البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

قراءة في كتاب نحن وازمنة الاستعمار (الحلقة الاولى)

الباحث :  علي رعد
اسم المجلة :  الاستعمار
العدد :  2
السنة :  شتاء _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث :  January / 13 / 2025
عدد زيارات البحث :  403
تحميل  ( 590.333 KB )
الملخص
في هذه القراءة الموجزة، تركزّ سلسلة (نحن وأزمنة الاستعمار) على الاستعمار الذي اجتاح العالم الإسلامي. تعالج هذه الدراسة، ومن زوايا متعددة، إشكالياتٍ تتعلّق بطبيعة الاستعمار والاستعمار القديم والحديث وما بعد الاستعمار، من خلال آراء مجموعةٍ من المفكّرين العرب والأجانب.

توضّح القراءة أنّ العالم الإسلامي ما يزال يرزح تحت نيّر الاستعمار، رغم تحرّره بالمعنى الكلاسيكي. فقد تغيّر مفهوم الاستعمار اليوم، وأصبح يُمارس بطرقٍ غير مباشرة، مستندًا إلى العلم والفلسفة والقوة الناعمة. وعليه، أضحت هناك شعوبٌ تشعر بالدونيّة والضعف، وتلجأ إلى تقديس كلّ ما هو أجنبيّ وتحتقر كلّ ما هو وطني، بل وصل الأمر إلى حدّ انكار التاريخ والهوية والخصوصية بهدف تقليد الغرب تقليدًا أعمى. وهكذا مرّة أخرى يجني الاستعمار المعاصر والمنتشر ثمرة ما زرعه الاستعمار القديم في العالم الاسلامي.

تُعدّ السلسلة المذكورة من الإسهامات الفكرية البارزة التي تهدف إلى بناء فكرٍ تحرّريّ نقديّ يتعارض مع فلسفتَي الاستعمار القديم والمعاصر، اللتين سعتا إلى إضعاف الوعي الجماعي لدى الشعوب المستضعفة؛ لذا، تُعدّ هذه السلسلة بمنزلة خريطة طريقٍ تسعى إلى استنهاض الشعوب المقهورة من براثن الاستعمار.

الكلمات المفتاحية: الاستعمار، الاحتلال، الانتداب، الكولونياليّة، ما بعد الكولونياليّة، الإمبرياليّة، العلمانيّة، المعرفة، الهيمنة. بطاقة الكتاب: عنوان السلسلة: نحن وأزمنة الاستعمار/ نقد المباني المعرفية للكولونيالية وما بعد الكولونيالية، 4 أجزاء، ط1، بيروت، 2018.

تحرير وتقديم: د. محمود حيدر
عدد الصفحات: 376

مقدّمة
تسلّط سلسلة (نحن وأزمنة الاستعمار) بأجزائها الأربعة الضوء على الحقبة الاستعمارية وما بعد الاستعمارية، وذلك من خلال تفحّص الأحداث التاريخية في كلٍّ من آسيا وأفريقيا في القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا. وقد أسهم في هذه السلسلة مجموعةٌ من المفكّرين والباحثين وعلماء الاجتماع من أوروبا وأميركا والعالمين العربي والإسلامي.

يتطرّق هذا الجزء إلى فصلين أساسين:
الفصل الأول: المصطلح والمفهوم
الفصل الثاني: الاستعمار القديم

يقول الباحث اللبناني (محمود حيدر) في المدخل التأسيسي لهذه السلسلة: «إنّ العقلانية الاستعمارية التي حدَّت من وظيفة استعمال العقل مقابل المنافع المحضة، هي عقلانيةٌ مجردّةٌ من الأخلاقية. ومثل هذه العقلانية الوظائفية راحت تتمظهر مع تعاقب الزمن كسمت تكوينيٍّ للشخصية الاستعمارية. فلقد بيّنت اختبارات التاريخ أنّ من أمْيَز طبائع العقل الاستعماري إضفاء صبغةٍ عقلانيةٍ على كلّ فعاليةٍ من فعالياته بمعزلٍ عن أثرها الأخلاقي، وهذا يؤدّي في النهاية إلى أنْ تتحول العقلانية إلى ذريعةٍ فادحةٍ للاستخدام الإيديولوجي في الفكر الإمبريالي»[2].

لننتقل الآن إلى الفصل الأوّل الذي يعالج تعريف الاستعمار، ومن بعدها نتطرّق إلى الفصل الثاني الذي يثير مسألة الاستعمار القديم.

الفصل الأول
مباحث تمهيديّة
أ- في المصطلح والمفهوم
يعدّ الباحث (هورفاث ج. رونالد) الاستعمار من أبرز الظواهر المؤثّرة في تاريخ البشرية. ومع ذلك، لم يتمكن الدارسون والعلماء الغربيون من الوصول إلى فهمٍ شاملٍ لهذه الظاهرة، حيث تفتقر الأوساط الأكاديمية إلى نظريةٍ متّفقٍ عليها حول الاستعمار، ولا يوجد توافقٌ جوهريّ حول تعريفه. فمن وجهة نظر (رونالد)، يمتلك الناس وجهات نظرٍ متباينة حول ماهية الإستعمار، فمنهم من يراه أنّه عملٌ سيّىء يتمّ بوساطة أشرار، والآخر ينظر إليه كمحاولةٍ جديرةٍ بالاطراء تمّت بواسطة رجالٍ أخيارٍ من أجل هدفٍ نبيلٍ وهو إنقاذ الجاهلين.

يقول (رونالد) إنّ العلماء أخفقوا في وضع إطارٍ تعريفيّ واضحٍ للاستعمار والإمبريالية وبعض المفاهيم الأخرى ذات الصلة، وذلك بسبب تقديم صورةٍ نمطيةٍ عن الاستعمار استنادًا إلى حالةٍ أو حالتين فقط، هو افتراض يفيد بأنّ الاستعمار سمةٌ من سمات حضارةٍ معينةٍ (مثل الحضارة الغربية)، ممّا يؤدي إلى تجاهل جميع الأحداث والوقائع التي شهدها التاريخ البشري. بتعابير أخرى لا ينبغي ربط الاستعمار بالمتحضرين (الشعوب المتعلّمة)، بل إنّ غير المتحضّرين أيضًا استعمروا شعوبًا. أضف إلى ذلك، أنّ تعريفات الاستعمار تفتقر إلى المرونة، حيث ينبغي أنْ تكون التعريفات والتصنيفات قادرةً على استيعاب الاكتشافات الجديدة؛ لذا، من الضروري أنْ تتوفر درجةٌ كافيةٌ من المرونة لتسهيل المعالجة والتوضيح[3].

ثمة إجماع على أنّ الاستعمار هو نوعٌ من الهيمنة، أي هيمنة أفراد أو جماعات على إقليمٍ أو سلوك أشخاصٍ وجماعاتٍ أخرى. يُعدّ الاستعمار أيضًا صورةً من صور الاستغلال من خلال التركيز على العامل الاقتصادي، وينظر له أيضا بأنّه عملية تغييرٍ ثقافية، وهنا يرتبط مفهوم الهيمنة بالقوة. توجد نوعان من هيمنة الجماعات: الأول: هو الهيمنة بين الجماعات، والثاني: هو الهيمنة داخل الجماعة الواحدة. يتم التمييز بينهما بناءً على مدى التجانس الثقافي. الهيمنة بين الجماعات تحدث في مجتمعاتٍ غير متجانسة، بينما الهيمنة داخل الجماعة الواحدة تحدث في مجتمعاتٍ تتميز بالتجانس الثقافي. على سبيل المثال، تُعدّ هيمنة الإنجليز على الويلزيين والأسكتلنديين والأيرلنديين مثالًا واضحًا على الهيمنة بين الجماعات. في المقابل، داخل المجتمع الإنجليزي[4]، توجد تراتبيّةٌ تتعلّق بالسلطة والثروة والمكانة الاجتماعية. ونظرًا لأنّ الهيمنة هنا تتعلّق بجماعةٍ معينة، فإنّها لا تُعدّ شكلًا من أشكال الاستعمار. ما يهمنا في هذا السياق هو الهيمنة بين الجماعات[5].
من الأهمية بمكان التمييز بين الاستعمار والإمبريالية، فالأخيرة تشير إلى نوعٍ من أنواع الهيمنة بين الجماعات حيث لا يهاجر مستوطنون دائمون للمستعمرة. في حين أنّ الأولى تفترض أنْ يهاجر المستوطنون من الدولة الاستعمارية إلى المستعمرة بهدف الإقامة الدائمة[6].

استنتاجات:
يهدف (رونالد) من خلال بحثه إلى وضع تعريفٍ للإستعمار وبعض الظواهر ذات الصلة:
يمكن القول إنّ «الاستعمار هو شكلٌ من أشكال الهيمنة بين الجماعات، حيث يهاجر مستوطنون من القوة المستعمِرة بأعدادٍ كبيرةٍ، وبشكلٍ دائمٍ إلى المستعمَرة. ويشترك مفهوم الاستعمار مع مفهوم الإمبريالية لناحية الهيمنة، بيد أنّ الأخير يعني أنّ هناك قلّةً ممّن يهاجرون من الوطن الإمبريالي إلى المستعمَرة، أو حتى لا يهاجرون من الأساس. من الضروري أيضًا أنْ نلاحظ أنّ الإمبريالية غير الرسمية تتماشى مع الكولونيالية الجديدة والإمبريالية الاقتصادية، حيث تمثّل نوعًا من الهيمنة بين الجماعات، حيث يغيب التحكّم الإداري الرسمي وتُمارس السلطة من قبل نخبةٍ محلية. كما أنّ الاستعمار المحلّي يختلف عن الإمبريالية المحلية، إذ يتضمّن الأول هجرة مستوطنين دائمين من القوة الاستعمارية[7].
وتبقى مصطلحات مثل الاستعمار، والإمبريالية، والكولونيالية مفاهيم غير محدّدة، على الرغم من وجود أدبياتٍ واسعةٍ مخصّصةٍ لدراسة هذه الظواهر.

ب- ما هو العلم الاستعماري؟ رؤية إبستمولوجية للمفهوم والظاهرة
في هذا المقال، تتطرّق أستاذة التاريخ في جامعة أوهايو في الولايات المتحدة (أليس ل. كونكلين) إلى العلم الاستعماري من خلال رؤيةٍ معرفيةٍ للمفهوم والظاهرة.

يؤكّد المؤرخون أنّ مصطلح (العلم الاستعماري) هو نتاج جهود العلماء المتخصّصين الذين تدرّبوا في المستعمرات، في حين يركز آخرون على دور الادارات الاستعمارية في خلق أنواعٍ جديدةٍ من المعرفة العلمية التي عادت إلى أوروبا. ويرى نقّاد ما بعد الاستعمار أنّ العلم ارتبط بالسلطة الاستعمارية ، عادّين العمليات العنيفة التي أدّت إلى مأسسة السلطة الاستعمارية هي ذاتها التي أنتجت المعرفة العلمية.

تسلّط (كونكلين) الضوء على كتابين مهمين يتمحور موضوعهما عن الأدوات الاستعمارية الأوروبية، ممّا يفتح المجال لدراسة هذه الظاهرة. تستعرض هيلين تيل في كتابها (أفريقيا: المختبر الحي)، أساليب تطوير المهارات في مجالات الطب، والعلم العرقي، والأنثروبولوجيا الاجتماعية، والدراسات البيئية في المستعمرات الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. وتقدّم أدلةً تثبت أهمية القارة الأفريقية في تطور العديد من المجالات العلمية الحديثة خلال العقد الثالث من القرن العشرين. ويثير بيير سينغارافِلو في كتابه (المجاهرة بالاستعمار)، مجال العلوم الاستعمارية الذي نشأ في فرنسا في سبعينيّات القرن التاسع عشر، واختفى في أربعينيّات القرن العشرين. يتميز الكتاب بالعمق البحثي وتنوّع الحجج، حيث يستكشف طبيعة هذا المجال من خلال منهجٍ تاريخيّ صارم، مع التركيز على كيفية استخدامه لخدمة مصالح الاستعمار.
تتناول تيلّي في دراستها الاستعمار العلمي التدخلي من خلال التركيز على الدراسة الاستقصائية الأفريقية، التي تُعدّ مشروعًا شبه رسميّ لجمع المعلومات الاستخباراتية خلال الفترة بين الحربين العالميتين. شملت هذه الدراسة مستعمرات كينيا وتنزانيا وأوغندا وزامبيا ونيجيريا وغانا في الفترة ما بين 1929 و1939. وتستنتج (تيلي) بأنّ العلماء استفادوا بشكلٍ غير مسبوقٍ من الفرصة التي أتاحها لهم الاستعمار الأوروبي في نهاياته للعمل في أفريقيا. ومع ذلك، فإنّ المعرفة التي جمعوها لم تقتصر فقط على تجريد الشعوب التي درسوها من إنسانيتهم، بل تخطّت ذلك بكثير.

ويتطرّق (بيير سينغارافلو) من ناحيةٍ أخرى إلى تاريخ مجموعةٍ من العلماء الاستعماريين، ففي العقد الثامن من القرن التاسع عشر، كانت مجموعةً من الهواة تنتج معظم المعلومات المتعلّقة بشعوب المستعمرات الفرنسية ومواردها وإدارتها. وهذا يعني أنّ هذا النوع من المعرفة لم يحصل على اعترافٍ رسميّ ضمن مؤسسات التعليم العالي؛ لذلك، سعى بعض الخبراء إلى تعديل هذا الوضع من خلال إنشاء مجالاتٍ جديدةٍ مثل الجغرافيا الاستعمارية، والتاريخ الاستعماري، والتشريع، والاقتصاد الاستعماري، وعلم النفس الاستعماري، بهدف منح طابعٍ علميّ للإمبريالية الفرنسية.
يعتقد كلٌّ من سينغارافلو وتيلّ أنّ المؤرخين لا يستطيعون أنْ يتحدّوا السلطة الأيديولوجية والبلاغية المتجذرة في العلم، دون أنْ يكون لديهم فهمٌ شاملٌ لكيفية عمل العلماء في الماضي. وهناك نقاشٌ مستمرٌ حول مدى مساهمة العلماء في الاستعمار ومدى دعم الاستعمار للعلم. وعلى الرغم من أنّ كلا الكتابين الغنيين لا يتناولان كيفية تحويل العلوم إلى سياساتٍ عملية، إلّا أنّهما يسلّطان الضوء على استحالة التوصّل إلى نتيجةٍ قاطعةٍ بشأن محتوى المجالات العلمية التي روّج لها الاستعمار. ويقدم الكاتبان رؤيةً جديدةً حول تاريخ العلماء البيض الذين أبدوا تعاطفًا مع الإمبريالية خلال المدّة بين الحربين العالميتين، دون أنْ يثنوا على هؤلاء العلماء أو يقدّموا اعتذاراتٍ لهم.

ج- مسارات الاستعمار
يقول الباحث المصري (محمد عبد الرحمن عبد الجواد) إنّ الاستعمار في اللغة مأخوذٌ من الفعل عَمَرَ، والألف والسين والتاء في فعله لوجود معنى الطلب فيه، أي طلب تعمير الأرض، وهذا هو المعنى اللغوي الذي تمّ تحريفه من قبل المستعمر فيما بعد. ويؤكّد هذا المعنى (قبل التحريف) ما ورد في القرآن الكريم: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61][8].
يُعدّ الاستعمار ظاهرةً غربيةً حديثةً ظهرت في القرن الخامس عشر في أوروبا، إذ استطاعت أوروبا من خلال العلم التجريبي تركيزه في الثورة الصناعية. فمع بروز الحاجة إلى المواد الأولية في حقبة الثورة الصناعية، تغيّر مدلول الاستعمار إلى مدلولٍ آخر وهو احتلال الشعوب لدفع الثورة الصناعية إلى الأمام، فأوروبا لم تكن تملك من المواد الخام لصناعاتها إلّا القليل من الفحم، فقامت باحتلال الشرق الغني بالمواد الخام والموارد، لتجعله مصدرًا لمواردها، لتعود بعد ذلك بإغراق الشعوب الفقيرة بالمنتجات المصنعة الجديدة، وعلى هذا النحو بدأت تراكم من ثرواتها[9].

لجأ المحتلّون في الماضي إلى احتلال الأراضي الاسلامية وغير الاسلامية بطرقٍ تمويهيةٍ وخبيثة، فقد شرعنوا احتلالهم للدول النامية بأنّهم أرادوا انقاذ البلاد البائسة من الفقر والجهل عبر إدخال النهضة والعلوم الحديثة لتلك البلاد، بيد أنّ الحقيقة أظهرت أنّ الاستعمار أتى لأغراضٍ ماديةٍ ودينية، إذ قاموا بنهب مقدّرات الشعوب المستضعفة.

بعد سقوط الحكم العثماني، تقاسم النفوذ كلٌّ من فرنسا وإنجلترا، وقيام الكيان الصهيوني في فلسطين، تبعه استيلاء روسيا القيصرية على أجزاءٍ إسلاميةٍ من آسيا، وهي (القرم، وتركستان) وغيرها.

قسّم الباحث مراحل الاستعمار إلى ثلاث مراحل أساسية:
المرحلة التمهيدية القصيرة: وهي استعمار البرتغال وإسبانيا لبلاد إندونيسيا وبلاد الملايو والمغرب العربي.

المرحلة الطويلة: وقد امتدت لقرنين من الزمان، وهي استعمار كلٌّ من فرنسا وانجلترا وإيطاليا وهولندا، وانتهت بالحرب العالمية الثانية، وأعقب ذلك مرحلة أخرى. وأما المرحلة الثالثة أتت على شكل استعمارٍ اقتصاديّ وسيطرةٍ ثقافية، وذلك بعد جلاء الاستعمار العسكري والسياسي[10].

يشرح الباحث بعض الخطط والأهداف التي لجأ إليها الاستعمار، والتي يمكن إيجاز أهمها بما يلي:
دأب الاستعمار على العمل على خلق عقليةٍ هشَّةٍ مواليةٍ للغرب، ومنحرفةٍ عن مبادئ وأصول الإسلام التي تحثه وتدفعه على المقاومة والجهاد والمواجهة للعدو المستعمر، وذلك عن طريق: التبشير، والاستشراق[11].
إزالة تاريخ الشعوب المحتلة أو تشويهه والتشكيك فيه، وكما يقول أحد نشطاء الهنود، وهو مايكل إيغل: «إنّ أول ما يقوم به المنتصر هو محو تاريخ المهزومين».
التحكّم في مجالات التعليم والثقافة والإعلام بهدف تشويه المفهوم الإسلامي، والترويج لمخططاته وأهدافه بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ، وبأسلوبٍ غير ملحوظ.
فرض الأنظمة السياسية والاقتصادية والقانونية الغربية على الدول الإسلامية، وإبعاد منهجها الإسلامي المستند إلى القرآن الكريم ومصادر الشريعة [12].

إثارة النزاعات بين الدول الإسلامية حول الحدود الجغرافية.
تدمير البنية التحتية للشعوب المستعمَرة لمنع استخدامها في المقاومة والجهاد ضد الاستعمار، كما حدث في الجزائر، يعكس تطبيق مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) للسيطرة على البلاد وشعبها. تم ذلك من خلال عزل السكان وتحطيم الأسس التي كان يعتمد عليها الأمير المجاهد عبد القادر الجزائري.

التحكّم في الموارد، بالإضافة إلى إجبار الدول المحتلة على قبول القروض والمساعدات، وإقامة قواعد عسكريةٍ فيها، وما تزال هذه القواعد موجودةً حتى اليوم.
إشعار العالم الإسلامي بالضعف والخضوع، وإذلاله واحتقاره، وهذا يأتي في إطار الحرب النفسية، والاستكبار والتعالي من قبل المستعمر.
الغزو الثقافي الذي يتعرّض له الفكر الإسلامي يهدف إلى زعزعة القيم والمبادئ الإسلامية وإثارة الشكوك حولها.
إزالة الطاقة الفكرية التي ينشرها الإسلام في المجتمعات المستعمَرة، وتعزيز المفاهيم المادية، بالإضافة إلى الهجوم على القرآن الكريم والسنة النبويّة، وسيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله سلم)، فضلًا عن تاريخ الإسلام وثقافته واللغة العربية.
يلجأ الإستعمار إلى استخدام أسلوب القمع ضد الشعوب المُحتلّة، حيث يذكر ضابطٌ عسكريّ فرنسيّ في الجزائر في تقريره عن انتفاضة تم قمعها من قبل قواته في عامي (1845-1846): أنّ هناك طريقتين لإقامة سلطةٍ سياسيةٍ على السكان: الأولى هي القمع، والثانية هي التربية. فالطريقة الثانية تتطلب وقتًا طويلًا وتستهدف العقل، بينما الطريقة الأولى تركز على الجسم، ويجب أنْ تأتي في البداية.

العمل على تصوير الإسلام على أنّه دينٌ لاهوتيٌّ لا صلة له بالمجتمع، وترسيخ فكرة فصل الدين عن الحياة، وهذا ما ترجم فيما بعد بفكرة (العلمانية)، وهكذا يصبح رفع شعار العِلمانية، وشعار الأُمَمَيَّة، وشعار الفكر العالمي وسيلةً للقضاء على الفكر الاسلامي في المجتمعات.
التصميم على هدم ركائز الإسلام، ونشر الفتن بين المسلمين، كمحمد بن عبد الوهاب النجدي الذي كان يأتمر برجل المخابرات الانكليزي مستر هَمْفر الذي دعمه بالمال والسلاح لتأسيس الحركة الوهابية، والتي تم تقديمها على أنّها حركةٌ إصلاحيةٌ تحارب الوثنية المنتشرة بين المسلمين. وأتت الأخيرة على أنقاض الدولة العثمانية، وفيما بعد ظهر مخطّطٌ جديدٌ لتقسيم الشرق الأوسط بمقتضى اتفاقية سايكس بيكو[13].
ويخلص الباحث إلى أنّ مخططات الاستعمار متنوعةٌ وتتكيّف بحسب الظروف، وبحسب تنوع الشعوب وثقافاتها، ودياناتها، وقوتها من ضعفها، ووعيها من جهلها. ويذكر الباحث بعض جرائم الإستعمار في بعض البلدان:
في المدّة بين عامي (1954- 1962) قام المستعمرون الفرنسيّون بجرائم اغتصاب للنساء الجزائريات ولا سيّما الصغيرات، فضلًا عن التعذيب للرجال والنساء والأطفال في الفترة. كان التعذيب وسيلةً أساسيةً وسلوكًا للتعامل مع الجزائر[14].
تقول الباحثة والطالبة الجامعية (روفائييل برانش) في رسالتها التي نشرت في كتاب كاملٍ سنة 2001 م: «إنّ التعذيب في الجزائر خلال الاستعمار الفرنسي لم يكن ظاهرةً تخصّ مجموعةً من العسكريين، بل هي ظاهرة كانت سائدةً خلال حرب الجزائر»، وكانت فرنسا ــ كما تؤكّد روفائييل برانش ــ تبرر أيّ عملٍ مهما كان نوعه من أجل الإبقاء على الجزائر فرنسيةً[15]. توجد شواهد كثيرةٌ وأدلّةٌ موثّقة على ما فعله الاستعمار، إلاّ أنّ هذا بحثٌ مطوّل، لذا اكتفينا ببعض الأمثلة.

د- الفلسفة والاستعمار: رحلةٌ معرفيةٌ في أفكار انكاتل ديوبرون
لم يعتمد المستعمرون فقط على الأساليب القهرية لإخضاع الشعوب المستضعفة، إنّما استعانوا بالفلاسفة لشرعنة ما يقومون به من جرائم ونهب في المجتمعات الفقيرة. يشير انكاتل ديوبرون، وهو أحد أبرز النقّاد للمركزية الأوروبية، إلى أنّه يمكن أنْ تستخدم الفلسفة بهدف استعمار العالم، فهو يربط بين الاستعمار والفلسفة وخصوصًا في عصر الأنوار. وفي هذا السياق يقول: «إنّنا نرتعد حيال الفظاعات التي يرويها الغزاة الأوائل؟ لقد كانوا يدمّرون النوع البشري، مدفوعين بالنزوات، التي تتحكم، غاية التحكم، بتعصبهم وجشعهم حينذاك كان الفلاسفة أنفسهم وبدم بارد، ينزعون على هذا النحو رمزية الرجال، عن الأميركيين. هذا التدمير هو أكثر بشاعةً من التدمير الأول»[16].

يثير الباحث والأكاديمي الفرنسي (سيمون غاليغود غابيلوندو) إشكالية العلاقة بين الفلسفة والاستعمار من خلال أنكاتل ديوبرون، أحد أبرز النقّاد لمفهوم مونتسكيو عن الاستبداد، وهو خصمٌ عنيدٌ للمركزية الأوروبية. ويعدّ من أبرز المشككين بالاستخدام الفلسفي لأدب الرحلات ونقد الفلسفة، لكونهما يمكن أنْ تكونا من أدوات الغزو، واستعمار العالم[17]. ينتقد أنكاتل بطريقةٍ قاسيةٍ الغرب الذي أدار مختلف مناطق الكرة الأرضية، واهتمّ بشكل ٍخاصٍّ بالهند، وطالب بحقوقهم الإنسانية المستباحة.

وفقا لأنكاتل، تقوم فكرة المستعمرين على انتهاك الحقّ الأساسي للملكية. وينفي حقهم في الاستيلاء على أرض الملاّك الطبيعيين[18]. وبتعبيرٍ آخر، فإنّ شجب الاستعمار من ناحية، والمطالبة بحقوق الهنود من ناحيةٍ أخرى يفترضان المبدأ الأساسي للملكية كحقٍّ طبيعيّ يرتكز على عدم وجود نظرية الاستبداد الشرقي[19]. ويقيم العلاقة بين الغرب وبقية القارات من منظور حقوق الإنسان، إذ لا يقتصر دفاعه على نقد الاستعمار فحسب، بل يتضمن أيضًا إدانة النمطيات والمجازفات التي تشكّلت حول صورة القارات الأخرى. وفي هذا السياق، يُلاحظ أنّ الأوروبيين قد حقّقوا تقدمًا في معرفة سطح الأرض، بيد أنّهم لم يحققوا التقدّم نفسه في معرفة الأنسان. ويعتقد أنّ ثقافات الشعوب الآسيوية والأفريقية الأميركية قد تمّ تبسيطها اختزالها عبر مفاهيم عامّةٍ تؤدي إلى تشويه الحقيقة، والترويج لأحكامٍ مسبقة. لذلك واجه بشجاعة الموقف الذي يعتمد على التقليل من قيمة المجتمعات غير الأوروبية، ووصفها بالبربرية التي تفتقر إلى الأعراف والقوانين والتي لا ينظر لها إلإ في السياق الربحي بكلّ ما للكلمة من معنى[20].

ابتكر المستشرق فكرة مناهضة للاستعمار تستند إلى حقّ الملكية، وظل متمسّكًا بالدفاع عنها في السنوات الأخيرة من حياته، حيث عاد إلى مفهوم الملكية كحقٍّ طبيعي، وعدّها دائمًا حجةً قويةً ضدّ الاستعمار. فهو لا يعارض التجارة مع آسيا، بل يعترض على الإدارة الاستعمارية للنشاطات الاقتصادية. ويؤكد أنّ الأوروبيين «لا يملكون حقّ الاقامة في الهند، دون امتيازٍ رسمي، أو عقد بيعٍ يبرمه المالكون، السكان الأصليون».
بالنسبة إلى أنكاتل، كانت معرفة الشعوب غير الأوروبية موضوغ في غاية الأهمية لأنّها تتخطى الأحكام المسبقة، التي تقلل من شأنهم وتحدد تصوراتهم. «فمسألة مشكلة صورة هذه الشعوب، تفضي خطأً في طبيعة المعرفة، والنتائج، التي يثبّتها هذا الخطأ. هذا النقد المزدوج يتوجّه إلى معرفة، ليست نزيهة على الدوام، وهي خاطئة وخطيرة في آنٍ معًا، وتكوّن هذه الصورة، مرة ذات نزوة، ومرةً ذات مصلحة»[21].

هـ - فهم التابع: النقد ما بعد الاستعماري للحداثة
في قراءة موجزة، يتطرّق الباحث الأكاديمي في مركز دراسات الهند وجنوب آسيا (جاك بوشباداس) إلى موضوع (دراسات التابع)، وذلك من خلال عشر مجلّدات أصدرتها جامعة أكسفورد منذ عام 1982، والتي تحمل عنوانًا فرعيًا هو: كتابات حول تاريخ ومجتمع جنوب آسيا. ويعزى نجاح هذه المجموعة من المجلّدات إلى المؤرّخ البنغالي راناجيت جوها (Ranajit Guha).

يسلّط بوشباداس الضوء على الحقيقة التي ظهرت بين المؤرّخين في الهند كما في مناطق أخرى من العالم التي تعرّضت للاستعمار قديمًا، هي أنّ هناك تاريخًا حقيقيًا من القاعدة يتضمن قطيعة مع (النموذج القومي)، السائد في كتابة التاريخ، والذي أخفى التوترات الطبقية من خلال التركيز على الوحدة الوطنية، مما أسهم في تعزيز الخط السياسي الرسمي للنضال من أجل الاستقلال[22].
يهدف جهد المؤرّخ البنغالي (جوها) إلى التخلّص من النخبوية (élitisme) في كتابة تاريخ الاستعمارية والقومية والماركسية، التي كانت تقدّم المقاومة الشعبية للاستعمار وملحمة حركة الاستقلال بوصفهما نتيجةً لعمليةٍ مستمرّة. «وإنّ كتابة تاريخ الاستعمارية كانت إنتاجًا انكلوساكسونيا في الستينيّات والسبعينيّات وكان المقصود منها انبثاق مدرسة (مدرسة كامبريدج)، وهي مُهانة اليوم على المستوى العالمي، وقدّمَت القوميّة المُنظّمة في الهند بوصفها استراتيجية تنمية اجتماعية تُدار من قبل النخب الأهلية (indigène) المُثقّفة بغية انتزاع مواقع المسؤولية من السلطة الاستعمارية. المواقع التي تولّد أمجادا وأرباحا».

إنّ توثيق تاريخ الماركسية المرتبط بالحركة الوطنية، الذي كان له دورٌ حاسمٌ في تشكيل الرواية القومية التقليدية خلال العقود الأولى من الاستقلال، كان بحاجةٍ إلى نمطٍ آخر من النخبوية. فوفقًا (لبوشباداس)، أنّ الكتابة التاريخية الحديثة التي تدّعي أنّها تمثّل صوت الطبقات المضطهدة، وتوضّح مسارها نحو التحرّر والتقدّم. في الوقت نفسه، تنتقد ثقافة هذه الطبقات التي تقتصر على المقاومة، معتبرةً إيّاها ذهنيةً قبل سياسية، أو وعيًا خاطئًا، أي مرحلة بدائية في تطوّر الوعي الثوري. كما تشكك في قدرات النضال لدى معظم الفلاحين، معتبرةً أنّ ثوراتهم لم تكن سوى انفجارٍ عفوي ّمن الغضب الجماعي، خالٍ من العواقب السلبية، ويفتقر بالضرورة إلى التنظيم والبرنامج والفعالية لمدّةٍ طويلة، ممّا جعله غير مُستغلٍ أو مُؤطرٍ من قبل طليعة أكثر تدريبًا وتقدمًا على الصعيد السياسي.
لذلك، كان الموضوع يتعلّق بإصلاح الشعب كجزءٍ من تاريخه الخاصّ، وذلك من خلال تجنّب تصوّره مجموعةً من العمال تُدار بوساطة النخب؛ لذا يجب الاعتراف بالأهمية التاريخية الحقيقية للشعب في سياق قدرته على المبادرة الحرة والمطلقة، بالإضافة إلى ضرورة إعادة اكتشاف ثقافته الفريدة. كما ينبغي إيلاء اهتمامٍ جادٍّ بعالم الفكر والتجربة الخاصّة به، وليس فقط للظروف المادية التي تؤثّر على وجوده. وعليه يجب أنْ نقرّ بوجود مجالٍ مستقلٍّ في سياسة الشعب يختلف عن مجال النخبة، حيث ترسّخت مصطلحاته التعبيرية ومعاييره وقيمه من خلال تجربة العمل والاستغلال الاجتماعي؛ لذلك، ينبغي العمل على إعادة الوعي والقدرة على المبادرة للتابعِين إلى مكانهما الصحيح، اللذين كانا يحملان ثقافةً شفهيةً، ولم يتركوا فعليّا أيّ دليلٍ على وجودهما.

يستعرض (جوها) بمهارة كيف أنّ خطاب هذه المصادر، الذي يتناغم مع كتابات التاريخ النخبوي من عدّة جوانب، يميل دائمًا إلى تقويض وعي التابعين من خلال تقديم حركات التمرّد كاستجاباتٍ غير إراديةٍ للاضطهاد الاقتصادي أو السياسي.
ومع ذلك، يكشف جوها في كتابٍ مُتقنٍ صدر بعد عام من إصدار المجلد الأول من (دراسات التابع)، عن كلّ ما يمكن استخراجه من مصادر النخبة الحاكمة عند تحليلها بعناية. يستعرض جوها وثائق تمرد الفلاحين في الهند خلال الحقبة الاستعمارية بين عامي 1783 و1900، أي قبل ظهور القومية الجماهيرية. في هذه الدراسة، يقدم أمثلةً بارزةً لتحديد الخصائص الأساسية لسلوك المتمرّدين، والتي تُعرض بطريقةٍ ما كثوابت أيديولوجية للوعي القروي.

الفصل الثاني: الاستعمار القديم
أ- الاستعمار المنتشر
يقول أحمد رهدار) عالم دين وأستاذ العلوم السياسية في جامعة باقر العلو (، إنّ عصرنا الحالي يشهد وجود استعمارٍ هو من أشدّ الاستعمارات تعقيدًا، الذي يتميز بخصائص منها التخفّي والانتشار بأدواتٍ تقنيةٍ وحديثة، وتمّ تعريف دول الغرب بالعالم الأول، كما تمّ تعريف دول الشرق بالعالم الثالث رمزًا للمستعمرات. وممّا لا ريب فيه أنّ التعرّف على ماهية الاستعمار وخططه يساعد المستعمَرين على تكوين نظريةٍ من أجل الأحاطة بمفهوم الاستعمار، وذلك بهدف مواجهته[23].

في قراءةٍ مختصرةٍ، يقسّم (رهدار) الاستعمار إلى عدة أشكال:
الاستعمار القديم
الاستعمار الجديد
الاستعمار المعاصر

يشير الاستعمار القديم إلى الاحتلال العسكري الذي يعني استخدام القوى المحتلة للأساليب العسكرية للسيطرة على الدول الضعيفة بهدف نهب ثرواتها. في هذا النوع من الاستعمار، تظهر الدولة المستعمَرة نوعًا من المقاومة ضد قوى الاحتلال، كما حدث في الهند التي تعرّضت للاحتلال والنهب من قبل البريطانيين[24].
يعتمد الاستعمار الجديد على القادة المحليين، ممّا يعني أنّه لا يتطلب وجودًا فعليًا للمستعمرين. في هذا النموذج، يكون القادة من الدولة المستعمَرة نفسها، ويعمل تحت إشرافهم عددٌ قليلٌ من القوات الأجنبية التابعة للاستعمار. ومن الأمثلة البارزة على ذلك إيران في فترة حكم البهلوي وتركيا في عهد أتاتورك.

في الاستعمار الجديد جرت محاولات لتقليص دور الدين على المستوى النظري والعملي، إذ بدأت محاصرته وتقييده عن المحيط الاجتماعي تدريجيًّا، ليصبح فيما بعد في الإطار الفردي، أو شيئًا يشبه التقاليد، بل حتى وجهة نظر، على غرار ما حدث في فرنسا نفسها بعد الثورة الفرنسية. وفي نهاية المطاف، أضحت التعاليم الدينية من المعايير الفردية وتمّ تصويرها على أنّها كذلك. بتعابير أخرى، لكلّ شخصٍ الحرية في تفسير تلك التعاليم كما يشاء، وهكذا يصبح الدين خاضعًا للتعريفات والتأويلات الفردية من دون الاستناد إلى أيّ منطق[25].

يُعدّ الاستعمار المعاصر أحد أشكال الاستعمار الذي يتم فيه تواجد المستعمِرِين وأتباعهم المحليين بشكلٍ متخفٍّ أو غير مرئي، إذ يُطلق على هذا النوع من الاستعمار اسم (الاستعمار المنتشر)، حيث تستمر نوايا المستعمرين وأهدافهم في التتابع دون الحاجة إلى تمثيلٍ من قبل شخصٍ أو حدثٍ معين. في هذا النوع من الاستعمار، يصل التخفي والانتشار إلى درجةٍ تجعل من الصعب حتى على النُخب كشف أتباع الاستعمار وأعوانه.
يهدف الاستعمار المعاصر لتطبيق أسس تربيته الفكرية والسياسية على القوى التي تنفذ أجندته من دون أنْ تدرك ذلك. في هذا السياق، يركز الاستعمار جهوده على المجالات البرمجية، حيث يقوم بتعريف المعايير العلمية بما يتناسب مع مصالحه السياسية، ممّا يجبر خصومه السياسيين في الدول المستقلة، التي كانت مستعمرات له في الماضي، على قبول هذه المعايير. ونتيجةً لذلك، يحقّق المستعمِر أهدافه، ويعزّز سلطته من خلال علومه.

يخلص الكاتب إلى أنّ أفضل وسيلةٍ لمواجهة الاستعمار هو (الاتجاه الإيجابي نحو جبهة الحق)؛ لتقوية الجبهة أكثر فأكثر، وليس بالضرورة (تطبيق الاتجاه السلبي نحو جبهة الباطل)؛ لذا فإنّ أهمّ سبيلٍ في مواجهة الاستعمار هو الاجتهاد للتحرّر من قوانين المستعمِر، لإيجاد وتقوية الإبداع والابتكار الخلّاق [26].

ب- ظاهرة الاستعمار: المنشأ والمسار والدوافع
يتطرّق محمود كيشانه (باحثٌ في الفلسفة، ومحاضرٌ بجامعة القاهرة) من خلال بحثه عن الأسباب التي جعلت من الشرق الإسلامي هدفًا للاستعمار. فمن وجهة نظر الباحث، هناك عوامل داخلية وخارجية أسهمت في استعمار الشرق الإسلامي[27].

في الأسباب الداخلية:
يعدّ موقع الوطن العربي والإسلامي من العوامل الرئيسة التي دفعت الغرب إلى تنفيذ حملاته الاستعمارية المستمرة؛ إذ يقع الوطن العربي في موقعٍ استراتيجيّ بين قارة أفريقيا وآسيا، ممّا يمنحه القدرة على السيطرة على العديد من المناطق الحيوية في العالم. هذه المناطق تُعدّ نقاط التقاء للعديد من الدول والقارات، حيث يسيطر الوطن العربي على مضيقي باب المندب وهرمز، بالإضافة إلى قناة السويس كأحد الممرات المائية المهمة. كما يطلّ على البحر المتوسط والبحر الأحمر، ويحده المحيطان الأطلسي والهندي، فضلًا عن الخليج العربي وخليج العقبة وغيرها. تُعدّ هذه المواقع محطاتٍ حيويةً للمواصلات العالمية؛ ممّا جعل عيون الاستعمار الغربي تتجه نحو العالم العربي والإسلامي.

استغلّت الدول الغربية ضعف الدولة العثمانية، وهذا ما جعل تلك الدول يسابق بعضها بعضًا من أجل تقاسم النفوذ بينها.
إنّ أحد أسباب اندفاع الغرب لاحتلال بلاد الشرق الإسلامي هو خوفه من قيام أمةٍ إسلاميةٍ متّحدةٍ تمنعه من تحقيق أهدافه[28].

في الأسباب الخارجيّة:
تسارع الدول الغربية لاحتلال الشرق، لإظهار قوتها على الساحة الدولية. وجدت هذه الدول فرصةً سانحةً للاستيلاء على ثروات الشرق، وكأنّها فريسةٌ سهلةٌ بين مجموعةٍ من الوحوش المفترسة.
محاولة اصطناع مركزيةٍ غربيةٍ من خلال التحكّم في القرارات الدولية بما يتماشى مع مصالحها، وقلب الوضع القائم على الساحة العالمية، والقيام بمراجعة علاقات القوى بين دولتين وأكثر في سبيل الوصول إلى تفوّقٍ محلّي أو من أجل فرض هيمنةٍ عالمية. وهذا ما يحدث مع الدول التي تملك شهوة القوّة حسب رأي العالم الأميركي هانس مورغانتو في تفسيره لمعنى الإمبرياليّة هي الرّغبة في تحسين وضعها بشكلٍ مستمرٍ دون الاقتناع بالوضع القائم. لذا يُعدّ الاستعمار الغربي وسيلةً قاسيةً تهدف إلى تحقيق هيمنته العالمية على المستويات العسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية[29].
تُعدّ الأسباب الاقتصادية أيضًا من الأسباب التي دفعت الدول الغربية إلى استعمار البلاد الضعيفة، فمرحلة الاستعمار الحقيقية أتت بعد الثورة الصناعية في أوروبا في القرن التاسع عشر والعشرين. ارتبطت الثورة الصناعية في أوروبا بالاستعمار، حيث لم تكن تملك أوروبا من المواد الخام إلاّ قليلًا؛ لذا توجّهت نحو الشرق واحتلت مناطق متنوعة، ممّا أتاح لها الحصول على المواد الخام التي أسهمت في ازدهار صناعتها. ثم قامت بإعادة تصدير هذه المنتجات إلى تلك البلدان لبيعها، ممّا جعل العالم الإسلامي يمثّل لها مصدرًا للمواد الخام، وسوقًا تجاريًا في الوقت ذاته[30] .
يخلص الباحث في نهاية المطاف إلى أنّ الاستعمار لم يكن استعمارًا، بل كان احتلالًا بكلّ ما للكلمة من معنى، فالعديد من المصطلحات تدلّ على مدلول الاستعمار كاحتلال واستدمار وغيرهما من المصطلحات التي تحمل في داخلها أسبابه ودوافعه الخبيثة. فالاستعمار لا يعني الإعمار، بل هو استدمار بمعنى تدمير الشعوب المحتلة والقضاء على ثرواتها ومواردها[31].

ج- الاستعمار والوطنية: تغييب الهويّة وإعادة تشكيل الوعي
يعالج الباحث المصري (غيضان السيد علي) في هذا المقال موضوع الوطنية والاستعمار، ويسعى الأخير إلى تشويه ومحو هوية السكان الأصليين؛ وذلك لأجل إحلال هويته والسيطرة على البلد المستعمَر بكلّ مفاصله الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. يقدّم أليكس ميكشيللي مفهوم الهوية في مقدمة كتابه حول (الهوية)، على أنّه أداةٌ تُستخدم في مجال العلوم الإنسانية، حيث يُعدّ مفهومًا شاملًا على نحوٍ متزايدٍ وفقًا لدلالاتٍ مجازيةٍ بالغة التنوع[32]. بحسب (السيد علي) إنّ الهوية تمثّل شيئًا أصيلًا في الوجود الإنساني، ومن يفقد هويته يصبح أداةً سهلةً وطيّعةً بيد من يقوده. تتكون الهوية بحسب الرؤية الكلاسيكية من ثلاث ركائز كبرى: اللغة، والدين، والثقافة. وتعدّ هذه الركائز الأكثر أهميةً لمفهوم الهوية من جهة، والأكثر تعرّضًا لهجمات المستعمِر من جهةٍ أخرى.

- الاستعمار واللغة
كان الهدف الرئيس للدول الاستعمارية هو القضاء على هوية البلدان المستعمَرة من خلال إلغاء لغاتها الأصلية واستبدالها بلغة الدولة المستعمِرة. وقد سعت بريطانيا إلى ذلك في مصر، وإيطاليا في ليبيا، وفرنسا في تونس والجزائر، وإسبانيا في بعض مناطق المغرب. ولولا جهود التعريب التي بذلها المخلصون من أبناء الأمة العربية لمواجهة (الفرنسة، والإنجلزة)، لكانت الهوية قد فقدت أساسها. ومع ذلك، نجح المستعمِر في في طمس الهوية في بعض الدول، كما فعلت بريطانيا في جنوب افريقيا وغينيا الاستوائية ونيجيريا والهند، أو فرنسا في دول الغرب الأفريقي، وأسبانيا في الفلبين، وهولندا في أندونيسيا. وإلى اليوم، يحرص الأوروبيون على فتح جامعات بهدف نشر ثقافاتهم ولغاتهم. وفي عصرنا هذا، أصبح من يتكلّم بلغاتهم يشعر بأنّه من الطبقة (المثقّفة) النخبويّة.

- الاستعمار والدين
يُعدّ الدين هويةً بارزةً للشرقيين منذ عصر الفتوحات الإسلامية، وقد أصبح معيارًا للتفريق بين الناس، حيث لا يُميّز عربي عن أعجمي إلّا بالتقوى. لقد سعى المستعمِر جاهدًا إلى إفساد الدين، الذي يعدّ مصدر وحدة الفكر والمشاعر بين أفراد الشعوب المستعمَرة ومجتمعاتها؛ لذا، كان حريصًا على تدمير كلّ ما يسهم في الحفاظ على الوحدة أو التواصل، وذلك من قمع أيّ قوةٍ تعارضه، ومنع تلك القوى من الاتحاد تحت رايةٍ مؤثّرةٍ كراية الاسلام. ولم يكن أكثر فعاليةً من الدين لكبح جماح المستعمِر، فالدين هو الذي يحثّ على مقاومة الاحتلال حتى يتحقّق النصر أو الشهادة. لذلك كان المستعمِر ينظر بعدائية للإسلام؛ لأنّه القوة الدافعة للمسلمين لمقارعة المستعمِرين.

دأب المستعمِرون على تشويه الإسلام من خلال التحريف والتفسير بما يتماشى مع مصالحهم، وخاصّةً الآيات والروايات التي تدعو إلى الجهاد؛ لما لها من خطورةٍ على أطماعهم الاستعمارية. بالإضافة إلى ذلك، سعت حملاتهم الدعائية إلى تعزيز فكرة أنّ التخلّف في المجتمعات الإسلامية ناتجٌ عن اتّباع الإسلام كنمط حياة.

وحتى الوقت الراهن، يتعرّض الإسلام لحملات تشويهٍ منظّمةٍ، إذ يُنكر دوره في بناء الحضارات. ويعدّ بعضهم أنّ الحضارة الإسلامية العربية ليست سوى تجميع لمفاهيم مستمدّة من اليونان والفرس والروم والهند. ووصفوا الاسلام بأنّه دينٌ اتّكاليّ؛ لأنّه محكوم بعقيدة القضاء والقدر، وأنّه يعمل على بثّ العداوات بين الشعوب، وغالبا ما يربطون أيّ حدثٍ عنفي بالإسلام.

- الاستعمار والثقافة
تُعدّ الثقافة جزءًا أساسيًّا من الهوية، وترتبط أيّ أمّةٍ بثقافتها الخاصة. وفي البلاد الاسلامية تستند الهوية الإسلامية إلى الثقافة الإسلامية التي تجمع المسلمين معًا، بغض النظر عن تنوّع لغاتهم وجنسياتهم وأعراقهم. وتشمل هذه الثقافة جميع الآداب والفنون والعلوم التي تتشكّل نتيجةً للظروف التاريخية والحضارية للأمة.

يرى الباحث المصري (السيد علي) أنّ الاستعمار يعدّ الثقافة الإسلامية بمنزلة الحاضن الرئيس الذي يعكس الهوية الوطنية لجميع الشعوب الإسلامية، إذ تستند هذه العقلية إلى النصوص الدينية، سواء كانت من القرآن الكريم أم من السنّة النبويّة؛ لذا، سعى الاستعمار إلى تغيير هذه العقلية والقضاء على الثقافة المرتبطة بالتراث، معتقدًا أنّ تغيير هذه الثقافة هو الهدف الأسمى والأمل المنشود. ويأتي ذلك في ظلّ ارتباط هذه الثقافة باللغة العربية والدين الإسلامي، ممّا جعلها تتعرض لهجومٍ استعماريّ مكثّف.
يعتقد المستعمر أنّ تغيير الثقافة في البلاد الاسلامية يرتبط بنحوٍ أساس بوضع مناهج تعليميةٍ بديلةٍ للمناهج التعليمية المستقاة من روح الاسلام. فمن خلال إرسال بعثاته وتخريجه لأجيالٍ جديدةٍ تتماشى مع مفاهيمه، يمهد لنفسه في التغلغل في دوائر صنع القرار في معظم العالم الاسلامي. وفي هذا السياق، يقول الدكتور أنور الجندي: إنّ «الأحداث المتلاحقة تكشف يوميًا عن خفايا المدارس والمعاهد والجامعات الأجنبية المنتشرة في العالم الإسلامي، ودورها الفاعل في عملية الغزو الثقافي. ومن حين لآخر، يتمّ الإعلان عن وجود كتبٍ تُدرَّس فيها دعوات تبشيرية أو تشكيكية في القرآن والسنة». إلى جانب ذلك، سعى النفوذ الاستعماري إلى «إضعاف المعاهد الإسلامية الكبرى مثل الأزهر والقرويين والزيتونة ومعاهد النجف، حيث أنشأ نظامًا مستقلًا يتميز بطابعه الغربي. وقد أدّى ذلك إلى خلق تنافسٍ وصراعٍ بين المتعلمين، وجعل من مدارسه ومعاهده الطريق نحو المناصب والنفوذ والثروة، بينما أبقى خريجي المعاهد الإسلامية في مرتبة أدنى». علاوةً على ذلك، دأب المستعمِر من خلال فلسفته ونظرته للمرأة الشرقية على الترويج لمقولة تحرير المرأة وجعلها ندًّا للرجل، وعلى هذا النحو يُلغى التمايز الطبيعي بين الرجل والمرأة. وانطلاقًا من هذه الرؤى، تتحوّل هذه المرأة كما يقول محمد عمارة إلى «غانية رومانسية أو مسترجلة اسبرطية، أو صورة غلاف، وإعلان سلعة رأسمالية أو جارية مملوكية»[33].

د- من الهيمنة الاستعمارية إلى النهضة المنشودة: قراءة في مشروع الأفغاني الفكري
يحاول مصطفى النشار، الباحث الجامعي والمفكر المصري تسليط الضوء على المفكّر الاسلامي جمال الدين الأفغاني في إطار مواجهة الاستعمار واستنهاض بلاد الشرق الاسلامي وغير الاسلامي. بالنسبة إلى معظم الباحثين، لا ينحصر مصطلح الشرق عند جمال الدين الأفغاني بالمسلمين، بل يتعدّاه إلى غير المسلمين؛ لأنّه كان يدرك أنّ بلاد الشرق يقطنها أيضًا المسيحيون واليهود وأصحاب الديانات الوثنية. كان جمال الدين الأفغاني من المقاومين الأوائل للاستعمار من خلال حركته الفكرية والعلمية المناهضة للاحتلال[34].
من جملة ما تطرّق إليه الأفغاني قضية تخلّف بلاد الشرق وكيفية النهوض بها، إذ تحدّث عن أسبابٍ كثيرةٍ فمنها ما هو خارجي ومنها ما داخلي، ويمكن تلخيص الأسباب والحلول على النحو التالي:

- من «الإحساس بالدونية» إلى الإحساس بالحميّة والقوة:
أدرك الأفغاني أنّ أحد أشد المشاعر تأثيرًا على الإنسان الشرقي هو الإحساس بالدونيّة التي يشعر به عندما يقارن تخلّفه وتدهور أوضاعه بتقدّم الغرب وما يتمتع به أفراده من سعادةٍ ورفاهية. لاحظ الأفغاني أنّ العقلية الشرقية تقدّس كلّ ما هو أجنبيّ وتحتقر كلّ ما هو وطني، وهنا تكمن الخطورة، إلاّ أنّ علاجها يكون بالرجوع إلى الماضي لمعالجة الحاضر. فالحلّ هو اللجوء إلى «القواعد الدينية، لإرشاد العامة بالمواعظ الوافية وتهذيب الأخلاق وإيقاد نار الغيرة وجمع الكلمة وبيع الأرواح لشرف الأمة، ولا سبيل لليأس والقنوط»[35].

- من التقليد الأعمى للغربيين إلى العودة إلى الأصول الدينية الحقة:
تُعدّ عادة التقليد لكلّ ما هو غربي عند الأفغاني من العوامل الأساسيّة المساهمة في شيوع التخلّف لدى بلاد الشرق. ولا يرى الأفغاني بأنّ هناك مشكلةً بالتقليد النافع، فقد قال: «إن تقليد النافع الذي ثبتت منفعته أولى من التقيد بمألوف ثبتت مضرته». ويؤكد على ذلك، من خلاله احترامه للتجربة اليابانية والتي قيّمها بقوله: «الفوز بالتقليد النافع وجلب المفيد اللازم من العلوم والفنون والصنائع فبرزت بين صفوف الدول العظام دولة شرقية لها من بأسها منعة، ومن علمها واتحادها قوة تخشى، وحدٌّ يُتَّقى، والناس أبناء ما يحسنون ولله في خلقه شؤون».

وفي مقابل التقليد النافع، يوجد التقليد الضارّ الذي يضيع الفرص على المبدعين، نظرًا لأنّ المقلّد هو البوابة الرئيسة التي يعبر منها الغازي والمستعمر إلى الأمم التي غلب على أبنائها التقليد، وعزّ عليها الابداع. بل إنّ المقلدين يحوّلون أنفسهم وغيرهم من أبناء وطنهم إلى مجرد مسوخٍ تقلد المظاهر، وتقف عند حدود الضارّ دون استجلاب النافع.
إلى حانب التقليد النافع، هناك التقليد الأجوف الذي يعيق فرص المبدعين، والذي يُعدّ البوابة الأساسية التي يتسلل منها الغازي والمستعمِر إلى الأمم التي سيطر عليها التقليد، وأصبح الإبداع فيها نادرًا، بل إنّ المقلّدين يحوّلون أنفسهم وغيرهم من أبناء وطنهم إلى مجرد نسخٍ خاويةٍ تكرر المظاهر، وتكتفي بما هو ضارّ دون أنْ تسعى لجلب ما هو نافع.
يعتقد الأفغاني أنّ هذا الطريق يتطلب إصلاحًا دينيًا شاملًا وضروريًا، حيث يرى أنّ على المسلمين أنْ تبني النهضة والتقدّم على الاسس الدينية والقرآنية، وإلاّ فلن يكون هناك فائدةٌ من ذلك، ولن تستطيع الأمة من التخلّص من وصمة الانحطاط.

-من الفرقة واستبداد الحكام إلى الوحدة والحكم بالعدل والشورى:
من أبرز النتائج التي توصّل إليها الأفغاني في تحليله لأسباب تخلّف الشعوب الشرقية وضعف فاعليتها، هو وجود الفرقة والانقسام إلى طوائف ومذاهب متعدّدة، ممّا يؤدي إلى صراعاتٍ بين دولهم واستبداد حكّامهم. يعود هذا الانقسام من وجهة نظر الأفغاني إلى عدم الارتكاز إلى الاسلام المحمّدي الأصيل. ويتحمّل المسؤولية في ذلك هو تقصير العلماء في الدعوة إلى الاسلام الصحيح الذي لا يفرّق بين المؤمنين إلّا بالتقوى وينهاهم عن الفرقة والانقسام، كما ألقى اللوم على الحكام الذين لم يحكموا بما أنزل الله ولم يحرصوا على إشاعة العدل والرحمة، بل غلّبوا مصالحهم الشخصية الأنانية على مصلحة الشعوب[36].

كان الأفغاني من الأوائل الذين نادوا بالوحدة الاسلامية، فقد عمل على وحدة الأمة وعزّتها، وأسّس (جمعية عروة الوثقى) مع تلميذه محمد عبده لتكون لسان حال الشرقيين في توضيح هذه الأهداف، والعمل بموجبها والدعوة إلى تحقيقها. إنّ الوحدة والسيادة هما عنصران أساسيان لأيّ أمةٍ تسعى إلى النهوض والتميز. ويحثّ الدين على ضرورة تلازمهما، كما تفرضهما الحاجة الملحة. ويسهم التعليم والتربية في تعزيز الإيمان بهما في نفوس الأفراد[37].

هـ - ظاهرة الاستعمار: بين الفكر الإسلامي والفكر العلماني
يتناول الباحث المصري (ماهر عبد المحسن) في هذه الدراسة ظاهرة الاستعمار من منظور الفكر الإسلامي والعلماني، بهدف تسليط الضوء على كيفية معالجة كلٍّ من الإسلاميين والعلمانيين لهذه الظاهرة.
قسّم الباحث بحثه إلى مبحثين، إذ تناول بدايةً ظاهرة الاستعمار في الفكر الاسلامي، ثم تناولها من المنظور العلماني.
ظاهرة الاستعمار في الفكر الاسلامي

يرى الكتّاب الإسلاميون أنّ هناك علاقةً وثيقةً بين الاستعمار والإسلام، إذ يعدّون الاستعمار بمنزلة استمرار للحروب الصليبية. ويعتقدون أنّ هدفه الأساس هو القضاء على الإسلام، وفرض السيطرة على الدول الإسلامية.

من منظور الباحثين الإسلاميين مثل أنور الجندي، إنّ الاستعمار عمل على السيطرة على مجالات التعليم والثقافة والصحافة بهدف تشويه المفهوم الإسلامي وإفراغه من محتواه. وقد أدّى ذلك إلى تصوير الإسلام كدينٍ يقتصر على العبادة فقط، من دون أنْ يكون له أيّ ارتباطٍ بالنظم السياسية والاقتصادية والقانونية. وبالتالي، تم فرض القوانين الوضعية بدلًا من الشريعة الإسلامية، والأنظمة الربوية بدلًا من الاقتصاد الإسلامي، والنظام الديمقراطي الليبرالي بدلًا من نظام الشورى. وإلى جانب ذلك، قام الاستعمار ببثّ الفرقة بين المسلمين، وحاول تقييد اللغة العربية، وسعى إلى تأسيس الاصطفافات السياسية والطائفية والقبلية. ويمكن عدّ تاريخ العالم الإسلامي كحركةٍ تتأرجح بين الوحدة والانقسام، ثم تعود مرةً أخرى إلى الوحدة. من هذا المنطلق، يمكن تحليل هذه الدراسة وفهم الظاهرة الاستعمارية كما يراها الجندي.
ويرى أنّ التاريخ الإسلامي هو تاريخ صعود وهبوط، ثم صعود، والصعود يرتبط بالوحدة، بينما يرتبط الهبوط بالفرقة، والذي يحرّك هذا التاريخ هو جدل الصراع بين القوى التي تعمل على لمِّ الشمل، وتلك التي تعمل على الفرقة والتشرذم. ويُعدّ الإسلام ركيزةً للتلاحم، حيث يتجلّى ذلك في الروابط التي تنشأ من العقيدة الإسلامية والفكر والثقافة. كما أنّه يمثل نظامًا اجتماعيًا متكاملًا يستند إلى هذه العقيدة، ويعتمد منهجًا إنسانيًا شاملًا ينظم العلاقات بين الأفراد والجماعات، وكذلك بين الشعوب والمجتمعات والدول.

ومن هنا، أضحى العالم الإسلامي هدفًا للدول الغربية الاستعمارية، كما تعرّض لمحاولات التفرقة والتفكيك. ويتجلّى ذلك بوضوح في العصر الحديث، حيث لم يمضِ وقتٌ طويلٌ على استيقاظ العالم الإسلامي لتجديد حياته واستعادة قواه، حتى واجه الغزو الاستعماري الذي تمثّل في حركة تطويقٍ واسعة النطاق.
يبدأ الجندي في تقديم مفهوم الوحدة الإسلامية كوسيلةٍ لمواجهة الاستعمار الغربي من خلال فكرة الخلافة، التي يعدّها الأساس الذي يجب أنْ تستند إليه أيّ حركةٍ إسلاميةٍ تسعى إلى التوحّد ورفض الفرقة والانقسام. فالخلافة، وفقًا للاصطلاح الفقهي الإسلامي، تمثّل الأمانة العظمى وإمارة المسلمين، حيث تعني في جوهرها الولاية العامة على شؤون المسلمين، سواء كانت دينية أم دنيوية.

ومن ناحية أخرى، يتناول المفكر الإسلامي الشيخ الغزالي في كتابه (الاستعمار أحقاد وأطماع) ظاهرة الاستعمار من منظور تحليل النفس البشرية، بدلًا من التركيز على القضايا المادية الخارجية. ويرى أنّ الدافع النفسي الداخلي هو القوّة المحرّكة للسلوك الخارجي، ومن خلاله يمكن فهم وتفسير الأفعال التي يقوم بها المستعمِر تجاه الآخرين. وبعبارةٍ أخرى، يعتمد (الغزالي) على البعد النفسي في دراسته سواء على المستوى الذات أم على مستوى الآخر. وينظر إلى الاستعمار على أنّه غزواتٌ صليبيةٌ جديدة؛ إذ لم يتغيّر هدفه الأساس رغم تغيّر الوسائل في بعض الأحيان. ومع ذلك، لا يُنظر إلى الاستعمار كظاهرةٍ دينيةٍ حقيقية، بل كـأطماعٍ سياسيةٍ ترتدي لبوس الدين.

يتماهى الغزالي مع الجندي ومع العديد من المفكرين الإسلاميين، إذ يتبنى موقفًا معارضًا للفكر العلماني، الذي يعدّه نتاجًا للغزو الفكري الاستعماري. ويرى أنّ المفكّرين العلمانيين هم عملاء وأدوات يستخدمها الغرب الاستعماري لتحقيق أهدافه، بل إنّه يصف عملية التفاعل الفكري بين العرب والأوروبيين بأنّها تشبه (البغالة). وينتقد مفكّري الأمة الذين وقعوا في فخ الاستعمار الغربي وأصبحوا أدوات تنفّذ أوامره وتحقّق طموحاته التي عجز عن تحقيقها بالقوة العسكرية؛ لذا، لجأ إلى تحقيقها من خلال القوة الفكرية الناعمة، مستخدمًا أبناءه المهجّنين الذين ينتمون، شكلًا واسمًا، إلى الإسلام والأمة الإسلامية.

- ظاهرة الاستعمار في الفكر العلماني
ثَمّة اختلافٌ في كيفية تناول موضوع الاستعمار بين المنظورين الإسلامي والعلماني. فالمفكّرون العلمانيون مثل مالك بن نبي، وإدوارد سعيد لا يواجهون مشكلةً في التعامل مع الاستعمار الغربي والاستفادة من إنجازاته وخبراته المتراكمة. كما أنّهم لا يعدّون تراث الأنا مقدّسًا يتطلّب الحماية والدفاع عنه، بل قد يتخّذون موقفًا نقديًّا دقيقًا يهدف إلى كشف السلبيات التي تعيق النهضة والتقدم الحضاري.

مالك بن نبي والتحليل الحضاري للشعوب المستعمرة
ناقش مالك بن نبي ظاهرة الاستعمار في كتابه (شروط النهضة)، حيث حرص على توضيح المنهج الذي اتبعه. وقد اتبع في ذلك نهج العلمانيين الذين يستندون إلى أسسٍ علميةٍ ومنهجيةٍ واضحةٍ عند تناول أيّ موضوعٍ.
يحللّ بن نبي العوامل الاستعمارية من خلال نقطتينِ أساسيتينِ محورهما الفرد، فبالنسبة له، «للفرد قيمتان: الأولى خام، طبيعية، والأخرى صناعية، اجتماعية، الأولى موجودة في كلّ فردٍ بحكم تكوينه البيولوجي، وتتمثّل في استعداده الفطري لاستعمال عقله وترابه ووقته، والأخرى التي يكتسبها من وسطه الاجتماعي تتمثّل في الوسائل التي يجدها الفرد في إطاره الاجتماعي لترقية شخصيته وتنمية مواهبها. وهذه الأخيرة هي الوظيفة المنوطة بالهيئة الاجتماعية التي تصنع للإنسان ما يمدّه في رفع مستواه من مدرسةٍ أو مستشفى أو إدارةٍ تسهر على مصلحته».

ومن هذه المقاربة، يقدّم بن نبي شرحه للظاهرة الاستعمارية، فبرأيه أنّ المجتمع الذي يتقاعس عن تنمية أفراده جسديًّا وعقليًّا وروحيًّا، فإنّه سيسهم في جعلهم فريسةً سهلةً للاستعمار. ويرى أنّ الاستعمار هو الذي أيقظ الشعوب العربية والاسلامية، على خلاف ما قاله أنور الجندي والشيخ الغزالي الذين يعزيان الصحوة الاسلامية إلى عوامل ذاتيةٍ مستمدةٍ من طبيعة الاسلام.
في نهاية المطاف، يحثّ (بن نبي) الفرد ويطالبه بتنمية ذاته وقدراته الخاصّة التي هي بمنزلة خطّ الدفاع الأول والأخير ضد التوحّش الاستعماري البغيض والخبيث، الذي يتسلل بنعومةٍ إلى خلايا العرب والمسلمين فيؤثّر في نفوسهم وسلوكهم، بأيديهم هم أنفسهم. ويميّز بن نبي بين العرب والمسلمين، ولا يحصر مقاربته للموضوع في الدفاع عن الدين الإسلامي فحسب، بل يسعى إلى هدفٍ أبعد من ذلك وهو نهضة الإنسان العربي بشكلٍ عام، سواء كان مسلمًا أم غير مسلم.

- إدوارد سعيد ودراسة الخطاب الاستعماري
تكمن أهمية إدوارد سعيد في معرفته وتخصّصه الدقيق في الأدب المقارن، كما أنّ إطلاعه على مدارس النقد أسام إلى حدٍّ كبيرٍ في إثراء هذا المجال. لذلك، يُعدّ كتابه (الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق)، من أهم الدراسات في مجال ما بعد الاستعمارية.
يعتقد سعيد أنّ مفهوم (الشرق) أو تصوّره يختلف بين الأوروبيين، الذين يمثّلون الاستعمار التقليدي، والأميركيين، الذين يمثلون الاستعمار الحديث. فبالنسبة للأوروبيين، يُعدّ الشرق جزءًا أساسيًا من الحضارة المادية والثقافة الأوروبية، ويرتبط بحركة الاستشراق التي تعكس هذا الجانب وتمثّله ثقافيًّا وفكريًّا كنوعٍ من الخطاب. ومن هذا المنطلق، يهدف عمل سعيد إلى تحليل هذا الخطاب.
ويعرّف سعيد (الاستشراق)، بأنّه «أسلوب تفكيرٍ يقوم على التمييز الوجودي والمعرفي بين ما يسمّى الشرق وبين ما يُسّمى الغرب»[38]. بتعابير أخرى، إنّ أيّ شخصٍ يعتمد على هذا التمييز بين الشرق والغرب، سواء كان شاعرًا أم روائيًا أم فيلسوفًا، أو من أصحاب النظريات السياسية أو الاقتصادية، يُعدّ جزءًا من الاستشراق.
ويرى (سعيد) أنّ الاستشراق لا يمكن اختزاله في عاملٍ واحد، بل هو نتاج شبكةٍ معقدةٍ من المصالح المتداخلة التي تتفاعل في كلّ مناسبةٍ تتعلّق بالكيان الغريب المعروف باسم (الشرق). كما يشير سعيد في كتابه (الاستشراق)، فإنّ هذا العمل يسعى إلى توضيح كيف أسهمت الثقافة الأوروبية في تعزيز قوتها وهويتها من خلال وضع نفسها في مواجهة الشرق. وبالنسبة إلى سعيد، إنّ الخيال ليس وحده هو الذي خلق صورة الشرق، فالعلاقة بين الغرب والشرق هي علاقة قوةٍ وسيطرة. لذلك، إنّ الاستشراق له كيانه ومؤسّساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمنحه القوة، وقد استثمر في مجال الاستشراق استثماراتٍ كبيرةً حتى أصبح يُعدّ مذهبًا من مذاهب المعرفة لدى الغربيين[39].

ويستعرض (سعيد) الأسباب التي أدّت إلى شيطنة الغرب للشرق العربي والإسلام، ويحدّدها في ثلاثة عوامل رئيسة: الأوّل هو تاريخ التعصّب السائد في الغرب تجاه العرب والإسلام، والذي يظهر بوضوح في تاريخ الاستشراق. أمّا العامل الثاني، فهو الصراع القائم بين العرب والصهيونية الإسرائيلية وتأثيره على اليهود الأميركيين والثقافة المتحرّرة والسكان بشكل عام. وأخيرًا، يتمثّل العامل الثالث في الافتقار شبه التام لأيّ موقفٍ ثقافيّ يسمح للفرد بالتعاطف مع العرب أو الإسلام، أو مناقشة أيّ منهما بشكلٍ غير انفعالي.
ويتبين من خلال كتابات سعيد أنّه لا يتماشى مع الجندي والغزالي في ناحية الدفاع عن الدين ضدّ الاستعمار، بل يقدّم نفسه عروبيًّا وشرقيًّا. ويعزز توجهه اللاديني في الكتاب من خلال قوله: «ولقد تمكّنت من استخدام مشاغلي الإنسانية والسياسية في تحليل ووصف موضوعٍ دنيويّ إلى حدٍّ كبيرٍ، وهو نشأة وتطوير وتدعيم الاستشراق». وقد تمكّن (سعيد) من تسخير الإنجازات المنهجية الغربية في مجال العلوم الإنسانية لفضح الاستشراق، وذلك بالاستناد إلى كتابات فيكو وميشيل فوكو وأنطونيو جرامشي.

ختامًا، يستنتج الباحث المصري (ماهر عبد المحسن) من خلال بحثه أنّ تحليل ظاهرة الاستعمار يتطلّب تقديم مقاربةٍ دنيويةٍ ودينيةٍ على حد سواء، ولو كان هناك اختلافات بالطروحات، فالذي يجمع أكثر ممّا يفرّق وخصوصًا عندما يتعلّق الأمر بمقاومة القهر والظلم الذي يخلّفه الاستعمار.

و- السيطرة كرؤية فلسفية إلى العالم: نحو مقاربة لفهم الظاهرة الاستعمارية عند روجيه غارودي
يعتقد نصرالدين سراي (دكتور في فلسفة القيم والابستمولوجية والعلوم الانسانية) أنّ مسألة استكشاف جذور تشكّل الأفكار يتخطّى من حيث الأهمية دراسة تجلياتها في الواقع. ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو البحث في نشأة فكرة الاستعمار وغزو العالم، حيث تحوّل الغزو إلى رؤيةٍ فلسفيةٍ للعالم، سواء كان ذلك بهدف تأكيد الأنا الغربية وتمركزها، أم لإرضاء أنانيتها وإبراز تفوقها العرقي[40].
كان الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي من أبرز المفكّرين الذين تناولوا فكرة الغزو بتحليلٍ عميقٍ ومناقشةٍ شاملة، حيث سعى إلى استكشاف جذورها في العقلية الأوروبية الحديثة. وقد أرجع جارودي نشوء هذه الفكرة إلى الفيلسوف الفرنسي ديكارت، الذي عدّه مؤسس الاستعمار الغربي، وذلك بسبب رؤيته للعالم التي سعى إلى ترسيخها. هذه الرؤية تركزت على تحديد موقف الإنسان من العالم، الذي عدّه في حالة صراعٍ مع الطبيعة، ممّا أدّى إلى تطوّر الفكرة في العقلية الغربية نحو مزيدٍ من السيطرة على عالم الإنسان وغزو الإنسان للإنسان.
حاول جارودي أنْ يبحث في الذرائع التي تمّ استخدامها لتبرير الاستعمار في مختلف أنحاء العالم، وعدّها حججًا زائفةً تعكس رؤيةً فلسفيةً مسبقةً تؤيّد غزو العالم. يعالج نصر الدين سراي من خلال مقاله «السيطرة كرؤية فلسفية للعالم» بالإجابة عن السؤال التالي: كيف تشكّلت فكرة غزو واستعمار العالم من منظور روجيه جارودي؟

أراد ديكارت أنْ يجعل المرجعيّة للذات العارفة، من خلال اعتمادها العقل في فهم الوجود، والتعاطي مع العالم الذي نحيا فيه؛ وسيكون الإنسان الجديد الذي حدّده ديكارت، معتمدًا فقط على ذاته وقدراته العقلية ولا يركن إلّا إلى هذه المرجعية. هذا المبدأ الذي أرساه ديكارت، حيث جعل من الغزو والسيطرة هدفًا للذات العارفة. هذه الذات التي تسعى إلى الهيمنة على العالم من خلال الثقة واليقين والثبات الذي لا يمكن أنْ يتخلله الشكّ والوهم في معارفها المستلهمة من ذاتها [41].

تتحدّد علاقة الإنسان بالطبيعة في النموذج الفكري الغربي من خلال ما أرساه ديكارت، ففي العصر الحديث، «لم تعد الطبيعة تمثّل أساس كلّ نظامٍ اجتماعيّ وأخلاقي، ولم تعد مجرد انعكاسٍ أو مقياسٍ للانسجام الأزلي. بل أصبحت مستودعًا للقوى الإنتاجية التي يتعامل معها البشر ويمنحونها قيمةً من خلال عملٍ مكثّفٍ وفعّالٍ بشكلٍ متزايد. لم يعد الإنسان خاضعًا للطبيعة، بل أصبح في مواجهة معها، ولم يعد يعتبر نفسه جزءًا من عناصرها، بل أصبح سيدًا لها. وهذه هي السمة المميزة للمجتمع الغربي الحديث».
يُمثّل المشروع الفلسفي الديكارتي باختصار تصوّراتٍ فكريةً أثرت بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشرٍ على مدى قرون في نشوء الأزمات العالمية، خصوصًا فيما يتعلّق بالطبيعة التي تمّ استغلالها لصالح الذات الطامعة في السيطرة والغزو. ومن هنا، يرى غارودي أنّ «الواجبات تجاه الطبيعة تتساوى مع الواجبات تجاه الملكية؛ فلا يمكن للأفراد أو الجماعات أنْ يدَّعوا حقّ استنزافها أو تشويهها أو تدمير ثرواتها من أجل إشباع رغباتهم الشخصية. إنّ الطبيعة، كما ورثناها اليوم، قد أُنسِنَت بشكلٍ كبيرٍ بفضل جهود أجيال متعددة؛ لذا لا يمكن عدّها مجرد مستودع ٍغير مُستحسن للثروات من أجل إرضاء شهوات اللحظة».
فالطبيعة مُسخَّرةٌ من الله للإنسان، وليس في علاقة صراع معها، حيث قال الله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الجاثية 13). وهي أمانة والواجب الإنساني أنْ نحافظ على الأمانة، كما وهبت لنا فهي: «ليست ملكًا لمليارات الموتى الذين أخصبوها، بل وأيضًا للمليارات ممّن لم يولدوا بعد، ومن واجبنا أنْ ننقلها وهي أعظم خصبًا وجمالًا ممّا تلقيناها دون الربط بالمستقبل»[42].

يخلص الباحث إلى أنّ «النظرة إلى الطبيعة من منظور الصراع والغزو تشكّل الأساس الذي قامت عليه النزعة الاستعمارية الغربية. فقد تركزت جهود الفكر الحداثي على هدفٍ رئيسٍ هو إخضاع الطبيعة للإنسان، الذي يُعدّ سيدًا، ليصبح هذا السيد أيضًا متحكِّمًا في بقية شعوب العالم المستضعفة. هذه الشعوب ترى أنّ القوة والسيطرة هما القيمة الوحيدة. وقد سعت الرأسمالية لتحقيق هذا الهدف من خلال فصل القيم عن الممارسات الاقتصادية، ممّا أدّى إلى تقليص أهمية الأخلاق في المجال الاقتصادي. وهذا بدوره أسفر عن تفكيك النسيج الاجتماعي والإنساني، وإثارة الصراعات والنزاعات الدولية، خاصةً الاستعمار وغزو العالم الثالث تحت ذرائع متعددة»[43].

ز- العنف وإزالة الاستعمار: قراءة الثورة الجزائرية وفق نظرية فرانز فانون
وفقًا لنظرية فرانز فانون، يسلّط جلة سماعين (باحثٌ متخصّصٌ في العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة) الضوء على الثورة الجزائرية. تقوم نظرية فانون على فكرة مفادها أنّ العنف هو السبيل الوحيد لإزالة الاستعمار، وما أخذ بالقوة لا يستردّ إلّا بالقوّة. بالنسبة إلى فانون، العنف هو أساس هذه الازالة؛ لأنّ الاستعمار هو عنفٌ هائجٌ لا يمكن أنْ يخضع إلاّ لعنفٍ أقوى، وهو الطريق المثلى؛ لأنّ الانسان المستعمر يتحرّر في العنف[44].
«استنتج فانون من خلال تحليله لنفسيّة المجتمع الجزائري الجماعيّة وفهمه لمعاناة الفرد المضطهد والمشوش أنّ جوهر النظام الاستعماري لا يتجلّى في الخطابات والتشريعات أو في جرعاتٍ من الديمقراطية الانتخابية التي يقدمها هذا الحزب أو ذاك، بل يتجسّد في الواقع الفعلي للتعذيب الذي يتعرّض له الفرد. ومن خلال هذا الفرد، استطاع أنْ يعكس آلام المجتمع الجزائري بأسره. وبالتالي، فإنّ «تحليله يستند إلى نتائج الاستعباد، ليس فقط للشعب بل للذوات، وإلى شروط تحريرهم، التي تبدأ أولًا بتحرير الفرد، حيث تمثّل هذه العملية انعتاق الذات من الاستعمار».

في قراءةٍ مختصرةٍ، يخلص الكاتب إلى أنّ أخطر أشكال الاستعمار هو الاستعمار الاستيطاني؛ لأنّه يجتث شعبًا من أرضه ليمنحها لشعب لا يملك فيها الحقّ التاريخي والقانوني، وإنّ التطلّع إلى إيجاد حلولٍ سياسيةٍ لإنهاء هذا الاحتلال أمرٌ غير قابلٍ للتحقق، بل ويمكن أنْ يستفيد الاحتلال من التهدئة الوقت لكي ينتزع أراضي إضافية على غرار ما حصل في فلسطين والجزائر. لذلك إنّ المقاومة هي السبيل الوحيد لإنهاء الاستعمار والتعبير الحقيقي عن إرادة الشعوب الحرّة [45].
ح- قابلية الاستعمار: قراءةٌ مقارنةٌ بين مالك بن نبي وابن خلدون
في هذا المقال تناقش فتيحة شفيري (دكتورة قسم اللغة العربية وآدابها) قابلية الاستعمار في إطار قراءة مقارنة بين مالك بن نبي وابن خلدون.

استنتج المفكران أنّ شعور الإنسان بالنقص يدفعه للبحث عمّن يكمله، ممّا يجعله ينقاد له بنحوٍ غير إرادي، ويخضع لثقافته، ويقبل بها تمامًا. وبالتالي، يمنح الطرف الأقوى صفة الكمال، بينما يرى الطرف الاخر نفسه مغلوبًا وضعيفًا (ابن خلدون، الفصل الثالث والعشرين من مقدمته). ويُؤكد مالك بن نبي ما ذهب إليه الفيلسوف ابن خلدون عن حقيقة النفس البشرية وطبيعتها المجبولة عليها، التي تمنح للطرف القوي استغلال هذا الضَعف ونشر الطاقة السلبية فيها.
وفي السياق نفسه، يُبرز مالك بن نبي ما أشار إليه ابن خلدون بشأن طبيعة النفس البشرية وما تحملها من خصائص فطرية. وعليه «تنبثق من القوة والضعف قوتين غير متساويتين: المستعمَر والمستعمِر. يسعى المستعمِر، الذي يمثّل القوّة الغالبة، إلى نشر ثقافتين. الأولى هي الثقافة المادية، التي تشمل الطعام والملابس والعمران، ممّا يجعل المغلوب يتبع الغالب في مظهره ووسائل تنقله وأسلحته. والثانية هي الثقافة المعنوية، التي تتعلق بأسلوب التفكير والنظرة إلى القضايا الحياتية المختلفة. من جهةٍ أخرى، يؤسّس المستعمَر، الذي يعاني من الطاقة السلبية، ثقافة من التساهل واللامبالاة تجاه هويته وركائزها الأساسية، مثل الدين واللغة والأرض».

لذلك تقول (شفيري)، بأنّ ابن خلدون ومالك بن نبي اهتموا «ببناء الذات بناءً حضاريًّا من خلال دعوتهما إلى استثمار إرادة هذه الذات» وقدرتها الفعلية على امتلاك العصبية وحماية خصوصيتها الثقافية في آن معا، وهذا لا يعني انعزال هذه الذات عن الحضارات القائمة، بل التكيّف بما يحفظ الكرامة والعزّة للأمة. ويمكن القول بأنّ هذين المفكّرين بما لهما من مرجعيةٍ غنية، قدّما خريطة طريقٍ فكريةٍ للشعوب المغلوبة من أجل الخروج من نيّر الاستعمار.

ط - القومية والإرث الاستعماري: الشرق الأوسط وآسيا الوسطى
في قراءةٍ مختصرةٍ، يعالج كلٌّ من الباحثين (خوان ريكاردو إ. كول[46]/ودنيز كانديوتي[47]) إشكالية القوميّة والإرث الاستعماري في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
عندما نتحدث عن القومية والدولة القومية، فإنّنا نشير إلى مجموعةٍ من الممارسات المتغيّرة التي تتسم بالاستطراد والمؤسسيّة، التي تختلف عن المفاهيم الذاتية ما قبل الحداثية والترتيبات السياسية. تتكون الأمة الحديثة من مواطنين يرتبطون ارتباطًا عاطفيًا مع بعضهم البعض، خاصّة أولئك الذين ينتمون إلى المدينة أو البلدة نفسها.

تمتلك الأمة دولةً تدير إقليمًا معينًا، وتسعى إلى تعزيز هويةٍ مشتركةٍ بين جميع المواطنين من خلال التعليم الرسمي، مع التركيز غالبًا على الوحدة اللغوية. وهذا يعكس وحدةً سياسيةً ودبلوماسيةً واقتصادية، مع سيادةٍ خاصّةٍ في جميع هذه المجالات. بالإضافة إلى ذلك، تُعدّ القومية أيديولوجية تُعطي الأمة تاريخًا مُركّبًا وتراثًا ثقافيًّا فريدًا، ومصالح مشتركة تتوقّف عند حدود الدولة القومية. وتشير القومية إلى «القدرة على التماهي مع مجموعةٍ كبيرةٍ من الناس الآخرين، ولكنها تنطوي أيضًا على تشكيل أولئك الناس خارج الأمة بصفتهم (الآخر) بأسلوب قوي». ومن الواضح أنّ هذه الشعوب قد شكّلت هويتها استنادًا إلى مزاعم الأصل المشترك، أو اللغة المشتركة، أو الدين المشترك، أو مجموعة أخرى من القواسم التي كانت تشعر بأنّها تميّزها عن غيرها من الجماعات المماثلة.
إنّ القومية والإرث الاستعماري هما موضوعان متّصلان يعكسان صراعًا مستمرًا بين الهويات الوطنية والتاريخ الاستعماري، بالإضافة إلى تأثير الاستعمار على تشكيل الهويّة القوميّة في العديد من الدول. لقد ظهرت معظم القوميات في الشرق الأوسط مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، ومع ذلك، إنّ الهوية القومية في العديد من الدول العربية، مثل مصر وسوريا، لم تتجذر بنحوٍ حقيقيّ إلّا بدءًا من عام 1920[48] وما بعده، كما يؤكد بعض الباحثين. ونشأت معظم الدول القومية نتيجةً للحدود الاستعمارية التي فرضت من الخارج، والتي لم تكن مرتبطةً بالحدود الإثنية السابقة. وكانت هذه الحدود، في الغالب، سهلة الاختراق ونادرًا ما شكّلت حدودًا فعلية.

إلا أنّ ذلك لا يمنع من استمرارية عملية بناء الأمة بشكلٍ متواصلٍ، ففي جزءٍ كبيرٍ من العالم الجنوبي، تمّ ذلك في إطار الاستعمار وما بعده. ويمكن الاستشهاد بجميع دلالات الهوية الأساسية التي أبرزها مؤيّدو القومية في الخطاب القوي الذي يتجلّى في الظروف الاستعمارية وما بعدها. فالمفاهيم مثل (العرق، واللغة، والدين) غالبًا ما تحمل دلالاتٍ اجتماعيةً تختلف بشكلٍ كبيرٍ بين المستعمِر والمستعمَر، ممّا يتيح لبناة الأمة القوميين الاستناد إليه. وتشير الفترات الاستعمارية وما تلاها إلى أنّ السكّان المحليين المتنوّعين حافظوا على وهم من التجانس النسبيّ في مواجهة الهيمنة الأجنبية، ممّا عزز من التماسك الوطني.

ومع ذلك، في فترة ما بعد الاستعمار، قد يتعرّض هذا الإنجاز الذي حقّق الوحدة للانهيار أحيانًا، ممّا يؤدي إلى تصاعد التحدّيات والنزاعات الداخلية بين المجموعات المتنوعة في الدولة الجديدة. وقد تظهر حركات النضال الانفصالية، كما حدث بين الشماليين والجنوبيين في نيجيريا بعد الاستعمار. كما يمكن أنْ تلجأ مجموعاتٌ أو فئاتٌ مهمّشةٌ إلى الرموز الدينية الوطنية لتحدّي النخب المتحصّنة في فترة ما بعد الاستعمار، مثلما فعلت فئات البازار التي استخدمت إعادة تفسير الخميني للإسلام الشيعي لمواجهة علمنة البرجوازية الكبيرة في إيران خلال فترة الشاه. وقد ظهرت ظواهر مشابهةٌ في دول مثل الهند والجزائر، وإلى حدٍّ ما في أوزبكستان. ويمكن أنْ يكون التراث الوطني متنوعًا بشكلٍ أكبر، ممّا يؤدي إلى إعادة تحديد الحدود بين كافة المكوّنات. فخلال حقبة النضال الهندي ضد الاستعمار من أجل الاستقلال، تمّ الاستشهاد بأمجاد (تاج محل)، حتى من قبل الهندوس بوصفه رمزًا للفخر الوطني الهندي في الماضي. ومع ذلك، شهدنا في الهند المستقلة في التسعينيّات ظهور مجموعاتٍ هندوسيةٍ قويةٍ تدعو إلى هدم هذه المعالم الإسلامية، معتبرة إيّاها بقايا من فترة الهيمنة الأجنبية.

في نهاية المطاف يخلص الباحثان إلى أنّ استمرار تأثير الإرث الاستعماري في تشكيل الهوية الوطنية الحديثة يثير قضايا معقدةً حول الهوية في سياق القومية، التي غالبًا ما تتبنى تصوّرًا نقيًا للأصالة (Nativism). ويتجّلى ذلك بوضوح في استمرار أهميّة اللغة والثقافة الفرنسية بين الطبقات الوسطى والغنية في الجزائر، وكذلك في تأثير اللغة والثقافة الروسية في أوساط الطبقات في آسيا الوسطى.

ي - هيجل وإفريقيا: في نقد ضحالة الوعي الاستعماري
في تحليل للباحث (مونيس بخضرة) الذي يشغل منصب أستاذٍ وباحثٍ في الفلسفة المعاصرة، يتوصّل إلى أنّ الغرب، عبر مؤسساته ومرجعياته الثقافية والفلسفية والدينية، اتّبع استراتيجية تهدف إلى استغلال الشعوب في قدراتهم ومهاراتهم ومواردهم ومنتجاتهم. ويشير إلى أنّ هذه الاستراتيجية لا يمكن أنْ تكون قائمةً دون وجود مخططات سابقة. ومن أبرز هذه المخططات هو الاستعمار والاستغلال والتهميش والاحتكار. وتتم هذه المخططات بوسائل معروفةٍ في الغرب الحديث، حيث يتم تفعيل عنصر القوة لتدمير حضارات الشعوب وطمس معالمها المعنوية والمادية، بالإضافة إلى استغلال عنصر المعرفة والعلوم والتقنية، التي بذل الغرب جهودًا كبيرةً في تطويرها وتوجيهها لتحقيق هذه الأهداف»[49].

يربط (بخضرة) المعرفة بالقوة والسيطرة في فجر العصر الحديث في أوروبا، ويعود هذا إلى التنظير الفلسفي آنذاك، ومن هؤلاء الفلاسفة رينيه ديكارت الفرنسي، الذي أكّد على ضرورة توظيف العلم للسيطرة على الطبيعة، وتصوير بعض الكائنات الحيّة على أنّها مجردّ آلات خالية من الروح. وسار على النحو نفسه الفيلسوف الانجليزي (فرنسيس بيكون) الذي يعتقد أنّ دور المعرفة تكمن في إخضاع الطبيعة لسلطة الإنسان، وهذا ما أدّى في نهاية المطاف إلى سيطرة الانسان على الانسان، وأضحى الأخير عبدًا للأنا والذات. وهذا مهّد الطريق فيما بعد إلى صراعاتٍ واستغلالاتٍ بتأثيرٍ من النظريات العلمية الجديدة أمثال داروين وسبنر في البيولوجيا وهيجل وشبنهاور ونيتشه في الفلسفة، والتي أسهمت في تغذية النزعات الفردية والتطرّفة.

وممّا لا ريب فيه أنّ فلسفة هيجل العنصرية في حقّ الشعوب العالم غير الأوروبية التي قامت على التصنيفات الاقصائية، من خلال حصره للمنجزات العلمية والحضارية في الحضارة الغربية. كما أظهر من خلال كتاباته محاولة إبقاء الشعوب الشرقية والافريقية في مصاف الحيوانية كما ورد في كتابه (العقل في التاريخ)، وكتابه (العالم الشرقي)، حيث نظّر لسمو العرق الجرماني وتفوقه الحضاري، واصفًا إيّاه بالعرق البشري النموذجي.
يخلص (بخضرة) إلى أنّ كتابات هيجل في حق الشعوب الإفريقية والآسيوية كانت الأساس والمرجع لدوائر صُنّاع القرار في أوروبا في ذلك العصر، بل مبررًا مباشرًا للغزو الامبريالي على الشعوب المستضعفة، وذلك بهدف تحضيرها وادماجها في تاريخ الغرب، وتثقيفها بثقافته. وهذه الكتابات منبعها الثقافة اليونانية والرومانية والمسيحية التي تؤمن بفكرة التميز والتفوّق، فضلًا عن التحولات الثقافية والعلمية الكبرى التي عرفتها أوروبا الحديثة، والتي أسهمت بدورها في تغذية هذه الأفكار[50].

------------------------------------
[1]. طالب دكتوراه في العلاقات الدولية، لبنان.
[2]. محمود حيدر، نقد مباني العقل الإمبريالي، مدخل تأسيسي في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار) ج1، ص 14.
[3]. هورفاث ج. رونال، تعريف للاستعمار (قراءة في المعنى والتجربة التاريخية)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار)ج1، 21.
[4]. المصدر السابق، ج1، ص 24.
[5]. هورفاث ج. رونال، تعريف للاستعمار (قراءة في المعنى والتجربة التاريخية)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار)ج1، ص 25.
[6]. المصدر السابق، ج1، ص 25.
[7]. المصدر السابق، ج1، ص 35.
[8]. محمد عبد الرحمن عبد الجواد، مسارات الاستعمار (بحث في المفهوم والتجربة التاريخية) ، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار) ج1، ص 65.
[9]. المصدر السابق، ج1، ص 65.
[10]. محمد عبد الرحمن عبد الجواد، مسارات الاستعمار (بحث في المفهوم والتجربة التاريخية)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار) ج1، ص 66.
[11]. المصدر السابق، ج1، ص 67.
[12]. المصدر السابق، ج1، ص 68.
[13]. محمد عبد الرحمن عبد الجواد، مسارات الاستعمار (بحث في المفهوم والتجربة التاريخية)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار)ج1، ص 74.
[14]. المصدر السابق، ج1، ص 81.
[15]. المصدر السابق، ج1، ص 81.
[16]. سيمون غاليغود غابيلوندو، الفلسفة والاستعمار: رحلة معرفية في أفكار انكاتل ديوبرون ، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار) ج1، ص 104.
[17]. المصدر السابق، ج1، ص 86.
[18]. Legislation orientale, Amesterdam, Marc Michel Rey 1778 (LO) p.171.
[19]. الفلسفة والاستعمار، ص 90.
[20]. الفلسفة والاستعمار، ص100.
[21]. المصدر السابق، ص103.
[22]. إنّها الفكرة التي عبّر عنها بصورة رسمية سابياساشي بهاتاشاريا Sabyasachi Bhattacharya في خطبته الرئاسية الموجزة بمناسبة افتتاح قسم التاريخ الحديث في مؤتمر التاريخ الهندي Indian History Congress سنة 1982 (Bhattacharya 1983).
[23]. أحمد رهدار، الاستعمار المنتشر (نحو نظرية معرفة لفهم زمن الاستعمار) ، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار) ج1، ص 126.
[24]. المصدر السابق، ج1، ص 128.
[25]. أحمد رهدار، الاستعمار المنتشر (نحو نظرية معرفة لفهم زمن الاستعمار)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار)ج1، ص 130.
[26]. المصدر السابق، ج1، ص 134.
[27]. محمود كيشانه، ظاهرة الاستعمار (المنشأ والمسار والدوافع) ، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار) ج1، ص 158.
[28]. المصدر السابق، ج1، ص 159.
[29]. محمود كيشانه، ظاهرة الاستعمار (المنشأ والمسار والدوافع) ، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار) ج1، ص 164.
[30]. المصدر السابق، ج1، ص 169.
[31]. المصدر السابق، ج1، ص 179.
[32]. أليكس ميكشيللي، الهوية، ص 11.
[33]. محمد عمارة، الغزو الفكري وهم أم حقيقة، القاهرة، سلسلة قضايا إسلامية معاصرة، الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، د.ت، ص 260.
[34]. مصطفى النشار، من الهيمنة الاستعمارية الى النهضة المنشودة (قراءة في مشروع الأفغاني الفكري)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار) ج1، ص 204.
[35]. المصدر السابق، ج1، ص 205.
[36]. مصطفى النشار، من الهيمنة الاستعمارية الى النهضة المنشودة (قراءة في مشروع الأفغاني الفكري)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار) ج1، ص 215.
[37]. المصدر السابق، ج1، ص 231.
[38]. إدوارد سعيد، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ت: د. محمد عناني القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع، سنة 2006 م، ص 45.
[39]. المصدر السابق، ص 50.
[40]. نصير الدين بن سراي، السيطرة كرؤية فلسفية الى العالم (نحو مقاربة لفهم الظاهرة الاستعمارية عند روجيه غارودي)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار)ج1، ص 259.
[41]. نصير الدين بن سراي، السيطرة كرؤية فلسفية الى العالم (نحو مقاربة لفهم الظاهرة الاستعمارية عند روجيه غارودي)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار)ج1، ص 260.
[42]. المصدر السابق، ج1، ص 269.
[43]. نصير الدين بن سراي، السيطرة كرؤية فلسفية الى العالم (نحو مقاربة لفهم الظاهرة الاستعمارية عند روجيه غارودي)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار)ج1، ص 278.
[44]. المصدر السابق ج1، ص 279.
[45]. المصدر السابق، ج1، ص 303.
[46]. مؤرّخٌ أميركي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا في جامعة ميشيغتم.
[47]. كاتبةٌ وباحثةٌ تركيةٌ في مجالات العلاقات بين الجنسين وسياسات التنمية، حائزةٌ على درجة الدكتوراه من كلية لندن للاقتصاد.
[48]. Rashid Khalidi, Lisa Anderson, and Reeve S. Simon, ed., The Origins of Arab Nationalism (New York: Columbia University Press, 1991), and James Jankowski and Israel Gershoni, ed., Rethinking Nationalismin the Arab Middle East, New York: Columbia University Press, 1997.
[49]. مونيس بخضرة، هيجل وإفريقيا (في نقد ضحالة الوعي الاستعماري)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار)ج1، ص 344.
[50]. مونيس بخضرة، هيجل وإفريقيا (في نقد ضحالة الوعي الاستعماري)، بحث في كتاب (نحن وأزمنة الاستعمار) ج1، ص 376.