الذي تم في السنوات الأخيرة من المشروطة ووضع المصالح الحيوية لإيران في يد الإنجليز، بفضل يقظة رجال الدين. كان الشهيد المدرس يقود المعارضة[36]. بذل ذلك الرجل العظيم جهودًا لإلغاء هذا العقد، وكتب رسائل إلى جميع الولايات وزعماء العشائر، موضحًا أضراره.
قدّم كوكس، ممثّل إنجلترا، تقريرًا إلى اللورد كرزون، الوزير المفوض، قال فيه: «إنّ نشر العقد في طهران كان أفضل ممّا كان متوقعًا، ولكن يُلاحظ أنّ الأشخاص ذوي النفوذ يعارضونه، وأشدّهم بقيادة المدرس وإمام جمعة خوي»[37].
بعد كلمات الشهيد المدرس التوعوية، بدأت المعارضة العامة ضد (وثوق الدولة). أصبح مسجد عبد الحسين في السوق مركزًا للتظاهرات. في النهاية، أغلقت الحكومة المسجد ونُفي عدد من الكبار إلى كاشان. واصل الشهيد المدرس عمله حتى سقطت حكومة (وثوق الدولة)، ولم يُظهر (مشير الدولة) أيّ تأييد لها.
مشروعية النهضة
من الأهداف الأخرى لرجال الدين من المشاركة في نهضة المشروطة إحياء الشعائر الإسلامية. كان العلماء يسعون إلى مشروطةٍ تحافظ على القوانين والشرائع الإسلامية، ولا تتجاوز حدود القوانين الموضوعة وفق المذهب الرسمي للبلاد، وتكافح المخالفات، ويكون الحفاظ على الإسلام وحوزة المسلمين الهدف الرئيسي. في نظر علماء الدين، فإنّ القوانين التي تُصاغ خلافًا لمذهب جعفر الصادق وتسلك طريق الزندقة والبدعة، هي مخالفة للمشروطة وستؤدي إلى الاستبداد[38].
إنّ عدم الاهتمام بالشعائر الإسلامية، وانتشار المحرمات والمنكرات، وتوسع البهائية [39]، وإهانة المذهب من قبل الأجانب. كانت من الأسباب التي دفعت العلماء إلى ميدان النضال، وجعلت تصرفات الحكومة القاسية والمسيئة تجاه العلماء دليلًا إضافيًا على عدم تدين الحكومة، وأضفت على النضال طابعًا دينيًا بالكامل.
كانت بريطانيا، بحضورها الصامت في ساحة السياسة والتشريع في إيران، تسعى إلى حكومةٍ ليبراليةٍ وعلمانيةٍ يكون فيها الدين هامشيًا، ولا يكون له دورٌ في إدارة الشؤون السياسية والاجتماعية، ويتمتع فيها جميع أصحاب المذاهب، بما في ذلك البهائيون! بحقوقٍ مساويةٍ للمسلمين. حاول أتباع السفارة الإنجليزية تحويل توجّهات وشعارات الشعب نحو إنجلترا وأهدافها وبرامجها [40]، وأنْ يكون لرجال الدين دور أقلّ في مرحلة التشريع وإدارة البلاد. وهذا خلق تنافرًا واسعًا بين جماعة العلماء والمثقفين المتغربين. لم يقبل عملاء بريطانيا منذ بداية الحركة عنوان (مجلس الشورى الإسلامي)، وأصرّوا على تسميته (مجلس الشورى الوطني). كان المعتصمون في السفارة يرددون شعار (مجلس الشورى الوطني)[41]، شارك السفير البريطاني في جلسة الحوار لتحديد اسم المجلس، واستطاعت المجموعة المسماة بالمثقفين، من خلال حيلةٍ سياسيةٍ وتهديدٍ، فرض عنوان (مجلس الشورى الوطني)، بحجة أنّ هذه الكلمة تغلق باب التكفير على الأفراد، وأيضًا مع دخول ممثلي الأقليات الدينية في المجلس، فإنّ كلمة (وطني) مناسبة، وليست كلمة (إسلامي). أصروا في هذا الأمر إلى درجة أنّ العناصر التابعة أعلنوا: «إذا لم يتحول (إسلامي) إلى (وطني)، فلن يخرج الناس من السفارة»[42].
هذه الشواهد تُظهر أنّ السفارة البريطانية لم تكن بلا دور في تغيير كلمة (إسلامي) إلى (وطني). بالإضافة إلى ذلك، كانت من مواد الدستور أنّ جميع شعب إيران، وجميع أصحاب المذاهب، لهم حقوق متساوية في القانون. كان هذا الأمر موضع اهتمامٍ كبيرٍ لدى الإنجليز.
لم يكن الهدف الدفاع عن حرية البشر، بل دعم الأقليات الدينية، وخاصّة الديانة المصطنعة من قبل الأجانب، أي البهائية التي كانت موضع اهتمامهم. وكان البهائيون، الذين كانت لهم قواعد في قبرص ولندن في ذلك اليوم، بمنزلة الطابور الخامس لبريطانيا في إيران، وكانت سفارة تلك البلاد تستخدمهم للتجسس وإحداث الفتن بين الناس، وتدعمهم بـ(عصا الحماية)[43]، كان إعطاء الصفة الرسمية لهذه الجماعة في الدستور يوفر لهم سندًا قويًا. دعم إنجلترا للبهائيين شجعهم، ومنحهم الجرأة لنشر دينهم والوصول إلى المناصب الرئيسية.
في الرحلة الثانية لمظفر الدين شاه إلى أوروبا، طلب بعض البهائيين الذين كانوا رعايا إنجلترا وفرنسا من الشاه أنْ يتمتع أتباعهم في إيران بالحرية. وعدهم الشاه بذلك، وربما كان أحد أسباب جرأة هذه الطائفة مؤخرًا، بالإضافة إلى ارتباطهم بالروس، هو هذا الوعد الذي قدّمه لهم الشاه في أوروبا[44].
يقول الشيخ فضل الله النوري بشأن مادة المساواة القانونية لجميع شعب إيران في الدستور: «أذكر أنّه أثناء تصحيح هذه المادة، قال شخص كان من أصول الهيئة، بداعي أنّ هذه المادة ذات أهميةٍ كبيرة، إنّه إذا وجدت هذه المادة وتم تغيير جميع البنود، ستعترف بنا الدول الأجنبية كمشروطة، وإذا لم تكن موجودةً ولكن جميع البنود... موجودة، فلن يعترفوا بنا كمشروطة»[45].
أدّى دعم الأجانب للحرية ذات الطابع الغربي تحت غطاء القانون إلى انتشار الأفكار الإلحادية ونمو المنكرات. قام مجموعةٌ من الصحفيين، بنشر مقالاتٍ حول القومية الإيرانية ووصفوا هجوم العرب على إيران في صدر الإسلام بالوحشي، ممّا شكك بشكلٍ غير مباشرٍ في الحضارة الإسلامية[46]، ومجموعة أخرى بتمجيد النظم الغربية الجديدة وصفوا قوانين الإسلام بالقديمة وغير القابلة للتنفيذ.
شعر العلماء اليقظون بالخطر عن قرب ودعوا الشعب إلى مواجهة هذا الهجوم الثقافي. جعل آقا نجفي في أصفهان الحياة ضيقة على البهائيين والتابعين للأجانب، ونصح المؤمنين بعدم إرسال أبنائهم إلى مدارس الأجانب[47].
عارض رجال الدين في طهران انتخاب نائب بهائي[48]. وأرسل الآخوند الخراساني برقية إلى المجلس يطالب فيها الحكومة بمنع نشر المواد الإلحادية والمفسدة ومعاقبة كُتّاب هذه المواد[49].وفي مواجهة أقوال الديمقراطيين الذين عدّوا حكم القصاص مخالفًا للحكمة والسياسة، أرسل برقيةً بهذا المضمون إلى المرحوم بهبهاني: «وفقًا للرسائل الكثيرة الواردة، في العدد 121 من جريدة (إيران نو)، عدّ حكم القصاص مخالفًا للسياسة والحكمة، وقد استُحقرت الآية المباركة ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[50] التي أقرّ حكماء وفلاسفة غير المسلمين بالحكم الموجودة فيها ويفتخرون بفهمها. نرجو إعلامنا بالتفاصيل، بل نرجو إرسال هذا العدد عاجلًا، حتى نعلن حكم الله عز اسمه لجميع المسلمين في حالة صحة ذلك»[51].
كان الشيخ فضل الله النوري - الذي كان في قلب الأحداث وشاهد عن قرب الأعمال غير المشروعة للحداثيين - قد اقترح من أجل تنسيق القوانين التي يسنّها المجلس مع أحكام الشريعة، أن يشرف مجموعة من العلماء على القوانين التي يسنها المجلس. حاول الديمقراطيون، الذين كانت لهم صلاتٌ وثيقةٌ بالسفارة البريطانية[52]، منع هذا الاقتراح من أنْ يتم إقراره. واعتبروه، باستدلالاتٍ خادعة، غير متوافقٍ مع الديمقراطية. تم إقرار مشروع مجلس صيانة الدستور بمتابعة علماء طهران، ولم تؤدِ محاولات المستغربين إلى شيء. بذلوا كلّ جهدهم لجعله غير فعّالٍ في مرحلة التنفيذ. عدّت السفارة البريطانية قبول هذه المادة من قبل مجموعةٍ تقى زاده تراجعًا تكتيكيًا للحفاظ على الموقف، وأعربت عن أملها في أنّه بعد وصول المتشددين إلى السلطة، سيتم إزالة هذه المادة القديمة إلى الأبد. كتب سير سبرينغ رايس في ملحق التقرير 147، الذي خُصص لمناقشات المجلس حول (إشراف هيئة المجتهدين من الدرجة الأولى على القوانين المصادق عليها من قبل المجلس)، بعد إبداء سروره الكبير من خطاب ميرزا فضل علي آقا في معارضته، ما يلي:
«يعلم الأحرار أنّهم لا يستطيعون على الأقل لعدة سنوات مهاجمة العدو علنًا؛ لذلك قدموا امتيازاتٍ كبيرةٍ لرجال الدين وأظهروا احترامًا مبالغًا فيه لهيئة العلماء. ونتيجة لذلك، تمت الموافقة على المادة الإضافية المشار إليها أعلاه من قبل المجلس بهذه الروح التصالحية، وعلى الرغم من المعارضة الحازمة لممثلي تبريز برئاسة تقى زاده وميرزا فضل علي آقا، صوّت المجلس لصالحها. وكما أثبتت الأحداث اللاحقة، اعتُبر هذا الإجراء، أي الموافقة على هذه المادة، في الواقع خطوة سياسية مدبرة كبيرة... ومن الواضح أنه بمجرد أنْ يتولّى الأحرار زمام الأمور، فإنّ هذه المادة القديمة ستُعلق بشكل دائم»[53].
تحققت تنبؤات رايس بدقة. مع انتصار وسيطرة أنصار بريطانيا على المجلس، تضاءلت الشعائر الإسلامية، وازداد مدى التظاهر بالإلحاد. في الدورة الأولى للمجلس، نظرًا لوجود العلماء في الساحة، لم يجرؤ المعارضون على إظهار ما يخالف المذهب، ولكن في الدورات اللاحقة، بالإضافة إلى تجاهل مادة إشراف العلماء على مصوبات المجلس ودعم نظرية فصل الدين عن السياسة، هُوجم المذهب علنًا، ونتيجة لذلك، كما كتب المستوفي: «جعلوا جماعة من الناس البسطاء ذوي الإيمان الذين أصبحوا مشروطين بفضل العلماء، ينصرفون عن هذا المسلك والمنهج»[54].
حِيَل بريطانيا في مكافحة العلماء
اتضح أنّ العلماء وبريطانيا في الثورة المشروطة كانوا في جبهتين متقابلتين، وكلٌّ منهما يسعى لهدفه. وكان علماء الدين، الذين كانوا كسدٍ متينٍ في وجه الشياطين الأجانب، يجب أنْ يُزالوا من الطريق. سعيًا لتحقيق هذا الهدف، شرع الدبلوماسيون البريطانيون في البداية، للوصول إلى أهدافهم الشريرة، ظاهريًا في اتباع طريق المسالمة والمفاوضة المباشرة مع قادة النهضة في النجف وإيران، ولم يبخلوا بأيّ سخاء لكسب محيط العلماء والاستفادة منهم[55]. ولكن سوء سمعة وسلوك إنجلترا السيء مع الناس حال دون إقامة التواصل، وفشلت جهود السفارة البريطانية في إيران والعراق في إقامة علاقات مع العلماء. بعد اتفاقية 1907 وتوتر العلاقات بين الناس وإنجلترا، بذل الإنجليز جهودًا كبيرة للقاء علماء النجف الذين كانوا يمسكون بزمام النضال، ولكن وفقًا لتقرير القنصل البريطاني في بغداد، فقد فشلوا أيضًا في هذا البرنامج: «حتى الآن، لم يتيسر لممثّل إنجلترا المقيم في المكان أنْ يقيم علاقاتٍ وديّةً مع مجتهدي النجف؛ لأنّهم لم يكونوا مستعدين للاتصال به»[56].
ترهيب الشخصيات
من الحيل الأخرى لإنجلترا لمكافحة العلماء كان تشويه الشخصية، وهي أداةٌ أثبتت فعاليتها مرات عديدة. بعد يأس إنجلترا من استمالة العلماء، سعت إلى تشويه صورتهم. بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر، كانوا أحيانًا يصفونهم بالمفسدين ومثيري الشغب، وأحيانًا بالرجعيين والمتخلفين، وأحيانًا بالفاسدين وطالبي السلطة، وكانوا يصورون تصادم العصيّين والأوباش المؤيّدين لهم مع هؤلاء الأشخاص على أنّه نضال تنويري ضد الرجعية.
سيد عبد الله بهبهاني، أحد قادة نهضة المشروطة، شوّهت صورته من قبل السفارة الإنجليزية بأسوأ شكل ممكن[57].
اتهم قادة حوزة أصفهان، آقا نجفي وآقا نور الله، الذين كانوا يوعون الناس بحيل ومؤامرات الأجانب، ويعارضون تعيين الإنجليز في المناصب الإدارية المختلفة في البلاد، بالسعي للمصلحة الشخصية وإثارة الفتن .اتّهم مستر بيرن آقا نجفي بأن: «انتخاب نواب أصفهان بأمر آقا نجفي كان لضمان مصالحه الشخصية في طهران، ووجود آقا نجفي في أصفهان سبب الفوضى والسخط العام»[58].
بعد مقاطعة البضائع الإنجليزية من قبل آقا نجفي، كتب مارلينغ، القائم بالأعمال البريطاني، إلى مشير الدولة: «نظرًا لوجود مبالغ كبيرة من رأس المال الإنجليزي في هذا الأمر، وإذا ترك هذا العمل غير الصحيح يستمر، سيلحق خطرٌ فادحٌ بذلك الاستثمار. نرجو من سيادتكم أنْ تأمروا بإصدار التعليمات اللازمة لمسؤولي أصفهان لمنع فورًا هذه الأعمال الفتنة التي يقوم بها هؤلاء الأشخاص»[59].
اتّهام الارتباط بالأجانب
أدّت التدخّلات غير المشروعة للأجانب، خاصّة روسيا وإنجلترا، في الشؤون الداخلية لإيران قبل المشروطة وبعدها، إلى تشكك الناس تجاه الأجانب. على الرغم من أنّ إنجلترا كانت تسعى لكسب وجه من خلال دعم مؤقت للمشروطة، إلّا أنّ فرضها للعقود الاستغلالية على إيران شوه سمعتها بين الناس. بلغت جرائم وتدخلات إنجلترا العلنية والسرية في إيران حدًا جعل الناس ينسبون كلّ حادثةٍ إلى إنجلترا، ويبحثون عن يدها الخفية وراء كلّ عملٍ مشؤوم. واستغل الاستعمار الإنجليزي، بمساعدة عملائه، هذا الجو المعادي لإنجلترا بطريقة ما، فاتّهم الأشخاص الطاهرين والعلماء المتحررين بالارتباط بإنجلترا، حتى يسقطوا من أعين الناس ويتمكن الجواسيس الإنجليز من أداء مهامهم دون قلق.
بناءً على هذا الهدف، تم تقديم الشيخ فضل الله النوري على أنّه مرتبط بالروس، وبهبهاني مرتبط بالإنجليز. سعى عملاء نظام الانقلاب، من خلال تكرار هذه الشائعة باستمرار، إلى عدّها من المسائل التاريخية الواضحة. قام صفائي، أحد كتّاب نظام الشاه المأجورين، باتباع ظهير الدولة من عمال القاجار، بوصف بهبهاني بأنه إنجليزي[60].
كتب يحيى دولت آبادي، أحد مستشاري وداعمي رضا شاه المتحمسين، في هذا الشأن: «يُسمع أن آقا سيد عبد الله كان يأمر بعض خاصته بأنّه بعد ذهابنا إلى قم يجب الاعتصام في سفارة إنجلترا، ومن البديهي أنّ هذا الأمر لم يكن بلا سابقة أو اتفاق مع بعض رجال الدولة الذين يعملون معه سرًا، وأخيرًا مع موظفي السفارة.»
ويكتب أيضًا: «إذا نظرنا جيدًا، نرى أنّ الشيخ فضل الله ينظر في السياسة الخارجية إلى الروس، النظرة نفسها التي يقدمها آقا سيد عبد الله إلى الإنجليز، وهما سياستان متعارضتان. والأجنبي أيضًا، يبرز من ياقة أحد الرئيسين الدينيين الواسعة، ويمضي في عمله»[61].
نظرة إلى حياة ونضالات السيد عبد الله والشيخ وأداء هؤلاء الكتّاب المأجورين تسهّل الحكم. كان الشيخ فضل الله النوري منذ فترة طويلة مناديًا بالاستقلال الوطني، وكان في قضية نهضة التبغ في طليعة المجاهدين في طهران. ومعارضته للمشروطة كانت تنبع من هذا الاعتقاد. عندما تعرضت حياته للخطر من قبل المشروطيّين، امتنع عن الذهاب إلى السفارات، وفي ردّه على السفير الروسي الذي عرض عليه اللجوء إلى سفارة بلاده
قال: وصف ميرزا إبراهيم محلّاتي من قبل الوزير المفوض البريطاني بأنّه (ملّا مثير للشر وسوء النية)، ووُصف السيد عبد الحسين لاري بأنّه (مفسد ومخرب ومجنون).
أكثر من ذلك، قام الإنجليز بأعمالٍ غير مشروعةٍ لتشويه سمعة العلماء المجاهدين ونسبوها إليهم. كان من بين ذلك إثارة الفوضى في الطرق بواسطة عملائهم، بهدف ليس فقط جعل الناس ينظرون بسوء إلى العلماء المجاهدين، بل أيضًا لتهيئة الظروف لمزيد من تواجدهم.
يكتب السيّد أسد الله خارقاني في تقرير من الجنوب: «إنّ الفتن في موانئ الجنوب تُحرَّض من قبل دريابيغي وبني قوام في شيراز، الذين حرضوا الأشرار على الشر ونهب أموال الناس، ونسبوا ذلك إلى اسم السيد لاري. ثم أبلغوا الواقعة إلى طهران، وهيأوا الأجواء في المركز لتوجيه القوات والقتال مع السيد»[62].
كان جهل الناس أيضًا مؤثرًا في هذه الحملات الدعائية. فقد أدّى عدم وجود وسائل الاتصال، وسيطرة الأجانب على وسائل المخابرات، إلى قلة وصول الأخبار الصحيحة إلى الناس، وانتشار الشائعات بينهم.
انضمّ المثقفون الزائفون الانتهازيون أيضًا إلى أسيادهم في تشويه سمعة العلماء الحقيقيين. كان تقي زاده، الذي كان يدعو الناس باسم الحرية إلى تقليد المستعمرين، ومن الشخصيات المفضلّة لدى الإنجليز[63]، يعد رجال الدين العقبة الأساسية في تفكيك المجتمع التقليدي، ويرى صلاح المجتمع في تدمير هذه الفئة.
أعطى تقي زاده شرعية لنضال عين الدولة المستبد ضد علماء طهران، من خلال تحليل زائف واتهامات باطلة: «في الحقيقة، كان نضال عين الدولة مع ملائي طهران وجهاز فسادهم نضال حكومة قوية ومقتدرة ضد المشعوذين والفوضى».
في نهاية المشروطة، استخدمت إنجلترا سلاح التكفير على نطاقٍ واسعٍ لتدمير كيان رجال الدين. كان عملاء الإنجليز، المنتشرون في كلّ مكان، يصفون العلماء بأنّهم عالةٌ على المجتمع وسُرّاق قوت الشعب، لتهيئة الأرضية للقضاء عليهم تمامًا.
جاء أردشير ريبوترجي، أحد جواسيس بريطانيا المخضرمين، إلى إيران بعد نهضة التبغ. وللتعرف على أوضاع إيران، أمضى سبع سنواتٍ بين الناس، وتعلّم لغات هذا البلد المتعددة. كان ريبوترجي يسعى لخلق بيئةٍ لا يقوم فيها الشعب الإيراني مرةً أخرى، بناءً على فتوى عالمٍ متحرّرٍ مثل الميرزا، بمثل هذه الانتفاضات. كان قطع ارتباط الناس برجال الدين من المحاور الأساسية لجهوده. بعد وصول رضا خان إلى السلطة بواسطة بريطانيا، قام ريبوترجي بإعداد رضا خان لتدمير الحوزات العلمية. جاء في وصية (جي (المتعلقة برضا شاه»:شرحت له بالتفصيل كيف أنّ طبقة العلماء والآخوندات والملايين كانوا في الماضي القريب مستعدين حتى لبيع الوطن. كان بعضهم يستدل رسميًا بأنّ البلشفية هي الإسلام، وبالطبع كانوا يتلقون مكافآت مالية مقابل هذا التفسير، وللتصدي لذلك، أخذ العلماء والمجتهدون في العراق أموالًا طائلة ليصدروا فتاوى ضد مذهب البلشفية. كان العلماء عمومًا يريدون أن تُملأ جيوبهم ويبقى تسلطهم على الناس»[64].
في هذا الكلام يتّضح عمق الكراهية التي يحملها الاستعمار البريطاني تجاه الإسلام ورجال الدين. لقد شوّه صورة العلماء، وقدم أفعال قلة من المتظاهرين بالعلم كرمز للحوزة. يكشف (جي) في رسالته الخاصة أنّه قام على مدى عامين ونصف بتعليم رضا شاه ضد طبقة العلماء، وتحدّث معه حتى ساعةٍ متأخرةٍ من الليل عن فساد هذه الطبقة؛ ليُعِدّه نفسيًا لمواجهة الشعارات والرموز الدينية بلا خوف. كان اتّهام الرجعية والتخلف من الأدوات الأخرى لهجوم خدّام الإنجليز ضد العلماء. أشخاص مثل ملكم ويبرم وتقي زاده وصفوا الحجاب والقصاص وغيرها بأنّها غير حكيمة، ووصفوا علماء مثل: الشيخ فضل الله وبهبهاني وملّا قربان علي زنجاني بأنّهم متحجّرون وغير مرغوبٍ فيهم[65].
كانت اتّهامات الإنجليز ضد الشيخ فضل الله النوري شاملةً لدرجة أنّها أوقعت الصديق والعدو في الخطأ. أصبح اسم الشيخ فضل الله، الذي كان في طليعة معارضي المشروطة المنحرفة، مرادفًا للمستبد والرجعي. في وسط ذلك الضجيج، لم يتمكّن الشيخ من الدفاع بشكلٍ مناسبٍ عن أفكاره، في حين أنّ الشيخ كان في البداية في طليعة الثوار ونقطة اعتماد العلماء، ولم يكن للآخرين سابقة الشيخ اللامعة في النضال من أجل الحرية وضد الاستبداد. أدّى ظهور الانحراف في النهضة إلى وضعه في صفوف المعارضين.
يُعبِّر عن مواقفه بهذا الشكل:»أيّها الناس! أنا لستُ منكرًا لمجلس الشورى الوطني بأيّ وجه، بل أعدّ مشاركتي في تأسيس هذا الأساس أكثر من أيّ شخصٍ آخر؛ لأنّ علمائنا الكبار الذين في العتبات العاليات وسائر البلدان لم يكونوا موافقين، وقد أقنعتهم جميعًا بإقامة الأدلة والبراهين... وأنا الآن كما كنت»[66].
كان السيد أبو طالب زنجاني، أحد معارضي المشروطة، أيضًا من زعماء دعاة الحرية. كان له تعاونٌ وثيقٌ في الماضي مع السيد جمال الدين[67].
عرّف كريم دواتكر في اعترافاته، (حسين قلي خان، وحسن علي خان)، اللذين كانا قد لجآ سابقًا إلى السفارة، بأنّهما شريكان له[68].
على الرغم من أنّ القائم بالأعمال في السفارة البريطانية كان يحاول إظهار نفسه بأنّه محايدٌ في هذه القضية، إلا أنّ الأدلة لم تترك مجالًا للإنكار، وكانت أكبر اهتمامات السفارة هي الحفاظ على حياة وحرية المتهمين.
كان السيّد سمارت يحضر جلسات المحاكمة نيابةً عن الحكومة البريطانية، وكان يشرف على سير المحاكمات[69]. بعد قتل الشيخ على يد يپرم خان، المؤيّد لإنجلترا، أفاد السفير البريطاني بشكل صريح: «كان الشيخ فضل الله خطرًا كبيرًا على بلاده؛ من الجيد أنّ الحكومة الإيرانية تخلّصت منه»[70].
في بداية المشروطة، قامت مجموعةٌ من المتطرّفين، المكوّنة من مهاجري القوقاز والأرمن والإيرانيين المنحرفين، بتأسيس تنظيمٍ سريّ للقضاء على معارضيهم. أعضاء هذه اللجنة، الذين كانوا على درايةٍ بالأسلحة الجديدة، قتلوا في مدّةٍ قصيرةٍ مجموعةً من العلماء. كانوا يقدمون أنفسهم كأحرارٍ ومطالبين بالاستقلال، ويرفعون شعارات الحرية والاستقلال، ويغتالون معارضيهم بتهمة الاستبداد أو دعم الأجانب.
تظهر ملفات مدبّري هذا التيار أنّهم كانوا من الديمقراطيين والتابعين للسفارة البريطانية. كانوا إمّا يشترون الأفراد وإمّا يغسلون أدمغتهم بالدعاية، ويستخدمونهم لقتل المعارضين. كانوا يوحون إليهم بأنّ رجال الدين هم معارضو طريق الحرية، وأنّ خلاص الأمة من شرّ الاستبداد والأجانب يعتمد على قتلهم.
لخداع الرأي العام، قاموا في بداية الأمر بالتخلّص من عددٍ من الأشخاص سيّئ السمعة، ثم بدأوا في قتل الأشخاص الصالحين[71].
تُرى أسماء مثل: رشيد السلطان، حسين خان لله، وأحسان الله خان، وميرزا إبراهيم خان منشيزاده، وأسد الله أبي الفتح زاده، وإبراهيم حكيمي، وحيدر عمو أوغلي، وغيرهم، في مجموعة (المجازاة).
وثوق الدولة، الذي كان على معرفةٍ وثيقةٍ بمدبّري اللجنة السرية، يعدّ مؤسسيها أشخاصًا مثل: عماد الكتّاب، وكمال الوزراء، من عملاء إنجلترا[72].
أبرز العلماء المناهضین للإستعمار
السيد عبد الله بهبهاني
كان في طليعة المسلمين المشروطيّين. كان شجاعًا وجسورًا وشخصيةً نادرة. كان من أكثر رجال الدين جرأةً وصبرًا في زمانه. أدهشت شجاعته في مواجهة الأحداث الجميع. دافع عن المشروطة بعزمٍ راسخ، ولم يُظهر ضعفًا قط. كانت يقظة السيّد تجاه نفوذ الأجانب والانحرافات تشكل عقبةً جديةً أمام أصحاب الأفكار المنحرفة. في قضية متمم الدستور وإشراف العلماء على مصوبات المجلس، كان مع السيد محمد الطباطبائي والشيخ فضل الله النوري. قام المثقفون المتغرّبون، الذين لم يتقبلوا مشروطية القوانين ونفوذ رجال الدين في السياسة، باغتياله بوساطة عملائهم في لجنة المجازاة. على الرغم من أنّ قاتليه لم يُعرفوا في ذلك الوقت، إلّا أنّه بعد فترةٍ تبيّن أنّ ثلاثة أشخاص من مجموعة حيدر عمو أوغلي، بأسماء: رجب، وحسين لله، وعلي أصغر، قد ارتكبوا هذه الجريمة الفظيعة[73].
انتشر اسم تقي زاده، أحد مؤسسي حزب الديمقراطيين، على الألسن كسببٍ رئيسٍ للقتل، والعبارة: «قال تقي زاده، فأصبح شقيزاده» تتعلق بهذا القتل[74].
ميرزا محسن
كان من العلماء الأذكياء والفطنين، وملجأً للمحتاجين والمستضعفين. كان لطيف المعشر، حسن السلوك، وحسن التعامل مع الناس، ومشهورًا لدى العامة والخاصة. وقد قُتل أيضًا بأمرٍ من اللجنة السرية للمجازاة.
يقول حسين لله، أحد قاتليه، في اعترافاته: «كُلِّفنا من قبل اللجنة، أنا وأحسان الله خان ورشيد السلطان، باغتيال ميرزا محسن. وفي كلّ مرةٍ يُسند إلينا اغتيال أحد الآخوندات، كنا نفرح فرحًا شديدًا؛ لأنّ قتل آخوند أو سّيد كان بالنسبة لي ولأصدقائي أكبر خدمة للحرية والوطن»[75].
كان أحسان الله خان منسوبًا إلى الفرقة البهائية، وبعد قتل ميرزا محسن، فرّ وانضمّ إلى تنظيم الغابة، وبسبب إظهاره للكفاءة، أصبح من المقربّين الموثوقين لدى رجال الغابة. حتى قبل الانقلاب الأحمر في رشت، كان إلى جانب ميرزا، ثم خان ميرزا، وأصبح من أعدائه الشرسين، حتى دفع قادة نهضة الغابة إلى الاصطفاف ضد بعضهم البعض.
حاج الشيخ علي الفومني
في أيام اشتباكات أنصار المشروطة مع الحكومة، شكّل مجموعةٌ منهم في رشت لجنة باسم (ستار). كان من أعضائها أشخاص مثل: ميرزا كريم خان، وميرزا علي محمد خان تربيتي، وميرزا حسين كسمائي، وغيرهم. قامت هذه المجموعة سرًا باغتيال معارضيها. من بينهم كان الشيخ علي الفومني، الذي تم اغتياله بتهمة معارضة المشروطة. كان الشيخ علي من المجتهدين المعروفين، ومتميزًا في التقوى بين أقرانه[76]، وقد قُتل على يد حسين خان كسمائي.
كما ورد في تقارير السفارة البريطانية: أنّ أحد العلماء المعروف بالفاضل قد أُطلق عليه النار وقُتل في أواخر شهر أغسطس. يُقال إنّ اللجنة السرية في رشت أصدرت حكم إعدامه[77].
إنّ آقا كريم خان كان فراماسونيًا ومرتبطًا ببريطانيا، وكان على رأس اللجنة السرية في رشت. لعب دورًا مهمًا في تقدم أهداف بريطانيا من خلال التظاهر باليسارية[78]، وكان يپرم مسؤول الفرع العسكري لتلك اللجنة، وحسين خان كسمائي، أحد الأعضاء المؤثرين في الجمعية السرية، الذي كان في قضية الغابة في البداية مع ميرزا كوچك خان، ثم انقلب عليه ونظم أشعارًا في انتقاده وانتقاد رجال الغابة[79].
كانت الجمعية السرية في رشت على ارتباطٍ وثيقٍ مع تقي زاده ولجنة المجازاة في طهران. كان العديد من العلماء على القائمة السوداء للمجازاة، من بينهم آقا زاده ابن الآخوند الخراساني، الذي كُلّف حيدر خان باغتياله لكنه لم ينجح.
ميرزا محمد المعروف بـ(آقا زاده)
جاء إلى إيران في بداية المشروطة، وسعى لتعزيز المشروطة، لكن بعد فترة، عندما أدرك انحرافات المشروطيّين، بما في ذلك استقراضهم من الدول الأجنبية، بدأ بمعارضتهم[80]، ولذلك وُضع على القائمة السوداء[81].
كان حاج آقا شيرازي، السيد محمد صادق طباطبائي، والسيد حسن مدرس أيضًا على القائمة السوداء[82].
الشيخ محمد باقر اصطهباناتي
هو من بين الذين استُشهدوا في شيراز على يد عملاء الاستعمار بسبب مواجهته للبريطانيين وسياساتهم الاستعمارية والمشروطيّين المنحرفين. كان من تلامذة ميرزا الشيرازي البارزين، ومن أتباع ذلك الرجل العظيم في مكافحة الاستعمار والسعي نحو الحرية[83].
السيد أحمد دشتكي
كان من أتباع السيد عبد الحسين لاري ومن معارضي هيمنة بريطانيا في الجنوب، وقد استُشهد بشكلٍ مروعٍ على يد عملاء الإنجليز.
كانت أسرة قوام الملك من بين أكثر العوامل نفوذًا وقوة لبريطانيا في جنوب إيران، وكانت تلك الدولة تنفذ أهدافها السياسية والعسكرية من خلال هؤلاء الحكام. ارتكبت أسرة قوام خلال فترة الثورة المشروطة والحرب العالمية الأولى جرائم كبيرةً في دعمها للاستعمار، واستشهد العديد من العلماء وزعماء العشائر الأحرار في الجنوب على أيديهم.
لعب قوام الملك دورًا مهمًا في قضية تشكيل شرطة الجنوب وقمع انتفاضة العشائر ضد الإنجليز. بحسب قول عبد الحسين ميرزا، أحد أصدقاء قوام :«خدمة قوام الملك لحكومة إنجلترا أوضح من الشمس». وبحسب الدكتور محمد مصدق: «كان الحاكم وقوام في شيراز يتلقيان من القنصل الإنجليزي مائة لك روبية، التي كانت في ذلك الوقت تعادل ثلاثة ملايين تومان، للمصاريف التي كانوا يزعمونها»[84].
وبحجة الثأر لمقتل رئيس المستبدين في شيراز، قام عملاء قوام باغتيال حجة الإسلام الشيخ محمد باقر والسيد أحمد دشتكي بأبشع الطرق. بعد استشهاد السيد، أحرقوا جثمانه ودفنوه في بئر قلعة بندر، ونهبوا منازل الأحرار[85].
ثقة الإسلام التبريزي
كان ميرزا علي آقا من العلماء الفاضلين في منطقة أذربيجان، ولعب دورًا مؤثرًا في تحريض وتعبئة أهالي تبريز ضد الاستبداد.
كان الشيخ يريد مشروطة تُبنى على الإسلام ومذهب جعفر الصادق (ع)، وتحرّر المظلومين من استعباد الظالمين [86]
كان ثقة الإسلام يكره المتغرّبين مثل تقي زاده، الذين أصبحوا نوابًا عن تبريز دون أنْ يروا تبريز، وكان ينبه الناس إلى انحرافاتهم. كان يرى اليد الخفية لإنجلترا وراء العديد من قادة المشروطة مثل تقي زاده وآخرين، وأنّهم يدفعونهم للأمام. من وجهة نظر ثقة الإسلام، كانت حكومة روسيا أداة بيد إنجلترا، وكانت حكومة بريطانيا تعادي نهضة إيران بقدر ما تفعل حكومة القيصر. وكانت حكومة إنجلترا تنفذ برامجها من خلال الروس: «روسيا ليست إلّا أداة في يد إنجلترا. كلّ ما تقوله، تفعله هي أيضًا. عجلة السياسة في يد إنجلترا، وهي التي تدبر كلّ هذه الأمور. ألا تذكرون أنني كتبت لكم قبل رمضان أنّ الحوت والدب قد التصقا بأطراف الأمة، وأنّ الديدان قد دخلت في جسد الأمة، والناس مجموعة يتفرجون، وطائفة تهزأ، وطائفة تضع أصابعها على أنوفها من العفن، وجماعة يقفون بعيدًا ويبكون، كلا. لا أعلم لماذا لا يُذكر الأشخاص الذين يدعمون إنجلترا ويحبون روسيا على الألسنة»[87].
تعرّض ثقة الإسلام لغضب العملاء الأجانب بسبب نضاله ضد الاستبداد وكشفه لعوامل روسيا وإنجلترا. قام الديمقراطيون بتشويه شخصيته، فقد سعى تقي زاده في تهميش مكانته ونفوذه، وأشاع أنصار تقي زاده أنّه معارضٌ للمشروطة ويهدف إلى الفتنة، وكانوا يراسلون علماء النجف لتشويه سمعته لديهم[88].
استُشهد ذلك الرجل العظيم في عاشوراء عام 1330هـ، مع مجموعةٍ من العلماء، على يد الجيش الروسي المحتل. اكتفى السفير البريطاني، الذي كان راضيًا في قلبه عن فعل الروس، بعد هذه الحادثة بإبداء الأسف وقال: «أعتقد أنّه لو لم يُحكم على ثقة الإسلام بالإعدام، لكان ذلك أكثر فائدة سياسية، وحكومة روسيا مثل بريطانيا العظمى لديها رعايا مسلمون، وأخشى أنْ يؤثّر قتله على مشاعر رعايانا المسلمين»[89].
السيد حسن المدرّس
كان الشهيد المدرّس من شهداء طريق الحرية والاستقلال والعزة الإسلامية الآخرين، الذي نجح خلال فترة تمثيله في المجلس، بحكمته وعزمه الراسخ في إقرار قوانين تعزز العزة والفعالية. كان عقبةً كبيرةً أمام إبرام العقود الاستعمارية، فقد تم إحباط العقد المشين لعام 1919 بجهوده.
بعد يأس عملاء بريطانيا من التفاهم مع هذا السياسي الورع، سعوا لاغتياله. وعلى الرغم من أنّه كان على القائمة السوداء للجنة السرية للمجازاة، فإنّ القرعة وقعت على مجرمٍ آخر، وفي النهاية استُشهد على يد رضا خان.
يُروى أنّه بعد تعرّضه لهجوم في طريق مدرسة (سپهسالار)، وبينما كان يمسك بيده التي تنزف، قال: «أراد الإنجليز أنْ يحققوا غايتهم بقتلي، لكن الله لم يشأ». وعندما خضع لعملية لاستخراج الرصاص في المستشفى، قال: «الإنجليز يرتكبون خطأ؛ لا يعلمون أنّ الجريمة لا تؤدّي إلى النصر والنجاح.» وقال أيضًا: «الإنجليز يخسرون في إيران أينما ذهبوا؛ لأنّ سياستهم في إيران ليست مبنيةً على العقل والعدالة والإنصاف، فهم محكومٌ عليهم دائمًا بالفشل وعدم النجاح» [90].
سعت بريطانيا، بإبعاد رجال الدين الأصيلين عن الساحة السياسية، إلى إدخال عملائها وتعيينهم في مناصب السلطة بطرق خاصّة. كانت إنجلترا تتصرّف بذكاء في اختيار الأفراد، وأحيانًا كانت تستغرق سنواتٍ لإعداد الشخص المرغوب، وبحسب تعبير الشهيد المدرس في منفاه في خواف: «يعمل الإنجليز الآن على القطعة التي ستحكم في هذا البلد بعد عشرين سنة» [91].
بالإضافة إلى جذب العديد من المثقفين والحداثيين، نجحت تلك بريطانيا في استمالة بعض رجال الدين، واستخدمت علمهم ومكانتهم الدينية لمحاربة الدين والعلماء المجاهدين. كتب ريبو ترجي في وصيته، بعد التحدث بسوء عن رجال الدين، ما يلي: «أعترف بأنّ هناك بين رجال الدين الإيرانيين أفرادًا شرفاء ومحبّين لوطنهم، وقد تشرّفت بصداقتهم ومرافقتهم، لكن لا يمكن عدّ هؤلاء القلّة نموذجًا حقيقيًا للمجتمع الديني في إيران»[92].
المقصود بالأفراد الشرفاء أشخاص مثل: تقي زاده، والسيد حسن إمامي، والسيد يعقوب أنوار، ويحيى دولت آبادي، والشيخ إبراهيم زنجاني، وغيرهم، الذين جاؤوا لمحاربة الإسلام المحمدي بسلاح العلم والدين، وفي النهاية، بعد انتهاء مهمتهم، خلع بعضهم لباس التظاهر وتماهوا مع أسيادهم، وواجهوا الناس علانية. هؤلاء، الذين كانوا من الزملاء القدامى للعلماء الأحرار، أظهروا شدةً وحماسةً أكثر من الآخرين في عملهم. كانوا يعرفون الحوزة ونقاط ضعفها جيدًا، وكانوا قادرين على استغلال هذه المعرفة بشكلٍ جيد. كانت استراتيجيات العلماء مألوفة لديهم، وكانوا يعرفون حساسية الجماهير، وبإظهار أنفسهم كثوريين، تمكّنوا من تفكيك جبهة العلماء الحقيقيين.
يمكن عدّ تقي زاده نموذجًا للقطع الإنجليزية، بوجوده الطويل في ساحة السلطة، فقد مهّد الطريق لدخول الثقافة والسياسات الإنجليزية، وكان يعارض إسلامية القوانين وحضور العلماء في الساحة الحكومية من خلال الترويج لفصل الدين عن السياسة. خلال سقوط المجلس، ذهب مع عددٍ من زملائه إلى السفارة الإنجليزية، وبمساعدتهم نُقل إلى أوروبا. هناك، قرّب علاقته بالإنجليز وصادق زعماء البهائيين[93]، وبعد هزيمة محمد علي شاه، عاد إلى إيران وسعى مع حزب الديمقراطيين للسيطرة على المجلس وتصفية معارضي نهجه. على الرغم من أنّ جهود علماء النجف أبعدته عن إيران لعدة سنوات، إلّا أنّه عاد في النهاية إلى إيران وأصبح نائبًا في المجلس.
وبنفوذه الخطابي ومعرفته الواسعة بالسياسة والمجتمع، والثقة التي كانت إنجلترا تمنحها له، كان ذراعًا فعالًا للحكومة؛ يقول: «كما يعلم الكثيرون، ألقيتُ أول قنبلة استسلام للحضارة الغربية قبل أربعين سنة بلا تردد، والذي ربما كان يُعدّ تطرفًا في ظلّ مقتضيات وأوضاع ذلك الزمان، وبدلًا من تعبير (الأخذ بالحضارة الغربية)، اعتبرتُ من الواجب أنْ نصبح غربيين تمامًا، ظاهريًا وباطنيًا، جسديًا وروحيًا»[94].
على الرغم من أنّ تقي زاده في أواخر حياته انتقد بعض معتقداته السابقة، إلّا أنّ أداءه العام كان انعكاسًا لفكره الأولي. خلال قضية كشف الحجاب، انضمت زوجته إلى تيار المجتمع، وكان يعدّ اتباع أوامر البلاط البهلوي سر التقدم[95]. وقد اتبع باقي المتظاهرين بزي رجال الدين المرتبطين النهج نفسه.
لحسن الحظ، لم يعترف المجتمع الإسلامي بهؤلاء الأشخاص كرجال دين قط، ولم يحكم التاريخ عليهم كممثلين للحوزة، بل عدّهم منذ البداية أفرادًا ارتدوا رداء الدين نفاقًا وتظاهروا بالعلم رياءً.
إنّ مقارنة وجهات نظر ومواقف العلماء الدينيين وبريطانيا في المشروطة تظهر خطّين لا يمكن التوفيق بينهما. كانت بريطانيا، تحت غطاء الديمقراطية والحرية الزائفة، تسعى وراء مصالحها غير المشروعة واستغلال الشعب الإيراني، ولم تكن تعدّ الحرية الحقيقية والاستقلال الوطني والاقتصادي والدين شيئًا، ولم تكن تعرف حدودًا في النهب ونقض العهود.
وكان ما يظهر في مجموعة شعارات وأداء العلماء (من كلا التيارين المشروط والضد مشروط) هو العدالة، والاستقلال الوطني والاقتصادي، وإحياء القيم الدينية.
لا شك في أنّ تصادم هاتين الرؤيتين المتباينتين كان لا بد أنْ يؤدّي إلى قضايا مؤسفة. كان التكفير والتهديد والنفي وقتل العلماء مثل ثقة الإسلام، نوري، بهبهاني، لاري، والمدرس، نتيجة لمواقف العلماء التي لا تقبل التنازل أمام بريطانيا.
المصادر
إبراهيم صفائي، اسناد سیاسی دوره قاجاریه، انتشارات بابك، ط1، إيران- طهران، 1355ش.
إبراهيم صفائي، رهبران مشروطه، انتشارات جاویدان، إيران- طهران، ط3، 1363ش.
إبراهيم فخرائي، گیلان در جنبش مشروطیت، انتشارات وآموزش انقلاب إسلامي، ط1، إيران- طهران، 1398ش.
أحمد بشیری، کتاب آبی گزارشهای محرمانه وزارت امور خارجه انگلیس درباره انقلاب مشروطه إیران، نشر نو، ط2، إيران- طهران، 1363ش.
أحمد كسروي، تاریخ مشروطه إیران، انتشارات أمير كبير، ط1، إيران- طهران، 1976ش.
أحمد كسروي، تاریخ هجده ساله آذربایجان، انتشارات أمير كبير، ط1، إيران-طهران، 1336ش.
آدميت، ایدئولوژی نهضت مشروطیت، انتشارات روشنگران، ط1، إيران- طهران، 1388ش.
اريج افشار، علي خان قاجار، خاطرات واسناد ظهیر الدوله، انتشارات زرين، إيران- طهران، ط2، 1367ش.
آقا بزرگ تهراني، نقباء البشر في القرن الرابع عشر، دار المرتضی للنشر، إيران- مشهد المقدسة، ط1، 1404ه.
أيرج أفشار، اسناد مشروطیت، مستشار الدولة، كتاب خانه ستاره، ط1، إيران-طهران، 1362ش.
بيتر آوي، تاریخ معاصر إیران، ترجمة محمد رفيعي مهرآبادي، اتشارات عطائي، ط1، إيران-طهران، 1332ش.
تركمان، محمد، اسنادي درباره هجوم انگلیس وروس به ایران (۱۲۸۷ تا ۱۲۹۱ ه.ش.)، وزارت امور خارجه، دفتر مطالعات سیاسی وبین المللی، إيران-طهران، ط1، ۱۳۷۰ش.
تقی زاده، اوراق تازه یاب مشروطیت، انتشارات بدرقه جاویدان، ط1، إيران-طهران، 1359ش.
جواهر لعل نهرو، زندگی من، ترجمة محمود تفضلي، انتشارات أمير كبير، ط4، إيران-طهران، 1361ش.
حامد الگار، دين ودولت در إيران، ترجمة أبو القاسم سري، انتشارات توس، إيران- مشهد المقدسة، ط4، ۱۳۹۶ ش.
حسین فردوست وعبد الله شهبازی، ظهور وسقوط سلطنت پهلوی. انتشارات اطلاعات، إيران- طهران، ط1، 1397ش.
حسين مكي، مدرس قهرمان آزادي، بنگاه ترجمه ونشر كتاب، إيران- طهران، ط1، 1358ش.
خان ملك ساساني، دست پنهان سیاست انگلیس در إیران، انتشارات بابك، إيران- طهران، ط1، 1362ش.
سردنیس رایت، انگلیسیها در میان ایرانیان، ترجمة: لطف علي، انتشارات أمير كبير، ط1، 1359 ش.
السيد محمد تقي آيت اللهي، ولایت فقیه... سیری در افکار ومبارزات سید عبد الحسین لاری، انتشارات أمير كبير، إيران- طهران، ط1، 1363ش.
السير ريدر بولارد، نامههای خصوصي وگزارشهای محرمانه سفیر کبیر انگلستان در إیران، ترجمة غلام حسين ميرزا صالح، نشر طرح نو، ط1، 1371ش.
سينا واحد، قیام گوهرشاد، انتشارات إرشاد، إيران- طهران، ط4، 1366ش.
صحیفه نور، مجموعة إرشادات الإمام الخميني، وزارة الإرشاد.
صدر واثقي، سید جمال الدین اسدآبادی پایهگذار نهضتهای اسلامی، انتشارات پیام، ط2، 1355ش.
عبد العلي باقي، مدرس مجاهدي شکست ناپذیر، نشر تفكر، إيران- طهران، ط1، 1370ش.
عبد الله مستوفي، شرح زندگاني من، انتشارات زوار طهران، إيران- طهران، ط7، 1399ش.
عبد الهادي حائري، ایران وجهان إسلام، انتشارات آستان قدس، إيران- مشهد المقدسة، ط1، 1394ش.
العلامة أميني، شهداء الفضیلة، دار الوفاء للطباعة والنشر، لبنان- بيروت، ط1، 1403هـ.
كرماني، ناظم الإسلام، تاریخ بیداری ایرانیان، انتشارات أمير كبير، إيران- طهران، ط1، 1402هـــ.
مجيد كفائي، مرگي در نور: زندگي آخوند خراساني، انتشارات زوار، إيران- طهران، ط1، 1359ش.
محمد تركمان، مجموعهاي از مکتوبات... شیخ فضل الله نوري در مشروطیت، مؤسسة خدمات فرهنگي رسا، إيران- طهران، ط1، 1362ش.
محمد حسين حرز الدين، معارف الرجال، انتشارات آية الله المرعشي، إيران- قم المقدسة، ط1،1405ش.
محمد مهدي شريف كاشاني، واقعات اتفاقیه در روزگار، إيران- طهران، ط1، 1362ش.
مدير حلاج، نهضت ایران یا تاریخ مشروطیت ایران، بنگاه مطبوعاتي افشاري، إيران-طهران، ط1، ۱۳۴۰ش.
معاصر، حسن، تاریخ استقرار مشروطیت، انتشارات ابن سينا، إيران- طهران، ط1، 1353ش.
منصوره اتحادیه ومعصومه نظام، خاطرات واسناد حسین قلی خان نظام السلطنه مافي، نشر تاريخ إيران، ط1، 1386ش.
مهدي بامداد، شرح حال رجال ایران، انتشارات زوار، إيران- طهران، ط3، 1357ش.
مهدي ملك زاده، تاریخ انقلاب مشروطیت إیران، انتشارات سخن، إيران- طهران، ط1، 1387ش.
موسى نجفي، اندیشه سیاسی وتاریخ نهضت بیدارگرانه حاج آقا نورالله اصفهاني، موسسه مطالعات تاریخ معاصر إیران، إيران- طهران، ط4، 1391ش.
موسى نجفي، حكم نافذ آقانجفي، موسسه مطالعات تاريخ معاصر إيران، إيران- طهران، ط1، 1371ش.
محمد مهدي، كاشاني، واقعات اتفاقيه، انتشارات تاريخ إيران، ايران- طهران، ط1، 1362ش.
موسی نجفی وموسی فقیه حقانی، تاریخ معاصر إیران، انتشارات ارما، ط1، إيران-طهران، 1397ه.
يحيى دولت آبادي، حیات یحیی، انتشارات باهم، إيران- طهران، ط2، 1402ش.
-----------------------------------------
[1]. هذا البحث مأخوذ من مجلة الحوزة العدد 76و77 عام 1417هـ.
[2]. كرماني، ناظم الإسلام، تاریخ بیداری ایرانیان، ج 1، ص 192 و479، نوين؛ دولت آبادي، يحيى، حیات یحیی، ج 2، ص 69.
[3]. محمود محمود، تاريخ روابط سیاسی ایران وانگلیس، ج 6، ص338، وج 7، ص 172، رائين، إسماعيل اقبال؛ حقوق بگیران انگلیس در ایران، ص 378؛ صفائي، إبراهيم، رهبران مشروطه، ص 144.
[4]. كرماني، ناظم الإسلام، تاریخ بیداری ایرانیان، ج 1، ص 501 إلى 505؛ تقي زادة، مقالات، ج 1، ص 336 إلى 341.
[5]. المصدر السابق، ج1، ص 198.
[6]. معاصر، حسن ، تاریخ استقرار مشروطیت در ایران، ج 1، ص 58 إلى 61.
[7]. حلاج، مدير، نهضت ایران یا تاریخ مشروطیت ایران، ص 30.
[8]. مجموعة مؤلفين، خاطرات واسناد حسین قلی خان نظام السلطنه، ص 229؛ آدميت، ایدئولوژی نهضت مشروطیت، ج 2، ص 240.
[9]. نهرو، جواهر لعل، زندگی من، ج 1، ص 351.
[10]. الحائري، عبد الهادي ، ایران و جهان اسلام، ص 147.
[11]. تقی زاده، زندگی من، ج1، 54؛ اوراق تازه یاب مشروطیت، ج 1، ص 102.
[12]. فريدون آدميت، ایدئولوژی نهضت مشروطه ایران، ج 2، ص 95.
[13]. تقی زاده، زندگی من، ج 1، ص 459.
[14]. بيتر آوي، تاریخ معاصر ایران، ج 1، ص 245؛ دولت آبادي، يحيى، حیات یحیی، ج 3، ص 63.
[15]. كرماني، ناظم الإسلام، تاریخ بیداری ایرانیان،ج 2، ص230.
[16]. سر دنيس رايت، انگلیسیها در میان ایرانیان، ص 146 و205.
[17]. كرماني، ناظم الإسلام، تاریخ بیداری ایرانیان، ج 2، ص 3.
[18]. بشيري، احمد، کتاب آبی: گزارشهای محرمانه وزارت امور خارجه انگلیس درباره انقلاب مشروطه ایران، ج 2، ص431.
[19]. كرماني، ناظم الإسلام، تاریخ بیداری ایرانیان، ج 2، ص 13.
[20]. فخرائي، إبراهيم، گیلان در جنبش مشروطیت، ص 187.
[21]. دولت آبادي، يحيى، حیات یحیی، ج 2، ص101.
[22]. سردنیس رایت، انگلیسیها در میان ایرانیان، ص 70 و71.
[23]. بشيري، احمد، کتاب آبی: گزارشهای محرمانه وزارت امور خارجه انگلیس درباره انقلاب مشروطه ایران، ج 1، ص 54.
[24]. نجفي، موسى، حكم نافذ آقا نجفي، الصفحة 86.
[25]. نجفي، موسى، اندیشه سیاسی وتاریخ نهضت بیدارگرانه حاج آقا نورالله اصفهاني، ص 206 إلى 211.
[26]. بشيري، احمد، کتاب آبی: گزارشهای محرمانه وزارت امور خارجه انگلیس درباره انقلاب مشروطه ایران، ج1، ص 108.
[27]. آيت اللهي، السيد محمد تقي، ولایت فقیه... سیری در افکار ومبارزات سید عبدالحسین لاری، ص 77 إلى 79.
[28]. تركمان، محمد، اسنادي درباره هجوم انگلیس وروس به ایران، ص 288.
[29]. المصدر السابق، ص 289.
[30]. بشيري، احمد، کتاب آبی: گزارشهای محرمانه وزارت امور خارجه انگلیس درباره انقلاب مشروطه ایران، ج 6، ص 1422.
[31]. تركمان، محمد، اسنادي درباره هجوم انگلیس وروس به ایران، ص 278.
[32]. بشيري، احمد، کتاب آبی: گزارشهای محرمانه وزارت امور خارجه انگلیس درباره انقلاب مشروطه ایران، ج 1، ص 441 و465.
[33]. المصدر السابق، ص 465.
[34]. المصدر السابق، ج 7، ص 1551.
[35]. فخرائي، إبراهيم، سردار جنگل، ص116.
[36]. المصدر السابق، ص 187.
[37]. باقي، عبد العلي، مدرس مجاهدي شکست ناپذیر، ص 46؛ حسين مكي، مدرس قهرمان آزادي، ج1، ص 154.
[38]. كرماني، ناظم الإسلام، تاریخ بیداری ایرانیان، ج 1، ص 199.
[39]. الگار، حامد، دين ودولت در إيران، ص 343؛ حیات یحیی، يحيى دولت آبادي، ج 1، ص 315.
[40]. تركمان، محمد، مجموعهاي از مکتوبات... شیخ فضلالله نوري در مشروطیت، ج 2، ص 323.
[41]. مجموعة مؤلفين، خاطرات واسناد ظهیر الدوله، ص 133.
[42]. كرماني، ناظم الإسلام، تاریخ بیداری ایرانیان، ج 1، ص 567.
[43]. سردنیس رایت، انگلیسیها در میان ایرانیان ص 95.
[44]. دولت آبادي، يحيى، حیات یحیی، ج 1، ص 317.
[45]. تركمان، محمد، مجموعهاي از مکتوبات... شیخ فضلالله نوري در مشروطیت، ج 1، ص 107.
[46]. ملكزاده، مهدي، تاریخ انقلاب مشروطیت ایران، ج 6، ص1290.
[47]. بشيري، احمد، کتاب آبی: گزارشهای محرمانه وزارت امور خارجه انگلیس درباره انقلاب مشروطه ایران، ص 54
[48]. دولت آبادي، يحيى، حیات یحیی، ج 2، ص 86.
[49]. ملك زاده، مهدي تاریخ انقلاب مشروطیت ایران، ج 6، ص 1289.
[50]. سورة البقرة: الآية 179.
[51]. أيرج أفشار، اسناد مشروطیت، مستشار الدولة، المجموعة الثانية، ص 306.
[52]. فریدون آدمیت، ایدئولوژی نهضت مشروطیت، ج 2، ص 348.
[53]. تركمان، محمد، مجموعهاي از مکتوبات... شیخ فضلالله نوري در مشروطیت، ج 2، ص 376.
[54]. مستوفي، عبد الله، شرح زندگاني من، ج 2، ص 289 و317.
[55]. تركمان، محمد، اسنادي درباره هجوم انگلیس وروس به ایران، ص 44.
[56]. معاصر، حسن، تاریخ استقرار مشروطیت، ج 2، ص 878.
[57]. المصدر السابق، ج 1، ص 24، مع التلخيص.
[58]. نجفي، موِسى، حكم نافذ آقا نجفي، ص85.
[59]. تركمان، محمد، اسنادي درباره هجوم انگلیس وروس به ایران، ص 300 إلى 334.
[60]. أنصاري، مهدي، شیخ فضل الله النوري ومشروطیت، ص24.
[61]. دولت آبادي، يحيى، حیات یحیی، ج 2، ص 150.
[62]. فریدون آدمیت، ایدئولوژی نهضت مشروطه ایران، ج 2، ص 255.
[63]. أيرج أفشار، اسناد مشروطیت، مستشار الدولة، ج 2، ص 280.
[64]. صفائي، إبراهيم، رهبران مشروطه، ص 144.
[65]. دولت آبادي، يحيى، حیات یحیی، ج 2، ص71 و146.
[66]. تركمان، محمد، مجموعهاي از مکتوبات... شیخ فضلالله نوري در مشروطیت، ج 2، ص 288.
[67]. أيرج أفشار، یادداشتهای تاریخی مستشار الدولة، ج 1، ص 60.
[68]. كسروي، أحمد، تاریخ مشروطه ایران، ص 109.
[69]. مجموعة مؤلفين، ظهور وسقوط سلطنت پهلوی، ج2، ص 165.
[70]. ساساني، خان ملك، دست پنهان سیاست انگلیس در ایران، ص 97.
[71]. تركمان، محمد، مجموعهاي از مکتوبات... شیخ فضلالله نوري در مشروطیت، ج 2، ص 384.
[72]. محمد مهدي شريف كاشاني، واقعات اتفاقیه در روزگار، المجلد 1، ص 261.
[73]. تركمان، محمد، مجموعهاي از مکتوبات... شیخ فضلالله نوري در مشروطیت، ج 2، ص 384.
[74]. كاشاني، محمد مهدي، واقعات اتفاقیه، ج 1، الصفحة 261.
[75]. بشيري، احمد، کتاب آبی: گزارشهای محرمانه وزارت امور خارجه انگلیس درباره انقلاب مشروطه ایران، ج 3، ص 700.
[76]. یادداشتهای تاریخی مستشار الدولة، ص 118.
[77]. مجموعة مؤلفين، تاریخ معاصر ایران، ج، ص 151.
[78]. ملك زاده، مهدي تاریخ انقلاب مشروطیت ایران، ج 6، ص 1336.
[79]. سردار جنگل، ص 445. وبالإضافة إلى هؤلاء، هناك علماء ومجتهدون آخرون تم اغتيالهم بتهمة الرجعية والاستبداد على يد مجموعاتٍ مسلّحةٍ حزبية، والتي يتطلب استعراضها مجالاً آخر. انظر: حُرزّ الدين، معارف الرجال، ج 1، ص 279؛ كسروي، تاریخ هجده ساله آذربایجان، ص 330.
[80]. أيرج أفشار، اسناد مشروطیت، مستشار الدولة، ج 2، ص 329.
[81]. سينا واحد، قیام گوهرشاد، ص 89.
[82]. مجموعة مؤلفين، تاریخ معاصر ایران، ج 1، ص 150.
[83]. تهراني، آقا بزرگ، نقباء البشر، ج 2، ص 212.
[84]. مجموعة مؤلفين، ظهور وسقوط سلطنت پهلوی، ج 2، ص 485 و486.
[85]. سیری در افکار ومبارزات سید عبدالحسین لاری، ص 62 إلى 63.
[86]. المصدر السابق، ص 62 إلى 63.
[87]. المصدر السابق، ص 383.
[88]. أيرج أفشار، اسناد مشروطیت، مستشار الدولة، ج 2، ص 298.
[89]. بشيري، احمد، کتاب آبی: گزارشهای محرمانه وزارت امور خارجه انگلیس درباره انقلاب مشروطه ایران، ج 7، ص 1513.
[90]. باقي، عبد العلي، مدرس مجاهدي شکست ناپذیر، ص 257.
[91]. المصدر السابق، ص 186.
[92]. مجموعة مؤلفين، ظهور وسقوط سلطنت پهلوی، ج 2، ص 150.
[93]. مجلة یادگار، السنة 5، الأعداد 6 و7، ص 129.
[94]. تقی زاده، مقالات، ج4، ص 185.
[95]. المصدر السابق، ص 218؛ مهدي بامداد، شرح حال رجال إیران، ج 5، ص 65.