البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ما بعثه المجاهدون الليبيّون إلى المرجعيّة الشيعيّة في النجف الأشرف

الباحث :  رئیس اللجنة الطرابلسية بمصر
اسم المجلة :  الاستعمار
العدد :  2
السنة :  شتاء _ 2025 م
تاريخ إضافة البحث :  January / 13 / 2025
عدد زيارات البحث :  51
تحميل  ( 212.557 KB )
نداءٌ من الأمة الطرابلسيّة إلى العالم الإسلامي تستغيث من فظائع الإيطاليين
إلى العالم الإسلامي، إلى الأمّة الإسلامية، وملوكها وأمرائها، وأرباب الوجاهة فيها.
إلى الزعماء المسلمين، وذوي النفوذ، ومن في قلبه ذرةٌ من الإيمان.
إلى العلماء وطلبة العلم، وإلى كلّ من تجمعه بالإمة الطرابلسية جامعةُ الإسلام وأخوته.
إلى الأمّة العربيّة وقوادها والمفكّرين منها. إلى كلّ من يجري في عروقه دم العروبة الطاهرة.
إلى حماة الإنسانية وإلى كلّ من في قلبه ذرة رحمةٍ، ويحب العدل والإنصاف.
إلى كلّ هؤلاء ترفع الأمة الطرابلسيّة استغاثتها من فظائع الايطاليين وهجمتهم، وتستنهض فيهم الغيرة على الإنسانية المعذّبة والأعراض المنتهكة والدماء المهراقة، وتوقظ فيهم همّة المعتصم وتناديهم بأعلى صوتها: وامعتصماه.

لقد نزل بالأمة الطرابلسيّة منذ عشرين سنة قومٌ لا عهد لهم ولا وفاء، فأنزلوا بها من البلاء ما يذهب العقول ويحير الألباب، وقد دافعت عن دينها وشرفها نحو العشرين سنة حتى أتت على آخر سهمٍ في جعبتها، وسطّر لها التاريخ في صحائفه أحسن ما سطّره لأمةٍ دافعت عن نفسها، وهي اليوم تلفظ نفسها الأخير بعد أنْ تمكّن منها الإيطاليون فجرحوها في عزتها وكرامتها، وضربوا منها ملبس العفة بعصاهم التي لا تحترم الإنسانية ولا الشعور.

وقد انتهزوا غفلة العالم الإسلامي عنها فجاسوا خلال ديارها، ومثّلوا فيها أدوار الفظائع، ما يدلّ على الوحشيّة الأوربيّة، فإنّ تاريخ الإنسانية، بل تاريخ البربرية، بل تاريخ الهمجية لم يسجل إلى الآن أفظع ولا أدنى ولا أوحش ممّا فعله الإيطاليون في طرابلس وبرقة.
فقد بقيت المشانق في طرابلس بين الزاوية، والعزيزية، وغريان، وترهونة، ومصراته، وأرفلة، وسرت، وجدابية، وبنغازي، وفزان، والكفرة عشرة أعوام، وهم كلّما احتلوا ناحيةً من هذه النواحي نصبوا فيها المشانق، وساقوا إليها الناس جماعاتٍ، وأطلقوا الجنود في البلاد يقتلون ويهتكون، فلا يبقون على شيخٍ فانٍ، ولا على عاجزٍ مقعد، وكأنّي بالحرائر وهنّ يلقين بأنفسهم في الآبار تقديمًا للموت على ما يراد بهن. وما دخلوا قريةً إلّا أحرقوها واستباحوها. وزجّوا بالناس في أعماق السجون حتى ملئت. واغتصبوا الأراضي وأعطوها للمستعمرين الإيطاليين. ومدوا أيديهم إلى ما في أعناق النساء من حلي فنهبوه، وكانوا إذا اخذوا رجلًا إلى السجن أخذوا جميع ما في بيته من متاع، بل لم يكتفوا بهذا فأخذوا النساء وسجنوهن، والأمر الذي لم يعرف عند أيّ أمةٍ متوحشة، ولم يسجنوا من النساء إلّا كريمات العقائل اللاتي لم يخطين في حياتهن خطوةً خارج بيوتهن.

أيّها المسلمون: إخوانكم، إخوانكم، قد طحنهم الاستعمار بكلكله، واعتزم الإيطاليون أفناءهم، فاستباحوا منهم كلّ محرم، وقصدوا إلى موضع العزة منهم فداسوه بنعالهم، وعملوا على إبادتهم بكلّ وسيلةٍ ليحلوا محلّ الجنس العربي جنسًا ايطاليًا. فلم يتركوا قتلًا ولا شنقًا ولا تمثيلًا ولا هتكًا إلّا ارتكبوه وسط هتاف الجنود وتصفيقهم. وقد مرَّ بعض جنودهم بجماعةٍ من الضعفاء نحو العشرين يحصدون زرعًا لهم بقرب أجدابية فما هو إلّا أنْ عملوا فيهم الرصاص حتى أبادوهم عن آخراهم.
أيّها المسلمون: دونكم هذه الأمة العريقة في الإسلام، العريقة في العربية، قد استأصل الإيطاليون شأفتها، واستعملوا معها سياسة الإبادة والمحو؛ فسلّطوا عليها براكين الأرض وصواعق السماء، وإنّ أخوانكم ليرمون من الطيارات كما ترمى أعقاب اللفافات، فقد فعلوا هذا مع الشيخ سعد الفائدي من قبلة الفوائد، فشدّوا وثاقه هو و 15 شخصًا من رفقائه وحملوهم في الطيارات وألقوا بهم إلى الأرض واحدًا بعد واحد، وكلّما وقع واحدٌ منهم إلى الأرض صفّق الجنود والضباط وقهقهوا ساخرين منه، وهم ينادون بأعلى أصواتهم: فليأتِ محمدٌ ذلك البدوي نبيّكم الذي أغراكم بالجهاد ويخلّصهم من أيدينا.

أيّها المسلم: إنّ أخاك في طرابلس غريبٌ في وطنه، وفي بيته بين أهله وذويه، ففي بنغازي لا يسمح له بركوب السيارات إلى جنب إيطالي مهما كان شأنه. ومهما كان الإيطالي سائقًا أو كنّاسًا أو غير ذلك، وكثيرًا ما أنزلوه بحجة أنّه لا يصح أنْ يركب إلى جنب الأيطالي، ولا يسمح له أنْ يدخل إلى سوق الخضروات ويشتري ما تتوق إليه نفسه من الفواكه إلّا بعد أنْ يشتري الإيطاليون حاجتهم، ويختارون من الفواكه ناضجها وأحلاها. وإنّ الطرابلسي ليتحاشا المرور في الطرقات خوفَ أنْ يتحرّش به الإيطاليون فيهينوه أو يقتلوه.
ولما أرادوا أنْ يغتصبوا أرض الجبل الأخضر من أيدي أهلها - وكانوا نحو الثمانين ألفًا - أجلوهم عنها إلى أرض سرت، وهي أرضٌ قاحلةٌ ضيّقةٌ لا تتسع لمرعى حيواناتهم، وحصروهم في منطقةٍ منها لا يتعدونها، فصارت مواشيهم تموت من الجوع والعطش حتى فنيت، ومات أكثر هؤلاء المساكين جوعًا، ومن بقي منهم يعاني الآن آلامًا تذوب لها الصخور. وكانوا وهم في طريق انتقالهم تنزل بهم الجنود الإيطالية أنواع الإهانة، ونهبوا كلّ ما على نسائهم من حلي، ومن أعياه التعب منهم كان الايطاليون يضربونه بالرصاص ويتركونه يتخبط في دمه.

وقد ذكر لنا (كنود هليموا) الدانمركي لمّا مرّ بمصر بعد سياحته في طرابلس وبرقة: أنّه مرّ بعشرين عربيًّا يرسفون في قيودهم، ويساقون إلى المشتقة بدون أنْ يُحكم عليهم من محكمة، وإنّما هي إرادة ضابطٍ فقط لا يشاركه في رأيه أحد، وكانوا يسألون كلّ واحدٍ منهم قبل إعدامه ماذا تريد؟ فقال أحدهم أريد ألّا أشنق حتى أعيش وأخدم وطني: وقد شُنقوا كلّهم بين سخرية الجنود وقهقهتهم. وقد نشرت جريدة الضياء يوم ١٦ ذي القعدة سنة ١٣٤٩ أنّه عثر على ١٤ جثة من العرب الطرابلسيين مصفّدين في سلسلةٍ واحدةٍ قذف بهم البحر على جهة النجيلة بالأراضي المصرية بالقرب من مرسى مطروح.
أيّها المسلم: هذه صورةٌ مصغّرةٌ ممّا عليه أخوانك في طرابلس، وإنّهم ليستغيثون بك في ما نزل بهم، فلترفع ظلامتهم إلى ملوك الإسلام وأمراء المسلمين، ولتؤذن في الناس بنصرتهم، فإنّ أعظم ما أصيب به المسلمون قعودهم عن التناصر، وتركهم المستعمرين ينخرون في عظامهم حتى قطعوا أوصالهم، وباعدوا بين أسفارهم، وازدردوهم لقمةً بعد دفع لقمةٍ فما وجدوا صعوبةً في هضم هذه اللقم المتفرقة.

أيّها المسلمون: إنّ آخر نقطةٍ احتلّها الايطاليون في طرابلس هي الكفرة، وقد فعلوا فيها ما شاءت لهم همجيتهم أنْ يفعلوه، فقد قتلوا الشيوخ وبقروا بطون النساء، ومثّلوا بالعائلات، وشنّعوا بها، وهتكوا أعراضها، وجعلوا زاوية السنوسي المسماة بالتاج خّمارةً سكروا فيها وشربوا نخب إفناء الطرابلسيين، وأحرقوا جميع ما فيها من الكتب والمصاحف وداسوها بسنابك خيلهم. وممّن قتلوا من الأعيان الشيخ محمد أبو شنّه؛ والشيخ حامد الهامة، والشيخ غيث أبو قنديل، والشيخ محمد أبو يونس، والشيخ سليمان الشريف، والشيخ سليمان أبو مطاري، وغيرهم كثيرون. ومن العلماء وحملة القرآن الشيخ عمار الغدامسي قاضي الكفرة، والشيخ عثمان السدح، والشيخ محمد أبو عمر الفضيل، والشيخ حميدة الفضيل، والشيخ محمد الفضيل الزوبي، وأكثرهم قُتل شنقًا.
وقد حدوا من العائلة السنوسية في زواية التاج السيد حسونه ابن السيد على الخطاب هو ومعه بعض نساء العائلة فنقلوه في طيارةٍ إلى بنغازي، وأمسكوا الحريم، ولا يدري ما فعلوا بهم إلّا الله. وقد بدأت الطيارات ترمي قذائفها على البلد حتى هدمت البيوت على النساء والأطفال؛ ثم لمّا دخلوا أسرحوا فيها الخيل والبغال والإبل التي كانت تحمل أمتعة العسكر، حتى لم تبق فيها خضراء، وكلّ هذا قليلٌ في جانب ما هتكوا من أعراض السيدات، ولم يفرّقوا بين صغيرةٍ وكبيرة، ولمّا جاء بعض الشيوخ إلى القائد يرجونه أنْ يضع حدًا لهذه الحالة أمر بقتلهم بدعوى أنّهم خائنون؛ فذبحوهم ذبح الشياه، وقد وجدوا في يد طفلٍ صغيرٍ خرطوشة فكان جزاؤه أنْ ذبحوه، وجمعوا أثاث البيوت وجردوا النساء من كلّ ما وجدوه في أيديهم وآذانهن. وبعد هذا كلّه حجزوا كثيرًا من النساء لمن يقي من جنودهم هناك، هذا محمل ما فعلوه في الكفرة، وقد فعلوا مثله في كلّ بلدٍ احتلوه.

أيّها المسلمون: إنّ الايطاليين لم يكتفوا بما ذكرناه من فظائعهم في طرابلس، بل شرعوا في تنصير إخوانكم، وانتزاع الهداية الإسلامية من قلوبهم، وأجبروهم على اعتناق النصرانية المُثّلثة حتى لا يبقى في طرابلس وبرقة من يقرّ بوحدانية الله ورسالة محمد، فقد أخذوا الأولاد الصغار ممّن سنّه دون ١٤ من بين آبائهم وأمهاتهم ورفعوهم إلى رومة بحجة تعليمهم، والحقيقة أنّهم أخذوهم لأجل تنصيرهم لأن الفاشست يريدون أنْ يطفئوا نور الإسلام من طرابلس وبرقة، أمّا من تجاوز سنه ١٥ سنة إلى ٤٠ سنة، فأدخلوه في الجيش كرهًا.

وقد أرغموا البنات البالغات على التزوّج من جنودهم وضبّاطهم، وساقوا منهم عددًا إلى مواخير الزنا في المدن؛ زيادةً في التنكيل بالمسلمين وإهانتهم، وقد صرّح كثيرٌ من كبرائهم بأنّهم يؤملون تنصير البربر من أهل طرابلس، فإذا تحقق حلمهم هذا فسيرغمون العرب أيضًا على اعتناق المسيحية، وسيصبح شمال أفريقيا مسيحيًّا كلّه، وستُمد أيديهم إلى غيره من الأقطار الاسلامية، وسيبوء المسلمون بخزي الدنيا وعذاب الآخرة.
أيّها المسلمون: إنّ طرابلس لا تزال فيها طائفةٌ بقيادة السيد عمر المختار تقوم بواجب الجهاد في سبيل الله، وقد أحاط بها العدو من الجهات الأربع منذ سنتين، وهي في الجبل الأخضر إلى الجنوب الشرقي من بنغازي، وتبعد على ساحل البحر بنحو خمس ساعاتٍ، وكلما حاول الايطاليون أنْ يقضوا عليها فشلت محاولاتهم، ورجعوا بالخيبة والخذلان، وهم الآن متحصنون في جبلهم لا ينقذ إليهم أحد، وليس عندهم ما يأكلون إلّا ما يغنمونه من الإيطاليين، وهذه الفئة القليلة لو فكّر المسلمون في إعانتها بالمال لانضمّ إليها الكثير ممّن هجروا أوطانهم، وتمكّنوا من الدفاع عن أنفسهم، ولهاجموا الإيطاليين في حصونهم، وأرجعوهم إلى حماية الأسطول، كما كانوا من قبل، وإنّ الفقر ليعمل في تلك البلاد عمله، فمنذ عشر سنين أمسكت السماء غيثها، والأرض نباتها حتى هلك الزرع والضرع.

وليس على المسلمين بعزيز أنْ يجمعوا شيئًا من المال فيعينوا به هذه الطائفة؛ حتى تتمكن من الثبات أمام هذا العدو الطاغية، وبذلك يكونون تداركوا بعض ما أهملوه من واجباتهم، ولولا تخاذل المسلمين لما تشتت شمل الأمة الطرابلسية، وملأ مهاجروها السودان، والجزائر، وتونس، ومصر، والشام، ولما بُتر هذا العضو من جسم المسلمين الذي كان يملأ ما بين الصين والبحر المحيط.

أيّها المسلمون: أما لهذا الأمر من آخر؟ نفوسٌ تُزهق، وحرماتٌ تُنتهك، وأموالٌ تُسلب، وشعوبٌ تُفنى، وأممٌ تستأصل شأفتها، ودينٌ يُهان بعد عزّ، وملايين من الموحّدين يجبرون على اعتناق عقيدة التثليث، ثم لا تغارون ولا تغضبو!!
أيّها المسلمون: سيعمد الإيطاليون إلى تكذيب هذه الحقائق الناصعة، وسيكلفون بعض أذنابهم ومن ينطقون بلسانهم ممّن هم تحت سيطرتهم بأنْ ينشروا هذه الحقائق غير صحيحة، وسيضطرون تحت الخوف والوعيد إلى نشر مثل هذا التكذيب وإنكار الحقائق، ولكن هذه الحقائق لا يشك في صحتها إلّا من أعماه الباطل وحب التعصب للمدنية الكاذبة، فإنّ هذه الأمة التي هجرت أوطانها وملأت بلاد السودان، والجزائر، وتونس، ومصر، والشام وبلاد الترك، ومُلئت صحراء أفريقيا بجثث النساء والأطفال الذين ماتوا عطشًا، هذه الأمة التي تتكبد هذه الصعوبات المهلكة لا يحملها على ذلك إلّا هول أعظم من هذا الهول، فليعتقد العالم الاسلامي وأنصار الانسانية أنّ هذه الحوادث صحيحة لا شك فيها، وأنّ الأمة الطرابلسية هي في النزع الأخير من حياتها. وهي ترفع هذا الصوت تستغيث كلّ من في قلبه ذرةٌ من إيمان قبل أنْ يُجهز عليها، فيفقد المسلمون شعبًا إسلاميًا ويفقد العرب أمةً عربيّة.

رئيس اللجنة الطرابلسية بمصر